:
روى البخارى ومسلم – رحمهما الله – عن عائشة رضى الله عنها، قالت : "كانت إحدانا إذا كانت حائضاً، فأراد رسول الله ، أن يباشرها، أمرها أن تتزر( ) فى فور حيضتها( ) ثم يباشرها. قالت : وأيكم يملك إربه( ) كما كان رسول الله ، يملك إربه"( )0

هذا الحديث وما فى معناه، الذى يبين حدود علاقة الرجل بزوجته وهى حائض، والأحكام المتعلقة بحيضتها، طعن فيه أعداء السنة بحجة أنه يطعن فى عصمة رسول الله  فى سلوكه، ويخالف بزعمهم القرآن الكريم0

يقول أحمد صبحى منصور : "فالبخارى هنا يسند تلك الروايات لأمهات المؤمنين ليجعلهن شهود على أن النبى كان يباشرهن وهن حائضات، ويجعل عائشة فى إحدى الروايات تشير إلى خصوصية النبى الجنسية – فى زعمه – بقولها : "وأيكم يملك إربه كما كان النبى يملك إربه"0

وفى روايات أخرى يجعل البخارى من النبى ملازماً لنسائه لا يفترق عنهن حتى فى المحيض. فيروى أن أم سلمة قالت : "بينما أنا مع رسول الله  مضطجعة فى خميصة( ) إذ حضت، فانسللت( ) فأخذت ثياب حيضتى، قال : أنفست؟( ) قلت : نعم. فدعانى فاضطجعت معه فى الخميلة"( )0

يقول أحمد صبحى : وهكذا لا عمل أمام النبى ولا مسؤوليات ملقاة على عاتقه إلا أن يجلس فى الخميلة مع إحدى زوجاته، ولا يمنعه من ذلك حيض أو غيره، بل هناك أكثر من ذلك. يفترى البخارى أن عائشة قالت : "كان النبى ، يتكئ فى حجرى وأنا حائض ثم يقرأ القرآن"( ) هكذا ضاقت كل الأماكن واشتد الزحام بحيث يلجأ النبى إلى ذلك تلك هى سنة الرسول التى كتبها البخارى، فما هى سنته فى القرآن؟ يقول تعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين( ) لم يقل رب العزة "فاعتزلهن" فقط، وإنما أيضاً : "ولا تقربوهن"0

ونحن نؤمن بأن النبى طبق هذه السنة التى فرضها الله عليه، أما البخارى فيؤكد من خلال أحاديثه أن النبى لم يطبق شرع الله. ولكل إنسان أن يختار. هل ينتصر لله ورسوله، أم ينصر البخارى فى كذبه على الله ورسوله"( ) وبنفس كلامه قال غيره من أعداء السيرة العطرة( )0

ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : الإمام البخارى – رحمه الله – لم يخترع، ولم يؤلف، الأحاديث السابقة وغيرها الواردة فى بيان حدود علاقة الرجل بزوجته أثناء حيضتها، والمبينة الأحكام الشرعية المتعلقة بفترة حيض المرأة0
لقد نقل البخارى – كما نقل غيره من رواة السنة – ما سمعه من شيوخه الثقات مما سمعوه من شيوخهم إلى أن وصل النقل إلى رسول الله  أو إلى الصحابى الذى روى عن رسول الله 0
ولنا أن نتساءل. لماذا كل هذا الحقد، والتشنيع على الإمام البخارى، مع أن غيره من علماء الحديث شاركه فى رواية هذه الأحاديث المتعلقة بأحكام الحيض؛ والتى أوردتها جميع كتب الجوامع والسنن تحت اسم كتاب "الحيض"؟0

إن كل هذا الحقد الذى يظهروه فى حق الإمام البخارى، هو جزء يسير مما تخفيه صدورهم نحو عدائهم لسنة المصطفى ، ولرواتها من الأئمة الأعلام قديماً وحديثاً0

ثانياً : ما نقله رواة السنة المطهرة، وعلى رأسهم الإمام البخارى، من الأحاديث المبينة الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة أثناء حيضتها، دين واجب ذكره لتتعلم الأمة المراد بخطاب ربها : ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإن تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين( )0
وفى البيان المنقول إلينا ما يبين عصمة رسول الله  فى سلوكه وهديه ومحاسن أخلاقه الباطنة مع أهل بيته على ما سيأتى بعد قليل0
ثالثاً : ليس فى حديث مباشرة رسول الله ، نسائه فى المحيض ما يتعارض مع قوله تعالى : فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن بل فى هذا الحديث وغيره البيان العملى للآية الكريمة0

وهذا البيان كما هو معلوم؛ من مهامه  فى رسالته، لقوله تعالى : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون( ) فهل فى بيانه ، للآية الكريمة، ونقل هذا البيان بالسند الصحيح، ما يشوه سيرته العطرة؟ أو يطعن فى عصمته فى سلوكه وهديه كما يزعم أعداء السنة؟0

إن الآية الكريمة تتحدث عن وجوب اعتزال الرجل زوجته الحائض، وعدم الاقتراب منها، حتى تطهر من حيضتها. فهل الاعتزال وعدم الاقتراب هنا، كما هو مفهوم عند اليهود؟ من إهمال الزوجة الحائض، واعتبارها نجسة، فلا يأكل ولا يشرب معها، ولا يسكن معها فى بيت واحد؟0
إن هذا السؤال ورد على لسان أصحاب رسول الله ، وهو وارد على لسان كل مسلم إلى يوم الدين، كيف يتعامل مع زوجته الحائض؟ فجاءت الإجابة، وجاء البيان القولى والعملى مع رسول الله  بإباحة كل شئ من الزوجة الحائض إلا الجماع0

فعن أنس بن مالك رضى الله عنه، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لو يؤاكلوها، ولم يجامعوهن فى البيوت. فسأل أصحاب النبى ، النبى ، فأنزل الله تعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن…الآية( ) فقال رسول الله  : "اصنعوا كل شئ إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا. فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله ، حتى ظننا أن قد وجد عليهما( ) فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبى ، فأرسل فى آثارهما. فسقاهما. فعرفا أن لم يجد عليهما"( )0
فتأمل أمر رسول الله  : "اصنعوا كل شئ إلا النكاح" إنها كلمة جامعة جاءت جواباً عن موقف اليهود من المرأة الحائض، وجاءت تفسيراً وبياناً لقول رب العزة : فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فقوله : ولا تقربوهن حتى يطهرن تفسير لقوله : فاعتزلوا النساء فى المحيض والمراد : اعتزالهن، وعدم قربانهن بالجماع مادام الحيض موجوداً( )0

وهذا يعنى أن المراد بالاعتزال وعدم القران، إنما المراد به الفرج فقط، وما عدا ذلك من مؤاكلة، ومشاربة، واجتماع معهن فى البيوت، ومباشرتهن، ونحو ذلك، فهو حلال كما قال المعصوم ، "اصنعوا كل شئ إلا النكاح"0

وتأمل : كيف تغير وجه رسول الله  من كلمة عباد بن بشر، وأسيد بن حضير، لما طلبا الرخصة فى الوطء أيضاً تتميماً لمخالفة الأعداء "إن اليهود تقول كذا وكذا. فلا نجامعهن؟" فتغير وجه رسول الله ، لأن تلك الرخصة مخالفة لكتاب الله عز وجل باعتزال النساء فى المحيض، وعدم قربانهن بالجماع!0
وعندما ظنا رضى الله عنهما، أن رسول الله ، قد غضب عليهما بعث فى آثارهما رسولاً ليحضرا عنده، فسقاهما من لبن جاء إليه هدية، فعرفا حينئذ أنه ، لم يغضب عليهما0
وفى هذا الحديث النبوى القولى : "اصنعوا كل شئ إلا النكاح" والذى جاء تفسيراً وبياناً للآية الكريمة، طبقه رسول الله ، عملياً، فجاء بيانه للآية الكريمة فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن بياناً قولياً وعملياً0
وإليك نماذج من هذا البيان العملى :
1- بيانه  عملياً طهارة جسد المرأة الحائض، وجواز النوم معها فى ثيابها، والاضطجاع معها فى لحاف واحد، وذلك ما دل عليه حديث أم سلمة السابق، عندما حاضت، وذهبت فى خفية لتأخذ ثياب حيضتها، وظننت عدم جواز نومها وهى حائض مع رسول الله  فإذ به عليه الصلاة والسلام، يقول لها : أنفست؟ فتقول : نعم. فيدعوها رسول الله ، للنوم معه فى لحاف واحد كما قالت : "فدعانى فاضطجعت معه فى الخميلة"( )0

