من اسرار القران

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

الرد بالتفصيل على شبهة زواج النبي عليه الصلاة و السلام من زينب بنت جحش رضي الله عنها » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | فضح الكنيسة ببلاد العم سام و ممارساتها ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | القرآن الكريم بالقراءات العشر » آخر مشاركة: ابو ياسمين دمياطى | == == | شرح كتاب الطهارة من عمدة الفقة لابن قدامة المقدسي - محمد بن محمد المختار الشنقيطي » آخر مشاركة: ابو ياسمين دمياطى | == == | تأملات قرآنية_ صالح بن عواد المغامسي » آخر مشاركة: ابو ياسمين دمياطى | == == | مختارات من خطب الجمعة..887 خطبة لثلة من الشيوخ و الدعاة » آخر مشاركة: ابو ياسمين دمياطى | == == | أسماء الله الحسنى__ناصر بن عبد الرحمن الحمد » آخر مشاركة: ابو ياسمين دمياطى | == == | محاضرات و سلاسل في فضائل و أحكام شهر رمضان 201 محاضرة » آخر مشاركة: ابو ياسمين دمياطى | == == | باقة من الادعية بصوت العديد من القراء » آخر مشاركة: ابو ياسمين دمياطى | == == | باقة من أجمل و أعذب الأدعية بصوت القارئ عماد المنصري » آخر مشاركة: ابو ياسمين دمياطى | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

من اسرار القران

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى ... 2 3 4 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 63

الموضوع: من اسرار القران

العرض المتطور

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    ‏(24)‏ والارض بعد ذلك دحاها‏ اخرج منها ماءها ومرعاها‏)‏

    جاءت هذه الايه الكريمه في مطلع الربع الاخير من سوره النازعات‏,‏ وهي سوره مكيه‏,‏ تعني كغيرها من سور القران المكي بقضيه العقيده‏,‏ ومن اسسها الايمان بالله‏,‏ وملائكته‏,‏ وكتبه ورسله‏,‏ واليوم الاخر‏,‏ وغالبيه الناس منشغلين عن الاخره واحوالها‏,‏ والساعه واهوالها‏,‏ وعن قضايا البعث‏,‏ والحساب‏,‏ والجنه‏,‏ والنار وهي محور هذه السوره‏.‏
    وتبدا السوره الكريمه بقسم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعدد من طوائف ملائكته الكرام‏,‏ وبالمهام الجسام المكلفين بها‏,‏ او بعدد من اياته الكونيه المبهره‏,‏ علي ان الاخره حق واقع‏,‏ وان البعث والحساب امر جازم‏,‏ وربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ ولكن الايات القرانيه تاتي في صيغه القسم لتنبيه الناس الي خطوره الامر المقسم به‏,‏ واهميته او حتميته‏.‏

    ثم تعرض الايات لشيء من اهوال الاخره مثل‏(‏ الراجفه والرادفه‏)‏ وهما الارض والسماء وكل منهما يدمر في الاخره‏,‏ او النفختان الاولي التي تميت كل حي‏,‏ والثانيه التي تحيي كل ميت باذن الله‏,‏ وتنتقل الايات الي وصف حال الكفار‏,‏ والمشركين‏,‏ والملاحده‏,‏ المتشككين‏,‏ العاصين لاوامر رب العالمين في ذلك اليوم الرهيب‏,‏ وقلوبهم خائفه وجله‏,‏ وابصارهم خاشعه ذليله‏,‏ بعد ان كانوا ينكرون البعث في الدنيا‏,‏ ويتساءلون عنه استبعادا له‏,‏ واستهزاء به‏:‏ هل في الامكان ان نبعث من جديد بعد ان تبلي الاجساد‏,‏ وتنخر العظام؟ وترد الايات عليهم حاسمه قاطعه بقرار الله الخالق ان الامر بالبعث صيحه واحده فاذا بكافه الخلائق قيام يبعثون من قبورهم ليواجهوا الحساب‏,‏ او كانهم حين يبعثون يظنون انهم عائدون للدنيا مره ثانيه فيفاجاون بالاخره‏...‏
    وبعد ذلك تلمح الايات الي قصه موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ مع فرعون وملئه‏,‏ من قبيل مواساه رسولنا‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في الشدائد التي كان يلقاها من الكفار‏,‏ وتحذيرهم مما حل بفرعون وبالمكذبين من قومه من عذاب‏,‏ وجعل ذلك عبره لكل عاقل يخشي الله‏(‏ تعالي‏)‏ ويخاف حسابه‏.‏

    ثم تتوجه الايات بالخطاب الي منكري البعث من كفار قريش والي الناس عامه بسوال تقريعي توبيخي‏:‏ هل خلق الناس علي ضاله احجامهم‏,‏ ومحدوديه قدراتهم‏,‏ واعمارهم‏,‏ واماكنهم من الكون اشد من خلق السماء وبنائها‏,‏ ورفعها بلا عمد مرئيه الي هذا العلو الشاهق مع ضخامه ابعادها‏,‏ وتعدد اجرامها‏,‏ ودقه المسافات بينها‏,‏ واحكام حركاتها‏,‏ وتعاظم القوي الممسكه بها؟ واظلام ليلها‏,‏ واناره نهارها؟ واشد من دحو الارض‏,‏ واخراج مائها ومرعاها منها بعد ذلك‏,‏ وارساء الجبال عليها‏,‏ وارساء الارض بها‏,‏ تحقيقا لسلامتهم وامنهم علي سطح الارض‏,‏ ولسلامه انعامهم ومواشيهم‏.‏
    وبعد الاشاره الي بديع صنع الله في خلق السماوات والارض كدليل قاطع علي امكانيه البعث عاودت الايات الحديث عن القيامه وسمتها‏(‏ بالطامه الكبري‏)‏ لانها داهيه عظمي تعم باهوالها كل شيء‏,‏ وتغطي علي كل مصيبه مهما عظمت‏,‏ وفي ذلك اليوم يتذكر الانسان اعماله من الخير والشر‏,‏ ويراه مدونا في صحيفه اعماله‏,‏ وبرزت جهنم للناظرين‏,‏ فراها كل انسان عيانا بيانا‏,‏ وحينئذ ينقسم الناس الي شقي وسعيد‏,‏ فالشقي هو الذي جاوز الحد في الكفر والعصيان‏,‏ وفضل الدنيا علي الاخره‏,‏ وهذا ماواه جهنم وبئس المصير‏,‏ والسعيد هو الذي نهي نفسه عن اتباع هواها انطلاقا من مخافه مقامه بين يدي ربه يوم الحساب‏,‏ وهذا ماواه ومصيره الي جنات النعيم باذن الله‏.‏

    وتختتم السوره بخطاب الي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ متعلق بسوال كفار قريش له عن الساعه متي قيامها؟‏,‏ وترد الايات بان علمها عندالله الذي استاثر به‏,‏ دون كافه خلقه‏,‏ فمردها ومرجعها الي الله وحده‏,‏ واما دورك ايها النبي الخاتم والرسول الخاتم فهو انذار من يخشاها‏,‏ وهولاء الكفار والمشركون يوم يشاهدون قيامها فان هول المفاجاه سوف يمحو من الذاكره معيشتهم علي الارض‏,‏ فيرونها كانها كانت ساعه من ليل او نهار‏,‏ بمقدار عشيه او ضحاها‏,‏ احتقارا للحياه الدنيا‏,‏ واستهانه بشانها امام الاخره‏,‏ وياتي ختام السوره متوافقا مع مطلعها الذي اقسم فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي حقيقه البعث وحتميته‏,‏ واهواله وخطورته‏,‏ لزياده التاكيد علي انه اخطر حقائق الكون واهم احداثه‏,‏ لكي يتم تناسق البدء مع الختام‏,‏ وهذا من صفات العديد من سور القران الكريم‏.‏
    وهنا يبرز التساول عن معني دحو الارض‏,‏ وعلاقته باخراج مائها ومرعاها‏,‏ ووضعه في مقابله مع بناء السماء ورفعها علي عظم هذا البناء وذلك الرفع كصوره واقعه لطلاقه القدره المبدعه في الخلق‏,‏ وقبل التعرض لذلك لابد من استعراض الدلاله اللغويه للفظه الدحو الوارده في الايه الكريمه‏:‏

    الدلاله اللغويه لدحو الارض
    ‏(‏الدحو‏)‏ في اللغه العربيه هو المد والبسط والالقاء‏,‏ يقال‏:(‏ دحا‏)‏ الشيء‏(‏ يدحوه‏)(‏ دحوا‏)‏ اي بسطه ومده‏,‏ او القاه ودحرجه‏,‏ ويقال‏:(‏ دحا‏)‏ المطر الحصي عن وجه الارض اي دحرجه وجرفه‏,‏ ويقال‏:‏ مر الفرس‏(‏ يدحو‏)(‏ دحوا‏)‏ اذا جر يده علي وجه الارض فيدحو ترابها و‏(‏مدحي‏)‏ النعامه هو موضع بيضها‏,‏ و‏(‏ادحيها‏)‏ موضعها الذي تفرخ فيه‏.‏

    شروح المفسرين للايه الكريمه‏:‏
    في شرح الايه الكريمه‏:(‏والارض بعد ذلك دحاها‏)‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:‏ فسره بقوله تعالي‏(‏ اخرج منها ماءها ومرعاها‏),‏ وقد تقدم في سوره فصلت ان الارض خلقت قبل خلق السماء‏,‏ ولكن انما دحيت بعد خلق السماء بمعني انه اخرج ما كان فيها بالقوه الي الفعل‏,‏ عن ابن عباس‏(‏ دحاها‏)‏ ودحيها ان اخرج منها الماء والمرعي‏,‏ وشقق فيها الانهار‏,‏ وجعل فيها الجبال والرمال‏,‏ والسبل والاكام‏,‏ فذلك قوله‏:(‏ والارض بعد ذلك دحاها‏)....‏
    وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ رحمهما الله‏):(‏ والارض بعد ذلك دحاها‏)‏ اي بسطها ومهدها لتكون صالحه للحياه‏,‏ وكانت مخلوقه قبل السماء من غير دحو‏.(‏ اخرج‏)‏ حال باضمار قد اي‏:‏ دحاها مخرجا‏(‏ منها ماءها ومرعاها‏)‏ بتفجير عيونها‏,‏ و‏(‏مرعاها‏)‏ ماترعاه النعم من الشجر والعشب‏,‏ وماياكله الناس من الاقوات والثمار‏,‏ واطلاق المرعي عليه استعاره‏.‏

    وذكر صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):‏ ودحو الارض تمهيدها وبسط قشرتها‏,‏ بحيث تصبح صالحه للسير عليها‏,‏ وتكوين تربه تصلح للانبات‏,...,‏ والله اخرج من الارض ماءها سواء مايتفجر من الينابيع‏,‏ او ماينزل من السماء فهو اصلا من مائها الذي تبخر ثم نزل في صوره مطر‏;‏ واخرج من الارض مرعاها‏,‏ وهو النبات الذي ياكله الناس والانعام‏,‏ وتعيش عليه الاحياء مباشره او بالواسطه‏..‏
    وجاء في‏(‏ صفوه البيان لمعاني القران‏):'‏ ودحا الارض بمعني بسطها واوسعها‏,‏ بعد ذكر ذلك الذي ذكره من بناء السماء‏,‏ ورفع سمكها‏,‏ وتسويتها‏,‏ واغطاش ليلها‏,‏ واظهار نهارها‏,‏ وقد بين الله الدحو بقوله‏:(‏ اخرج منها ماءها‏)‏ بتفجير العيون‏,‏ واجراء الانهار والبحار العظام‏.(‏ ومرعاها‏)‏ اي جميع مايقتات به الناس والدواب بقرينه قوله بعد‏:(‏ متاعا لكم ولانعامكم‏)........‏ واخبرنا بعد ذلك بانه هو الذي بسط الارض‏,‏ ومهدها لسكني اهلها ومعيشتهم فيها‏:‏ وقدم الخبر الاول لانه ادل علي القدره الباهره لعظم السماء‏,‏ وانطوائها علي الاعاجيب التي تحار فيها العقول‏.‏ فبعديه الدحو انما هي في الذكر لا في الايجاد‏,‏ وبجعل المشار اليه هو ذكر المذكورات من البناء وما عطف عليها لا انفسها‏,‏ لايكون في الايه دليل علي تاخر الدحو عن خلق السماوات وما فيها‏.....'.‏

    وجاء في‏(‏ صفوه التفاسير‏):(‏ والارض بعد ذلك دحاها‏)‏ اي والارض بعد خلق السماء بسطها ومهدها لسكني اهلها‏(‏ اخرج منها ماءها ومرعاها‏)‏ اي اخرج من الارض عيون الماء المتفجره‏,‏ واجري فيها الانهار‏,‏ وانبت فيها الكلا والمرعي مما ياكله الناس والانعام‏'.‏
    وجاء في‏(‏ المنتخب في تفسير القران الكريم‏):'‏ والارض بعد ذلك بسطها ومهدها لسكني اهلها‏,‏ واخرج منها ماءها بتفجير عيونها‏,‏ واجراء انهارها‏,‏ وانبات نباتها ليقتات به الناس والدواب‏..‏

    وهذا الاستعراض يدل علي ان المفسرين السابقين يجمعون علي ان من معاني دحو الارض هو اخراج الماء والمرعي من داخلها‏,‏ علي هيئه العيون وانبات النبات‏.‏

    دحو الارض في العلوم الكونيه
    اولا‏:‏ اخراج كل ماء الارض من جوفها‏:‏
    كوكب الارض هو اغني كواكب مجموعتنا الشمسيه في المياه‏,‏ ولذلك يطلق عليه اسم‏(‏ الكوكب المائي‏)‏ او‏(‏ الكوكب الازرق‏)‏ وتغطي المياه نحو‏71%‏ من مساحه الارض‏,‏ بينما تشغل اليابسه نحو‏29%‏ فقط من مساحه سطحها‏,‏ وتقدر كميه المياه علي سطح الارض بنحو‏1360‏ مليون كيلومتر مكعب‏(1.36*910);‏ وقد حار العلماء منذ القدم في تفسير كيفيه تجمع هذا الكم الهائل من المياه علي سطح الارض‏,‏ من اين اتي؟ وكيف نشا؟

    وقد وضعت نظريات عديده لتفسير نشاه الغلاف المائي للارض‏,‏ تقترح احداها نشاه ماء الارض في المراحل الاولي من خلق الارض‏,‏ وذلك بتفاعل كل من غازي الايدروجين والاوكسيجين في حالتهما الذريه في الغلاف الغازي المحيط بالارض‏,‏ وتقترح ثانيه ان ماء الارض اصله من جليد المذنبات‏,‏ وتري ثالثه ان كل ماء الارض قد اخرج اصلا من داخل الارض‏.‏والشواهد العديده التي تجمعت لدي العلماء توكد ان كل ماء الارض قد اخرج اصلا من جوفها‏,‏ ولايزال خروجه مستمرا من داخل الارض عبر الثورات البركانيه‏.‏

    ثانيا‏:‏ اخراج الغلاف الغازي للارض من جوفها‏:‏
    بتحليل الابخره المتصاعده من فوهات البراكين في اماكن مختلفه من الارض اتضح ان بخار الماء تصل نسبته الي اكثر من‏70%‏ من مجموع تلك الغازات والابخره البركانيه‏,‏ بينما يتكون الباقي من اخلاط مختلفه من الغازات التي ترتب حسب نسبه كل منها علي النحو التالي‏:‏ ثاني اكسيد الكربون‏,‏ الايدروجين‏,‏ ابخره حمض الايدروكلوريك‏(‏ حمض الكلور‏),‏ النيتروجين‏,‏ فلوريد الايدروجين‏,‏ ثاني اكسيد الكبريت‏,‏ كبريتيد الايدروجين‏,‏ غازات الميثان والامونيا وغيرها‏.‏
    ويصعب تقدير كميه المياه المندفعه علي هيئه بخار الماء الي الغلاف الغازي للارض من فوهات البراكين الثائره‏,‏ علما بان هناك نحو عشرين ثوره بركانيه عارمه في المتوسط تحدث في خلال حياه كل فرد منا‏,‏ ولكن مع التسليم بان الثورات البركانيه في بدء خلق الارض كانت اشد تكرارا وعنفا من معدلاتها الراهنه‏,‏ فان الحسابات التي اجريت بضرب متوسط ماتنتجه الثوره البركانيه الواحده من بخار الماء من فوهه واحده‏,‏ في متوسط مرات ثورانها في عمر البركان‏,‏ في عدد الفوهات والشقوق البركانيه النشيطه والخامده الموجوده اليوم علي سطح الارض اعطت رقما قريبا جدا من الرقم المحسوب بكميه المياه علي سطح الارض‏.‏

    ثالثا‏:‏ الصهاره الصخريه في نطاق الضعف الارضي هي مصدر مياه وغازات الارض‏:‏
    ثبت اخيرا ان المياه تحت سطح الارض توجد علي اعماق تفوق كثيرا جميع التقديرات السابقه‏,‏ كما ثبت ان بعض مياه البحار والمحيطات تتحرك مع رسوبيات قيعانها الزاحفه الي داخل الغلاف الصخري للارض بتحرك تلك القيعان تحت كتل القارات‏,‏ ويتسرب الماء الي داخل الغلاف الصخري للارض‏.‏ عبر شبكه هائله من الصدوع والشقوق التي تمزق ذلك الغلاف في مختلف الاتجاهات‏,‏ وتحيط بالارض احاطه كامله بعمق يتراوح بين‏150,65‏ كيلومترا‏.‏

    ويبدو ان الصهاره الصخريه في نطاق الضعف الارضي هي مصدر رئيسي للمياه الارضيه‏,‏ وتلعب دورا مهما في حركه المياه من داخل الارض الي السطح وبالعكس‏,‏ وذلك لانه لولا امتصاصها للمياه ماانخفضت درجه حراره انصهار الصخور‏,‏ وهي اذا لم تنصهر لتوقفت ديناميكيه الارض‏,‏ بما في ذلك الثورات البركانيه‏,‏ وقد ثبت انها المصدر الرئيسي للغلاف المائي والغازي للارض‏.‏
    وعلي ذلك فقد اصبح من المقبول عند علماء الارض ان النشاط البركاني الذي صاحب تكوين الغلاف الصخري للارض في بدء خلقها هو المسئول عن تكون كل من غلافيها المائي والغازي‏,‏ ولاتزال ثورات البراكين تلعب دورا مهما في اثراء الارض بالمياه‏,‏ وفي تغيير التركيب الكيميائي لغلافها الغازي وهو المقصود بدحو الارض‏.‏

    وذلك نابع من حقيقه ان الماء هو السائل الغالب في الصهارات الصخريه علي الرغم من ان نسبته المئويه الي كتله الصهاره قليله بصفه عامه‏,‏ ولكن نسبه عدد جزيئات الماء الي عدد جزيئات ماده الصهاره تصل الي نحو‏15%,‏ وعندما تتبرد الصهاره الصخريه تبدا مركباتها في التبلور بالتدريج‏,‏ وتتضاغط الغازات الموجوده فيها الي حجم اقل‏,‏ وتتزايد ضغوطها حتي تفجر الغلاف الصخري للارض بقوه تصل الي مائه مليون طن‏,‏ فتشق ذلك الغلاف وتبدا الغازات في التمدد‏,‏ والانفلات من الذوبان في الصهاره الصخريه‏,‏ ويندفع كل من بخار الماء والغازات المصاحبه له والصهاره الصخريه الي خارج فوهه البركان او الشقوق المتصاعده منها‏,‏ مرتفعه الي عده كيلومترات لتصل الي كل اجزاء نطاق التغيرات المناخيه‏(8‏ ‏18‏ كيلومترا فوق مستوي سطح البحر‏),‏ وقد تصل هذه النواتج البركانيه في بعض الثورات البركانيه العنيفه الي نطاق التطبق‏(30‏ ‏80‏ كيلومترا فوق مستوي سطح البحر وغالبيه ماده السحاب الحار الذي تتراوح درجه حرارته بين‏500,250‏ درجه مئويه يعاود الهبوط الي الارض بسرعات تصل الي‏200‏ كيلومتر في الساعه لان كثافته اعلي من كثافه الغلاف الغازي للارض‏.‏
    والماء المتكثف من هذا السحاب البركاني الحار الذي يقطر مطرا من بين ذرات الرماد التي تبقي عالقه بالغلاف الغازي للارض لفترات طويله يجرف معه كميات هائله من الرماد والحصي البركاني مكونا تدفقا للطين البركاني الحار علي سطح الارض في صوره من صور الدحو‏.‏

    ومنذ ايام ثار بركان في احدي جزر الفلبين فغمرت المياه المتكونه اثناء ثورته قريه مجاوره اهله بالسكان بالكامل‏.‏
    وقد يصاحب الثورات البركانيه خروج عدد من الينابيع‏,‏ والنافورات الحاره وهي ثورات دوريه للمياه والابخره شديده الحراره تندفع الي خارج الارض بفعل الطاقه الحراريه العاليه المخزونه في اعماق القشره الارضيه‏.‏

    ويعتقد علماء الارض ان وشاح كوكبنا كان في بدء خلقه منصهرا انصهارا كاملا او جزئيا‏,‏ وكانت هذه الصهاره هي المصدر الرئيسي لبخار الماء وعدد من الغازات التي اندفعت من داخل الارض‏,‏ وقد لعبت هذه الابخره والغازات التي تصاعدت عبر كل من فوهات البراكين وشقوق الارض ولا تزال تلعب دورا مهما في تكوين واثراء كل من الغلافين المائي والغازي للارض وهو المقصود بالدحو‏.‏

    رابعا‏:‏ دوره الماء حول الارض‏:‏
    شاءت اراده الخالق العظيم ان يسكن في الارض هذا القدر الهائل من الماء‏,‏ الذي يكفي جميع متطلبات الحياه علي هذا الكوكب‏,‏ ويحفظ التوازن الحراري علي سطحه‏,‏ كما يقلل من فروق درجه الحراره بين كل من الصيف والشتاء صونا للحياه بمختلف اشكالها ومستوياتها‏.‏
    وهذا القدر الذي يكون الغلاف المائي للارض موزونا بدقه بالغه‏,‏ فلو زاد قليلا لغطي كل سطحها‏,‏ ولو قل قليلا لقصر دون الوفاء بمتطلبات الحياه عليها‏.‏

    ولكي يحفظ ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ هذا الماء من التعفن والفساد‏,‏ حركه في دوره معجزه تعرف باسم دوره المياه الارضيه تحمل في كل سنه‏380,000‏ كيلو متر مكعب من الماء بين الارض وغلافها الغازي‏,‏ ولما كانت نسبه بخار الماء في الغلاف الغازي للارض ثابته‏,‏ فان معدل سقوط الامطار سنويا علي الارض يبقي مساويا لمعدل البخر من علي سطحها‏,‏ وان تباينت اماكن وكميات السقوط في كل منطقه حسب الاراده الالهيه‏,‏ ويبلغ متوسط سقوط الامطار علي الارض اليوم‏85,7‏ سنتيمتر مكعب في السنه‏,‏ ويتراوح بين‏11,45‏ متر مكعب في جزر هاواي وصفر في كثير من صحاري الارض‏.‏ وصدق رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ اذ قال‏:‏ ما من عام بامطر من عام‏.‏
    واذ قال‏:...‏ من قال امطرنا بنوء كذا او نوء كذا فقد كفر‏;‏ ومن قال امطرنا برحمه من الله وفضل فقد امن‏.‏

    وتبخر اشعه الشمس من اسطح البحار والمحيطات‏320,000‏ كيلو متر مكعب من الماء في كل عام واغلب هذا التبخر من المناطق الاستوائيه حيث تصل درجه الحراره في المتوسط الي‏25‏ درجه مئويه‏,‏ بينما تسقط علي البحار والمحيطات سنويا من مياه المطر‏284,000‏ كيلو مترا مكعبا‏,‏ ولما كان منسوب المياه في البحار والمحيطات يبقي ثابتا في زماننا فان الفرق بين كميه البخر من اسطح البحار والمحيطات وكميه ما يسقط عليها من مطر لابد وان يفيض اليها من القارات‏.‏
    وبالفعل فان البخر من اسطح القارات يقدر بستين الف كيلو متر مكعب بينما يسقط عليها سنويا سته وتسعون الفا من الكيلو مترات المكعبه من ماء المطر والفارق بين الرقمين بالايجاب هو نفس الفارق بين كميه البخر وكميه المطر في البحار والمحيطات‏(36,000‏ كيلو متر مكعب‏)‏ فسبحان الذي ضبط دوره المياه حول الارض بهذه الدقه الفائقه‏.‏

    ويتم البخر علي اليابسه من اسطح البحيرات والمستنقعات‏,‏ والبرك‏,‏ والانهار‏,‏ وغيرها من المجاري المائيه‏,‏ ومن اسطح تجمعات الجليد‏,‏ وبطريقه غير مباشره من اسطح المياه تحت سطح الارض‏,‏ ومن عمليات تنفس وعرق الحيوانات‏,‏ ونتح النباتات‏,‏ ومن فوهات البراكين‏.‏
    ولما كان متوسط ارتفاع اليابسه هو‏823‏ مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ ومتوسط عمق المحيطات‏3800‏ مترا تحت مستوي سطح البحر‏,‏ فان ماء المطر الذي يفيض سنويا من اليابسه الي البحار والمحيطات‏(‏ ويقدر بسته وثلاثين الفا من الكيلومترات المكعبه‏)‏ ينحدر مولدا طاقه ميكانيكيه هائله تفتت صخور الارض وتتكون منها الرسوبيات والصخور الرسوبيه بما يتركز فيها من ثروات ارضيه‏,‏ ومكونه التربه الزراعيه اللازمه لانبات الارض‏,‏ ولو انفقت البشريه كل ما تملك من ثروات ماديه ما استطاعت ان تدفع قيمه هذه الطاقه التي سخرها لنا ربنا من اجل تهيئه الارض لكي تكون صالحه للعمران‏...!!!.‏

    خامسا‏:‏ توزيع الماء علي سطح الارض‏:‏
    تقدر كميه المياه علي سطح الارض بنحو‏1360‏ مليون كيلو متر مكعب‏,‏ اغلبها علي هيئه ماء مالح في البحار والمحيطات‏(97,20%),‏ بينما يتجمع الباقي‏(2,8%)‏ علي هيئه الماء العذب باشكاله الثلاثه الصلبه‏,‏ والسائله‏,‏ والغازيه‏;‏ منها‏(2,15%‏ من مجموع مياه الارض‏)‏ علي هيئه سمك هائل من الجليد يغطي المنطقتين القطبيتين الجنوبيه والشماليه بسمك يقترب من الاربعه كيلو مترات‏,‏ كما يغطي جميع القمم الجبليه العاليه‏,‏ والباقي يقدر بنحو‏0.65%‏ فقط من مجموع مياه الارض يختزن اغلبه في صخور القشره الارضيه علي هيئه مياه تحت سطح الارض‏,‏ تليه في الكثره النسبيه مياه البحيرات العذبه‏,‏ ثم رطوبه التربه الارضيه‏,‏ ثم رطوبه الغلاف الغازي للارض‏,‏ ثم المياه الجاريه في الانهار وتفرعاتها‏.‏
    وحينما يرتفع بخار الماء من الارض الي غلافها الغازي فان اغلبه يتكثف في نطاق الرجع‏(‏ نطاق الطقس او نطاق التغيرات المناخيه‏)‏ الذي يمتد من سطح البحر الي ارتفاع يتراوح بين‏16‏ و‏17‏ كيلو مترا فوق خط الاستواء‏,‏ وبين‏6‏ و‏8‏ كيلو مترات فوق القطبين‏,‏ ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجويه‏,‏ فينكمش الي ما هو دون السبعه كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض ويمتد الي نحو الثلاثه عشر كيلو مترا في مناطق الضغط المرتفع‏,‏ وعندما تتحرك كتل الهواء الحار في نطاق الرجع من المناطق الاستوائيه في اتجاه القطبين فانها تضطرب فوق خطوط العرض الوسطي فتزداد سرعه الهواء في اتجاه الشرق متاثرا باتجاه دوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق‏.‏

