مقالة أشباه الحمير في مريم وابنها
وأما قولهم في مريم فإنهم يقولون إنها أم المسيح ابن الله في الحقيقة، ووالدته في الحقيقة، لا أم لابن الله إلا هي، ولا والدة له غيرها، ولا أب لابنها إلا الله، ولا ولد له سواه، وإن الله اختارها لنفسه ولولادة ولده وابنه من بين سائر النساء، ولو كانت كسائر النساء لما ولدت إلا عن وطء الرجال لها، ولكن اختصت عن النساء بأنها حبلت بابن الله، ولدت ابنه الذي لا ابن له في الحقيقة غيره، ولا ولد له سواه، وإنها على العرش جالسة عن يسار الرب تبارك وتعالى والد ابنها، وابنها عن يمينه.
والنصارى يدعونها ويسألونها سعة الرزق، وصحة البدن، وطول العمر، ومغفرة الذنب، وأن تكون لهم عن ابنها ووالده -الذي يعتقد عامتهم أنه زوجها، ولا ينكرون ذلك عليهم- سوراً وسنداً وذخراً وشفيعاً وركناً، ويقولون في دعائهم: يا والدة الإله اشفعي لنا ! وهم يعظمونها ويرفعونها على الملائكة وعلى جميع النبيين والمرسلين، ويسألونها ما يسأل الإله من العافية والرزق والمغفرة.
حتى أن اليعقوبية يقولون في مناجاتهم لها: يا مريم يا والدة الإله، كوني لنا سوراً وسنداً وذخراً وركناً.
والنسطورية يقولون: يا والدة المسيح كوني لنا كذلك، ويقولون لليعقوبية: لا تقولوا: يا والدة الإله وقولوا يا والدة المسيح ، فقالت لهم العقوبية: المسيح عندنا وعندكم إله في الحقيقة فأي بيننا وبينكم في ذلك ؟ ولكنكم أردتم مصالحة المسلمين ومقاربتهم في التوحيد .
هذا…والأوقاح الأرجالس من هذه الأمة تعتقد أن الله سبحانه اختار مريم لنفسه ولولده، وتخطاها كما يتخطى الرجل المرأة.
قال النظام بعد أن حكى ذلك عنهم: وهو يفصحون بهدا عند من يثقون به.
قد قال ابن الأخشيد هذا عنهم في المعونة، وقال: إليه يشيرون، ألا ترون أنهم يقولون، من لم يكن والداً عقيماً والعقم آفة وعيب، وهذا قول جميعهم وإلى المباضعة يشيرون، ومن خالط القوم وطاولهم وباطنهم عرف ذلك منهم .
فهذا كفرهم وشركهم برب العالمين ومسبتهم له.
ولهذا قال فيهم أحد الخلفاء الراشدين: أهينوهم ولا تظلموهم فلقد سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر .
وقد أخبر النبي-صلى الله عليه وسلم- عن ربه في الحديث الصحيح أنه قال: شتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وكذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، أما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته … لو أتى الموحدون بكل ذنب وفعلوا كل قبيح وارتكبوا كل ما بلغت مثقال ذرة في جنب هذا الكفر العظيم برب العالمين، ومسبته هذا السب، وقول العظائم فيه. معصية
فما ظن هذه الطائفة برب العالمين أن يفعله بهم إذا لقوه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ويسأل المسيح على رؤوس الأشهاد وهم يسمعون يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟ فيقول المسيح مكذباً لهم ومتبرئاً منهم : سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد .