وكيف يبيح الإسلام للمسلم أن يسيء إلى غير المسلم أو يؤذيه، وهو يوصي بالرحمة بكل ذي روح، وينهى عن القسوة على الحيوان الأعجم.
لقد سبق الإسلام جمعيات الرفق بالحيوان بثلاثة عشر قرنا، فجعل الإحسان إليه من شعب الإيمان، وإيذاءه والقسوة عليه من موجبات النار.
ويحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن رجل وجد كلبا يلهث من العطش، فنزل بئرا فملأ خفه منها ماء فسقى الكلب حتى روي.. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: فشكر الله له فغفر له. فقال الصحابة: أإن لنا في البهائم لأجرا يا رسول الله؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر".
وإلى جوار هذه الصورة المضيئة التي توجب مغفرة الله ورضوانه يرسم النبي صورة أخرى توجب مقت الله وعذابه فيقول: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
وبلغ من احترام حيوانية الحيوان أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم حمارا موسوم الوجه (مكويا في وجهه) فأنكر ذلك وقال: "والله لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه".
وفي حديث آخر أنه مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال: "أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها".
وقد ذكرنا قبل أن ابن عمر رأى أناسا اتخذوا من دجاجة غرضا يتعلمون عليه الرمي والإصابة بالسهام فقال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا".
وقال عبد الله بن عباس: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم". والتحريش بينها: هو إغراء بعضها ببعض لتتطاحن وتتصارع إلى حد الموت أو مقاربته.
وروى ابن عباس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن إخصاء البهائم نهيا شديدا". والإخصاء: سل الخصية.
وكذلك شنع القرآن على أهل الجاهلية تبتيكهم لآذان الأنعام (شقها) وجعل هذا من وحي الشيطان.
وقد عرفنا عند الكلام على الذبح كيف حرص الإسلام على إراحة الذبيحة بأيسر وسيلة ممكنة، وكيف أمر أن تحد الشفار وتوارى عن البهيمة.
ونهى أن يذبح حيوان أمام آخر.
وما رأت الدنيا عناية بالحيوان إلى هذا الحد الذي يفوق الخيال!!