من اسرار القران

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

لمسات بيانية الجديد 10 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | قالوا : ماذا لو صافحت المرأة الرجل ؟ » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | () الزوجة الصالحة كنز الرجل () » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | مغني راب أميركي يعتنق الإسلام بكاليفورنيا » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

من اسرار القران

صفحة 5 من 7 الأولىالأولى ... 4 5 6 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 63

الموضوع: من اسرار القران

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    39)‏ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا‏..*‏




    هذا النص القرآني المعجز جاء في الربع الأخير من سورة غافر وهي سورة مكية‏,‏ عدد آياتها‏85,‏ وقد سميت بهذا الاسم الجليل غافر الذي هو صفة من صفات الله العلا لوروده في مطلع السورة‏,‏ وفي ثناياها بصيغة الغفار وهو من أسماء الله الحسني‏.‏
    ويدور محور سورة غافر حول قضيتي الإيمان والكفر‏,‏ وصراع أهليهما عبر التاريخ‏,‏ ومحاولات أهل الباطل للعلو‏,‏ في الأرض‏,‏ والتجبر علي الخلق بغير الحق ــ تماما كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وذنبها الأعوج المسمي إسرائيل‏,‏ وحلفاؤهما اليوم ــ وترد آيات السورة الكريمة باستعراض لبأس الله الذي يأخذ المتجبرين في الأرض أخذ عزيز مقتدر‏,‏ وتشير إلي عدد من مصارع الغابرين الذين طغوا وبغوا في الأرض بغير الحق‏,‏ فكان جزاؤهم من الله الإفناء الكامل‏,‏ وماذلك علي الله بعزيز‏...!!‏

    وتبدأ سورة غافر بالحرفين المقطعين حم وبهما تبدأ سبع سور من سور القرآن الكريم وتسمي بالحواميم أو بــ آل حم والحروف المقطعة التي تفتتح بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم‏,‏ والتي تضم أسماء نصف حروف الهجاء العربية الثمانية والعشرين تعتبر من أسرار القرآن التي لم يتم اكتشافها بعد‏,‏ وإن بذلت محاولات عديدة من أجل ذلك‏.‏
    ويلي هذا الاستفتاح بيان من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بأن القرآن الكريم هو تنزيل من الله العزيز العليم الذي وصف ذاته العلية بقوله‏:‏ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير‏*‏ والغفر هو الستر والمحو والتكفير‏,‏ و‏(‏الطول‏)‏ هو الفضل والإنعام عن غني وسعة واقتدار‏.‏

    وتخاطب الآيات خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالحقيقة الواقعة‏:‏ أنه لا يجادل في آيات الله بغير علم إلا الذين كفروا‏,‏ وأنه لا يجوز ان يحزنه تقلب الكافرين في البلاد بشئ من السلطان والبطش‏(‏ كما ينقلب الأمريكان والإسرائيليون وأعوانهم اليوم‏)‏ فإن ذلك استدراج لهم‏,‏ حتي إذا ما بالغوا في جرائمهم أخذهم الله بذنوبهم أخذ من سبقوهم من الأمم الكافرة والمشركة من أمثال قوم نوح والأحزاب الذين أفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا‏,‏ فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر‏,‏ وتؤكد السورة أن مصيرهم إلي جهنم وبئس المصير‏...!!‏
    وتحدثت السورة عن حملة العرش وعمن حولهم من الملائكة الذين يسبحون بحمد الله ويؤمنون به‏,‏ ويستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض‏,‏ ويدعون للذين تابوا منهم بالنجاة من عذاب الجحيم‏,‏ ويسألون الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهم‏,‏ ولمن صلح من آبائهم‏,‏ وأزواجهم‏,‏ وذرياتهم جنات عدن‏,‏ وأن يقيهم السيئات‏,‏ كما تعرض لشئ من أحوال الكافرين والمشركين يتذللون بين يدي الله يوم القيامة في انكسار واضح وهم يقولون‏:‏ ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلي خروج من سبيل‏*.‏

    وتستشهد السورة بالعديد من آيات الله في الكون‏,‏ وتوصي المؤمنين بالثبات علي التوحيد الخالص لله ولو كره الكافرون‏,‏ وتصفه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بأنه‏:‏ رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره علي من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق‏*‏ وهو يوم التقاء الخلق في المحشر‏,‏ وهو يوم عصيب‏,‏ يبرز فيه الخلق امام الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا يخفي علي الله منهم شئ‏,‏ وينادي فيهم المنادي‏:‏ لمن الملك اليوم؟ ويأتي الجواب حاسما‏,‏ جازما قاطعا‏:‏ لله الواحد القهار و‏(‏الروح‏)‏ هنا هي الوحي والنبوة لأن القلوب تحيا بهما كما تحيا الاجساد بأرواحها‏...!!‏
    ويأتي القرار الإلهي‏:‏ اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب‏.‏

    وتحذر الآيات من أهوال يوم القيامة‏:‏ إذ القلوب لدي الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع وتؤكد أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور‏*‏ والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ إن الله هو السميع البصير‏*.‏
    وتعتب الآيات علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة والذين‏...‏ كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا فأخذهم الله بذنوبهم‏,‏ وما كان لهم من الله من واق‏*‏ وتعرض السورة لقصة سيدنا موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ مع كل من فرعون وهامان وقارون‏,‏ ومحاولة فرعون القضاء علي الحق وجنده وأتباعه‏,‏ قمعا للإيمان‏,‏ ونشرا للشرك والكفر والطغيان‏(‏ تماما كما يفعل الأمريكان وحلفاؤهم اليوم‏)‏ وتشير إلي مؤمن آل فرعون الذي كان يخفي إيمانه‏,‏ وحديثه إلي قومه‏,‏ وتحذيره إياهم من مصائر الغابرين من أقوام نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ومن أهوال يوم التناد‏,‏ ومن إهمالهم دعوة يوسف‏(‏ عليه السلام‏)‏ من قبل‏,‏ ومن أغترارهم بالدنيا ومتاعها الزائل بينما الآخرة هي دار القرار‏,‏ وذلك كله بشئ من اللطف والحذر‏.‏

    وتتحدث الآيات عن كيف زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل فحاق بآل فرعون سوء العذاب في الدنيا‏(‏ بغرقه في اليم هو وجنده وأعوانه ونجاة رسول الله موسي ومن آمن معه‏),‏ وفي قبورهم‏,‏ كما تؤكد الآيات‏,‏ ويوم تقوم الساعة حيث يلقون أشد العذاب‏.‏
    وتعرض الآيات للحوار بين الذين اتبعوا والذين اتبعوا وهم في النار‏,‏ ورجاؤهم في مذلة بادية إلي خزنة جهنم كي يدعوا الله تعالي أن يخفف عنهم يوما من العذاب‏....!!‏

    وتؤكد الآيات أن الله تعالي ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد‏,‏ وتعرض لشئ من أخبار سيدنا موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ مع بني إسرائيل‏,‏ وتأمر المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالصبر والاستغفار والتسبيح بحمد الله بالعشي والإبكار‏,‏ والاستعاذة بالله من الكبر الكاذب الذي يتخفي وراءه الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم‏.‏
    وكما لا يستوي الأعمي والبصير لا يستوي المسيئون والصالحون‏,‏ وتجزم الآيات بأن الساعة أتية لا ريب فيها‏,‏ وتطالب المؤمنين بالتوجه إلي الله تعالي بالدعاء‏,‏ فيستجيب لهم‏,‏ لأن الدعاء هو قمة الخضوع لله بالطاعة‏,‏ وأن الذين يستكبرون عن الدعاء سوف يدخلون جهنم داخرين‏...‏

    وتصف الآيات شيئا من أحوال المكذبين بكتب الله ورسله من الكفار والمشركين‏,‏ وتوصي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالثبات علي التوحيد الخالص لله‏,‏ والصبر علي ما يلقي من عناد الكافرين‏,‏ وتؤكد أن وعد الله حق‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أرسل رسلا من قبل‏,‏ قص شيئا من أخبار بعضهم عليه‏,‏ ولم يقصص عن البعض الآخر‏,‏ وأنه ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله‏,‏ فإذا جاءت الآية‏...‏ وجحد بها المكذبون‏..!‏ استحقوا حينئذ عقاب رب العالمين فخسروا خسرانا مبينا‏...!!‏
    وتختتم السورة بعتاب للمرة الثانية علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة من قبلهم والذين كانوا أكثر منهم عددا‏,‏ وأشد منهم قوة وأثارا في الأرض‏,‏ فما أغني عنهم ما كانوا يكسبون‏,‏ لأنهم كذبوا رسل الله إليهم‏,‏ واستعلوا عليهم بما كان عندهم من العلم فحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون‏,‏ فلما رأوا عقاب الله محيطا بهم قالوا‏:‏ آمنا بالله وحده‏,‏ وكفرنا بما كنا به مشركين‏,‏ ولكن ما كان ينفعهم هذا الإيمان الاضطراري بعد أن رأوا العذاب واقعا بهم‏,‏ وهي سنة الله التي قد خلت في عباده‏,‏ وخسر هنالك الكافرون‏...!!‏

    ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها السورة علي توحيد الألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ وتنزيه الاسماء والصفات لهذا الخالق العظيم‏,‏ والاستدلال علي طلاقة قدرته في إبداعه لخلقه ما يلي‏:‏

    ‏(1)‏ إنزال الرزق من السماء‏.‏
    ‏(2)‏ تضاؤل خلق الناس ــ علي عظمته ــ بجوار خلق السماوات والأرض‏.‏
    ‏(3)‏ حتمية الآخرة‏.‏
    ‏(4)‏ تخصيص الليل لراحة وسكون العباد وجعل النهار مبصرا‏.‏
    ‏(5)‏ حقيقة الخلق ووحدانية الخالق‏.‏
    ‏(6)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد جعل الأرض قرارا‏,‏ والسماء بناء‏.‏
    ‏(7)‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ قد صور بني الإنسان فأحسن صورهم‏,‏ ورزقهم من الطيبات‏.‏
    ‏(8)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق الناس من تراب‏,‏ ثم من نطقة‏,‏ ثم من علقة‏,‏ ثم يخرجهم طفلا‏,‏ تم يبلغوا أشدهم‏,‏ ثم ليكونوا شيوخا‏,‏ حتي يبلغوا أجلا مسمي‏,‏ فيتوفاهم الله ومنهم من يتوفي من قبل‏.‏
    ‏(9)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يحيي ويميت‏,‏ فإذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون‏.‏
    ‏(10)‏ خلق الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأنعام ليركب الناس منها‏,‏ ومنها يأكلون‏.‏
    ‏(11)‏ مكن الله‏(‏ تعالي‏)‏ بقدرته مياه البحار أن تحمل الفلك بقوانين الطفو حتي تكون وسيلة لنقل الناس وحمل أمتعتهم‏.‏
    وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي أكثر من مقال لاستيعابها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي جعل الأرض قرارا وأبدأ بدلالة تلك اللفظة في اللغة العربية‏.‏

    مدلول اللفظة‏(‏ قرارا‏)‏ في اللغة العربية



    مركز ثقل الارض فى قلبها
    يقال في العربية‏(‏ قر‏)‏ في مكانه‏(‏ يقر‏)(‏ قرارا‏)‏ إذا ثبت ثبوتا جامدا‏,‏ وأصله من‏(‏ القر‏)‏ وهو البرد لأنه يقتضي السكون‏,‏ والحر يقتضي الحركة‏,‏ و‏(‏القرار‏)‏ المستقر من الأرض‏,‏ و‏(‏القرار‏)‏ في المكان‏(‏ الاستقرار‏)‏ فيه تقول‏:(‏ قررت‏)‏ بالمكان بالكسر‏(‏ أقر‏)(‏ قرارا‏),‏ و‏(‏قررت‏)‏ أيضا بالفتح‏(‏ قرارا‏)‏ و‏(‏قرورا‏),‏ و‏(‏استقر‏)‏ فلان إذا تحري‏(‏ القرار‏),‏ و‏(‏الإقرار‏):‏ إثبات الشئ‏.‏
    قال‏(‏ تعالي‏):‏ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا‏...‏ أي مستقرا تعيشون فيها‏,‏ ويسأل‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ سؤال التبكيت للكافرين بقوله‏:‏ أمن جعل الأرض قرارا‏...(‏ النمل‏:61)‏ أي مستقرا‏,‏ وقال‏(‏ تعالي‏)‏ في صفة الآخرة‏:‏ وإن الآخرة هي دار القرار‏*(‏ غافر‏:39).‏

    وقال في أصحاب الجنة‏:‏
    أصحاب الجنة يؤمئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا‏*(‏ الفرقان‏:24)‏
    وقال سبحانه وتعالي‏:‏ خالدين فيها حسنت مستقرار ومقاما‏*(‏ الفرقان‏:76)‏
    وقال في وصف النار‏:‏ إنها ساءت مستقرا ومقاما‏*(‏ الفرقان‏:66)‏
    وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏ جهنم يصلونها وبئس القرار‏*(‏ إبراهيم‏:29)‏
    وقال‏(‏ سبحانه وتعالي‏):...‏ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين‏*‏
    ‏(‏البقرة‏:36‏ والأعراف‏24)‏
    وقال‏(‏ جل شأنه‏):‏ وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع‏..*(‏ الانعام‏:98).‏

    أقوال المفسرين
    في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا‏...(‏ غافر‏:64)‏
    ذكر أبن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:....‏ أي جعلها لكم مستقرا‏,‏ تعيشون عليها وتتصرفون فيها‏,‏ وتمشون في مناكبها‏...‏
    وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ رحمهما الله رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:‏ اي مكانا لاستقراركم وحياتكم‏.‏

    وجاء في الظلال‏:(‏ رحم الله كاتبها رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:....‏ والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة التي أشرنا إلي بعضها إجمالا‏....‏
    وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ علي كاتبه من الله الرضوان ما نصه‏:(‏ الأرض قرارا‏)‏ مستقرا تعيشون فيها‏..‏

    وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزي الله المشاركين في كتابته خير الجزاء‏)‏ ما نصه‏:‏ الله ــ وحده ــ الذي جعل لكم الأرض مستقرة صالحة لحياتكم عليها‏.....‏
    وجاء في صفوة التفاسير جزي الله كاتبها خير الجزاء ما نصه‏:‏ أي جعلها مستقرا لكم في حياتكم وبعد مماتكم‏,‏ قال ابن عباس‏:‏ جعلها منزلا لكم في حال الحياة وبعد الموت‏....‏

    الله الذي جعل لكم الأرض قرارا‏...‏
    في مفهوم العلوم المكتسبة‏.‏
    جاء ذكر هذه الحقيقة في كتاب الله مرتين‏:‏ أولاهما في سورة النمل حيث يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءلة مع الله بل أكثرهم لا يعلمون‏*(‏ النمل‏61)‏

    وتكرر هذا السؤال‏:‏ أءله مع الله؟ خمس مرات في خمس آيات متتاليات من سورة النمل استنكارا لشرك المشركين بالله‏...!!‏
    ويأتي الجواب قاطعا جازما حاسما في كل مرة‏:‏
    بل هم قوم يعدلون‏(‏ النمل‏:60)‏
    بل أكثرهم لا يعلمون‏(‏ النمل‏:61)‏
    قليلا ما تذكرون‏(‏ النمل‏:62)‏
    تعالي الله عما يشركون‏(‏ النمل‏:63)‏
    قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين
    ‏(‏النمل‏:64).‏

    وتسبق هذه الآيات الخمس بالحقيقة القاطعة التي يقررها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ لذاته العلية علي لسان هدهد سليمان بقوله الحق‏:‏ الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم‏*(‏ النمل‏:26).‏
    والمرة الثانية التي جاءت فيها الإشارة إلي جعل الأرض قرارا هي الأية التي نحن بصددها من سورة غافر والتي يقول فيها الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين‏*(‏ غافر‏:64)‏
    وواضح من دلالة اللغة‏,‏ ومن شروح المفسرين أن التعبير جعل الأرض قرارا تعني مستقرا في ذاتها‏,‏ وقرار للحياة علي سطحها‏,‏ وهما قضيتان مختلفتان ولكنهما متصلتان اتصالا وثيقا ببعضهما علي النحو التالي‏:‏

    أولا‏:‏ جعل الأرض قرارا



    بمعني مستقرة بذاتها
    الأرض ثالثة الكواكب السيارة الداخلية جريا حول الشمس‏,‏ ويسبقها من هذه الكواكب الداخلية قربا من الشمس كل من عطارد والزهرة علي التوالي‏,‏ ويليها إلي الخارج أي بعدا عن الشمس بالترتيب‏:‏ المريخ‏,‏ المشتري‏,‏ زحل يورانوس نبتيون‏,‏ وبلوتو‏,‏ وهناك مدار لمجموعة من الكويكبات بين كل من المريخ والمشتري يعتقد بأنها بقايا لكوكب عاشر انفجر منذ زمن بعيد‏,‏ كما أن الحسابات الفلكية التي قام بها عدد من الفلكيين الروس تشير إلي أحتمال وجود كوكب حادي عشر لم يتم رصده بعد اطلقوا عليه اسم بروسوبينا أو بريينا‏.‏
    وبهذا يصبح عدد كواكب المجموعة الشمسية أحد عشر كوكبا‏,‏ وهنا يبرز التساؤل عن إمكانية وجود علاقة ما بين هذه الحقيقة الفلكية ــ التي لم تكتمل معرفتها إلا في أواخر القرن العشرين ــ وبين رؤيا سيدنا يوسف‏(‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏)‏ التي يصفها الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه بقوله‏:‏

    إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين‏*.(‏ يوسف‏:4)‏
    وإن كان ظاهر الأمر في السورة الكريمة أن المقصود هو ما تحقق بالفعل بعد تلك الرؤيا بسنين عديدة من سجود إخوة يوسف الأحد عشر وأبويه له عند قدومهم إلي مصر من بادية الشام‏,‏ وعلي الرغم من ذلك فإن هذه العلاقة لايمكن استبعادها‏,‏ وهذا السبق القرآني بالإشارة إليها لايمكن تجاهله‏....!!‏

    والأرض عبارة عن كوكب صخري‏,‏ شبه كروي له الأبعاد التالية‏:‏
    متوسط قطر الأرض‏=12,742‏ كيلو متر
    متوسط محيط الأرض‏=40,042‏ كيلو متر
    مساحة سطح الأرض‏=510,000,000‏ كيلو متر مربع منها‏:‏
    ‏149‏مليون كم‏2‏ يابسة
    ‏361‏ مليون كم‏2‏ ماء
    حجم الأرض‏=108,000,000‏ كيلو متر مكعب
    متوسط كثافة الأرض‏=5,52‏ جرام‏/‏للسنتيمتر المكعب
    كتلة الأرض‏=5520‏ مليون مليون مليون طن
    متوسط كثافة الصخور في قشرة الأرض‏=2,5‏ جرام‏/‏للسنتيمتر المكعب
    متوسط كثافة الصخور الجرانيتية المكونة لكتل القارات‏=2,7‏ جرام‏/‏للسنتيمتر المكعب
    متوسط كثافة الصخور البازلتية المكونة لقيعان المحيطات‏=2,9‏ جرام‏/‏للسنتيمتر المكعب
    أمن جعل الأرض قرارا
    وبمقارنة متوسط كثافة الصخور المكونة لقشرة الأرض والتي تتراوح بين‏2,9,2,5‏ جرام للسنتيمتر المكعب مع متوسط كثافة الأرض ككل والمقدرة بحوالي‏5,52‏ جرام للسنتيمتر المكعب ثبت أن كثافة المادة المكونة للأرض تزداد باستمرار من سطحها في اتجاه مركزها حيث تتراوح الكثافة من‏10‏ إلي‏13,5‏ جرام للسنتيمتر المكعب ويفسر ارتفاع متوسط الكثافة بالقرب من مركز الأرض بوجود نسبة عالية من الحديد‏,‏ وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض‏,‏ وتناقص نسبة هذه العناصر الثقيلة بالتدريج في اتجاه قشرة الأرض‏.‏
    وتقدر نسبة الحديد في الأرض بحوالي‏35,9%‏ من مجموع كتلة الأرض المقدرة بحوالي‏5520‏ مليون مليون مليون طن‏,‏ وعلي ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بحوالي الألف وخمسمائة مليون مليون مليون طن‏,‏ ويتركز هذا الحديد في قلب الأرض علي هيئة كرة ضخمة من الحديد‏(90%)‏ والنيكل‏(9%)‏ وبعض العناصر الخفيفة من مثل السيليكون‏,‏ والكربون والفوسفور والكبريت والتي لاتشكل في مجموعها أكثر من‏1%‏ مما يعرف باسم لب الأرض‏,‏ والذي تشكل كتلته‏31%‏ من كتلة الأرض‏,‏ ويمثل طول قطره حوالي‏55%‏ من طول قطر الأرض‏,‏ أما باقي الحديد في الأرض‏(5,9%‏ من كتلة الأرض‏)‏ فيتوزع علي باقي كتلة الأرض‏(‏ وشاح الأرض وغلافها الصخري‏)‏ بسمك يقدر بحوالي ثلاثة آلاف كيلو متر‏(2895‏ كيلو مترا‏)‏ في تناقص مستمر يصل بنسبة الحديد في الغلاف الصخري للأرض إلي‏5,6%.‏
    وتركيز هذه الكتلة الهائلة من الحديد وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض من وسائل جعله جرما مستقرا في ذاته‏.‏

    وهنا تأتي الإشارة القرآنية إلي تلك الحقيقة سبقا يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة لأن أحدا في زمانه ولا لقرون متطاولة من بعده لم يكن له علم بهذه الحقيقة التي لم يكتشفها الإنسان إلا في القرن العشرين‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    إذا زلزلت الأرض زلزالها‏*‏ وأخرجت الأرض أثقالها‏*(‏ الزلزلة‏:2,1)‏
    ولو أن الزلزال المقصود هنا هو زلزال الآخرة عند نفخة البعث‏,‏ إلا أن الحقيقة المصاحبة للهزة الأرضية تبقي واحدة‏,‏ ولو أن المفسرين السابقين قد رأوا في أثقال الأرض إشارة ضمنية إلي أجساد الموتي‏(‏ بما تحمل من أوزار‏)‏ والتي تلفظها الأرض من داخل بطنها بسبب هذا الزلزال الأخير‏,‏ تلفظهم أحياء للحساب والجزاء‏,‏ وإن كان رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قد وصف لبعث الأموات صورة مغايرة لذلك‏.‏

    والأثقال جمع ثقل‏(‏بكسر فسكون‏)‏ وهو الحمل الثقيل‏,‏ أو جمع ثقل‏(‏ بالتحريك‏)‏ وهو كل نفيس مصون‏.‏
    وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه يروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله‏:‏تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة‏,‏ فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت‏,‏ ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي‏,‏ ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي‏,‏ ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا‏.‏

    وهذا الحديث الشريف يؤكد أن المقصود بأثقال الأرض في سورة الزلزلة هو الأحمال الثقيلة كما أثبتت الدراسات العلمية الحديثة‏,‏ وليست أجساد الموتي فقط كما تخيل العديد من المفسرين السابقين‏,‏ وهذا سبق علمي قرآني ونبوي معجز لأن أحدا من البشر لم يكن له علم بأن أثقال الأرض في جوفها حتي القرن العشرين‏.‏
    ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليونا من الكيلومترات‏,‏ وهذه المسافة قد حددتها بتقدير من الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ كتلة الأرض تطبيقا لقوانين الجاذبية‏,‏ والتي تنادي بأن قوة الجذب بين جسمين تتناسب تناسبا طرديا مع كتلة كل منهما‏,‏ وتناسبا عكسيا مع مربع المسافة بينهما حسب المعادلة التالية‏:‏

    قوة الجاذبية بين كتلتين م‏1,‏ م‏2=‏ ثابت الجاذبية‏*‏ م‏1*‏م‏2/‏مربع المسافة بينهما
    وهذا يعني أنه كلما زادت كتلة أي من الجسمين زادت قوة الجذب بينهما‏,‏ وكلما زادت المسافة بينهما قلت قوة الجاذبية‏.‏

    والاتزان بين قوة جذب الشمس للأرض‏,‏ والقوة النابذة المركزية التي دفعت بالأرض الأولية من الشمس هو الذي حدد‏(‏ بمشيئة الله الخالق‏)‏ بعد الأرض عن الشمس‏.‏
    والارتباط الوثيق بين كل من كتلتي الأرض والشمس بطريقة منتظمة بمعني أنه كلما تغيرت كتلة أحدهما تغيرت كتلة الآخر بنفس المعدل‏,‏ هو من الأمور التي تعمل علي تثبيت بعد الأرض عن الشمس‏,‏ وجعلها مستقرة في دورانها حول محورها‏,‏ وفي جريها حول الشمس في مدار محدد مما يؤدي إلي تثبيت كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلي الأرض وهي من عوامل تهيئتها لاستقبال الحياة واستقرارها‏,‏ وذلك لأن كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلي كل كوكب من كواكبها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس‏,‏ وكذلك تتناسب سرعة جري الكوكب في مداره حول الشمس‏.‏

    والأرض كوكب فريد في صفاته الفيزيائية والكيميائية والفلكية مما أهله بجدارة إلي أن يكون مهدا للحياة الأرضية بكل مواصفاتها النباتية‏,‏ والحيوانية‏,‏ والإنسية‏.‏
    فقد أثبتت دراسات الفيزياء الأرضية أن الأرض مبنية من عدد من النطق المتمركزة حول كرة مصمطة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب أو اللب الداخلي للأرض‏,‏ وتقسم هذه النطق الأرضية علي أساس من تركيبها الكيميائي أو علي أساس من صفاتها الميكانيكية علي النحو التالي‏:‏

    ‏(1)‏ قشرة الأرض‏:‏ وتتكون من صخور نارية ومتحولة صلبة تتغطي بسمك قليل من الصخور الرسوبية أو الرسوبيات‏(‏ التربة‏)‏ في كثير من الأحيان‏,‏ وتغلب الصخور الحامضية وفوق الحامضية علي كتل القارات وذلك من مثل الجرانيت والصخور الجرانيتية‏(‏ بمتوسط كثافة‏2,7‏ جرام‏/‏للسنتيمتر المكعب‏)‏ ويغلب علي قيعان البحار والمحيطات الصخور القاعدية وفوق القاعدية من مثل البازلت والجابرو‏(‏بمتوسط كثافة‏2,9‏ جرام‏/‏ للسنتيمتر المكعب‏).‏
    ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية في كتل القارات من‏35‏ إلي‏40‏ كيلو مترا‏,‏ وإن تجاوز ذلك تحت المرتفعات الأرضية من مثل الجبال‏.‏
    ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية المكونة لقيعان البحار والمحيطات من‏5‏ إلي‏8‏ من الكيلو مترات‏.‏

    ‏(2)‏ الجزء السفلي من الغلاف الصخري للأرض‏:‏ ويتكون من صخور صلبة تغلب عليها الصخور الحامضية وفوق الحامضية في كتل القارات بسمك يصل إلي‏85‏ كيلو مترا‏,‏ بينما تغلب عليها الصخور القاعدية وفوق القاعدية تحت البحار والمحيطات بسمك في حدود‏60‏ كيلو مترا‏.‏
    ويفصل هذا النطاق عن قشرة الأرض سطح انقطاع للموجات الاهتزازية يعرف باسم الموهو‏(TheMohoDiscontinuity).‏

    ‏(3)‏ الجزء العلوي من وشاح الأرض‏(‏ نطاق الضعف الأرضي‏):‏
    وتوجد فيه الصخور في حالة لدنة‏,‏ شبه منصهرة‏(‏ أو منصهرة انصهارا جزئيا في حدود‏1%),‏ ويتراوح سمك هذا النطاق بين‏280‏ كيلو مترا‏,335‏ كيلو مترا‏,‏ وهو مصدر للعديد من نشاطات الأرض من مثل الزلازل‏,‏ والبراكين‏,‏ وتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وتكون الجبال والسلاسل الجبلية‏.‏
    ‏(4)‏ الجزء الأوسط من وشاح الأرض‏:‏ ويتكون من مواد صلبة‏,‏ كثيفة‏,‏ ويقدر سمكه بحوالي‏270‏ كيلو مترا‏,‏ ويحده من أسفل ومن أعلي مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل يقع أحدهما علي عمق‏400‏ كيلومتر من سطح الأرض‏,‏ ويقع الآخر علي عمق‏670‏ كيلو مترا من سطح الأرض‏.‏

    ‏(5)‏ الجزء السفلي من وشاح الأرض‏:‏ ويتكون من مواد صلبة تعلو لب الأرض السائل‏,‏ ويحده من أعلي أحد مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل علي عمق‏670‏ كيلو مترا من سطح الأرض‏,‏ ويحده من أسفل نطاق انتقالي شبه منصهر يفصله عن لب الأرض السائل علي عمق‏2885‏ كيلو مترا من سطح الأرض‏,‏ ولذا يقدر سمك هذا النطاق بحوالي‏2215‏ كيلو مترا‏.‏
    ‏(6)‏ لب الأرض السائل‏(‏ الجزء الخارجي من لب الأرض‏):‏
    وهو نطاق سائل يحيط بلب الأرض الصلب‏,‏ وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا‏,‏ ويقدر سمكه بحوالي‏2275‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏2885‏ كيلو مترا إلي عمق‏5160‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ وتفصله عن النطاقين الأعلي والأسفل منطقتان انتقاليتان شبه منصهرتين‏,‏ أضخمهما المنطقة السفلي والتي يقدر سمكها بحوالي‏450‏ كيلو مترا‏.‏

    ‏(7)‏ لب الأرض الصلب‏(‏ اللب الداخلي للأرض‏):‏ وهو عبارة عن كرة ضخمة من الحديد‏(90%)‏ والنيكل‏(9%)‏ مع القليل من العناصر الخفيفة من مثل السيليكون‏,‏ الكربون‏,‏ الكبريت‏,‏ الفوسفور والتي لاتكاد نسبتها أن تتعدي‏1%.‏
    وهذا هو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا‏,‏ والتي تصل الأرض بملايين الأطنان سنويا‏,‏ ويعتقد بأنها ناتجة عن انفجار بعض الأجرام السماوية‏.‏

    وهذه البنية الداخلية للأرض تدعمها دراسة النيازك التي تهبط علي الأرض‏,‏ كما تؤيدها قياسات الجاذبية الأرضية والاهتزازات الناتجة عن الزلازل‏.‏
    ولولاهذه البنية الداخلية للأرض‏,‏ ماتكون لها مجالها المغناطيسي‏,‏ ولا قوتها الجاذبية‏,‏ ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي والمائي‏,‏ ولاستحالت الحياة‏,‏ ولولا المجال المغناطيسي للأرض لدمرتها الأشعة الكونية المتسارعة من الشمس ومن بقية نجوم السماء‏.‏

    والأرض تجري حول الشمس في فلك بيضاني قليل الاستطالة‏,‏ بسرعة تقدر بحوالي‏30‏ كيلو مترا في الثانية‏,‏ لتتم دورتها في سنة شمسية مقدارها‏365.25‏ يوم تقريبا وتدور حول محورها بسرعة تقدر اليوم بحوالي‏30‏ كيلو مترا في الدقيقة عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره‏24‏ ساعة تقريبا‏,‏ يتقاسمه ليل ونهار‏,‏ بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول السنوية‏,‏ والتي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج بزاوية مقدارها‏66,5‏ درجة تقريبا‏.‏
    كذلك فإن حركات الأرض العديدة ومنها حركتها المحورية‏,‏ والمدارية‏,‏ وترنحها في دورانها حول محورها‏,‏ وتذبذبها‏(‏نودانها أو ميسانها‏),‏ وقربها وبعدها من الشمس في حركتها المدارية‏,‏ والتغير التدريجي في توازن حركاتها مع حركات القمر حولها‏,‏ ومع باقي كواكب المجموعة الشمسية ومع الشمس حول مركز المجرة‏,‏ وباتجاه كوكبة الجاتي‏,‏ ومع المجرة‏,‏ حول مركز التجمع المجري‏,‏ وكلها حركات تحتاج إلي ضبط وإحكام حتي تصبح الأرض مستقرة بذاتها‏,‏ وقرارا للحياة علي سطحها‏.‏

    وتكفي في ذلك الإشارة إلي دور الجبال في تثبيت الأرض والتقليل من ترنحها في دورتها حول محورها تماما كما تقوم قطع الرصاص التي توضع حول إطارات السيارات في التقليل من معدلات ترنحها أثناء جري السيارة‏.‏

    ثانيا‏:‏ جعل الأرض قرارا بمعني قرارا لسكانها
    ومن معاني جعل الأرض قرارا لسكانها هو جعل الظروف العامة للأرض مناسبة للحياة علي سطحها‏,‏ ومن أولها مقدار جاذبية الأرض الذي يمسك بكل من غلافها المائي والغازي وبالأحياء علي سطحها‏,‏ والماء هو سر الحياة علي الأرض‏,‏ ولذا جعل ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ كوكب الأرض أغني الكواكب التي نعرفها في المياه حتي ليسميه العلماء بالكوكب الأزرق أو الكوكب المائي‏,‏ وتقدر كمية المياه علي سطح الأرض بحوالي‏1360‏ مليون كيلو متر مكعب‏,‏ ويغطي الماء حوالي‏71%‏ من مساحة الأرض بينما لاتتعدي مساحة اليابسة اليوم‏29%‏ من مساحة الأرض‏.‏
    كذلك فإن غاز الأوكسجين يشكل سرا من أسرار الحياة الراقية علي الأرض فجعل الله‏(‏ تعالي‏)‏ لها غلافا غازيا تقدر كتلته بحوالي خمسة آلاف مليون مليون طن‏,‏ ويقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر حيث يصل ضغطه إلي حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع‏,‏ ويتناقص مع الارتفاع إلي واحد من مليون من ذلك الضغط في أجزائه العليا‏.‏

    ويضم الجزء السفلي من هذا الغلاف الغازي‏(‏ من‏6‏ إلي‏20‏ كيلومترا فوق مستوي سطح البحر‏)‏ حوالي‏66%‏ من كتلته‏,‏ ويتكون من غازات النيتروجين‏(‏ بنسبة‏78,1%‏ بالحجم‏)‏ والأوكسجين‏(‏ بنسبة‏21%‏ بالحجم‏)‏ والأرجون‏(‏ بنسبة‏0,93%‏ بالحجم‏),‏ وثاني أكسيد الكربون‏(‏ بنسبة‏0,03%‏ بالحجم‏)‏ بالإضافة إلي نسب ضئيلة من بخار الماء وغازات أخري‏.‏ ولولا هذا التركيب للغلاف الغازي ما استقامت الحياة علي الأرض‏.‏
    كذلك فإن كتلة وأبعاد الأرض‏,‏ ومسافتها من الشمس قدرت كلها بدقة بالغة‏,‏ فلو كانت الأرض أصغر قليلا لاندفعت بعيدا عن الشمس ولفقدت الكثير من طاقتها‏,‏ ولما كان بمقدورها الاحتفاظ بغلافها المائي والغازي‏,‏ وبالتالي لاستحالت الحياة‏,‏ ولو كانت أكبر قليلا لاندفعت الي مسافة أقرب من الشمس ولأحرقتها حرارتها‏,‏ ولزادت قدرتها علي جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة‏,‏ ويحول دون النمو الكامل للأحياء‏,‏ ويخل بالميزان الحراري علي سطحها‏.‏

    وكذلك يعتمد طول السنة الأرضية علي بعد الأرض من الشمس‏,‏ ويعتمد طول يوم الأرض علي سرعة دورانها حول محورها‏,‏ وكل ذلك مرتبط بأبعاد الأرض‏,‏ وكذلك يعتمد تبادل الفصول المناخية علي ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج فلو لم يكن مائلا ماتبادلت الفصول‏,‏ ولاختل نظام الحياة علي الأرض‏.‏
    ولولا تصدع الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وتحرك ألواحه متباعدة عن بعضها البعض ومصطدمة ببعضها البعض لما تكونت الجبال‏,‏ ولا ثارت البراكين‏,‏ ولاحدثت الهزات الأرضية‏,‏ وكلها من صور ديناميكية الأرض‏,‏ ووسائل تجديد وتثبيت غلافها الصخري‏,‏ وإثرائها بالمعادن‏,‏ وتكوين التربة وتحرك دورة الماء حول الأرض ودورة الصخور‏,‏ وبناء القارات وهدمها‏,‏ وتكون المحيطات واتساعها ثم اغلاقها وزوالها‏,‏ وهذه الحركات الأرضية‏(‏ وغيرها كثير‏)‏ لعبت وـ لاتزال تلعب ـ أدوارا أساسية في جعل الأرض كوكبا مهيئا لاستقبال الحياة الأرضية وصالحا للعمران‏.‏

    هذه بعض آيات الله في جعل الأرض كوكبا مستقرا في ذاته علي الرغم من حركاته العديدة‏,‏ وجريه في فسحة الكون‏,‏ وفي تهيئته ليكون مستقرا للحياة التي أراد الله أن تزدهر علي سطحه‏,‏ علي الرغم من المخاطر العديدة المحيطة به‏,‏ حتي يؤمن الناس بقدر الرعاية الإلهية التي يحيطنا الله بها في هذا الكون‏,‏ ويستشعرون حاجتهم إلي هذا الخالق العظيم وإلي رحمته وعنايته في كل وقت وفي كل حين لأننا لوتركنا لأنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك لهلكنا‏...‏
    وسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏
    الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين‏(‏ غافر‏:64)‏

    وعاتب الكافرين والمشركين والمتشككين بقوله الحق‏:‏
    أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءله مع الله بل أكثرهم لايعلمون‏(‏ النمل‏:61)‏
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    40)‏ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر‏....*)‏




    هذا النص القرآني المعجز جاء في مطلع الثلث الأخير من سورة فصلت وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها أربع وخمسون‏,‏ ويدور محورها الرئيسي حول القرآن الكريم وعن كونه هدي وشفاء للمؤمنين‏,‏ علي الرغم من صد المشركين والكافرين عنه‏,‏ وعن دعوته الرئيسية إلي توحيد الله والاستقامة علي هديه‏.‏
    وقد استهلت السورة بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    حم‏*‏ تنزيل من الرحمن الرحيم‏*‏ كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون‏(‏ فصلت‏:1‏ ــ‏3)‏
    وحم من الحروف المقطعة التي افتتحت بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم‏,‏ والتي تضم أسماء نصف عدد حروف الهجاء الثمانية والعشرين‏,‏ والتي تعتبر من أسرار القرآن علي الرغم من المحاولات العديدة التي بذلت من أجل تفسير دلالاتها‏.‏

    وبعد هذا الاستهلال‏,‏ تحدثت السورة عن أن القرآن الكريم هو تنزيل من الله الرحمن الرحيم‏,‏ وأنه كتاب فصلت آياته أي‏:‏ ميزت لفظا ومعني‏,‏ وأنه أنزل بلسان عربي ليخاطب العرب في المقام الأول‏,‏ وليحمله العرب إلي غيرهم من الأمم‏,‏ وقد يحتج نفر من غير العرب علي إنزاله بالعربية‏,‏ ولو أنه أنزل بأية لغة أخري لأثير نفس التساؤل‏:‏ لماذا أنزل بهذه اللغة دون غيرها؟
    ويرد عليهم ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في نفس السورة بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏

    ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته‏...‏
    وتركز السورة علي القرآن الكريم مؤكدة أنه كلام الله الذي أنزله بشيرا ونذيرا‏,‏ ووصفه بقوله‏:..‏ وإنه لكتاب عزيز‏*‏لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
    ‏(‏فصلت‏41‏ و‏42)‏

    وبينت السورة موقف كل من المؤمنين والمشركين من هذا الكتاب العزيز‏,‏ وأمرت رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالتأكيد علي بشريته‏,‏ واصطفائه للنبوة وللرسالة ولتلقي الوحي من الله‏,‏ وتبليغه للناس كافة في دعوة سماوية إلي التوحيد الخالص لله الخالق‏(‏ بغير شريك ولاشبيه ولامنازع‏)‏ والتحذير من الوقوع في جريمة الشرك بالله‏,‏ والتأكيد علي عواقبها الوخيمة في الدنيا والآخرة‏,‏ واستشهدت السورة الكريمة بعدد من آيات الله في الكون علي تفرد الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بالألوهية والربوبية والوحدانية‏,‏ وعلي طلاقة قدرته في إبداع خلقه‏,‏ ووظفت كل ذلك في إثبات قدرته‏(‏ تبارك اسمه‏)‏ علي الإفناء وإعادة الخلق والبعث من جديد‏.‏
    وتنذر سورة فصلت المعرضين عن دين الله بعقاب من مثل عقاب قوم عاد وثمود‏,‏ وعقاب غيرهم من الأمم التي قد خلت من قبلهم من كل من الجن والإنس‏,‏ وتذكر ببعض مشاهد العذاب في الآخرة‏,‏ ومن أخطرها حوار الخاطئين مع جوارحهم التي سوف تشهد عليهم وعلي جرائمهم التي ارتكبوها في حياتهم الدنيا‏,‏ وحوار المشركين مع من أشركوا بهم‏.....!!‏

    كما تتحدث السورة الكريمة عن عدد من المبشرات للمؤمنين الذين آمنوا بالله ربا‏,‏ وبالإسلام دينا‏,‏ وبسيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ نبيا ورسولا‏,‏ واستقاموا علي منهج الله‏,‏ ومنها أن الملائكة تتنزل عليهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة‏,‏ وفي لحطات الموت وسكراته‏,‏ وفي أثناء حشرجة الصدر‏,‏ وخروج الروح‏:‏ مطمئنة إياهم برضاء الله عنهم‏,‏ ومغفرته لهم‏,‏ ورحمته بهم‏,‏ ومبشرة بالنعيم المقيم الذي ينتظرهم إن شاء الله تعالي‏.‏
    وتقارن السورة الكريمة بين أحوال كل من المؤمنين والكافرين في الدنيا والآخرة‏,‏ وتتحدث عن شيء من أخلاق الدعاة إلي الله‏,‏ وأساليبهم في الدعوة إليه‏,‏ كما تمايز بين كل من الخير والشر‏,‏ والحسنة والسيئة‏,‏ وتؤكد أنهما لايستويان أبدا‏,‏ وتثبت رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بأن من قبله من الأنبياء والمرسلين قد جوبهوا بمثل ماقوبل به من الكفار والمشركين‏,‏ وتطمئنه بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو صاحب المغفرة وهو في الوقت نفسه ذو عقاب أليم‏....,‏ وأن من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها‏..‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ ليس بظلام للعبيد‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ يرد إليه علم الساعة‏,‏ وعلم كل شيء‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ علام الغيوب‏,‏ وتخلص إلي الحديث عن شيء من طبائع النفس الإنسانية‏,‏ وتختتم بهذا الوعد الإلهي القاطع‏:‏

    سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد‏*‏ ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط‏(‏ فصلت‏:53‏و‏54)‏
    وفي هاتين الآيتين الكريمتين من التأكيد القاطع بأن مستقبل الإنسانية سوف يري من آيات الله في الآفاق وفي الأنفس مايشهد علي صدق القرآن الكريم‏,‏ وأن جدل الكافرين حول قضية البعث وشكهم في إمكانية وقوعه نابع من سقوطهم في خطأ القياس علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بقدرات الإنسان المحدودة مما دفعهم إلي ما هم فيه من كفر وضلال‏...!!‏

    ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة فصلت مايلي‏:‏
    ‏(1)‏ خلق الأرض في يومين‏(‏ أي علي مرحلتين‏).‏
    ‏(2)‏ خلق الجبال‏.‏

    ‏(3)‏ مباركة الأرض بتهيئتها للعمران‏,‏ وتقدير أقواتها فيها في أربعة أيام‏(‏ أي‏:‏ أربع مراحل شاملة المرحلتين السابقتين‏).‏
    ‏(4)‏ إتمام بناء الكون بجعل السماوات سبعا‏,‏ كما أن الأراضين سبع‏,‏ وتزيين السماء الدنيا بالنجوم‏,‏ وجعلها حفظا لها‏.‏

    ‏(5)‏ عقاب الكافرين من قوم عاد بريح صرصر عاتية‏.‏
    ‏(6)‏ عقاب الكافرين من قوم ثمود بالصاعقة والطاغية‏.‏

    ‏(7)‏ شهادة كل من سمع وأبصار وجلود الكافرين علي جرائمهم التي ارتكبوها في الحياة الدنيا‏.‏
    ‏(8)‏ قدرة الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي إنطاق كل شيء‏.‏

    ‏(9)‏ تبادل كل من الليل والنهار مما يشير إلي دوران الأرض حول محورها‏.‏
    ‏(10)‏ حركات كل من الشمس والقمر‏.‏

    ‏(11)‏ اهتزاز الأرض وربوها‏(‏ أي انتفاخها وارتفاعها إلي أعلي‏)‏ بمجرد نزول الماء عليها‏,‏ وذلك لكي ترق رقة شديدة فتنشق لتفسح طريقا سهلا آمنا للنبتة الطرية‏(‏ السويقة‏)‏ المنبثقة من داخل البذرة النابتة‏,‏ وتشبيه هذا الإحياء للأرض بإحياء الموتي‏,‏ وإنبات كل من عجب ذنبة كما تنبت البقلة من حبتها طبقا لحديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
    ‏(12)‏ رد علم الساعة وعلم كل شيء إلي الله تعالي‏.‏

    ‏(13)‏ الوعد المستقبلي بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ سوف يري الإنسان من آيات الخلق في الآفاق والأنفس مايشهد بصدق كل ماجاء بالقرآن الكريم‏.‏
    ‏(14)‏ التأكيد علي أن من أسباب كفر الكافرين شكهم في إمكانية حدوث البعث لقياسهم علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بمقاييس البشر‏,‏ والتأكيد علي أن الله محيط بكل شيء‏.‏
    وسوف أقصر حديثي هنا علي تبادل كل من الليل والنهار وأبدأ بأقوال المفسرين السابقين في تلك القضية‏.‏

    أقوال المفسرين
    في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏



    أـ صورة من سفينة الفضاء جاليليو لكل من الأرض والقمر فى وسط ظلمة الكون ويرى نصف كل منهما المواجه للشمس منيرا والنصف الآخر غارقا فى ظلام دامس
    ب ـ أحد رواد الفضاء يسبح فى ظلمة الكون ويرى طبقة نور النهار على سطح الأرض خطا رفيعا ازرق ( 200 كم )
    ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لاتسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون‏(‏ فصلت‏:37)‏
    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:‏ يقول تعالي منبها خلقه علي قدرته العظيمة‏,‏ وأنه الذي لانظير له وأنه علي مايشاء قدير‏:(‏ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر‏)‏ أي أنه خلق الليل بظلامه‏,‏ والنهار بضيائه‏(‏ نوره‏),‏ وهما متعاقبان لايفتران‏,‏ والشمس وإشراقها والقمر وضياءه‏(‏ ونوره‏)‏ وتقدير منازله في فلكه‏,‏ واختلاف سيره في سمائه‏,‏ ليعرف باختلاف سيره وسير الشمس مقادير الليل والنهار‏,‏ والشهور والأعوام‏,‏ ويتبين بذلك حلول أوقات العبادات والمعاملات‏,‏ ثم لما كانت الشمس والقمر أحسن الأجرام المشاهدة‏...,‏ نبه تعالي علي أنهما مخلوقان عبدان من عبيده‏,‏ تحت قهره وتسخيره فقال‏:(‏ لاتسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون‏)‏ أي‏:‏ ولاتشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره‏,‏ فإنه لايغفر أن يشرك به‏....‏

    وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ مانصه‏:‏ وهذه الآيات معروضة للأنظار‏,‏ يراها العالم والجاهل‏,‏ ولها في القلب البشري روعة مباشرة‏,‏ ولو لم يعلم الإنسان شيئا عن حقيقتها العلمية‏.‏ فبينها وبين الكائن البشري صلة أعمق من المعرفة العلمية‏,‏ بينها وبينه هذا الاتصال في النشأة‏,‏ وفي الفطرة‏,‏ وفي التكوين‏,‏ فهو منها وهي منه‏,‏ تكوينه تكوينها‏,‏ ومادته مادتها‏,‏ وفطرته فطرتها‏,‏ وناموسه ناموسها‏,‏ وإلهه إلهها‏..‏ فهو من ثم يستقبلها بحسه العميق في هزة وإدراك مباشر لمنطقها العريق‏!!‏
    لهذا يكتفي القرآن غالبا بتوجيه القلب إليها‏,‏ وإيقاظه من غفلته عنها‏,‏ هذه الغفلة التي ترد عليه من طول الألفة تارة‏,‏ ومن تراكم الحواجز والموانع عليه تارة‏,‏ فيجلوها القرآن عنه‏,‏ لينتفض جديدا حيا يقظا يعاطف هذا الكون الصديق‏,‏ ويتجاوب معه بالمعرفة القديمة العميقة الجذور‏.‏

    وصورة من صور الانحراف تلك التي تشير إليها الآية هنا‏.‏ فقد كان قوم يبالغون في الشعور بالشمس والقمر شعورا منحرفا ضالا فيعبدونهما باسم التقرب إلي الله بعبادة أبهي خلائقه‏!!‏ فجاء القرآن ليردهم عن هذا الانحراف‏,‏ ويزيل الغبش عن عقيدتهم المدخولة ويقول لهم‏:‏ إن كنتم تعبدون الله حقا فلا تسجدوا للشمس ولا للقمر‏(‏ واسجدوا لله الذي خلقهن‏)‏ فالخالق هو وحده الذي يتوجه إليه المخلوقون أجمعون‏.‏ والشمس والقمر مثلكم يتوجهان إلي خالقهما فتوجهوا معهم إلي الخالق الواحد الذي يستحق أن تعبدوه‏,‏ ويعيد الضمير عليهما مؤنثا مجموعا‏(‏ خلقهن‏)‏ باعتبار جنسهما وأخواتهما من الكواكب والنجوم‏,‏ ويتحدث عنهن بضمير المؤنث العاقل ليخلع عليهن الحياة والعقل‏,‏ ويصورهن شخوصا ذات أعيان‏!!.‏
    وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ علي كاتبه من الله الرضوان‏)‏ أن في هذه الآية الكريمة ردا قاطعا علي عبدة الشمس والقمر‏,‏ كالصابئة الذين يعبدون الكواكب‏.‏

    وجاء في صفوة التفاسير‏(‏جزي الله كاتبه خيرا‏)‏ مانصه‏:...‏ ومن علاماته الدالة علي وحدانيته وقدرته تعاقب الليل والنهار‏,‏ وتذليل الشمس والقمر‏,‏ مسخرين لمصالح البشر‏!.‏

    الليل والنهار في القرآن الكريم
    جاء ذكر الليل في القرآن الكريم اثنتين وتسعين مرة‏,‏ منها ثلاثة وسبعون بلفظ‏(‏ الليل‏),‏ ومرة واحدة بلفظ‏(‏ ليل‏),‏ وثماني مرات بلفظ‏(‏ ليلة‏),‏ وخمس مرات بلفظ‏(‏ ليلا‏),‏ وثلاث مرات بلفظ‏(‏ ليال‏),‏ ومرة واحدة بكل من اللفظين‏(‏ ليلها‏)‏ و‏(‏ليالي‏).‏
    وفي المقابل جاء ذكر النهار في القرآن الكريم سبعة وخمسين مرة منها أربع وخمسون بلفظ‏(‏ النهار‏),‏ وثلاث مرات بلفظ‏(‏ نهارا‏),‏

    كما وردت ألفاظ‏(‏ الصبح‏)‏ و‏(‏الإصباح‏),‏ و‏(‏الفلق‏),‏ و‏(‏بكرة‏)‏ ومشتقاتها بمدلول النهار في آيات أخري عديدة‏,‏ كما جاءت كلمة‏(‏ يوم‏)‏ أحيانا بمعني النهار في عدد من آيات القرآن الكريم
    وفي هذه الآيات يمن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بتبادل الليل والنهار ويعتبرهما من آياته الكبري لأن في ذلك استقامة للحياة علي الأرض‏,‏ وعونا للإنسان علي تحديد الزمن‏,‏ والتأريخ للأحداث المتتالية‏...,‏ وبدون هذا التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير تتوقف الحياة علي الأرض‏,‏ ويتلاشي إحساس الإنسان بمرور الزمن‏,‏ وتتوقف قدرته علي متابعة الأحداث والتأريخ لها‏.‏

    والليل والنهار آيتان كونيتان عظيمتان من آيات الله في الخلق تشهدان علي دقة بناء الكون‏,‏ وعلي انتظام حركة الأرض حول محورها المائل بقدر محدد‏,‏ وبدقة فائقة‏,‏ في مدار محدد حول الشمس‏,‏ وما يستتبعه ذلك من تحديد لسنة الأرض‏,‏ وتبادل للفصول المناخية‏,‏ ومرور للشهور‏,‏ والأسابيع‏,‏ والأيام‏,‏ وتعاقب الليل والنهار علي نصفي الأرض‏.‏
    ويحدد سنتنا دورة كاملة للأرض في مدارها حول الشمس‏,‏ ويقسمها إلي إثني عشر شهرا دورة القمر حول الأرض دورة كاملة في كل شهر‏,‏ كما يمكن تحديد كل شهر من تلك الشهور بواسطة البروج التي تتراءي للناظر من فوق سطح الأرض مع جريها في مدارها حول الشمس‏,‏ كما تحدد منازل القمر كلا من الأسابيع‏,‏ والأيام بدقة فائقة‏,‏ ويحدد اليوم تعاقب كل من الليل والنهار بانتظام دقيق‏,‏ وإحكام بالغ‏,‏ وتحدد المزولة أوقات اليوم من طلوع الشمس إلي غروبها‏.‏ علي ذلك فإن السنة الهجرية‏(‏ الإسلامية‏)‏ هي سنة شمسية قمرية‏,‏ ويشير إلي ذلك قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر‏....‏
    ‏(‏ فصلت‏:37)‏

    تبادل الليل والنهار في منظور العلوم الكونية
    إن التبادل المنتظم بين الليل المظلم والنهار المنير علي نصفي الكرة الأرضية هو من الضرورات اللازمة للحياة الأرضية‏,‏ ولاستمرارية وجودها بصورها المختلفة حتي يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏,‏ فبهذا التبادل بين الظلمة والنور يتم التحكم في توزيع مايصل إلي الأرض من الطاقة الشمسية‏,‏ وبالتالي يعين علي التحكم في درجات الحرارة‏,‏ والرطوبة‏,‏ وكميات الضوء في مختلف البيئات الأرضية‏,‏ كما يعين علي التحكم في العديد من الأنشطة الحياتية وغير الحياتية من مثل التنفس والأيض في كل من الإنسان والحيوان‏,‏ وعمليات النتح والتمثيل الضوئي في النباتات‏,‏ كما يتم ضبط التركيب الكيميائي للغلافين الغازي والمائي المحيطين بالأرض‏,‏ وضبط الكثير من دورات النشاط الأرضي من مثل دورة الماء بين الأرض والطبقات الدنيا من غلافها الغازي‏,‏ وحركات الرياح والسحاب في هذا الغلاف‏,‏ وتوزيع نزول المطر منه‏(‏ بتقدير من الله‏),‏ كما تتم دورة تعرية الصخور بتفتيتها‏,‏ ونقل هذا الفتات أو إبقائه في مكانه‏,‏ من أجل تكوين التربة‏,‏ أو الرسوبيات والصخور الرسوبية ومابها من خيرات أرضية‏.‏

    وبالإضافة إلي ذلك فإن في اختلاف الليل المظلم والنهار المنير تقسيما لليوم الأرضي إلي فترة للحركة والعمل والنشاط‏,‏ وفترة للراحة والاستجمام والسكون‏,‏ فالإنسان ــ علي سبيل المثال ـ محتاج إلي السكينة بالليل كي يخلد فيه إلي شيء من الراحة النفسية بالعبادة والتفكر‏,‏ والراحة البدنية بالاسترخاء والنوم والإغفاء حتي يستعيد كلا من نشاطه البدني والذهني‏,‏ ويستجمع قواه فيتهيأ للعمل بالنهار التالي وما يتطلبه ذلك من القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض‏,‏ وقد ثبت علميا أن أفضل النوم يكون بالليل‏,‏ وأقله فائدة هو نوم النهار‏(‏فيما عدا فترة القيلولة‏),‏ كما ثبت أن كثرة النوم بالنهار تؤثر في نشاط الدورة الدموية في جسم الإنسان‏,‏ وتتهدده بالتيبس في العضلات‏,‏وتؤدي إلي تراكم الدهون‏,‏ وزيادة الوزن‏,‏ وإلي العديد من صور التوتر العصبي والقلق النفسي‏,‏ وربما كان من مبررات التوجيه الرباني بالنوم بالليل والنشاط بالنهار‏,‏ أن طبقات الحماية التي أوجدها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في الغلاف الغازي للأرض‏,‏ ومن أهمها النطق المتأينة‏(
    Ionospheres)‏
    ومابها من أحزمة الإشعاع‏(
    RadiationBelts)‏
    تتمدد بالنهار فتزداد قدراتها علي حماية الحياة الأرضية مما يسمح للانسان بالحركة والنشاط دون مخاطر‏,‏ وهذه النطق تنكمش انكماشا ملحوظا بالليل مما يقلل من قدراتها علي الحماية فينصح الإنسان بالركون إلي النوم والراحة حماية له من تلك المخاطر‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    وجعلنا الليل لباسا‏*‏ وجعلنا النهار معاشا‏(‏ النبأ‏:11,10)‏
    وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏
    فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم
    ‏(‏الأنعام‏:96)‏
    وقال‏(‏تبارك اسمه‏):‏
    هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون
    ‏(‏يونس‏:67)‏
    وقال‏(‏ سبحانه‏):‏
    ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون
    ‏(‏النمل‏:86)‏
    وقال‏(‏ تعالي‏):‏
    قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون‏*‏ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون‏*‏ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون‏(‏ القصص‏:71‏ ـــ‏73(‏

    وقال‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
    الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون‏*(‏ غافر‏:61)‏
    ثم إن التبادل بين الليل المظلم‏,‏ والنهار المنير‏,‏ يحدد لنا يوم الأرض‏,‏ ويعيننا علي إدراك الزمن‏,‏ وعلي تحديد الأوقات بدقة وانضباط ضروريين للقيام بمختلف الأعمال‏,‏ ولأداء كل العبادات‏,‏ وإنجاز كافة المعاملات‏,‏ والوفاء بمختلف العهود والمواثيق والعقود‏,‏ وغير ذلك من النشاطات الإنسانية‏,‏ وإن هذه النعمة لهي بحق من نعم الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي الإنسان في هذه الحياة‏,‏ وعلي كافة الأحياء الأرضية من حوله‏,‏ لأنه بدونها لاتستقيم الحياة علي الأرض‏,‏ ولايستطيع الإنسان أن يميز ماضيا من حاضر أو مستقبل‏,‏ وبالتالي فإنه بدونها لابد وان تتوقف مسيرة الحياة‏....!!!‏
    من هنا كان التدبر في ظاهرة تعاقب الليل والنهار دعوة إلي الخلق كافة للإيمان بالله‏,‏ وإدراك شيء من بديع صنعه في هذه الحياة‏,‏ ومن هنا أيضا جاءت الآية الكريمة التي نحن بصددها‏,‏ وغيرها من الآيات التي تشير إلي تبادل الليل والنهار في صياغة معجزة ــ شأنها في ذلك شأن كل آيات القرآن الكريم ـــ ومن جوانب ذلك الإعجاز إشارتها إلي أعداد من الحقائق الكونية التي لم تكن معروفة وقت تنزل القرآن الكريم‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك مما يجزم بأنه لايمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏,‏ ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة الحقة‏,‏ والرسالة الخاتمة‏.‏

    الشواهد العلمية المستقاة من تبادل الليل والنهار
    ‏(1)‏ التأكيد علي كروية الأرض‏:‏ فإن تبادل الليل والنهار علي نصفي الارض وتعاقبهما وإيلاج كل منهما في الآخر‏,‏ واختلافهما‏,‏ وتقليبهما‏,‏ وإدبار أحدهما وسفور الآخر‏,‏ واغشاء نور النهار بحلكة الليل‏,‏ وتجلية حلكة الليل بنور النهار‏,‏ وتكوير الليل علي النهار‏,‏ وتكوير النهار علي الليل‏,‏ كل ذلك إشارات ضمنية رقيقة إلي كروية الأرض‏,‏ فلو لم تكن الأرض كرة ما أمكن حدوث شيء من ذلك أبدا‏,‏ وأبسطه تبادل الليل والنهار علي نصفي الأرض‏.‏
    هذه الحقيقة العلمية جاء بها القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة من السنين في وقت ساد فيه الاعتقاد باستواء الأرض كل الناس‏,‏ علي الرغم من اثبات عدد من قدامي المفكرين غير ذلك‏.‏
    ونزول الآيات القرآنية العديدة بهذه الحقيقة الكونية الثابتة في الجزيرة العربية التي كانت ــ في ذلك الوقت القديم ـــ بيئة بدوية بسيطة‏,‏ ليس لها أدني حظ من المعرفة العلمية ومناهجها ولا بالكون ومكوناته لمما يقطع بأن القرآن الكريم لايمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ والذي هو أدري بصنعته من كل من هم سواه‏,‏ وأن سيدنا ونبينا محمدا‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏

    ‏(2)‏ التأكيد علي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏:‏
    فلو لم تكن الأرض كروية‏,‏ ولو لم تكن تلك الكرة تدور حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار‏,‏ وهذا الدوران عبرت عنه الآيات القرآنية في أكثر من عشرين آية صريحة‏,‏ بتعبيرات ضمنية رقيقة‏,‏ ولكنها مصاغة صياغة علمية دقيقة‏,‏ تبلغ من الدقة والشمول والكمال مالم يبلغه العلم الحديث منها‏:‏
    إيلاج الليل في النهار‏,‏ وإيلاج النهار في الليل‏,‏ واختلافهما‏,‏ وتعاقبهما‏,‏ وتقليبهما‏,‏ وإدبار أحدهما وإقبال الآخر‏,‏ وإغشاء النهار بالليل‏,‏ وتجلية الليل بالنهار‏,‏ وتكوير الليل علي النهار‏,‏ وتكوير النهار علي الليل‏,‏ وجعل كل منهما خلفة للآخر‏,‏ وسريان الليل وعسعسته‏,‏ بعد إظلامه وسجوه‏,‏ وإسفار الصبح وتنفسه وطلوع ضحاه وتجليه بعد إغشاء الليل وإظلامه‏(‏آل عمران‏:27,‏ الرعد‏:3,‏ الحج‏:61,‏ المؤمنون‏:80,‏ النور‏:44,‏ الفرقان‏:62,‏ لقمان‏:29,‏ الجاثية‏:3‏ــ‏5,‏ الحديد‏:6,‏ المدثر‏:33‏ــ‏35,‏ التكوير‏:17‏ ــ‏19,‏ الفجر‏:4,‏ الليل‏:2,1,‏ الضحي‏:2,1)‏
    وقد أنزلت هذه الآيات مؤكدة حقيقة دوران الأرض حول محورها في وقت ساد فيه الاعتقاد بثبات الأرض ورسوخها‏,‏ بمعني عدم دورانها أو تحركها‏,‏ وهو أمر معجز للغاية‏.‏

    ‏(3)‏ التأكيد علي أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس في المراحل الأولي لخلق الكون كانت أعلي من سرعتها الحالية‏:‏
    وهذه الحقيقة لم يتوصل العلم المكتسب من إدراكها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ وقد سبقها القرآن الكريم بأكثر من أربعة عشر قرنا وذلك بالاشارة إلي هذه الحقيقة في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين‏(‏ الأعراف‏:54)‏
    وإغشاء النهار بالليل جاء في القرآن الكريم أربع مرات‏(‏ الأعراف‏:54,‏ الرعد‏:3,‏ الشمس‏:1‏ــ‏4,‏ الليل‏:2,1),‏ والمرة الوحيدة التي جاءت فيها الصفة‏:‏يطلبه حثيثا أي سريعا‏,‏ هي هذه الآية الرابعة والخمسين من سورة الأعراف لأنها تتحدث عن بداية خلق السماوات والأرض‏,‏ وهي حقيقة مدونة في هياكل الحيوانات‏,‏ وأخشاب النباتات بدقة بالغة‏,‏ ولم يكن لأحد من الخلق إلمام بأية فكرة عنها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين حين اكتشف العلماء أن تبادل الليل والنهار كان يتم في العقود الجيولوجية القديمة بسرعة فائقة جعلت من عدد الأيام في السنة عند بدء الخلق أكثر من ألفي يوم‏,‏ وجعلت من طول الليل والنهار معا أقل من أربع ساعات‏,‏ وكان إبطاء سرعة دوران الأرض حول محورها بمعدل جزء من الثانية في كل قرن من الزمان آية من آيات الله في إعداد الأرض لاستقبال الحياة‏,‏ لأن صور الحياة ــ وفي مقدمتها الإنسان ـــ ماكان ممكنا أن تتلاءم مع هذه السرعات الفائقة لدوران الأرض ولا لقصر طول كل من الليل والنهار‏.‏

    ‏(4)‏ التأكيد علي سبح الأرض في مدارها حول الشمس‏:‏
    يعبر القرآن الكريم عن الأرض في عدد من آياته بالليل والنهار كما جاء في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون‏*(‏ الأنبياء‏:33)‏
    وفي قوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
    لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون‏(‏ يس‏:40)‏

    وذلك لأن كلا من الليل والنهار عبارة عن ظرف زمان‏,‏ وليس جسما ماديا‏,‏ ولابد للزمان من مكان يظهر فيه‏,‏ والمكان في هذه الحالة هو كوكب الأرض الذي يقتسم الليل نصفه‏,‏ والنهار النصف الآخر في حركة دائبة‏,‏ وتبادل مستمر‏,‏ ولو لم تكن الأرض كروية‏,‏ ولو لم تكن تدور حول محورها أمام الشمس لما تبادل سطحها الليل والنهار في تعاقب مستمر‏,‏ ولولا جري الأرض في مدارها حول الشمس ماتغيرت البروج‏,‏ ولو لم تكن الأرض مائلة بمحور دورانها علي دائرة البروج بزاوية مقدارها‏66,5‏ درجة تقريبا ماتبادلت الفصول‏,‏ ولولا علم الله بجهل الناس لتلك الحقائق في الأزمنة السابقة لأنزل الحقيقة الكونية بلغة صادعة‏,‏ قاطعة‏,‏ ولكن لكي لايفزع الخلق في وقت تنزل القرآن الكريم أشار إلي جري الأرض في مدارها المحدد لها حول الشمس يسبح كل من الليل والنهار‏,‏ والسبح لايكون إلا للأجسام المادية في وسط أقل كثافة منها‏,‏ فالسبح في اللغة هو الانتقال السريع للجسم المادي بحركة ذاتية فيه من مثل حركات كل من الأرض والقمر والشمس وغيرها من أجرام السماء كل في مداره وحول جرم أكبر منه‏,‏ ويؤكد هذا الاستنتاج صيغة الجمع كل في فلك يسبحون التي جاءت في الآيتين‏,‏ لأنه لو كان المقصود بالسبح الشمس والقمر فحسب لجاء التعبير بالتثنية وكلاهما يسبحان‏.‏

    ‏(5)‏ التأكيد علي الرقة الشديدة لطبقة النهار في الغلاف الغازي لنصف الأرض المواجه للشمس‏:‏
    وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا بعد ريادة الفضاء‏,‏ في منتصف الخمسينات وأوائل الستينات من القرن العشرين‏,‏ وقد سبق القرآن الكريم هذا الكشف العلمي بأربعة عشر قرنا وذلك في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون‏(‏ يس‏:37)‏

    وهذه الآية الكريمة تؤكد أن الأصل في الكون الظلام‏,‏ وأن طبقة النهار في الغلاف الغازي المحيط بنصف الأرض المواجه للشمس‏,‏ والتي تتحرك باستمرار لتحل محل ظلام الليل بإشراق الفجر‏,‏ هي طبقة بالغة الرقة لايكاد سمكها أن يتعدي المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وإذا نسبنا هذا السمك إلي المسافة بين الأرض والشمس وهي مقدرة بحوالي المائة وخمسين مليون كيلو متر كانت النسبة واحدا إلي سبعمائة وخمسين ألفا تقريبا
    ‏(200‏كم‏/150,000,000‏كم‏=750,000/1‏ تقريبا‏)‏

    وإذا نسبناه إلي نصف قطر الجزء المدرك من الكون و‏,‏المقدر بأكثر من اثني عشر بليون‏(‏ ألف مليون‏)‏ سنة ضوئية أختفت هذه النسبة تماما أو كادت‏,‏ ومن هنا تتضح ضآلة سمك الطبقة التي يعمها نور النهار‏,‏ كما يتضح عدم استقرارها لانتقالها باستمرار من نقطة إلي أخري علي سطح الأرض مع دورانها حول محورها أمام الشمس‏,‏ ويتضح كذلك أن تلك الطبقة الرقيقة من نور النهار تحجب عنا ظلام الكون الخارجي‏,‏ لأن الذين تعدوا طبقة النهار من رواد الفضاء رأوا الشمس في منتصف النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء‏,‏ وبهذه المعلومات التي اكتشفت منذ أقل من نصف قرن تتضح روعة تشبيه القرآن الكريم انسلاخ نور النهار عن ظلمة كل من الليل والكون بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها‏,‏ وهذا يؤكد أن الظلمة هي الأصل في هذا الكون‏,‏ وأن النهار ليس إلا ظاهرة‏,‏ نورانية‏,‏ عارضة‏,‏ رقيقة جدا‏,‏ لا تظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي في نصفه المواجه للشمس‏,‏ وبواسطة دوران الأرض حول محورها أمام ذلك النجم ينسلخ النهار تدريجيا أمام ظلمة ليل الأرض‏,‏ والتي تلتقي بظلمة السماء‏.‏
    وتجلي النهار علي الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض بهذا النور الأبيض المبهج هو من نعم الله الكبري علي عباده‏,‏ ويفسرها تشتت ضوء الشمس بانعكاساته المتكررة علي هباءات الغبار وعلي جزيئات كل من بخار الماء والهواء العالقة بالغلاف الغازي القريب من الأرض‏(‏والتي تثيرها الرياح من سطح الأرض‏)‏ وبعد تجاوز المائتي كيلو متر فوق سطح البحر يبدأ الهواء في التخلخل لتضاؤل تركيزه‏,‏ وتناقص كثافته باستمرار مع الارتفاع‏,‏ وندرة كل من جسيمات الغبار‏,‏ وبخار الماء فيه حتي تتلاشي ولذلك تبدو شمسنا كما يبدو غيرها من نجوم السماء الدنيا بقعا زرقاء باهتة‏,‏ في بحر غامر من ظلمة الكون‏.‏

    ‏(6)‏ التأكيد علي دقة الحساب الزمني بواسطة كل من الليل والنهار والشمس والقمر‏:‏
    من المعروف أن السنة الهجرية هي سنة شمسية‏/‏قمرية‏,‏ لأن هذه السنة تحددها دورة الأرض حول الشمس دورة كاملة تتمها في‏365.25‏ يوما تقريبا‏,‏ وأن هذه السنة تقسم إلي اثني عشر شهرا بواسطة دوران القمر حول الأرض‏,‏ كما يقسم الشهر إلي أسابيع وأيام وليال بنفس الواسطة‏,‏ وقد تقسم الشهور بواسطة البروج التي تمر بها الأرض في أثناء جريها في مدارها حول الشمس‏,‏ كما تدرك الأيام بتبادل كل من الليل والنهار‏,‏ ويقسم النهار إلي وحدات أصغر بواسطة المزولة الشمسية‏,‏ ومن هنا كان القسم القرآني بالليل والنهار والشمس والقمر في خمس آيات‏(‏ الأنعام‏:96,‏ إبراهيم‏:33,‏ النحل‏:12,‏ الأنبياء‏:33,‏ فصلت‏:37).‏

    ‏(7)‏ الإشارة إلي أن ليل الأرض كان في بدء الخلق ينار بعدد من الظواهر الكونية‏:‏
    وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا‏(‏ الإسراء‏:12)‏

    ويستشف من هذه الآية أن ظاهرة الشفق القطبي وأطيافه‏(
    AuroraandAuroralSpectra)
    والتي تعرف أيضا باسم ظاهرة الأنوار القطبية‏(
    Polarlights)‏
    أو باسم ظاهرة فجر الليل القطبي‏(
    PolarNight‏ ص‏sDawn),‏
    وهي ظاهرة نورانية تري بالليل في سماء المناطق القطبية وحول القطبية‏,‏ وتتكون نتيجة لارتطام الأشعة الكونية الأولية التي تملأ فسحة الجزء المدرك من الكون‏(‏ علي هيئة الجسيمات الأولية للمادة‏)‏ بالغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تأينه‏,‏ وإصدار أشعة كونية ثانوية‏,‏ ونتيجة لذلك تتصادم الأشعات بشحناتها الكهربية المختلفة مع كل من أحزمة الإشعاع ونطق التأين في الغلاف الغازي للأرض وتفريغ شحناتها فتوهجها‏,‏ والجسيمات الأولية للمادة متناهية في الدقة‏,‏ وتحمل شحنات كهربية عالية‏,‏ وتتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء ولم تكتشف إلا في سنة‏1936‏ م‏.‏
    والأشعة الكونية تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسين فتؤدي إلي تأين الغلاف الغازي للأرض‏,‏ ومن ثم إلي توهجه‏,‏

    ومن الثابت علميا أن نطق الحماية المتعددة في الغلاف الغازي للأرض من مثل نطاق الأوزون‏,‏ ونطق التأين‏,‏ وأحزمة الإشعاع‏,‏ والنطاق المغناطيسي للأرض لم تكن موجودة في بدء خلق الأرض‏,‏ ولذلك فقد كانت الأشعة الكونية تصل إلي المستويات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض فتؤدي إلي توهجه ليلا حول كافة الأرض‏,‏ وبعد تكون نطق الحماية المختلفة أخذت هذه الظاهرة في التضاؤل التدريجي حتي اختفت‏,‏ فيما عدا مناطق محدودة حول القطبين‏,‏ تبقي شاهدة علي أن ليل الأرض في المراحل الأولي من خلقها كان يضاء بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق فسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق علي لسان نبيه الخاتم‏:‏
    وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل‏,‏ وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب‏(‏ الإسراء‏:12)‏

    هذه الشواهد العلمية المستقاة من تبادل الليل والنهار بدءا بتأكيد كروية الأرض‏,‏ ثم دورانها حول محورها‏,‏ وتباطؤ هذا الدوران مع الزمن‏,‏ وجريها في مدارها المحدد حول الشمس‏,‏ والرقة الشديدة لطبقة النهار‏,‏ والدقة الفائقة لحساب الزمن بواسطة تتابع كل من الليل والنهار والشمس والقمر‏,‏ وأن ليل الأرض كان يضاء في بدء الخلق بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق‏,‏ وأن من بقايا هذا الوهج القديم ظاهرة الفجر القطبي‏.‏
    هذه الشواهد لم يصل الإنسان إلي إدراكها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله الذي أنزل علي نبي أمي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين‏,‏ ومن قبل أربعة عشر قرنا لمما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخاتم والخالد‏,‏ وأن النبي والرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ ولذلك وصفه ربه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بقوله‏:‏
    وما ينطق عن الهوي‏*‏إن هو إلا وحي يوحي‏*‏ علمه شديد القوي‏(‏ النجم‏:3‏ ـــ‏5(‏
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    ‏(41)...‏ ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما
    ‏ يخلق ما يشاء والله علي كل شئ قدير
    بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
    هذا النص القرآني المعجز جاء في السبع الأول من سورة المائدة وهي سورة مدنية آياتها مائة وعشرون‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود ذكر المائدة التي طلبها الحواريون من نبي الله عيسي‏(‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏)‏ في ختام السورة‏.‏
    ويدور المحور الرئيسي لسورة المائدة حول التشريعات اللازمة لإقامة الدولة الاسلامية‏,‏ وتنظيم مجتمعاتها علي أساس من الإيمان بوحدانية الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وربوبيته‏,‏ وألوهيته‏,‏ وتفرده بالسلطان في ملكه‏,‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه ولا منازع‏..‏ ومن ثم فلابد وأن تتلقي هذه الدولة الاسلامية دستور حياتها‏,‏ وجميع تشريعاتها‏,‏ ونظمها‏,‏ وقيمها من وحي السماء كما تكامل في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بحفظه فحفظ‏,‏ وأول بنود هذا الدستور الاسلامي عقد الايمان بالله ربا وبالاسلام دينا‏,‏ وبسيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ نبيا ورسولا‏,‏ وهو العقد الذي تقوم عليه سائر العقود في حياة الناس‏:‏ أفرادا ومجتمعات‏...‏ من عقيدة‏,‏ وعبادة‏,‏ ودستور أخلاق‏,‏ وتشريعات للمعاملات‏..‏ أي يقوم عليه الدين بتفاصيله الربانية‏,‏ بمعني كل الضوابط السلوكية‏,‏ والعقائد الغيبية‏,‏ والشرائع التعبدية كما قررها الله تعالي‏,‏ ومن ذلك نصت السورة الكريمة علي بيان الحلال والحرام في قضايا عديدة من مثل قضايا الذبائح‏,‏ والمطاعم‏,‏ والمشارب‏,‏ والزواج وغيرها‏,‏ وعلي شرح العقيدة الصحيحة‏:‏ وتوضيح علاقات المسلمين ب
    غيرهم من أصحاب الملل والنحل المنحرفة‏,‏ أفرادا‏,‏ وجماعات‏,‏ وأمما‏,‏ وتحذرهم من الافتتان بهؤلاء الكافرين عن بعض ما أنزل الله‏,‏ ومن الحيود عن العدل تحت ضغوط المشاعر الشخصية‏,‏ حتي تصل الي هذا الحكم الالهي القاطع‏:‏
    ‏...‏ اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم‏(‏ المائدة‏:3)‏ وتعرض السورة الكريمة للصلاة‏,‏ ولأحكام الطهارة لها‏,‏ ويكل الله‏(‏ تعالي‏)‏ الانسان في ذلك كله إلي التقوي‏,‏ وتأمر الآيات المؤمنين أن يكونوا‏:‏ قوامين لله شهداء بالقسط وتبشرهم بالمغفرة والأجر العظيم‏,‏ وتتهدد الذين كفروا وكذبوا بآيات الله أن مصيرهم إلي الجحيم‏,‏ كما تستعرض مواقف بعض أهل الكتاب من مواثيقهم‏,‏ وما أحل بالكافرين منهم من دمار نتيجة نقضهم لمواثيقهم من مثل أتباع كل من موسي وعيسي‏(‏ عليهما السلام‏),‏ وتنادي علي أهل الكتاب بنداء يتكرر عدة مرات يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم علي فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله علي كل شيء قدير‏(‏ المائدة‏:19)‏
    ثم تعرض السورة الكريمة لعدد من الأحكام المتعلقة بحماية النفس‏,‏ والمال‏,‏ والملكيات الفردية‏,‏ والمجتمعات الانسانية‏,‏ وصيانتها‏,‏ والسلطة وحقوقها‏,‏ وتقدم لهذا كله بقصة ولدي آدم كرمز للصراع بين الحق والباطل في هذه الحياة‏..!!‏
    ثم تعرج السورة الكريمة إلي شيء من مواساة رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في مواجهته لكفر الكافرين‏,‏ وكذبهم‏,‏ وأكلهم السحت‏,‏ وتنتقل الي قضية الحكم بما أنزل الله‏,‏ وجريمة الخروج علي ذلك‏,‏ لأن حق التشريع بالحل والحرمة هو لله وحده ولذلك كان قبول شرع الله‏,‏ والرضي بحكمه هو إقرار لله بالألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والوحدانية‏,‏ والقوامة علي خلقه بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏.‏ وتؤكد سورة المائدة قضية الولاء والبراء علي أنها من الوسائل النفسية الأساسية للتربية الاسلامية‏,‏ ولضبط سلوك الأفراد والجماعات المسلمة‏,‏ وتعرج السورة إلي عدد من الأحكام الشرعية في الايمان‏..‏ وتؤكد تحريم كل من الخمر‏,‏ والميسر‏,‏ والأنصاب‏,‏ والأزلام‏,‏ وتضع ضوابط للصيد‏,‏ ومنها تحريمه والعبد في إحرامه‏,‏ وتدعو الي تعظيم الكعبة المشرفة والأشهر الحرم‏,‏ كما تعرض لانحراف أهل الكتاب عما قد أنزل إليهم‏,‏ وتأمر بطاعة الله ورسوله‏,‏ وتنهي عن مخالفتهما خشية عذاب الله‏,‏ وتذكر بحتمية الآخرة‏.‏
    وتلمح السورة الكريمة لعدد من الضوابط التربوية الأخري في حياة المسلمين‏:‏ أفرادا وجماعات‏,‏ ومنها عدم الانبهار بكثرة الخبيث‏,‏ وآداب التعامل مع الله ورسوله‏,‏ وإبطال ما كان قد بقي من تقاليد الجاهلين المبتدعة‏,‏ وحكم الاشهاد علي الوصية في حالة السفر وغير ذلك من التشريعات التي ربطتها كلها بمراقبة الله وتقواه ومخافة معصيته‏...‏ ومن الأحكام التي تناولتها سورة المائدة ما يلي‏:‏ أحكام العقود‏,‏ الذبائح‏,‏ الصيد‏,‏ الإحرام‏,‏ زواج الكتابيات‏,‏ حد الردة‏,‏ أحكام الطهارة‏,‏ حد السرقة‏,‏ حد البغي والإفساد في الأرض‏,‏ أحكام الخمر والميسر‏,‏ كفارة اليمين‏,‏ تحريم قتل الصيد في الاحرام‏,‏ أحكام الوصية عند الموت‏,‏ أحكام البحيرة والسائبة‏,‏ حكم من ترك العمل بشريعة الله‏,‏ وأحكام الولاء والبراء‏.‏ ـ

    وتختتم السورة الكريمة بذكر يوم القيامة الذي يجمع الله تعالي فيه كل الخلق ـ وفي مقدمتهم الأنبياء والمرسلون‏.‏ وذلك للحساب والجزاء‏,‏ وبالاشارة إلي عدد من المعجزات التي أيد الله‏(‏ تعالي‏)‏ بها عبده ورسوله عيسي بن مريم‏,‏ ومنها إنزال المائدة من السماء‏,‏ ثم إلي تبرئة السيد المسيح‏(‏ علي نبينا وعليه السلام‏)‏ وتبرئة أمه الصديقة مما ألصق بهما من دعاوي الألوهية الكاذبة فالله واحد أحد‏,‏ فرد صمد‏,‏ لا منازع له في سلطانه‏,‏ ولا شريك له في ملكه‏...‏

    ومن الآيات العلمية المعجزة في هذه السورة الكريمة ما يلي‏:‏
    ‏1‏ ـ تحريم كل من الميتة‏,‏ والدم‏,‏ ولحم الخنزير‏,‏ وما أهل لغير الله به‏,‏ والمنخنقة‏,‏ والموقوذة‏,‏ والمتردية‏,‏ والنطيحة‏,‏ وما أكل السبع الا ما ذكي‏.‏

    ‏2‏ ـ التأكيد علي أن لله ملك السموات والأرض وما بينهما في موضعين متتابعين من السورة‏(18,17),‏ وما فيهن‏(120).‏

    ‏3‏ ـ التأكيد علي أن اليهود قد حرفوا دينهم‏(41).‏

    ‏4‏ ـ وأنهم سماعون للكذب أكالون للسحت‏(42).‏

    ‏5‏ ـ وأن كثيرا من الناس لفاسقون‏(49).‏

    ‏6‏ ـ وأن كثيرا من اليهود يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت‏..(62)‏

    ‏7‏ ـ وأن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا‏,‏ وأن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري‏..(82).‏

    ‏8‏ ـ تحريم كل من الخمر‏,‏ والميسر‏,‏ والأنصاب‏,‏ والأزلام‏(90).‏

    ‏9‏ ـ جعل الكعبة المشرفة قياما للناس‏(97).‏

    ‏10‏ ـ التأكيد علي إنزال المائدة التي طلبها حواريو عيسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ من السماء‏(115,114).‏

    ‏11‏ ـ التأكيد علي معجزات السيد المسيح‏(‏ عليه السلام‏)(111,110),‏ وعلي بشريته الكاملة‏(117).‏

    وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة مستقلة في مقال أو أكثر من مقال‏,‏ ولكني سوف أقصر الكلام هنا علي قضية واحدة وصفها القرآن الكريم بما بين السماوات والأرض‏.‏

    التعبير بـ رب السماوات والأرض وما بينهما في القرآن الكريم ورد التعبير القرآني رب السماوات والأرض وما بينهما في عشرين موضعا من القرآن الكريم علي النحو التالي‏:‏
    ‏(1)‏ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله علي كل شيء قدير‏.(‏ المائدة‏:17)‏

    ‏(2)‏ وقالت اليهود النصاري نحن أبناء الله وأحباؤه‏,‏ قل فلم يعذبكم بذنوبكم‏,‏ بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والارض وما بينهما واليه المصير‏(‏ المائدة‏18)‏

    ‏(3)‏ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما الا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل‏(‏ الحجر‏:85)‏

    ‏(4)‏ وما تتنزل الا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا‏(‏ مريم‏:65,64)‏

    ‏(5)‏ تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلي الرحمن علي العرش استوي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثري‏(‏ طه‏:4‏ ـ‏6).‏

    ‏(6)‏ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين‏(‏ الأنبياء‏:16)‏

    ‏(7)‏ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوي علي العرش الرحمن فاسأل به خبيرا‏(‏ الفرقان‏:59)‏

    ‏(8)‏ ـ قال فرعون ومارب العالمين قال رب السماوات والأرض ومابينهما إن كنتم موقنين
    ‏(‏الشعراء‏:23‏ ـ‏24)‏

    ‏(9)‏ أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما الا بالحق وأجل مسمي وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون‏(‏ الروم‏:8)‏

    ‏(10)‏ الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوي علي العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون
    ‏(‏السجدة‏:4).‏

    ‏(11)‏ إن إلهكم لواحد‏,‏ رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق‏(‏ الصافات‏:5,4).‏

    ‏(12)‏ أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب‏,‏ أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب‏(‏ ص‏:10,9).‏

    ‏(13)‏ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار‏(‏ ص‏:27)‏

    ‏(14)‏ رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار‏(‏ ص‏:66).‏

    ‏(15)‏ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم‏.‏ وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون‏(‏ الزخرف‏:85,84).‏

    ‏(16)‏ رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين‏(‏ الدخان‏:7).‏

    ‏(17)‏ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون‏(‏ الدخان‏:38).‏

    ‏(18)‏ ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي والذين كفروا عما أنذروا معرضون‏(‏ الأحقاف‏:3)‏

    ‏(19)‏ ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب
    ‏(‏ق‏:38).‏

    ‏(20)‏ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا‏(‏ النبأ‏:37).‏
    ‏(‏ بين‏)‏ في اللغة العربية بالتخفيف ظرف مكان أو زمان بمعني وسط‏,‏ أو موضوع للخلالة بين الشيئين أو الزمنين‏,‏ ووسطهما‏,‏ يقال‏,‏ لقد تقطع بينكم أي ما‏(‏ بينكم‏)‏ علي الحذف فإن جعلته اسما فاعلا أعربته تقول‏:‏ لقد تقطع‏(‏ بينكم‏)‏ أي وصلكم‏,‏ فـ‏(‏ البين‏)‏ هو الوصل‏,‏ وهو‏(‏ البينونة‏)‏ أيضا الفراق لأنه من الأضداد‏,‏ و‏(‏ البون‏)‏ و‏(‏البين‏)‏ هو الفضل والمزية أو البعد‏,‏ يقال‏:‏ بينهما‏(‏ بون‏)‏ أو‏(‏ بين‏)‏ بعيدا‏,‏ والواو أفصح‏;‏ فأما بمعني البعد فيقال‏:‏ إن بينهما‏(‏ بينا‏)‏ لا تميد‏.‏

    ما بين السماوات والأرض في أقوال المفسرين
    في قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله علي كل شيء قدير‏*‏ وقالت اليهود والنصاري نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير‏*‏
    ‏(‏ المائدة‏18,17)‏

    جاء التعبير القرآني‏,‏ ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما مرتين قال ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ في تفسير الأولي منهما‏:‏ أي جميع الموجودات ملكه وخلقه‏,‏ وفي تفسير الثانية قال‏:‏ أي الجميع ملكه‏,‏ وتحت قهره وسلطانه‏...‏ وقال صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏):‏ أي أن الله هو المالك لكل شيء‏.‏
    وذكر صاحب صفوة التفاسير‏(‏ جزاه الله خيرا‏)‏ في الأولي‏:‏ أي من الخلق والعجائب وفي الثانية‏:‏ أي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه وفي التعليق علي نص مشابه‏(‏ في الآية‏59‏ من سورة الفرقان ذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه أن هذا النص يشير الي سائر أجرام السماء من نجوم وكواكب وأقمار وأتربة كونية وغازات وطاقات يتألف الكون منها‏.‏ والحقيقة ان هناك آيتين من آيات القرآن الكريم تلقيان بعض الضوء علي دلالة ما بين السماوات والأرض‏,‏ في أولاهما يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون‏*(‏ البقرة‏:164)‏
    ومن هذه الآية الكريمة يفهم أن السحاب هو مما بين السماء والأرض‏.‏

    وفي الآية الثانية يقول ربنا‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
    الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما‏*(‏ الطلاق‏:12)‏
    ومن هذه الآية الكريمة يفهم أن الأمر الإلهي هو مما يتنزل بين السماوات السبع والأرضين السبع‏.‏

    وفي الحديث المروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يقول فيه‏(‏ عليه الصلاة والسلام‏):‏ سبحان الله عدد ما خلق في السماء‏,‏ سبحان الله عدد ما خلق في الأرض‏,‏ سبحان الله عدد ما خلق بينهما‏,‏ سبحان الله عدد ما هو خالق‏...‏
    ويقول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في حديث آخر‏:‏ أطت السماء أطا وحق لها أن تئط‏...‏ ما من أربع أصابع إلا وفيها ملك قائم أو راكع أو ساجد يعبد ربه‏...‏ لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا‏...‏

    ما بين السماوات والأرض في العلوم المكتسبة
    وصل معظم المفسرين ـ من القدامي والمعاصرين ـ إلي أن من دلالات قوله‏(‏ تعالي‏):‏ رب السماوات والأرض وما بينهما أنه‏(‏ تعالي‏)‏ هو رب العوالم علويها وسفليها‏,‏ فلا ربوبية لغيره‏,‏ ولا شريك له في ملكه‏;‏ وهذا صحيح‏,‏ ولكنه لا يفسر لنا ماهية الموجود بين السماوات والأرض‏,‏ الذي تشير الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة والعلوم المكتسبة إلي أنه يشمل‏:‏
    ‏(1)‏ المكان والزمان في حدود نطاق يفصل بين السماوات والأرض‏.‏

    ‏(2)‏ المادة والطاقة في هذا النطاق‏.‏

    ‏(3)‏ السحاب المسخر بين السماء والأرض في هذا النطاق‏.‏

    ‏(4)‏ الملائكة وغيرهم من الخلائق في هذا النطاق‏.‏

    ‏(5)‏ الأوامر الالهية المتنزلة في هذا النطاق وعبره‏.‏

    والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو‏:‏ لماذا اعتبر القرآن الكريم أن هناك فاصلا بين السماوات والأرض؟ وماذا تقول العلوم المكتسبة عن هذا الفاصل؟
    تجمع العلوم المكتسبة في مجالي علم الفلك والفيزياء الفلكية علي أن خلق كل من المكان والزمان والمادة والطاقة قد تزامن مع عملية الانفجارالعظيم‏;‏ فلا يوجد في الكون الذي نعرفه مكان بلا زمان‏,‏ ولا زمان بلا مكان‏,‏ كما لا يوجد مكان وزمان بغير مادة وطاقة‏.‏

    فالمادة والطاقة موجودتان بين كل من الأرض والشمس‏,‏ وبينهما وبين كافة أجرام المجموعة الشمسية‏,‏ ليس هذا فقط بل بين النجوم وحولها‏,‏ وبين المجرات وحولها‏,‏ بل في الجزء المدرك من الكون كله‏.‏

    وعلماء الفلك والطبيعة الفلكية يتحدثون اليوم عن المادة حول الكواكب‏
    (Circum-Planetarymatter),
    وبين الكواكب‏
    (Inter-Planetarymatter)‏
    وحول النجوم‏
    (Cirlum-SyellarMarrer)‏
    وبينها‏
    (Inter-StellarMatter)‏
    وحول المجرات‏
    (Circum-galacterMatter)‏
    وبينها‏
    (Inter-galacticmatter),
    وبين كل تجمع سماوي مهما تعاظم حجمه وفسحة السماء‏,‏ وذلك لأن تحرك كل من المادة والطاقة بين أجرام السماء وبين المكان والزمان والمحيطين بهما من الأمور التي أكدتها الدراسات الفلكية مؤخرا‏,‏ ومن أثقلتها تخلق النجوم من الدخان الكوني وعودتها اليه في دورة حياة النجوم‏,‏ ومن أمثلة المادة المنتشرة بين الأرض والسماء ما يلي‏:‏
    ‏(1)‏ المادة بين الكواكب‏
    (TheInter-PlanetaryMatter)
    وهي عبارة عن خليط من الغازات والجسيمات الصلبة المتناهية في دقة الحجم‏(‏ من‏0,001‏ من الملليمتر إلي‏0,1‏ من المليمتر في القطر وإن كانت أقطار تلك الجسيمات الصلبة قد تصل في حالات نادرة إلي أقطار كل من النيازك والكويكبات‏)‏ وتنتشر مادة ما بين الكواكب بين الأرض والشمس‏,‏ وبينهما وبين بقية كواكب المجموعة الشمسية‏,‏ وتتراوح كثافة تلك المادة بين‏(10-21)‏ و‏(10-23)‏ جراما للسنتيمتر المكعب‏,‏ وتقدير كميتها في مدار الأرض بحوالي واحد من مائة مليون من كتلة الأرض‏(10-8)‏ من كتلة الأرض‏)‏ وتتكون هذه المادة أساسا من غاز الإيدروجين المتأين‏(‏ أي من البروتونات والإليكترونات‏)‏ ومن نوي ذرات الهيليوم‏.‏
    ويقدر ما يصل إلي الأرض من مادة الشهب والنيازك بحوالي عشر الطن إلي مائة طن في اليوم الواحد‏,‏ وتختلف حركة الجسيمات الصلبة في مادة ما بين الكواكب حسب اختلاف أقطارها وحسب قوانين الميكانيكا السماوية‏.‏

    وفي نفس الوقت يتصاعد من فوهات البراكين الأرضية كميات هائلة من الغازات والأبخرة التي يغلب علي تركيبها بخار الماء‏(‏ حوالي‏70%)‏ بالإضافة إلي أخلاط من الغازات المختلفة التي تترتب حسب نسبة كل منها علي النحو التالي‏:‏ ثاني أكسيد الكربون‏,‏ الإيدروجين‏,‏ أبخرة حمض الكلور‏,‏ النيتروجين‏,‏ فلوريد الإيدروجين‏,‏ ثاني أكسيد الكبريت‏,‏ كبريتيد الإيدروجين‏,‏ غازات الميثان والأمونيا وغيرها‏,‏ بالإضافة إلي بعض الجسيمات الصلبة‏.‏
    الغلاف الغازي للأرض‏:‏ باختلاط ما يتصاعد من فوهات البراكين مع ما حول الأرض من مادة ما بين الكواكب تكون الغلاف الغازي للأرض وهو خليط من كل من مادة الأرض ومادة السماء الدنيا‏,‏ ومن هنا كان حديث القرآن الكريم عن السماوات والأرض وما بينهما‏.‏

    وتقدر كتلة الغلاف الغازي للأرض بأكثر من خمسة آلاف مليون طن‏(5,2*10-15‏ من الأطنان‏),‏ ويقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر‏,‏ ويتناقص ضغطه من نحو الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع عند هذا المستوي إلي واحد من المليون من ذلك في أجزائه العليا‏.‏

    ويقسم الغلاف الغازي للأرض إلي قسمين رئيسيين علي النحو التالي‏:‏
    ‏(‏أ‏)‏ الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض‏:‏ ويتكون أساسا من خليط من جزئيات النيتروجين والأوكسجين وعدد من الغازات الأخري ويعرف باسم النطاق المتجانس ويقسم الي ثلاثة نطيقات متميزة من أسفل إلي أعلي علي النحو التالي‏:‏

    ‏(1)‏ نطيق التغيرات الجوية‏(‏ نطيق الطقس أو الرجع‏)
    (TheTroposphere)‏
    وهو الملامس للأرض مباشرة ويمتد من مستوي سطح البحر إلي ارتفاع حوالي‏17‏ كم فوق خط الاستواء‏,‏ متناقصا في السمك الي ما بين‏6‏ كم‏,8‏ كم فوق القطبين‏,‏ ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجوية‏,‏ فينكمش إلي ما دون السبعة كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض ويمتد إلي حوالي‏13‏ كم في مناطق الضغط المرتفع‏.‏
    ويضم هذا النطيق حوالي ثلثي كتلة الغلاف الغازي للأرض‏(66%),‏ وتتناقص درجة الحرارة فيه باستمرار مع الارتفاع بمعدل ستة درجات مئوية كل كيلو متر ارتفاع في المتوسط حتي تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمة هذا النطيق المعروفة باسم مستوي الركود الجوي
    ‏(TheTropopause)
    وذلك لتناقص الضغط فيه إلي حوالي عشر الضغط الجوي عند سطح البحر‏.‏

    ويحدث ذلك نتيجة للبعد عن سطح الأرض وهو مصدر التدفئة الصاعدة إلي هذا النطاق بعد امتصاص جزء من حرارة الشمس في كل نهار وإعادة إشعاعه إلي جو الأرض‏.‏ ويتكثف بخار الماء الصاعد من الأرض في نطيق الثغيرات الجوية‏,‏ وتتكون السحب فيه‏,‏ ويهطل كل من المطر والبرد والثلج منه‏,‏ وتحدث ظواهر الرعد والبرق‏,‏ والعواصف‏,‏ والدوامات‏,‏ وتيارات الحمل الهوائية وغير ذلك من حركات الرياح فيه ولذا يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه‏:‏
    ‏...‏ والسحاب المسخر بين السماء والأرض‏...(‏ البقرة‏:164)‏ ويتركب هذا النطيق أساسا من جزيئات كل من غازات النيتروجين‏(‏ بنسبة‏78.1%‏ بالحجم‏)‏ والأوكسجين‏(‏ بنسبة‏21%‏ بالحجم‏),‏ والأرجون‏(‏ بنسبة‏0,93%‏ بالحجم‏),‏ وثاني أكسيد الكربون‏(‏ بنسبة‏0,03%‏ بالحجم‏),‏ بالإضافة إلي نسب ضئيلة من بخار الماء‏,‏ وآثار طفيفة من كل من غازات الميثان‏,‏ وأكاسيد النيتروجين‏,‏ وأول أكسيد الكربون‏,‏ والإيدروجين‏,‏ والهيليوم‏,‏ والأوزون‏,‏ وبعض الغازات الخاملة مثل الأرجون‏.‏

    ‏(2)‏ نطيق التطبق‏
    (Thestratosphere)‏
    ويمتد من فوق مستوي الركود الجوي إلي قرابة الخمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏(‏ ويتراوح سمكه بين‏44,33‏ كيلو مترا‏)‏ وينتهي بمستوي الركود الطبقي‏,
    (Thestratospause)‏
    وترتفع درجة الحرارة في هذا النطيق من حوالي الستين مئوية تحت الصفر عند قاعدته إلي نحو الثلاث درجات مئوية فوق الصفر عند قمته‏,‏ ويرجع ذلك إلي امتصاص قدر من الأشعة فوق البنفسجية القادمة مع أشعة الشمس بواسطة جزيئات الأوزون المنتشرة فيما يسمي باسم حزام الأوزون‏
    (TheozoneBelrortheozonosphere)‏
    الموجود في الجزء السفلي من هذا النطيق‏(‏ بين ارتفاعي‏30,18‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏)‏ ويتركز غاز الأوزون في هذا الحزام بنسبة‏0,001%‏ ولكنها علي ضآلتها تعتبر نسبة كافية لحماية الحياة علي الأرض من أضرار الأشعة فوق البنفسجية وهي أشعة حارقة ومدمرة لكافة الخلايا الحية‏,‏ ولولا هذه الحماية الربانية والعديد غيرها من صور الحماية التي وضعها الخالق سبحانه وتعالي بين السماء والأرض والتي لا يتسع المقام لسردها لاستحالت الحياة علي سطح الأرض‏,‏ ويستمر الضغط الجوي في الانخفاض في نطيق التطبق من قاعدته إلي قمته حتي يصل إلي واحد من الألف من الضغط الجوي عند سطح البحر‏.‏

    ‏(3)‏ النطيق المتوسط‏
    (theMesosphere):‏
    ويمتد من مستوي الركود الطبقي إلي ارتفاع‏80‏ ـ‏90‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏(‏ فيتراوح سمكه بين‏40,30‏ كم‏)‏ وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطيق بمعدل ثلاث درجات لكل كيلو متر ارتفاع تقريبا حتي تصل إلي نحو مائة درجة مئوية تحت الصفر عند حده العلوي والمعروف باسم مستوي الركود الأوسط
    ‏(theMesopause)
    وإن كانت درجة الحرارة تلك‏.‏ تتغير باستمرار مع تغير الفصول المناخية‏.‏
    كذلك يستمر الضغط في الانخفاض مع الارتفاع حتي يصل في قمة هذا النطيق إلي أربعة من المليون من الضغط الجوي عند سطح البحر‏.‏

    ‏(‏ب‏)‏ الجزء العلوي من الغلاف الغازي للأرض‏.‏
    وهذا الجزء من الغلاف الغازي للأرض يختلف اختلافا كليا عن جزئه السفلي ولذا يعرف باسم غلاف التباين‏
    (TheHeterosphere)‏
    وتبدأ جزئيات مكوناته في التفكك إلي ذراتها وأيوناتها بفعل كل من أشعة الشمس والأشعة الكونية‏,‏ كذلك تسود فيه ذرات الغازات الخفيفة مثل الإيدروجين والهيليوم علي حساب الذرات الكثيفة نسبيا مثل الأوكسجين والنيتروجين‏.‏

    وتواصل درجات الحرارة الارتفاع في هذا الجزء حتي تصل إلي أكثر من ألفي درجة مئوية‏,‏ ويواصل الضغط في الانخفاض حتي يصل في قمته إلي أقل من واحد في المليون من الضغط الجوي علي سطح الأرض‏,‏ ويحوي هذا الجزء من الغلاف الغازي للأرض علي نطيقين متميزين هما من أسفل إلي أعلي كما يلي‏:‏
    ‏(1)‏ نطيق الحرارة‏
    (TheThermosphere)‏
    ويمتد من مستوي الركود المتوسط إلي عدة مئات من الكيلو مترات في مستوي سطح البحر‏(‏ ويقدر سمكه عدة كيلومترات‏),‏ وتواصل درجة الحرارة في الارتفاع فيه من نحو مائة درجة مئوية إلي مابين‏500,227‏ درجة مئوية عند ارتفاع مائة وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وتبقي درجة الحرارة ثابتة تقريبا عند درجة‏500‏ م إلي ارتفاع يتراوح بين‏400,300‏ كم‏.‏
    فوق مستوي سطح البحر‏,‏ ثم تقفز بعد ذلك إلي مابين‏2000,1500‏ درجة مئوية في نهاية النطيق وتزيد عن ذلك في فترات النشاط الشمسي‏.‏

    ‏(2)‏ النطيق الخارجي‏
    (TheExosphere):
    ويعلو النطاق الحراري مباشرة‏,‏ وتثبت فيه درجة الحرارة نسبيا‏,‏ ولذا يطلق عليه أحيانا اسم نطاق التساوي الحراري‏
    (theIsothermalsphere),
    ويتضاءل الضغط فيه وتتمدد الغازات بشكل كبير وتتحرك ذراتها بحرية كاملة في مساراتها فتقل فرص التلاقي بينها بعد ارتفاع يطلق عليه اسم الارتفاع الحرج أو خط ركود الضغط الجوي أو قاعدة العوالم الخارجية عن الأرض‏.‏ وعند هذا الحد يبدأ الغلاف الغازي للأرض في الالتحام بقاعدة السماء الدنيا أو ما يطلق عليه اسم المادة بين السماء والأرض‏.‏
    وهنا تتضاءل سيطرة الجاذبية الأرضية علي ذرات الجزء العلوي من هذا النطيق الخارجي مما يزيد من قدرات تلك الذرات علي الانفلات من قيود الجاذبية الأرضية والهروب بعيدا عن الأرض‏.‏

    وفي المنطقة من قمة النطاق المتوسط إلي أقصي الحدود العلوية للغلاف الغازي للأرض تتأين ذرات الغازات بفعل كل من الأشعة فوق البنفسجية والسينية القادمة مع أشعة الشمس‏,‏ وبعض جسيمات كل من الأشعة الشمسية والكونية‏.‏
    ويطلق علي هذا السمك اسم نطاق التأين‏
    (TheIonosphere)‏
    والمنطقة التي تفوق فيها طاقة الأيونات الطاقة الحرارية فإنها تتحرك بين خطوط قوي مجال الجاذبية الأرضية مكونة منطقة تعرف باسم النطاق المغناطيسي للأرض‏
    (TheMagnelosphere)‏
    وتمتد إلي نهاية الغلاف الغازي للأرض‏.‏ وقد تتداخل في نطاق المادة بين الكواكب‏.‏

    كذلك تم اكتشاف زوجين من الأحزمة الإشعاعية‏
    (TheradiationBelrs)‏
    التي تحيط بالأرض علي هيئة هلالية مزدوجة تزيد في السمك عند خط الاستواء وترق رقة شديدة عند القطبين‏,‏ وفيها تحتبس الأيونات واللينات الأولية للمادة التي يقتنصها المجال المغناطيسي للأرض فتتحرك عبر ذلك المجال من أحد قطبي الأرض إلي الآخر وبالعكس في حركة دائبة‏.‏
    وهذه الحقائق لم يدركها العلماء إلا في بداية الستينات من القرن العشرين‏,‏ وهي تمثل فاصلا حقيقيا بين الأرض والسماء‏,‏ ومن هنا تأتي الإشارات القرآنية بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ رب السماوات والأرض وما بينهما في أكثر من عشرين موضعا من كتاب الله سبقا علميا يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق ويشهد بالنبوة وبالرسالة للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه فصلي الله وسلم وبارك عليه والحمد لله رب العالمين
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    ‏(42)‏ وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا علي ذهاب به لقادرون‏*‏
    بقلم ‏:‏ د. زغـلول النجـار
    هذه الآية الكريمة جاءت في نهاية السدس الأول من سورة‏(‏ المؤمنون‏),‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها مائة وثماني عشرة آية‏,‏ ويدور محورها الرئيسي حول قضية الإيمان‏,‏ وصفات المؤمنين‏,‏ ودلالات ومؤشرات ذلك‏,‏ ومقارنته باضداده من الكفر بالله أو الشرك به‏(‏ تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا‏).‏
    وقد استهلت السورة الكريمة بإثبات الفلاح للمؤمنين‏,‏ واستعراض جانب من صفاتهم‏,‏ وإثبات ميراث جنات الفردوس لهم خالدين فيها أبدا‏,‏ وتابعت بالإشارة إلي عدد من آيات الله في الأنفس والآفاق‏,‏ تشهد له‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بكمال الألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والوحدانية‏,‏ وبطلاقة القدرة المبدعة في الخلق مما يثبت له‏(‏ سبحانه‏)‏ القدرة علي الافناء والبعث‏,‏ وقد كانا دوما من حجج الكافرين والمتشككين والمعاندين‏.‏

    واستمرت سورة‏(‏ المؤمنون‏)‏ بعد ذلك في تأكيد حقيقة الإيمان كما دعا إليها رسل الله أجمعين ومنهم الصفوة من لدن سيدنا نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ إلي خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله‏(‏ صلي الله وسلم عليه وعليهم أجمعين‏),‏ وعرضت السورة لشئ من قصص هؤلاء الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعون‏)‏ الذين حملوا لأممهم الأمر الإلهي بالإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا‏,‏ وتوحيده‏,‏ وتنزيهه عن كل ما لا يليق بجلاله‏,‏ والخضوع له بالطاعة والعبادة والحرص علي المطعم الحلال الطيب‏,‏ والعمل الصالح المفيد‏,‏ وتأكيد وحدة الإنسانية‏,‏ ووحدة الدين‏,‏ هذه الإنسانية التي خالقها واحد‏,‏ وأصلها واحد‏,‏ ودينها واحد‏,‏ وإلي هذا الخالق العظيم الذي له ملك السماوات والأرض ومن فيهن يرجع الجميع ويعودون ليحاسبوا علي أعمالهم في حياتهم الدنيا بالإحسان إحسانا‏,‏ وبالإساءة عقابا أو غفرانا حسب مشيئة رب العالمين وأمره‏.‏
    وتابعت السورة الكريمة باستعراض عدد من شبهات المكذبين لدين الله الحق‏,‏ الضالين عن هدايته‏,‏ المحاربين لرسله وأنبيائه وأوليائه إلي الحد الذي يدفع الرسل والأنبياء‏,‏ والأولياء إلي الاستنصار بربهم فيهلك الله المكذبين‏(‏ من أمثال الصهاينة المجرمين الذين يعيثون اليوم فسادا في أرض فلسطين‏,‏ بدعم من الإدارة الأمريكية الفاجرة الكافرة‏,‏ وصمت من بقية المشركين والكافرين والمتخاذلين‏),‏ ومن سنن الله التي لا تتوقف‏,‏ ولا تتخلف أن يهلك المكذبين الكافرين الفجرة‏,‏ وأن ينجي عباده المؤمنين‏,‏ كما سيحدث إن شاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي أرض فلسطين‏,‏ وفي كل أرض محاصرة‏,‏ وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها‏.‏

    وتمضي السورة في استعراض اختلاف الناس بعد الرسل‏,‏ مؤكدة مرة أخري وحدة الرسالة السماوية‏,‏ ووحدة الجنس البشري‏,‏ وإن افترقوا إلي مؤمن وكافر‏,‏ وتكرر ذكر شئ من صفات كل من هاتين المجموعتين من البشر‏,‏ وتشير إلي مصير كل منهم في الآخرة‏,‏ وتؤكد أن المدد لنفر من الكافرين والمشركين في هذه الحياة الدنيا هو من قبيل استدراجهم‏,‏ وليس دليل خير فيهم‏,‏ فالمدد بالمال والبنين‏,‏ والعلو الكاذب في الأرض‏,‏ كما هو الحال مع كل من الأمريكيين والصهاينة الغاصبين لا يمكن أن يكون الا غضبا من الله تعالي عليهم من قبيل استدراجهم حتي إذا أخذهم لم يفلتهم إن شاء الله تعالي‏....!!!.‏
    وتستنكر سورة‏(‏ المؤمنون‏)‏ المواقف المعادية من المشركين لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في القديم كما تستنكره في الحديث دون أدني مبرر واحد‏,‏ وتشير إلي تعلل المشركين والكافرين بتشككهم في إمكانية البعث بعد الموت لجهلهم بطلاقة القدرة الإلهية‏,‏ وقياسهم علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ ظلما بمعايير الناس‏.‏

    وتسأل سورة‏(‏ المؤمنون‏)‏ الناس عددا من الأسئلة المنطقية حتي يجيبوا بفطرتهم‏,‏ وينطقوا ما يؤكد تفرد الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالألوهية‏,‏ والربوبية والوحدانية‏,‏ وأنه تعالي قيوم السماوات والأرض ومن فيهن‏,‏ المنزه عن الشريك والصاحبة والولد وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ بيده ملكوت كل شئ‏,‏ وهو الذي يجير ولايجار عليه‏...‏
    ويأمر الله‏(‏ تعالي‏)‏ رسوله الكريم في هذه السورة المباركة‏(‏ والأمر بالتالي لكل المسلمين‏)‏ أن يدفع بالتي هي أحسن‏,‏ وأن يستعيذ بالله من همزات الشياطين‏.‏

    وتختتم السورة بمشهد من مشاهد الآخرة يهان فيه كل كافر ومشرك‏,‏ ويؤاخذ علي مواقفه الخاطئة في الدنيا‏,‏ وتنتهي بإقرار التوحيد الخالص لله‏(‏ تعالي‏),‏ وبالتوجيه بضرورة طلب الرحمة والمغفرة منه لأنه‏(‏ تعالي‏)‏ هو أرحم الراحمين‏..‏
    والإشارات الكونية التي استشهدت بها سورة‏(‏ المؤمنون‏)‏ علي ما ورد فيها من حق إشارات عديدة منها ما يلي‏:‏

    ‏(1)‏ خلق السماوات والأرض بالحق‏.‏
    ‏(2)‏ اختلاف الليل والنهار‏.‏
    ‏(3)‏ إنزال الماء من السماء بقدر وإسكانه في الأرض‏.‏
    ‏(4)‏ خلق الحياة بمختلف صورها‏.‏
    ‏(5)‏ خلق الإنسان بمراحله المختلفة‏(‏ الجنينية وما بعد الجنين‏)‏ حتي يكتمل خلقه‏,‏ ويتم ميلاده‏,‏ ويستمر في مراحل نموه حتي وفاته‏,‏ ثم بعثه وحسابه‏,‏ وخلوده في حياة ابدية مقبلة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏.‏
    ‏(6)‏ خلق السمع والبصر والأفئدة للإنسان‏,‏ وبث جنسه في مختلف بقاع الأرض‏.‏
    ‏(7)‏ تبادل الموت والحياة‏.‏

    أقوال المفسرين

    في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض‏,‏ وإنا علي ذهاب به لقادرون‏*.‏
    ‏(‏ المؤمنون‏:18).‏

    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ يذكر الله تعالي نعمه علي عبيده التي لا تعد ولا تحصي في إنزاله القطر من السماء بقدر‏,‏ أي بحسب الحاجة‏,‏ لا كثيرا فيفسد الأرض والعمران‏,‏ ولا قليلا فلا يكفي الزرع والثمار‏,‏ بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به‏,...‏ فسبحان اللطيف الخبير الغفور‏,‏ وقوله‏:(‏ فأسكناه في الأرض أي جعلنا الماء إذا نزل من السحاب يخلد في الأرض‏,‏ وجعلنا في الأرض قابلية إليه‏,‏ تشربه‏,‏ ويتغذي به ما فيها من الحب والنوي‏,‏ وقوله‏:(‏ وإنا علي ذهاب به لقادرون‏)‏ أي‏:‏ لو شئنا ألا تمطر لفعلنا‏,‏ ولو شئنا أذي لصرفناه عنكم إلي السباخ والبراري والقفار لفعلنا‏,‏ ولو شئنا لجعلناه أجاجا لا ينتفع به لشرب ولا لسقيا لفعلنا‏,‏ ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فيها يغور إلي مدي لا تصلون إليه ولا تنتفعون به لفعلنا‏,‏ ولكن بلطفه ورحمته ينزل عليكم المطر من السحاب عذبا فراتا زلالا‏,‏ فيسكنه في الأرض‏,‏ ويسلكه ينابيع في الأرض‏,‏ فيفتح العيون والأنهار‏,‏ ويسقي به الزروع والثمار‏,‏ تشربون منه ودوابكم وانعامكم‏,‏ وتغتسلون منه‏,‏ وتتطهرون منه وتتنظفون‏,‏ فله الحمد والمنة‏.‏
    وجاء في باقي التفاسير كلام مشابه تماما لما ذكره ابن كثير‏,‏ فيما عدا المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزي الله كاتبيه خيرا‏)‏ والذي أشار في هامشه إلي شئ من ارتباط هذه الآية الكريمة بدورة الماء حول الأرض وأضاف‏:‏ وتشير هذه الآية إلي الحكمة العالية في توزيع الماء بقدر أي‏:‏ بتقدير لائق حكيم‏,‏ لاستجلاب المنافع ودفع المضار‏..‏ ثم معني آخر للآية الكريمة يفيد أن مشيئة الخالق ــ جل وعلا ــ اقتضت أن تسكن في الأرض كمية معلومة من المياه في محيطاتها وبحارها تكفي لحدوث التوازن الحراري المناسب في هذا الكوكب‏,‏ وعدم وجود فروق عظيمة بين درجات حرارة الصيف والشتاء لا تلائم الحياة‏,‏ كما في بعض الكواكب والتوابع كالقمر‏...‏ كما أن مياه الأرض أنزلت بقدر معلوم‏,‏ لا يزيد فيغطي كل سطحها‏,‏ ولا يقل فيقصر دون ري الجزء البري منها‏.‏

    وفي الحقيقة أن هذا السبق القرآني بالإشارة إلي أن أصل الماء الذي يمكن أن يستفيد به الإنسان من تحت سطح الأرض هو ماء المطر يعتبر جانبا من جوانب الإعجاز العلمي في كتاب الله‏,‏ لأن السائد عن ذلك الماء تحت السطحي في كل الحضارات السابقة علي البعثة المحمدية‏(‏ علي صاحبها أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ من مثل الحضارة اليونانية القديمة أنه مندفع إلي داخل القارات من ماء البحار والمحيطات عبر هوة سحيقة تخيلوها وأسموها تاتار‏
    (Tatare).‏

    أما أرسطو فقد افترض أن بخار ماء التربة يتكاثف في التجاويف وقد استمرت هذه الافتراضات الخاصة سائدة حتي النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي‏(1877‏ م‏),‏ ولم تتبلور العلاقة بين ماء المطر والماء تحت سطح الأرض إلا أخيرا جدا مع بدايات القرن العشرين‏,‏ وإن كان برنارد باليسي‏
    BernardPalissy‏
    قد أشار إلي شئ من ذلك في أواخر القرن السادس عشر الميلادي‏(1580‏ م‏)‏ وكذلك ديكارت في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي‏.‏

    دلالة الآية الكريمة في ضوء المعارف العلمية المكتسبة
    الماء سائل شفاف‏,‏ وهو في نقائه لا لون له ولا طعم ولا رائحة‏,‏ ويتركب جزيء الماء من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين‏,‏ وترتبط هذه الذرات الثلاث مع بعضها البعض برابطتين تساهميتين تشكلان زاوية مقدارها‏105‏ درجات‏,‏ مماجعل لجزيء الماء قطبين كهربيين يحمل احدهما شحنة موجبة والآخر شحنة سالبة‏.‏
    والماء من أهم ضرورات الحياة‏,‏ فبدونه لا تقوم‏,‏ ولذلك كان خلق الحياة الباكرة في الماء‏,‏ وظلت الحياة في الماء منذ‏3,8‏ بليون سنة مضت وإلي يومنا الراهن‏,‏ وحتي يرث الله الأرض ومن عليها‏,‏ بينما لا يتعدي عمر الحياة الأرضية علي اليابسة أربعمائة مليون سنة‏.‏ وأجساد الكائنات الحية كلها يغلب علي تركيبها الماء الذي تتراوح نسبته في جسم الانسان بين‏93%‏ بالنسبة للجنين في أشهره الأولي‏(‏ الثلاثة إلي الأربعة أشهر الأولي من حياة الجنين‏)‏ إلي‏71%‏ في الانسان البالغ‏,‏ هذا بالاضافة إلي أن جميع الأنشطة الحياتية من مثل عمليات تصنيع الغذاء‏,‏ وهضمه‏,‏ وتمثيله‏,‏ وإخراجه‏,‏ وعمليات الأكسدة والاختزال‏,‏ والانقسام‏,‏ والنمو‏,‏ والتكاثر‏,‏ وغيرها لا يمكن لها أن تتم في غيبة الماء‏,‏ فالنبات علي سبيل المثال يأخذ غذاءه من التربة عن طريق العناصر والمركبات الذائبة في ماء التربة والذي يمتصه ومحاليله بواسطة الشعيرات الجذرية‏,‏ وترتفع هذه العصارة الغذائية في الأوعية الخشبية للنبات بالقدرة التي أعطاها الله تعالي للماء علي الارتفاع بالخاصية الشعرية‏,‏ وقدرته علي خاصية التوتر السطحي‏,‏ كذلك فان عمليات التمثيل الضوئي لا يمكن أن تتم في غيبة
    الماء‏,‏ وبعد الاستفادة بالقدر الكافي من الماء في بناء خلاياه وأزهاره وثماره يطلق النبات الماء الزائد عن حاجته إلي الجو بعمليات عديدة منها النتح والتبخر‏.‏
    وبالمثل فإن كلا من الانسان والحيوان يأخذ القدر اللازم له من الماء عن طريق الطعام والشراب‏,‏ ويفقد الزائد منه عن حاجته بواسطة العديد من العمليات من مثل التنفس‏,‏ والعرق‏,‏ والدموع‏,‏ والاخراج‏,‏ وغيرها من الافرازات الجسدية‏.‏

    من الصفات الطبيعية المميزة للماء
    من الصفات الطبيعية التي خص الله‏(‏ تعالي‏)‏ بها الماء والتي جعل لها أهمية قصوي للحياة مايلي‏:‏

    ‏(1)‏ البناء الجزيئي ذو القطبية المزدوجة‏:‏ يتكون جزيء الماء من ذرتي هيدروجين تحملان شحنة كهربية موجبة وترتبطان بذرة أكسجين تحمل شحنة كهربية سالبة بواسطة رابطتين تساهميتين تشكلان زاوية مقدارها‏105‏ درجات وهذا البناء الجزيئي المميز جعل للماء من الصفات الطبيعية والكيميائية مايميزه عن غيره من السوائل والمركبات الهيدروجينية‏.‏
    ‏(2)‏ درجتا التجمد والغليان‏:‏ يتجمد الماء عند درجة‏4‏ مئوية‏,‏ ويغلي عند درجة مائة مئوية‏,‏ ولهاتين الخاصيتين أهمية قصوي لاستمرارية الحياة إذ يبقي الماء سائلا في درجات حرارة أجساد كل الكائنات الحية لتساعد علي إتمام جميع الأنشطة الحيوية ومنها التغذية‏,‏ وتمثيل الغذاء ونقله الي الخلايا والأنسجة المختلفة وإتمام عملية الأكسدة والاختزال وإخراج الفضلات والنمو والتكاثر وغيرها‏.‏

    ‏(3)‏ الحرارة النوعية‏:‏ ويقصد بها كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء عند درجة‏4‏ مئوية بمقدار درجة مئوية واحدة‏.‏ وهي حرارة نوعية مرتفعة ممايمكن جسم الانسان وأجساد غيره من الكائنات الحية من مقاومة التغيرات الجوية المختلفة بدرجة كبيرة‏.‏
    ‏(4)‏ الحرارة الكامنة‏:‏ والحرارة الكامنة لتبخر الماء هي الحرارة اللازمة لتبخير جرام واحد من الماء دون أن تتغير درجة حرارته‏,‏ وتبلغ‏540‏ سعرا حراريا‏,‏ وكذلك فإن الحرارة الكامنة لانصهار الماء المتجمد‏(‏ الجليد‏)‏ أي‏:‏ كمية الحرارة اللازمة لصهر جرام واحد منه دون أن تتغير درجة حرارته تبلغ‏80‏ سعرا حراريا‏.‏

    وارتفاع قيم الحرارة الكامنة للماء يكسبه مقاومة كبيرة في التحول من الحالة الصلبة إلي السائلة إلي الغازية‏,‏ وهذه الخاصية تجعل من الماء واحدا من أفضل السوائل المستخدمة في إطفاء الحرائق إذ يستهلك كمية كبيرة من الحرارة‏.‏ من الوسط الذي يحترق قبل أن ترتفع درجة حرارته‏,‏ مما يعين علي خفض درجة الحرارة وإلي إطفاء الحرائق‏.‏
    ‏(5)‏ اللزوجة والتوتر السطحي‏:‏ وتعرف لزوجة السائل بمقاومته للحركة‏,‏ أما التوتر السطحي فهو خاصية من خصائص السوائل الساكنة‏,‏ وفيه يكون السطح الحر للسائل مشدودا ليأخذ أقل مساحة ممكنة‏,‏ ويتميز الماء بلزوجة عالية نسبيا بسبب انجذاب جزيئاته إلي بعض بفعل الرابطة الهيدروجينية وتزيد هذه اللزوجة بانخفاض درجة حرارة الماء لزيادة قرب جزيئات الماء من بعضها البعض حتي درجة‏4‏ مئوية حين تبدأ في التباعد‏,‏ وتتسبب الرابطة الهيدروجينية في زيادة التوتر السطحي للماء مقارنة بالسوائل الشبيهة‏.‏

    وهاتان الخاصيتان تساعدان علي مزيد من التماسك بين مواد الخلية الحية‏,‏ وعلي إكساب الخلايا شكلها الخاص وتساعدان علي امتصاص العصارة الغذائية بواسطة الشعيرات الجذرية وعلي رفعها مقاومة الجاذبية الأرضية إلي الفروع والأوراق وحتي القمم النامية في أعلي النبات بارتفاع يفوق الارتفاع الذي يحدثه الضغط الجوي‏(‏ حوالي عشرة أمتار‏),‏ ويعين علي ذلك فقدان الماء من الأوراق بواسطة عمليات النتح والتبخر حيث يصل الضغط المائي أضعاف الضغط الجوي وان كان ذلك يختلف حسب نوع النبات وظروفه البيئية وذلك لكي يستمر ارتفاع العصارة الغذائية من الشعيرات الجذرية عبر السيقان والفروع إلي الأوراق والزهور والثمار‏.‏
    وتساعد لزوجة الماء وتوتره السطحي أيضا علي إبطاء عملية فقدان الماء من الأوراق عبر ثغورها‏,‏ ومن أجساد الانسان والحيوان عبر مسام الجلد‏,‏ وإذا خرج الماء الزائد يبقي علي سطح كل من الأوراق والجلد برهة حيث يتبخر فيبردهما ويكسبهما شيئا من الرطوبة في الجو الحار‏.‏

    وتساعد خاصيتا اللزوجة والتوتر السطحي المرتفعتان نسبيا للماء في حماية السفن والبواخر المحملة بالأحمال الثقيلة من الغوص في الأعماق وذلك بدفعها إلي أعلي وزيادة قدرتها علي الطفو‏.‏
    ‏(6)‏ قلة كثافة الماء عند تجمده‏:‏ من الثابت علميا أن قوة الرابطة الهيدروجينية تتلاشي بين جزيئات الماء بارتفاع درجة حرارته مما يجعل جزيئات الماء منفردة في حالة التبخر‏,‏ ومزدوجة أو ثلاثية في حالة السيولة حسب درجة الحرارة‏,‏ وفي حالة رباعية في حالة الجليد الرخو‏
    (Snow)‏
    وفي حالة ثمانية في حالة الجليد الصلب‏
    (Ice)‏
    وفي الحالة الأخيرة يزداد الحيز المكاني الذي تشغله ثماني جزيئات مما يقلل من كثافة الجليد وهي خاصية ينفرد بها الماء لأنها لازمة لحياة الكائنات الحية في المناطق المتجمدة‏.‏

    من الصفات الكيميائية المميزة للماء
    نظرا لتركيبه الجزيئي الفريد فإن الماء يتميز بعدد من الصفات الكيميائية الفريدة‏,‏ ومن الصفات الكيميائية المميزة التي خص الله تعالي بها الماء مايلي‏:‏
    ‏(1)‏ مقاومة جزيء الماء للتحلل إلي ذراته‏:‏ فنظرا للرابطة الهيدروجينية القوية لجزيء الماء‏,‏ ولوجود الذرات في داخل الجزيء بشكل مائل فإن هذا الجزيء يصعب تحلله إلي ذراته إلا بنسب ضئيلة‏(11%)‏ وفي درجات حرارة مرتفعة‏(2700‏ درجة مئوية‏),‏ وهذه الخاصية تعين المحاليل الحيوية المختلفة علي البقاء في أجساد الكائنات الحية‏.‏

    ‏(2)‏ قدرة الماء الفائقة علي إذابة العديد من المواد الصلبة والسائلة والغازية‏:‏ إن البناء الجزيئي للماء بميل ذراته‏,‏ وثنائية قطبيته‏,‏ وروابطه الهيدروجينية جعلت من الماء أعظم مذيب يعرفه الانسان خاصة بالنسبة للمواد المؤينة من مثل الأملاح والقواعد والأحماض ولذلك أطلق عليه اسم المذيب العالمي‏.‏
    ويذيب الماء ثاني أكسيد الكربون مكونا حمض الكربون بينما يذوب الأكسجين في الماء متخللا جزيئاته‏,‏ وفي الحالة الأولي تسهل عملية نقل ثاني أكسيد الكربون للاستفادة به في عملية التمثيل الضوئي التي تقوم حياة النباتات عليها‏,‏ كما تسهل عملية التخلص منه في كل من الانسان والحيوان والنبات‏,‏ وفي الحالة الثانية يعتبر ذوبان الأكسجين في الماء من ضرورات الحياة للاستفادة به في عمليات التنفس بالنسبة للكائنات التي تعيش في الماء‏.‏

    ‏(3)‏ قدرة الماء علي الأكسدة والاختزال‏:‏ يدخل الماء في العديد من عمليات الأكسدة والاختزال‏,‏ وفي الأولي تفقد العناصر إليكترونا أو أكثر‏,‏ بينما تكسب ذلك في الثانية‏,‏ وهي عمليات أساسية في تفتيت الصخور‏,‏ وتكوين التربة وتركيز الخامات‏,‏ وإعداد الغذاء لكل من النبات والحيوان والإنسان‏,‏ وفي أكسدة الدم واختزاله‏,‏ والدم يتكون أساسا من الماء‏.‏
    ‏(4)‏ قدرة الماء الفائقة علي التفاعل مع المركبات‏:‏ يتحد الماء مع أكاسيد الفلزات مكونا إيدروكسيداتها ومطلقا الحرارة‏,‏ ومع أكاسيد اللافلزات مكونا أحماضا‏,‏ وهي عمليات مهمة في تفتيت صخور الأرض‏,‏ وتكوين التربة‏,‏ وتكوين العديد من الثروات الأرضية وتركيزها‏.‏

    ‏(5)‏ قدرة الماء المحدودة علي التأين‏:‏ يتأين الماء بصعوبة إلي أيون الهيدروكسيل السالب‏,‏ وأيون الهيدروجين الموجب‏,‏ ويساعد هذا التأين علي إتمام العديد من العمليات الكيمائية اللازمة لاستمرارية الحياة‏.‏
    ‏(6)‏ قدرة الماء علي تصديع التربة وشقها‏:‏

    تتكون التربة أساسا من المعادن الصلصالية‏,‏ وهذه تتكون من صفائح رقيقة جدا أعطاها الله‏(‏ تعالي‏)‏ القدرة علي التشبع بالماء‏(‏ التميؤ‏)‏ فتتمدد إلي عشرات مرات أطوالها‏,‏ ويؤدي ذلك إلي تباعد أسطحها عن بعضها البعض‏,‏ فتهتز وتربو إلي أعلي‏,‏ وترق رقة شديدة حتي تنشق لتفسح طريقا سهلا للسويقة الطرية المنبثقة من داخل البذرة النابتة‏,‏ ولولا هذه الخاصية ما أنبتت الأرض‏,‏ ولا كانت صالحة للعمران وتتمدد صفائح الصلصال بالتميؤ لحملها شحنات كهربية سالبة علي أسطحها‏,‏ تمكنها من الاتحاد مع الشحنات الموجبة علي جزيء الماء مما يؤدي إلي جذب تلك الصفائح متباعدة عن بعضها البعض‏.‏ والعكس من ذلك يحدث عند الجفاف حيث تتلاشي الروابط الكهربية بين شحنات صفائح الصلصال وشحنات جزيء الماء عند جفافه فتتشقق الأرض لشقوق سداسية أو قريبة من السداسية مما يعين علي شيء من تهوية التربة

    توزيع الماء الأرضي
    يعتبر كوكب الأرض أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء ولذا يسميه علماء الأرض باسم الكوكب المائي أو الكوكب الأزرق‏,‏ وتقدر كمية الماء الأرضي بحوالي‏1337‏ مليون كيلو متر مكعب‏,‏ ويوجد في الحالات السائلة والغازية والصلبة موزعا في البحار والمحيطات‏,‏ والبحيرات والأنهار والجداول‏,‏ وغيرها من المجاري المائية‏,‏ كما يوجد علي هيئة جليد فوق القطبين وعلي قمم الجبال‏,‏ وعلي هيئة مخزون مائي تحت سطح الأرض‏,‏ كما يوجد علي هيئة قدر من الرطوبة في كل من التربة والغلاف الغازي للأرض‏,‏ويغطي الماء السائل أكثر قليلا من‏71%‏ من مساحة الأرض‏,‏ بينما يغطي الجليد نحو‏9%‏ من مساحتها ويتعذر في الطبيعة وجود ماء نقي تماما‏,‏ غير أن ماء الأمطار والثلوج المتساقطة تعد من أنقي حالات الماء الطبيعي‏,‏ ولكنه ما ان يصل الي سطح الأرض حتي يبدأ في إذابة جزء من املاح صخورها ويتوزع الماء الأرضي علي النحو التالي‏:‏

    دورة الماء حول الأرض
    ثبت أخيرا أن كل الماء الموجود علي سطح الأرض قد اندفع إلي سطحها أصلا من داخل الأرض عبر ثورات البراكين‏,‏ وقد سبق القرآن الكريم بثلاثة عشر قرنا علي الأقل بالإشارة إلي تلك الحقيقة التي يصفها الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
    والأرض بعد ذلك دحاها‏*‏ أخرج منها ماءها ومرعاها‏*(‏ النازعات‏:30‏ ـ‏31)‏

    وعندما بدأ هذا البخار في التصاعد من فوهات البراكين الي الغلاف الغازي للأرض وجد أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد هيأ له سطحا باردا يتكثف عليه في الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية‏(‏ نطاق الرجع‏)‏والذي يتميز بتبرده مع الارتفاع حتي تصل درجة حرارته الي ستين درجة مئوية تحت الصفر فوق خط الاستواء‏,‏ وذلك اساسا نتيجة للبعد عن سطح الأرض الذي يمتص حرارة الشمس ويعيد إشعاعها الي غلافها الغازي‏.‏
    وعند انخفاض درجة حرارة الهواء المحمل ببخار الماء مع الارتفاع فوق مستوي سطح البحر فان رطوبته النسبية ترتفع نظرا لانخفاض كثافته وبالتالي انخفاض ضغطه‏,‏ وعندما تبلغ رطوبته النسبية‏100%‏ فإن ضغطه يساوي ضغط بخار الماء‏,‏ وتسمي درجة الحرارة تلك باسم نقطة الندي
    ‏(DewPoint)‏
    أو درجة حرارة التشبع ببخار الماء‏.‏

    وانخفاض درجة حرارة الهواء المشبع ببخار الماء بارتفاعه في نطاق التغيرات الجوية الي مادون نقطة الندي يؤدي مباشرة إلي تكثف قطرات الماء منه وانفصالها عنه فتتكون السحب وهي مجموعة من قطيرات الماء المتناهية الضآلة في الحجم‏(‏ نحو عشرة ميكرون في القطر‏),‏ وتبدأ في التكون ابتداء من‏2‏ كيلو متر فوق مستوي سطح البحر الي نحو‏8‏ كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر او أكثر من ذلك‏.‏
    والهواء المحمل ببخار الماء يتبرد بارتفاعه الي المستويات العليا من نطاق التغيرات الجوية‏(7‏ الي‏16‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏)‏ او باصطدامه بقمم الجبال الشاهقة‏,‏ أو بالتقائه مع موجة هوائية باردة‏.‏

    والهواء الجاف يتبرد بمعدل عشر درجات مئوية لكل كيلو متر ارتفاعا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ ويتناقص هذا المعدل الي ست درجات مئوية مع كل كيلو متر ارتفاع في حالة الهواء الرطب‏,‏ نظرا لتأثير الحرارة الكافية علي تبخر جزء من الماء المحمول مع الهواء الرطب هذا بالاضافة الي ان ارتفاع الهواء الي اعلي يؤدي الي تمدده لوجوده تحت ضغط منخفض‏,‏ ويؤدي هذا التمدد الي مزيد من الانخفاض في درجة الحرارة تبعا لقوانين تمدد الغازات‏.‏
    بالاضافة الي انخفاض درجة حرارة الهواء المشبع ببخار الماء الي مادون درجة الندي فإن سقوط ماء المطر يتطلب تكون نويات من البرد‏(‏ الثلج‏)‏ او وجود بعض هباءات من الغبار او الاملاح القابلة للذوبان في الماء وهذه تسهم في مزيد من تجميع قطيرات الماء الي بعضها البعض وبالتالي تؤدي الي هطول الأمطار لعجز الهواء عن حمل القطيرات الكبيرة الحجم نسبيا من الماء‏(‏ من عشري ملليمتر الي نصف ملليمتر في القطر‏)‏ فتبدأ بالتساقط علي الأرض بفعل الجاذبية

    وبسقوط الماء علي سطح الأرض‏,‏ وعودته إليها ليجري علي سطحها سيولا جارفة‏,‏ تفتت الصخور‏,‏ وتشق الفجاج والسبل‏,‏ وتكون الأودية ومجاري الأنهار والجداول‏,‏ وتكون التربة‏,‏ وتركز عددا من ثروات الأرض‏,‏ ثم تفيض إلي المنخفضات مكونة البحيرات‏,‏ والبحار والمحيطات‏,‏ كما يتجمد جزء من هذا الماء علي هيئة طبقات الجليد فوق قطبي الأرض‏,‏ وفي قمم الجبال العالية‏,‏ ويتسرب بعض هذا الماء كذلك غير ظاهر‏(‏ منكشف‏)‏ الطبقات المسامية والمنفذة الي تحت سطح الأرض‏,‏ علي هيئة عدد من التجمعات المائية المختزنة في صخور القشرة الأرضية‏,‏ ويبقي بعضه عالقا بالتربة علي هيئة رطوبة أو بالغلاف الغازي للأرض علي هيئة بخار الماء‏.‏
    ومن هنا بدأت دورة الماء حول الأرض في ثبات واستقرار يشهدان لله الخالق بطلاقة القدرة‏,‏ وعظيم الصنعة‏,‏ وإتقان الخلق‏,‏ فبفعل حرارة الشمس يتبخر سنويا‏380.000‏ كيلو متر مكعب من الماء من الأرض إلي الجزء السفلي من غلافها الغازي‏,‏ منها‏320.000‏ كيلو متر مكعب يتبخر من أسطح البحار والمحيطات‏,‏ ويتبخر الباقي‏(60.000‏ كيلو متر مكعب‏)‏ من أسطح اليابسة‏(‏ من الأنهار وغيرها من المجاري المائية‏,‏ ومن البحيرات‏,‏ ومن النتح والبخر من أسطح النباتات‏,‏ وتنفس كل من الانسان والحيوان‏,‏ والبخر من الخزانات المائية تحت سطح الأرض‏,‏ ومن رطوبة التربة‏,‏ وهذا البخار المائي تحمله الرياح وترفعه إلي الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية‏(7‏ ـ‏16‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏)‏ حيث يتكثف مابه من بخار الماء ويعود مرة أخري إلي الأرض مطرا‏,‏ أو ثلجا‏,‏ أو بردا‏,‏ أو ضبابا أو ندي‏,‏ ليعاود الكرة مرة أخري ليتم دورة الماء حول الأرض‏.‏

    ومن سمات أحكام تلك الدورة أن مجموع كمية المطر النازلة علي أسطح البحار والمحيطات سنويا‏(284.000‏ كيلو متر مكعب‏)‏ يقل عما يتبخر منها بحوالي‏36.000‏ كم‏3,‏ ومجموع كمية المطر الساقطة علي اليابسة سنويا‏(96.000‏ كم‏3)‏ تزيد بنفس الكمية‏(36.000‏ كم‏3),‏ عن مجموع كمية البخر من سطح اليابسة‏(60.000‏ كم‏3)‏ وهذه الزيادة تفيض إلي البحار والمحيطات حتي يبقي سطح الماء بها ثابتا في الفترة الزمنية الواحدة‏,‏ ولولا دورة الماء حول الأرض لفسد كل ماء الأرض‏,‏ ولتعرض كوكبنا لحرارة قاتلة بالنهار‏,‏ ولبرودة مجمدة بالليل‏.‏

    خزانات الماء تحت سطح الأرض‏.‏
    تنقسم خزانات الماء تحت سطح الأرض إلي نوعين رئيسيين كما يلي‏:‏
    ‏(1)‏ خزانات ماء مالح أو شديد الملوحة‏:‏ وهذا الماء محتبس بين مسام الصخور الرسوبية المتجمعة في البحار القديمة التي كانت تغمر مساحات كبيرة من يابسة اليوم وانحسرت عنها‏,‏ وبقي هذا الماء المالح بل الشديد الملوحة في بعض الأحيان محصورا بين حبيبات تلك الصخور الترسيبية القديمة لملايين السنين حيث تزداد ملوحته باستمرار تعرضه لشيء من التفاعلات الكيميائية‏(‏ من مثل إذابة المزيد من الأملاح‏)‏ والفيزيائية‏(‏ من مثل البخر‏).‏

    وهذاالماء المالح عادة ما يوجد علي أعماق بعيدة نسبيا من سطح الأرض‏,‏ ومن أمثلته الماء المصاحب للنفط في مكامنه‏.‏

    ‏(2)‏ خزانات ماء قليل الملوحة إلي متوسط الملوحة‏.‏
    وهو ماء متجمع من ماء المطر النازل من السماء‏(‏ بمتوسط ملوحة دون‏20‏ جزءا في المليون‏)‏ علي طبقات من الصخور المسامية والمنفذة فيتحرك ماء المطر فيها بفعل الجاذبية الأرضية أولا متجها إلي الأسفل أي‏:‏ الي مستويات أدني من سطح الأرض حيث تزداد ملوحته بالتدريج‏,‏ وتستمر هذه الحركة الرأسية للماء حتي تتضاءل المسامية والنفاذية‏,‏ وهنا يبدأ ماء المطر في التحرك جانبيا فوق طبقات قليلة المسامية والنفاذية‏(‏ أو عديمتهما‏)‏ لتكون خزانا مائيا تحت سطح الأرض‏,‏ وإن كانت الطبقات مائلة فإن الماء يتحرك في اتجاه ميل الطبقات حتي يصل الي الماء المالح المحصور بين حبيبات الرسوبيات التي تجمعت في البحار القديمة السابقة التي انحسرت عن الأرض منذ ملايين السنين‏,‏ فيتجمع الماء القليل الملوحة طافيا فوق الماء المالح والشديد الملوحة للفرق بين كثافة الماءين‏.‏

    ولولا مسامية ونفاذية بعض صخور الأرض‏,‏ ما تجمع ماء المطر‏,‏ ولا أسكن في الأرض‏,‏ ولولا التغيرات الرأسية والجانبية في كل من المسامية والنفاذية ما أمكن خزن أي من ماء المطر‏,‏ ولا أمكن اسكانه في صخور الأرض علي هيئة مكامن مائية لآلاف بل لعشرات الآلاف من السنين إن لم يكن لملايين السنين في بعض الأحوال‏,‏ حتي يستفيد به أجيال من الخلق خزنه الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهم بعلمه وقدرته وحكمته‏...!!!‏
    ولولا حفظ هذه المكامن المائية من أخطار الحركات الأرضية من مثل الخسوف والتصدعات الأرضية‏,‏ والثورات البركانية‏,‏ والمتداخلات النارية ما بقيت تلك المكامن المائية بل دمرت بالكامل‏,‏ ولذلك قال ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    ‏...‏ وإنا علي ذهاب به لقادرون‏(‏ المؤمنون‏:18)‏

    وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين‏(‏ الملك‏:30)‏
    وقد يغور الماء المخزون في صخور القشرة الأرضية بتكون الصدوع والخسوف الأرضية‏,‏ كما قد يغور بالضخ المفرط الزائد عن معدل تدفق الماء إلي البئر‏,‏ وفي الحالتين لا يحفظ الماء في صخور الأرض أو يعوضه إذا غار الا رب العالمين‏.‏ ويخرج الماء من تحت سطح الأرض بقوة وعنف اذا كان واقعا تحت ضغوط عالية‏,‏ وقد يخرج بطريقة طبيعية علي هيئة العيون والينابيع الطبيعية‏,‏ التي قد تشارك في تغذية بعض الأنهار أو البحيرات ولكن اذا كان الماء تحت سطح الأرض تحت ضغوط منخفضة فإنه لا يمكن الوصول اليه الا بتشقق الأرض عنه أو بالحفر عليه‏.‏

    ويصف القرآن الكريم هاتين الحالتين بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):...‏ وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار‏,‏ وإ ن منها لما يشقق فيخرج منه الماء‏...(‏ البقرة‏:74)‏
    وتتراوح مسامية الصخور الخازنة للماء تحت سطح الأرض بين‏20%‏ و‏30%‏ وإن تدنت في بعض الحالات إلي‏5%‏ أو زادت الي‏60%,‏ وتختلف درجة اتصال هذه الفراغات مع بعضها البعض باختلاف الصخور‏,‏ وتعرف هذه الخاصية باسم النفاذية‏,‏ ويستدل بها علي قدرة الصخور في إنفاذ السوائل من خلالها‏,‏ علما بأن حركة السوائل في الصخور بطيئة بصفة عامة‏,‏ وإن كانت في حركة دائبة‏.‏ ولولا هذا الاعداد المتقن لصخور الأرض‏,‏ وتمايزها في مساميتها ونفاذيتها‏,‏ وظهور تلك الطبقات المنفذة علي سطح الأرض‏,‏ وتبادلها مع طبقات مصمتة أو غير منفذة‏,‏ ولولا الأحكام الشديد في دورة الماء حول الأرض‏,‏ ولولا اخراج هذا الماء أصلا من داخل الأرض ما أمكن لهذا الكوكب أن يكون صالحا للحياة من أي شكل ولون‏,‏ ولذلك يمن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏

    وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا علي ذهاب به لقادرون‏.(‏ المؤمنون‏:18)‏
    وهي حقائق تشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ كما تشهد للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ لأنه لم يكن لأحد في زمن البعثة المحمدية الشريفة ولا لقرون متطاولة من بعدها إلمام بأي من تلك الحقائق‏,‏ فسبحان منزل القرآن بعلمه‏,‏ والصلاة والسلام علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وعلي كل من تبع هداه ودعا بدعوته‏,‏ واستن بسنته‏,‏ والحمد لله رب العالمين
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    ‏(43)‏ أفرأيتم الماء الذي تشربون‏*
    أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون‏*
    لونشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون‏*‏
    بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
    هذه الآيات الكريمة جاءت قبل بداية الربع الأخير من سورة الواقعة مباشرة‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها ست وتسعون‏,‏ ويدور محورها الرئيسي حول قضية البعث والرد علي منكريه‏,‏ وسميت باسم الواقعة لاستهلالها بذكر وقوع القيامة بما فيها من أهوال‏,‏ والتأكيد علي حتمية وقوعها والإشارة إلي عدد من الأحداث الجسام المصاحبة لها‏,‏ ومنها تبديل أقدار الناس برفع أفراد منهم‏,‏ وخفض آخرين‏,‏ ومنها زلزلة الأرض زلزلة شديدة‏,‏ وبس الجبال وتفتيتها‏,‏ وذرو فتاتها‏,‏ وغير ذلك من أحداث جسام‏...!!!‏
    وعقبت الآيات بأن الخلق في ذلك اليوم الرهيب منقسمون إلي سابقين وهم ندرة نادرة‏,‏ وأهل يمين وهم قلة قليلة‏,‏ وأهل شمال وهم كثرة كاثرة‏,‏ واصفة جزاء كل صنف منهم هذا الجزاء المتباين بين التكريم لكل من السابقين وأهل اليمين تكريما يتناسب وماقدموه في الحياة الدنيا من إيمان وأعمال صالحة‏,‏ وجزاؤهم الخلود في جنات النعيم بمنازلها المتعددة‏,‏ وبين إهانة وتحقير يتناسبان مع أعمال أهل الشمال وكفرهم‏,‏ وعصيانهم‏,‏ وإنكارهم للبعث‏,‏ وتجبرهم علي الخلق مما أوجب لهم العذاب الشديد الذي سيخلدون به في جهنم أبدا‏...!!‏

    وهذا الاستعراض القرآني بوصف كل من أهل الجنة وأهل النار يؤكد حتمية مصائر الموصوفين كما وصفهم بأسلوب يجعل الآخرة هي الواقع القائم‏,‏ ويجعل الدنيا كأنها الماضي الفائت‏...‏احتقارا لشأنها‏,‏ وتهوينا من أمرها‏,‏ وتأكيدا أن الزمن من خلق الله‏,‏ والمخلوق لايحد الخالق أبدا‏,‏ هذا الخالق العظيم الذي يقع كل من الماضي والحاضر والمستقبل منه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ موقف الحاضر القائم‏,‏ فلا يغيب شيء عن علمه‏....!!‏
    وأشارت السورة الكريمة إلي عدد من آيات الله في السموات والأرض‏,‏ وفي خلق الإنسان وإماتته‏,‏ وذلك في مقام إقناعه بحتمية البعث‏,‏ والشهادة لله الخالق‏,‏ المحيي المميت‏,‏ الباعث‏,‏ الشهيد بطلاقة القدرة‏,‏ وبالألوهية‏,‏والربوبية‏,‏ والوحدانية‏,‏وبعبودية خلقه له‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وخضوعهم لأوامره‏,‏ والمداومة علي عبادته‏,‏ وطاعته‏,‏ وتسبيحه‏,‏ وتمجيده‏,‏ وتقديسه‏,‏ وتنزيهه‏(‏ جل وعلا‏)‏ عن كل وصف لايليق بجلاله‏(‏ من قبيل ما وقع فيه الخاطئون من نسبة الولد أو الزوجة‏,‏ أو الشريك أو الشبيه أو المنازع له في سلطانه‏,‏ وكلها صفات بشرية تتنافي مع جلال الربوبية وعظمة الألوهية‏).‏

    وعلي ذلك تقسم الآيات الكريمة بمواقع النجوم ـــ وهو قسم بالقطع عظيم‏,‏ وإن كان أغلب الناس لايدركون قدره ـــ علي أن القرآن كتاب كريم‏,‏ مصون بأمر الله تعالي لايمسه إلا المطهرون‏,‏ أنزله الله بعلمه‏,‏ وحفظه بقدرته هداية للعالمين‏...!!‏
    وتنعي سورة الواقعة علي كل من الكافرين والمشركين تكذيبهم لوحي القرآن الكريم‏,‏ ورفضهم التسليم بأنه كلام رب العالمين‏,‏ مما دفع بهم إلي الإعراض عنه‏,‏ وعن هدايته الربانية‏,‏ وفي مقام التحذير من ذلك‏,‏ تذكر السورة بمصائر الخلق يوم القيامة‏,‏والذي استهلت به مطلعها‏...‏ فتعاود تذكير الناس بمشهد الاحتضار‏,‏ وحشرجة الصدر‏,‏ وبلوغ الروح الحلقوم‏,‏ والأهل والأصدقاء حول المحتضر‏,‏ لايملكون له شيئا‏,‏ ولايستطيعون لكربه كشفا‏,‏ولا لموته دفعا‏..‏ والله‏(‏ تعالي‏)‏ مطلع علي المحتضر وعليهم‏,‏ عالم بأحواله وأحوالهم‏,‏ وهو أقرب إليه منهم‏,‏ ولكنهم لايدركون ذلك ولايحسونه‏..!!‏

    وفي مشهد الاحتضار هذا يبشر الصالحون‏,‏ ويتوعد الكفار والمشركون كل بمصيره في الآخرة‏..‏ فأما إن كان من السابقين المقربين فله من الله‏(‏ تعالي‏)‏ كل راحة هنيئة‏,‏ ورحمة واسعة‏,‏ وبشري بالخلود في جنات النعيم التي يطلعه الله تعالي علي منزلته فيها لحظة نزعه‏,‏ وأما إن كان من أصحاب اليمين فتسلم عليه الملائكة وتبشره بأنه من أهل اليمين‏.‏ وأما إن كان من المكذبين الضالين‏..‏ فله الوعيد الحق بالخلود في نار جهنم‏,‏ في نزل من حميم‏,‏ وتصلية جحيم إلي أبد الآبدين‏...!!‏
    وتختتم السورة الكريمة بالتأكيد أن كل ما ورد فيها من أمور هو حق مطلق‏,‏ ويقين ثابت‏,‏ لايداخله أدني شك‏,‏ لأنه كلام رب العالمين الذي أنزله بعلمه‏,‏ وحفظه بحفظه‏,‏ والذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏,‏ وتقفل السورة الكريمة بأمر من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ وهو أمر للخلق كافة‏)‏ أن يداوم علي تسبيح الله‏,‏ وذكر اسمه العظيم بالتمجيد والتقديس مع التنزيه عن كل نقص‏,‏ وكل وصف لايليق بجلال ربوبيته‏,‏ وألوهيته‏,‏ ووحدانيته‏,‏ وتفرده بالسلطان في ملكه‏,‏ بغير شريك‏,‏ ولاشبيه‏,‏ ولامنازع‏,‏ وهذا هو معني التسبيح وهو الذكر الدائم لجلال الله بكل اسم‏,‏ ووصف‏,‏ وفعل نسبه‏(‏تعالي‏)‏ لذاته العليه‏,‏ وهو من صور الشكر لله علي عظيم نعمائه‏.‏

    والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الواقعة آيات عديدة نختار منها‏:‏
    ‏(1)‏ إيجاد الإنسان من العدم‏,‏ وخلقه من مني يمني في مراحل متتابعة أثناء نشأته الجنينية‏,‏ حتي ميلاده‏,‏ ونموه‏,‏ ووفاته ثم بعثه للخلود في حياة أبدية قادمة‏.‏

    ‏(2)‏ حتمية الموت علي جميع المخلوقين‏,‏ وتسلسل الخلق من بعدهم إلي يوم الدين مما يؤكد حتمية البعث‏.‏

    ‏(3)‏ إنبات الأرض بمختلف الزروع‏,‏ وهو صورة من صور إنشاء الحياة بيد القدرة الإلهية المبدعة‏,‏ وإنبات الأرض أمر معجز‏,‏ ولو شاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ ألا تنبت ما أنبتت‏,‏ ولو شاء أن تنبت ولاتثمر ما أثمرت‏,‏ ولو شاء أن تنبت وتثمر وألا يمكن الخلق من ثمارها لفعل بتهشيم النبات وإفنائه قبل نضج الثمار‏.‏

    ‏(4)‏ إنزال الماء من السحاب المشبع ببخار الماء‏..‏ عذبا‏,‏ زلالا‏,‏ طيبا‏,‏ ولو شاء لأنزله مالحا أجاجا‏,‏ لايستساغ له طعم‏,‏ ولاتصلح به حياة‏.‏

    ‏(5)‏ إعطاء الشجر الأخضر إمكانية خزن جزء من طاقة الشمس علي هيئة عدد من الروابط الكيميائية التي تشكل كل صور الوقود للإنسان علي سطح الأرض وفي داخلها‏,‏ والوقود هو مصدر النار‏,‏ والنار مصدر من مصادر الطاقة‏.‏

    ‏(6)‏ الإشارة إلي المسافات الشاسعة التي تفصل النجوم عنا وعن بعضها البعض تعبيرا عن عظمة الكون‏,‏ وتأكيدا للحقيقة القاطعة التي لم تدرك إلا في القرن العشرين‏,‏ والتي مؤداها ان الإنسان لايمكن له ان يري النجوم من مكانه علي الأرض أبدا نظرا لضخامة أبعادها عنا‏,‏ وسرعة تحركها في أفلاكها‏,‏ ولكنه يري مواقع مرت بها تلك النجوم‏.‏

    ‏(7)‏ عجز الخلق أجمعين عن إنقاذ محتضر يعاني سكرات الموت‏.‏
    وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ وسوف أناقش هنا النقطة الرابعة فقط ألا وهي إنزال الماء من السحاب المشبع ببخار الماء عذبا‏,‏ زلالا‏,‏ طيبا‏...!!(‏ الآيات‏:68‏ ـ‏70‏ من سورة الواقعة‏)‏ وقبل الخوض في ذلك أعرض لأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة تلك الآيات الكريمة‏.‏

    أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالي‏:‏
    أفرأيتم الماء الذي تشربون‏*‏ أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون‏*‏ لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون‏*‏ الواقعة‏:68‏ ـ‏70‏
    ذكر ابن كثير رحمه الله مانصه‏:(‏ أفرأيتم الماء الذي تشربون‏*‏ أأنتم أنزلتموه من المزن‏,‏ يعني السحاب‏,(‏ أم نحن المنزلون‏),‏ يقول بل نحن المنزلون‏,(‏ لو نشاء جعلناه أجاجا‏)‏ أي زعافا مرا لايصلح لشرب ولا لزرع‏,(‏ فلولا تشكرون‏)‏ أي فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذبا زلالا‏,(‏ لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون‏)‏ روي ابن أبي حاتم‏,‏ عن جابر‏,‏ عن أبي جعفر‏,‏ عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ أنه كان إذا شرب الماء قال‏:‏ الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته‏,‏ ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا
    وذكر باقي المفسرين كلاما مشابها لا أري داعيا لتكراره‏.‏

    الماء في القرآن الكريم
    وردت كلمة ماء في القرآن الكريم ثلاثا وستين مرة‏,‏ وهي لفظة تدل علي المفرد والجمع معا‏,‏ هذا عدا خمس مرات وردت فيها لفظة ماء بمعني النطفة‏.‏ أو ماء التناسل‏.‏وتشير الآيات‏(68‏ ـ‏70)‏ من سورة الواقعة إلي حقيقتين مائيتين مهمتين‏:‏ أولاهما إنزال ماء المطر من المزن‏[‏ جمع مزنة وهي السحابة البيضاء أي المشبعة بقطيرات الماء أو المضيئة أي المليئة بالبرق أو الممطرة‏].‏
    وثانيتهما‏:‏ إنزال ماء المطر عذبا زلالا‏,‏ ولو شاء الله تعالي لجعله ملحا أجاجا أي مالحا مرا‏,‏ والعباد لا يشكرون الله علي نعمائه‏...!!‏

    والماء هو سر من أسرار الحياة‏,‏ وأصل من أصولها التي لايمكن لها أن توجد بدونه‏,‏ وهكذا قدر الخالق العظيم‏,‏ فجعل الأرض أغني الكواكب المعروفة لنا ثراء بالماء‏,‏ فأنشأه من عناصره وأخرجه من داخلها‏,‏ ليتكثف ويعود إليها مطرا‏,‏ وبردا‏,‏ وثلجا‏,‏ يفتت صخورها‏,‏ ويشق الفجاج والسبل فيها‏,‏ ويكون تربتها‏,‏ وصخورها الرسوبية‏,‏ ويركز أعدادا من الثروات المعدنية فيها‏,‏ ويجري علي سطحها سيولا جارفة‏,‏ وأنهارا متدفقة‏,‏ وجداول جارية لينتهي به المطاف إلي منخفضات الأرض مكونا البحيرات والبحار والمحيطات‏,‏ كما يتسرب إلي ما دون قشرة الأرض ليكون عددا من الخزانات المائية تحت سطح الأرض‏,‏ أو يرطب كلا من تربتها والأجزاء الدنيا من غلافها الغازي‏,‏ أو يتجمع علي هيئة سمك متفاوت من الجليد علي قطبي الأرض وفوق قمم الجبال الشاهقة‏.‏
    وقد اقتضت مشيئة الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أن يسكن في الأرض كمية محدودة من الماء في محيطاتها‏,‏ وبحارها‏,‏ وبحيراتها‏,‏ وأن يجري هذا الماء في أنهارها وجداولها‏,‏ وأن يختزن بعضه في الطبقات المسامية والمنفذة من قشرتها‏,‏ وفي بعض الصخور المتشققة من صخور تلك القشرة الأرضية‏,‏ ليخرجه علي هيئة العيون والينابيع‏,‏ وأن يحتبس جزءا آخر علي هيئة الجليد فوق القطبين وفي قمم الجبال وهذا كله بالقدر المناسب بغير زيادة ولا نقصان‏,‏ والكافي لمتطلبات الحياة علي الأرض بالضبط‏,‏ وهذا التوازن الحراري المناسب في غلافها الغازي القريب من سطحها‏,‏ وعدم وجود فروق كبيرة بين درجات حرارة كل من الشتاء والصيف بما يلائم مختلف صور الحياة الأرضية‏,‏ وهذا القدر الموزون من الماء لا يزيد عن حجم معين‏(1337‏ مليون كيلومتر مكعب‏)‏ فيغطي كل سطح الأرض‏,‏ ولا ينقص عن ذلك فيقصر دون متطلبات الحياة علي سطحها‏.‏

    كذلك اقتضت إرادة الخالق‏(‏ تبارك اسمه‏)‏ أن يحرك هذا الماء كله في دورة معجزة كي لا يفسد‏,‏ فتبخر حرارة الشمس منه في كل عام‏380,000‏ كيلومتر مكعب منها‏320,000‏ كم‏3‏ من أسطح البحار والمحيطات‏,60,000‏ كم‏3‏ من الكتل المائية علي اليابسة ومن تنفس وعرق وإخراج كل من الإنسان والحيوان‏,‏ ونتح النباتات‏.‏
    وهذا البخار يتصاعد في نطاق التغيرات الجوية المحيط بالأرض والذي جعل له الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ خاصية التبرد بالارتفاع حتي تصل درجة حرارته إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر فوق خط الاستواء‏,‏ فيتكثف بخار الماء فيه‏,‏ ويعود للأرض مطرا‏,‏ وهكذا دواليك‏...!!‏

    وينزل علي الأرض في كل سنة‏380,000‏ كم‏3‏ من ماء المطر‏,284,000‏ كم‏3‏ علي البحار والمحيطات‏,‏ و‏96,000‏كم‏3‏ علي اليابسة والفارق بين كمية المطر وكمية البخر علي اليابسة يفيض إلي البحار والمحيطات للمحافظة علي منسوب الماء فيها في كل فترة زمنية محددة‏,‏ ونزول المطر من السحب لايزال أمرا غيبيا‏,‏ يصعب تفسيره من الناحية العلمية‏,‏ وذلك بسبب الاعتقاد السائد بأنه يتم بواسطة عدد من التفاعلات الطبيعية غير المعروفة بالتحديد‏,‏ من بينها حركات الرياح الأرضية‏,‏ وإمكانية إثارتها لقدر من الغبار الدقيق من سطح الأرض‏,‏ والذي يبقي‏(‏ لدقته المتناهية‏)‏ عالقا في نطاق التغيرات المناخية المحيط بالأرض لفترات طويلة‏,‏ ومن بينها الشحنات الكهربية في السحابة الواحدة أو في السحب المتصادمة‏,‏ ومنها اختلاف درجات الحرارة ونسب الرطوبة في تلك السحب المتصادمة‏,‏ ومن بينها أثر الرياح الشمسية علي أجواء الأرض‏,‏ وغير ذلك من التفاعلات‏.‏ وتحتوي السحب علي حوالي‏2%‏ فقط من الماء الموجود في الغلاف الجوي للأرض‏(‏ والذي يقدر بحوالي‏15,000‏ كم‏3)‏ ويوجد علي هيئة قطيرات متناهية الضآلة في أحجامها‏(‏ في حدود المايكرون الواحد في أقطارها‏),‏ وتلتصق هذه القطيرات الدقيقة بالهواء للزوجتها‏,‏ وذلك في السحب غير الممطرة أي السحب العادية التي تحملها الرياح ولا تسقط مطرا علي الأرض إلا إذا تم تلقيحها بامتزاجها بسحابة تختلف عنها في درجة حرارتها‏(‏ إحداهما ساخنة والأخري باردة‏),‏ أو بواسطة عدد من الجسيمات الدقيقة بهباءات الغبار التي تثيرها الرياح من فوق سطح الأرض وتلقح بها السحب فتعين بإذن الله علي إنزال الماء منها‏...!!‏ وعلي ذلك فإن إنزال المطر يبقي ـ في الحقيقة ـ سرا من أسرار الكون لايعلمه‏,‏ ولا يرتبه إلا الله‏,‏ وإن جاهد العلماء في محاولة فهم كيفية إنزال المطر من السحب المحملة بقطيرات الماء‏...‏ ولفهم ذلك لابد أولا من فهم كيفية إنشاء السحب بصفة عامة‏,‏ والسحب الممطرة بصفة خاصة‏,‏ وهي عملية خارجة تماما عن طاقة القدرة الإنسانية مهما تطورت معارف الإنسان وارتقت تقنياته‏.‏

    تفسير العلوم المكتسبة لكيفية إنشاء السحب الممطرة‏(‏ المزن‏)‏
    المزن‏(‏ أو السحب المزينة‏)‏ جمع مزنة وهي السحابة البيضاء أي المشبعة بقطيرات الماء‏,‏ ويطلق التعبير كذلك علي السحابة المضيئة أي المصاحبة بالبرق‏,‏ وكلاهما من السحب الممطرة مما جعل ذلك وصفا للمزن‏,‏ وذلك لأنه ليست كل السحب ممطرة‏.‏ وتري العلوم المكتسبة أن إنشاء السحب يتم بإذن الله كنتيجة لتكثيف بخارالماء المتصاعد من الأرض إلي مختلف مستويات نطاق الرجع‏(‏ نطاق التغيرات الجوية الذي يرتفع لمسافة فوق مستوي سطح البحر تتراوح بين‏7‏ كم‏,‏ و‏16‏ كم‏)‏ خاصة في الأجزاء العليا منه‏,‏ وذلك علي هيئة قطيرات دقيقة جدا من الماء يتمكن الغلاف الغاري للأرض في هذا النطاق من حملها لضآلة كتلتها‏.‏ وتلعب الرياح دورا مهما في تكوين السحب‏,‏ والرياح ظاهرة جوية مرتبطة بالتفاعل بين الكتل الهوائية المختلفة‏,‏ وهي دافئة ورطبة فوق المحيطات المدارية‏,‏ وحارة جافة فوق الصحاري‏,‏ وباردة جافة فوق المناطق القطبية‏,‏ وتتداخل هذه الكتل الهوائية مع بعضها البعض بفعل حركة الرياح‏,‏ وبذلك تتكون السحب والأعاصير وغير ذلك من المظاهر الجوية‏.‏
    هذا علي المستوي الشمولي لكوكب الأرض‏,‏ الا أن التضاريس المحلية تعقد من تلك الصورة بعض الشيء‏.‏

    وعندما يسخن الهواء في منطقة ما بملامسته لسطح الأرض بحيث يصبح أدفأ من كتل الهواء المحيطة به‏,‏ فإنه يتمدد وبتمدده تقل كثافته ويتناقص ضغطه فيرتفع إلي أعلي‏,‏ ومع الارتفاع يتناقص ضغطه أكثر‏,‏ وتنخفض درجة حرارته‏(‏ لبعده عن مصدر الدفء وهو سطح الأرض الذي يمتص حرارة الشمس ويعاود إشعاعها‏),‏ ويزداد تبرد كتلة الهواء بازدياد ارتفاعها في نطاق التغيرات الجوية‏(‏ الرجع‏)‏ مما يصل برطوبتها الي درجة التشبع فتتكثف وبتكثفها تتكون السحب‏,‏ وقد تسقط الأمطار والثلوج‏.‏
    كذلك فإن الفرق في درجات الحرارة بين اليابسة والماء يؤدي إلي تسخين كتل الهواء فوق اليابسة في فصل الصيف‏,‏ وبالتالي يعينها علي الارتفاع إلي أعلي كي تحل محلها كتل باردة من فوق ماء البحر‏(‏ نسيم البر والبحر‏)‏ لتكون دورة أفقية للهواء تنتج عنها السحب علي طول السهل الساحلي للبحر وكذلك الحال في اختلافات درجة الحرارة بين التضاريس الأرضية المتعددة‏(‏ كدورة الرياح بين الجبال والأودية والأغوار‏)‏ وهذه الرياح الأفقية قد تعترضها دفقات رأسية بفعل تيارات الحمل مما قد يؤدي إلي حدوث دوامات اضطراب تكون سحبا موجية غير منتظمة قد تصحبها رياح عاصفة ومدمرة في بعض الأحيان‏.‏

    والمكونات الأساسية للسحب هي الهواء الرطب‏,‏ والتبرد‏,‏ والرياح التي تحمل مزيدا من الهواء الرطب للسحب المكونة‏,‏ وتوفر عددا من نويات التكثف‏,‏ وهي هباءات دقيقة من الغبار أو من بعض المركبات الكيمائية التي لها جاذبية لبخار الماء من نقل كبريتات النوشادر‏,‏ أو بعض دقائق الأملاح المتصاعدة مع بخار الماء‏,‏ وبغياب أي من هذه الشروط لا تتكون السحب‏,‏ وتبقي الرياح عقيمة‏,‏ أو تتكون السحب ولكنها تكون سحبا غير ممطرة‏,‏ وبذلك يتضح أن تكون السحب وهطول الأمطار من الأمور الخارجة عن نطاق القدرة الإنسانية‏,‏ وللسحب أنواع عديدة‏,‏ ولكن القليل منها هو الممطر‏(‏ المزن‏)‏ ومن هذه الأنواع مايلي‏:‏
    ‏(1)‏ السحب الركامية وهي سحب رأسية ذات قمم سامقة علي هيئة السلاسل الجبلية وتتميز بسمك كبير قد يصل الي أكثر من‏15‏ كم‏,‏ وتشبه في هيئتها جبال الأرض‏,‏ وقد تتطور الي مايعرف بالسحب الركامية المزنية‏(‏ أي الممطرة‏)‏ وهي النوع الوحيد المعروف بين السحب بمصاحبة ظواهر حدوث كل من الرعد والبرق وتكون البرد‏,‏ وذلك بسبب سمكها الكبير‏,‏ وبرودتها الشديدة‏.‏
    والسحاب الركامي‏(‏ المركوم‏)‏ هو السحاب المتراكم بعضه علي بعض‏,‏ ويتكون بفعل الرياح التي تسوق قطعا من السحب الصغيرة الي مناطق محددة تلتقي وتتجمع فيها مما يؤدي إلي زيادة ركمها أفقيا ورأسيا وبالتالي تؤدي إلي زيادة سمكها وإلي تكديس كميات كبيرة من بخار الماء فيها‏,‏ وزيادة قدرتها علي إنزال المطر‏,‏ بإذن الله ومن المشاهد أنه عندما تلتحم سحابتان أو أكثر فإن تيار الهواء الصاعد داخل السحابة يزداد بصفة عامة‏,‏ مما يساعد علي جذب مزيد من بخار الماء إلي قلب السحابة من قاعدتها‏,‏ وهذا بدوره يزيد من الطاقة الكامنة لتكثف بخار الماء والتي تساعد هي الأخري علي زيادة سرعة التيار الهوائي الصاعد دافعا بهذا التجمع المركوم الي ارتفاعات أعلي‏,‏ خاصة وسط التجمع حيث تكون التيارات الصاعدة أقوي ماتكون فتظهر كالنافورة المتدفقة الي أعلي بالماء‏,‏ أو كالبركان الثائر الذي يدفع بزخات الحمم والدخان الي مئات الأمتار فوق فوهته‏.‏

    وفي السحب الركامية الشاهقة الارتفاع تتساقط حبات المطر من قاعدة السحابة‏,‏ بينما ـ يتجمع في وسطها خليط من الماء شديد البرودة وحبات البرد المتفاوتة الجرم‏,‏ وفي قمتها تغلب بللورات الثلج والبرد‏.‏
    وهذا هو السحاب الركامي المزني الذي يصاحب عادة بحدوث كل من الرعد والبرق‏,‏ وتنزل زخات مطر من الماء أو البرد أو كليهما معا‏,‏ عندما تصبح كتل تلك القطيرات فوق حدود احتمال السحابة‏,‏ وتصبح الرياح الرأسية غير قادرة علي الاستمرار في دفعها الي اعلي خاصة ان بعض حبات البرد قد تصل الي حجم البرتقالة المتوسطة الحجم‏.‏

    ‏(2)‏ السحب الطباقية‏:‏ وهي سحب أفقية منبسطة تمتد علي هيئة طبقة أو عدد من الطبقات القليلة السمك نسبيا‏,‏ وقد تمتد أفقيا إلي مئات الكيلومترات‏,‏ ورأسيا إلي عدة مئات الأمتار‏,‏ وهي غير مصاحبة بمظاهر الرعد والبرق‏,‏ ولا يتكون فيها البرد نظرا لانتشارها الافقي الكبير‏,‏ وقلة سمكها‏,‏ وضعف التيارات الرافعة فيها‏.‏
    وهذا النوع من السحب غالبا مايتكون بفعل التقاء جبهات الكتل الهوائية‏,‏ أو بارتطامها بكتل السلاسل الجبلية حيث تقوم الجبال برفع تلك الرياح الأفقية المحملة ببخار الماء إلي أعلي بمعدلات خفيفة ولكنها واسعة الانتشار‏,‏ حيث تتبرد‏,‏ ويبدأ بخار الماء في التكثف علي هيئة قطيرات دقيقة حول نوي التكثف‏,‏ وقد يحدث شيء من الركم في أثناء هذه العمليات ولكنه لايصل في السمك او الارتفاع الي مستوي السحب الركامية‏.‏

    وإذا نمت قطيرات الماء الي الحجم الذي يسمح لها بالهطول مطرا من هذا النوع من السحب سمي باسم المزن الطباقية وسميت أمطارها باسم الأمطار التضاريسية إذا كانت ناتجة عن الاصطدام بالسلاسل الجبلية‏,‏ أو باسم الأمطار الجبهية إذا كانت ناتجة عن اختلاط جبهات الكتل الهوائية وكلاهما من أغزر الأمطار هطولا وأطولها مدة‏.‏
    وبتكون قطرات الماء في داخل السحابة الطباقية تبدو رمادية اللون معتمة‏,‏ واذا بدأ المطر في الهطول منها تتعرج قاعدة تلك المزن الطباقية وتبدو اسفنجية المظهر لتفرق أماكن نزول المطر منها‏,‏ وقد يؤدي ذلك الي تفرق السحابة ذاتها الي كتل تتباعد عن بعضها البعض علي هيئة سحاب طبقي متوسط أو إلي أجزاء متناثرة من ذلك حتي تتلاشي السحابة بالكامل‏.‏

    وكما تقسم المزن‏(‏ السحب الممطرة‏)‏ علي أساس من شكلها‏(‏ أو هيئتها‏)‏ الي مزن ركامية ومزن طباقية فإنه يمكن أن تقسم علي أساس من العوامل الفاعلة في إنشائها وتكوينها إلي‏:‏ مزن جبهية‏,‏ ومزن تضاريسية ومزن حملية‏,‏ كما يمكن تصنيف تلك الأنواع علي أساس من ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر إلي مزن منخفضة‏,‏ مزن متوسطة الارتفاع ومزن عالية ويمكن دمج كل هذه التقسيمات معا‏,‏ كما يمكن تقسيم السحب غير الممطرة علي نفس المنوال‏,‏ وإن كانت السحب العالية يطلق عليها أحيانا اسم سمحاق وهناك السمحاق الركامي والسمحاق الطبقي وأي من هذه الأنواع إذا كان كثيف المطر سمي معصرا
    وهذه المعصرات وصفها القرآن الكريم بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا‏(‏ النبأ‏:14)‏

    وكل من السحب الركامية الممطرة‏,‏ والطباقية الممطرة والمعصرات يجمع تحت مسمي المزن أو السحب الممطرة‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون
    ‏(‏الواقعة‏:69)‏

    إنزال ماء المطر من المزن
    تتكون المزن أو السحب الممطرة بارتفاع الهواء المحمل ببخار الماء إلي الأجزاء العليا من نطاق الرجع‏(‏ نطاق التغيرات الجوية‏),‏ وهذا النطاق تثرية دورة الماء حول الأرض باستمرار ببخار الماء المتصاعد من فوهات البراكين‏,‏ ومن تبخر الماء بواسطة أشعة الشمس من أسطح البحار‏,‏ والمحيطات‏,‏ والبحيرات‏,‏ والأنهار‏,‏ وغير ذلك من التجمعات والمجاري المائية الأخري‏,‏ ومن نتح النباتات وتنفس كل من الإنسان والحيوان وإفرازاتهما‏:‏
    وبصعود هذا البخار إلي الطبقات العليا من نطاق الرجع حيث تتناقص درجة الحرارة باستمرار‏,‏ وبتناقص الضغط يتكثف هذا البخار علي هيئة قطيرات دقيقة جدا من الماء وتتكون السحب‏,‏ وتتابع هذه العملية بتكثيف مزيد من بخار الماء علي القطيرات التي سبق تكونها مما يؤدي إلي زيادتها حجما وكتلة حتي تسقط علي هيئة زخات من المطر‏.‏

    وتلعب الرياح دورا مهما في عملية تجميع قطيرات الماء في السحب وذلك حسب درجة رطوبتها‏,‏ ودرجة حرارتها‏,‏ وقوة اندفاعها‏,‏ وكم نوي التكثف فيها من هباءات الغبار‏,‏ ودقائق الأملاح‏,‏ وبلورات الثلج الدقيقة‏.‏

    ومن العوامل المساعدة علي إنزال الأمطار من المزن ما يلي‏:‏
    أولا‏:‏ درجة الرطوبة في الجو‏:‏ ويعبر عنها بأي من التعبيرات التالية‏:‏
    ‏1‏ـ الرطوبة المطلقة‏:‏ وهي كتلة بخار الماء في وحدة حجم من الهواء‏.‏

    ‏2‏ـ الرطوبة النوعية‏:‏ وهي كتلة بخار الماء في كتلة من الهواء‏.‏

    ‏3‏ـ الرطوبة النسبية‏:‏ وهي النسبة المئوية بين كمية بخار الماء الموجودة في حيز معين من الهواء وبين الكمية اللازمة لتشبعه ببخار الماء عند نفس درجة الحرارة والضغط في هذا الحيز‏.‏
    وعند تشبع الهواء ببخار الماء عند درجة حرارة وضغط معينين فإنه لا يستطيع حمل مزيد من هذا البخار عند نفس درجة الحرارة والضغط‏.‏

    ولكن كلما زاد ارتفاع درجة الحرارة زادت قدرة الهواء علي مزيد من التشبع ببخار الماء‏,‏ وكلما انخفضت درجة الحرارة قلت قدرة الهواء علي التشبع ببخار الماء‏.‏

    ثانيا‏:‏ إنشاء السحب‏:‏ يعرف السحاب بأنه كتلة من الهواء المشبع ببخار الماء إلي حد تكثيف بعض هذا البخار علي هيئة تجمعات دقيقة لقطيرات الماء أو بلورت الثلج أو منهما معا‏,‏ وإذا تجمع ذلك بالقرب من سطح الأرض سمي ضبابا عند ارتفاع الهواء المحمل ببخار الماء إلي المستويات العليا من نطاق الرجع‏(7‏ ـ‏16‏كم فوق مستوي سطح البحر‏)‏ تنخفض درجة حرارته‏,‏ ويزداد تخلخله‏,‏ فيقل ضغطه‏,‏ وبالتالي تقل قدرته علي التشبع ببخار الماء‏,‏ فينفصل البخار الزائد عن درجة التشبع علي هيئة قطيرات من الماء تظل تنمو حجما وكتلة بتكثف مزيد من البخار عليها بالتدريج حتي تسقط مطرا‏.‏ وذلك لأن كلا من الانخفاض في درجة الحرارة والضغط يرفع من الرطوبة النسبية للهواء‏,‏ وعندما تصل تلك الرطوبة النسبية إلي‏100%‏ فإن ضغط هذا الهواء المشبع ببخار الماء يساوي ضغط بخار الماء عند نفس درجة الحرارة والضغط‏,‏ وتسمي درجة الحرارة في هذه الحالة باسم نقطة الندي‏
    (DewPoint)
    أو باسم درجة حرارة التشبع
    ‏(SaturationPointtemperature)
    وأي انخفاض في درجة الحرارة الجوية إلي ما دون تلك النقطة يؤدي إلي تكثف قطيرات الماء من جسم السحابة وانفصالها عما بالسحابة من هواء‏.‏
    وكما سبق وأن أشرنا فإن للسحب بناء دقيقا‏,‏ جعل منها نسقا يمكن التعرف عليها‏,‏ وأنواعا محددة منها‏,‏ فالسحب الطباقية
    ‏(Stratiformorlayeredclouds)
    التي تتكون من راقات تمتد لمئات من الكيلومترات المربعة تعكس الارتفاع المنتظم للهواء المشبع ببخار الماء عبر مساحات كبيرة‏,‏ بينما السحب الركامية
    ‏(cumuliformorheapclouds)
    المتجمعة علي هيئة أكوام مكدسة فوق بعضها البعض بما يشبه سلاسل الجبال المفصولة بالأودية والأخاديد تعكس الارتفاعات المتعددة للهواء المشبع ببخار الماء من أماكن متفرقة‏,‏ واستمرار تدفق الهواء المشبع ببخار الماء إلي أعلي يؤدي إلي زيادة إرتفاع منسوب تجمع السحب‏,‏ وإلي زيادة إمكانية تكثف بخار الماء فيها‏,‏ ومن ثم زيادة إمكانية هطول المطر منها‏,‏ وعلي ذلك فإن من الملاحظ أن أغزر الأمطار‏,‏ وأوسعها انتشارا‏(‏ وكذلك الحال مع نزول الجليد‏)‏ يكون عادة من السحب الطباقية‏,‏ وأن الزخات الخفيفة من أي من المطر أو البرد تكون عادة من السحب الركامية‏,‏ وباستثناء السحب الليلية
    ‏(Nacreousandnoctilucentlouds)
    وهي حالات نادرة ـ فإن تكون الغالبية الساحقة من السحب يقتصر علي نطاق الرجع‏(‏ نطاق التغيرات الجوية‏),‏ ويندر تكون السحب في الأجزاء السفلي من نطاق التطبق
    ‏(stratosphere)‏
    الذي يعلوه نظرا لجفافه الشديد‏.‏

    ثالثا‏:‏ توفير نوي التكثف في داخل السحابة‏:‏ يحمل الهواء في نطاق الرجع عددا من الجسيمات الصلبة التي يتراوح تركيزها بين أقل من مائة وأكثر من مليون جسيم في السنتيمتر المكعب‏,‏ وبعض هذه الدقائق الصلبة له قابلية عالية لامتصاص الرطوبة والاحتفاظ بها‏,‏ وهذه الهباءات تعين علي تكثف بخار الماء من السحب حتي قبل أن تصل رطوبتها النسبية إلي نقطة تكون الندي‏.‏
    ومن نوي التكثف في السحب جسيمات دقيقة من الملح المتصاعد مع بخار البحار والمحيطات‏(‏ تتراوح كتلها بين واحد من الألف مليون مليون من الجرام واحد من البليون من الجرام‏),‏