    ويضم هذا النطاق‏66%‏ من كتله الغلاف الغازي للارض‏,‏ وتتناقص درجه الحراره والضغط فيه باستمرار مع الارتفاع حتي تصل الي نحو‏60‏ درجه مئويه تحت الصفر والي عشر الضغط الجوي العادي عند سطح البحر في قمته المعروفه باسم مستوي الركود الجوي وذلك لتناقص الضغط بشكل ملحوظ عنده‏.‏
    ونظرا لهذا الانخفاض الملحوظ في كل من درجه الحراره والضغط الجوي‏,‏ والي الوفره النسبيه لنوي التكثف في هذا النطاق فان بخار الماء الصاعد من الارض يتمدد تمددا ملحوظا مما يزيد في فقدانه لطاقته‏,‏ وتبرده تبردا شديدا ويساعد علي تكثفه وعودته الي الارض مطرا او بردا او ثلجا‏,‏ وبدرجه اقل علي هيئه ضباب وندي في المناطق القريبه من الارض‏.‏

    سادسا‏:‏ دحو الارض معناه اخراج غلافيها المائي والغازي من جوفها‏:‏
    ثبت ان كل ماء الارض قد اخرجه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من داخل الارض عن طريق الانشطه البركانيه المختلفه المصاحبه لتحرك الواح الغلاف الصخري للارض‏.‏

    كذلك فان ثاني اكثر الغازات اندفاعا من فوهات البراكين هو ثاني اكسيد الكربون‏,‏ وهو لازمه من لوازم عمليه التمثيل الضوئي التي تقوم بتنفيذها النباتات الخضراء مستخدمه هذا الغاز مع الماء وعددا من عناصر الارض لبناء خلايا النبات وانسجته‏,‏ وزهوره‏,‏ وثماره‏,‏ ومن هنا عبر القران الكريم عن اخراج هذا الغاز المهم وغيره من الغازات اللازمه لانبات الارض من باطن الارض تعبيرا مجازيا باخراج المرعي‏,‏ لانه لولا ثاني اكسيد الكربون ما انبتت الارض‏,‏ ولا كستها الخضره‏.‏

    سابعا‏:‏ من معجزات القران الاشاره الي تلك الحقائق العلميه بلغه سهله جزله‏:‏
    علي عاده القران الكريم فانه عبر عن تلك الحقائق الكونيه المتضمنه اخراج كل من الغلافين المائي والغازي للارض من داخل الارض باسلوب لا يفزغ العقليه البدويه في صحراء الجزيره العربيه وقت تنزله‏,‏ فقال‏(‏ عز من قائل‏):‏

    والارض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعاها والعرب في قلب الجزيره العربيه كانوا يرون الارض تتفجر منها عيون الماء‏,‏ ويرون الارض تكسي بالعشب الاخضر بمجرد سقوط المطر‏,‏ ففهموا هذا المعني الصحيح الجميل من هاتين الايتين الكريمتين‏,‏ ثم ناتي نحن اليوم فنري في نفس الايتين رويه جديده مفادها ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يمن علي الارض واهلها وعلي جميع من يحيا علي سطحها انه‏(‏ سبحانه‏)‏ قد هياها لهذا العمران باخراج كل من اغلفتها الصخريه والمائيه والغازيه من جوفها حيث تصل درجات الحراره الي الاف الدرجات المئويه مما يشهد لله الخالق بطلاقه القدره‏,‏ وببديع الصنعه‏,‏ وبكمال العلم‏,‏ وتمام الحكمه‏,‏ كما يشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا الوحي الخاتم بانه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السموات والارض‏,‏ فلم يكن لاحد من الخلق وقت تنزل القران الكريم ولا لقرون متطاوله من بعده المام بحقيقه ان كل ماء الارض‏,‏ وكل هواء الارض قد اخرجه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من داخل الارض‏,‏ وهي حقيقه لم يدركها الانسان الا في العقود المتاخره من القرن العشرين فسبحان منزل القران من قبل اربعه عشر قرنا ووصفه بقوله الكريم‏:‏
    قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والارض انه كان غفورا رحيما‏(‏ الفرقان‏:6)‏

    وصلي الله وسلم وبارك علي رسولنا الامين الذي تلقي هذا الوحي الرباني فبلغ الرساله‏,‏ وادي الامانه‏,‏ ونصح الامه وجاهد في سبيل الله حتي اتاه اليقين‏,‏ والذي وصفه ربنا‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بقوله الكريم‏:‏
    لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكه يشهدون وكفي بالله شهيدا‏(‏ النساء‏:166)‏
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    25 ‏ او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها
    والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب
    الرعد 41

    جاءت هذه الايه الكريمه في خواتيم سوره الرعد‏,‏ وهي السوره الوحيده من سور القران التي تحمل اسم ظاهره من الظواهر الجويه‏,‏ وسوره الرعد توصف بانها سوره مدنيه‏.‏ وان كان الخطاب فيها خطابا مكيا‏,‏ يدور حول اسس العقيده الاسلاميه ومن اولها قضيه الايمان بالوحي المنزل من رب العالمين الي خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه اجمعين‏),‏ والايمان بالحق الذي اشتمل عليه هذا الوحي الرباني‏,‏ ومن ركائزه الايمان بالله‏,‏ وبوحدانيته المطلقه فوق كافه خلقه‏,‏ والايمان بملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ وباليوم الاخر‏,‏ وما يستتبعه من بعث ونشور‏,‏ وعرض اكبر امام الله‏,‏ وحساب وجزاء‏,‏ وما يستوجبه هذا الايمان من خشيه لله وتقواه‏,‏ وحرص علي طلب رضاه بالعمل الصالح لان ذلك كله نابع من الايمان بالوحي‏,‏ وبان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو منزل القران الداعي الي عباده الله بما امر‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وبالقيام بواجبات الاستخلاف في الارض بحسن عمارتها‏,‏ واقامه عدل الله فيها‏.‏
    وتعجب الايات من منكري البعث والحساب والجزاء‏,‏ الدين كفروا بربهم‏,‏ وكذبوا رسله‏,‏ وجحدوا اياته‏,‏ وتعرض لشيء من عذابهم في الاخره‏,‏ وخلودهم في النار‏.‏

    وتستشهد السوره في مواضع كثيره منها بالعديد من الايات والظواهر الكونيه الداله علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه في الخلق والافناء‏,‏ وفي الاماته والاحياء‏,‏ وفي النفع والضر‏,‏ والشاهده علي ان كل ما جاء به القران الكريم حق مطلق‏,‏ وان كان اكثر الناس لا يومنون‏.‏
    ثم تقارن الايات بين اهل النار واهل الجنه‏,‏ وبين اوصاف كل فريق منهم وخصاله واعماله‏,‏ وضربت لهما مثلا بالاعمي والبصير‏,‏ وبينت مصير كل من الفريقين‏,‏ مع تصوير رائع لكل من الجنه والنار‏.‏

    وتستطرد ايات سوره الرعد في الحديث عن عدد من الظواهر الكونيه من مثل حدوث الرعد‏,‏ والبرق‏,‏ والصواعق‏,‏ وتكوين السحاب الثقال‏,‏ وانزال المطر‏,‏ وتدفق الاوديه بمائه حامله من الزبد والخبث الذي لايلبث ان يذهب جفاء‏,‏ وبما ينفع الناس من نفائس المعادن التي لا تلبث ان تمكث في الارض‏,‏ وتشبه الايات الكريمه ذلك بكل من الباطل والحق‏,‏ ولله المثل الاعلي‏.‏
    ثم تعرض السوره لحقيقه غيبيه تتمثل في تسبيح الرعد بحمد الله‏,‏ وتسبيح الملائكه خشيه لجلاله‏,‏ وخيفه من سلطانه‏,‏ وجميع من في السماوات والارض يسجد لله طوعا وكرها‏,‏ حتي ظلالهم فانها تسجد لله بالغدو والاصال‏,‏ اي مع دوران الارض حول محورها امام الشمس‏,‏ فيمد الظل ويقبض في حركه كانها الركوع والسجود‏.‏

    وتنعي الايات علي الكفار استهزاءهم بالرسل السابقين علي بعثه المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وفي الاشاره الي ذلك ضرب من التثبيت لرسول الله‏,‏ والتاكيد له علي ان الابتلاء هو طريق النبوات‏,‏ وطريق اصحاب الرسالات من بدء الخلق الي قيام الدعوه المحمديه والي ان يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الارض ومن عليها‏...!!!‏ وتشير السوره بالقرب من نهايتها الي فرح الصالحين من اهل الكتاب بمقدم الرسول الخاتم‏,‏ في الوقت الذي حاول فيه الكفار والمشركون التشكيك في حقيقه رسالته وتوكد انزال القران حكما عربيا مبينا‏,‏ وتدعو المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الي الحذر من ضغوط الكافرين من اجل اتباع اهوائهم‏.‏ وتوكد انه ما كان لرسول من الرسل ان ياتي بايه الا بااذن الله‏.‏
    ثم تاتي الايه الكريمه التي نحن بصددها ناطقه بحقيقه كونيه يقول عنها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب‏(‏ الرعد‏:41)‏

    ويتكرر معني هذه الايه الكريمه مره اخري في سوره الانبياء والتي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ بل متعنا هولاء واباءهم حتي طال عليهم العمر افلا يرون انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها افهم الغالبون‏.‏
    ‏(‏الانبياء‏:44)‏

    ثم تختتم سوره الرعد بالحديث عن مكر الامم السابقه الذي لم يضر المومنين شيئا لان لله‏(‏ تعالي‏)‏ المكر جميعا‏,‏ وان له‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عقبي الدار‏,‏ كما تتحدث عن انكار الكافرين لبعثه المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وتاتي الايات‏,‏ موكده ان الله تعالي يشهد له بالنبوه والرساله وكذلك كل من عنده علم من رسالات الله السابقه لوجود ذكره‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في الايات التي لم تحرف من بقايا كتبهم‏.‏
    وهنا يبرز التساول المنطقي‏:‏ ما هو معني انقاص الارض من اطرافها في هاتين الايتين الكريمتين؟ وما هو مغزي دلالتها العلميه والمعنويه؟ وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض سريع لشروح المفسرين‏.‏

    شروح المفسرين لمعني انقاص الارض من اطرافها
    في تفسير قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها ذكر ابن كثير قول ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏):‏ او لم يروا انا نفتح لمحمد صلي الله عليه وسلم الارض بعد الارض‏,‏ وقوله في مقام اخر‏:‏ انقاصها من اطرافها هو خرابها بموت علمائها‏,‏ وفقهائها‏,‏ واهل الخير منها وقال ابن كثير‏:‏ والقول الاول اولي‏,‏ وهو ظهور الاسلام علي الشرك قريه بعد قريه‏,‏ كقوله تعالي‏:(‏ ولقد اهلكنا ما حولكم من القري‏)‏ الايه‏,‏ واشار الي ان هذا هو اختيار ابن جرير‏.‏
    كذلك ذكر ابن كثير قول كل من مجاهد وعكرمه‏:‏ انقاص الارض من اطرافها معناه خرابها‏,‏ او هو موت علمائها‏,‏ وقول كل من الحسن والضحاك‏:‏ هو ظهور المسلمين علي المشركين‏,‏ كما قالا‏:‏ هو نقصان الانفس والثمرات‏,‏ وخراب الارض‏,‏ وقول الشعبي‏:‏ لو كانت الارض تنقص لضاق عليك حشك‏(‏ اي بستانك‏),‏ ولكن تنقص الانفس والثمرات‏.‏

    وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏:(‏ او لم يروا‏)‏ اي‏:‏ اهل مكه وغيرها‏(‏ انا ناتي الارض‏)‏ نقصد ارضهم‏,(‏ ننقصها من اطرافها‏)‏ بالفتح علي النبي صلي الله عليه وسلم‏.‏
    اما صاحب الظلال فذكر‏:‏ ان يد الله القويه تاتي الامم الغنيه حين تبطر وتكفر وتفسد فتنقص من قوتها وقدرها وثرائها وتحصرها في رقعه ضيقه من الارض بعد ان كانت ذات امتداد وسلطان‏.‏

    وجاء في‏(‏ صفوه البيان لمعاني القران‏)‏ ما نصه‏:(‏ او لم يروا انا ناتي الارض‏..)‏ اي اانكروا نزول ما وعدناهم‏,‏ او شكوا ولم يروا اننا نفتح ارضهم من جوانبها ونلحقها بدار الاسلام‏!!‏ اولم يروا هلاك من قبلهم وخراب ديارهم كقوم عاد وثمود‏!‏ فكيف يامنون حلول ذلك بهم‏!....‏
    وجاء في صفوه التفاسير ما نصه‏:‏ اي او لم ير هولاء المشركون انا نمكن للمومنين من ديارهم ونفتح للرسول الارض بعد الارض حتي تنقص دار الكفر وتزيد دار الاسلام؟ وذلك من اقوي الادله علي ان الله منجز وعده لرسوله عليه السلام‏.‏

    وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم ما نصه‏:‏ وان امارات العذاب والهزيمه قائمه‏!‏ الم ينظروا الي انا ناتي الارض التي قد استولوا عليها‏,‏ ياخذها منهم المومنون جزءا بعد جزء؟ وبذلك ننقص عليهم الارض من حولهم‏,‏ والله وحده هو الذي يحكم بالنصر او الهزيمه‏,‏ والثواب او العقاب‏,‏ ولا راد لحكمه‏,‏ وحسابه سريع في وقته‏,‏ فلا يحتاج الفصل الي وقت طويل‏,‏ لان عنده علم كل شيء‏,‏ فالبينات قائمه‏.‏ وفي الهامش جاء ذكر ما يلي‏:‏ تتضمن هذه الايه حقائق وصلت اليها البحوث العلميه الاخيره اذ ثبت ان سرعه دوران الارض حول محورها‏,‏ وقوه طردها المركزي يوديان الي تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الارض‏,‏ وكذلك عرف ان سرعه انطلاق جزيئات الغازات المغلفه للكره الارضيه‏,‏ اذا ما جاوزت قوه جاذبيه الارض لها فانها تنطلق الي خارج الكره الارضيه‏,‏ وهذا يحدث بصفه مستمره فتكون الارض في نقص مستمر لاطرافها‏,‏ لا ارض اعداء المومنين‏,‏ وهذا احتمال في التفسير تقبله الايه الكريمه‏.‏

    من الدلالات العلميه لانقاص الارض من اطرافها
    ترد لفظه الارض في القران الكريم بمعني الكوكب ككل‏,‏ كما ترد بمعني اليابسه التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحريه والمحيطيه‏,‏ وان كانت ترد ايضا بمعني التربه التي تغطي صخور اليابسه‏.‏ ولانقاص الارض من اطرافها في اطار كل معني من تلك المعاني عدد من الدلالات العلميه التي نحصي منها ما يلي‏:‏

    اولا‏:‏ في اطار دلاله لفظه الارض علي الكوكب ككل‏:‏
    في هذا الاطار نجد ثلاثه معان علميه بارزه يمكن ايجازها فيما يلي‏:‏
    ‏(‏ا‏)‏ انقاص الارض من اطرافها بمعني انكماشها علي ذاتها وتناقص حجمها باستمرار‏:‏
    يقدر متوسط قطر الارض الحاليه بحوالي‏12742‏ كم‏,‏ ويقدر متوسط محيطها بنحو‏40042‏ كم‏,‏ ويقدر حجمها باكثر من مليون مليون كم‏3.‏ وتفيد الدراسات ان ارضنا مرت بمراحل متعدده من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابه الدخان الكوني التي نتجت عن عمليه الانفجار العظيم اما مباشره او بطريقه غير مباشره عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسيه‏,‏ وبذلك خلقت الارض الابتدائيه التي لم تكن سوي كومه ضخمه من الرماد ذات حجم هائل يقدر بمائه ضعف حجمها الحالي علي الاقل‏,‏ ومكونه من عدد من العناصر الخفيفه‏.‏ ثم ما لبثت تلك الكومه الابتدائيه ان رجمت بوابل من النيازك الحديديه‏,‏ والحديديه الصخريه‏,‏ والصخريه‏,‏ كتلك التي تصل الارض في زماننا‏(‏ والتي تتراوح كمياتها بين الالف والعشره الاف طن سنويا من ماده الشهب والنيازك‏).‏

    وبحكم كثافتها العاليه نسبيا اندفعت النيازك الحديديه الي مركز تلك الكومه الابتدائيه حيث استقرت‏,‏ مولده حراره عاليه ادت الي صهر كومه الرماد التي شكلت الارض الابتدائيه والي تمايزها الي سبع ارضين علي النحو التالي‏:‏
    ‏1‏ لب صلب داخلي‏:‏ عباره عن نواه صلبه من الحديد‏(90%)‏ وبعض النيكل‏(9%)‏ مع قليل من العناصر الخفيفه مثل الكربون والفوسفور‏,‏ والكبريت والسيليكون والاوكسجين‏(1%)‏ وهو قريب من تركيب النيازك الحديديه مع زياده واضحه في نسبه الحديد‏,‏ ويبلغ قطر هذه النواه حاليا ما يقدر بحوالي‏2402‏ كم‏,‏ وتقدر كثافتها بحوالي‏10‏ الي‏13.5‏ جرام‏/‏سم‏3.‏

    ‏2‏ نطاق لب الارض السائل‏(‏ الخارجي‏):‏ وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب‏,‏ وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا ولكنه في حاله انصهار‏,‏ ويقدر سمكه بحوالي‏2275‏ كم‏,‏ ويفصله عن اللب الصلب منطقه انتقاليه شبه منصهره يبلغ سمكها‏450‏ كم تعتبر الجزء الاسفل من هذا النطاق‏,‏ ويكون كل من لب الارض الصلب والسائل حوالي‏31%‏ من كتلتها‏.‏

    ‏3‏ النطاق الاسفل من وشاح الارض‏(‏ الوشاح السفلي‏):‏ وهو نطاق صلب يحيط بلب الارض السائل‏,‏ ويبلغ سمكه نحو‏2215‏ كم‏(‏ من عمق‏670‏ كم الي عمق‏2885‏ كم‏)‏ ويفصله عن الوشاح الاوسط‏(‏ الذي يعلوه‏)‏ مستوي انقطاع للموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل‏.‏

    ‏4‏ النطاق الاوسط من وشاح الارض‏(‏ الوشاح الاوسط‏):‏ وهو نطاق صلب يبلغ سمكه نحو‏270‏ كم‏,‏ ويحده مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه يقع احدهما علي عمق‏670‏ كم ويفصله عن الوشاح الاسفل‏,‏ ويقع الاخر علي عمق‏400‏ كم ويفصله عن الوشاح الاعلي‏.‏

    ‏5‏ النطاق الاعلي من وشاح الارض‏(‏ الوشاح العلوي‏):‏ وهو نطاق لدن‏,‏ شبه منصهر‏,‏ عالي الكثافه واللزوجه‏(‏ نسبه الانصهار فيه في حدود‏1%)‏ يعرف باسم نطاق الضعف الارضي ويمتد بين عمق‏65‏ ‏120‏ كم وعمق‏400‏ كم ويتراوح سمكه بين‏335‏ كم و‏380‏ كم‏,‏ ويعتقد بان وشاح الارض كان كله منصهرا في بدء خلق الارض ثم اخذ في التصلب بالتدريج نتيجه لفقد جزء هائل من حراره الارض‏.‏

    ‏6‏ النطاق السفلي من الغلاف الصخري للارض‏:‏ ويتراوح سمكه بين‏40‏ ‏60‏ كم‏(‏ بين اعماق‏60‏ ‏80‏ كم‏)120‏ كم ويحده من اسفل الحد العلوي لنطاق الضعف الارضي‏,‏ ومن اعلي خط انقطاع الموجات الاهتزازيه المعروف باسم الموهو‏.‏

    ‏7‏ النطاق العلوي من الغلاف الصخري للارض‏(‏ قشره الارض‏):‏
    ويتراوح سمكه بين‏(5‏ ‏8)‏ كم تحت قيعان البحار والمحيطات وبين‏(60‏ ‏80)‏ كم تحت القارات‏,‏ ويتكون اساسا من العناصر الخفيفه مثل السيليكون‏,‏ والصوديوم‏,‏ والبوتاسيوم‏,‏ والكالسيوم‏,‏ والالومنيوم‏,‏ والاوكسجين مع قليل من الحديد‏(5.6%)‏ وبعض العناصر الاخري وهو التركيب الغالب للقشره القاريه التي يغلب عليها الجرانيت والصخور الجرانيتيه‏,‏ اما قشره قيعان البحار والمحيطات فتميل الي تركيب الصخور البازلتيه‏.‏
    وادي هذا التمايز في التركيب الداخلي للارض الي نشوء دورات من تيارات الحمل‏,‏ تندفع من نطاق الضعف الارضي‏(‏ الوشاح الاعلي‏)‏ غالبا‏,‏ ومن وشاح الارض الاوسط احيانا‏,‏ لتمزق الغلاف الصخري للارض الي عدد من الالواح التي شرعت في حركه دائبه حول نطاق الضعف الارضي نشا عنها الثورات البركانيه‏,‏ والهزات الارضيه‏,‏ والحركات البانيه للجبال‏,‏ كما نشا عنها دحو الارض بمعني اخراج كل من غلافيها المائي والغازي من جوفها وتكون كتل القارات‏.‏
    هذا التاريخ يشير الي ان حجم الارض الابتدائيه كان علي الاقل يصل الي مائه ضعف حجم الارض الحاليه والمقدر باكثر قليلا من مليون مليون وثلاثمائه وخمسين كيلومترا مكعبا وان هذا الكوكب قد اخذ منذ اللحظه الاولي لخلقه في الانكماش علي ذاته من كافه اطرافه‏.‏ وكان انكماش الارض علي ذاتها سنه كونيه لازمه للمحافظه علي العلاقه النسبيه بين كتلتي الارض والشمس‏,‏ هذه العلاقه التي تضبط بعد الارض عن الشمس‏,‏ ذلك البعد الذي يحكم كميه الطاقه الواصله الينا‏.‏ ويقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بنحو مائه وخمسين مليونا من الكيلومترات‏,‏ ولما كانت كميه الطاقه التي تصل من الشمس الي كل كوكب من كواكب مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس‏,‏ وكذلك تتناسب سرعه جريه في مداره حولها‏,‏ بينما يتناسب طول سنه الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها‏(‏ وسنه الكوكب هي المده التي يستغرقها في اتمام دوره كامله حول الشمس‏),‏ اتضحت لنا الحكمه من استمراريه تناقص الارض وانكماشها علي ذاتها اي تناقصها من اطرافها‏.‏ ولو زادت الطاقه التي تصلنا من الشمس عن القدر الذي يصلنا اليوم قليلا لاحرقتنا‏,‏ واحرقت كل حي علي الارض‏,‏ ولبخرت الماء‏,‏ وخلخلت الهواء‏,
    ‏ ولو قلت قليلا لتجمد كل حي علي الارض ولقضي علي الحياه الارضيه بالكامل‏.‏
    ومن الثابت علميا ان الشمس تفقد من كتلتها في كل ثانيه نحو خمسه ملايين من الاطنان علي هيئه طاقه ناتجه من تحول غاز الايدروجين بالاندماج النووي الي غاز الهيليوم‏.‏ وللمحافظه علي المسافه الفاصله بين الارض والشمس لابد وان تفقد الارض من كتلتها وزنا متناسبا تماما مع ما تفقده الشمس من كتلتها‏,‏ ويخرج ذلك عن طريق كل من فوهات البراكين وصدوع الارض علي هيئه الغازات والابخره وهباءات متناهيه الضاله من المواد الصلبه التي يعود بعضها الي الارض‏,‏ ويتمكن البعض الاخر من الافلات من جاذبيه الارض والانطلاق الي صفحه السماء الدنيا‏,‏ وبذلك الفقدان المستمر من كتله الارض فانها تنكمش علي ذاتها‏,‏ وتنقص من كافه اطرافها‏,‏ وتحتفظ بالمسافه الفاصله بينها وبين الشمس‏.‏ ولولا ذلك لانطلقت الارض من عقال جاذبيه الشمس لتضيع في صفحه الكون وتهلك ويهلك كل من عليها‏,‏ او لانجذبت الي قلب الشمس حيث الحراره في حدود‏15‏ مليون درجه مئويه فتنصهر وينصهر كل ما بها ومن عليها‏.‏

    ومن حكمه الله البالغه ان كميه الشهب والنيازك التي تصل الارض يوميا تلعب دورا هاما في ضبط العلاقه بين كتلتي الارض والشمس اذا زادت كميه الماده المنفلته من عقال جاذبيه الارض‏.‏

    ‏(‏ب‏)‏ انقاص الارض من اطرافها بمعني تفلطحها قليلا عند القطبين‏,‏ وانبعاجها قليلا عند خط الاستواء‏:‏
    في زمن الخليفه المامون قيست المسافه المقابله لكل درجه من درجات خطوط الطول في كل من تهامه والعراق‏,‏ واستنتج من ذلك حقيقه ان الارض ليست كامله الاستداره‏,‏ وقد سبق العلماء المسلمون الغرب في ذلك بثمانيه قرون علي الاقل لان الغربيين لم يشرعوا في قياس ابعاد الارض الا في القرن السابع عشر الميلادي‏,‏ حين اثبت نيوتن نقص تكور الارض وعلله بان ماده الارض لاتتاثر بالجاذبيه نحو مركزها فحسب‏,‏ ولكنها تتاثر كذلك بالقوه الطارده‏(‏ النابذه‏)‏ المركزيه الناشئه عن دوران الارض حول محورها‏,‏ وقد نتج عن ذلك انبعاج بطئ في الارض ولكنه مستمر عند خط الاستواء حيث تزداد القوه الطارده المركزيه الي ذروتها‏,‏ وتقل قوه الجاذبيه الي المركز الي ادني قدر لها‏,‏ ويقابل ذلك الانبعاج الاستوائي تفلطح‏(‏ انبساط‏)‏ قطبي غير متكافئ عند قطبي الارض حيث تزداد قوتها الجاذبه‏,‏ وتتناقص قيمه القوه الطارده المركزيه‏,‏ والمنطقه القطبيه الشماليه اكثر تفلطحا من المنطقه القطبيه الجنوبيه‏.‏ ويقدر متوسط قطر الارض الاستوائي بنحو‏12756.3‏ كم‏,‏ ونصف قطرها القطبي بنحو‏12713.6‏ كم وبذلك يصبح الفارق بين القطرين نحو‏42.7‏ كم‏,‏ ويمثل هذا التفلطح نحو‏33.%‏ من نصف قطر الارض‏,‏ مما يدل علي انها عمليه بطيئه جدا تقدر بنحو‏1‏ سم تقريبا كل الف سنه‏,‏ ولكنها عمليه مستمره منذ بدء خلق الارض‏,‏ وهي احدي عمليات انقاص الارض من اطرافها‏.‏

