الطعون العامة التي يوردها الطاعنون ، ونشير هنا إلي الأسباب التي كانت وراءها ، أو التي دفعت هؤلاء إلي الخوض في قضايا تمس القرآن الكريم ، ومن ثم يمكن القول بأن اختلافهم في القرآن يرجع إلى مجموعة من الاعتبارات ؛ نذكر أهمها فيما يلى :
أما نفي نسبة القرآن إلى الله تعالى ، وزعم عدم حفظ القرآن ، وما يندرج تحتهما من طعونات ، فإنها دعاوى من غير أدلة ولا برهان ، وسببها الحقد المحض ، ولعل سببها الوحيد لديهم دعواهم وجود التناقض في القرآن ، والتناقض دليل على عدم قدسيته .
وأما دعوى تناقض القرآن فإنها ترجع لخمسة أسباب ، كما ذكرها الزركشي ، فقد قال - رحمه الله - :
الأول : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى :
كقوله تعالى في خلق آدم إنه (من تراب( [ آل عمران : 59] ، ومرة (من حمأ مسنون( [الحجر : 26] ، ومرة (من طين لازب( [الصافات : 11] ، ومرة (من صلصال كالفخار( [الرحمن : 14] ، وهذه الألفاظ مختلفة ، ومعانيها في أحوال مختلفة ؛ لأن الصلصال غير الحمأ ، والحمأ غير التراب ، إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر ، وهو التراب ، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال .
ومنه قوله تعالى : (فإذا هي ثعبان مبين( [ الشعراء : 32 ] ، وفي موضع (تهتز كأنها جان( [القصص : 31] ، والجان الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ؛ وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم واهتزازها وحركاتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته .
السبب الثاني : اختلاف الموضوع :
كقوله تعالى : (وقفوهم إنهم مسئولون([الصافات : 24] ، وقوله : (فلنسألن الذين أرسل إليهم و لنسألن المرسلين( [ الأعراف : 6 ] ، مع قوله : (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان( [الرحمن : 36] ؛ قال الحليمي : فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل ، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه .
وحمله غيره على اختلاف الأماكن ؛ لأن في القيامة مواقف كثيرة ، فموضع يسأل ويناقش وموضع آخر يرحم ويلطف به ، وموضع آخر يعنف ويوبخ وهم الكفار ، وموضع آخر لا يعنف وهم المؤمنون .
وقوله : (ولا يكلمهم الله يوم القيامة([البقرة : 174] ، مع قوله : (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون([الحجر : 92-93] وقيل : المنفي كلام التلطف والإكرام ، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة ، فلا تنافي ، وقيل : إن المنفي كلامهم في النار، والمثبت كلامهم في الحساب .
وكقوله : (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين([الأنعام : 23] ، مع قوله : (ولا يكتمون الله حديثا([النساء : 42] ، فإن الأولى تقتضي أنهم كتموا كفرهم السابق ، والجواب من وجهين ؛ أحدهما : أن للقيامة مواطن ففي بعضها يقع منهم الكذب ، وفي بعضها لا يقع ، كما سبق ، والثاني : أن الكذب يكون بأقوالهم ، والصدق يكون من جوارحهم ، فيأمرها الله تعالى بالنطق فتنطق بالصدق .
ومنه قوله تعالى : (اتقوا الله حق تقاته([آل عمران : 102] ، مع قوله : (فاتقوا الله ما استطعتم([التغابن : 16] ، يحكى عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي ، رحمه الله ، أنه جمع بينهما فحمل الآية الأولى على التوحيد ، والثانية على الأعمال ، والمقام يقتضي ذلك ؛ لأنه قال بعد الأولى (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون( .
وقيل : بل الثانية ناسخة ؛ قال ابن المنير : الظاهر أن قوله : (اتقوا الله حق تقاته( إنما نسخ حكمه لا فضله وأجره ، وقد فسر النبي ( حق تقاته بأن قال : « هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر » . فقالوا : أينا يطيق ذلك . فنزلت(فاتقوا الله ما استطعتم( وكان التكليف أولا باستيعاب العمر بالعبادة بلا فترة ولا نعاس ، كما كانت الصلاة خمسين ثم صارت بحسب الاستطاعة خمسا ، والاقتدار منـزل على هذا الاعتبار ، ولم ينحط من درجاته ، وقال الشيخ كمال الدين الزملكاني : وفي كون ذلك منسوخا نظر ، وقوله : (ما استطعتم( هو (حق تقاته( إذ به أمر فإن (حق تقاته( الوقوف على أمره ودينه ، وقد قال بذلك كثير من العلماء اهـ .