    ومنها هباءات دقيقة من الغبار أو الرماد‏,‏ ومنها بلورات دقيقة جدا من الثلج‏,‏ وبتكثف بخار الماء علي هذه النوي كلما برد‏,‏ ويؤدي هذا التكثف إلي تكون قطيرات من الماء أقطارها في حدود واحد من مائة من الملليمتر‏(10‏ ميكرون‏),‏ وتركيزها في حدود بضع مئات في السنتيمتر المكعب من مادة السحاب‏.‏
    ويعتقد بأن نوي التكثف الكبيرة نسبيا ينتج عنها قطيرات قليلة من الماء يعاد تدويرها لانتاج القطرات المائية الكبيرة التي قد تتراوح أقطارها بين‏4‏ و‏8‏ من الملليمترات في بعض الحالات النادرة وهذه تتكون عادة في السحب المتوسطة البرودة حيث لا يتكون الثلج‏,‏ وإن كانت أقطار حبيبات المطر تتراوح عادة بين الملليمتر والملليمترين والنصف‏(1‏ ـ‏2.5‏ مم‏)‏ والإنسان لا يستطيع ان ينشيء سحابا ولا أن يكثف هذا السحاب‏,‏ وإذا تم له ذلك بواسطة الاستمطار الاصطناعي فإنه لا يستطيع التحكم في مكان ولا زمان إنزال المطر ولا كميته‏,‏ ومع توفر كل هذه العوامل قد لا ينزل المطر علي الاطلاق‏,‏ وذلك علي الرغم من أن معدلات المطر المقاسة علي نطاقات واسعة وعلي فترات سنوية عديدة يعتبر دقيقا‏,‏ وكذلك الحال في تقسيم الأرض إلي مناطق مناخية كبيرة خاصة تلك التي تقع تحت تأثير العوامل الموسمية وكذلك الحال مع‏..‏ حدوث العواصف الرعدية والأعاصير المدمرة فلا يمكن التنبؤ بحدوثها في بقعة محددة من الأرض وفي وقت محدد من المستقبل ولن يتمكن الإنسان من توقع نزول المطر حيث أن هناك عوامل عديدة لا يمكنه التنبؤ بها‏,‏ وفي ذلك يروي عن المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله‏:.
    ..‏ ولا يعلم متي يأتي المطر أحد إلا الله‏..(‏ فتح الباري‏375/8‏ حديث رقم‏4697),‏ وفي الحديث القدسي‏:...‏ فأما من قال‏:‏ مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب‏,‏ وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب‏.(‏ البخاري‏:‏ حديث رقم‏801,‏ أبو داود‏:‏ حديث رقم‏3906)‏

    لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون
    يقدر متوسط تركيز الأملاح في ماء البحار والمحيطات بحوالي‏(34.481)‏ جزءا في المليون‏,‏ تضم أربعين نوعا من ذرات العناصر المتأينة‏(‏ الأيونات‏)‏ التي يزيد تركيز كل منها عن جزء واحد في المليون بالإضافة إلي آثار طفيفة جدا من أيونات العناصر الأخري التي يقل تركيزها عن ذلك‏.‏
    ويتراوح تركيز تلك الأملاح السائدة في ماء البحار والمحيطات بين‏(32.000)‏ جزء في المليون‏,(42.000)‏ جزء في المليون‏,‏ وقد يزيد عن ذلك في البحار المغلقة خاصة في المناطق الجافة من مثل البحر الميت الذي تصل الملوحة فيه إلي‏(285.000)‏ جزء في المليون‏.‏

    وملوحة ماء البحار والمحيطات تختلف باختلاف الظروف المناخية المحيطة بها‏,‏ خاصة درجة الحرارة‏,‏ وقدر الانغلاق‏,‏ ومعدل سقوط الأمطار‏,‏ وكمية الماء العذب المتدفق إلي هذا الوسط المائي‏,‏ وحركة الماء فيه‏.‏
    ويعتبر ماء المطر والثلوج المتساقطة من السماء أنقي أنواع الماء الطبيعي قاطبة‏,‏ وعلي الرغم من ذلك فإن به قدرا من الأملاح الذائبة لا يتجاوز العشرين جزءا في المليون مما يجعله عذبا زلالا‏,‏ وما أن يصل إلي الأرض‏,‏ ويجري علي سطحها حتي يبدأ في إذابة بعض من الأملاح القابلة للذوبان في الماء والمنتشرة في صخور قشرة الأرض والتربة التي تغطيها فتزداد ملوحته بالتدريج حتي تصل إلي الألف في المليون فيما يعرف بالماء العذب‏,‏ وعشرة آلاف في المليون فيما يعرف بالماء المويلح‏(‏ أو قليل الملوحة‏)‏ وإلي مائة ألف في المليون أو أكثر من ذلك في الماء الأجاج‏(‏ أو عالي الملوحة‏).‏

    ولو كان في مقدور أملاح الماء البحري أن تتصعد مع بخار الماء بنسب أعلي من المقدر لها حاليا‏,‏ أو لو تغير تركيب الغلاف الغازي للأرض قليلا عن تركيبه الحالي لنزل ماء المطر أجاجا أي مالحا مرا زعافا‏,‏ لا يحيي به زرع‏,‏ ولا يروي به عطش‏,‏ والماء العذب هو صنو الحياة‏,‏ ونهرها الدافق في جسد كل كائن حي‏,‏ والإنسان علي سبيل المثال إذا فقد أكثر من‏10%‏ من الماء الموجود في جسمه أشرف علي الهلاك المحقق‏,‏ ولذلك روي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أنه كان إذا شرب الماء قال‏:‏ الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته‏,‏ ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا رواه ابن أبي حاتم‏,‏ عن جابر‏,‏ عن أبي جعفر‏.‏
    هذا السبق القرآني بالإشارة إلي عجز الإنسان عن إنزال المطر من المزن والتحكم في مكان وكميات ووقت نزوله‏,‏ وإلي إمكانية نزول هذا الماء مالحا مرا زعافا لولا رحمة الله بعباده وبلاده وبهائمه‏...‏ وبكافة صور الحياة علي الأرض لهو من السبق العلمي في كتاب الله الذي أنزله بعلمه‏,‏ والذي يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه وعلي من تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين والحمد لله رب العالمين‏.‏
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    ‏(44)...‏ وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون
    بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
    هذا النص القرآني اللافت للنظر جاء في مقدمات سورة الجاثية‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها سبع وثلاثون‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود حقيقة من حقائق الآخرة في الآية الثامنة والعشرين منها‏,‏ تقرر بأن الخلائق سوف تجثو علي ركبها في انتظار الحساب يوم القيامة من هول الفزع والهلع الذي يجتاحهم في هذا اليوم العصيب الذي نسأل الله‏(‏ تعالي‏)‏ ان ينجينا من أهواله‏..!!(‏ آمين‏).‏
    ويدور محور السورة أساسا حول القرآن الكريم وما يدعو إليه من ركائز الإيمان‏,‏ ويحذر من الإصرار علي مختلف صور الضلال مثل الكفر والشرك وإنكار البعث‏,‏ واتباع الهوي‏,‏ والمكابرة في الحق ومن عواقب ذلك كله يوم القيامة‏.‏

    وقد استهلت سورة الجاثية بحرفين من الحروف المقطعة‏(‏ حم‏)‏ وهذان الحرفان قد وردا في مطلع سبع من سور القرآن الكريم المتتابعة‏(‏ من غافر إلي الأحقاف‏),‏ إلا أنه في سورة الشوري قد استفتحت بهما السورة ثم لحقت بهما ثلاثة حروف اخري في الآية التالية فيقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ حم‏*‏ عسق
    وهذه الفواتح الهجائية التي جاءت في مستهل عدد من سور القرآن الكريم هي من اسراره‏,‏ التي حاول عدد من الكتاب استجلاء كنهها‏,‏ ووضع عدد من التفسيرات لها‏,‏ دون ان يجزم احد بالوصول الي جواب نهائي لذلك‏.‏

    وتتابع سورة الجاثية بتقرير أن القرآن الكريم هو كتاب منزل من الله العزيز الحكيم‏,‏ شامل لكل الرسالات السماوية التي انزلت من قبل‏,‏ فكلها كتاب واحد متكامل في القرآن الكريم‏,‏ واستدلت السورة بعدد من آيات الله في الأنفس وفي الآفاق علي صحة الوحي الإلهي الحق الذي أنزل به هذا الكتاب الكريم‏.‏
    وتتساءل السورة‏:‏ إذا لم تكن آيات الله في الأنفس والآفاق‏,‏ ولا آياته المنزلة علي خاتم أنبيائه ورسله كافية لإقناع المكابرين من الخلق فأي حديث آخر يمكن أن يقنعهم بأن للكون الها‏,‏ خالقا مبدعا‏,‏ عظيما‏,‏ خلق الكون بكل من فيه وما فيه‏,‏ وخلق الانسان لعبادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ بما امر ولحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض‏,‏ وإقامة عدل الله فيها‏,‏ والإيمان بالبعث والحساب والجنة والنار‏,‏ والاستعداد للقاء الله لكي تجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون‏.‏

    وتنعي سورة الجاثية علي المكذبين بكتاب الله‏,‏ الجاحدين لنعمه‏,‏ وتؤكد ان الويل لكل كذاب أثيم يسمع آيات الله تتلي عليه ثم يصر علي انكارها من قبيل الاستكبار والعناد كأن لم يسمعها‏,‏ وإذا علم منها شيئا تطاول علي خالقه بالسخرية منها‏,‏ والاستهزاء بها‏,‏ وتطلب السورة الكريمة من رسول الله صلي الله عليه وسلم‏(‏ ومن ثم من كل مؤمن برسالته‏)‏ ان يبشر هذا المنكر وامثاله بعذاب اليم لأن جزاء كل من يفعل ذلك عذاب مهين في الآخرة‏,‏ وخلود في جهنم التي تنتظرهم في لهفة‏,‏ وفيها لن يغني عنهم شيء مما كسبوا في الحياة الدنيا‏,‏ ولا مما اتخذوا من دون الله من أولياء فجميعهم ينتظرهم عذاب عظيم‏...!!.‏
    والواقعة لها سبب محدد ولكن حكمها عام مطلق الي يوم الدين‏,‏ لأن العبرة في القرآن الكريم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب‏.‏

    ثم تعاود سورة الجاثية مرة أخري التأكيد أن القرآن الكريم هو هدي من الله‏,‏ وان الذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من أشد صور العذاب إيلاما‏.‏
    وذكرت السورة عددا من نعم الله وأفضاله علي عباده‏,‏ وأشارت الي ان تلك النعم والأفضال تستدعي التفكير فيها والوصول الي عدد من الاستنتاجات والقناعات من خلال تدبرها‏,‏ فهي من دلائل الربوبية‏,‏ والألوهية‏,‏ والوحدانية‏..‏

    ويأمر ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في هذه السورة الكريمة أن يطالب المؤمنين بالتجاوز عما يصدر من الكفار والمشركين من بذاءات مؤذية في حق الله ورسوله‏,(‏ من مثل ما يملأ صفحات شبكة المعلومات الدولية اليوم‏)‏ لأن الله تعالي سوف يعاقبهم في الآخرة بما كانوا يكسبون في الدنيا‏,‏ وسوف يجزي الصالحين بأعمالهم الصالحة في الدنيا ومنها الصبر علي ايذاء كل من المشركين والكافرين‏.‏
    وتؤكد الآيات الكريمة ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يجزي كل نفس بما كسبت فمن عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها‏,‏ والي الله سوف ترجع الخلائق‏.‏

    وتنعي سورة الجاثية علي بني اسرائيل تزويرهم للتوراة‏,‏ واختلافهم في الدين من بعد ما جاءهم من العلم بغيا بينهم‏,‏ ومن بعد ما بين الله لهم شرائع الفصل بين الناس‏,‏ وبعد إنعام الله تعالي علي اسلافهم بعدد من الطيبات‏,‏ وإكرامهم بالنعم الكثيرة التي لم يشكروها‏;‏ وتؤكد الآيات أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون‏.‏
    وتخاطب السورة الكريمة رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد جعله علي النهج الصحيح للدين الذي أنزله‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي فترة من الرسل‏,‏ وأكمله وأتمه في الوحي الذي آتاه إياه‏,‏ وأمره باتباعه‏,‏ والانصراف عن اهواء الذين لا يعلمون لأن الظالمين بعضهم أولياء بعض‏,‏ وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ ولي المتقين‏.‏

    وتعاود سورة الجاثية للمرة الثالثة التأكيد أن القرآن الكريم هو بينات من الله للناس وهدي ورحمة للذين يؤمنون به ويوقنون بثوابه وعقابه‏.‏
    وتستنكر السورة الكريمة أن يظن الذين اكتسبوا السيئات واقترفوا المعاصي من الكفار والمشركين‏,‏ أن يساويهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ في كل من الحياة والممات بالذين آمنوا وعملوا الصالحات‏;‏ وتؤكد ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق السموات والأرض بالحق ولتجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون‏.‏

    وتسأل السورة الكريمة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ عن أنموذج من البشر يتخذ هواه معبودا‏,‏ يخضع له‏,‏ ويستجيب لشهواته بغير تعقل ولا بصيرة‏,‏ فيضله الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي علم‏,‏ ويختم علي سمعه وقلبه‏,‏ ويجعل علي بصره غشاوة‏,‏ فلا يهزه الوعظ‏,‏ ولا تحركه الآيات‏,‏ ولا يستطيع أن يري الهدي أو أن يميزه من الضلال‏,‏ فهل يمكن لأحد أن يهدي مثل هذا الضال من بعد الله؟ وهذا الضال وامثاله ممن انكروا البعث بالظن الخاطيء دون ادني قدر من العلم او المعرفة فكانت دعواهم في انكار البعث كلما تلي علي مسامعهم القرآن الكريم وجاء ذكره إلا ان قالوا‏:‏ ائتوا بآبائنا ان كنتم صادقين‏(‏ الجاثية‏25)‏ ثم يأتي الجواب القاطع من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بأنه هو الذي يحيي الخلق في الدنيا من العدم‏,‏ ثم يميتهم فيها عند انقضاء الأجل ثم يبعثهم من مراقدهم ويجمعهم جميعا الي يوم القيامة لا ريب فيه ولكن اكثر الناس لا يعلمون وان لله ملك السموات والارض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون‏(‏ الجاثية‏27)‏ ومن مظاهر الهول والهلع‏,‏ والترقب والفزع في هذا اليوم‏,‏ ان جميع الخلائق سوف تجثو علي ركبها وهم يدعون الي كتبهم وسجلات اعمالهم ويقال لهم‏:‏ اليوم تجزون ما كنتم تعملون‏(‏ الجاثية‏28)‏ ويقال لهم كذلك‏:‏ هذا كتابنا الذي سجلنا فيه تاريخ حياة كل منكم من لحظة ميلاده الي لحظة وفاته ينطق عليكم بالحق‏..‏ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين‏(‏ الجاثية‏29‏ و‏30).‏

    وأما الذين كفروا بالله‏,‏ وملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ وكذبوا بالبعث بعد أن اخبروا بحتميته‏,‏ واستمعوا الأدلة العديدة لإثبات امكانيته فيقال لهم توبيخا وتحقيرا‏:..‏ أفلم تكن آياتي تتلي عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين
    ‏(‏الجاثية‏31).‏

    وحينئذ يتبين لهؤلاء المكذبين مدي سوء جرمهم أن كذبوا بآيات ربهم‏,‏ فينالهم من العقاب ما يستحقون‏,‏ وحينئذ يقال لهم كذلك‏:‏
    ‏...‏ اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين‏(‏ الجاثية‏34).‏

    أي اليوم تنسون في العذاب كما نسيتم أنكم ملاقوا ربكم يوم الحساب‏,‏ ومقركم النار‏,‏ وليس لكم من ناصرين يغيثونكم من عذابها‏,‏ أو يمكن لهم ان يخرجوكم منها‏,‏ وذلك جزاء تكذيبكم لآيات الله‏,‏ واستهزائكم بها‏,‏ واغتراركم بالدنيا وزخرفها وبهرجاتها ولا عتبي لكم اليوم عندنا‏.‏
    وتختتم السورة الكريمة بإقرار الحمد لله رب السموات ورب الأرض رب العالمين‏,‏ الذي له وحده الكبرياء في السماوات والارض‏,‏ بغير ولد ولا صاحبة‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا شريك وهو العزيز الحكيم‏.‏

    والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الجاثية علي صدق ما جاء فيها من حقائق ايمانية آيات عديدة منها ما يلي‏:‏
    ‏1‏ ـ ما في السماوات والارض من آيات‏.‏
    ‏2‏ ـ تسخير ما في السماوات والارض جميعا لخدمة الانسان‏,‏ ورعايته وحمايته‏.‏

    ‏3‏ ـ الآيات الكثيرة في خلق كل من الانسان والحيوان‏.‏
    ‏4‏ ـ الآيات في اختلاف الليل والنهار‏.‏
    ‏5‏ ـ الآيات في إنزال الرزق من السماء فتحيا به الارض بعد موتها‏.‏
    ‏6‏ ـ الآيات البينات في تصريف الرياح‏.‏

    ‏7‏ ـ الآيات الواضحات في تسخير البحر لتجري الفلك فيه بأمر الله وليبتغي الخلق مما فيه من خيرات الله وفضله لعلهم يشكرون‏.‏
    وسوف اختار هنا النقطة السادسة فقط وهي آيات الله البينات في تصريف الرياح‏,‏ وأبدأ بذكر الرياح في القرآن الكريم‏.‏

    الرياح في القرآن الكريم
    المناطق المناخية على سطح الأرض ودورها فى تصريف الرياح
    يعرف‏(‏ الريح‏)‏ بأنه الهواء المتحرك‏,‏ وجاء ذكر الريح في تسعة وعشرين‏(29)‏ موضعا من القرآن الكريم منها‏(14)‏ مرة بالمفرد‏(‏ ريح‏).‏ وأربع‏(4)‏ مرات بالصياغة‏(‏ ريحا‏),‏ ومرة واحدة بالصياغة‏(‏ ريحكم‏),‏ وعشر‏(10)‏ مرات بصفة الجمع المعرف‏(‏ الرياح‏).‏
    كما جاءت الاشارة الي الرياح بعدد من صفاتها مثل‏(‏ الذاريات‏)‏ وهي الرياح التي تذرو التراب وغيره لقوتها‏,‏ و‏(‏العاصفات‏)‏ وهي الرياح الشديدة المدمرة لمن ترسل عليهم‏,‏ و‏(‏المرسلات‏)‏ وهي الرياح المرسلة لعذاب الكافرين‏,‏ والمشركين والمكذبين‏.‏

    ومعظم الآيات القرآنية التي ذكر فيها ارسال‏(‏ الريح‏)‏ بالإفراد‏(‏ أي بلفظ الواحد‏)‏ جاءت في مقام العذاب ومعظم المواضع التي ذكرت فيها‏(‏ الرياح‏)‏ بلفظ الجمع جاءت في مقامات الرحمة والثواب‏.‏

    ومن آيات ذكر الريح بالإفراد قول الله‏(‏ تعالي‏):‏
    ‏(1)‏ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون‏(‏ آل عمران‏:117).‏
    ‏(2)‏ هو الذي يسيركم في البر والبحر حتي إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين‏(‏ يونس‏:22).‏

    ‏(3)‏ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا علي شيء ذلك هو الضلال البعيد
    ‏(‏ إبراهيم‏:18)‏

    ‏(4)‏ أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخري فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا‏(‏ الإسراء‏:69).‏
    ‏(5)‏ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلي الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين
    ‏(‏الأنبياء‏:81).‏

    ‏(6)‏ حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق‏(‏ الحج‏:31)‏
    ‏(7)‏ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر‏..(‏ سبأ‏:12)‏
    ‏(8)‏ فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب‏.(‏ ص‏:36).‏

    ‏(9)‏ ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد علي ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور‏(‏ الشوري‏:33,32).‏
    ‏(10)‏ فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم‏.(‏ الأحقاف‏:34).‏
    ‏(11)‏ وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم
    ‏(‏ الذاريات‏:41).‏

    ‏(12)‏ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية
    ‏(‏ الحاقة‏:6).‏
    ‏(13)‏ ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون‏(‏ الروم‏:51).‏
    ‏(14)..‏ إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها‏(‏ الأحزاب‏:9).‏

    ‏(15)‏ فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزي وهم لا ينصرون
    ‏(‏فصلت‏:16).‏
    ‏(16)‏ إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر‏.(‏ القمر‏:19).‏
    ومن آيات ذكر‏(‏ الرياح‏)‏ بالجمع قول الله‏(‏ تعالي‏):‏
    ‏(1)...‏ وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون‏.‏
    ‏(‏ البقرة‏:164).‏

    ‏(2)‏ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون‏.‏
    ‏(‏الأعراف‏:57).‏
    ‏(3)‏ وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين
    ‏(‏الحجر‏:22).‏
    ‏(4)..‏ فأصبح هشيما تذروه الرياح‏...‏
    ‏(‏ الكهف‏:45).‏

    ‏(5)‏ وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا
    ‏(‏الفرقان‏:48).‏
    ‏(6)...‏ ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته‏..(‏ النمل‏:63).‏
    ‏(7)‏ ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات‏...‏
    ‏(‏ الروم‏:46).‏
    ‏(8)‏ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا‏...‏
    ‏(‏ الروم‏:48).‏

    ‏(9)‏ والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا‏...‏
    ‏(‏ فاطر‏:9).‏
    ‏(10)...‏ وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون
    ‏(‏ الجاثية‏:5).‏

    أقوال المفسرين
    تصريف الرياح حول الأرض
    في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين‏,‏ وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون‏(‏ الجاثية‏:3‏ ـ‏5).‏
    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ يرشد الله تعالي خلقه إلي التفكير في آلائه ونعمه‏,‏ وقدرته العظيمة التي خلق بها السماوات والأرض وما فيهما من المخلوقات المختلفة الأجناس والأنواع‏,‏ من الملائكة والجن والإنس والدواب‏,‏ والطيور والوحوش والسباع والحشرات‏,‏ وما في البحر من الأصناف المتنوعة‏,‏ واختلاف الليل والنهار في تعاقبهما دائبين لا يفتران‏,‏ هذا بظلامه‏,‏ وهذا بضيائه‏,‏ وما أنزل الله تبارك وتعالي من السحاب‏,‏ من المطر في وقت الحاجة اليه‏,‏ وسماه رزقا لأن به يحصل الرزق‏(‏ فأحيا به الأرض بعد موتها‏)‏ أي بعد ما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء‏,‏ وقوله عز وجل‏(‏ وتصريف الرياح‏)‏ أي جنوبا وشمالا برية وبحرية‏,‏ ليلية ونهارية‏,‏ ومنها ما هو للمطر‏,‏ ومنها ما هو للقاح‏,‏ ومنها ما هو غذاء للأرواح‏,‏ ومنها ما هو عقيم لا ينتج‏...‏

    وذكر صاحبا تفسير الجلالين رحمهما الله رحمة واسعة ما نصه‏:(‏ إن في السماوات والأرض‏)‏ أي‏:‏ في خلقهما‏(‏ لآيات‏)‏ دالة علي قدرة الله ووحدانيته تعالي‏(‏ للمؤمنين‏);(‏ وفي خلقكم‏)‏ أي‏:‏ في خلق كل منكم من نطفة‏,‏ ثم علقة‏,‏ ثم مضغة‏,‏ إلي أن صار إنسانا‏(‏ و‏)‏ خلق‏(‏ ما يبث‏)‏ يفرق في الأرض‏(‏ من دابة‏)‏ هي‏:‏ ما يدب علي الأرض من الناس وغيرهم‏(‏ آيات لقوم يوقنون‏)‏ بالبعث‏;(‏ و‏)‏ في‏(‏ اختلاف الليل والنهار‏)‏ ذهابهما ومجيئهما‏(‏ متعاقبين‏,‏ أو زيادة أحدهما ونقصان الآخر‏)(‏ وما أنزل الله من السماء‏)‏ أي‏:‏ السحاب‏(‏ من رزق‏)‏ مطر‏,‏ لأنه سبب الرزق‏(‏ فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح‏)‏ تقليبها‏,‏ مرة جنوبا ومرة شمالا‏,‏ وباردة وحارة‏,(‏ وشديدة ولينة‏)(‏ آيات لقوم يعقلون‏)‏ الدليل فيؤمنون‏.‏
    وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:‏ وقبل أن يعرض للقوم وموقفهم من هذا الكتاب‏,‏ يشير الي آيات الله المبثوثة في الكون من حولهم‏,‏ وقد كانت وحدها كفيلة بتوجيههم إلي الإيمان‏,‏ ويوجه قلوبهم إليها لعلها توقظها وتفتح مغاليقها‏,‏ وتستجيش فيها الحساسية بالله منزل هذا الكتاب‏,‏ وخالق هذا الكون العظيم‏:....(‏ وتصريف الرياح‏)..‏ وهي تمضي شمالا وجنوبا‏,‏ وشرقا وغربا‏,‏ منحرفة ومستقيمة‏,‏ دافئة وباردة‏,‏ وفق النظام الدقيق المنسوق المقصود في تصميم هذا الكون العجيب‏;‏ وحساب كل شيء فيه حسابا دقيقا لا يترك شيئا للمصادفة العمياء‏..‏ ولتصريف الرياح علاقة معروفة بدورة الأرض‏,‏ وبظاهرتي الليل والنهار‏,‏ وبالرزق الذي ينزل من السماء‏,‏ وكلها تتعاون في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون‏,‏ وتصريفه كما أراد‏;‏ وفيها‏(‏ آيات‏)‏ معروضة في الكون‏,‏ ولكن لمن؟‏(‏ لقوم يعقلون‏)..‏ فللعقل هنا عمل‏,‏ وله في هذا الميدان مجال‏.‏

    وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبه برحمته الواسعة‏)‏ ما نصه‏:‏ اشتملت هذه الآيات الثلاث علي ستة أدلة كونية‏:‏ خلق السموات والأرض‏,‏ والمتأمل فيهما يعلم أنه لابد لهما من صانع حكيم‏,‏ فيؤمن به‏,‏ وخلق الإنسان وانتقاله في أطواره‏,‏ وخلق ما علي الأرض من صنوف الحيوان‏;‏ والمتأمل فيهما وفي ارتباط تكونهما بالعالم العلوي يصل بالتأمل الي مرتبة اليقين‏,‏ والحوادث المتجددة في كل وقت من اختلاف الليل والنهار‏,‏ ونزول المطر الذي به حياة الأرض بالنبات‏;‏ وتقلب الرياح وآثارها في البر والبحر‏;‏ والتأمل فيها يؤدي الي استحكام العلم وقوة اليقين‏,‏ وذلك لا يكون إلا بالعقل الكامل‏;‏ ولذا اختتمت كل آية بما يناسب ما سبق فيها من الدليل‏...‏
    و‏(‏يبث‏)‏ أي ينشر ويفرق‏...(‏ وتصريف الرياح‏)‏ تقلبها من جهة الي اخري‏,‏ ومن حالة الي حالة‏.‏ وهنا أشار الي الآية‏(164)‏ من سورة البقرة حيث ذكر في تفسير قوله تعالي‏:(‏ وتصريف الرياح‏)‏ ما نصه‏:‏ تقليبها جنوبا وشمالا ودبورا‏,‏ حارة وباردة‏,‏ عاصفة ولينة‏,‏ عقيما ولواقح‏,‏ بالرحمة تارة وبالعذاب أخري‏,‏ وتصريف مصدر مضاف للمفعول‏,‏ والفاعل هو الله‏,‏ أي وتصريف الله الرياح أو مضاف للفاعل‏,‏ والمفعول السحاب‏,‏ أي‏:‏ وتصريف الرياح السحاب‏.‏

    وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:...‏ وفي اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر‏,‏ والنور والظلام مع تعاقبهما علي نظام ثابت‏,‏ وفيما أنزل الله من السماء من مطر فأحيا به الأرض بالإنبات بعد موتها بالجدب‏;‏ وبتصريف الرياح‏(‏ في جهات متعددة مع اختلافها برودة وحرارة‏,‏ وقوة وضعفا علامات واضحة علي كمال قدرة الله لقوم فكروا بعقولهم فخلص يقينهم‏.‏
    وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خير الجزاء‏)‏ ما نصه‏:.....(‏ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين‏)‏ أي إن في خلق السماوات والأرض وما فيهما من المخلوقات العجيبة‏,‏ والأحوال الغريبة‏,‏ والأمور البديعة‏,‏ لعلامات باهرة علي كمال قدرة الله وحكمته‏,‏ لقوم يصدقون بوجود الله ووحدانيته‏(‏ وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون‏)‏ أي وفي خلقكم أيها الناس من نطفة ثم من علقة‏,‏ متقلبة في أطوار مختلفة إلي تمام الخلق‏;‏ وفيما ينشره تعالي ويفرقه من أنواع المخلوقات التي تدب علي وجه الأرض‏;‏ آيات باهرة أيضا لقوم يصدقون عن إذعان ويقين بقدرة رب العالمين‏(‏ واختلاف الليل والنهار‏)‏ أي وفي تعاقب الليل والنهار‏,‏ دائبين لا يفتران‏,‏ هذا بظلامه وذاك بضيائه‏,‏ بنظام محكم دقيق‏(‏ وما أنزل الله من السماء من رزق‏)‏ أي وفيما أنزله الله تبارك وتعالي من السحاب‏,‏ من المطر الذي به حياة البشر في معاشهم وأرزاقهم‏...(‏ فأحيا به الأرض بعد موتها‏)‏ أي فأحيا بالمطر الأرض بعد ما كانت هامدة يابسة لا نبات فيها ولا زرع‏,...(‏ وتصريف الرياح‏)‏ أي وفي تقليب الرياح جنوبا وشمالا‏,‏ باردة وحارة‏(‏ آيات لقوم يعقلون‏)‏ أي علامات ساطعة واضحة علي وجود الله ووحدانيته‏,‏ لقوم لهم عقول نيرة وبصائر مشرقة‏....‏

    تصريف الرياح في منظور العلوم المكتسبة
    يعرف الريح بأنه الهواء المتحرك بالنسبة للأرض‏,‏ والذي يمكن إدراكه إلي ارتفاع يصل إلي‏65‏ كم تقريبا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وإلي هذا الارتفاع تحكم حركة الرياح نفس العوامل التي تحكمها فوق سطح البحر وهي‏:‏ الجاذبية الأرضية‏,‏ قدر الاحتكاك بسطح الأرض‏,‏ وتدرج معدلات الضغط الجوي‏,‏ أما في المستويات الأعلي من ذلك فإن عوامل أخري تسود من مثل الكهربية الجوية‏,‏ المغناطيسية‏,‏ وعمليات المد والجزر الهوائيين‏.‏
    وبما أن‏99%‏ من كتلة الغلاف الغازي للأرض تقع دون ارتفاع‏50‏ كم فوق مستوي سطح البحر أي دون مستوي الركود الطبقي‏
    (TheStratopause),‏
    فإن دراسة حركة الرياح تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض‏.‏

    وتقسم الرياح بالنسبة إلي ارتفاعها عن سطح الأرض إلي ما يلي‏:‏
    ‏(1)‏ رياح سطحية وتمتد من مستوي سطح البحر إلي بضعة كيلو مترات قليلة فوقه‏.‏
    ‏(2)‏ رياح متوسطة وتمتد فوق الرياح السطحية إلي ارتفاع‏35‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏.‏
    ‏(3)‏ ورياح مرتفعة وتمتد في المستوي من‏35‏ إلي‏65‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏.‏

    وتقسم الرياح السطحية حسب شدتها علي النحو التالي‏:‏
    ويصف القرآن الكريم الصنفين الأول والثاني من هذا التصنيف باسم الريح الساكن‏,‏ والأصناف من الثالث إلي السادس باسم الريح الطيبة‏,‏ والأصناف من السابع إلي التاسع باسم الريح العاصف‏,‏ والأصناف من التاسع إلي الثالث عشر باسم الريح القاصف‏,‏ وهذا سبق قرآني بأكثر من عشرة قرون للمعرفة العلمية المكتسبة في هذا المجال‏.‏
    ويمكن تصنيف الرياح بحسب القوي المحركة لها وأهمها التأثير المشترك للعوامل التالية‏:‏ التوازن الإشعاعي للشمس‏,‏ وتوزيع درجات الحرارة عبر خطوط العرض المختلفة‏,‏ ودوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏,‏ بالإضافة إلي التضاريس الأرضية المختلفة‏.‏

    ويقدم كم الطاقة الشمسية التي تصل إلي الأرض الطاقة اللازمة لحركة الرياح‏,‏ وذلك لأن أشعة الشمس التي تتعامد علي خط الاستواء وتميل ميلا كبيرا فوق القطبين تؤدي إلي التباين في توزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض‏,‏ هذا التباين الذي ينتج عنه حركة صاعدة للهواء الساخن حول خط الاستواء‏,‏ وحركة هابطة للهواء البارد فوق القطبين‏.‏
    كذلك فإن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق يؤدي إلي دفع الهواء المحيط بالمنطقة الاستوائية في اتجاه الغرب‏,‏ والحقيقة أن الدورة الفعلية للرياح لها عدد من الخلايا بين خط الاستواء وكل قطب من قطبي الأرض‏,‏ وعند تحرك كتلة من الهواء من فوق خط الاستواء باتجاه أحد القطبين فإنه نتيجة لحفظ العزم الزاوي للهواء المتحرك فوق أرض تدور فإن الهواء المتحرك في اتجاه القطب لابد أن ينحرف شرقا‏,‏ والهواء المتحرك فوق خط الاستواء لابد أن ينحرف في اتجاه الغرب‏,‏ وبالمثل الرياح السطحية تتجه إلي الشرق‏,‏ بينما تتجه الرياح الوسطي إلي الغرب‏.‏

    والنتيجة هي دورة عامة للرياح شديدة الانتظام حول الأرض‏,‏ وذات عدة دوائر كبيرة بين خط الاستواء وكل قطب من قطبي الأرض منها دوائر حارة فوق المناطق الاستوائية‏,‏ ودوائر باردة فوق القطبين‏,‏ ودوائر معتدلة الحرارة بينهما‏,‏ مع وجود عدد من الجبهات الهوائية بين تلك الدوائر‏,‏ وبالإضافة إلي ذلك تتدخل الظروف الجغرافية المحلية فيكون الهواء دافئا ورطبا فوق المحيطات المدارية‏,‏ وحارا جافا فوق الصحاري‏,‏ وباردا جافا فوق المناطق المكسوة بالجليد‏,‏ وتتداخل هذه الكتل الهوائية‏,‏ وتتكون بذلك السحب ومنها الممطر والعقيم وتحدث الاعاصير بمراحلها المختلفة وتتحرك كتل الهواء الساخن من المناطق الاستوائية في اتجاه القطبين‏,‏ كما تتحرك كتل الهواء البارد من القطبين في اتجاه خطوط العرض العالية‏,‏ في تموجات واضحة تظهر آثارها علي كل من أسطح البحار‏,‏ وفي شواطئها‏(‏ نيم البحر‏),‏ وفي تموجات أسطح الكثبان الرملية‏(‏ علامات النيم‏)‏ وغير ذلك من آثار حركات كل من الرياح وأمواج البحار‏.‏
    ومن الظروف الجغرافية المحلية التي تؤثر في حركة الرياح تضاريس سطح الأرض مثل السلاسل الجبلية‏,‏ والتلال‏,‏ والهضاب‏,‏ والسهول والمنخفضات‏,‏ والكتل المائية المختلفة‏,‏ ففي الصيف تسخن اليابسة بسرعة أكبر من المحيطات‏,‏ وفي الشتاء يحتفظ ماء المحيطات بالحرارة لمدة أطول فتكون أدفأ من اليابسة‏,‏ وينشأ عن تلك الفروق نسيم البر والبحر‏,‏ كما ينشأ عن فروق التضاريس دورة الرياح بين الجبال والأودية والمنخفضات‏,‏ وهذه الحركات الأفقية للكتل الهوائية تصاحبها حركات رأسية‏,‏ فإذا ارتفعت درجة حرارة كتلة من الهواء بحيث تصبح أدفأ من الهواء المحيط بها‏,‏ فإن الهواء الساخن يصعد إلي أعلي‏,‏ فيتناقص ضغطه وتنخفض درجة حرارته‏,‏ وتبدأ ما فيه من رطوبة في التكثف إذا وصلت درجة الحرارة إلي نقطة التشبع‏(‏ نقطة تكون الندي‏),‏ وبذلك تتكون السحب وتتهيأ الفرص لهطول المطر بإذن الله‏.‏