فهذا الفعل وقع منه ، للبيان التشريعى للآية الكريمة، ورداً على ما فهمته أم سلمة، من عدم طهارتها جسدياً عندما حاضت، وظنت عدم جواز نومها مع زوجها رسول الله ، فى لحاف واحد. وليس الأمر كما يزعم أعداء عصمته، بأن الأماكن ضاقت به ، ولا مسئولية ملقاة على عاتقه، إلا أن يجلس فى الخميلة مع إحدى زوجاته، ولا يمنعه من ذلك حيض أو غيره!0
وقد دل على ذلك البيان التشريعى أيضاً قول ميمونة زوج النبى  قالت : "كان رسول الله ، يضطجع معى وأنا حائض، وبينى وبينه ثوب"( ) ودل عليه أيضاً قول عائشة رضى الله عنها "كنت أنا ورسول الله ، نبيت فى الشعار( ) الواحد، وأنا طامث( ) أو حائض فإن أصابه منى شئ غسل مكانه ولم يعده( ) وصلى فيه، ثم يعود، فإن أصابه منى شئ فعل ذلك، ولم يعده، وصلى فيه"( )0
وفى هذا الحديث الأخير : زيادة على حديث أم سلمة وميمونة رضى الله عنهما، وتلك الزيادة هى بيان الحكم للرجل إذا أصاب ثوبه شئ من حيض زوجته وهى نائمة معه فى لحاف واحد، فما عليه إلا بغسل مكان ما أصابه من دم الحيض فقط ولا يتجاوزه، وإذا صلى مع ذلك صحت صلاته0
2- ويبين رسول الله ، عملياً صحة الصلاة فى المكان الذى توجد فيه المرأة الحائض، بل وصحة الصلاة فى ثوبها0
فعن عائشة رضى الله عنها، قالت : كان رسول الله ، يصلى بالليل، وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعلى مرط( ) لى، وعليه بعضه"( ). وعن ميمونة زوج النبى ، قالت : صلى رسول الله ، وعليه مرط بعضه عليه، وعليها بعضه، وهى حائض"( )0
3- ويبين رسول الله ، عملياً جواز مؤاكلة الحائض، والشرب من فضلها فتقول عائشة رضى الله عنها : كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبى ، فيضع فاه على موضع فى. فيشرب وأتعرق العرق( ) وأنا حائض، ثم أناوله النبى ، فيضع فاه على موضع فىَّ"( )0
4- ويبين رسول الله ، عملياً جواز تسريح وغسل الحائض رأس زوجها. فتقول عائشة رضى الله عنها : كان رسول الله  يدنى إلىَّ رأسه، وأنا فى حجرتى. فأرجله( ) وأغسله وأنا حائض"( )0
5- ويبين رسول الله ، عملياً طهارة ذات المرأة الحائض، وطهارة ثيابها ما لم يلحق شيئاً منها نجاسة، وذلك كله دل عليه عندما كان ، معتكفاً فى المسجد، وطلب من زوجته عائشة رضى الله عنها أن تناوله ثوب من حجرته0
فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : بينما رسول الله  فى المسجد. فقال : يا عائشة! ناولينى الثوب" فقالت : إنى حائض. فقال : "إن حيضتك ليست فى يدك" فناولته"( )0

ففى قوله : "إن حيضتك ليست فى يدك" معناه : أن النجاسة التى يصان المسجد عنها – وهى دم الحيض – ليست فى يدها، فدل ذلك على أن ذات الحائض طاهرة0