والحديث الذي ذكره ابن المنير في تفسيره (حق تقاته(لم يثبت مرفوعا ، بل هو من كلام ابن مسعود رواه النسائي ، وليس فيه قول الصحابة : أينا يطيق ذلك ، ونزول قوله تعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم( .
ومنه قوله تعالى : (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة([النساء : 3] مع قوله في أواخر السورة : (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم( [النساء : 129] فالأولى تُفهم إمكان العدل ، والثانية تنفيه ؛ والجواب أن المراد بالعدل في الأولى العدل بين الأزواج في توفية حقوقهن ، وهذا ممكن الوقوع وعدمه ، والمراد به في الثانية الميل القلبي ؛ فالإنسان لا يملك ميل قلبه إلى بعض زوجاته دون بعض ، وقد كان يقسم بين نسائه ثم يقول : " اللهم هذا قسمي في ما أملك ، فلا تؤاخذني بما لا أملك " . يعني ميل القلب ، وكان عمر يقول : اللهم قلبي فلا أملكه ، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل .
ويمكن أن يكون المراد بالعدل في الثانية العدل التام ؛ أشار إليه ابن عطية ، وقد يحتاج الاختلاف إلى تقدير ، فيرتفع به الإشكال كقوله تعالى : (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى([النساء : 95] ثم قال سبحانه : (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما( والأصل في الأولى : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر درجة ، والأصل في الثانية : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من الأصحاء درجات .
وكقوله تعالى : (إن الله لا يأمر بالفحشاء([الأعراف : 28] مع قوله : (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها([الإسراء : 16] ، والمعنى أمّرناهم وملّكناهم وأردنا منهم الصلاح فأفسدوا ، والمراد بالأمر في الأولى أنه لا يأمر به شرعا ولكن قضاء ؛ لاستحالة أن يجري في ملكه مالا يريد ، وفرقٌ بين الأمر الكوني والديني .
الثالث : الاختلاف في جهتي الفعل :
كقوله تعالى : (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم( [الأنفال : 17] ؛ أضيف القتل إليهم على جهة الكسب والمباشرة ، ونفاه عنهم باعتبار التأثير ؛ ولهذا قال الجمهور : إن الأفعال مخلوقة لله تعالى ، مكتسبة للآدميين ، فنفي الفعل بإحدى الجهتين لا يعارضه إثباته بالجهة الأخرى . وكذا قوله : (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى([الأنفال:17] أي ما رميت خلقا إذ رميت كسبا . وقيل : إن الرمي يشتمل على القبض والإرسال وهما بكسب الرامي ، وعلى التبليغ والإصابة وهما بفعل الله عز وجل ؛ قال ابن جرير الطبري : وهي الدليل على أن الله خالق لأفعال العباد ؛ فإن الله تعالى أضافه إلى نبيه ثم نفاه عنه ، وذلك فعل واحد ؛ لأنه من الله تعالى التوصيل إليهم ومن نبيه بالحذف والإرسال ، وإذا ثبت هذا لزم مثله في سائر أفعال العباد المكتسبة ، فمن الله تعالى الإنشاء والإيجاد ، ومن الخلق الاكتساب بالقوى .
ومثله قوله تعالى : (الرجال قوامون على النساء([النساء : 34] وقال تعالى : (وقوموا لله قانتين([البقرة : 238] فقيام الانتصاب لا ينافي القيام بالأمر لاختلاف جهتي الفعل .
الرابع : الاختلاف في الحقيقة والمجاز :
كقوله : (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى([الحج : 2] (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت([إبراهيم : 17] وهو يرجع لقول المناطقة : الاختلاف بالإضافة . أي وترى الناس سكارى بالإضافة إلى أهوال القيامة مجازا ، وما هم بسكارى بالإضافة إلى الخمر حقيقة .