    ‏(‏ج‏)‏ انقاص الارض من اطرافها بمعني اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها وذلك بفعل تحرك الواح الغلاف الصخري للارض‏:‏
    يمزق الغلاف الصخري للارض بواسطه شبكه هائله من الصدوع العميقه التي تحيط بالارض احاطه كامله‏,‏ وتمتد لعشرات الالاف من الكيلومترات في الطول‏,‏ وتتراوح اعماقها بين‏65‏ كم و‏120‏كم‏,‏ وتفصل هذه الشبكه من الصدوع الغلاف الصخري للارض الي‏12‏ لوحا رئيسيا وعدد من الالواح الصغيره نسبيا‏,‏ ومع دوران الارض حول محورها تنزلق الواح الغلاف الصخري للارض فوق نطاق الضعف الارضي متباعده عن بعضها البعض‏,‏ او مصطدمه مع بعضها البعض‏,‏ ويعين علي هذه الحركه اندفاع الصهاره الصخريه عبر مستويات الصدوع خاصه عبر تلك المستويات التصدعيه التي تشكل محاور حواف اواسط المحيطات فتودي الي اتساع قيعان البحار والمحيطات وتجدد صخورها‏,‏ وذلك لان الصهاره الصخريه المتدفقه بملايين الاطنان عبر مستويات صدوع اواسط المحيطات تودي الي دفع جانبي قاع المحيط يمنه ويسره لعده سنتيمترات في السنه الواحده‏,‏ وتودي الي ملء المسافات الناتجه بالطفوحات البركانيه المتدفقه والتي تبرد وتتطلب علي هيئه اشرطه متوازيه تتقادم في العمر‏.‏ في اتجاه حركه التوسع‏,‏ وينتج عن هذا التوسع اندفاع صخور قاع المحيط يمنه ويسره‏,‏ في اتجاهي التوسع ليهبط تحت كتل القارات المحيطه في الجانبين بنفس معدل التوسع‏(‏ اي بنصفه في كل اتجاه‏),‏ وتستهلك صخور قاع المحيط الهابطه تحت القارتين المحيطتين بالانصهار في نطاق الضعف الارضي‏.‏

    وكما يصطدم قاع المحيط بكتل القارتين او القارات المحيطه بحوض المحيط او البحر‏,‏ فان العمليه التصادميه قد تتكرر بين كتل قاع المحيط الواحد فتكون الجزر البركانيه وينقص قاع المحيط‏,‏ وكما تحدث عمليه التباعد في اواسط القاره فتودي الي فصلها الي كتلتين قاريتين مفصولتين ببحر طولي مثل البحر الاحمر يظل يتسع حتي يتحول الي محيط في المستقبل البعيد وفي كل الحالات تستهلك صخور الغلاف الصخري للارض عند خطوط التصادم‏,‏ وتتجدد عند خطوط التباعد‏,‏ وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها‏.‏ وتتخذ الواح الغلاف الصخري للارض في العاده اشكالا رباعيه يحدها من جهه خطوط انفصام وتباعد‏,‏ يقابلها في الجهه الاخري خطوط تصادم‏,‏ وفي الجانبين الاخرين حدود انزلاق‏,‏ تتحرك عبرها الواح الغلاف الصخري منزلقه بحريه عن بعضها البعض‏.‏
    وتحرك الواح الغلاف الصخري للارض يودي باستمرار الي استهلاك صخور قيعان كل محيطات الارض‏,‏ واحلالها بصخور جديده‏,‏ وعلي ذلك فان محاور المحيطات تشغلها صخور بركانيه ورسوبيه جديده قد لا يتجاوز عمرها اللحظه الواحده‏,‏ بينما تندفع الصخور القديمه‏(‏ التي قد يتجاوز عمرها المائتي مليون سنه‏)‏ عند حدود تصادم قاع المحيط مع القارات المحيطه به‏,‏ والصخور الاقدم عمرا من ذلك تكون هبطت تحت كتل القارات وهضمت في نطاق الضعف الارضي وتحولت الي صهاره‏,‏ وهي صوره رائعه من صور انقاص الارض من اطرافها‏.‏
    ويبدو ان هذه العمليات الارضيه المتعدده كانت في بدء خلق الارض اشد عنفا من معدلاتها الحاليه لشده حراره جوف الارض بدرجات تفوق درجاتها الحاليه وذلك بسبب الكم الهائل من الحراره المتبقيه عن الاصل الذي انفصلت منه الارض‏,‏ والكم الهائل من العناصر المشعه الاخذه في التناقص باستمرار بتحللها الذاتي منذ بدء تجمد ماده الارض‏.‏

    ثانيا‏:‏ في اطار دلاله لفظ الارض علي اليابسه التي نحيا عليها‏:‏
    في هذا الاطار نجد معنيين علميين واضحين نوجزهما فيما يلي‏:‏
    ‏(‏ا‏)‏ انقاص الارض من اطرافها بمعني اخذ عوامل التعريه المختلفه من المرتفعات والقاء نواتج التعريه في المنخفضات من سطح الارض حتي تتم تسويه سطحها‏:‏
    فسطح الارض ليس تام الاستواء وذلك بسبب اختلاف كثافه الصخور المكونه للغلاف الصخري للارض‏,‏ وكما حدث انبعاج في سطح الارض عند خط الاستواء‏,‏ فان هناك نتوءات عديده في سطح الارض حيث تتكون قشره الارض من صخور خفيفه‏,‏ وذلك من مثل كتل القارات والمرتفعات البارزه علي سطحها‏,‏ وهناك ايضا انخفاضات مقابله لتلك النتوءات حيث تتكون قشره الارض من صخور عاليه الكثافه نسبيا وذلك من مثل قيعان المحيطات والاحواض المنخفضه علي سطح الارض‏.‏

    ويبلغ ارتفاع اعلي قمه علي سطح الارض وهي قمه جبل افريست في سلسله جبال الهيمالايا‏8840‏ مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ ويقدر منسوب الخفض نقطه علي اليابسه وهي حوض البحر الميت‏395‏ مترا تحت مستوي سطح البحر‏,‏ ويبلغ منسوب اكثر اغوار الارض عمقا حوالي‏10,800‏ مترا وهو غور ماريانوس في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين‏,‏ والفارق بينهما اقل من عشرين كيلو مترا‏(1960‏ مترا‏),‏ وهو فارق ضئيل اذا قورن بنصف قطر الارض‏.‏
    ويبلغ متوسط ارتفاع سطح الارض حوالي‏840‏ مترا فوق مستوي سطح البحر ومتوسط اعماق المحيطات حوالي اربعه كيلو مترات تحت مستوي سطح البحر‏(3729‏ مترا الي‏4500‏ متر تحت مستوي سطح البحر‏)‏

    وهذا الفارق البسيط هو الذي اعان عوامل التعريه المختلفه علي بري صخور المرتفعات والقائها في منخفضات الارض في محاوله متكرره لتسويه سطحها‏,‏ وهي سنه دائبه من سنن الله في الارض‏,‏ فاذا بدانا بمنطقه مرتفعه ولكنها مستويه يغشاها مناخ رطب‏,‏ فان مياه الامطار سوف تتجمع في منخفضات المنطقه علي هيئه عدد من البحيرات والبرك‏.‏حتي يتكون نظام صرف مائي جيد‏,‏ وعندما تجري الانهار فانها تنحر مجاريها في صخور المنطقه حتي تقترب من المستوي الادني للتحات فتسحب كل مياه البحيرات والبرك التي تمر بها‏,‏ وكلما زاد النحر الي اسفل نزايدات التضاريس تشكلا وبروزا‏,‏ وعندما تصل بعض المجاري المائيه الي المستوي الادني للتحات فانها تبدا في النحر الجانبي لمجاريها بدلا من النحر الراسي فيتم بذلك التسويه الكامله لتضاريس المنطقه علي هيئه سهول مستويه‏(‏ او سهوب‏)‏ تتعرج فيها الانهار‏,‏ وتتسع مجاريها‏,‏ وتضعف سرعات جريها‏.‏ وقدراتها علي النحر‏,‏ وبعد الوصول الي هذا المستوي او الاقتراب منه يتكرر رفع المنطقه وتعود الدوره الي صورتها الاولي‏,‏ وتعتبر هذه الدوره‏(‏ التي تعرف باسم دوره التسهيب‏)‏ صوره من صور انقاص الارض من اطرافها‏,‏ وينخفض منسوب قاره امريكا الشماليه بهذه العمليه بمعدل يصل الي‏0,03‏ مم في السنه حتي يغمرها البحر ان شاء الله‏.‏

    ‏(‏ب‏)‏ انقاص الارض من اطرافها بمعني طغيان مياه البحار والمحيطات علي اليابسه وانقاصها من اطرافها‏:‏
    من الثابت علميا ان الارض قد بدات منذ القدم بمحيط غامر‏,‏ ثم بتحرك الواح الغلاف الصخري الابتدائي للارض وبدات جزر بركانيه عديده في التكون في قلب هذا المحيط الغامر‏,‏ وبتصادم تلك الجزر تكونت القاره الام التي تفتت بعد ذلك الي العدد الراهن من القارات‏,‏ وتبادل الادوار بين اليابسه والماء هو سنه ارضيه تعرف باسم دوره التبادل بين المحيطات والقارات
    وتحول اجزاء من اليابسه الي بحار والتي من نماذجها المعاصره كل من البحر الاحمر‏,‏ وخليج كاليفورنيا‏,‏ هو صوره من صور انقاص الارض من اطرافها‏,‏ ليس هذا فقط بل ان من الثابت علميا ان غالبيه الماء العذب علي اليابسه محجوز علي هيئه تتابعات هائله من الجليد فوق قطبي الارض‏,‏ وفي قمم الجبال‏,‏ يصل سمكها في القطب الجنوبي الي اربعه كيلو مترات‏,‏ ويقترب من هذا السمك قليلا في القطب الشمالي‏(3800‏ متر‏),‏ وانصهار هذا السمك الهائل من الجليد سوف يودي الي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات لاكثر من مائه متر‏,‏ وقد بدات بوادر هذا الانصهار‏,‏ واذا تم ذلك فانه سوف يغرق اغلب مساحات اليابسه ذات التضاريس المنبسطه حول البحار والمحيطات وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها‏,‏ وفي ظل التلوث البيئي الذي يعم الارض اليوم‏,‏ والذي يودي الي رفع درجه حراره نطاق المناخ المحيط بالارض باستمرار بات انصهار هذا السمك الهائل من الجليد امرا محتملا‏,‏ وقد حدث ذلك مرات عديده في تاريخ الارض الطويل الذي تردد بين دورات يزحف فيها الجليد من احد قطبي الارض او منهما معا في اتجاه خط الاستواء‏,‏ وفترات ينصهر فيها الجليد فيودي الي رفع منسوب المياه في البحار

    والمحيطات وفي كلتا الحالتين تتعرض حواف القارات للتعريه بواسطه مياه البحار والمحيطات فتودي الي انقاص الارض‏(‏ اي اليابسه‏)‏ من اطرافها‏,‏ وذلك لان مياه كل من البحار والمحيطات دائمه الحركه بفعل دوران الارض حول محورها‏,‏ وباختلاف كل من درجات الحراره والضغط الجوي‏,‏ ونسب الملوحه من منطقه الي اخري‏,‏ وتودي حركه المياه في البحار والمحيطات‏(‏ من مثل التيارات االمائيه‏,‏ وعمليات المد والجزر‏,‏ والامواج السطحيه والعميقه‏)‏ الي ظاهره التاكل‏(‏ التحات‏)‏ البحري وهو الفعل الهدمي لصخور الشواطيء وهو من عوامل انقاص الارض‏(‏ اليابسه‏)‏ من اطرافها‏.‏

    ثالثا‏:‏ في اطار دلاله لفظ الارض علي التربه التي تغطي صخور اليابسه‏:‏
    ‏(‏ا‏)‏ انقاص الارض من اطرافها بمعني التصحر‏:‏
    اي زحف الصحراء علي المناطق الخضراء وانحسار التربه الصالحه للزراعه في ظل افساد الانسان للبيئه علي سطح الارض بدا زحف الصحاري علي مساحات كبيره من الارض الخضراء‏,‏ وذلك بالرعي الجائر‏,‏ واقتلاع الاشجار‏,‏ وتحويل الاراضي الزراعيه الي اراض للبناء‏,‏ وندره المياه نتيجه لموجات الجفاف والجور علي مخزون المياه تحت سطح الارض‏,‏ وتملح التربه‏,‏ وتعريتها بمعدلات سريعه تفوق بكثير محاولات استصلاح بعض الاراضي الصحراويه‏,‏ اضف الي ذلك التلوث البيئي‏,‏ والخلل الاقتصادي في الاسواق المحليه والعالميه‏,‏ وتذبذب اسعار كل من الطاقه والالات والمحاصيل الزراعيه مما يجعل العالم يواجه ازمه حقيقيه تتمثل في انكماش المساحات المزروعه سنويا بمعدلات كبيره خاصه في المناطق القاريه وشبه القاريه نتيجه لزحف الصحاري عليها‏,‏ ويمثل ذلك صوره من صور خراب الارض بانقاصها من اطرافها‏.‏

    هذه المعاني السته‏(‏ منفرده او مجتمعه‏)‏ تعطي بعدا علميا رائعا لمعني انقاص الارض من اطرافها‏,‏ ولا يتعارض ذلك ابدا مع الدلاله المعنويه للتعبير‏,‏ بمعني خراب الارض الذي استنتجه المفسرون‏,‏ بل يكمله ويجليه‏.‏ وعلي عاده القران الكريم تاتي الاشاره الكونيه بمضمون معنوي محدد‏,‏ ولكن بصياغه علميه معجزه‏,‏ تبلغ من الشمول والكمال والدقه ما لم يبلغه علم الانسان‏,‏ فسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه هذه الاشاره العلميه الدقيقه الي حقيقه انقاص الارض من اطرافها‏,‏ وهي حقيقه لم يدرك الانسان شيئا من دلالاتها العلميه الا منذ عقود قليله‏,‏ وقد يري فيها القادمون فوق ما نراه نحن اليوم‏,‏ ليظل القران الكريم مهيمنا علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها‏,‏ وتظل اياته الكونيه شاهده باستمرار علي انه كلام الله الخالق‏,‏ وشاهده للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بانه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والارض‏.‏
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    ‏(27)‏ والبحـــر المســـــجور





    ضمن قسم بخمس من آيات الله في الخلق علي حتمية وقوع العذاب بالمكذبين بالدين الخاتم‏,‏ وعلي أنه لا دافع أبدا لهذا العذاب عنهم‏.‏ جاء هذا القسم القرآني العجيب في مطلع سورة الطور‏,‏ وسورة الطور مكية‏,‏ شأنها شأن كل السور التي أنزلت بمكة المكرمة‏,‏ تدور محاورها الأساسية حول قضية العقيدة بأبعادها المختلفة من الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد‏,‏ وبملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ وبالبعث والجزاء‏,‏ وبالخلود في الآخرة‏,‏ إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏.‏
    وتبدأ السورة بعد هذا القسم بمشهد من مشاهد الآخرة فيه استعراض لحال المكذبين برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وهم يدفعون من ظهورهم إلي نار جهنم دفعا‏,‏ وقد كانوا من المكذبين بها‏!!‏

    ثم تنتقل الآيات إلي استعراض حال المتقين وهم يرفلون في جنات النعيم ثوابا لهم علي الإيمان بالله‏,‏ والخوف من عذابه‏!!‏
    وتنتهي السورة بخطاب إلي النبي الخاتم‏,‏ والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يحثه علي المضي في دعوته إلي عبادة الله الخالق وحده‏(‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏)‏ مهما صادفه في ذلك من مصاعب في مواجهة الكم الهائل من مؤامرات المتآمرين‏,‏ وكيد المكذبين وعنتهم‏,‏ الذين يتهددهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بما سوف يلقونه من صنوف العذاب يوم القيامة‏,‏ بل بعذاب قبل ذلك في الحياة الدنيا‏,‏ ويأتي مسك الختام بمواساة وتعضيد لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في صورة تكريم لم يسبق لنبي من الأنبياء‏,‏ ولا لرسول من الرسل أن نال من الله‏(‏ تعالي‏)‏ تكريما مثله‏,‏ وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ موجها الخطاب إليه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏

    واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم‏*‏ ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم‏*(‏ الطور‏:49,48).‏
    والآيات الست التي سبق بها القسم في مطلع سورة الطور هي علي التوالي‏:‏ الطور وهو الجبل المكسو بالأشجار‏,‏ والجبل غير المكسو بالخضرة لا يقال له طور‏,‏ إنما يقال له جبل إذا كان شاهق الارتفاع بالنسبة للتضاريس حوله‏,‏ ويسمي تلا إذا كان دون ذلك‏,‏ وتليه الأكمة أو الربوة أو النتوء الأرضي‏,‏ ويليه النجد أو الهضبة‏,‏ ويليه السهل‏,‏ من تضاريس الأرض‏,‏ والمقصود في القسم القرآني هنا ـ علي الأرجح ـ طور سيناء‏,‏ الذي كلم الله‏(‏ تعالي‏)‏ عنده موسي‏(‏ عليه السلام‏),‏ والذي نزلت عليه الألواح‏,‏ وأقسم الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بطور سيناء هذا تكريما له‏,‏ وتذكيرا للناس بما فيه من الآيات‏,‏ والأنوار‏,‏ والتجليات‏,‏ والفيوضات الإلهية‏,‏ مما جعله بقعة مشرفة من بقاع الأرض لاختياره بإرادة الله‏(‏ تعالي‏),‏ وتجليه له‏.‏

    والآية الثانية التي جاء بها القسم هي وكتاب مسطور‏,‏ وقيل فيه إنه اللوح المحفوظ‏,‏ وقيل إنه القرآن الكريم الذي ختم الله‏(‏ سبحانه‏)‏ به وحي السماء‏,‏ وقيل هو التوراة التي تلقاها نبي الله موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ في الألواح التي أنزلت علي جبل الطور‏,‏ وقيل هو إشارة إلي جميع الكتب التي أنزلها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي فترة من الرسل بلغ عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر كما أخبرنا المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ لأن أصلها واحد‏,‏ ورسالتها واحدة‏,‏ كما قيل إنها صحائف أعمال العباد‏.‏
    والقسم الثالث جاء بـ الرق المنشور والرق هو جلد رقيق يكتب فيه‏,‏ وقد يشير إلي الورق الذي يكتب عليه وإلي الألواح التي ينقش فيها‏,‏ لأن الرق هو كل ما يكتب فيه‏,‏ والمنشور أي المبسوط غير المطوي‏,‏ وغير المختوم عليه‏,‏ بمعني أنه مفتوح أمام الجميع‏,‏ يستطيعون قراءته أو الاستماع إليه بغير حجر أو منع‏,‏ فالقرآن الكريم يقرأه الخلق جميعهم‏,‏ ويستمعون إليه بغير قيود أو حدود من أي نوع‏,‏ وهكذا كانت الكتب السماوية التي سبقته بالنزول قبل ضياعها أو تحريفها‏,‏وفي النشر إشارة إلي سلامة الكتب السماوية من كل نقص وعيب‏.‏

    وجاء القسم الرابع بصياغة والبيت المعمور وهو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة‏(‏ أي مقابلتها إلي أعلي علي استقامتها‏),‏ وهو أيضا حيال العرش إلي أسفل منه وعلي استقامته‏,‏ تعمره الملائكة‏,‏ يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا منهم ثم لا يعودون إليه كما روي ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏),‏ عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وهو لأهل السماء كالكعبة المشرفة لأهل الأرض‏,‏ ويروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أنه قال يوما لأصحابه‏:‏ هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏,‏ قال‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها‏,‏ يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم‏.‏
    ويروي عنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وصفا مشابها للبيت المعمور في حديث الإسراء والمعراج‏,‏ كما جاء في الصحيحين‏.‏

    وجاء القسم الخامس بصياغة والسقف المرفوع وفيه قيل هو السماء القائمة بغير عمد مرئية‏,‏ كما جاء علي لسان الإمام علي‏(‏ كرم الله تعالي وجهه‏)‏ ووافقه علي ذلك كثير من المفسرين‏,‏ وإن قال الربيع بن أنس إنه العرش الذي هو سقف لجميع المخلوقات‏.‏
    أما البحر المسجور فقد تعددت آراء المفسرين فيه‏,‏ كما سنري في الأسطر القليلة التالية‏,‏ ولكن قبل التعرض لذلك لابد لنا من استعراض الدلالة اللغوية للفظي البحر والمسجور‏.‏

    المدلول اللغوي للبحر المسجور
    ‏(‏البحر‏)‏ في اللغة ضد البر‏,‏ وقيل إنه سمي بهذا الاسم لعمقه واتساعه‏,‏ والجمع‏(‏ أبحر‏)‏ و‏(‏بحار‏)‏ و‏(‏بحور‏),‏ وكل نهر عظيم يسمي بحرا‏,‏ لأن أصل البحر هو كل مكان واسع جامع للماء الكثير‏,‏ وإن كانت لفظة‏(‏ البحر‏)‏ تطلق في الأصل علي الماء المالح دون العذب‏,‏ كذلك سمت العرب كل متوسع في شيء‏(‏ بحرا‏)‏ حتي قالوا‏:‏ للمتوسع في علمه‏(‏ بحرا‏),‏ وللتوسع في العلم‏(‏ تبحر‏),‏ وقالوا‏:‏ فرس‏(‏ بحر‏)‏ أي واسع الخطي‏,‏ سريع الجري‏,‏ وقيل‏:‏ ماء بحر‏,‏ أي ملح‏(‏ مالح‏),‏ و‏(‏أبحر‏)‏ الماء أي ملح‏,‏ و‏(‏أبحر‏)‏ الرجل أي ركب البحر‏,‏ و‏(‏بحر‏)‏ أذن الناقة أي شقها شقا واسعا فشبهها بسعة البحر علي وجه المجاز والمبالغة‏,‏ ومنها سميت البحيرة وهي الناقة إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها‏,‏ وتطلق‏,‏ فلا تركب ولا يحمل عليها‏,‏ والبحيرة ابنة السائبة وحكمها حكم أمها عند العرب في الجاهلية‏.‏
    أما وصف البحر بصفة‏(‏ المسجور‏)‏ فالصفة مستمدة من الفعل‏(‏ سجر‏)‏ و‏(‏السجر‏)‏ تهييج النار‏,‏ يقال‏(‏ سجر‏)‏ التنور أي أوقد عليه حتي أحماه‏,‏ و‏(‏السجور‏)‏ هو ما يسجر به التنور من أنواع الوقود‏,‏ كما يقال‏(‏ سجر‏)‏ الماء النهر أي ملأه‏,‏ ومنه‏(‏ البحر المسجور‏)‏ أي المملوء بالماء‏,‏ المكفوف عن اليابسة‏,‏ و‏(‏الساجور‏)‏ خشبة تجعل في عنق الكلب فيقال له كلب‏(‏ مسوجر‏)‏ أي محكوم‏,‏ والمسوجر المغلق المحكم الإغلاق من كل شيء‏.‏

    شروح المفسرين
    في تفسير القسم القرآني بالبحر المسجور أشار ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ إلي قول الربيع بن أنس أنه‏:‏ هو الماء الذي تحت العرش الذي ينزل الله منه المطر الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها‏,‏ أي أنه بحر من ماء خاص محبوس عند رب العالمين‏,‏ ينزله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ يوم البعث فينبت كل مخلوق بواسطة هذا الماء من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من حبتها علي ما روي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من قول‏.‏
    وأضاف بن كثير و‏[‏قال الجمهور هو هذا البحر‏,‏ واختلف في معني المسجور فقال بعضهم المراد أنه يوقد يوم القيامة نارا كقوله تعالي‏:‏ وإذا البحار سجرت أي أضرمت فتصير نارا تتأجج محيطة بأهل الموقف كما روي عن علي وابن عباس‏,‏ وقال العلاء بن بدر‏:‏ إنما سمي البحر المسجور لأنه لا يشرب منه ماء‏,‏ ولا يسقي به زرع‏,‏ وكذلك البحار يوم القيامة‏].‏

    ‏[‏وعن سعيد بن جبير‏:‏ والبحر المسجور يعني المرسل‏,‏ وقال قتادة‏:‏ المسجور المملوء‏,‏ واختاره ابن جرير‏,‏ وقيل‏:‏ المراد بالمسجور الممنوع المكفوف عن الأرض لئلا يغمرها فيغرق أهلها‏,‏ قاله ابن عباس وبه يقول السدي وغيره‏,‏ وعليه يدل الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب‏,‏ عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏ ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينفضح عليهم فيكفه الله عز وجل‏].‏
    وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ رحمهما الله‏)‏ في شرح دلالة القسم القرآني‏(‏ والبحر المسجور‏)‏ أي المملوء وذكرا أنه قول قتادة‏.‏ وقالا قال مجاهد الموقد أي الذي سيسجر يوم القيامة لقوله تعالي‏:‏ وإذا البحار سجرت‏.‏

    وقال صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏)‏ كلاما مشابها يشير إلي أن البحر المسجور هو المملوء بالماء في الدنيا‏,‏ أو المتقد بالنار في الآخرة‏,‏ أو أن هذا التعبير يسير إلي خلق آخر كالبيت المعمور يعلمه الله‏.‏
    وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ غفر الله له‏)‏ في تفسير قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)(‏ والبحر المسجور‏)‏ ما نصه‏:‏

    أي المملوء ماء يقال‏:‏ سجر النهر‏,‏ ملأه‏,‏ وهو البحر المحيط‏,‏ والمراد الجنس‏,‏ وقيل الموقد نارا عند قيام الساعة‏,‏ كما قال تعالي‏:‏ وإذا البحار سجرت‏,‏ أي أوقدت نارا‏,‏ من سجر التنور يسجره سجرا‏,‏ أحماه‏,‏ وصف البحر بذلك إعلاما بأن البحار عند فناء الدنيا تحمي بنار من تحتها فتتبخر مياهها‏,‏ وتندلع النار في تجاويفها وتصير كلها حمما‏.‏
    وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏:‏ إن البحر المسجور هو المملوء‏,‏ وذكر صاحب صفوة التفاسير‏(‏ بارك الله في عمره‏)‏ أنه الموقد نارا يوم القيامة لقوله وإذا البحار سجرت أي أضرمت حتي تصير نارا ملتهبة تتأجج وتحيط بأهل الموقف‏.‏

    البحر المسجور
    في منظور العلوم الحديثة
    من المعاني اللغوية للبحر المسجور هو المملوء بالماء‏,‏ والمكفوف عن اليابسة‏,‏ وهو معني صحيح من الناحية العلمية صحة كاملة كما أثبتته الدراسات العلمية في القرن العشرين‏,‏ ومن المعاني اللغوية لهذا القسم القرآني المبهر أيضا أن البحر قد أوقد عليه حتي حمي قاعه فأصبح مسجورا‏,‏ وهو كذلك من الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبدا‏,‏ وهذا ما نفصله في الأسطر التالية‏:‏

    أولا‏:(‏ البحر المسجور‏)‏ بمعني المملوء بالماء والمكفوف عن اليابسة‏:‏
    الأرض هي أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء الذي تقدر كميته بحوالي‏1360‏ إلي‏1385‏ مليون مليون كيلو متر مكعب‏,‏ وهذا الماء قد أخرجه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ كله من داخل الأرض علي هيئة بخار ماء اندفع من فوهات البراكين‏,‏ وعبر صدوع الأرض العميقة ليصادف الطبقات العليا الباردة من نطاق التغيرات الجوية والذي يمتد من سطح البحر إلي ارتفاع حوالي ستة عشر كيلو مترا فوق خط الأستواء‏,‏ وحوالي العشرة كيلو مترات فوق قطبي الأرض‏,‏ وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع الإرتفاع حتي تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته‏.‏ وهذا النطاق يحوي حوالي ثلثي كتلة الغلاف الغازي للأرض‏(66%)‏ والمقدرة بأكثر قليلا من خمسة آلاف مليون مليون طن‏,‏ وهو النطاق الذي يتكثف فيه بخار الماء الصاعد من الأرض‏,‏ والذي تتكون فيه السحب‏,‏ وينزل منه كل من المطر‏,‏ والبرد‏,‏ والثلج‏,‏ وتتم فيه ظواهر الرعد والبرق‏,‏ وتتكون العواصف والدوامات الهوائية وغير ذلك من الظواهر الجوية‏,‏ ولولا تبرد هذا النطاق مع الارتفاع ما عاد إلينا بخار الماء الصاعد من الأرض أبدا‏.‏ وحينما عاد إلينا بخار الماء مطرا‏,‏ وثلجا‏,‏ وبردا‏,‏ انحدر علي سطح الأرض ليشق له عددا من المجاري المائية‏,‏ ثم فاض إلي منخفضات الأرض الواسعة ليكون البحار والمحيطات‏,‏ وبتكرار عملية البخر من أسطح تلك البحار والمحيطات‏,‏ ومن أسطح اليابسة بما عليها من مختلف صور التجمعات المائية والكائنات الحية‏.‏ بدأت دورة المياه حول الأرض‏,‏ من أجل التنقية المستمرة‏.‏ لهذا الماء وتلطيف الجو‏,‏ وتفتيت الصخور‏,‏ وتسوية سطح الأرض‏,‏ وتكوين التربة‏,‏ وتركيز عدد من الثروات المعدنية‏,‏ وغير ذلك من المهام التي أوكلها الخالق لتلك الدورة المعجزة التي تحمل‏380,000‏ كيلو متر مكعب من ماء الأرض إلي غلافها الجوي سنويا‏,‏ لتردها إلي الأرض ماء طهورا‏,‏ منها‏320,000‏ كيلو متر مكعب تتبخر من أسطح البحار والمحيطات‏,60,000‏ كيلو متر مكعب من أسطح اليابسة‏,‏ يعود منها‏284,000‏ كيلو متر مكعب إلي البحار والمحيطات‏,96,000‏ كيلو متر مكعب إلي اليابسة التي يفيض منها‏36,000‏ كيلو متر مكعب من الماء إلي البحار والمحيطات‏,‏ وهو نفس مقدار الفارق بين البخر والمطر من وإلي البحار والمحيطات‏.‏

    هذه الدورة المحكمة للمياه حول الأرض أدت إلي خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها حوالي‏(97,2%),‏ وإبقاء أقله علي اليابسة‏(‏ حوالي‏2,8%),‏ وبهذه الدورة للماء حول الأرض تملح ماء البحار والمحيطات‏,‏ وبقيت نسبة ضئيلة علي هيئة ماء عذب علي اليابسة‏(2,8%‏ من مجموع كم الماء علي الأرض‏),‏ وحتي هذه النسبة الضئيلة من ماء الأرض العذب قد حبس أغلبها‏(‏ من‏2,052%‏ إلي‏2,15%)‏ علي هيئة سمك هائل من الجليد فوق قطبي الأرض‏,‏ وفي قمم الجبال‏,‏ والباقي مختزن في الطبقات المسامية والمنفذة من صخور القشرة الأرضية علي هيئة ماء تحت سطحي‏(‏ حوالي‏0,27%‏ إلي‏0,5%)‏ وفي بحيرات الماء العذب‏(‏ حوالي‏0,33%),‏ وعلي هيئة رطوبة في تربة الأرض‏(‏ من‏0,01%‏ إلي‏0,18%)‏ ورطوبة في الغلاف الغازي للأرض تتراوح بين‏(0,0001%‏ إلي‏0,036%),‏ وما يجري في الأنهار والجداول‏(‏ حوالي‏0,0047%).‏
    وتوزيع ماء الأرض بهذه النسب التي اقتضتها حكمة الله الخالق قد تم بدقة بالغة بين البيئات المختلفة بالقدر الكافي لمتطلبات الحياة في كل بيئة من تلك البيئات‏,‏ وبالأقدار الموزونة التي لو اختلت قليلا بزيادة أو نقص لغمرت الأرض وغطت سطحها بالكامل‏,‏ أو انحسرت تاركة مساحات هائلة من اليابسة‏,‏ ولقصرت دون متطلبات الحياة عليها‏.‏

    ومن هذا القبيل يحسب العلماء أن الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض وفي قمم الجبال المرتفعة فوق سطحها إذا انصهر‏(‏ وهذا لا يحتاج إلا إلي مجرد الارتفاع في درجة حرارة صيف تلك المناطق بحوالي خمس درجات مئوية‏)‏ وإذا حدث ذلك فإن كم الماء الناتج سوف يؤدي إلي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات الي أكثر من مائة متر فيغرق أغلب المناطق الآهلة بالسكان والممتدة حول شواطيء تلك البحار والمحيطات‏.‏ وليس هذا من قبيل الخيال العلمي‏,‏ فقد مرت بالأرض فترات كانت مياه البحار فيها أكثر غمرا لليابسة من حدود شواطئها الحالية‏,‏ كما مرت فترات أخري كان منسوب الماء في البحار والمحيطات أكثر انخفاضا من منسوبها الحالي مما أدي إلي انحسار مساحة البحار والمحيطات وزيادة مساحة اليابسة‏,‏ والضابط في الحالين كان كم الجليد المتجمع فوق اليابسة‏,‏ فكلما زاد كم الجليد انخفض منسوب الماء في البحار والمحيطات فانحسرت عن اليابسة التي تزيد مساحتها زيادة ملحوظة‏,‏ وكلما قل كم الجليد ارتفع منسوب المياه في البحار والمحيطات وطغت علي اليابسة التي تتضاءل مساحتها تضاءلا ملحوظا‏.‏
    من هنا كان تفسير القسم القرآني بـ‏(‏ البحر المسجور‏)‏ بأن الله تعالي يمن علينا‏(‏ وهو صاحب الفضل والمنة‏)‏ بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات‏,‏ وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان علي اليابسة منذ خلق الإنسان‏,‏ وذلك بحبس كميات من هذا الماء في هيئات متعددة أهمها ذلك السمك الهائل من الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض وعلي قمم الجبال‏,‏ والذي يصل إلي أربعة كيلو مترات في قطب الأرض الجنوبي‏,‏ وإلي ثلاثة آلاف وثمانمائة من الأمتار في القطب الشمالي‏,‏ ولولا ذلك لغطي ماء الأرض أغلب سطحها‏,‏ ولما بقيت مساحة كافية من اليابسة للحياة بمختلف أشكالها الإنسانية‏,‏ والحيوانية‏,‏ والنباتية‏,‏ وهي احدي آيات الله البالغة في الأرض‏,‏ وفي اعدادها لكي تكون صالحة للعمران‏.‏
    من هنا كان تفسير القسم بـ‏(‏ البحر المسجور‏)‏ بمعني المملوء بالماء المكفوف عن اليابسة ينطبق مع عدد من الحقائق العلمية الثابتة التي تشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ وتشهد لسيدنا محمد بن عبد الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالنبوة وبالرسالة‏.‏

    ثانيا‏:(‏ البحر المسجور‏)‏ بمعني القائم علي قاع أحمته الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض فجعلته شديد الحرارة‏.‏

    في العقود المتأخرة من القرن العشرين تم اكتشاف حقيقة تمزق الغلاف الصخري للأرض بشبكة هائلة من الصدوع العملاقة المزدوجة والتي تكون فيما بينها ما يعرف باسم أودية الخسف أو الأغوار‏,‏ وأن هذه الأغوار العميقة تحيط بالكرة الأرضية إحاطة كاملة‏,‏ ويشبهها العلماء باللحام علي كرة التنس‏(‏ مع فارق التشبيه‏),‏ وتمتد هذه الأغوار في كافة الاتجاهات لعشرات الآلاف من الكيلو مترات‏,‏ ولكنها تنتشر أكثر ما تنتشر في قيعان محيطات الأرض‏,‏ وفي قيعان عدد من بحارها‏,‏ ويتراوح عمق الصدوع المشكلة لتلك الأغوار بين‏65‏ كيلو مترا‏,‏ و‏70‏ كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات‏,‏ وبين‏100‏ و‏150‏ كيلو مترا علي اليابسة‏(‏ أي في صخور القارات‏),‏ وتعمل علي تمزيق الغلاف الصخري للأرض بالكامل‏,‏ وتقطيعه إلي عدد من الألواح الصخرية التي تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة يسميه العلماء باسم نطاق الضعف الأرضي‏,‏ وهو نطاق لدن‏,‏ عالي الكثافة واللزوجة‏,‏ تتحرك بداخله تيارات الحمل من أسفل إلي أعلي حيث تتبرد وتعاود النزول إلي أسفل‏,‏ وهي بتلك الحركة الدائبة تدفع بكل لوح من ألواح الغلاف الصخري للأرض إلي التباعد عن اللوح المجاور في أحد جوانبه‏(‏ في ظاهرة تسمي ظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات‏),‏ ومصطدما في الجانب المقابل باللوح الصخري المجاور ليكون سلسلة من السلاسل الجبلية‏,‏ ومنزلقا عن الألواح المجاورة في الجانبين الآخرين‏.‏

    وباستمرار تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض تتسع قيعان البحار والمحيطات باستمرار عند خطوط التباعد بينها‏,‏ وتندفع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجات حرارة تتعدي الألف درجة مئوية لتساعد علي دفع جانبي المحيط يمنة ويسرة‏,‏ وتملأ المسافات الناتجة بالصهارة الصخرية المندفعة من باطن الأرض علي هيئة ثورات بركانية عارمة‏,‏ تحت الماء‏,‏ تسجر قيعان جميع محيطات الأرض‏,‏ وقيعان أعداد من بحارها‏,‏ وتجدد مادتها الصخرية بإستمرار‏.‏
    وقد أدي هذا النشاط البركاني فوق قيعان كل المحيطات‏,‏ وفوق قيعان عدد من البحار النشطة إلي تكون سلاسل من الجبال في أواسط المحيطات تتكون في غالبيتها من الصخور البركانية‏,‏ وقد ترتفع قممها في بعض الأماكن علي هيئة أعداد من الجزر البركانية من مثل جزر كل من اندونيسيا‏,‏ ماليزيا‏,‏ الفلبين‏,‏ اليابان‏,‏ هاواي‏,‏ وغيرها‏,‏ وفي المقابل تصطدم ألواح الغلاف الصخري عند حدودها المقابلة لمناطق اتساع قيعان البحار والمحيطات‏,‏ ويؤدي هذا التصادم الي اندفاع قيعان المحيطات تحت كتل القارات وانصهارها بالتدريج مما يؤدي إلي تكون جيوب عميقة عند التقاء قاع المحيط بالكتلة القارية تتجمع فيها كميات هائلة من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة التي تطوي وتتكسر لترتفع علي هيئة السلاسل الجبلية علي حواف القارات من مثل سلسلة جبال الإنديز في غربي أمريكا الجنوبية‏,‏ وهنا يستهلك قاع المحيط بالتدريج تحت الكتلة القارية‏,‏ وإذا توقفت عملية توسع قاع المحيط فإن هذا القاع قد يستهلك بأكمله تحت القارة مما يؤدي إلي تصادم قارتين ببعضهما‏,‏ وينشأ عن هذا التصادم أعلي السلاسل الجبلية من مثل جبال الهيمالايا التي نتجت عن اصطدام الهند بالقارة الأسيوية بعد استهلاك قاع المحيط الذي كان يفصل بينهما بالكامل في أزمنة أرضية سحيقة‏.‏

    ويصاحب كل من عمليتي توسع قاع المحيط في محوره الوسطي‏,‏ واصطدامه عند أطرافه بعدد من الهزات الأرضية‏,‏ والثورات والطفوح البركانية‏.‏
    ويبلغ طول جبال أواسط المحيطات أكثر من أربعة وستين ألفا من الكيلو مترات في الطول‏,‏ بينما يبلغ طول الصدوع العميقة التي اندفعت منها الطفوح البركانية لتكون تلك السلاسل الجبلية في أواسط المحيطات أضعاف هذا الرقم‏.‏ وتتكون هذه السلاسل أساسا من الصخور البركانية المختلطة بالقليل من الرسوبيات البحرية‏,‏ وتحيط كل سلسلة من هذه السلاسل المندفعة من قاع المحيط بواد خسيف‏(‏ غور‏)‏ مكون بفعل الصدوع العملاقة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بعمق يتراوح بين خمسة وستين كيلو مترا وسبعين كيلو مترا ليخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل ويصل إلي نطاق الضعف الأرضي الذي تندفع منه الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجة حرارة تزيد عن الألف درجة مئوية لتسجر قيعان كل محيطات الأرض‏,‏ وقيعان عدد من بحارها النشطة باستمرار‏,‏ ومع تجدد اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات هذه الصدوع العملاقة يتسع قاع المحيط باستمرار‏,‏ وتتجدد مادته بدفع الصخور القديمة في اتجاه شاطيء المحيط يمنة ويسرة‏,‏ ليحل محلها أحزمة أحدث عمرا تتكون من تجمد تلك الصهارة الجديدة‏,‏ وتترتب بصورة متوازية علي جانبي أغوار المحيطات والبحار‏,‏ ويهبط كل جانب من جانبي قاع المحيط المتسع بنصف معدل اتساعه الكلي تحت كل قارة من القارتين أو القارات المحيطة بشاطئيه‏,‏ وبذلك يمتليء محور المحيط بالصهارة الصخرية الحديثة المندفعة عبر مستويات الصدوع الممزقة لقاعه فتسجره‏,‏ بينما تندفع الصخور الأقدم بالتدريج في اتجاه الشاطئين حيث توجد أقدم صخور ذلك القاع‏,‏ والتي تستهلك باستمرار تحت القارات المحيطة‏.‏

    وهذه الصدوع العملاقة التي تمزق قيعان كل محيطات الأرض‏,‏ وقيعان عدد من بحارها‏(‏ مثل البحر الأحمر‏)‏ توجد أيضا علي اليابسة ولكن بنسب أقل منها فوق قيعان البحار والمحيطات وتعمل علي تكوين عدد من الاغوار‏(‏ الأودية الخسيفة‏)‏ والبحار الطولية‏(‏ من مثل اغوار شرقي افريقيا والبحر الأحمر‏)‏ التي تعمل علي تفتيت الكتل القارية باتساعها التدريجي لتتحول تلك البحار الطولية مثل البحر الأحمر الي بحار أكبر ثم إلي محيطات تفصل بين الكتلة القارية التي كانت متصلة علي هيئة قارة واحدة‏,‏ وتحاط تلك الخسوف القارية العملاقة بعدد من القمم البركانية السامقة من مثل جبل أرارات في شرقي تركيا‏(5100‏ متر فوق مستوي سطح البحر‏),‏ ومخروط بركان‏(‏ إتنا‏)‏ في شمال شرقي صقلية‏(3300‏ متر‏),‏ ومخروط بركان‏(‏ فيزوف‏)‏ في خليج نابولي بايطاليا‏(1300‏ متر‏),‏ وجبل‏(‏ كيليمنجارو‏)‏ في تنجانيقا‏(5900‏ متر‏),‏ وجبل كينيا في جمهورية كينيا‏(5100‏ مترا فوق مستوي سطح البحر‏).‏
    بذلك ثبت لكل من علماء الأرض والبحار ـ بالأدلة المادية الملموسة ـ أن كل محيطات الأرض‏(‏ بما في ذلك المحيطان المتجمدان الشمالي والجنوبي‏),‏ وأن أعدادا من بحارها‏(‏ من مثل البحر الأحمر‏),‏ قيعانها مسجرة بالصهارة الصخرية المندفعة بملايين الأطنان من داخل الأرض عبر شبكة الصدوع العملاقة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بالكامل وتصل إلي نطاق الضعف الأرضي‏,‏ وتتركز هذه الشبكة من الصدوع العملاقة أساسا في قيعان البحار والمحيطات‏,‏ وأن كم المياه في تلك الأحواض العملاقة ـ علي ضخامته ـ لا يستطيع أن يطفيء جذوة الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض اطفاء كاملا‏,‏ وأن هذه الجذوة علي شدة حرارتها‏(‏ أكثر من ألف درجة مئوية‏)‏ لا تستطيع أن تبخر هذا الماء بالكامل‏,‏ وأن هذا الاتزان الدقيق بين الأضداد من الماء والحرارة العالية هو من أكثر ظواهر الأرض إبهارا للعلماء في زماننا‏,‏ وهي حقيقة لم يتمكن الإنسان من اكتشافها إلا في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين‏.‏

    ومن الغريب أن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ـ هذا النبي الأمي الذي لم يركب البحر في حياته الشريفة مرة واحدة‏,‏ فضلا عن الغوص إلي أعماق البحار ـ قال في حديث شريف أخرجه كل من الأئمة أبو داود في سننه‏,‏ والبيهقي في سننه‏,‏ وابن شيبة في مصنفه عن عبد الله بن عمرو بن العاص‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ ما نصه‏:‏ لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله‏,‏ فإن تحت البحر نارا‏,‏ وتحت النار بحرا‏(‏ أبو داود البيهقي‏)‏
    وجاء الحديث في مصنف ابن شيبة بالنص التالي‏:‏ إن تحت البحر نارا‏,‏ ثم ماء‏,‏ ثم نارا

    ويعجب الإنسان المتبصر لهذا السبق في كل من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بالإشارة إلي حقيقة من حقائق الأرض التي لم يتوصل الإنسان إلي ادراكها إلا في نهايات القرن العشرين‏,‏ هذا السبق الذي لا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدرا غير الله الخالق‏,‏ الذي أنزل هذا القرآن الكريم بعلمه‏,‏ علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وعلم هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من حقائق هذا الكون ما لم يكن لأحد من الخلق إلمام به قبل العقود الثلاثة المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ لكي تبقي هذه الومضات النورانية في كتاب الله‏,‏ وفي سنة رسوله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ شهادات مادية ملموسة علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي حفظه‏(‏ تعالي‏)‏ علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏,‏ وإلي قيام الساعة بنفس لغة الوحي‏(‏ اللغة العربية‏)‏ كلمة كلمة‏,‏ وحرفا حرفا في صفائه الرباني‏,‏ واشراقاته النورانية‏,‏ دون أدني تغيير أو تبديل أو تحريف‏,‏ وأن هذا النبي الخاتم‏,‏ والرسول الخاتم عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏ فسبحان الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين هذا القسم القرآني بالبحر المسجور‏,‏ وسبحان الذي علم خاتم أنبيائه ورسله بهذه الحقيقة فقال قولته الصادقة إن تحت البحر نارا‏,‏ وتحت النار بحرا وسبحان الذي أكد علي صدق القرآن الكريم‏,‏ وعلي صدق هذا النبي الخاتم في كل ما رواه عن ربه‏.‏ فأنزل في محكم كتابه قوله الحق‏:‏

    لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا‏*(‏ النساء‏:166)‏
    وقوله‏(‏ سبحانه‏)‏ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏

    قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض انه كان غفورا رحيما‏*(‏ الفرقان‏:6)‏
    وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
    وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون‏*‏
    ‏(‏النمل‏:93)‏

    وقوله‏(‏ تعالي‏):‏
    ويري الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلي صراط العزيز الحميد‏*(‏ سبأ‏:6)‏
    وقوله‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
    إن هو إلا ذكر للعالمين‏*‏ ولتعلمن نبأه بعد حين‏*(‏ ص‏:88,87)‏
    وقوله‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    ‏...‏وانه لكتاب عزيز‏*‏ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد‏*‏
    ‏(‏فصلت‏:41‏ و‏42)‏

    وقوله‏(‏ تبارك اسمه‏):‏
    سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد‏*‏
    ‏(‏فصلت‏:53)‏



    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    28 - ألم نجعل الأرض مهادا‏*‏ والجبال أوتادا

    هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في مقدمات سورة النبأ‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ شأنها شأن كافة السور المكية يدور محورها حول قضية العقيدة‏,‏ تلك القضية الغيبية التي لا يمكن للإنسان أن يصل فيها إلي تصور صحيح أبدا بغير هداية ربانية‏,‏ ومن هنا كانت من قواعد الدين الذي من لوازم صحته أن يكون وحيا ربانيا خالصا لا يداخله أدني قدر من الصياغة أو التصورات البشرية‏.‏
    ومن أصول العقيدة الإسلامية الإيمان بالبعث وبالحساب والجزاء‏,‏ وبالخلود في حياة قادمة إما في الجنة أبدا‏,‏ أو في النار أبدا‏,‏ والإيمان بالبعث هو موضوع سورة النبأ ومحورها الأساسي‏,‏ وذلك لأن إنكار البعث كان حجة كفار قريش‏,‏ كما كان حجة الكفار والمتشككين عبر التاريخ في نبذهم للدين‏,‏ كفرا برب العالمين‏,‏ وجهلا بطلاقة قدرته التي لا تحدها حدود‏,‏ أو قياسا للقدرة الالهية بقدرات البشر المحدودة ظلما وعدوانا وجهلا بمدلول الألوهية الحقة‏,‏ ومن ثم عجز الكافرون عن تصور إمكانية البعث‏,‏ أو تعاجزوا عنه انصياعا لشهواتهم التي يرون ممارستها دون أدني مسئولية أو مساءلة فانطلقوا في انكار البعث‏,‏ وما يستتبعه من الحساب والجزاء‏,‏ وفي التشكيك في كل ذلك وهو من صلب الدين الذي جاء به آلاف من الانبياء‏,‏ ومئات من المرسلين‏,‏ وتكامل في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏).‏

    ومن أجل التأكيد علي حقيقة البعث بعد الموت وما يستتبعه من حساب وجزاء ابتدأت سورة النبأ باستنكار تساؤل الكافرين عنه تساؤل المنكر له أو المتشكك في امكانية وقوعه‏,‏ وألمحت بالتهديد القاطع لكل منكر أو متشكك في تلك الحقيقة الربانية الحاسمة‏,‏ ثم أوردت عددا من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الالهية في إبداع الخلق لكي تكون شاهدة علي أن الخالق المبدع قادر علي افناء خلقه وعلي إعادة بعثه‏...!!!,‏ ولذلك أكدت السورة علي حقيقة يوم البعث وأهواله‏,‏ وسمته باسم يوم الفصل لأنه يوم قد وقته ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ للفصل بين العباد‏,‏ سيجمع له كافة الخلق من الأولين والآخرين بعد فنائهم أجمعين وفناء الكون كله من حولهم‏,‏ وذلك لحسابهم علي ما قد قدموا في حياتهم الدنيا‏,‏ ولجزائهم الجزاء الأوفي علي ذلك‏..!!!‏
    ثم تعرج بنا السورة علي بعض صور العقاب الذي أعده ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ للطاغين من الكفار والمشركين والمتجبرين في الأرض من المنكرين لدين الله‏,‏ والمكذبين بآياته‏,‏ والغافلين عن حسابه‏,‏ وذلك بإدخالهم إلي جهنم ـ وبئس المصير ـ التي تترصد بهم‏,‏ وتستعد لاستقبالهم وفيها من صور العذاب المهين ما نسأل الله تعالي أن يجيرنا منه‏..!!!‏

    وللمقارنة بين مصير هؤلاء الطاغين المكذبين ومصير عباد الله المتقين‏,‏ تحدثت السورة عن شيء من جزاء المتقين من جنات ونعيم مقيم فضلا ورحمة من رب العالمين‏.‏
    وختمت السورة الكريمة بتصوير شيء من أهوال يوم القيامة‏,‏ وبدعوة الناس كافة إلي الاستعداد لهذا اليوم الذي سوف يعود الخلق فيه إلي الله‏,‏ ليقفوا جميعا بين يديه للحساب‏,‏ وأن يأخذوا حذرهم حتي تحسن عودتهم‏,‏ ويهون حسابهم فينجوا من العذاب المهين‏,‏ ويرفلوا في جنات النعيم المقيم‏...!!!‏

    وتضمن ختام سورة النبأ التحذير من عذاب يوم القيامة‏,‏ حيث ينظر كل إنسان صحيفة أعماله في هذه الحياة‏,‏ وفيها كل ما قد قدمت يداه‏,‏ فيحمد المتقون الله علي حسن هدايته وتوفيقه ويتمني كل كافر لو يستحيل ترابا أملا في تحاشي هول هذا اليوم وهول المصير الأسود من بعده ولكن هيهات هيهات أن يفر أحد من حساب الله وجزائه العادل‏...!!!‏
    ومن الآيات الكونية التي قدمها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بين يدي سورة النبأ شاهدة له‏(‏ سبحانه‏)‏ بطلاقة القدرة في إبداعه لخلقه‏,‏ ومؤكدة إمكانية البعث بل حتميته وحقيقته جاء قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا

    وهاتان الآيتان يمر عليهما الانسان دون ادراك حقيقي لفضل الله تعالي في الانعام بهما ولا بعمق الدلالة العلمية في كل منهما‏,‏ لأن حقيقة ذلك لم يدركها العلماء المتخصصون الا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ وهذا السبق القرآني صورة من صور الاعجاز العلمي في كتاب الله سنعرض لها إن شاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الأسطر التالية بعد شرح الدلالة اللغوية لألفاظ الآيتين الكريمتين واستعراض لأقوال المفسرين فيهما‏.‏

    الدلالة اللغوية



    صورة لاحدى السلاسل الجبلية التى طالما وصفت بأنها مجرد نتوءات فوق سطح الأرض
    من الألفاظ المهمة لفهم دلالة الايتين الكريمتين ما يلي‏:‏
    أولا‏:(‏ الأرض‏):‏ وهي لفظة في اللغة العربية تدل علي اسم الكوكب الذي نحيا عليه‏,‏ في مقابلة بقية الكون الذي يجمع تحت اسم السماء أو السماوات‏.‏ ولفظة‏(‏ الأرض‏)‏ مؤنثة‏,‏ وأصلها‏(‏ أرضة‏)‏ وجمعها‏(‏ أرضات‏)‏ و‏(‏ أرضون‏)‏ بفتح الراء أو بتسكينها وقد تجمع علي‏(‏ أروض‏)‏ و‏(‏ أراض‏),‏ ولفظة‏(‏ الأراضي‏)‏ تستخدم علي غير قياس‏.‏
    ولما كانت‏(‏ الأرض‏)‏ دون السماء فإن العرب قد عبروا بلفظة‏(‏ الأرض‏)‏ عن أسفل الشيء‏,‏ كما عبروا بالسماء عن أعلاه‏,‏ وقالوا‏:(‏ أرض أريضة‏)‏ أي حسنة النبت أو حسنة‏(‏ الأرضة‏)‏ كما يقال‏:(‏ تأرض‏)‏ النبت بمعني تمكن علي‏(‏ الأرض‏)‏ فكثر‏,‏ و‏(‏تأرض‏)‏ الجدي اذا أكل نبت‏(‏ الأرض‏),‏ ويقال كذلك‏(‏ أرض نفضة‏)‏ و‏(‏أرض رعدة‏)‏ أي تنتفض وترتعد أثناء حدوث كل من الهزات الأرضية والثورات البركانية‏.‏

    و‏(‏الأرضة‏)‏ حشرة تأكل الخشب‏,‏ يقال‏:(‏ أرضت‏)‏ الأخشاب‏(‏ تؤرض‏)(‏ أرضا‏)‏ فهي‏(‏ مأروضة‏)‏ اذا أكلتها‏(‏ الأرضة‏).‏
    ثانيا‏:(‏ المهاد‏):(‏ المهاد‏)‏ والمهد في اللغة العربية الممهد الموطأ من كل شيء‏,‏ ويطلق علي الفراش لبسطه وسهولة وطئه‏,‏ يقال‏:(‏ مهد‏)‏ الفراش أي بسطه ووطأه‏,‏ و‏(‏المهد‏)‏ ما يهيأ للصبي من فراش وثير و‏(‏تمهيد‏)‏ الأمور اصلاحها وتسويتها‏,‏ يقال‏:(‏ مهدت‏)‏ لك كذا أي هيأته وسويته‏,‏ و‏(‏تمهيد‏)‏ العذر هو بسطه وقبوله‏.‏

    قال‏(‏ تعالي‏):‏ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين‏(‏ آل عمران‏:46)‏
    وقال سبحانه وتعالي‏:‏
    الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا‏..(‏ طه‏:53)‏
    وقال تبارك وتعالي‏:‏
    ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون
    ‏(‏الروم‏:44)‏
    وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏
    ومهدت له تمهيدا‏(‏ المدثر‏:14)‏
    وقال‏(‏ سبحانه‏):‏
    والأرض فرشناها فنعم الماهدون
    ‏(‏ الذاريات‏:48)‏

    ثالثا‏:(‏ والجبال‏)‏ والأجبال‏:‏ جمع‏(‏ جبل‏)‏ وهو المرتفع عما حوله من الارض ارتفاعا ملحوظا يجعله يعظم ويطول‏,‏ ودونه‏(‏ التل‏)‏ ودون التل‏(‏ الربوة‏)‏ أو‏(‏ الأكمة‏),‏ ودون الأكمة‏(‏ النجد‏)‏ أو‏(‏ الهضبة‏),‏ ودون الهضبة‏(‏ السهل‏).‏
    ويقال‏:(‏ أجبل‏)‏ القوم أي صاروا إلي‏(‏ الجبال‏)‏ بمعني وصلوا إليها‏,‏ أو دخلوها وسكنوا فيها‏,‏ ويقال للحية‏:(‏ ابنة الجبل‏)‏ لأن الجبل مأواها‏,‏ كما يقال لصدي الصوت‏(‏ ابن الجبل‏)‏ لأن‏(‏ الجبل‏)‏ يردده‏,‏ ويقال للداهية‏(‏ ابنة الجبل‏)‏ لأنها تثقل علي النفس كأنها‏(‏ الجبل‏)‏

    و‏(‏ الجبلة‏)‏ و‏(‏ الجبلة‏)‏ و‏(‏ الجبلة‏)‏ و‏(‏ الجبلة‏)‏ القوة البدنية أو صلابة الأرض و‏(‏ الجبال‏):‏ البدن‏,‏ يقال‏:‏ فلان‏(‏ مجبول‏)‏ أو‏(‏ خطير الجبال‏)‏ أي عظيم البدن تشبيها بالجبل‏,‏ و‏(‏ تجبل‏)‏ ما عنده أي استنظفه‏,‏ و‏(‏الجبل‏)‏ أيضا ساحة البيت‏,‏ أو الكثير من كل شيء‏,‏ يقال‏:(‏ مال جبل‏)‏ و‏(‏ حي جبل‏)‏ أي كثير‏,‏ و‏(‏ الجبل‏)‏ و‏(‏ الجبلة‏)‏ الجماعة من الناس‏(‏ وفيها قراءات قريء بها قوله‏(‏ تعالي‏):‏ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا بكسر الجيم والباء وتشديد اللام‏,‏ كما قريء بضم أو فتح الجيم وتسكين الباء‏.‏ وبضم كل من الجيم والباء وتشديد اللام أو تخفيفها‏)‏
    و‏(‏الجبلة‏)‏ الخلقة أو الفطرة وأصله الوجه وما استقبلك منه‏,‏ ومنه قوله‏(‏ تعالي‏)‏ والجبلة الأولين بكسر الجيم أو ضمها وكسر الباء او تسكينها والجمع‏(‏ الجبلات‏).‏ ومنها أخذت تسمية السائل الذي يملأ جدار الخلية الحية باسم الجبلة‏(‏ البروتوبلازم أو السيتوبلازم‏).‏

    يقال‏:(‏ جبله‏)‏ الله‏(‏ جبلا‏)‏ أي خلقه وفطره‏,‏ اشارة إلي ما ركب فيه من طباع‏,‏ و‏(‏ الجبلي‏)‏ الفطري‏,‏ و‏(‏ الجبلة‏)‏ الأصل‏,‏ و‏(‏الجبل‏)‏ الغليظ‏,‏ يقال‏:‏ فلان ذو‏(‏ جبلة‏)‏ أي غليظ الجسم‏,‏ و‏(‏ جبل‏)‏ أي صار كالجبل في الغلظ‏,‏ ويقال‏:(‏ جبل‏)‏ التراب‏(‏ جبلا‏)‏ أي صب عليه الماء ودعكه حتي صار طينا‏,‏ ويقال‏:(‏ جبله‏)(‏ أي قطعه قطعا شتي‏,‏ كما يقال فلان‏(‏ جبل‏)‏ لا يتزحزح تصورا لمعني الثبات فيه‏.‏
    رابعا‏:(‏ أوتادا‏)‏ و‏(‏ الأوتاد‏)‏ جمع‏(‏ وتد‏)‏ بكسر التاء وبفتحها‏,‏ والكسر أولي‏,‏ وفعله‏(‏ وتد‏),‏ والأمر منه‏(‏ تد‏)‏ بالكسر‏,‏ و‏(‏الأوتاد‏)‏ قطع من خشب أو حديد غليظة الرأس‏,‏ مدببة النهاية‏,‏ تثبت بها أركان الخيمة في الأرض بدكها حتي يدفن أغلبها في الأرض‏,‏ ويبقي أقلها ظاهرا فوق السطح‏,‏ فتشد بذلك العمق أركان الخيمة إلي الأرض فتثبتها وتجعلها قادرة علي مقاومة فعل الرياح‏,‏ والعواصف الهوجاء‏.‏

    ويأتي التعبير بـ‏(‏ ذي الأوتاد‏)‏ في استعارة مجازية بمعني كثير الجنود والعساكر الذين يشدون الملك ويثبتونه كما تشد الأوتاد أركان الخيام إلي الأرض فتثبتها نظرا لكثرة خيامهم التي يضربون أوتادها في أرض معسكراتهم‏,‏ كما قد تأتي في معني صاحب الأبنية العظيمة الشاهقة التي تشبه في عمق أساساتها أوتاد الجبال‏,‏ وفي ارتفاعها علو الجبال وذلك من مثل قول الحق تبارك وتعالي‏:‏
    ‏[‏وفرعون ذي الأوتاد‏*](‏ الفجر‏:10)‏

    شروح المفسرين
    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ في تفسير قول الحق تبارك وتعالي‏(‏ ألم نجعل الأرض مهادا‏):‏ أي ممهدة للخلائق‏,‏ ذلولا لهم‏,‏ قارة‏,‏ ساكنة‏,‏ ثابتة‏,‏ وفي قوله تعالي‏(‏ والجبال أوتادا‏):‏ أي جعل لها أوتادا‏,‏ أرساها بها‏,‏ وثبتها‏,‏ وقررها حتي سكنت‏,‏ ولم تضطرب بمن عليها‏..‏
    وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ غفر الله لهما‏)‏ كلاما مشابها إذ قالا‏:(‏ ألم نجعل الأرض مهادا‏)‏ أي فراشا كالمهد صالحة للحياة عليها؟‏(‏ والجبال أوتادا‏)‏ أي تثبت بها الأرض كما تثبت الخيام بالأوتاد لئلا تميد بكم‏,‏ والاستفهام للتقرير

    وقال صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏:‏ والمهاد‏:‏ الممهد للسير‏,‏ والمهاد اللين كالمهد‏..‏ وكلاهما متقارب‏,‏ وهي حقيقة محسوسة للإنسان في أي طور من أطوار حضارته ومعرفته‏,‏ فلا تحتاج إلي علم غزير لإدراكها في صورتها الواقعية‏,‏ وكون الجبال أوتادا ظاهرة تراها العين كذلك حتي من الإنسان البدائي‏,‏ وهذه وتلك ذات وقع في الحس حين توجه إليها النفس‏,‏ غير أن هذه الحقيقة أكبر وأوسع مدي مما يحسه الإنسان البدائي لأول وهلة بالحس المجرد‏,‏ وكلما ارتقت معارف الإنسان‏,‏ وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون وأطواره‏,‏ كبرت هذه الحقيقة في نفسه‏,‏ وأدرك من ورائها التقدير الإلهي العظيم والتدبير الدقيق الحكيم‏,‏ والتنسيق بين أفراد هذا الوجود وحاجاتهم‏,‏ واعداد هذه الأرض لتلقي الحياة الإنسانية وحضانتها‏,‏ واعداد هذا الإنسان للملاءمة مع البيئة والتفاهم معها
    وجعل الأرض مهادا للحياة ـ وللحياة الإنسانية بوجه خاص ـ شاهد لا يماري في شهادته بوجود العقل المدبر من وراء هذا الوجود الظاهر‏,‏ فاختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الأرض هكذا بجميع ظروفها‏,‏ أو اختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الحياة لتعيش في الأرض‏..‏ الاختلال هنا أو هناك لا يجعل الأرض مهادا‏,‏ ولا يبقي هذه الحقيقة‏.‏ التي يشير إليها القرآن الكريم هذه الاشارة المجملة‏,‏ ليدركها كل إنسان وفق درجة معرفته ومداركه‏..‏

    وجعل الجبال أوتادا‏..‏ يدركه الإنسان من الناحية الشكلية بنظره المجرد‏,‏ فهي أشبه شيء بأوتاد الخيمة التي تشد إليها‏.‏ أما حقيقتها فنتلقاها من القرآن‏,‏ وندرك منه أنها تثبت الأرض وتحفظ توازنها‏..‏
    وقد يكون هذا لأنها تعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال‏..‏ وقد يكون لأنها تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية‏,‏ وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقط معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية‏..‏ وقد يكون لسبب آخر لم يكشف عنه بعد‏..‏ وكم من قوانين وحقائق مجهولة أشار إليها القرآن الكريم‏,‏ ثم عرف البشر طرفا منها بعد مئات السنين‏!‏

    وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما نصه‏:(‏ مهادا‏)‏ فراشا موطأ كالمهد‏,‏ لتمكينكم من الاستقرار عليها والتقلب في أنحائها‏,‏ والانتفاع بما أودعناه لكم فيها‏.‏
    والمهاد‏:‏ مصدر بمعني ما يمهد‏,‏ وجعلت به الأرض مهادا مبالغة في جعلها موطئا للناس والدواب يقيمون عليها‏.‏ أو بتقدير مضاف‏,‏ أي ذات مهاد‏,(‏ والجبال أوتادا‏)‏ كالأوتاد للأرض‏,‏ أي أرسيناها بالجبال لئلا تميد وتضطرب‏,‏ كما يرسي البيت بالأوتاد لئلا تعصف به الرياح‏.‏ جمع وتد بفتح التاء وكسرها ـ وفعله كوعد

    وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه‏:‏ ألم يروا من آيات قدرتنا أنا جعلنا الأرض ممهدة للاستقرار عليها والتقلب في أنحائها‏!!‏ وجعلنا الجبال أوتادا للأرض تثبتها وفي تعليق هامشي أضافوا ما نصه‏:‏ يبلغ سمك الجزء الصلب من القشرة الأرضية نحو‏60‏ كيلو مترا‏,‏ وتكثر فيه التجاعيد فيرتفع حيث الجبال وينخفض ليكون بطون البحار وقيعان المحيطات‏,‏ وهو في حالة من التوازن بسبب الضغوط الناتجة من الجبال‏,‏ ولا يختل هذا التوازن إلا بعوامل التعرية‏,‏ فقشرة الأرض اليابسة ترسيها الجبال كما ترسي الأوتاد الخيمة‏.‏
    وذكر صاحب صفوة التفاسير‏(‏ بارك الله فيه‏)‏ ما نصه‏:‏
    ‏(‏ألم نجعل الأرض مهادا‏)‏ أي ألم نجعل هذه الأرض التي تسكنونها ممهدة للاستقرار عليها‏,‏ والتقلب في أنحائها؟ جعلناها لكم كالفراش والبساط لتستقروا علي ظهرها‏,‏ وتستفيدوا من سهولها الواسعة بأنواع المزروعات؟‏(‏ والجبال أوتادا‏)‏ أي وجعلنا الجبال كالأوتاد للأرض تثبتها لئلا تميد بكم كما يثبت البيت بالأوتاد‏,‏ قال في التسهيل‏,‏ شبهها بالأوتاد لأنها تمسك الأرض أن تميد‏.‏

    ألم نجعل الأرض مهادا؟ في منظور العلوم الحديثة
    استضاءة بمفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض وصلت الدراسات الحديثة في هذا المجال إلي أن الأرض بدأت بمحيط غامر‏,‏ ثم بتصدع قاع ذلك المحيط وبدء تحرك الألواح الصخرية المكونة لذلك القاع متباعدة عن بعضها البعض في أحد أطرافها‏,‏ ومصطدمة في الاطراف المقابلة‏,‏ ومنزلقة عبر بقية الأطراف‏,‏ نتج عند الاطراف المتصادمة أعداد من اقواس الجزر البركانية التي نمت بالتدريج الي عدد من القارات بمزيد من تصادمها‏,‏ فتمايزت ألواح الغلاف الصخري للأرض إلي الألواح المحيطية‏,‏ وتلك القارية‏,‏ وبتصادم الواح قيعان المحيطات بكتل القارات تكونت سلاسل الجبال الشبيهة بجبال الإنديز علي الحافة الغربية لأمريكا الجنوبية‏,‏ وبتصادم ألواح القارات مع بعضها تكونت أعلي السلاسل الجبلية علي سطح الأرض من مثل سلاسل جبال الهيمالايا التي نتجت عن اصطدام كتلة الهند بكتلة قارتي آسيا وأوروبا‏.‏
    ومع تكون الأطواف‏,‏ والمنظومات والسلاسل والأحزمة الجبلية ومجموعاتها المعقدة أصبح سطح الأرض علي درجة من وعورة التضاريس لا تسمح بعمرانها‏,‏ ثم بدأت عمليات التجوية والتحات والتعرية في بري تلك المجموعات الجبلية والأخذ من ارتفاعاتها باستمرار‏,‏ وبنقل الفتات الصخري الناتج عن تلك العمليات الي أحواض المحيطات والبحار بدأت دورة الصخور التي لا تزال تتكرر ملايين المرات إلي يومنا الراهن لتكسو منخفضات الأرض بالتربة اللازمة للانبات والزراعة‏,‏ ولتركز العديد من الثروات المعدنية‏,‏ ولتزيد من ملوحة البحار والمحيطات حتي تجعلها صالحة لحياة البلايين من الكائنات الحية‏,‏ ولتحفظ هذا الماء من الفساد‏,‏ ولتركز معادن المتبخرات في صخور الأرض‏.‏

    ولما كانت عمليات التجوية والتحات والتعرية تزيل كميات كبيرة من الصخور المكونة لمرتفعات سطح الأرض كان من ضرورات الاتزان الأرضي أن تتحرك الصهارة الصخرية تحت الغلاف الصخري للأرض لتعوض فقدان الكتل التي تمت تعريتها‏,‏ ولتحقق الاتزان الأرضي بتعديل الضغوط في داخل الأرض‏,‏ ويؤدي ذلك إلي رفع الجبال بطريقة تدريجية‏.‏
    وباستمرار تفاعل تلك القوي المتصارعة من عمليات التجوية والتعرية المقترنة بعمليات تحرك الصهارة الصخرية تحت الغلاف الصخري للأرض وفي داخله‏,‏ وعمليات رفع الجبال لتحقيق التوازن الأرضي لفترات زمنية طويلة فإنها تنتهي بإنقاص سمك سلسلة الجبال إلي متوسط سمك لوح الغلاف الصخري الذي تتواجد عليه‏,‏ وذلك بسحب جذور الجبال‏(‏ الامتدادات الداخلية للجبال‏)‏ من نطاق الضعف الأرضي ورفعها حتي تظهر علي سطح الارض‏,‏ وبخروج جذور الجبال من نطاق الضعف الارضي الذي كانت طافية فيه كما تطفو جبال الجليد في مياه المحيطات‏,‏ فإن الجبال تفقد القدرة علي الارتفاع إلي أعلي‏,‏ وتظل عوامل التعرية في بريها حتي تسويها بسطح الأرض تقريبا وحينئذ تنكشف جذور الجبال‏,‏ وبها من الثروات المعدنية ما لا يمكن أن يتواجد الا تحت مثل ظروف اوتاد الجبال التي تتميز بقدر هائل من الضغط والحرارة‏.‏

    وعلي هذا النحو فإن الجبال قد لعبت ــ ولا تزال تلعب ــ دورا مهما في بناء قارات الأرض وفي الزيادة المستمرة لمساحة تلك القارات بإضافة الكتل الجبلية إلي حواف تلك القارات بطريقة مستمرة‏.‏
    ومعني ذلك أن كل قارات الأرض بدأت بسلاسل من أقواس الجزر البركانية في وسط المحيط الغامر‏,‏ وأن باصطدام تلك الجزر تكونت القارات علي هيئة أطواف ومنظومات و سلاسل وأحزمة جبلية معقدة‏,‏ وأن تلك المرتفعات جعلت سطح الأرض علي درجة من وعورة التضاريس لا تسمح بعمرانها‏,‏ ثم بدأت سلسلة من الصراع بين العمليات الأرضية الداخلية البانية للجبال والرافعة لها‏,‏ والعمليات الهدمية الخارجية التي تبريها وتعريها‏,‏ وفي نهاية هذا الصراع تنتصر العوامل الهدمية الخارجية فتسوي الجبال‏,‏ وتخفض من ارتفاعاتها بالتدريج في محاولة للوصول بها إلي مستوي سطح البحر‏,‏ ولذلك فإن كل سهول ومنخفضات اليابسة الحالية كانت في يوم من الايام جبالا شاهقة‏,‏ ثم برتها عوالم التجوية والتحات والتعرية حتي أوصلتها إلي مستوياتها الحالية‏,‏ وأن الكتل الصخرية القديمة التي تعرف باسم الرواسخ‏(‏ أو المجن‏)‏ وهي كتل مستقرة نسبيا موجودة في أواسط القارات ما هي في الحقيقة إلا جذور السلاسل الجبلية القديمة التي تم بريها‏.‏

    هذه العمليات المعقدة من الصراع بين القوي البانية في داخل الأرض والقوي الهدمية من خارجها هي التي أدت‏(‏ بتخطيط من الخالق سبحانه وتعالي‏)‏ إلي بناء القارات‏,‏ ورفعها فوق مستوي البحار والمحيطات علي هيئة مجموعات من أطواف ومنظومات وسلاسل وأحزمة جبلية شاهقة ظلت تضاف إلي بعضها البعض بانتظام وبطء لتزيد من مساحة القارات‏,‏ التي كانت في بادئ الامر جبلية وعرة‏,‏ لا تسمح وعورتها بعمرانها‏,‏ ثم بدأت عوامل التعرية في الأخذ من تلك الجبال الشاهقة بالتدريج حتي حولتها إلي السهول الواسعة‏,‏ والهضاب والنجود المنخفضة والأودية المحفورة والرواسخ الثابتة التي تشكل اواسط القارات اليوم حتي وصلت الأرض إلي صورتها المناسبة للعمران بواسطة الإنسان‏,‏ ولذلك يمن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بتمهيد الأرض‏,‏ ويلوم المنكرين للبعث بتوجيه هذا اللون من الاستفهام التقريري‏,‏ التوبيخي‏,‏ التقريعي الذي يقول فيه الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏).‏
    ألم نجعل الأرض مهادا؟ أي ألم نجعل لكم الأرض فراشا موطأ كالمهد لتمكينكم من الاستقرار عليها‏,‏ والتقلب في أنحائها‏,‏ والانتفاع بما اودعناه لكم فيها كما اشار صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحمه الله‏)‏ لأن الأرض لو بقيت جبالا شاهقة الارتفاع‏,‏ متشابكة التضاريس‏,‏ معدومة الممرات والمسالك‏,‏ لما أمكن العيش علي سطحها فسبحان الذي أنزل هذه اللفتة القرآنية المبهرة في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين‏,‏ وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين‏!!‏

    والجبال أوتادا في منظور العلوم الحديثة
    من الأمور المشاهدة أن سطح الأرض ليس تام الاستواء‏,‏ وذلك بسبب اختلاف التركيب الكيميائي والمعدني‏,‏ وبالتالي اختلاف كثافة الصخور المكونة لمختلف أجزاء الغلاف الصخري للأرض‏,‏ فهناك قمم عالية للسلاسل الجبلية‏,‏ وتنخفض تلك القمم السامقة إلي التلال‏,‏ ثم الروابي أو الربي‏(‏ جمع ربوة أو رابية‏)‏ أو الآكام‏(‏ جمع أكمة‏)‏ أو النتوءات الأرضية‏,‏ ثم الهضاب أو النجود‏(‏ جمع نجد‏)‏ ثم السهول‏,‏ ثم المنخفضات الأرضية والبحرية‏.‏
    ويبلغ ارتفاع أعلي قمة علي سطح الأرض‏(‏ وهي قمة جبل إفرست‏)‏ في سلسلة جبال الهيمالايا‏8840‏ مترا تقريبا فوق مستوي سطح البحر بينما يقدر منسوب اخفض نقطة علي سطح اليابسة‏(‏ وهي حوض البحر الميت‏)‏ بحوالي‏395‏ مترا تحت مستوي سطح البحر‏,‏ ويقدر متوسط منسوب سطح اليابسة بنحو‏840‏ مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ ويبلغ منسوب اكثر اغوار المحيطات عمقا‏10800‏ متر‏(‏ وهو غور ماريا نوس في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين‏)‏ بينما يبلغ متوسط اعماق المحيطات نحو اربعة كيلو مترات‏(3729‏ ــ‏4500‏ متر‏)‏ تحت مستوي سطح البحر‏.‏

    ويبلغ الفارق بين أعلي قمة علي اليابسة وأخفض نقطة في قيعان المحيطات‏8840+10,800=19640‏ مترا‏(‏ أي أقل قليلا من عشرين كيلو مترا‏)‏
    وهذا الفارق بين أعلي قمة علي سطح اليابسة وأخفض نقطة في أغوار قيعان البحار العميقة والمحيطات إذا قورن بمتوسط نصف قطر الأرض والمقدر بنحو‏6371‏ كيلو مترا فإن النسبة لا تكاد تتعدي‏0,003‏ ـ‏%,‏ وهذه النسبة الضئيلة تلعب دورا مهما في معاونة عوامل التعرية المختلفة علي بري صخور مرتفعات الأرض‏,‏ وإلقاء الفتات الناتج عنها في المنخفضات في دورات متعاقبة تعمل علي تسوية سطح الأرض‏,‏ وتكوين التربة‏,‏ وتركيز الخامات المعدنية‏,‏ وجعل الأرض صالحة للعمران كما سبق أن اسلفنا‏.‏

    كذلك فإن الأدلة العلمية التي تراكمت علي مدي القرنين التاسع عشر والعشرين تشير إلي أن الغلاف الصخري للأرض في حالة توازن تام‏,‏ وإذا تعرض هذا التوازن إلي الاختلال في أية نقطة علي سطح الأرض فإن تعديله يتم مباشرة‏.‏
    ومن هذه الادلة أن القشرة الأرضية تنخفض إلي أسفل علي هيئة منخفضات أرضية عند تعرضها لأحمال زائدة‏,‏ وترتفع إلي أعلي علي هيئة نتوءات أرضية عند إزالة تلك الأحمال عنها‏,‏ ويتم ذلك بما يسمي باسم التضاغط والارتداد التضاغطي‏.‏ الذي يتم من اجل المحافظة علي الاتزان الارضي‏,‏ ومن أمثلة ذلك ما ينتج عن تجمع الجليد بسمك كبير علي اليابسة ثم انصهاره‏,‏ أو عند تخزين الماء بملايين الامتار المكعبة امام السدود ثم تصريفه‏,‏ أو بتراكم ملايين الاطنان من الترسبات امام السدود‏,‏ ثم ازالتها‏,‏ أو بتساقط نواتج الثورات البركانية العنيفة حول عدد من فوهات البراكين ثم تعريتها‏.‏

    ففي العهد الحديث بدأت في الانصهار تراكمات الجليد السميكة التي كانت قد تجمعت علي بعض اجزاء اليابسة من نصف الكرة الشمالي منذ نحو المليوني سنة‏(‏ خلال واحد من اكبر العصور الجليدية التي مرت بها الأرض‏),‏ ونتيجة لذلك بدأت الأرض بالارتفاع التدريجي في مناطق الانصهار التدريجي للجليد لتحقيق التوازن التضاغطي للارض‏,‏ وهو من سنن الله فيها‏,‏ وقد بلغ ارتفاع الارض بذلك‏330‏ مترا في منطقة خليج هدسون في شمال أمريكا الشمالية‏,‏ ونحو المائة متر حول بحر البلطيق حيث لايزال ارتفاع الارض مستمرا‏.‏
    وأمام كثير من السدود التي أقيمت علي مجاري الانهار تسببت بلايين الامتار المكعبة من المياه وملايين الاطنان من الرسوبيات التي تجمعت امام تلك السدود في حدوث انخفاضات عامة في مناسيب المنطقة‏,‏ وزيادة ملحوظة في نشاطها الزلزالي‏,‏ يفسر ذلك بأن ألواح الغلاف الصخري المكونة للقارات‏(‏ والتي يتراوح سمك كل منها بين المائة والمائة وخمسين كيلو مترا‏)‏ يغلب علي تركيبها صخور ذات كثافة منخفضة نسبيا‏,‏ بينما يغلب علي تركيب ألواح الغلاف الصخري المكونة لقيعان البحار والمحيطات صخور ذات كثافة عالية نسبيا‏(‏ ولذلك لا يتجاوز سمك الواحد منها سبعين كيلو مترا فقط‏).‏