وعن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله  يتكئ فى حجرى وأنا حائض. فيقرأ القرآن"( )0
ففى هذا الحديث دلالة واضحة على جواز ملامسة الحائض، وأن ذاتها وثيابها على الطهارة، ما لم يلحق شيئاً منها نجاسة، كما فى الحديث دلالة واضحة على جواز قراءة القرآن بقرب محل النجاسة( ) وكل هذا منه ، للبيان التشريعى الذى هو من مهامه فى رسالته، وليس الأمر كما يزعم أعداء عصمته، بأن الأماكن ضاقت به حتى لجأ إلى حجر عائشة يقرأ فيه القرآن!0
6- ويبين رسول الله ، عملياً ما للرجل من امرأة إذا كانت حائضاً فتأتى رواية عائشة السابقة، لتبين بأنه  كان يباشر نسائه فوق الإزار( ) وتأتى رواية أنس السابقة "اصنعوا كل شئ إلا الجماع"( ) لتبين جواز المباشرة تحت الإزار دون الفرج، ويؤيده ما رواه أبو داود بإسناد قوى( ). عن عكرمة عن بعض أزواج النبى ، أن النبى ، كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً"( ) ولا تعارض فى ذلك فرواية عائشة محمولة على الاستحباب، لمن لا يضبط نفسه عند المباشرة من الفرج، أما من وثق من نفسه، جاز له المباشرة تحت الإزار دون الفرج( )0
ولا شك أنه ، كان أملك الناس لإربه، فهذا من خصائصه، كما صرحت عائشة رضى الله عنها، رغم أنف المنكرين لذلك( )0

وبعـد :
فهذا بيان رسول الله ، قولاً وعملاً لقوله تعالى : فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن( ) وهو بيان يهم كل مسلم ومسلمة، وعنه سأل أصحاب رسول الله  قديماً ورجعوا إليه( ) وعنه يسأل كل مسلم ومسلمة إلى يوم الدين0

فليختر كل إنسان لنفسه؛ إذا حاضت أخته، أو زوجته، أو أمه، أو خالته، أو… الخ هل يعتزلهن فلا يؤاكلهن ولا يشاربهن ولا يساكنهن فى بيت واحد – كما هو حال اليهود؟ أم يكون له قدوة وأسوة بسنة وسيرة المعصوم ؟!0

إن سنة وسيرة رسول الله ، فى معاملة المرأة الحائض تمثل قمة التكريم للمرأة، كما تمثل عظمة أخلاقه، وعصمته  فى سلوكه مع أهل بيته، إذا أصابهن ما كتبه رب العزة على بنات آدم0
فالمرأة فى فترة حيضتها، تكون شبه مريضة أو مريضة يصبها توعك وآلام تجعلها تشعر فى تلك الفترة بالهبوط والضيق0

كما أن أغلبية الرجال يشعرون بالاشمئزاز والنفور من الرائحة الشهرية المرافقة للطمث. وقليل منهم الذين يشعرون ببهجة وانجذاب. وشم هذه الرائحة الشهرية لا يقتصر على منطقة الأعضاء الجنسية، بل تمتد فى معظم النساء إلى إفرازات الجلد والنفس( ) وكل هذا ولا شك مما قد يفسد العلاقة بين الرجل وأهله فى تلك الفترة التى تعترى المرأة شهرياً0
فهل تعتزل أخى المسلم : زوجتك الحائض فى تلك الفترة، فلا تؤاكلها، ولا تشاربها، ولا تساكنها، فى بيت واحد، مما قد يزيد الجفاء بينك وبين زوجتك؟0

أم تمتثل لسنة وسيرة المعصوم ، مع أهل بيته فى تلك الفترة التى تحيض فيها المرأة؛ فيكون لذلك أطيب الأثر فى العلاقة بينك وبين أهل بيتك، ويكون لك الأجر والهداية، والفلاح، جزاء امتثالك وطاعتك لله عز وجل ولرسوله ؟ اختر لنفسك ما شئت0

اللهم ارزقنى القدوة بنبيك مع أهل بيت