ومثله في الاعتبارين قوله تعالى : (آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين( [البقرة:8] وقوله : (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون([الأنفال : 21] ، وقوله تعالى : (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون( [الأعراف : 198] ، فإنه لا يلزم من نفي النظر نفي الإبصار ، لجواز قولهم : نظرت إليه فلم أبصره .

الخامس : بوجهين واعتبارين :
وهو الجامع للمفترقات ، كقوله : (فبصرك اليوم حديد([ق : 22] وقال : (خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي([الشورى : 45] ، قال قطرب : (فبصرك( : أي علمك ومعرفتك بها قوية ، من قولهم : بصر بكذا وكذا . أي علم ، وليس المراد رؤية العين ، قال الفارسي : ويدل على ذلك قوله : (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم الحديد( وصف البصر بالحدة .
وكقوله تعالى : (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك( [الأعراف : 127] مع قوله : (أنا ربكم الأعلى( [النازعات : 24] ؛ فقيل : يجوز أن يكون معناه : ويذرك وآلهتك إن ساغ لهم ، ويكون إضافة الآلهة إليه ملكا كان يعبد في دين قومه ، ثم يدعوهم إلى أن يكون هو الأعلى ، كما تقول العرب موالي من فوق وموالي من أسفل ، فيكون اعتقادهم في الآلهة مع فرعون أنها مملوكة له ، فيحسن قولهم : (وآلهتك((108) ، وقوله تعالى : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله( [الرعد : 28] مع قوله : (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم( [الأنفال : 2] فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة ؛ وجوابه أن الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى ، فتوجل القلوب لذلك ، وقد جمع بينهما في قوله : (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله( [الزمر : 23] فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ، ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك .
وكقوله : (خمسين ألف سنة( [المعارج : 4] وفي موضع (ألف سنة( [السجدة : 5]، وأجيب بأنه باعتبار حال المؤمن والكافر بدليل (وكان يوما على الكافرين عسيرا( [الفرقان : 26] . وكقوله : (بألف من الملائكة مردفين( [الأنفال : 9] وفي آية أخرى (بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين( [آل عمران : 124] ، قيل : إن الألف أردفهم بثلاثة آلاف ، وكان الأكثر مددا للأقل ، وكان الألف (مردفين) بفتحها…)(109) .
إذن فأسباب إيهام التناقض عند الزركشي خمسة : -
السبب الأول : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى .
السبب الثاني : اختلاف الموضوع .
السبب الثالث : اختلافهما في جهتي الفعل .
السبب الرابع : اختلافهما في الحقيقة والمجاز .
السبب الخامس : الاختلاف لوجهين واعتبارين .
وذكر صاحب كشف الأسرار أن من أسباب الاختلاف في القرآن :
(1- ( الغُمُوض فِي المعنى ) أَيْ الْإشكال إنَّمَا يَقَعُ لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى , وَمِنْ نَظَائِرِهِ قولُه تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ( , اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ عَلَى السَّامِعِ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَيْفَ أَوْ بِمَعْنَى أَيْنَ ، فَعُرِفَ بَعْدَ الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَيْفَ ، بِقَرِينَةِ الْحَرْثِ وَبِدَلَالَةِ حُرْمَةِ الْقُرْبَانِ فِي الْأَذَى الْعَارِضِ , وَهُوَ الْحَيْضُ فَفِي الْأَذَى اللَّازِمِ أَوْلَى .