    وكل من ألواح الغلاف الصخري القارية والمحيطية يطفو فوق نطاق الضعف الأرضي الأعلي كثافة وهو نطاق لدن‏(‏ مرن‏),‏ شبه منصهر‏,‏ عالي اللزوجة ولذلك فهو يتأثر بالضغوط فوقه ويتحرك استجابة لها‏.‏
    وبالمثل فإن قشرة الأرض المكونة لكتل القارات يتراوح سمكها بين‏30‏ و‏40‏ كيلو مترا تقريبا ويغلب علي تركيبها الصخور الجرانيتية والتي تغطي أحيانا بتتابعات رقيقة ومتفاوتة السمك من الصخور الرسوبية‏(‏ ومتوسط كثافة الصخور الجرانيتية يبلغ‏2,7‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏)‏ بينما يتراوح سمك قشرة الارض المكونة لقيعان البحار والمحيطات بين‏5‏ و‏8‏ كيلو مترات فقط‏,‏ ويغلب علي تركيبها الصخور البازلتية التي قد تتبادل مع الصخور الرسوبية أو تتغطي بطبقات رقيقة منها‏(‏ ويبلغ متوسط سمك الصخور البازلتية‏2,9‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏),‏ لذلك تطفو كتل القارات فوق قيعان البحار والمحيطات‏.‏

    وبنفس هذا التصور يمكن تفسير الاختلاف في تضاريس سطح الأرض علي أساس من التباين في كثافة الصخور المكونة لكل شكل من أشكال تلك التضاريس‏,‏ فالمرتفعات علي سطح اليابسة لابد وأن يغلب علي تكوينها صخور أقل كثافة من الصخور المحيطة بها‏,‏ ومن ثم فلابد وأن يكون لها امتدادات من صخورها الخفيفة نسبيا في داخل الصخور الاعلي كثافة المحيطة بها‏,‏ ومن هنا كان الاستنتاج بأن الجبال لابد لها من جذور عميقة تخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل لتطفو في نطاق الضعف الارضي‏,‏ وهنا تحكمها قوانين الطفو كما تحكم جبال الجليد الطافية في مياه المحيطات‏.‏
    وقد أيدت قياسات عجلة الجاذبية الأرضية هذا الاستنتاج بإشارتها إلي قيم أقل من المفروض نظريا في المناطق الجبلية‏,‏ وإلي قيم أعلي من المفروض في المنخفضات الارضية وفوق قيعان البحار والمحيطات‏,‏ ويعتبر انكشاف جذور الجبال القديمة في اواسط القارات مما يثبت حدوث عمليات إعادة التعديل التضاغطي في الغلاف الصخري للأرض‏.‏

    وبفهم دورة حياة الجبال ثبت أن كل نتوء أرضي فوق مستوي سطح البحر له امتداد في داخل الغلاف الصخري للارض يتراوح طوله بين‏10‏ و‏15‏ ضعف ارتفاعه‏,‏ وكلما كان الارتفاع فوق مستوي سطح البحر كبيرا تضاعف طول الجزء الغائر في الأرض امتدادا إلي الداخل‏,‏ وعلي ذلك فإن قمة مثل افرست لا يكاد ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر يصل إلي تسعة كيلو مترات‏(8848‏ مترا‏)‏ لها امتداد في داخل الغلاف الصخري للارض يزيد عن المائة والثلاثين كيلو مترا‏,‏ يخترق الغلاف الصخري للارض بالكامل ليطفو في نطاق الضعف الارضي‏,‏ وهو نطاق شبه منصهر‏,‏ لدن أي مرن‏,‏ عالي الكثافة واللزوجة‏,‏ تحكمه في ذلك قوانين الطفو كما تحكم جبال الجليد الطافية في مياه المحيطات‏,‏ فكلما برت عوامل التعرية قمم الجبال ارتفعت تلك الجبال الي أعلي‏,‏ وتظل عملية الارتفاع تلك حتي يخرج جذر الجبل من نطاق الضعف الأرضي بالكامل‏,‏ وحينئذ يتوقف الجبل عن الحركة‏,‏ ويتم بريه حتي يصل سمكه إلي متوسط سمك اللوح الارضي الذي يحمله‏,‏ وبذلك يظهر جذر الجبل علي سطح الارض‏,‏ وبه من الثروات الارضية ما لا يمكن ان يتكون إلا تحت ظروف استثنائية من الضغط والحرارة لا تتوفر إلي في جذور الجبال‏.‏
    فسبحان الذي وصف الجبال من قبل ألف وأربعمائة سنة‏(‏ بالاوتاد‏)‏ وهي لفظة واحدة تصف كلا من الشكل الخارجي للجبل‏,‏ وامتداده الداخلي ووظيفته‏,‏ لأن الوتد اغلبه يدفن في الأرض‏,‏ وأقله يظهر علي السطح‏,‏ ووظيفته التثبيت‏,‏ وقد اثبتت علوم الأرض في العقود المتأخرة من القرن العشرين أن هكذا الجبال‏,‏ بعد ان ظل وصف الجبال الي مشارف التسعينيات من القرن العشرين قاصرا علي أنها مجرد نتوءات فوق سطح الأرض‏,‏ واختلفوا في تحديد حد ادني لارتفاع تلك النتوءات الارضية اختلافا كبيرا‏,‏ وفي السبق القرآني بوصف الجبال بأنها اوتاد تأكيد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وأن النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض حيث لم يكن لأحد من البشر إلمام بامتدادات الجبال الداخلية الا بعد نزول الوحي بالقرآن بأكثر من إثني عشر قرنا فصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم‏,‏ والحمد لله رب العالمين‏.‏



    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    29- والجبال أرساها‏ متاعا لكم ولأنعامكم

    هاتان الآيتان الكريمتان وردتا في مطلع الثلث الأخير من سورة النازعات‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ تعني ـ كغيرها من سور القرآن المكي ـ بقضية العقيدة‏,‏ والعقيدة هي أساس الدين‏,‏ وهي من القضايا الغيبية غيبة مطلقة‏,‏ ولذلك فالإنسان محتاج فيها دوما إلي بيان من الله‏,‏ بيانا ربانيا خالصا لا يداخله أدني قدر من التصورات البشرية‏..!!‏
    ومن ركائز العقيدة‏:‏ الإيمان باليوم الآخر وما سوف يحويه من بعث بعد الموت‏,‏ ومن حساب وجزاء‏,‏ ثم خلود في حياة أبدية إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏...!!!‏

    وتبدأ سورة النازعات بقسم من الله تعالي‏(‏ وهو الغني عن القسم‏)‏ بعدد من طوائف ملائكته الكرام‏,‏ وبالمهام المكلف بها كل منهم‏,‏ علي أن الآخرة حق‏,‏ وأنها واقعة لا محالة‏,‏ وأن كلا من البعث والحساب والجنة والنار حق‏,‏ وأن الخلود في أي منهما حتمي الحدوث‏,‏ لا مفر منه‏,‏ ولا انفكاك عنه‏,‏ وتأتي هذه الآيات بصياغة القسم من أجل تنبيه الناس إلي أهمية الأمر المقسم به‏,‏ وجديته‏,‏ وخطورته‏...!!!‏
    ثم تعرض الآيات بعد ذلك لشيء من أهوال الآخرة من مثل رجف الأرض‏(‏ الراجفة يومئذ‏),‏ ومور السماء‏(‏ الرادفة‏),‏ وكلاهما سوف يدمر في الآخرة‏,‏ وقد يكون المقصود بالراجفة والرادفة النفختين‏,‏ اللتين يموت كل حي بعد الأولي منهما وترجف بها الأرض ويبعث كل ميت بعد الثانية وتمور السماء مورا‏..‏ وبعد ذلك تنتقل الآيات إلي وصف شيء من أحوال الكافرين في هذا اليوم العصيب الرهيب‏,‏ حين يبعث الخلق فجأة بعد موتهم‏,‏ فتخفق قلوب المبعثين وجلا وخاصة الكافرين والعصاة المجرمين منهم‏,‏ وتخشع أبصارهم ذلا‏,‏ ويتساءلون في لهفة وذهول‏:‏ هل نحن عائدون من حيث جئنا إلي الحياة الدنيا مرة ثانية بعد أن كانت الأجساد قد بليت‏,‏ والعظام قد نخرت؟ أم أن هذا هو البعث الذي سبق وأن أخبرنا به في حياتنا الدنيا فأنكرناه؟ وإن كان ذلك كذلك فقد رجعنا رجعة خاسرة‏,‏ وقد يكون ذلك تذكيرا لهم بمقولتهم في الدنيا إنكارا للبعث‏,‏ وهنا يقول الله‏(‏ تعالي‏):‏

    فإنما هي زجرة واحدة‏*‏ فإذا هم بالساهرة‏*(‏ النازعات‏:13‏ و‏14)‏
    والزجرة هي الصيحة‏,‏ والساهرة هي سطح الأرض بصفة عامة وأرض المحشر‏(‏ بصفة خاصة‏),‏ ويفهم من ذلك أن الأمر بالبعث يأتي بصيحة واحدة‏,‏ فإذا بكافة الخلائق قيام يبعثون‏,‏ ثم يساقون إلي أرض المحشر ليواجهوا حسابهم العادل‏,‏ ويلقوا جزاءهم الأوفي‏...!!!‏

    وفي إيجاز معجز تلمح الآيات بعد ذلك إلي جانب من قصة كليم الله موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ مع فرعون وملئه‏,‏ مبتدئة باستفهام رقيق موجه إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ثم عرض للقصة في كلمات محدودة تثبيتا له في مواجهة كفار قريش‏,‏ وتثبيتا لكل داعية إلي دين الله من بعده في مواجهة أهل الكفر والشرك والضلال والطغيان في كل عصر وفي كل مكان‏,‏ كما يأتي سرد تلك القصة تحذيرا للناس جميعا من مغبة سوء المصير الذي لقيه هذا الطاغية الملقب بفرعون مصر والعذاب الذي حاق به وبالمكذبين الضالين من قومه في الدنيا‏,‏ وما توعدهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ به في الآخرة من عذاب أشد وأنكي‏...!!‏ وتبقي هذه الآيات المباركات درسا يتلقاه كل كيس عاقل فيخشي الله‏(‏ تعالي‏)‏ حبا له‏(‏ سبحانه‏),‏ وشكرا علي نعمائه‏,‏ وخوفا من عذابه‏,‏ ورجاء لثوابه في الدنيا والآخرة إن شاء الله‏...!!!‏
    ثم تتوجه الآيات في سورة النازعات بعد سرد قصة موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ بالخطاب مباشرة إلي منكري البعث من كفار قريش‏(‏ وإلي الكفار في كل زمان ومكان‏)‏ بسؤال تقريعي توبيخي يقول‏:‏ هل خلق الناس ـ علي ضآلة أحجامهم‏,‏ ونسبية زمانهم ومكانهم‏,‏ ومحدودية قدراتهم ـ أشد من خلق السماء؟ وبنائها المذهل في عظمة اتساعه‏,‏ واحكام ترابطه والتحامه‏,‏ وتعدد أجرامه وتكامل هيئاتها‏,‏ واحكام أبعادها وحركاتها وأحجامها‏,‏ وكتلها‏,‏ والمسافات الفاصلة بينها‏,‏ والارتفاعات السامقة الشاهقة التي رفعت إليها بغير عمد مرئية‏,‏ ولا دعامات مشاهدة‏,‏ وتعاظم القوي الممسكة بمختلف أجزائها‏,‏ واتقان تسويتها مع تحرك كل جزئية فيها‏,‏ واظلام ليلها اظلاما تاما‏(‏ بمعني أن الأصل في الكون الاظلام‏),‏ وإخراج ضحاها بهذا النور الأبيض المبهج من بعد الظلام وهي نعمة كبري من نعم الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏؟

    وهل خلق الإنسان أشد إنجازا من دحو الأرض‏,‏ وإخراج كل من مائها ومرعاها من داخلها؟
    وهل هذا المخلوق الضعيف أشد خلقا من إرساء الجبال علي سطح الأرض‏,‏ وإرساء الأرض بالجبال كي لا تميد ولا تضطرب بسكانها تحقيقا لسلامة العيش عليها؟

    وهذه التساؤلات يوردها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه لعل منكري البعث من الطغاة والمتجبرين في الأرض أن يجدوا فيها ما يمكن أن يعينهم علي ادراك شيء من مظاهر القدرة الإلهية المبدعة في الكون والتي تؤكد علي حقيقة الخلق كما تؤكد علي امكانية البعث بل علي ضرورته وحتميته‏....!!!‏
    ثم عاودت السورة الكريمة الحديث عن القيامة‏,‏ وسمتها باسم الطامة الكبري تعبيرا عن كونها داهية عظمي‏,‏ تعم بأهوالها كل شيء‏,‏ وتغطي علي كل مصيبة مهما عظمت‏,‏ حيث يعرض الناس لا تخفي منهم خافية‏,‏ ويتذكر الإنسان أعماله في الحياة الدنيا خيرها وشرها‏,‏ وتبرز جهنم حتي يراها الخلق جميعا عيانا بيانا‏,‏ ويقع الحساب العادل‏,‏ وبعد الحساب ينقسم الناس إلي شقي وسعيد‏,‏ فالشقي هو كل ما قد جاوز الحد في الكفر والعصيان‏,‏ والتجبر والطغيان‏,‏ والجري وراء الشهوات‏,‏ مفضلا الدنيا الفانية علي الآخرة الباقية‏,‏ وهذا مأواه جهنم وبئس المصير‏,‏ والسعيد هو الذي خاف عظمة الله وجلاله فآمن به‏,‏ وخضع لأوامره‏,‏ ونهي نفسه عن اتباع هواها‏,‏ وحسب حساب مقامه بين يدي الله يوم العرض الأكبر‏,‏ وهذا مأواه جنات النعيم‏..!!!‏
    وتختتم سورة النازعات بخطاب موجه إلي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ردا علي سؤال الكفار له عن الساعة متي قيامها؟ ويأتي جواب الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بأن علمها‏,‏ ومردها‏,‏ ومرجعها إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده الذي استأثر به دون كافة خلقه‏,‏ وعلي ذلك فإن دور النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هو إنذار من يخشاها‏,‏ وهي لهولها سوف تجعل الكفار والمشركين يرون حياتهم علي الأرض ـ مهما طالت ـ كأنها بضع ساعات من يوم واحد تقدر بمقدار عشية أو ضحاها‏,‏ وذلك احتقارا لها‏,‏ واستهانة بشأنها‏...!!!‏
    وهكذا يأتي ختام السورة متوافقا مع مطلعها في التأكيد علي حقيقة البعث وحتميته‏,‏ والانذار بأهواله وخطورته‏,‏ حتي يستعد الناس للقاء ربهم بالإيمان الخالص به‏,‏ والخضوع بالطاعة له‏,‏ وحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض وهي من الركائز الأساسية للدين الذي علمه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ لأبينا آدم‏(‏ عليه الصلاة والسلام‏),‏ وبعث به عددا كبيرا من الأنبياء والمرسلين من بعده‏,‏ وأكمله وأتمه في رسالته الخاتمة التي وجهها للناس كافة في القرآن الكريم‏,‏ وفي أحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

    وهنا يبرز التساؤل عن مدلول كل من إرساء الجبال علي سطح الأرض‏,‏ وإرساء الأرض بالجبال‏,‏ وهي من الآيات الكونية الناطقة بكمال القدرة الإلهية المبدعة في خلق الأرض‏,‏ والمؤكدة أن الذي يملك تلك القدرة الخلاقة المبدعة قادر علي إفناء خلقه وعلي إعادة بعثه من جديد‏...!!!‏
    وقبل الإجابة علي هذا السؤال لابد من استعراض موجز لكل من الدلالة اللغوية للفظي الجبل والإرساء‏,‏ ولأقوال المفسرين في هاتين الآيتين الكريمتين‏.‏

    الدلالة اللغوية
    ‏(‏الجبل‏)‏ في اللغة هو المرتفع من الأرض ارتفاعا ملحوظا يجعله يعظم ويطول علي ماحوله من الأرض‏,‏ وجمعه‏(‏ جبال‏)‏ و‏(‏أجبال‏),‏ ودونه في الارتفاع‏(‏ التل‏),‏ ودون التل‏(‏ الربوة‏)‏ أو‏(‏ الرابية‏)‏ أو‏(‏ الأكمة‏)‏ وجمعها‏(‏ آكام‏),‏ ودون الآكمة باتساع‏(‏ النجد‏)‏ أو‏(‏ الهضبة‏),‏ ودون الهضبة‏(‏ السهل‏)‏ ودونه‏(‏ المنخفض‏).‏
    وللفظة‏(‏ الجبل‏)‏ بمشتقاتها واستعاراتها وتشبيهاتها معان أخري كثيرة سبق التعرض لها في مقال الأثنين الماضي‏,‏ ولا داعي لتكرار ذلك هنا‏.‏

    أما الفعل‏(‏ رسا‏),(‏ يرسو‏),(‏ رسوا‏)‏ و‏(‏رسوا‏)‏ فمعناه ثبت وقر‏,‏ من مثل قولهم‏(‏ رست‏)‏ السفينة‏,‏ أي وقفت عن الحركة في الماء علي الأنجر‏(‏ وهو مرساة السفينة‏),‏ وفي هذا المعني يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه‏:‏
    وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم‏*(‏ هود‏:41)‏

    واللفظان‏(‏ مجراها‏)‏ و‏(‏مرساها‏)‏ مصدران من جري وأرسي‏(‏ علي التوالي‏),‏ بمعني باسم الله جريها وإرساؤها‏,‏ ويستخدم الفعل‏(‏ أرسي‏)‏ مجازا بمعني تهدئة الأمور‏,‏ فيقال رسوت بين القوم أي أثبت بينهم إيقاع الصلح‏,‏ ويقال‏(‏ أرساه‏)‏ غيره أي ثبته وأقره‏,‏ من مثل قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    والجبال أرساها‏*.‏
    و‏(‏المرسي هو مكان‏(‏ الرسو‏)‏ أو زمانه‏,‏ كما يقال للمصدر وللمفعول به‏,‏ وفي معني‏(‏ الزمان جاء قول الحق‏(‏ سبحانه‏):‏
    يسألونك عن الساعة أيان مرساها‏*(‏ الأعراف‏:187),(‏ النازعات‏:42)‏ أي قيامها وزمان ثبوتها‏.‏

    ‏(‏والمرساة‏)‏ الآلة التي ترسي بها السفينة‏,‏ و‏(‏الرواسي‏)‏ هي الجبال الثوابت الراسخة‏,‏ واحدتها‏(‏ راسية‏),‏ وجاءت لفظة‏(‏ رواسي‏)‏ بهذا المعني في القرآن الكريم تسع مرات من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا‏*(‏ المرسلات‏:27)‏

    وجاءت لفظة‏(‏ راسيات‏)‏ مرة واحدة في كتاب الله وذلك في قوله‏(‏ سبحانه‏):‏
    يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات‏...*(‏ سبأ‏:13)‏

    أي قدور ثابتات علي الأثافي‏(‏ وهي الأحجار يوضع عليها القدر كي يوقد عليه من تحته‏).‏

    شروح المفسرين
    في تفسير قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    والجبال أرساها‏*‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏):[‏ أي قرها وأثبتها في أماكنها‏,‏ وهو الحكيم العليم‏,‏ الرؤوف بخلقه الرحيم‏...‏ وثبت جبالها لتستقر بأهلها‏,‏ ويقر قرارها‏,‏ كل ذلك متاعا لخلقه ولما يحتاجون إليه من الأنعام التي يأكلونها ويركبونها مدة احتياجهم إليها في هذه الدار‏,‏ إلي أن ينتهي الأمد وينقضي الأجل‏].‏
    وجاء في تفسير الجلالين‏:(‏ أثبتها علي وجه الأرض لتسكن‏,(‏ متاعا‏)‏ مفعول له لمقدر أي‏:‏ فعل ذلك متعة‏,‏ أو مصدر‏,‏ أي تمتيعا‏(‏ لكم ولأنعامكم‏)‏ جمع‏(‏ نعم‏)‏ وهي‏(‏ الإبل والبقر والغنم‏).‏

    وجاء في الظلال‏:(...‏ وإرساء جبالها متاعا للإنسان وأنعامه‏,‏ وهي إشارة توحي بحقيقة التدبير والتقدير في بعض مظاهرها المكشوفة للجميع‏..).‏
    وجاء في صفوة البيان‏:(‏ والجبال أرساها‏)‏ أي وأرسي الجبال‏,‏ أي أثبتها في الأرض كي لا تميد وتضطرب‏,‏ وقوله‏(‏ أرساها‏)‏ تفسير للفعل المضمر قبله‏.(‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏)‏ أي تمتيعا لكم ولأنعامكم‏,‏ والآية تقريع لكفار مكة المنكرين للبعث‏,‏ زاعمين صعوبته‏,‏ بعد أن بين الله كمال سهولته بالنسبة إلي قدرته‏...)‏

    وجاء في المنتخب‏:‏ والجبال ثبتها متاعا لكم ولأنعامكم‏.‏
    وجاء في صفوة التفاسير‏:(‏ والجبال أرساها‏)‏ أي والجبال أثبتها في الأرض‏,‏ وجعلها كالأوتاد لتستقر وتسكن بأهلها‏,(‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏)‏ أي فعل ذلك كله‏...‏ منفعة للعباد وتحقيقا لمصالحهم ومصالح أنعامهم ومواشيهم‏....)‏

    والجبال أرساها في ضوء المعارف الحديثة‏..‏
    فهم المفسرون السابقون من هذه الآية الكريمة أن الضمير في‏(‏ أرساها‏)‏ يعود علي الجبال‏,‏ ومن هنا قالوا إن عملية الإرساء تتعلق بالجبال‏,‏ علي أساس من أن الضمير في العربية يعود علي أقرب اسم إليه‏,‏ وانطلاقا من ذلك فقد فهموا من قول الحق تبارك وتعالي‏:(‏ والجبال أرساها‏)‏ معني تثبيت الجبال في الأرض‏,‏ وجعلها كالأوتاد لتستقر وتسكن بمن عليها‏,‏ فلا تميد ولا تضطرب‏,‏ وهذا الكلام يحمل في طياته أيضا تثبيت الأرض‏,‏ خاصة أن ضمير الغائب في الآيتين السابقتين‏(‏ والذي جاء أربع مرات‏)‏ يعود علي الأرض‏,‏ ولا يستبعد أن يكون كذلك في آية الجبال حيث يقول ربنا‏(‏ تبارك اسمه‏):‏ والأرض بعد ذلك دحاها‏*‏ أخرج منها ماءها ومرعاها‏*‏ والجبال أرساها‏*‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏.‏
    والصياغة هنا تحتمل دلالة وبالجبال ارساها‏,‏ فيكون المعني إرساء الأرض بواسطة الجبال‏,‏ بينما المعني الأول يتعلق بإرساء الجبال علي سطح الأرض‏,‏ والمعنيان صحيحان صحة كاملة حسب معطيات علوم الأرض الحديثة‏,‏ فالجبال مثبتة في الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وهي أيضا تثبت الأرض‏,‏ كما سوف نوضح في الفقرات التالية إن شاء الله‏.‏

    أولا‏:‏ والجبال أرساها بمفهوم إرساء الجبال علي سطح الأرض
    في خلال القرنين الماضيين تراكمت الادلة العلمية التي تشير إلي أن الغلاف الصخري للأرض في حالة توازن تام علي الرغم من التباين الواضح في تضاريس سطحه‏,‏ ومعني ذلك أن كتلة المادة متساوية عبر كل أنصاف أقطار الأرض الممتدة من مركزها إلي مختلف النقاط علي سطحها مهما تباينت تضاريس السطح‏(‏ سواء النقطة التي انتهي إليها نصف القطر كانت أعلي قمة جبلية أو أخفض نقطة في أغوار المحيطات‏),‏ ولا يمكن تفسير ذلك إلا بتباين كثافة الصخور المكونة للأجزاء المختلفة من الغلاف الصخري للأرض‏,‏ فالسلاسل الجبلية العالية لابد وأن تتكون من صخور أقل كثافة من الصخور المحيطة بها‏,‏ والمناطق المنخفضة لابد أن تتكون من صخور أعلي كثافة من صخور المناطق المرتفعة‏,‏ وقد أكد ذلك أن الجزء العلوي من الغلاف الصخري للأرض والمعروف باسم قشرة الأرض يتباين كل من سمكه وكثافته في القارات عنهما في قيعان البحار والمحيطات‏,‏ فيتراوح سمك القشرة القارية بين‏30‏ و‏40‏ كيلو مترا‏,‏ ويغلب علي تركيبها الصخور الجرانيتية‏(‏ بمتوسط كثافة‏2,7‏ جم‏/‏ سم‏3)‏ بينما يتراوح سمك قشرة قاع المحيط بين‏5‏ و‏8‏ كيلو مترات‏,‏ ويغلب علي تركيبها الصخور البازلتية‏(‏ بمتوسط كثافة‏2,9‏ جم‏/‏ سم
    ‏3)‏ وبذلك تطفو كتل القارات فوق قيعان البحار والمحيطات‏.‏
    وبالمثل فإن ألواح الغلاف الصخري الحاملة للقارات يتراوح سمكها بين‏100‏ و‏150‏ كيلو مترا‏,‏ ويغلب علي تكوينها صخور ذات كثافة اقل نسبيا من الصخور المكونة لألواح قيعان البحار والمحيطات‏,‏ والتي لا يتعدي سمكها سبعين كيلو مترا‏,‏ وكلا الصنفين من الألواح المكونة لغلاف الأرض الصخري‏(‏ القارية والمحيطية‏)‏ يطفو فوق نطاق أعلي كثافة‏,‏ شبه منصهر‏,‏ لدن‏(‏ مرن‏)‏ يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي‏,‏ وهذا النطاق يتأثر بالضغوط فوقه نظرا لمرونته‏,‏ فيتحرك إلي أسفل كلما زادت عليه الضغوط‏,‏ وإلي أعلي كلما قلت‏,‏ ويتم ذلك بعمليتين متعاكستين تسمي الأولي منهما باسم التضاغط وتسمي الثانية باسم الارتداد التضاغطي‏,‏ وتتمان للمحافظة علي الاتزان الارضي‏,‏ فإذا ارتفع الجبل بصخوره الخفيفة نسبيا إلي قمم سامقة فلابد من إزاحة كم مساو لكتلته من المادة شبه المنصهرة في نطاق الضعف الأرضي الموجودة أسفل الجبل مباشرة مما يساعد الصخور المكونة للجبل علي الاندفاع الي اسفل بامتدادات عميقة تسمي تجاوزا باسم جذور الجبال تخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل لتطفو في نطاق الضعف الارضي‏,‏ كما تطفو جبال الجليد في مياه المحيطات‏,‏ يحكمهما في الحالين قوانين الطفو‏,‏ وبناء علي كثافة الصخور المكونة للجبال بالنسبة إلي كثافة صخور نطاق الضعف الارضي‏,‏ وكتلة الجبل نفسه يكون عمق الامتدادات الداخلية لصخور الجبل‏(‏ أي جذوره‏)‏ وقد ثبت أن كل نتوء علي سطح الأرض له امتداد في داخلها يتراوح بين‏10‏ و‏15‏ ضعف ارتفاع هذا النتوء فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وكلما زاد هذا الارتفاع الخارجي لتضاريس الأرض زادت امتداداته الداخلية أضعافا كثيرة‏,‏ وهكذا تثبت الجبال علي سطح الأرض بانغراسها في غلافها الصخري‏,‏ وطفوها في نطاق الضعف الأرضي‏.‏ كما تعين علي تثبيت الأرض ككوكب‏,‏ فتقلل من ترنحها في دورانها حول محورها‏,‏ كما تثبت