    من هذا العرض يتضح أن الرياح التي تبدو للمراقب من الناس هوجاء عاصفة لها في الحقيقة توزيع دقيق علي سطح الأرض‏,‏ تحكمه قوانين شديدة الانضباط‏,‏ وقد وصف القرآن الكريم هذه الدقة في التوزيع والانضباط في الحركة بوصف معجز هو تصريف الرياح‏,‏ بمعني أن الرياح لا تتحرك هذه الحركات العديدة بذاتيتها‏,‏ ولكن بقدرة الله الذي يصرفها بعلمه وبحكمته كيفما يشاء‏,‏ والرياح تقوم بدور رئيسي‏(‏ بإذن الله‏)‏ في تكوين السحب‏,‏ وإنزال المطر‏,‏ وإتمام دورة الماء حول الأرض وإلا فسد‏,‏ وفي تفتيت الصخور وتعريتها‏,‏ وتكوين التربة والرمال السافية وتحريكها‏,‏ وفي تلطيف الجو وتكييفه‏,‏ وتطهيره من الملوثات التي تحملها حركة الرياح جنوبا وشمالا في اتجاه قطبي الأرض وغير ذلك من المهام الرئيسية في جعل الأرض صالحة للعمران‏.‏ فسبحان مصرف الرياح‏,‏ ومجري السحاب‏,‏ ومنزل القطر الذي أنزل في محكم كتابه‏,‏ وعلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من قبل ألف وأربعمائة من السنين هذا الوصف المعجز‏(‏ تصريف الرياح‏),‏ وهو وصف لم يدرك العلم الكسبي دلالته إلا في القرن العشرين وبعد مجاهدة استغرقت جهود آلاف من المتخصصين‏,‏ وهو مع دقته يؤكد أن حركة الرياح وإن فهمنا بعض القوي الدافعة لها تبقي من جند الله‏,‏ يجريها وفق مشيئته بالخير لمن يشاء من عباده‏,‏ كما يجريها وفق إرادته لإبادة العاصين من الكفار والمشركين المتجبرين في الأرض والمحاربين لعباد الله فيها‏,‏ ففهمنا لميكانيكية الحدث لا يخرجه عن إطار كونه من جند الله‏,‏ خاضعا لإرادته ومشيئته‏,‏ فالحمد لله الذي أنزل القرآن بعلمه‏,‏ وعلمه خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وأبقاه شاهدا علي حقيقة نبوته ورسالته‏,‏ وحفظه بلغة وحيه حفظا كاملا علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلي يوم الدين‏,‏ هاديا لطلاب الحق في كل مكان وزمان‏.‏
    وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد‏.‏
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    ‏(45)‏ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته‏..*‏
    بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
    هذا النص القرآني القاطع جاء في مطلع الربع الثاني من سورة الأعراف‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها‏206,‏ وقد سميت بهذا الإسم لورود ذكر الاعراف فيها‏,‏ وهي أسوار مضروبة بين الجنة والنار تحول بين كل من أهليهما‏,‏ تكريما لأهل الجنة‏,‏ وإذلالا لأهل النار‏...!!‏
    ويدور المحور الرئيسي للسورة الكريمة حول قضية العقيدة الإسلامية القائمة علي التوحيد الخالص لله وحده‏(‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏),‏ والعبودية الكاملة من كافة الخلق لله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وهي العقيدة التي علمها ربنا‏(‏ تبارك اسمه‏)‏ لأبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ منذ اللحظة الأولي لخلقه‏,‏ وأنزلها علي سلسلة من أنبيائه ورسله‏,‏ وأتمها وأكملها وحفظها في رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏).‏
    وتبدأ سورة الأعراف بأربعة حروف من الفواتح الهجائية‏(‏ المص‏),‏ وهذه الحروف المقطعة من أسرار القرآن الكريم التي حاول عدد من العلماء الاجتهاد في فهم دلالاتها‏,‏ وتوقف العدد الأكبر منهم عن الخوض في تفسيرها‏,‏ واكتفوا بتفويض الأمر فيها إلي الله‏(‏ تعالي‏).‏

    بعد ذلك مباشرة خاطبت السورة الكريمة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بألا يضيق صدرا بتكذيب قومه له وللقرآن الكريم الذي أنزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ إليه‏,‏ ونادت علي الناس جميعا بضرورة اتباع هذه الرسالة الخاتمة التي أنزلت إليهم من ربهم‏,‏ وحذرتهم من الشرك بالله‏,‏ ومن أنهم قليلا ما يتعظون‏,‏ وأردفت بذكر مصارع المكذبين من الأمم السابقة‏,‏ الذين رفضوا هدي ربهم‏,‏ وحاربوا أنبياءه ورسله‏,‏ كما ذكرت الآيات بعد ذلك بموقف الحساب يوم القيامة وبمصائر كل من المفلحين والظالمين فيه‏,‏ وأشارت إلي فضل الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي العباد بتمكينهم في الأرض تمكينا يستوجب الشكر والحمد‏....!!‏
    ثم أخذت السورة الكريمة في استعراض قصة البشرية ممثلة في خلق الأسرة الأولي من آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ وزوجته حواء‏(‏ رضي الله عنها وأرضاها‏)‏ وتكريمهما وصراعهما مع الشيطان الرجيم منذ اللحظة الأولي لوجودهما في الجنة‏,‏ وقد ابتليا وذراريهما بقدر من الاختبار والابتلاء بمحاولة الشيطان وذراريه غوايتهم عن منهج الله‏,‏ تلك الغواية التي أخرجت آدم وزوجه من الجنة‏,‏ وأدت إلي الهبوط بهما إلي الأرض لتبدأ رحلة الحياة والموت‏,‏ ومن بعدها البعث والنشور‏,‏ ويحذر الله‏(‏ تعالي‏)‏ عباده من فتنة الشيطان وجنوده وأعوانه‏,‏ ويوصيهم بعدد من الوصايا‏,‏ ويحل لهم الطيبات‏,‏ ويحرم عليهم الفواحش ما ظهر منها‏,‏ وما بطن‏,‏ والإثم والبغي بغير الحق‏,‏ ومن أخطرها‏:‏ الشرك بالله‏,‏ والتقول عليه‏(‏ سبحانه‏)‏ بغير علم‏,‏ وافتراء الكذب عليه‏,‏ والتكذيب بآياته‏,‏ والكفر به‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ وغير ذلك من الاعتقادات الفاسدة‏,‏ والسلوكيات الهابطة التي تودي بصاحبها إلي جهنم وبئس المصير‏...!!‏

    وتعرض الآيات في هذه السورة الكريمة لشيء من أحوال كل من أهل الجنة وأهل النار‏,‏ وأهل الأعراف بينهما‏,‏ كما تعرض لشيء من أفضال الله علي عباده وما أكثرها‏,‏ وتأمر الناس بالاتجاه إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ دوما بالدعاء وبالضراعة سرا بخشوع وخضوع تامين خوفا من عذابه وطمعا في رحمته‏,‏ لأنه لا يحب المعتدين المتشدقين برفع الصوت في الدعاء تظاهرا ورياء‏,‏ وتأمرهم بألا يفسدوا في الأرض بالكفر والشرك والمعاصي والإفساد بعد إصلاحها ببعثة الانبياء والمرسلين‏,‏ ودعوتهم الناس إلي عبادة الله علي التوحيد الخالص‏,‏ وحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها‏,‏ وإقامة عدل الله فيها‏...!!‏
    ومن قبيل التثبيت لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ عرضت السورة الكريمة لقصص عدد من المرسلين‏,‏ ولتفاعل أقوامهم معهم‏,‏ ولشيء من جزائهم بدءا بنوح‏,‏ ثم هود‏,‏ وصالح‏,‏ ولوط‏,‏ وشعيب‏,‏ وموسي‏(‏علي نبينا وعليهم أجمعين من الله تعالي أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏),‏ وتعرض الآيات لمصارع المكذبين في كل قصة من قصص تلك الأمم‏,‏ مؤكدة علي وحدة الرسالة السماوية‏,‏ ومفصلة قصة موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ مع فرعون وملئه‏,‏ وعارضة أخذ الله لآل فرعون بالسنين والآفات‏,‏ ثم إغراق فرعون ونفر من ملئه‏,‏ وأشارت السورة الكريمة إلي انحراف بني إسرائيل وعبادتهم العجل في غيبة من موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ في أثناء ميقاته مع ربه كما أشارت إلي طلب رؤية الله‏,‏ ودك الجبل وصعق موسي‏,‏ وتنزيل الألواح عليه‏,‏ وأشارت إلي الميقات الثاني مع سبعين من قوم موسي‏,‏ وصعقهم حين قالوا‏:‏ لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة‏,‏ ثم عصيانهم في دخول القرية‏,‏ وإصرارهم علي الصيد في يوم السبت‏,‏ وهو محرم عليهم‏,‏ ونتق الجبل فوقهم كأنه ظلة‏,‏ ومسخ الظالمين منهم قردة وخنازير‏,‏ وبعث الله عليهم من يسومهم سوء العذاب إلي يوم القيامة‏,‏ وتشريدهم في الأرض عقابا لهم علي تحريفهم كلام الله‏..!!‏

    وتتابع سورة الأعراف في سياقها الإشارة إلي الرسالة الخاتمة‏,‏ وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ رادا علي موسي في ضراعته إلي الله ألا يهلكهم بما فعل السفهاء منهم فقال‏(‏ عز من قائل‏):‏
    ‏...‏ قال عذابي أصيب به من أشاء‏,‏ ورحمتي وسعت كل شيء‏,‏ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون‏*‏ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏,‏ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه اولئك هم المفلحون‏*‏
    ‏(‏ الأعراف‏:157,56)‏

    وفي نور هذه البشري الإلهية بمقدم خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ والتي سبقت مجيئه بمئات السنين‏,‏ تأمره الآيات في سورة الأعراف بالإعلان عن حقيقة رسالته‏,‏ وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون‏*‏
    ‏(‏الأعراف‏:158).‏

    وتذكر السورة الكريمة العهد الذي أخذه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي الخلق اجمعين وهم في عالم الذر في أصلاب آبائهم وأشهدهم أنه لا إله إلا الله‏,‏ وأنه لا رب ولا معبود سواه‏,‏ ثم تعرض للذين آتاهم الله آياته ثم انسلخوا منها‏,‏ فأصبحوا من الغاوين‏,‏ واصبحوا نهبا للشياطين‏,‏ وأخلدوا إلي الأرض اتباعا للهوي‏,‏ وأصبح الفرد منهم كالكلب‏..‏ إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون‏*.‏
    ‏(‏الأعراف‏:176)‏

    وتأمر السورة الكريمة المؤمنين بالمداومة علي ذكر الله بأسمائه الحسني وصفاته العليا‏,‏ وتؤكد دور الرسول الخاتم والنبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بأنه نذير مبين وبشير للمؤمنين‏,‏ وتشير إلي ملكوت السماوات والأرض‏,‏ وإلي خلق الله بصفة عامة‏,‏ وتحذر من اقتراب الأجل ودنو الآخرة‏,‏ التي لا يعلم وقتها إلا الله‏,‏ لأنها لا تأتيهم إلا بغتة كما قرر ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏),‏ ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏,‏ وتحدد السورة الكريمة دور الرسول الخاتم بالإنذار والبشارة‏,‏ والتحذير من مخاطر الشرك بالله وعواقبه‏.‏
    وكما بدأت السورة بخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ تختتم بالخطاب إليه‏,‏ وإلي أمته المؤمنة إلي يوم الدين بالحض علي مكارم الأخلاق‏,‏ والأخذ بضوابط السلوك‏,‏ والاستماع بإنصات إلي القرآن الكريم حين يقرأ طلبا لعفو الله ورحمته‏,‏ والأمر بذكر الله في النفس تضرعا وخيفة‏,‏ ودون الجهر من القول بالغدو والآصال‏,‏ والتحذير من الغفلة عن ذلك‏,‏ والتذكير بأن الملائكة تسبح بحمد الله وتسجد له‏(‏ تعالي‏)‏ دون توقف ودون فتور‏...!!‏
    ومن الحقائق الكونية والتاريخية التي استشهدت بها سورة الأعراف للدلالة علي صدق ما جاء بها ما يلي‏:‏
    ‏(1)‏ خلق السماوات والأرض في ست مراحل متتالية‏.‏
    ‏(2)‏ إغشاء الليل بالنهار في سرعة عالية عند بدء الخلق بمعني سرعة دوران الأرض حول محورها عند أول خلقها‏,‏ وهي حقيقة لم يدركها العلماء إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏.‏

    ‏(3)‏ تسخير كل من الشمس والقمر والنجوم بأمر الله لحفظ السماء الدنيا‏,‏ ولمصلحة الأرض ومن عليها‏.‏
    ‏(4)‏ إرسال الرياح بشرا بين يدي رحمة الله لتقل السحاب الثقال بقطيرات الماء‏,‏ وتسوقه بإرادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي بلد ميت‏,‏ فينزل الله به الماء ثم يخرج بهذا الماء من كل الثمرات‏,‏ ويضرب الله تعالي المثل بإخراج النبات من الأرض بعد إنزال ماء المطر‏,‏ بإخراج الموتي بعد إنزال مطر خاص فينبت كل كائن حي من عجب ذنبه مثلما تنبت البقلة من حبتها‏,‏ كما جاء في وصف رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في عدد من أحاديثه الشريفة‏.‏

    ‏(5)‏ انفجار اثنتي عشرة عينا من الماء إلي الشرق من خليج السويس بضرب موسي الحجر بعصاه كما أخبر القرآن الكريم‏,‏ والمنطقة تعرف اليوم باسم عيون موسي‏.‏
    ‏(6)‏ إخبار القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة سنة بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ سوف يسلط علي اليهود من يسومهم سوء العذاب إلي يوم القيامة‏,‏ وقد تحقق ذلك بالفعل وندعو الله تعالي لهم بالمزيد من العذاب في الدنيا قبل الآخرة‏(‏ اللهم آمين آمين آمين‏)‏ فقد فجروا في الزمن الحاضر وبالغوا في فجورهم إلي الحد الذي يفوق كل تصور بدعم من الأمريكان المتجبرين‏,‏والذين سيقلبهم الله عليهم ثم يعاقبهم أجمعين عقابا يفوق كل وصف‏,‏ وكل خيال إن شاء الله رب العالمين‏.‏

    ‏(7)‏ التنبؤ بأن اليهود الكافرين سوف يحرفون دينهم‏,‏ ويتقولون علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بغير الحق‏,‏ وسوف يسعون في الأرض فسادا‏(‏ والله لا يحب المفسدين‏),‏ وأن الله تعالي سوف يشردهم ويقطعهم في الأرض أمما‏,‏ وقد تحقق ذلك‏,‏ وندعوه تعالي بالمزيد من تشريدهم وتقطيعهم جزاء إفسادهم في الأرض‏,‏ واستعلائهم الكاذب علي الخلق في أيامنا الراهنة‏.‏
    ‏(8)‏ إثبات حقيقة وجود للإنسان في عالم الذر‏,‏ وهي حقيقة لم يدركها العلماء إلا بعد اكتشاف قوانين الوراثة‏.‏
    ‏(9)‏ عظمة ملكوت السماوات والأرض‏.‏

    وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي مجلدات في شرحها ولذلك سوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الرابعة وهي إرسال الرياح‏,‏ وقبل الخوض في ذلك أعرض لأقوال عدد من المفسرين في شرح الآية التي نحن بصددها‏,‏ وهي الآية رقم‏(57)‏ من سورة الأعراف‏.‏

    من أقوال المفسرين
    في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون‏*.‏
    ‏(‏الأعراف‏:57)‏

    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ لما ذكر تعالي أنه خالق السماوات والأرض‏,‏ وأنه المتصرف الحاكم‏,‏ المدبر المسخر‏,‏ وأرشد إلي دعائه لأنه علي ما يشاء قدير‏,‏ نبه تعالي علي أنه الرزاق‏,‏ وأنه يعيد الموتي يوم القيامة فقال‏:(‏ وهو الذي يرسل الرياح بشرا‏)‏ أي مبشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر‏,‏ ومنهم من قرأ بشرا‏,‏ لقوله‏:(‏ ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات‏),‏ وقوله‏:(‏ بين يدي رحمته‏)‏ أي بين يدي المطر‏,‏ كما قال‏:(‏ وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد‏),‏ وقال‏:‏ فانظر إلي آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتي‏,‏ وهو علي كل شئ قدير‏,‏ وقوله‏:(‏ حتي إذا أقلت سحابا ثقالا‏)‏ أي حملت الرياح سحابا ثقالا أي من كثرة ما فيها من الماء تكون ثقيلة قريبة من الأرض مدلهمة‏....,‏ وقوله تعالي‏:(‏ سقناه لبلد ميت‏)‏ أي إلي أرض ميتة مجدبة لانبات فيها‏,‏ كقوله‏:(‏ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها‏)‏ الآية‏,‏ ولهذا قال‏:(‏ فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتي‏)‏ أي كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها‏,‏ كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رميما يوم القيامة‏...,‏ وهذا المعني كثير في القرآن‏,‏ يضرب الله مثلا ليوم القيامة بإحياء الأرض بعد موتها‏,‏ ولهذا قال‏:(‏ لعلكم تذكرون‏).‏
    وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:‏

    إنها آثار الربوبية في الكون‏,‏ آثار الفاعلية والسلطان والتدبير والتقدير‏,‏ وكلها من صنع الله‏,‏ الذي لا ينبغي أن يكون للناس رب سواه‏,‏ وهو الخالق الرازق بهذه الأسباب التي ينشئها برحمته للعباد‏.‏
    وفي كل لحظة تهب ريح‏,‏ وفي كل وقت تحمل الريح سحابا‏,‏ وفي كل فترة ينزل من السحاب ماء‏,‏ ولكن ربط هذا كله بفعل الله ــ كما هو في الحقيقة ــ هو الجديد الذي يعرضه القرآن هذا العرض المرتسم في المشاهد المتحركة كأن العين تراه‏.‏

    انه هو الذي يرسل الرياح مبشرات برحمته‏,‏ والرياح تهب وفق النواميس الكونية التي أودعها الله هذا الكون‏..‏ وحمل الرياح للسحاب يجري وفق نواميس الله في الكون أيضا‏,‏ ولكنه يقع بقدر خاص‏,‏ ثم يسوق الله السحاب ــ بقدر خاص منه ــ إلي‏(‏ بلد ميت‏)..‏ صحراء أو جدبا‏..‏ فينزل منه الماء ــ بقدر كذلك خاص ــ فيخرج من كل الثمرات ــ بقدر منه خاص ــ يجري كل أولئك وفق النواميس التي أودعها طبيعة الكون وطبيعة الحياة‏.‏
    إن التصور الإسلامي في هذا الجانب ينفي العفوية والمصادفة في كل ما يجري في الكون‏..‏ كما ينفي الجبرية الآلية‏,‏ التي تتصور الكون كأنه آلة‏,‏ فرغ صانعها منها‏,‏ وأودعها القوانين التي تتحرك بها‏,‏ ثم تركها تتحرك حركة آلية جبرية حتمية وفق هذه القوانين‏...!‏

    إنه يثبت الخلق بمشيئة وقدر‏,‏ ثم يثبت الناموس الثابت والسنة الجارية‏,‏ ولكنه يجعل معها القدر المصاحب لكل حركة من حركات الناموس‏,‏ ولكل مرة تتحقق فيها السنة‏,‏ القدر الذي ينشئ الحركة ويحقق السنة‏,‏ وفق المشيئة الطليقة من وراء السنن والنواميس الثابتة‏.‏ إنه تصور حي‏,‏ ينفي عن القلب البلادة‏,‏ بلادة الآلية والجبرية‏,‏ ويدعها ابدا في يقظة وفي رقابة‏..‏ كلما حدث حدث وفق سنة الله‏,‏ وكلما تمت حركة وفق ناموس الله‏,‏ انتفض هذا القلب‏,‏ يري قدر الله المنفذ‏,‏ ويري يد الله الفاعلة‏,‏ فيسبح الله ويذكره ويراقبه‏,‏ ولا يغفل عنه بالآلية الجبرية ولا ينساه‏!.‏
    هذا تصور يستحيي القلوب‏,‏ ويستجيش العقول‏,‏ ويعلقها جميعا بفاعلية الخالق المتجددة‏,‏ وبتسبيح البارئ الحاضر في كل لحظة وفي كل حركة‏,‏ وفي كل حدث آناء الليل وأطراف النهار‏.‏

    كذلك يربط السياق القرآني بين حقيقة الحياة الناشئة بإرادة الله وقدره في هذه الأرض‏,‏ وبين النشأة الآخرة‏,‏ التي تتحقق كذلك بمشيئة الله وقدره‏,‏ علي المنهج الذي يراه الاحياء في نشأة هذه الحياة‏:(‏ كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون‏)....‏
    إن معجزة الحياة ذات طبيعة واحدة‏,‏ من وراء أشكالها وصورها وملابساتها‏..‏ هذا ما يوحي به هذا التعقيب‏...‏ وكما يخرج الله الحياة من الموت في هذه الأرض‏,‏ فكذلك يخرج الحياة من الموتي في نهاية المطاف‏...‏ إن المشيئة التي تبث الحياة في صور الحياة‏,‏ وأشكالها في هذه الأرض‏,‏ هي المشيئة التي ترد الحياة في الاموات‏,‏ وإن القدر الذي يجري بإخراج الحياة من الموات في الدنيا‏,‏ لهو ذاته القدر الذي يجري بجريان الحياة في الموتي مرة أخري‏....(‏ لعلكم تذكرون‏)‏ فالناس ينسون هذه الحقيقة المنظورة‏,‏ ويغرقون في الضلالات والأوهام‏!.‏

    وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ علي كاتبه من الله الرضوان‏)‏ ما نصه‏:(‏ بشرا‏)‏ بضم فسكون الشين‏,‏ مخفف‏(‏ بشرا‏)‏ بضمتين جمع بشير‏,‏ كنذر ونذر‏,‏ أي مبشرات بنزول الغيث المستتبع لمنفعة الخلق‏,(‏ أقلت سحابا ثقالا‏)‏ بما فيه من الماء‏,‏ وحقيقة اقله‏:‏ وجده قليلا ثم استعمل بمعني حمله‏,‏ لأن الحامل يستقل ما يحمله بزعم أن ما يرفعه قليل‏,‏ و‏(‏سحابا‏)‏ اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء‏,‏ روعي معناه في قوله‏:(‏ ثقالا‏)‏ ولفظه في قوله‏:(‏ سقناه‏)‏ و‏(‏ثقالا‏)‏ جمع ثقيلة من الثقل ــ كعنب ــ ضد الخفة ــ قال‏:‏ ثقل ــ ككرم ــ ثقلا وثقالة‏,‏ فهو ثقيل وهي ثقيلة‏,(‏ لبلد ميت‏)‏ مجدب لا ماء فيه ولا نبات‏,(‏ كذلك نخرج الموتي‏)‏ أي كما احيينا الأرض بعد موتها بإحداث القوي النامية فيها‏,‏ وإنزال الماء عليها‏,‏ وتطريتها بأنواع النبات والثمرات نخرج الموتي من الأرض ونبعثهم أحياء في اليوم الآخر‏.‏
    وذكر بقية المفسرين كلاما مشابها لا أري ضرورة لإعادته هنا‏.‏

    إرسال الرياح في القرآن الكريم
    جاء ذكر الريح بالإفراد والجمع في‏29‏ موضعا من القرآن الكريم‏,‏ منها‏19‏ مرة بالإفراد وعشر مرات بالجمع‏,‏ والريح هو الهواء المتحرك‏,‏ واغلب المواضع التي ذكر الله تعالي فيها ارسال الريح بلفظ الواحد كانت متعلقة بالعذاب‏,‏ واغلب المواضع التي جاء فيها ذكر الرياح بصيغة الجمع هي متعلقة بالرحمة‏,‏ وإن كانت هناك بعض الاستثناءات‏,‏ وذلك من مثل قوله تعالي‏:‏
    ‏1‏ ــ هو الذي يسيركم في البر والبحر حتي إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان‏...‏
    ‏(‏يونس‏:22).‏

    ‏2‏ ــ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلي الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين‏*‏
    ‏(‏الأنبياء‏:81)‏

    ‏3‏ ــ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر‏...*(‏ سبأ‏:12)‏
    ‏4‏ ــ فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب‏*(‏ ص‏:36).‏

    ‏5‏ ــ ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام‏*‏ إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد علي ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور‏*(‏ الشوري‏:32:33).‏
    ‏6‏ ــ‏...‏ وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض آيات لقوم يعقلون‏(‏ البقرة‏:164).‏

    ‏7‏ ــ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته‏..*(‏ الأعراف‏:57)‏
    ‏8‏ ــ وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين‏*.‏
    ‏(‏الحجر‏:22).‏

    ‏9‏ ــ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله‏...*(‏ الروم‏:48)‏
    وتصف الآيات القرآنية حركة الرياح دوما بالتصريف والارسال‏,‏ وذلك لأنها حركة منتظمة السلوك‏,‏ ومحكمة التوزيع بدقة فائقة حول الكرة الأرضية علي الرغم من ظاهرها الذي يصفها بالهياج‏,‏ وعلي الرغم من تعدد وتشابك القوي المحركة‏,‏ لها‏,‏ فذلك كله لا يخرجها عن كونها جندا من جند الله يرسلها بالرحمة والعذاب كيفما يشاء‏.‏

    إرسال الرياح في منظور العلوم المكتسبة
    تعرف الرياح بأنها أجزاء من الغلاف الغازي للأرض تتحرك حركة مستقلة عن الأرض ــ علي الرغم من ارتباطها بها ــ في عدد من الاتجاهات المختلفة‏,‏ التي يمكن إدراكها إلي أرتفاع يصل إلي‏65‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏.‏
    والغلاف الغازي للأرض يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات‏,‏ وتقدر كتلته بنحو الستة آلاف مليون مليون طن‏(6120*1210‏ طن‏),‏ ويقع اغلب هذه الكتلة‏(99%‏ من كتلة الغلاف الغازي للأرض‏)‏ دون ارتفاع‏50‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر أي دون مستوي نطاق الركود الطبقي‏
    The Stratopause
    ‏ وعلي ذلك فإن حركة الرياح تكاد تتركز اساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض‏,‏ وأعلي سرعة للرياح تقع فوق نطاق الرجع مباشرة‏,‏ والذي يتراوح سمكه بين ستة عشر‏(16)‏ كيلو مترا فوق خط الاستواء‏,‏ وعشرة كيلو مترات فوق القطبين‏,‏ وبين سبعة‏(7)‏ وثمانية‏(8)‏ كيلو مترات فوق خطوط العرض الوسطي‏,‏ ولذلك فإن الرياح حينما تتحرك من خط الاستواء في اتجاه القطبين فإنها تهبط فوق هذا المنحني الوسطي‏,‏ فتزداد سرعتها‏,‏ هذا بالإضافة إلي أن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق يجبر كتل الهواء علي التحرك في اتجاه الشرق بسرعات فائقة تعرف باسم التيارات النفاثة
    The Jet Streams
    وتنخفض درجة الحرارة في نطاق التغيرات الجوية‏(‏ نطاق الرجع‏)‏ باستمرار مع الارتفاع حتي تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته فوق خط الاستواء‏,‏ وذلك للتباعد عن مصدر الدفء‏,‏ وهو سطح الأرض الذي يمتص‏47%‏ من أشعة الشمس أثناء شروقها فترتفع درجة حرارته‏,‏ ويعيد إشعاع تلك الحرارة علي هيئة أشعة تحت حمراء إلي الغلاف الغازي للأرض بمجرد غياب الشمس فيدفئه‏.‏
    كذلك ينتاقص الضغط كلما ارتفعنا في الغلاف الغازي للأرض لتناقص كثافة الهواء حتي يصل إلي واحد من ألف من الضغط الجوي فوق مستوي سطح البحر بالارتفاع إلي‏48‏ كيلو مترا فوق هذا المستوي‏.‏
    ويقدر ما يقع من وزن كتلة الغلاف الغازي المحيط بالأرض علي كل فرد من بني الإنسان بنحو الطن‏,‏ ومن رحمة الله بنا أننا لا نشعر بثقله لأن الضغط الداخلي في جسد كل منا يقاوم هذا الوزن الذي يعرف باسم الضغط الجوي‏,‏ فنحن نعيش ومعنا بقية الكائنات الأرضية الحية وسط الغلاف الغازي للأرض‏,‏ كما تعيش الأحياء المائية في داخل وسطها المائي‏,‏ ويوثر في هذا الضغط الجوي كل من الجاذبية الأرضية‏,‏ ودرجة حرارة الجو‏,‏ وتضاريس سطح الأرض‏,‏ بين عدد من العوامل الأخري‏.‏

    التغيير في الضغط الجوي أحد عوامل حركة الرياح
    تنجم التغيرات في الضغط الجوي اساسا عن التغيرات في كم الحرارة الذي يصل إلي الأجزاء المختلفة من سطح الأرض في أثناء دورانها حول محورها المائل علي دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبا امام الشمس‏,‏ وفي مدار حولها‏.‏
    ويؤدي الاختلاف في درجات حرارة الغلاف الغازي للأرض إلي تكون مناطق ذات ضغط مرتفع‏,‏ وأخري ذات ضغط منخفض‏,‏ وترسل الرياح بإرادة الله تعالي‏,‏ وحسب قوانينه وسننه في حركة رأسية وأفقية متصلة من مناطق الضغط المرتفع إلي منطاق الضغط المنخفض حسب شدة انحدار أو ارتفاع خطوط تساوي الضغط حول كل منطقة من مناطق الضغط الجوي‏.‏
    ويعين علي ذلك سرعة دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق‏,‏ والتي تساعد في توجيه حركة الرياح وتؤدي إلي تكسر كل من الرياح الساخنة المتدفقة من المناطق الاستوائية في اتجاه القطبين‏,‏ والرياح الباردة المتدفقة من القطبين في اتجاه خط الاستواء علي هيئة عدد من الخلايا الهوائية الكبيرة بعضها خلايا دافئة ورطبة ترتفع الي اعلي لتكون السحب الممطرة بإذن الله‏,‏ وبعضها خلايا باردة وجافة تهبط الي اسفل‏,‏ وبعضها خلايا متوسطة البرودة والجفاف‏,‏ وهي أيضا تمثل رياحا هابطة إلي أسفل‏.‏
    ويؤثر دوران الأرض حول محورها أمام الشمس تأثيرا عموديا في حركة الرياح سرعة واتجاها‏,‏ فتحرفها جهة اليمين بصفة عامة في نصف الأرض الشمالي‏,‏ وجهة اليسار بصفة عامة في نصفها الجنوبي‏,‏ ويزداد هذا الاثر في طبقات الجو العليا بمعدلات أكبر مما يؤدي إلي تغيير اتجاه الرياح تدريجيا حتي يصبح موازيا لخطوط تساوي الضغط
    Geostrophic Wind
    أما قريبا من سطح الأرض فإن الرياح لا تهب بموازاة خطوط تساوي الضغط تماما بسبب احتكاكها مع تضاريس سطح الأرض‏.‏
    كذلك ترسل الرياح بإذن من الله تعالي في حركات رأسية حيث يدفأ الهواء الملامس لسطح الأرض فيرتفع إلي أعلي‏,‏ ويحل محله تيار من الهواء البارد الهابط إلي أسفل‏.‏

    تكون الكتل والجبهات الهوائية
    بهذه الحركة الدائبة للرياح أفقيا ورأسيا ينقسم الغلاف الغازي المحيط بالأرض‏(‏ في نطاقي الرجع والتطابق اساسا إلي اعداد من الكتل الهوائية المتجاورة‏,‏ والكتلة الهوائية تمثل بكمية هائلة من الهواء المتجانس فيما بينه في درجتي الحرارة والرطوبة النسبية‏,‏ تمتد أفقيا لعدة كيلو مترات‏,‏ ورأسيا بين ثلاثمائة وثلاثة الاف متر‏,‏ ومن هذه الكتل الهوائية ما هو دافئ‏,‏ وما هو بارد‏,‏ ومنها ما هو رطب‏,‏ وما هو جاف‏,‏ ومنها ما يغير درجة رطوبته النسبية بمروره فوق مساحات مائية كبيرة أو فوق مساحات من الصحاري الجافة القاحلة‏.‏
    ويتكون بين الكتل الهوائية المتجاورة أفقيا ورأسيا ما يسمي باسم الجبهات الهوائية‏,‏ والجبهة الهوائية هي الحد الفاصل بين كتلتين متجاورتين من كتل الهواء المتباينة في درجات حرارتها ورطوبتها النسبية‏,‏ ولذلك تكون منطقة تفاعل جوي نشط‏.‏
    وإذا التقت كتلتان من الهواء فإن الباردة منها تنزل تحت الدافئة‏,‏ ويتكون بينهما منطقة انتقالية هي منطقة الجبهة الهوائية التي تحول دون اختلاطهما‏,‏ وتفصل بين صفاتهما الفيزيائية والكيميائية‏,‏ وسرعة الرياح واتجاهاتها في كل منهما‏.‏
    وعبور الجبهة الهوائية لمنطقة ما يؤثر في ظروفها المناخية تأثيرا بالغا‏,‏ فإذا كانت الجبهة باردة أدت إلي انخفاض درجات الحرارة‏,‏ وإلي تكون السحب الطباقية ونزول المطر بإذن الله‏,‏ وإذا كانت الجبهة دافئة أدت إلي ارتفاع درجة الحرارة‏,‏ وإلي تكون السحب الركامية‏
    Cumuliformorheapclouds
    المتجمعة علي هيئة أكوام مكدسة من السحاب فوق بعضها البعض بما يشبه سلاسل الجبال المفصولة بالأودية والأخاديد‏,‏ مما يعكس الارتفاعات المتعددة للهواء المشبع ببخار الماء من أماكن متفرقة‏,‏ واستمرار تدفق الهواء المشبع ببخار الماء إلي أعلي يؤدي إلي زيادة إمكانية تكثف بخار الماء فيها‏,‏ وبالتالي إلي إمكانية هطول المطر منها بإذن الله‏.‏
    وتؤدي الكتل الهوائية الدافئة الرطبة إلي تكون كل من السحاب والضباب والندي‏,‏ ومع إرسال الرياح تتشكل السحب الطباقية بإذن الله‏
    Stratiformorlayeredclouds
    وهي تتكون من طبقات تمتد افقيا لمئات من الكيلومترات المربعة تعكس الارتفاع المنتظم للهواء المشبع ببخار الماء عبر مساحات كبيرة‏,‏ ولذلك فهي عادة ما تكون اغزر انواع السحب إمطارا وأوسعها انتشارا بإذن الله‏(‏ تعالي‏).‏
    اما إذا كانت الكتل الهوائية دافئة وجافة‏,‏ فينتج عنها تكون الصقيع في الصباح الباكر أيام فصل الشتاء‏,‏ وإثارة الغبار والاتربة والزوابع الشديدة في فصل الصيف خاصة إذا رافقتها رياح شديدة السرعة نسبيا‏.‏

    المرتفعات الجوية
    يعرف المرتفع الجوي بأنه جزء من الهواء فوق منطقة معينة من الأرض يتميز بضغط اعلي من ضغط الهواء في المناطق المحيطة به‏,‏ ومنها‏:‏
    ‏(1)‏ المرتفعات الجوية الدافئة التي تتشكل في المناطق شبه المدارية‏,‏ وتتكون بسبب هبوط‏,‏ الهواء البارد من اعلي وانضغاطه‏,‏ وبالتالي ارتفاع درجة حرارته مع زيادة ضغطه‏.‏
    ‏(2)‏ المرتفعات الجوية الباردة‏:‏ وتتشكل فوق مناطق الجليد الواسعة بفعل التبريد المستمر للهواء الساكن فوق تلك المناطق مما يؤدي إلي تقلص الهواء وزيادة كثافته وارتفاع ضغطه‏.‏
    وتعد المناطق الهوائية ذات الضغط المرتفع مصدرا من مصادر إرسال الرياح بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ لأنها تدفع بالهواء الداخل فيها من قمتها إلي أسفل هابطا ليخرج من قاعدتها في اتجاه عقارب الساعة كما تدفع الهواء من حولها بعيدا عن مركزها مما يؤدي إلي حركة الكتل الهوائية‏,‏ وانتقالها تدريجيا من اماكنها بحركات دورانية رأسية وأفقية واسعة‏,‏ وهبوط الهواء من الاجواء العليا في المرتفع وانتشاره أفقيا فوق سطح الأرض من عوامل تكون كتلة هوائية مستقرة نسبيا ومتجانسة التركيب‏.‏
    ويصاحب المرتفع الجوي عادة بشيء من صفاء الجو‏,‏ مع قلة الرطوبة النسبية‏,‏ وإن كان خروج تيار الرياح من قاعدة المرتفع قد يثير شيئا من غبار الأرض‏,‏ ويؤدي إلي تكون عدد من الزوبعات الترابية‏.‏

