:
عصمته  من أكل ما ذبح على النصب، ودفع ما يتوهم عكس ذلك :
1- عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، أن النبى ، لقى زيد بن عمرو بن نفيل( ) بأسفل بلدح( ) قبل أن ينزل عليه  الوحى، فقدمت إلى النبى  سفرة( ) فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد : إنى لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه"( )، ففى الحديث تصريح بعدم أكله ، مما ذبح على النصب0
- أما ما جاء فى حديث سعيد بن زيد بن عمرو أن رسول الله ، وزيد بن حارثة( ) مر بهما زيد بن عمرو، فدعوه إلى سفرة لهما، فقال : يا ابن أخى إنى لا آكل مما ذبح على النصب، فما رؤى النبى  بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب"( )0
- وفى حديث زيد بن حارثة رضى الله عنه قال : خرج رسول الله  وهو مردفى إلى نصب من الأنصاب، فذبحنا له شاة، ووضعناها فى التنور( ) حتى إذا نضجت، استخرجناها فجعلناها فى سفرتنا، ثم أقبل رسول الله  يسير، وهو مردفى فى أيام الحر، من أيام مكة، حتى إذا كنا بأعلى الوادى لقى فيه زيد بن عمرو – فذكر الحديث مطولاً – وفيه : ثم قدّمنا إليه يعنى زيد بن عمرو – السفرة التى كان فيها الشواء، فقال : ما هذه؟ فقلنا : هذه شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا، فقال : إنى لا آكل ما ذبح لغير الله"( )0
وفى رواية قال : "ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه"( ) فليس فى الروايتين ما يتعارض مع رواية البخارى السابقة من عصمته  من أكل ما ذبح للأصنام، لأن قول زيد : "هذه شاة ذبحناها لنُصب كذا وكذا" تعنى الحجر الذى ذبحت عليه الشاة، وليس هذا الحجر بصنم ولا معبود، وإنما هو من آلات الجزار التى يذبح عليها، لأن النُصب فى الأصل حجر كبير. فمنها ما يكون عندهم من جملة الأصنام، فيذبحون له وعلى اسمه! ومنها مالا يعبد، بل يكون من آلات الذبح، فيذبح الذابح عليه لا للصنم!0

وهذا أكثر ما تحمله العبارة السابقة : أن يكون زيد بن حارثة ذبح شاة، واتفق ذلك الذبح عند صنم، كانت قريش تذبح عنده، لا أنه ذبحها للصنم!0

فظن زيد بن عمرو أن ذلك اللحم مما ذبح لصنم، فامتنع لذلك حسماً للمادة، ولم يكن الأمر كما ظن زيد( )0

ويكون امتناع النبى  بعد ذلك عن أكل شئ ذبح على النصب أى الحجر مثل امتناع زيد بن عمرو حسماً للمادة0

هذا ولا يعنى قول زيد بن حارثة : "فما رؤى النبى  بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب" أنه  قبل ذلك كان يأكل مما ذبح لصنم! كلا‍! وحاشاه  من ذلك، ويؤكده ما جاء فى نفس الرواية السابقة من حديث زيد بن حارثة قال : "وكان صنماً من نحاس يقال له أساف أو نائلة يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول الله  وطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله  : "لا تمسه" قال زيد : فطفنا. فقلت فى نفسى لأمسنه حتى أنظر ما يقول، فمسحته! فقال رسول الله  : "ألم تنه؟"( )0

فكيف يعقل إذن أن ينهى رسول الله  عن استلام الأصنام ثم يذبح لها؟!( )0

أما ما يستشكل من قول زيد بن عمرو : "إنى لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه" وهو ما يعنى أنه علم أن الشاة المذبوحة، إنما ذبحت على النصب الذى هو من آلات الذبح، ولم تذبح لصنم، ولكنه مع ذلك امتنع عن الأكل منها، لأنها لم يذكر عليها اسم الله عز وجل، وهو ما يعنى أن رسول الله  كان أولى بهذه الفضيلة من زيد بن عمرو0

فالجواب : أنه ليس فى الحديث أنه  أكل منها، وعلى تقدير أن يكون أكل، فزيد إنما كان يفعل ذلك برأى يراه، لا بشرع بلغه، ولاسيما وزيد يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع أحداً من أهل الكتابين( )0

وهو وإن كان على دين سيدنا إبراهيم، فشرعه على تحريم الميتة، لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه، واستمر ذلك حتى جاء الإسلام( )0

أما قول بعض خصوم السيرة العطرة : "بأن هذا جواب بارد، لأن فيه إدراك زيد لهذا الأمر الذى وافق فيه نظر الشرع"( )0

فأقول له : وأين نظر الشرع هنا فى إدراكه، وقد جاء النهى عن أكل ما ذبح إلى غير اسم الله عز وجل، بعد المبعث بمدة طويلة، ولم ينقل أن أحداً بعد المبعث كف عن الذبائح حتى نـزل قوله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق( )0


أما زعمه بان إدراك زيد لذلك دونه  مما لا يمكن قبوله، أو الالتزام به، لأنه يعنى أن زيداً كان أعقل من النبى  وأعرف به( )0

فالجواب : أنه ليس فى إسناد فضيلة لزيد بن عمرو أو لغيره، ما يعود بالنقض على رسول الله ،ولا ما يثبت تفضيله عليه. إذ من المسلم أنه قد يكون فى المفضول من الخصائص ما ليس للأفضل، ولا يؤثر هذا فى أفضليته، لأن له من الخصائص ما يؤهله لاستحقاق الأفضلية. وهذا بديهى. وإلا فليخبرنا الرافضى، هل الفضائل والمناقب الصحيحة، بل وحتى الضعيفة والموضوعة التى تنسب لسيدنا على بن أبى طالب، أو غيره من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين تعنى أنه أو أنهم أعقل من سيدنا رسول الله  وأعرف منه، وأفضل منه؟!! أهـ0

هـ عصمته  من الحلف بأسماء الأصنام التى كان يعبدها قومه، ويحلفون بها تعظيماً لها:
جاء فى قصة بحيرا الراهب أنه استحلف النبى  باللات والعزى حينما لقيه بالشام فى سفرته مع عمه أبى طالب وهو صبى، لما رأى فيه علامات النبوة، فقال بحيرا للنبى  يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتنى عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما. فقال له النبى  : "لا تسألنى باللات والعزى شيئاً، فوالله ما أبغضت بغضها شيئاً قط"( )0

وعن عروة بن الزبير رضى الله عنه قال : حدثنى جار لخديجة بنت خويلد رضى الله عنها قال : سمعت النبى  يقول لخديجة : أى خديجة والله لا أعبد اللات أبداً، والله لا أعبد العزى أبداً، قال : فتقول خديجة خل العزى، قال : كانت صنمهم الذى يعبدون، ثم يضطجعون"( )0