- عصمته  من الجهالات :
شب رسول الله ، يحفظه الله عز وجل، ويعصمه من أقذار الجاهلية ومعائبها، ويتحدث رسول الله  عن مظاهر عصمة الله عز وجل له فى صغره، وقبل النبوة قائلاً :
1- "ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون بها إلا مرتين الدهر، كلتاهما يعصمنى الله عز وجل منها، قلت ليلة لفتى من قريش بأعلى مكة فى أغنام لأهلنا نرعاها : انظر غنمى حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان، قال : نعم فخرجت، فجئت أدنى دار من دور مكة، سمعت غناء وضرب دفوف وزمراً، فقلت : ما هذا؟ قالوا : فلان تزوج فلانة، لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوت بذلك الغناء، وبذلك الصوت حتى غلبتنى عينى، فما أيقظنى إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبى فقال : ما فعلت؟ فأخبرته، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجت، فسمعت مثل ذلك، فقيل لى مثل ما قيل لى، فلهوت بما سمعت حتى غلبتنى عينى، فما أيقظنى إلا مس الشمس، ثم رجعت إلى صاحبى، فقال لى! ما فعلت؟ فقلت : ما فعلت شيئاً، قال رسول الله : فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمنى الله عز وجل بنبوته"( )0
وفيما قصه النبى  عن نفسه من خبر حفظ الله إياه من كل سوء منذ صغره وصدر شبابه، ما يوضح لنا حقيقتين كل منهما على جانب كبير من الأهمية :
الأولى : أن النبى  كان متمتعاً بخصائص البشرية كلها، وكان يجد فى نفسه ما يجده كل شاب من مختلف الميولات الفطرية التى اقتضت حكمة الله أن يجبل الناس عليها. فكان يحس بمعنى السمر واللهو، ويشعر بما فى ذلك من متعة، وتحدثه نفسه لو تمتع بشئ من ذلك كما يتمتع الآخرون0
الثانية : أن الله عز وجل قد عصمه مع ذلك عن جميع مظاهر الانحراف، وعن كل مالا يتفق مع مقتضيات الدعوة التى هيأه الله لها، فهو حتى عندما لا يجد لديه الوحى أو الشريعة التى تعصمه من الاستجابة لكثير من رغائب النفس، يجد عاصماً آخر خفياً يحول بينه وبين ما قد تتطلع إليه نفسه مما لا يليق بمن هيأته الأقدار لتتميم مكارم الأخلاق، وإرساء شريعة الإسلام( )0