    المنخفضات الجوية
    يعرف المنخفض الجوي بأنه جزء من الهواء فوق منطقة معينة من الأرض يتميز بضغط أخفض من ضغط الهواء في المناطق المحيطة به‏,‏ ومنها‏:‏
    ‏(1)‏ المنخفض الجوي الحراري‏:‏ وينشأ بسبب تسخين الهواء بملامسته لسطح الأرض مما يؤدي إلي تمدده‏,‏ وتناقص كثافته وارتفاعه إلي أعلي كما يحدث في المناطق الحارة‏.‏
    ‏(2)‏ المنخفض الجوي الجبهي‏:‏ وينشأ عند التقاء جبهتين هوائيتين إحداهما دافئة والاخري باردة‏,‏ فيصعد الهواء الدافئ إلي أعلي‏,‏ ويدخل الهواء البارد تحته فتتشكل كتلتان هوائيتان دافئة وباردة‏.‏
    وتدور الرياح حول المنخفض الجوي في عكس اتجاه عقارب الساعة نحو الداخل وعلي ذلك فإن نمو المنخفض الجوي أو اضمحلاله يعتمد علي معدل دخول الهواء فيه عند سطح الأرض ومعدل خروجه منه إلي أعلي‏.‏
    وتتحرك الرياح من المرتفع الجوي إلي المنخفض الجوي قرب سطح الأرض‏,‏ وفي الأجواء العليا تتحرك بشكل افقي معاكس بالنسبة للمرتفع الجوي أي يخرج من قمة المنخفض الجوي بحركة دورانية ليتجه مع الاتجاه السائد للرياح العليا‏,‏ بينما يدخل في قمة المرتفع الجوي هابطا إلي اسفل ليخرج من قاعدته‏.‏
    ونظرا لقدوم الكتل الباردة من المناطق القطبية‏,‏ والكتل الدافئة من المناطق المدارية فإن التقاءهما يكون غالبا فوق مناطق العروض المتوسطة‏,‏ ونظرا لانحراف الكتل الهوائية في اثناء سيرها نحو اليمين في نصف الكرة الشمالي‏,‏ ونحو اليسار في نصفها الجنوبي‏,‏ فإن الجبهتين عند التقائهما تدور الرياح حول مركز المنخفض في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة‏.‏ وصعود الهواء الرطب إلي اعلي في منطقة الضغط المنخفض يساعد علي تكثيف مابه من بخار الماء‏,‏ وعلي تكوين السحب الركامية‏,‏ وحدوث ظواهر الرعد والبرق فيها وربما إلي نزول المطر بإذن الله‏.‏

    حركة المنخفضات الجوية والجبهات الهوائية
    تتحرك المنخفضات الجوية في غالبيتها من الغرب إلي الشرق مع اتجاه دوران الأرض حول محورها بسرعات تتراوح بين‏30,20‏ كم‏/‏ ساعة‏,‏ ويرافقها في حركتها وتدور حولها جبهاتها الهوائية‏,‏ ويلاحظ تباطؤ سرعة المنخفض الجوي عند مروره فوق اليابسة‏,‏ وإنحراف اتجاهه نحو القطب الشمالي أو الجنوبي للأرض‏(‏ حسب وضعه في أي من نصفي الأرض‏)‏ خاصة إذا صادف تضاريسا معترضة كالسلاسل الجبلية التي يصطدم بها‏,‏ فتزيد من إمكانية صعوده إلي اعلي‏,‏ وتكون السحب الركامية‏,‏ وزيادة امكانية تكثف بخار الماء فيها‏,‏ وبالتالي إمكانية هطول المطر منها بإذن الله‏.‏
    ولذلك يمن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
    وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي إذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون‏*(‏ الاعرف‏:57)‏
    وتشير الآية الكريمة إلي حركات الرياح‏,‏ الافقية والرأسية‏,‏ ودورها في تكوين وحمل السحاب الثقال‏(‏ المزن المثقلة بما فيها من قطرات الماء‏),‏ وسوقه أفقيا إلي حيث يشاء الله‏(‏ تعالي‏),‏ وإنزال ما به من ماء‏(‏ حين تصل كتلة قطرة الماء حدا لا يقوي السحاب علي حمله‏),‏ فيحيي به الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض بعد موتها ويخرج به من كل الثمرات‏,‏ ويضرب ذلك مثلا لإخراج الموتي‏,‏ فسبحان الذي أنزل القرآن بهذه الدقة العلمية الفائقة حتي في مقام ضرب المثل‏,‏ وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الأمي الذي تلقاه وعلي آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلي يوم الدين‏.‏
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    7,696
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    09-08-2017
    على الساعة
    10:57 AM

    افتراضي

    اخى
    بارك الله فيك على ما جمعت وقدمت
    جعله الله فى ميزان حسناتك
    وبارك الله لنا فى الدكتور زغلول النجار على ما اكتشف وجاء بمثل ماجاء به
    من اكتشافات علميه موثقه فى القران الكريم
    لى طلب لو سمحت
    هلا كتبت لنا بالخط الواضح لان بعض الكتابات تزغلل النظر
    واسفه على ما طلبت
    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اقتباس
    هلا كتبت لنا بالخط الواضح لان بعض الكتابات تزغلل النظر
    الاخت الفاضله ... هل المقصود نوع الخط او الحجم او لون الخط حيث هذه من خطوط المنتدي ...
    وجزاكم الله خير
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    (46)‏ وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين
    بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
    هذة الآية الكريمة جاءت في بداية الخمس الثاني من سورة الحجر وهي سورة مكية‏,‏ نزلت بين عام الحزن وعام الهجرة‏,‏ ولذلك فقد جاءت السورة الكريمة بروح التثبيت لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في مواجهة عناد ومكابرة كفار قريش له‏,‏ وتكذيبهم ببعثته الشريفة‏,‏ وتشكيكهم في الوحي الذي جاءه من ربه‏,‏ واتهامهم له زورا بالجنون‏,‏ وهم أعرف الناس برجاحة عقله‏,‏ وعظيم خلقه‏,‏ وشرف نسبه‏..‏ ولذلك فإن محور السورة الرئيسي يدور حول إبراز طبيعة المكذبين بدين الله الحق‏(‏ الإسلام‏),‏ ودوافعهم لتكذيبه‏,‏ وحول التأكيد علي سنن الله التي لا تتخلف ولا تتوقف عن عقاب المكذبين‏,‏ في كل زمان وفي كل مكان‏,‏ واستعراض مصارع عدد من هؤلاء الطغاة الكافرين‏,‏ والمشركين‏,‏ والمكذبين‏,‏ المفسدين في الأرض بغير حق‏,‏ والمتجبرين علي الخلق‏,‏ لعله يكون في ذلك عبرة للمعتبرين في كل وقت وفي كل حين‏...!!‏ وعدد آيات سورة الحجر تسع وتسعون‏;‏ وقد سميت بهذا الاسم لذكر الحجر في الآية الثمانين منها‏,‏ وهي مدائن صالح‏,‏ ديار قبيلة ثمود‏,‏ وهي عبارة عن بيوت منحوتة في الصخر الثابت علي جانبي الوادي‏,‏ أو المجلوب إلي بطن الوادي‏,‏ وهي الآن خربة‏,‏ تقع إلي الشمال الغربي من المدينة المنورة علي الطريق القديم بينها وبين مدينة تبوك‏.‏

    وتستهدف سورة الحجر التذكير بالمقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية‏,‏ وقد استهلت بثلاثة من الحروف المقطعة وهي الر‏,‏ والحروف المقطعة المعروفة باسم الفواتح الهجائية تتكون من أربعة عشر حرفا‏,‏ أي تضم نصف حروف الهجاء الثمانية والعشرين‏,‏ وقد وردت في أربع عشرة صيغة‏,‏ افتتحت بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم‏,‏ وقد جمعها بعض علماء السلف في عبارة مبهرة تقول‏:‏ نص حكيم قاطع له سر وهو وصف للقرآن الكريم‏,‏ وقد حاول عدد غير قليل من علماء المسلمين استجلاء كنه هذه الفواتح الهجائية‏,‏ وتوقف العدد الأكبر عن الخوض فيها‏,‏ واكتفي بتفويض أمرها إلي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ معتبرا إياها سرا من أسرار القرآن الكريم لم يتم اكتشافه بعد‏.‏
    وتنتقل السورة الكريمة إلي الإشادة بكتاب الله وآياته‏,‏ وروعة بيانه‏,‏ ووضوح دلالاته‏,‏ وتتابع بتهديد جازم للجاحدين من الكفار والمشركين بمشهد الآخرة‏,‏ وهم يعانون أهوالها‏,‏ وقد استبان لهم الحق فيتمنون لو كانوا في الدنيا من المسلمين‏...!!‏

    ومن قبيل التهوين من صلف هؤلاء الجاحدين تطلب الآيات من رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن يدعهم في غيهم يأكلون ويتمتعون‏,‏ ويشغلهم الأمل بطول الأجل عن التفكير فيما سوف يلقونه من شقاء في الدنيا‏,‏ وعذاب مهين في الآخرة جزاء كفرهم وعنادهم وكبرهم‏...!!‏
    وهذا التهديد والوعيد من الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهؤلاء الكفار والمشركين ولأمثالهم من التابعين لهم يليه مباشرة تذكير بمصائر غيرهم من الأمم الظالمة‏,‏ البائدة‏,‏ التي لم يهلك الله‏(‏ تعالي‏)‏ أيا منها إلا وجعل لهلاكها أجلا محددا‏.‏

    وتذكر الآيات في سورة الحجر تحديات كفار قريش لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ واستهزاءهم به‏,‏ واستنكارهم لبعثته الشريفة حتي طلبوا منه أن يأتيهم بالملائكة‏,‏ ليشهدوا علي صدق نبوته‏,‏ وترد الآيات عليهم بأن الملائكة لا تنزل إلا بالحق‏,‏ وأن من هذا الحق أن يدمر الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ المكذبين بآياته ورسله بعد أن جاءتهم نذره‏...!!‏
    وتؤكد سورة الحجر أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي أنزل القرآن العظيم‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ الذي تعهد بحفظه فحفظ بصفائه الرباني‏,‏ ولغة وحيه العربية علي مدي يزيد علي الأربعة عشر قرنا‏,‏ وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏,‏ فلا يمكن لتحريف أن يطوله‏,‏ ولا لتبديل حرف واحد أن يصيبه‏,‏ ولا لضياع أن يغيبه‏...,‏ وهذا الحفظ الرباني لآخر الكتب السماوية وأتمها وأكملها لهو بحق من أعظم المعجزات لهذا الكتاب الرباني الخالد الذي كذب به كفار قريش‏,‏ كما يكذب به كفار هذا الزمن ومشركوه وملاحدته‏...!!‏

    ومن قبيل تثبيت رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وتهوين الأمر عليه وعلي أتباعه الصالحين في كل زمان ومكان‏,‏ تذكر الآيات أن هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ لم يكن منفردا دون غيره من رسل الله بجحود قومه وتكذيبهم ومكابرتهم‏,‏ وعنادهم واستهزائهم‏,‏ فما من نبي ولا من رسول سبقه إلا وتعرض لذلك وأشد منه‏,‏ فاستحقت أقوامهم المكذبة عقاب الله في الدنيا‏,‏ ولعذاب الآخرة أشد وأنكي‏...!!‏ وذلك لأنهم لم يكن ينقصهم الدليل المنطقي علي صدق الوحي‏,‏ وعلي ضرورة الإيمان به‏,‏ ولكنه الصلف‏,‏ والعناد‏,‏ والمكابرة في مقابلة الحق‏...!!‏
    وتصور لنا الآيات في أول سورة الحجر نموذجا صارخا لمكابرة أهل الباطل‏,‏ وعنادهم في مواجهة الحق‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون‏.‏ لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون
    ‏(‏الحجر‏:15,14).‏

    وفي وصف سورة الحجر بطبيعة المكذبين بهذا الدين‏,‏ ودوافعهم لتكذيبه عن عناد لا عن نقص في أدلة الإيمان‏,‏ وتصوير مصارعهم ومصائرهم المروعة‏,‏ تؤكد سنن الله التي لا توقف ولا تتخلف أبدا في جزاء المؤمنين وعقاب المكذبين‏;‏ وتستعرض عددا من آيات الله في الكون‏,‏ وفي الحياة والموت لدحض دعاوي المكذبين‏;‏ وتذكر بخلق آدم‏(‏ عليه السلام‏,‏ وبسجود الملائكة له‏,‏ وبقصة الشيطان الرجيم معه‏,‏ ومحاولة غوايته له‏,‏ وللغافلين من ذرية آدم من بعده إلي يوم الدين‏,‏ كما تعرض لأصل الهدي والضلال في هذه الحياة الدنيا وجزاء كل منهما‏.‏ ثم تستعرض بشيء من التفصيل مصارع المكذبين من أقوام كل من أنبياء الله‏:‏ لوط وشعيب وصالح‏(‏ علي رسولنا وعليهم من الله السلام‏),‏ وتعرض لشيء من رحمات الله مع كل من نبييه إبراهيم ولوط‏(‏ علي نبينا وعليهما الصلاة والسلام‏).‏
    وتتحدث سورة الحجر في خواتيمها عن خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق‏,‏ وتؤكد أن الساعة آتية لا ريب فيها‏...,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الخلاق العليم‏,‏ وتوصي بعدد من الوصايا لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ منها أن يعلن أنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هو النذير المبين‏,‏ وأن يصدع بما يؤمر‏,‏ وأن يعرض عن المشركين‏,‏ فإن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد كفاه سفه المستهزئين من الكفار والمشركين الذين كانت سفاهتهم تؤذي مشاعره وتؤلمه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فيضيق صدره‏,‏ وتوصيه الآيات أن يفزع إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ كلما أصابه شيء من ذلك‏,‏ وأن يعبد الله‏(‏ تعالي‏)‏ حتي يأتيه اليقين‏...!!‏

    وسورة الحجر في خطابها إلي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هي خطاب للقائمين علي الدعوة الإسلامية في كل زمان ومكان‏...‏ خاصة في زماننا الحالي‏...‏ زمن الغطرسة والكبر لأهل الكفر والشرك والضلال وفي مقدمتهم الأمريكيون والبريطانيون‏,‏ وضيعتهم الحركة الصهيونية العالمية‏...‏ وشياطينها المحتلون لأرض فلسطين العربية المسلمة‏,‏ فملأوها ظلما وجورا وفسادا علي مدي نصف قرن أو يزيد قليلا‏,‏ والذين ندعو الله‏(‏ تعالي‏)‏ أن يطهر الأرض من رجسهم ودنسهم في أقرب وقت ممكن إن شاء الله رب العالمين آمين آمين آمين يارب العالمين‏.‏ وكما هددت سورة الحجر المكذبين من الكفار والمشركين في زمن الوحي‏,‏ وتوعدتهم بمصارع الغابرين‏...‏ فإنها تتهدد كفار ومشركي اليوم وإلي قيام الساعة بمثل عقاب الغابرين الهالكين‏...!!!‏
    والآيات الكونية والتاريخية التي استشهدت بها سورة الحجر تشمل ما يلي‏:‏

    ‏(1)‏ إثبات أن السماء بناء محكم شاسع الاتساع‏.‏
    ‏(2)‏ تسمية الحركة في السماء بالعروج‏.‏
    ‏(3)‏ إثبات أن الكون يغشاه الظلام الدامس في أغلب أجزائه وأن طبقة نور النهار طبقة رقيقة للغاية‏.‏
    ‏(4)‏ الإشارة إلي بروج السماء‏,‏ وإلي حفظها من كل شيطان رجيم‏.‏
    ‏(5)‏ الإشارة إلي شيء من وظائف الشهب‏.‏
    ‏(6)‏ الإشارة إلي كروية الأرض بذكر مدها لأن المد إلي ما لا نهاية هو قمة التكوير‏.‏
    ‏(7)‏ ذكر إرساء الأرض بالجبال‏.‏
    ‏(8)‏ إثبات كل شيء موزون في الأرض‏.‏
    ‏(9)‏ إعداد المعايش للإنسان والحيوان والنبات علي الأرض بمعني تهيئة الأرض لاستقبال الحياة بمختلف صورها‏.‏
    ‏(10)‏ إثبات أن خزائن كل شيء عند الله وما ينزله إلا بقدر معلوم‏.‏
    ‏(11)‏ إرسال الرياح لواقح للسحب من أجل إنزال ما بها من بخار الماء علي هيئة ماء المطر لسقيا الإنسان والحيوان والنبات وتخزين جزء من ماء المطر في صخور الأرض‏.‏
    ‏(12)‏ إثبات الإحياء من العدم والإماتة والبعث لله الحي الذي لا يموت‏.‏
    ‏(13)‏ خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون‏,‏ وخلق الجان من نار السموم‏.‏
    ‏(14)‏ خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق‏.‏
    ‏(15)‏ نسبة الخلق كله إلي الله الخلاق العليم‏.‏
    ‏(16)‏ الإنباء بطرف من قصص كل من آدم‏,‏ وإبراهيم‏,‏ وأقوام عدد من أنبياء الله منهم لوط‏,‏ وشعيب‏,‏ وصالح‏(‏ علي نبينا وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏).‏

    وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي تفصيل لا يتسع له المقال ولذلك فسوف أقتصر هنا علي قضية إرسال الرياح لواقح للسحب من أجل إنزال ما بها من بخار الماء علي هيئة ماء المطر لسقيا كل من الإنسان والحيوان والنبات‏,‏ وهي قضية لم يتوصل الإنسان إلي فهمها إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين‏,‏ وسبق القرآن الكريم بالإشارة إليها من قبل اثني عشر قرنا هو من آيات الإعجاز العلمي فيه‏,‏ وقبل الدخول إلي ذلك أوجز أقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

    من أقوال المفسرين
    دورة الماء حول الأرض
    في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين‏(‏ الحجر‏:22).‏
    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ أي تلقح السحاب فتدر ماء‏,‏ وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها‏,‏ وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم‏,‏ فإن أفردها وصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج‏,‏ وقال أعمش‏,‏ عن عبدالله بن مسعود في قوله‏(‏ تعالي‏):(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ قال‏:‏ ترسل الريح فتحمل الماء من السماء‏,‏ ثم تمر مر السحاب حتي تدر كما تدر اللقحة‏,‏ وقال الضحاك‏:‏ يبعثها الله علي السحاب فتلقحه فيمتلئ ماء‏,‏ وقال عبيد بن عمير الليثي‏:‏ يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما‏,‏ ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب‏,‏ ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر‏,‏ ثم تلا‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏).‏

    وقوله تعالي‏(‏ فأسقيناكموه‏)‏ أي أنزلناه لكم عذبا يمكنكم أن تشربوا منه‏...‏ وقوله‏:(‏ وما أنتم له بخازنين‏),‏ قال سفيان الثوري‏:‏ بما نعين‏;‏ ويحتمل أن المراد‏:‏ وما أنتم له بحافظين‏,‏ بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معينا وينابيع في الأرض‏,‏ ولو شاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ لأغاره وذهب به‏,‏ ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا وحفظه في العيون والآبار والأنهار‏,‏ ليبقي لهم طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم‏....‏
    وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ رحمهما الله‏)‏ ما نصه‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ تلقح السحاب فيمتلئ ماء‏(‏ فأنزلنا من السماء‏)‏ السحاب‏(‏ ماء‏)‏ مطرا‏(‏ فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين‏)‏ أي‏:‏ ليست خزائنه بأيديكم‏[‏ أو لستم أنتم الخازنين له‏]...‏

    وجاء في الظلال‏(‏ علي كاتبها من الله الرضوان‏)‏ ما نصه‏:...‏ أرسلنا الرياح لواقح بالماء‏,‏ كما تلقح الناقة بالنتاج‏;‏ فأنزلنا من السماء ماء مما حملت الرياح‏,‏ فأسقيناكموه فعشتم به‏:(‏ وما أنتم له بخازنين‏)...‏ فما من خزائنكم جاء‏,‏ إنما جاء من خزائن الله ونزل منها بقدر معلوم‏.‏
    والرياح تنطلق وفق نواميس كونية‏,‏ وتحمل الماء وفقا لهذه النواميس‏;‏ وتسقط الماء كذلك بحسبها ولكن من الذي قدر هذا كله من الأساس؟ لقد قدره الخالق‏,‏ ووضع الناموس الكلي الذي تنشأ عنه كل الظواهر‏....‏

    وجاء في الهامش‏:‏ أراد بعضهم أن يفسر لواقح هنا بالمعني العلمي الذي كشف وهو أن الرياح تحمل اللقاح من شجرة إلي شجرة‏,‏ ولكن السياق هنا يشير إلي أنها لواقح بالماء دون سواه‏....‏
    وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبه رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ حوامل‏,‏ جمع لاقح بمعني حامل‏;‏ لحملها الماء والتراب بمرورها عليهما‏,‏ وحملها السحاب وسوقه واستدراره‏.‏ وهي ملقحة تلقح السحاب بما تمجه فيها من بخار الماء‏....‏

    وذكر كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏ قد أرسلنا الرياح حاملة بالأمطار وحاملة بذور الإنبات‏,‏ وأنزلنا منها الماء وجعلناه سقيا لكم‏,‏ وأن ذلك خاضع لإرادتنا ولا يتمكن أحد من التحكم فيه حتي يصير عنده كالخزائن‏.‏
    وجاء في الهامش هذا التعليق‏:‏ سبقت هذه الآية ما وصل إليه العلم من أن الرياح عامل مهم في نقل حبوب اللقاح إلي الأعضاء المؤنثة في النبات ليتم بذلك عقد الثمار‏,‏ كما أنه لم يعرف إلا في أوائل القرن الماضي‏(‏ القرن العشرين‏)‏ أن الرياح تلقح السحاب بما ينزل بسببه المطر إذ إن نويات التكاثف أو النويات التي تتجمع عليها جزيئات بخار الماء لتكون نقطا من الماء نامية داخل السحب هي المكونات الأولي من المطر تحملها الرياح إلي مناطق إشارة السحاب وقوام هذه النويات أملاح البحار وما تذروه الرياح من سطح الأرض والأكاسيد والأتربة ونحوها كلها لازمة للإمطار‏.‏

    لقد ثبت في العلم حديثا أن للمطر دورة مائية‏,‏ تبدأ بتبخر المياه من سطح الأرضـ والبحر ثم تعود إليه مرة ثانية علي نحو ما سلف ذكره‏,‏ فإذا ما نزل المطر استقي منه كل حي علي الأرض كما تستقي منه الأرض نفسها‏,‏ ولا يمكن التحكم فيه لأنه بعد ذلك يتسرب من الأحياء ومن الأرض إلي التبخر‏,‏ ثم تبدأ الدورة ثانية بالتبخر وهكذا دواليك‏.‏ ومن هذا يستبين معني الآية في قوله تعالي‏(‏ وما أنتم له بخازنين‏)‏ أي‏:‏ ما نعيه من النزول من السماء ولا التسرب إليها علي صورة البخار‏....‏
    وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خيرا‏)‏ ما نصه‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ أي تلقح السحاب فيدر ماء‏,‏ وتلقح الشجر فيتفتح عن أوراقه وأكمامه‏,‏ فالريح كالفحل للسحاب والشجر‏(‏ فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه‏)‏ أي فأنزلنا من السحاب ماء عذبا‏,‏ جعلناه لسقياكم ولشرب أرضكم ومواشيكم‏(‏ وما أنتم له بخازنين‏)‏ أي لستم بقادرين علي خزنه بل نحن بقدرتنا نحفظه لكم في العيون والآبار والأنهار‏,‏ ولو شئنا لجعلناه غائرا في الأرض فهلكتم عطشا‏....‏

    إرسال الرياح لواقح
    في منظور العلوم المكتسبة
    تعرف الرياح بأنها الهواء المتحرك بالنسبة لبقية الغلاف الغازي المحيط بالأرض‏;‏ وهذا الغلاف الغازي أخرجه الله‏(‏ تعالي‏)‏ أصلا من داخل الأرض ولا يزال يخرجه عبر فوهات البراكين في أثناء ثوراتها‏,‏ وعندما أخرج هذا الغاز اختلط بالدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم‏,‏ وعن التفاعلات النووية داخل النجوم‏,‏ وعن انفجار بعض الأجرام السماوية فتكون الغلاف الغازي للأرض من خليط بعضه من الأرض والبعض الآخر من السماء ولذلك يصفه القرآن الكريم بالبينية التي يقول فيها‏:‏
    وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق‏...‏
    ‏(‏الحجر‏:85).‏

    وقد ذكر هذه البينية الفاصلة بين السماوات والأرض في إحدي وعشرين آية قرآنية‏,‏ وأكد تعريفها قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):...‏ وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون‏(‏ البقرة‏:164).‏
    والغلاف الغازي للأرض يمتد إلي عدة آلاف من الكيلو مترات في السمك وتقدر كتلته بنحو ستة آلاف مليون مليون طن‏,‏ ولكن بما أن‏99%‏ من كتلته تقع دون ارتفاع خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏(‏ أي دون مستوي الركود الطبقي المعروف في اللغة الإنجليزية باسم‏
    Stratopause)‏
    فإن دراسة حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض‏.‏

    وتقسم الرياح علي أساس من ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر إلي ثلاثة مستويات علي النحو التالي‏:‏
    ‏(1)‏ الرياح السطحية‏:‏ تمتد من مستوي سطح البحر إلي بضعة كيلو مترات قليلة فوقه‏,‏ وهي من أهم العوامل في تشكيل سطح الأرض حيث تباشر عملية تآكل صخور ورسوبيات وتربة سطح الأرض‏,‏ وتوزيعها حيثما وجدت تلك المواد غير مغطاة بوقاء من النبات أو غيره فهي من أقوي عوامل التعرية خاصة في الصحاري والقفار‏,‏ وتأتي في المقام الثاني بعد الماء في أشكاله المختلفة كعامل رئيسي من عوامل تعرية الأرض‏.‏

    والرياح السطحية إذ تعصف علي سطح الصحاري تحمل معها كميات كبيرة من فتات الصخور السائبة والمفروطة لآلاف الكيلو مترات في الاتجاه الأفقي‏,‏ وترتفع ببعضها من الدقائق الناعمة ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات‏.‏
    كذلك فإن حركة هذه الرياح السطحية تضبط الظروف المناخية‏,‏ وذلك بتوزيع درجات كل من الحرارة والرطوبة علي سطح الأرض‏,‏ وهذه تلعب دورا مهما في توزيع مناطق الضغط المرتفع والمنخفض علي سطح الأرض‏,‏ ومن ثم حركة الرياح‏.‏

    هذا بالإضافة إلي أن تكثف الرطوبة في الهواء يؤدي إلي تكون السحاب‏,‏ وانتشار نوي التكثف في السحاب يعين علي نمو قطيرات الماء المتكثفة إلي أحجام تفوق قدرة حمل الهواء لها فتسقط بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ مطرا‏,‏ أو بردا‏,‏ أو ثلجا‏.‏ وهذه كلها تلعب دورا مهما في تجوية الصخور وتفتيتها‏.‏ وفي غمار ذلك كله لا يمكن نسيان دور الرياح في إثارة الأمواج البحرية وتياراتها‏,‏ وأثر ذلك في تآكل الصخور علي طول الشواطئ البحرية‏,‏ وفي استقبال ما يصل البحر من رواسب البر‏.‏
    ودور الرياح السطحية في نقل ما تفكك وانفرط من الغطاء الصخري المكون لأديم الأرض كالرمل والغرين والغبار‏,‏ والتحرك به إلي مسافات بعيدة وإلي ارتفاعات شاهقة ثابت علميا‏,‏ ويبلغ ذلك مداه إذا ما تناهت الحبيبات دقة‏,‏ وجفت وتعرت أي لم يكن يحميها غطاء من نبات أو غيره‏,‏ وتتوقف المسافة التي يحمل إليها هذا الفتات أفقيا ورأسيا علي تضاريس موضعه الأصلي‏,‏ وحجم ووزن حبيباته‏,‏ وقوة الريح وعدد ساعات هبوبها‏,‏ واستمرارية ذلك‏.‏

    والمواد المنقولة بواسطة الرياح إما أن تحمل معلقة بين طبقات الهواء إذا كانت خفيفة‏,‏ وإما أن تدفعها الرياح علي سطح الأرض‏,‏ وهي في انتقالها هذا يسبق خفيفها ثقيلها في الانتقال‏,‏ وبذلك تصنف مكوناتها‏,‏ وقد تتراكم في مجموعات علي أساس من كتلها وأحجامها‏,‏ وكثافتها‏,‏ وربما تركيبها المعدني‏.‏
    وفي مقدور الرياح السطحية أن تحمل الغبار مرتفعة به ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات فوق كل من اليابسة والمساحات الشاسعة من الماء‏,‏ خاصة في المناطق الجافة الدافئة حيث يسخن الهواء بملامسته سطح الأرض فيتمدد‏,‏ وتقل كثافته حتي يرتفع إلي أعلي علي هيئة أعاصير‏
    (Whirls),‏
    ودوارات‏
    (Eddies)‏
    حاملا معه دقائق الغبار في أعمدة طويلة تتحرك عبر السهول والوديان‏.‏

    وكثيرا ما تشاهد عواصف الغبار وهي تظلم السماء في وضح النهار‏;‏ وتحيل الهواء إلي هبوب خانق‏,‏ وتحمل كميات هائلة من هذا الغبار إلي مسافات بعيدة‏,‏ ويشاهد ذلك علي وجه الخصوص في المساحات الصحراوية الجافة مثل الصحراء الكبري التي كثيرا ما تحمل عواصفها الغبار الأحمر لتسقطه علي بعد مئات من الكيلو مترات شمالا في كل من جزر الكناري‏,‏ وإيطاليا وألمانيا‏,‏ والمساحات المائية التي مرت بها‏,‏ والبواخر العابرة فيها‏.‏
    وتتسبب عمليات تذرية الرياح للتربة في خفض مستوي سطح الأرض بصفة عامة لعدة عشرات من الملليمترات في كل قرن من الزمان‏,‏ وفي بعض الحالات الاستثنائية يمكن أن يزال إلي عمق متر كامل من التربة الناعمة من مثل التربة الصلصالية والغرينية الجافة في سنوات قليلة‏,‏ وقد يتسبب ذلك في تكوين حفر أرضية يتراوح عمقها بين‏50,30‏ مترا‏,‏ وتصل مساحتها إلي عدة كيلو مترات مربعة‏.‏

    ومن نتائج تعرية الرياح للصخور وتذرية ما تفكك منها تكون السهول الواسعة‏,‏ والأحواض المنخفضة خاصة في المناطق المكونة من صخور رخوة كالصلصال والطفال‏;‏ التي تستمر فيها عمليات التعرية حتي تنتهي عند مستوي الماء تحت سطح الأرض فيتوقف عمل الرياح لأنها لا تقوي علي حمل الفتات الصخري الرطب‏.‏
    وقد هبت عاصفة هوائية لمدة أربع وعشرين ساعة علي أحد الأودية في كاليفورنيا
    ‏(SanJoaguinValley)‏
    وذلك في‏1977/12/12‏ م كانت سرعتها في حدود‏300‏ كيلو متر في الساعة‏,‏ ويقدر ما حملته من غبار التربة العلوية في مساحة قدرها ألفان من الكيلو مترات المربعة بنحو مائة مليون طن‏.‏

    والدقائق الخفيفة من الغريق والصلصال‏(‏ أقل من‏0.15‏ من الملليمتر‏)‏ وهباءات الرماد الناتج عن الحرائق‏,‏ وبعض حبوب اللقاح الدقيقة‏,‏ وفتات دقيق جدا من بعض حطام النباتات‏,‏ وبلورات متناهية الصغر في الحجم من أملاح البحر والمحيطات حملتها الأبخرة المتصاعدة منها‏,‏ ودقائق من الرماد البركاني‏,‏ وبعض الأبخرة والمواد المتطايرة‏,‏ وحتي بعض البكتيريا الدقيقة‏,‏ وبعض المركبات الكيميائية المتعددة‏,‏ كل ذلك إذا انتشر في جسم السحابة شكل نوي للتكثف يعين بخار الماء الموجود في السحابة علي مزيد من التكثف فوق قطيرات الماء أو بللورات الثلج المتكونة داخل السحابة‏,‏ حتي تصل كتلة قطرات الماء إلي الحد الذي لا يقوي الهواء علي حملها فتسقط بإرادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ حيث يشاء مطرا أو بردا أو ثلجا أو خليطا من كل ذلك‏,‏ ومن هنا كان دور الرياح في تلقيح السحاب بنوي التكثف المختلفة‏.‏
    ومن سنن الله‏(‏ تعالي‏)‏ المتحكمة في حركات الرياح السطحية الجاذبية الأرضية‏,‏ وقدر الاحتكاك بتضاريس سطح الأرض‏,‏ وتدرج معدلات الضغط الجوي وهي مرتبطة ارتباطا مباشرا بتوزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض‏.‏

    وتظل هذه العوامل سائدة حتي ارتفاع‏65‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر حيث تبدأ عوامل أخري في التحكم بحركة الرياح‏.‏
    وأعلي سرعة للرياح السطحية تحدث عند حدود نطاق الرجع
    ‏(TheStratopause)‏
    الذي يتراوح سمكه من‏7‏ ـ‏16‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏.‏

    ‏(2)‏ الرياح المتوسطة‏:‏ وتمتد من فوق الرياح السطحية‏(‏ أي من فوق الحدود العليا لنطاق الرجع‏)‏ إلي مستوي‏35‏ كيلو مترا فوق سطح البحر وهنا تستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية‏,‏ وقد تتدخل بعض العوامل الأخري وأهمها خلخلة الهواء‏.‏
    ‏(3)‏ الرياح المرتفعة‏:‏ وتمتد في المستوي من‏35‏ كم إلي‏65‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وتستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية مع تدخل عدد من العوامل الأخري وأهمها قلة الضغط‏,‏ والجفاف الشديد‏.‏

    أما فوق مستوي‏65‏ كيلو مترا من سطح البحر فتبدأ سنن إلهية جديدة في التحكم بحركة الرياح وأهمها الكهربية الجوية‏,‏ والمغناطيسية‏,‏ وعمليات المد والجزر الهوائيين‏.‏
    من هذا الاستعراض يتضح بجلاء أن تصريف الرياح بمشيئة الله تثير السحاب بتزويد الهواء بالرطوبة اللازمة‏,‏ وأن إرسال الرياح بنوي التكثف المختلفة يعين بخار الماء الذي بالسحاب علي التكثف كما يعين قطيرات الماء المتكثفة في السحاب علي مزيد من النمو حتي تصل إلي الكتلة التي تسمح لها بالنزول مطرا أو ثلجا أو بردا بإذن الله‏,‏ كما أن الرياح تدفع بهذه المزن الممطرة بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي حيث يشاء‏,‏ وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في أوائل القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله بهذه الدقة والوضوح والكمال العلمي مما يقطع بأن مصدرها الرئيسي هو الله الخالق‏,‏ ويجزم بأن القرآن الكريم هو كلامه‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ كما يجزم بالنبوة والرسالة لهذا النبي الخاتم الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فلم يكن لأحد من الخلق أدني إلمام بدور الرياح في حمل دقائق المادة إلي السحاب حتي تعين علي تكثف هذا البخار فينزل بإرادة الله مطرا في زمن تنزل الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده فسبحان منزل القرآن الذي أنزل فيه قوله الحق‏:‏
    وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين
    ‏(‏الحجر‏:22).‏

    وذلك لأن خزن الماء في الأرض هو أيضا من آيات الله الكبري التي أعدها إعدادا ينطق بطلاقة القدرة الإلهية وعظيم الحكمة الربانية‏,‏ وقد تعرضنا لذلك في مقال سابق‏,‏ ولا أري ضرورة لإعادة شرحه هنا مرة أخري‏.‏
    كذلك فقد كررنا مرارا أنه لولا دورة الماء حول الأرض لأسن هذا الماء وتعفن لأن بلايين الكائنات الحية تحيا وتموت فيه في كل لحظة‏,‏ ولهذا يمن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقوله‏(‏ فأسقيناكموه‏)‏ فتبارك الذي أنزل القرآن العظيم‏(‏ أنزله بعلمه‏)‏ وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم الذي تلقاه والحمد لله رب العالمين‏.‏

    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

صفحة 5 من 7 الأولىالأولى ... 4 5 6 ... الأخيرةالأخيرة

من اسرار القران

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اسرار القران (138)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:11 PM
  2. اسرار القران(137)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:10 PM
  3. اسرار القران (136)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:08 PM
  4. اسرار القران (135)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:07 PM
  5. اسرار القران (119)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-12-2009, 10:48 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

من اسرار القران

من اسرار القران