2- (والاستعارة البديعة) وَأَمَّا نَظِيرُ الِاسْتِعَارَةِ الْبَدِيعَةِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ( , فَالْقَوَارِيرُ لَا يَكُونُ مِنْ الْفِضَّةِ ، وَمَا كَانَ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يَكُونُ قَوَارِيرَ ، وَلَكِنْ لِلْفِضَّةِ صِفَةُ كَمَالٍ, وَهِيَ نَفَاسَةُ جَوْهَرِهِ وَبَيَاضُ لَوْنِهِ ، وَصِفَةُ نُقْصَانٍ وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَصْفُو وَلَا تَشِفُّ وَلِلْقَارُورَةِ صِفَةُ كَمَالٍ أَيْضًا ، وَهِيَ الصَّفَاءُ وَالشَّفِيفُ ، وَصِفَةُ نُقْصَانٍ , وَهِيَ خَسَاسَةُ الْجَوْهَرِ ، فَعُرِفَ بَعْدَ التَّأَمُّلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كُلٍّ وَاحِدٍ صِفَةُ كَمَالِهِ ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ , وَهِيَ مَعَ بَيَاضِ الْفِضَّةِ فِي صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ وَشَفِيفِهَا . وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ( , فَاللِّبَاسُ لَا يُذَاقُ وَلَكِنَّهُ يَشْمَلُ الظَّاهِرَ ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ ، وَالْإِذَاقَةُ أَثَرُهَا فِي الْبَاطِنِ وَلَا شُمُولَ لَهَا ، فَاسْتُعِيرَتْ الْإِذَاقَةُ لِمَا يَصِلُ مِنْ أَثَرِ الضَّرَرِ إلَى الْبَاطِنِ وَاللِّبَاسُ بِالشُّمُولِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : فَأَذَاقَهُمْ مَا غَشِيَهُمْ مِنْ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ . أَيْ أَثَرُهُمَا وَاصِلٌ إلَى بَوَاطِنِهِمْ مَعَ كَوْنِهِ شَامِلًا لَهُمْ . )(110)
ولعل أضبط التقاسيم بالنسبة لأسباب الطعون هو ما ذكره الراغب الأصبهاني(111) ؛ حيث قال :
(والمتشابه من القرآن : ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ؛ إما من حيث اللفظ ، أو من حيث المعنى ؛ فقال الفقهاء : المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده ، وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب :
محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه .
فالمتشابه في الجملة(112) ثلاثة أضرب :
متشابه من جهة اللفظ فقط ، ومتشابه من جهة المعنى فقط ، ومتشابه من جهتهما .
- والمتشابه من جهة اللفظ ضربان :
1- أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك :
أ-إما من جهة غرابته نحو : الأبّ(113) ، ويزفون(114) .
ب-وإما من جهة مشاركة اللفظ كاليد ، والعين(115) .
2- والثاني يرجع إلى جملة الكلام المركب ، وذلك ثلاثة أضرب :
أ- ضرب لاختصار الكلام نحو : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ…)[النساء : 3] ، أي فلا تتزوجوهن وانكحوا … ،
ب- وضرب لبسط الكلام نحو : ( ليس كمثله شيء) [الشورى-11] ، لأنه لو قيل : ليس مثله شيء . كان أظهر للسامع .
ج - وضرب لنظم الكلام نحو (أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيما( [ الكهف/1-2] ، تقديره : أنزل الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجاً . وقوله : (لولا رجالٌ مؤمنون( إلى قوله : (لو تزيّلوا([ سورة الفتح /25] .
- والمتشابه من جهة المعنى : أوصاف الله تعالى ، وأوصاف يوم القيامة ، فإن تلك الصفات لا تتصور لنا ؛ إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه ، أو لم يكن من جنس ما نحسه .
-والمتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعاً خمسة أضرب :
الأول : من جهة الكمية كالعموم والخصوص(116) نحو : (اقتلوا المشركين( [ التوبة5].
والثاني : من جهة الكيفية كالوجوب والندب(117) ، نحو : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء( [النساء/3] .
والثالث : من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ(118) نحو : (اتقوا الله حق تقاته([آل عمران : 102] .
والرابع : من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها نحو : (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها( [البقرة : 189]وقوله : (إنما النسيء زيادة في الكفر( [التوبة : 37] ، فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية .
والخامس : من جهة الشروط التي بها يصح الفعل ، أو يفسد ، كشروط الصلاة والنكاح.
وهذه الجملة إذا تصورت ، علم أن كل ما ذكره المفسرون من تفسير المتشابه ، لا يخرج عن هذه التقاسيم .
ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب :
ضرب لا سبيل للوقوف عليه ، كوقت الساعة ، وخروج دابة الأرض ، وكيفية الدابة ونحو ذلك .
وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته ، كالألفاظ الغريبة والأحكام المغلقة .
وضرب متردد بين الأمرين ، يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ، ويخفى على من دونهم ، وهو الضرب المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام لابن عباس "اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل " .
وإذا عُرفت هذه الجملة عُلم أن الوقف على قوله : (وما يعلم تأويله إلا الله( ووصله بقوله (والراسخون في العلم( جائز ، وأن لكل واحد منهما وجها حسبما دل عليه التفصيل المتقدم . اهـ .