    ألواح الغلاف الصخري للأرض مع بعضها البعض بأوتاد الجبال‏,‏ فتربط القارة بقاع المحيط‏,‏ فإذا استهلك قاع محيط فاصل بين قارتين ارتطمت القارتان ببعضهما‏,‏ ونتج عن ذلك أعلي السلاسل الجبلية التي تربط بأوتادها القارتين المصطدمتين فتقلل من حركة الألواح الصخرية الحاملة لهما حتي توقفها‏,‏ وبذلك تصبح الحياة علي سطحي القارتين المرتطمتين اكثر استقرارا‏.‏
    وكلما برت عوامل التجوية والتحات والتعرية قمة الجبل دفعته قوانين الطفو إلي أعلي حتي يتم خروج جذور‏(‏ أوتاد‏)‏ الجبل من نطاق الضعف الأرضي بالكامل‏,‏ وحينئذ يتوقف الجبل عن الارتفاع‏,‏ وتستمر العوامل الخارجية في بريه حتي يصل سمكه إلي متوسط سمك لوح الغلاف الصخري الذي يحمله فيضم إلي باقي صخور القارة الموجود فيها علي هيئة راسخ من رواسخ الأرض‏.‏

    ثانيا‏:‏ والجبال أرساها بمفهوم إرساء الأرض بواسطة الجبال
    اختلف العلماء في فهم دور الجبال في إرساء الأرض اختلافا كبيرا‏,‏ وذلك لأن مجموع كتل الجبال علي سطح الأرض ــ علي الرغم من ضخامتها ــ تتضاءل أمام كتلة الأرض المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن‏(5876*1810‏ طنا‏),‏ وكذلك فإن ارتفاع أعلي قمم الأرض‏(‏ أقل قليلا من تسعة كيلو مترات‏)‏ لايكاد يذكر بجوار متوسط نصف قطر الأرض‏(6371‏ كيلو مترا‏),‏ فإذا جمع إرتفاع أعلي قمم الأرض إلي أعمق أغوار المحيطات‏(‏ أقل قليلا من أحد عشر كيلو مترا‏)‏ فإنه لايكاد يصل إلي عشرين كيلو مترا ونسبته إلي متوسط قطر الأرض لاتتعدي‏0,3%.‏
    من هنا يبرز التساؤل كيف يمكن للجبال أن تثبت الأرض بكتلتها وأبعادها الهائلة‏,‏ في الوقت التي لاتكاد كتلة وأبعاد الجبال أن تبلغ من ذلك شيئا؟

    ‏(‏أ‏)‏ تثبيت الجبال لألواح الغلاف الصخري للأرض
    في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين تمت بلورة مفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض‏,‏ فقد اتضح أن هذا الغلاف ممزق بشبكة هائلة من الصدوع تمتد لعشرات الآلاف من الكيلو مترات لتحيط بالكرة الأرضية إحاطة كاملة بعمق يتراوح بين‏65‏ و‏150‏ كيلو مترا‏,‏ فتقسمه إلي عدد من الالواح الصخرية التي تطفو فوق نطاق الضعف الأرضي وتتحرك في هذا النطاق من نطق الأرض التيارات الحرارية علي هيئة دوامات عاتية من تيارات الحمل تدفع بألواح الغلاف الصخري للأرض لتباعد بينها عند أحد أطرافها‏,‏ وتصدمها ببعض عند حوافها المقابلة لحواف التباعد‏,‏ وتجعلها تنزلق عبر بعضها البعض عند الحافتين الأخريين‏.‏
    ويعين علي تسارع حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏,‏ كما يعين علي ذلك اندفاع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان عبر الصدوع الفاصلة بين حدود الألواح المتباعدة عن بعضها البعض‏,‏ فيتكون بذلك باستمرار أحزمة متوازية من الصخور البركانية التي تتوزع بانتظام حول مستويات الصدوع الفاصلة بين الألواح المتباعدة في ظاهرة تعرف باسم ظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات‏,‏ وتتكون الصخور الأحدث عمرا حول مستويات التصدع المتباعدة‏,‏ باستمرار وتدفع الصخور الأقدم عمرا في اتجاه اللوح المقابل عند خط الاصطدام وهنا يهبط قاع المحيط تحت القارة اذا كان اللوح المقابل يحمل قارة بنفس معدل اتساع قاع المحيط في كل جهة من جهتي الاتساع حول مستوي تصدع وسط المحيط الذي تتكون حوله سلاسل من الجروف البركانية تمتد فوق قاع المحيط لعشرات الآلاف من الكيلو مترات وتعرف باسم حواف أواسط المحيطات‏.‏

    وينتج عن هبوط قاع المحيط تحت اللوح الصخري الحامل للقارة تكون أعمق أجزاء هذا المحيط علي هيئة جب عميق يعرف باسم الجب البحري‏,‏ ونظرا لعمقه يتجمع في هذا الجب كم هائل من الرسوبيات البحرية التي تتضاغط وتتلاحم مكونة تتابعات سميكة جدا من الصخور الرسوبية‏,‏ ويتبادل مع هذه الصخور الرسوبية ويتداخل فيها كم هائل من الصخور النارية التي تعمل علي تحول أجزاء منها إلي صخور متحولة‏.‏
    وتنتج الصخور البركانية عن الانصهار الجزئي لقاع المحيط المندفع هابطا تحت القارة‏,‏ وتنتج الصخور المتداخلة جزئيا عن الصهارة الناتجة عن هذا الهبوط‏,‏ وعن الإزاحة من نطاق الضعف الأرضي بدخول اللوح الهابط فيه‏.‏

    هذا الخليط من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة يكشط باستمرار من فوق قاع المحيط بحركته المستمرة تحت اللوح الصخري الحامل للقارة‏,‏ فيطوي ويتكسر‏,‏ ويضاف إلي حافة القارة مكونا سلسلة أو عددا من السلاسل الجبلية ذات الجذور العميقة التي تربط كتلة القارة بقاع المحيط فتهديء من حركة اللوحين وتعين علي استقرار اللوح الصخري الحامل للقارة استقرارا ولو جزئيا يسمح باعمارها‏.‏
    وتتوقف حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض بالكامل عندما تصل دورة بناء الجبال إلي نهايتها حين تتحرك قارتان مفصولتان بمحيط كبير في اتجاه بعضهما البعض حتي يستهلك قاع المحيط كاملا بدخوله تحت إحدي القارتين حتي تصطدما‏,‏ فيتكون بذلك أعلي السلاسل الجبلية ارتفاعا كما حدث عند ارتطام اللوح القاري الحامل للهند باللوح الحامل لقارتي آسيا وأوروبا وتكون سلسلة جبال الهيمالايا‏.‏

    من هنا اتضح دور الجبال في إرساء ألواح الغلاف الصخري للأرض وتثبيتها‏,‏ ولولا ذلك ما استقامت الحياة علي سطح الأرض أبدا‏,‏ لأن حركة هذه الألواح كانت في بدء خلق الأرض علي درجة من السرعة والعنف لاتسمح لتربة أن تتجمع‏,‏ ولا لنبتة أن تنبت‏,‏ ولا لحيوان أو إنسان أن يعيش‏,‏ خاصة وأن سرعة دوران الأرض حول محورها كانت في القديم أعلي من معدلاتها الحالية بكثير‏,‏ لدرجة أن طول الليل والنهار معا عند بدء خلق الأرض يقدر بأربع ساعات فقط‏,‏ وأن عدد الأيام في السنة كان أكثر من‏2200‏ يوم‏,‏ وهذه السرعة الفائقة لدوران الارض حول محورها كانت بلاشك تزيد من سرعة انزلاق الواح الغلاف الصخري للأرض فوق نطاق الضعف الارضي‏,‏ وهي تدفع اساسا بظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات‏,‏ وبملايين الاطنان من الصهارة الصخرية والحمم البركانية المندفعة عبر صدوع تلك القيعان‏.‏
    وبتسارع حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض تسارعت الحركات البانية للجبال‏,‏ وبتسارع بنائها هدأت حركة هذه الألواح‏,‏ وهيئت الأرض لاستقبال الحياة‏,‏ وقبل مقدم الإنسان كانت غالبية ألواح الغلاف الصخري للأرض قد استقرت‏,‏ بكثرة تكون السلاسل والمنظومات الجبلية‏,‏ وأخذت الأرض هيأتها لاستقبال هذا المخلوق المكرم الذي حمله الله تعالي مسئولية الاستخلاف في الأرض‏.‏

    ‏(‏ب‏)‏ تثبيت الجبال للأرض كلها ككوكب
    تساءل العلماء عن إمكانية وجود دور للجبال في اتزان حركة الأرض ككوكب وجعلها فرارا صالحا للحياة وجاء الرد بالايجاب لأنه نتيجة لدوران الأرض حول محورها فإن القوة الطاردة المركزية الناشئة عن هذا الدوران تبلغ ذروتها عند خط استواء الأرض‏,‏ ولذلك فإن الأرض انبعجت قليلا عند خط الاستواء حيث تقل قوة الجاذبية‏,‏ وتطغي القوة الطاردة المركزية‏,‏ وتفلطحت قليلا عند القطبين حيث تطغي قوة الجاذبية وتتضاءل القوة الطاردة المركزية‏,‏ وبذلك فإن طول قطر الأرض الاستوائي يزداد باستمرار بينما يقل طول قطرها القطبي‏,‏ وإن كان ذلك يتم بمعدلات بطيئة جدا‏,‏ إلا أن ذلك قد اخرج الأرض عن شكلها الكروي إلي شكل شبه كروي‏,‏ وشبه الكرة لا يمكن لها أن تكون منتظمة في دورانها حول محورها‏,‏ وذلك لأن الانبعاج الاستوائي للأرض يجعل محور دورانها يغير اتجاهه رويدا رويدا في حركة معقدة مردها إلي تأثير جاذبية أجرام المجموعة الشمسية‏(‏ خاصة الشمس والقمر‏)‏ علي الأرض‏,‏ وتعرف هذه الحركة باسم الحركة البدارية‏(‏ أو حركة الترنح والبدارية‏).‏
    وتنشأ هذه الحركة عن ترنح الأرض في حركة بطيئة تتمايل فيها من اليمين إلي اليسار بالنسبة إلي محورها العمودي الذي يدور لولبيا دون أن يشير طرفاه الشمالي والجنوبي إلي نقطة ثابتة في الشمال أو في الجنوب‏,‏ ونتيجة للتقدم أو التقهقر فإن محور دوران الارض يرسم بنهايته دائرة حول قطب البروج تتم في فترة زمنية قدرها نحو‏26,000‏ سنة من سنيننا‏.‏

    ويتبع ترنح الأرض حول مدارها مسار متعرج بسبب جذب كل من الشمس والقمر للأرض‏,‏وتبعا للمتغيرات المستمرة في مقدار واتجاه القوة البدارية لكل منهما ويؤدي ذلك إلي ابتعاد الدائرة الوهمية التي يرسمها محور الأرض أثناء ترنحها وتحولها إلي دائرة مؤلفة من اعداد من الاقواس المتساوية‏,‏ التي يبلغ عددها في الدورة الكاملة‏1400‏ ذبذبة‏(‏ أو قوس‏)‏ ويستغرق رسم القوس الواحد‏18,6‏ سنة أي أن هذه الدائرة تتم في‏(26040)‏ سنة‏,‏ وتسمي باسم حركة الميسان‏(‏ النودان أو التذبذب‏)‏ وقد أثبتت الدراسات الفلكية أن لمحور دوران الارض عددا من الحركات الترنحية التي تستغرق أوقاتا مختلفة يبلغ اقصرها عشرة ايام‏,‏ ويبلغ اطولها‏18,6‏ سنة من سنيننا‏.‏
    ووجود الجبال ذات الجذور الغائرة في الغلاف الصخري للأرض‏,‏ يقلل من شدة ترنح الأرض في دورانها حول محورها‏,‏ ويجعل حركتها اكثر استقرارا وانتظاما وسلاسة تماما كما تفعل قطع الرصاص التي توضع حول إطار السيارة لانتظام حركتها‏,‏ وقلة رجرجتها‏,‏ وبذلك أصبحت الأرض مؤهلة للعمران‏.‏

    وهنا يتضح وجه من أوجه الاعجاز العلمي في القرآن الكريم الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ وذلك في قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ والجبال أرساها‏*‏ وفي تكرار المعني في تسعة مواضع أخري من كتاب الله وصفت فيها الجبال بأنها رواسي‏,‏ وهي حقائق لم يتوصل الإنسان إلي إدارك شئ منها إلا في في القرنين الماضيين بصفة عامة‏,‏ وفي أواخر القرن العشرين بصفة خاصة‏,‏ ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لهذا السبق العلمي إلا بيان الخالق سبحانه وتعالي‏...!!‏
    وفي هذا من التأكيد القاطع‏,‏ والحسم الجازم بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ الذي أنزله بعلمه‏,‏ وأن خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ تلقي هذا‏(‏ القرآن‏)‏ عن ربه بواسطة الوحي الذي بقي موصولا به حتي أتاه اليقين‏,‏ وأنه‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ ما ينطق عن الهوي فصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا محمد‏,‏ والحمد لله رب العالمين‏.‏



    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    30-‏ يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل‏...‏

    جاءت هذه الآية الكريمة في مقدمات سورة الزمر‏,‏ والتي سميت بهذا الاسم لحديثها عن زمر المتقين‏,‏ السعداء‏,‏ المكرمين من أهل الجنة‏,‏ وزمر العصاة‏,‏ الأشقياء المهانين من أهل النار‏,‏ وحال كل منهم في يوم الحساب‏.‏
    و سورة الزمر مكية ـ شأنها شأن كل السور المكية التي يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة ـ ولذلك فهي تركز علي عقيدة التوحيد الخالص لله‏,‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏.‏

    واستهلت السورة بالحديث عن القرآن الكريم الذي أنزله ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بالحق علي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هداية للناس كافة‏,‏ وإنذارا من رب العالمين‏,‏ وجعله معجزة خالدة إلي يوم الدين‏,‏ وملأه بالأنوار الإلهية‏,‏ والإشراقات النورانية‏,‏ التي منها الأمر إلي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وإلي الناس كافة‏(‏ بالتبعية لهذا النبي الخاتم والرسول الخاتم‏)‏ بإخلاص الدين لله‏,‏ وتنزيهه‏(‏ جل في علاه‏)‏ عن الشبيه والشريك والولد‏...!!!‏
    وذكرت السورة عددا هائلا من الأدلة المادية الملموسة التي تشهد للخالق سبحانه وتعالي بطلاقة القدرة‏,‏ وببديع الصنعة‏,‏ وبإحكام الخلق‏,‏ وبالتالي تشهد له‏(‏ سبحانه‏)‏ بالألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والوحدانية‏,‏ والتنزيه عن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ ومن هذه الأدلة المادية‏:‏ خلق السماوات والأرض بالحق‏,‏ وخلق كل شيء حسب مايشاء‏(‏ سبحانه‏),‏ تكوير الأرض وتبادل الليل والنهار عليها‏,‏ وتسخير كل من الشمس والقمر‏(‏ وتسخير كل أجرام السماء‏),‏ خلق البشر كلهم من نفس واحدة‏,‏ وخلق زوجها منها‏(‏ وكذلك الزوجية في كل خلق‏),‏ إنزال ثمانية أزواج من الأنعام‏,‏ مراحل الجنين التي يمر بها الإنسان وخلقه في ظلمات ثلاث‏,‏ إنزال الماء من السماء وخزن بعضه في صخور الأرض‏,‏ إخراج الزرع ودورة حياته‏,‏ حتمية الموت علي كل مخلوق‏,‏ تكافؤ النوم مع الوفاة‏,‏ وقبض الأرض‏,‏ وطي السماوات يوم القيامة‏...!!!‏

    وتحدثت السورة الكريمة كذلك عن الإيمان الذي يرتضيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده‏,‏ والكفر الذي لا يرضاه‏,‏ وعن علم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بكل مافي الصدور‏,‏ وقدرته‏(‏ جل جلاله‏)‏ علي محاسبة كل مخلوق بعمله‏,‏ وتحدثت السورة عن طبائع النفس البشرية في السراء والضراء‏,‏ وعن الفروق بين كل من الإيمان والكفر‏,‏ والكافر والمؤمن في مواقفهما في الدنيا والآخرة‏,‏ وبين الإغراق في المعاصي والإخلاص في العبادة‏,‏ وبين كل من التوحيد والشرك‏,‏ وبين الذين يعلمون والذين لا يعلمون‏,‏ وعن العديد من مشاهد القيامة وأهوالها‏...!!!‏
    كما تحدثت السورة الكريمة عن نفختي الصعق والبعث‏,‏ ومايعقبهما من أحداث مروعة‏,‏ وعن يوم الحشر حين يساق المتقون إلي الجنة زمرا‏,‏ ويساق المجرمون إلي جهنم زمرا كذلك‏,‏ ولكن شتان بين سوق التكريم‏,‏ وسوق الإهانة والإذلال والتجريم‏,‏ ويتم ذلك كله في حضرة الأنبياء والشهداء‏,‏ والملائكة حافين من حول العرش‏,‏ والوجود كله خاضع لربه‏,‏ متجه إليه بالحمد والثناء‏,‏ راج رحمته‏,‏ مشفق من عذابه‏,‏ راض بحكمه‏,‏ حامد لقضائه‏...!!!‏

    ومن الأدلة المادية المطروحة للاستدلال علي طلاقة القدرة الإلهية علي الخلق‏,‏ وبالتالي علي الشهادة له‏(‏ سبحانه‏)‏ بالألوهية والربوبية قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار‏.(‏ الزمر‏:5)‏

    وهي آية جامعة‏,‏ تحتاج في شرحها إلي مجلدات‏,‏ ولذا فسوف أقتصر هنا علي الإشارة إلي كروية الأرض وإلي دورانها من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ في زمن ساد فيه الاعتقاد بالاستواء التام للأرض بلا أدني انحناء‏,‏ وبثباتها‏,‏ وتمت الإشارة إلي تلك الحقيقة الأرضية بأسلوب لا يفزع العقلية البدوية في زمن تنزل الوحي‏,‏ فجاء التكوير صفة لكل من الليل والنهار‏,‏ وكلاهما من الفترات الزمنية التي تعتري الأرض‏,‏ فإذا تكورا كان في ذلك إشارة ضمنية رقيقة إلي كروية الأرض‏,‏ وإذا تكور أحدهما علي الآخر كان في ذلك إشارة إلي تبادلهما‏,‏ وهي إشارة ضمنية رائعة إلي دوران الأرض حول محورها‏,‏ دون أن تثير بلبلة في زمن لم تكن للمجتمعات الإنسانية بصفة عامة والمجتمعات في جزيرة العرب بصفة خاصة أي حظ من الثقافة العلمية‏,‏ وسوف نفصل ذلك في السطور القادمة إن شاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعد شرح دلالة الفعل‏(‏ كور‏)‏ في اللغة العربية‏,‏ واستعراض شروح المفسرين لدلالات تلك الآية الكريمة‏.‏

    الدلالة اللغوية



    صورة للأرض من الفضاء
    يقال في اللغة العربية‏:(‏ كار‏)‏ الشيء‏(‏ يكوره‏)(‏ كورا‏)‏ و‏(‏ كرورا‏),‏ و‏(‏ يكوره‏)(‏ تكويرا‏)‏ أي أداره‏,‏ وضم بعضه إلي بعض‏,(‏ ككور‏)‏ العمامة‏,‏ أو جعله كالكرة‏,‏ ويقال‏:(‏ طمنه فكوره‏)‏ إذا ألقاه مجتمعا‏,‏ كما يقال‏(‏ اكتار‏)‏ الفرس إذا أدار ذنبه في عدوه‏,‏ وقيل للإبل الكثيرة‏(‏ كور‏),‏ و‏(‏ كوارة‏)‏ النحل معروفة‏,‏ و‏(‏ الكور‏)‏ الرحل‏,‏ وقيل لكل مصر‏(‏ كورة‏)‏ وهي البقعة التي يجتمع فيها قري ومحال عديدة‏,‏ و‏(‏ الكرة‏)‏ التي تضرب بالصولجان‏,‏ وتجمع علي‏(‏ كرين‏)‏ بضم الكاف وكسرها‏,‏ كما تجمع علي كرات‏.‏
    وجاء الفعل المضارع‏(‏ يكور‏)‏ في القرآن الكريم كله مرتين فقط في الآية الكريمة التي نحن بصددها‏,‏ وجاء بصيغة المبني للمجهول مرة واحدة في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    إذا الشمس كورت‏(‏ التكوير‏:1)‏
    أي جعلت كالكرة بانسحاب ألسنة اللهب المندفعة منها إلي آلاف الكيلو مترات خارجها‏,‏ إلي داخلها كناية عن بدء انطفاء جذوتها‏.‏

    شروح المفسرين
    في تفسير قوله تعالي‏:‏
    خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار‏(‏ الزمر‏:5)‏
    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:‏ يخبر تعالي أنه الخالق لما في السماوات والأرض‏,‏ ومابين ذلك من الأشياء‏,‏ وبأنه مالك الملك‏,‏ المتصرف فيه‏,‏ يقلب ليله ونهاره‏(‏ يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل‏)‏ أي سخرهما يجريان متعاقبين‏,‏ ولا يفترقان‏,‏ كل منهما يطلب الآخر طلبا‏....‏

    ويضيف‏:‏ وقوله عز وجل‏:‏ وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي أي إلي مدة معلومة عند الله تعالي‏,‏ ثم ينقضي يوم القيامة‏,(‏ ألا هو العزيز الغفار‏)‏ أي مع عزته وعظمته وكبريائه‏,‏ هو غفار لمن عصاه ثم تاب وأناب إليه‏.‏
    وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ رحمهما الله‏)‏ مانصه‏:(‏ خلق السماوات والأرض بالحق‏)‏ ولحكمة‏,‏ لا عبثا باطلا‏,‏ متعلق بـ خلق‏.‏

    ‏(‏ يكور‏)‏ أي يدخل ـ الليل علي النهارـ فيزيد‏(‏ ويكور النهار‏)‏ يدخله ـ علي الليل ـ فيزيد‏.‏
    وجاء في الهامش التعليق التالي من أحد المحققين‏:‏ قوله تعالي‏(‏ يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل‏)‏ ما ذكره المؤلف الجلال المحلي في معني التكوير هو معني الإيلاج الوارد في مثل قوله تعالي‏(‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏),‏ وهذا تفسير غير موافق لمعني اللغة‏,‏ لأن التكوير والإيلاج ليسا بمعني واحد‏,‏ وإلا فما معني قوله تعالي‏(‏ إذا الشمس كورت‏)‏؟ قال‏:‏في القاموس‏:‏ التكوير في اللغة طرح الشيء بعضه علي بعض‏,‏ ومنه كور العمامة‏,‏ فيكون معني الآية‏:‏ ان الله تعالي سخر الليل والنهار يتعاقبان‏,‏ يذهب أحدهما فيعقبه الآخر الي يوم القيامة‏,‏ وفي الآية إشارة واضحة إلي أن الأرض لاتخلو من ليل في مكان ونهار في آخر‏,‏ علي مدار الساعة

    وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:‏
    ‏(‏خلق السماوات والأرض‏)..‏ وأنزل الكتاب بالحق‏..‏ فهو الحق الواحد في ذلك الكون وفي هذا الكتاب‏..‏ وكلاهما صادر من مصدر واحد‏,‏ وكلاهما آية علي وحدة المبدع العزيز الحكيم‏,(‏ يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل‏)..‏ وهو تعبير عجيب يقسرالناظر فيه قسرا علي الالتفات الي ما كشف حديثا عن كروية الأرض‏,‏ ومع أنني في هذه الظلال حريص علي ألا أحمل القرآن علي النظريات التي يكشفها الإنسان‏,‏ لأنها نظريات تخطيء وتصيب‏,‏ وتثبت اليوم وتبطل غدا‏,‏ والقرآن حق ثابت يحمل آية صدقه في ذاته‏,‏ ولا يستمدها من موافقة أو مخالفة لما يكشفه البشر الضعاف المهازيل‏!‏
    مع هذا الحرص فإن هذا التعبير يقسرني قسرا علي النظر في موضوع كروية الأرض‏,‏ فهو يصور حقيقة مادية ملحوظة علي وجه الأرض‏,‏ فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس‏,‏ فالجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهارا‏,‏ ولكن هذا الجزء لايثبت لأن الأرض تدور‏,‏ وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار‏,‏ وهذا السطح مكور‏,‏ فالنهار كان عليه مكورا‏,‏ والليل يتبعه مكورا كذلك‏,‏ وبعد فترة يبدأ النهار من الناحية الأخري يتكور علي الليل‏,‏ وهكذا في حركة دائبة‏(‏ يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل‏)..‏ واللفظ يرسم الشكل‏,‏ ويحدد الوضع‏,‏ ويعين نوع طبيعة الأرض وحركتها‏,‏ وكروية الأرض ودورانها يفسران هذا التعبير تفسيرا أدق من أي تفسير آخر‏..‏

    وذكر صاحب صفوة البيان‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:(‏ يكور الليل علي النهار‏)‏ تكوير الشيء إدارته‏,‏ وضم بعضه إلي بعض ككور العمامة‏,‏ أي أن هذا يكر علي هذا‏,‏ وهذا يكر علي هذا كرورا متتابعا كتتابع أكوار العمامة بعضها علي إثر بعض‏,‏ إلا أن أكوار العمامة مجتمعة‏,‏ وفيما نحن فيه متعاورة‏..‏ وقيل المعني‏:‏ يزيد الليل علي النهار ويضمه إليه‏,‏ بأن يجعل بعض أجزاء الليل نهارا‏,‏ فيطول النهار عن الليل‏,‏ ويزيد النهار عن الليل ويضمه إليه بأن يجعل بعض أجزاء النهار ليلا فيطول الليل عن النهار‏,‏ وهو كقوله تعالي‏:(‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏)‏
    وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ مانصه‏:‏ خلق السماوات والأرض متلبسا بالحق والصواب علي ناموس ثابت‏,‏ يلف الليل علي النهار ويلف النهار علي الليل علي صورة الكرة‏,‏ وذلل الشمس والقمر لإرادته ومصلحة عباده‏,‏ كل منهما يسير في فلكه إلي وقت محدد عنده‏..‏ وهو يوم القيامة‏,‏ ألا هو ـ دون غيره ـ الغالب علي كل شيء‏,‏ فلا يخرج شيء عن إرادته‏,‏ الذي بلغ الغاية في الصفح عن المذنبين من عباده وجاء في الهامش هذا التعليق‏:‏ تشير هذه الآية الكريمة إلي أن الأرض كروية تدور حول نفسها لأن مادة التكوير معناها لف الشيء علي الشيء علي سبيل التتابع‏,‏ ولو كانت الأرض غير كروية‏(‏ مسطحة مثلا‏)‏ لخيم الليل أو طلع النهار علي جميع أجزائها دفعة واحدة



    يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل
    وذكر صاحب صفوة التفاسير‏(‏ بارك الله في جهده‏):(‏ خلق السماوات والأرض بالحق‏)‏ أي خلقهما علي أكمل الوجوه وأبدع الصفات‏,‏ بالحق الواضح والبرهان الساطع‏(‏ يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل‏)‏ أي يغشي الليل علي النهار ويغشي النهار علي الليل‏,‏ وكأنه يلف عليه لف اللباس علي اللابس‏,‏ قال القرطبي‏:‏ وتكوير الليل علي النهار تغشيته إياه حتي يذهب ضوءه ويغشي النهار علي الليل فيذهب ظلمته وهذا منقول عن قتاده‏...‏

    كروية الأرض في المعارف المكتسبة
    كان أول من قال بكروية الأرض فلاسفة الحضارة العراقية القديمة المعروفة باسم حضارة مابين النهرين في حدود سنة‏2000‏ ق‏.‏م وعنهم أخذ فلاسفة اليونان ومنهم فيثاغورس الذي نادي بها في منتصف القرن السادس ق‏.‏م مؤكدا أن الشكل الكروي هو أكثر الأشكال الهندسية انتظاما لكمال انتظام جميع أجزاء الكرة‏,‏ بالنسبة إلي مركزها‏,‏ وعلي ذلك فإن الأرض وجميع أجرام السماء لابد وأن تكون كروية الشكل‏.‏
    وبقي هذا الرأي شائعا في الحضارة اليونانية القديمة حتي القرن الرابع ق‏.‏م إلي أن عارضه أرسطو فشاع بين الناس الاعتقاد باستواء الارض بلا أدني انحناء‏.‏

    وفي عهد الخليفتين العباسيين الرشيد والمأمون في القرن الهجري الثاني وأوائل الثالث‏)‏ نادي عدد من علماء المسلمين ومنهم البيروني وابن سينا والكندي والرازي وغيرهم بكروية الارض التي استدلوا عليها بعدد من الظواهر الطبيعية التي منها مايلي‏:‏

    ‏(1)‏ استدارة حد ظل الأرض حين يقع علي سطح القمر في أوقات خسوفه
    ‏(2)‏ اختلاف ارتفاع النجم القطبي بتغير مكان الراصد له قربا من خط الاستواء او بعدا عنه‏.‏
    ‏(3)‏ تغير شكل قبة السماء من حيث مواقع النجوم وتوزيعها فيها باقتراب الراصد لها من أحد القطبين‏.‏

    ‏(4)‏ رؤية الأفق دوما علي هيئة دائرة تامة الاستدارة واتساع دائرته بارتفاع الرائي علي سطح الأرض‏.‏
    ‏(5)‏ ظهور قمم الجبال البعيدة قبل سفوحها بتحرك الرائي إليها‏,‏ واختفاء أسافل السفن قبل اعاليها في تحركها بعيدا عن الناظر إليها‏.‏

    وقام علماء المسلمين في هذا العصر الذهبي بقياس محيط الأرض بدقة فائقة‏,‏ وبتقدير مسافة درجة الطول في صحراء العراق وعلي طول ساحل البحر الأحمر‏,‏ وكانوا في ذلك سابقين للحضارة الغربية بتسعة قرون علي الأقل‏,‏ فقد اعلن الخليفة المأمون لأول مرة في تاريخ العلم أن الأرض كروية ولكنها ليست كاملة الاستدارة‏.‏
    ثم جاء نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي ليتحدث عن نقص تكور الأرض من منطلق آخر إذ ذكر أن مادة الأرض خاضعة لقوتين متعارضتين‏:‏ قوة الجاذبية التي تشد مادة الأرض الي مركزها‏,‏ والقوة الطاردة المركزية الناشئة عن دوران الأرض حول محورها والتي تدفعها إلي الخارج والقوة الأخيرة تبلغ ذروتها عند خط استواء الأرض فتؤدي إلي انبعاجها قليلا بينما تنقص الي أقل قدر لها عند القطبين فيتفلطحان قليلا‏,‏ ثم جاء تصوير الأرض من الفضاء في أواخر القرن العشرين ليؤكد كلا من كروية الأرض وانبعاجها قليلا عند خط استوائها

    كروية الأرض في القرآن الكريم
    من الحقائق الثابتة عن الأرض أنها مكورة‏(‏ كرة أو شبه كرة‏),‏ ولكن نظرا لضخامة أبعادها فإن الانسان يراها مسطحة بغير أدني انحناء‏,‏ وهكذا ساد الاعتقاد بين الناس بهذا التصور للأرض إلي زمن الوحي بالقرآن الكريم‏,‏ وإلي قرون متطاولة من بعد ذلك بل بين العوام إلي يومنا هذا‏,‏ علي الرغم من وجود عدد من الملاحظات القديمة التي تشير إلي كرويتها‏.‏
    ولذلك فإن القرآن الكريم يتحدث عن هذه الحقيقة بطريقة غير مباشرة‏,‏ وبصياغة ضمنية لطيفة‏,‏ ولكنها في نفس الوقت بالغة الدقة والشمول والأحكام‏,‏ وجاء ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن تكور كل من الليل والنهار علي الآخر‏,‏ وولوجه فيه وانسلاخه منه‏,‏ وعن مد الأرض وبسطها‏,‏ ودحوها وطحوها‏,‏ وكثرة المشارق والمغارب فيها مع بقاء قمة عظمي ونهايتين لكل منهما‏,‏ ومن تلك الآيات قوله‏(‏ تعالي‏):‏

    ‏(‏ا‏)‏ خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار‏.‏
    ‏(‏الزمر‏:‏ آية‏5)‏

    ومعني يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل أي يغشي كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه‏,‏ وهو وصف واضح الدلالة علي كروية الأرض‏,‏ وعلي دورانها حول محورها أمام الشمس‏,‏ وذلك لأن كلا من الليل والنهار عبارة عن فترة زمنية تعتري نصف الأرض في تبادل مستمر‏,‏ ولو لم تكن الأرض مكورة لما تكور أي منهما‏,‏ ولو لم تكن الأرض تدور حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار وكلاهما ظرف زمان وليس جسما ماديا يمكن أن يكور‏,‏ بل يتشكل بشكل نصف الأرض الذي يعتريه‏,‏ ولما كان القرآن الكريم يثبت أن الله تعالي يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل وهما فترتان زمنيتان تعتريان الأرض‏,‏ فلابد للأرض من أن تكون مكورة‏,‏ ولابد لها من الدوران حول محورها أمام الشمس‏.‏
    ومن هنا كان التعبير القرآني بتكوير كل من الليل والنهار فيه إعلام صادق عن كروية الأرض‏,‏ وعن دورانها حول محورها أمام الشمس‏,‏ بأسلوب رقيق لا يفزع العقلية السائدة في ذلك الزمان التي لم تكن مستعدة لقبول تلك الحقيقة‏,‏ فضلا عن استيعابها‏,‏ تلك الحقيقة التي أصبحت من البديهيات في زماننا وإن بقي بعض الجهال علي إنكارها إلي يومنا هذا وإلي قيام الساعة‏,‏ والتكوير يعني جعل الشيء علي هيئة مكورة‏(‏ هيئة الكرة أو شبه الكرة‏),‏ إما مباشرة أو عن طريق لف شيء علي شيء آخر في اتجاه دائري شامل‏(‏ أي في اتجاه كروي‏),‏ وعلي ذلك فإن من معاني يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ ينشر بالتدريج ظلمة الليل علي مكان النهار من سطح الأرض المكور فيحوله إلي ليل مكور‏,‏ كما ينشر نور النهار علي مكان ظلمة الليل من سطح الأرض المكور فيحوله نهارا مكورا‏,‏ وبذلك يتتابع كل من الليل والنهار علي سطح الأرض الكروي بطريقة دورية‏,‏ مما يؤكد حقيقتي كروية الأرض‏,‏ ودورانها حول محورها أمام الشمس بأسلوب لا يفزع الأفراد ولا يصدم المجتمعات التي بدأ القرآن الكريم يتنزل في زمانها والتي لم يكن لها حظ من المعرفة بالكون وحقائقه‏.‏

    ‏(‏ب‏)‏ والاشارات القرآنية الضمنية إلي حقيقة كروية الأرض ليست مقصورة علي آية سورة الزمر‏(‏ الآية الخامسة‏)‏ وحدها‏,‏ وذلك لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يؤكد في عدد من آيات القرآن الكريم علي مد الأرض أي علي بسطها بغير حافة تنتهي إليها‏.‏ وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت الأرض كروية الشكل‏,‏ لأن الشكل الوحيد الذي لا نهاية لبسطه هو الشكل الكروي‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    ‏(1)‏ وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا‏.(‏ الرعد‏:53)‏

    ‏(2)‏ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون
    (‏ الحجر‏:19)‏
    ‏(3)‏ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج‏.(‏ ق‏:7)‏

    ‏(‏ جـ‏)‏ كذلك يؤكد القرآن الكريم كروية الأرض في آيات التطابق‏(‏ أي تطابق كل من السماوات والأرضين‏)‏ ولا يكون التطابق بغير انحناء وتكوير‏,‏ وفي ذلك يقول‏(‏ ربنا تبارك وتعالي‏):‏
    الذي خلق سبع سماوات طباقا‏..(‏ الملك‏:3)‏ أي متطابقة‏,‏ يغلف الخارج منها الداخل فيها‏,‏ ويشير القرآن الكريم الي اتفاق الأرض في ذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن‏..(‏ الطلاق‏:12).‏ أي سبع أرضين متطابقة حول مركز واحد يغلف الخارج منها الداخل فيها‏.‏

    ‏(‏د‏)‏ كذلك تشير آيات المشرق والمغرب التي ذكرت بالافراد‏,‏ والتثنية‏,‏ والجمع إلي حقيقة كروية الأرض‏,‏ وإلي دورانها حول محورها أمام الشمس‏,‏ وإلي اتجاه هذا الدوران‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    ‏(1)‏ قال رب المشرق والمغرب ومابينهما إن كنتم تعقلون‏(‏ الشعراء‏:28)‏
    ‏(2)‏ رب المشرقين ورب المغربين
    ‏(‏الرحمن‏:17)‏

    ‏(3)‏ فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون علي أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين‏(‏ المعارج‏:41,40)‏
    فالمشرق هو جهة طلوع الشمس‏,‏ والمغرب جهة غيابها‏,‏ ووجود كل من المشرق والمغرب يؤكد كروية الأرض‏,‏ وتبادلهما يؤكد دورانها حول محورها أمام الشمس من الغرب إلي الشرق‏,‏ ففي الوقت الذي تشرق فيه الشمس علي جهة ما من الأرض تكون قد غربت في نفس اللحظة عن جهة أخري‏,‏ ولما كانت الأرض منبعجة قليلا عند خط الاستواء كانت هناك قمة عظمي للشروق وأخري للغروب‏(‏ رب المشرق والمغرب‏),‏ ولما كانت الشمس تشرق علي الأرض في الفصول المختلفة من نقاط مختلفة‏,‏ كما تغرب عنها من نقاط مختلفة‏(‏ وذلك بسبب ميل محور دوران الأرض بزاوية مقدارها‏23,5‏ درجة علي مستوي فلك دورانها حول الشمس‏),‏ كانت هناك مشارق عديدة‏,‏ ومغارب عديدة‏(‏ رب المشارق والمغارب‏),‏ وكانت هناك نهايتان عظميان لكل من الشروق والغروب‏(‏ رب المشرقين ورب المغربين‏),‏ وينتشر بين هاتين النهايتين العظميين نقاط متعددة لكل من الشروق والغروب علي كل من خطوط الطول وخطوط العرض‏,‏ وعلي مدار السنة‏,‏ لأن دوران الأرض حول محورها أمام الشمس يجعل النور المنبثق عن ضوء هذا النجم ينتقل علي سطح الأرض الكروي باستمرار من خط طول إلي آخر محدثا عددا لا نهائيا من المشارق والمغارب المتعاقبة في كل يوم‏.‏

    ووجود كل من جهتي المشرق والمغرب‏,‏ والنهايات العظمي لكل منهما‏,‏ وما بينهما من مشارق ومغارب عديدة‏,‏ وتتابع تلك المشارق والمغارب علي سطح الأرض يؤكد كرويتها‏,‏ ودورانها حول محورها أمام الشمس‏,‏ وميل محور دورانها علي مستوي فلك دورانها‏,‏ وكل ما ينتج عن ذلك من تعاقب الليل والنهار‏,‏ وتبادل الفصول المناخية‏,‏ واختلاف مطالع الشمس ومغاربها علي مدار السنة‏,‏ وكلها من الحقائق الكونية التي لم تكن معروفة وقت تنزل القرآن الكريم‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده إلا بصورة بدائية ولنفر محدودين جدا من أبناء الحضارات السابقة التي لم تصل كتاباتهم إلي شبه الجزيرة العربية إلا بعد حركة الترجمة التي بدأت في منتصف القرن الهجري الثاني‏(‏ أي منتصف القرن الثامن الميلادي‏)‏ في عهد الدولة العباسية‏,‏ وورود مثل هذه الحقائق الكونية في ثنايا الآيات القرآنية بهذه الإشارات اللطيفة والدقيقة في نفس الوقت لمما يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ وأن النبي والرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ وهي من الحقائق الاعتقادية التي يحتاجها إنسان اليوم الذي توفر له من أسباب التقدم العلمي والتقني ما لم يتوفر لجيل من البشر من قبل‏,‏ ولكنه في ظل هذا التقدم فقد الصلة بخالقه‏,‏ ففقد الكثير من القيم الأخلاقية النبيلة والضوابط السلوكية الصحيحة التي تدعو إلي الارتقاء بالانسان إلي مراتب التكريم التي رفعه إليها رب العالمين وتعينه علي إقامة عدل الله في الأرض‏,‏ بدلا من المظالم العديدة التي تجتاحها في كثير من أجزائها‏,‏ والخراب والدمار والدماء التي تغرقها‏,‏ في ظل غلبة أهل الباطل علي أهل الحق‏,‏ وفقدان هؤلاء الكفار والمشركين لأدني علم بالدين الذي يرتضيه رب العالمين من عباده‏,‏ ولعل في الاشارة إلي مثل هذا السبق القرآني بالعديد من حقائق الكون ومظاهره ما يمكن أن يمهد الطريق إلي الدعوة لهذا الدين‏,‏ وتصحيح فهم الآخرين لحقيقته من أجل تحييد هذا الكم الهائل من الكراهية للاسلام والمسلمين والتي غرسها ولا يزال يغرسها شياطين الإنس والجن في قلوب الأبرياء والمساكين من بني البشر فبدأوا بالصراخ بصراع الحضارات ونهاية العالم‏,‏ وبضرورة اشعال حرب عالمية ثالثة بين الغرب‏(‏ وهو في قمة من التوحد‏,‏ والتقدم العلمي‏,‏ والتقني‏,‏ والتفوق الاقتصادي والعسكري‏),‏ والعالم الاسلامي‏(‏ وهو في أكثر فترات تاريخه فرقة‏,‏ وتمزقا‏,‏ وانحسارا ماديا وعلميا وتقنيا وتخلفا عسكريا‏),‏ من أجل القضاء علي دين الله الحق‏..‏ والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏.(‏ يوسف‏:21).‏
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    7,692
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    09-08-2017
    على الساعة
    09:57 AM

    افتراضي

    اخى
    بارك الله فيك على ما جمعت وقدمت
    جعله الله فى ميزان حسناتك
    وبارك الله لنا فى الدكتور زغلول النجار على ما اكتشف وجاء بمثل ماجاء به
    من اكتشافات علميه موثقه فى القران الكريم
    لى طلب لو سمحت
    هلا كتبت لنا بالخط الواضح لان بعض الكتابات تزغلل النظر
    واسفه على ما طلبت
    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اقتباس
    هلا كتبت لنا بالخط الواضح لان بعض الكتابات تزغلل النظر
    الاخت الفاضله ... هل المقصود نوع الخط او الحجم او لون الخط حيث هذه من خطوط المنتدي ...
    وجزاكم الله خير
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    (46)‏ وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين
    بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
    هذة الآية الكريمة جاءت في بداية الخمس الثاني من سورة الحجر وهي سورة مكية‏,‏ نزلت بين عام الحزن وعام الهجرة‏,‏ ولذلك فقد جاءت السورة الكريمة بروح التثبيت لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في مواجهة عناد ومكابرة كفار قريش له‏,‏ وتكذيبهم ببعثته الشريفة‏,‏ وتشكيكهم في الوحي الذي جاءه من ربه‏,‏ واتهامهم له زورا بالجنون‏,‏ وهم أعرف الناس برجاحة عقله‏,‏ وعظيم خلقه‏,‏ وشرف نسبه‏..‏ ولذلك فإن محور السورة الرئيسي يدور حول إبراز طبيعة المكذبين بدين الله الحق‏(‏ الإسلام‏),‏ ودوافعهم لتكذيبه‏,‏ وحول التأكيد علي سنن الله التي لا تتخلف ولا تتوقف عن عقاب المكذبين‏,‏ في كل زمان وفي كل مكان‏,‏ واستعراض مصارع عدد من هؤلاء الطغاة الكافرين‏,‏ والمشركين‏,‏ والمكذبين‏,‏ المفسدين في الأرض بغير حق‏,‏ والمتجبرين علي الخلق‏,‏ لعله يكون في ذلك عبرة للمعتبرين في كل وقت وفي كل حين‏...!!‏ وعدد آيات سورة الحجر تسع وتسعون‏;‏ وقد سميت بهذا الاسم لذكر الحجر في الآية الثمانين منها‏,‏ وهي مدائن صالح‏,‏ ديار قبيلة ثمود‏,‏ وهي عبارة عن بيوت منحوتة في الصخر الثابت علي جانبي الوادي‏,‏ أو المجلوب إلي بطن الوادي‏,‏ وهي الآن خربة‏,‏ تقع إلي الشمال الغربي من المدينة المنورة علي الطريق القديم بينها وبين مدينة تبوك‏.‏

    وتستهدف سورة الحجر التذكير بالمقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية‏,‏ وقد استهلت بثلاثة من الحروف المقطعة وهي الر‏,‏ والحروف المقطعة المعروفة باسم الفواتح الهجائية تتكون من أربعة عشر حرفا‏,‏ أي تضم نصف حروف الهجاء الثمانية والعشرين‏,‏ وقد وردت في أربع عشرة صيغة‏,‏ افتتحت بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم‏,‏ وقد جمعها بعض علماء السلف في عبارة مبهرة تقول‏:‏ نص حكيم قاطع له سر وهو وصف للقرآن الكريم‏,‏ وقد حاول عدد غير قليل من علماء المسلمين استجلاء كنه هذه الفواتح الهجائية‏,‏ وتوقف العدد الأكبر عن الخوض فيها‏,‏ واكتفي بتفويض أمرها إلي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ معتبرا إياها سرا من أسرار القرآن الكريم لم يتم اكتشافه بعد‏.‏
    وتنتقل السورة الكريمة إلي الإشادة بكتاب الله وآياته‏,‏ وروعة بيانه‏,‏ ووضوح دلالاته‏,‏ وتتابع بتهديد جازم للجاحدين من الكفار والمشركين بمشهد الآخرة‏,‏ وهم يعانون أهوالها‏,‏ وقد استبان لهم الحق فيتمنون لو كانوا في الدنيا من المسلمين‏...!!‏

    ومن قبيل التهوين من صلف هؤلاء الجاحدين تطلب الآيات من رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن يدعهم في غيهم يأكلون ويتمتعون‏,‏ ويشغلهم الأمل بطول الأجل عن التفكير فيما سوف يلقونه من شقاء في الدنيا‏,‏ وعذاب مهين في الآخرة جزاء كفرهم وعنادهم وكبرهم‏...!!‏
    وهذا التهديد والوعيد من الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهؤلاء الكفار والمشركين ولأمثالهم من التابعين لهم يليه مباشرة تذكير بمصائر غيرهم من الأمم الظالمة‏,‏ البائدة‏,‏ التي لم يهلك الله‏(‏ تعالي‏)‏ أيا منها إلا وجعل لهلاكها أجلا محددا‏.‏

    وتذكر الآيات في سورة الحجر تحديات كفار قريش لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ واستهزاءهم به‏,‏ واستنكارهم لبعثته الشريفة حتي طلبوا منه أن يأتيهم بالملائكة‏,‏ ليشهدوا علي صدق نبوته‏,‏ وترد الآيات عليهم بأن الملائكة لا تنزل إلا بالحق‏,‏ وأن من هذا الحق أن يدمر الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ المكذبين بآياته ورسله بعد أن جاءتهم نذره‏...!!‏
    وتؤكد سورة الحجر أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي أنزل القرآن العظيم‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ الذي تعهد بحفظه فحفظ بصفائه الرباني‏,‏ ولغة وحيه العربية علي مدي يزيد علي الأربعة عشر قرنا‏,‏ وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏,‏ فلا يمكن لتحريف أن يطوله‏,‏ ولا لتبديل حرف واحد أن يصيبه‏,‏ ولا لضياع أن يغيبه‏...,‏ وهذا الحفظ الرباني لآخر الكتب السماوية وأتمها وأكملها لهو بحق من أعظم المعجزات لهذا الكتاب الرباني الخالد الذي كذب به كفار قريش‏,‏ كما يكذب به كفار هذا الزمن ومشركوه وملاحدته‏...!!‏

    ومن قبيل تثبيت رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وتهوين الأمر عليه وعلي أتباعه الصالحين في كل زمان ومكان‏,‏ تذكر الآيات أن هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ لم يكن منفردا دون غيره من رسل الله بجحود قومه وتكذيبهم ومكابرتهم‏,‏ وعنادهم واستهزائهم‏,‏ فما من نبي ولا من رسول سبقه إلا وتعرض لذلك وأشد منه‏,‏ فاستحقت أقوامهم المكذبة عقاب الله في الدنيا‏,‏ ولعذاب الآخرة أشد وأنكي‏...!!‏ وذلك لأنهم لم يكن ينقصهم الدليل المنطقي علي صدق الوحي‏,‏ وعلي ضرورة الإيمان به‏,‏ ولكنه الصلف‏,‏ والعناد‏,‏ والمكابرة في مقابلة الحق‏...!!‏
    وتصور لنا الآيات في أول سورة الحجر نموذجا صارخا لمكابرة أهل الباطل‏,‏ وعنادهم في مواجهة الحق‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون‏.‏ لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون
    ‏(‏الحجر‏:15,14).‏

    وفي وصف سورة الحجر بطبيعة المكذبين بهذا الدين‏,‏ ودوافعهم لتكذيبه عن عناد لا عن نقص في أدلة الإيمان‏,‏ وتصوير مصارعهم ومصائرهم المروعة‏,‏ تؤكد سنن الله التي لا توقف ولا تتخلف أبدا في جزاء المؤمنين وعقاب المكذبين‏;‏ وتستعرض عددا من آيات الله في الكون‏,‏ وفي الحياة والموت لدحض دعاوي المكذبين‏;‏ وتذكر بخلق آدم‏(‏ عليه السلام‏,‏ وبسجود الملائكة له‏,‏ وبقصة الشيطان الرجيم معه‏,‏ ومحاولة غوايته له‏,‏ وللغافلين من ذرية آدم من بعده إلي يوم الدين‏,‏ كما تعرض لأصل الهدي والضلال في هذه الحياة الدنيا وجزاء كل منهما‏.‏ ثم تستعرض بشيء من التفصيل مصارع المكذبين من أقوام كل من أنبياء الله‏:‏ لوط وشعيب وصالح‏(‏ علي رسولنا وعليهم من الله السلام‏),‏ وتعرض لشيء من رحمات الله مع كل من نبييه إبراهيم ولوط‏(‏ علي نبينا وعليهما الصلاة والسلام‏).‏
    وتتحدث سورة الحجر في خواتيمها عن خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق‏,‏ وتؤكد أن الساعة آتية لا ريب فيها‏...,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الخلاق العليم‏,‏ وتوصي بعدد من الوصايا لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ منها أن يعلن أنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هو النذير المبين‏,‏ وأن يصدع بما يؤمر‏,‏ وأن يعرض عن المشركين‏,‏ فإن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد كفاه سفه المستهزئين من الكفار والمشركين الذين كانت سفاهتهم تؤذي مشاعره وتؤلمه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فيضيق صدره‏,‏ وتوصيه الآيات أن يفزع إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ كلما أصابه شيء من ذلك‏,‏ وأن يعبد الله‏(‏ تعالي‏)‏ حتي يأتيه اليقين‏...!!‏

    وسورة الحجر في خطابها إلي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هي خطاب للقائمين علي الدعوة الإسلامية في كل زمان ومكان‏...‏ خاصة في زماننا الحالي‏...‏ زمن الغطرسة والكبر لأهل الكفر والشرك والضلال وفي مقدمتهم الأمريكيون والبريطانيون‏,‏ وضيعتهم الحركة الصهيونية العالمية‏...‏ وشياطينها المحتلون لأرض فلسطين العربية المسلمة‏,‏ فملأوها ظلما وجورا وفسادا علي مدي نصف قرن أو يزيد قليلا‏,‏ والذين ندعو الله‏(‏ تعالي‏)‏ أن يطهر الأرض من رجسهم ودنسهم في أقرب وقت ممكن إن شاء الله رب العالمين آمين آمين آمين يارب العالمين‏.‏ وكما هددت سورة الحجر المكذبين من الكفار والمشركين في زمن الوحي‏,‏ وتوعدتهم بمصارع الغابرين‏...‏ فإنها تتهدد كفار ومشركي اليوم وإلي قيام الساعة بمثل عقاب الغابرين الهالكين‏...!!!‏
    والآيات الكونية والتاريخية التي استشهدت بها سورة الحجر تشمل ما يلي‏:‏

    ‏(1)‏ إثبات أن السماء بناء محكم شاسع الاتساع‏.‏
    ‏(2)‏ تسمية الحركة في السماء بالعروج‏.‏
    ‏(3)‏ إثبات أن الكون يغشاه الظلام الدامس في أغلب أجزائه وأن طبقة نور النهار طبقة رقيقة للغاية‏.‏
    ‏(4)‏ الإشارة إلي بروج السماء‏,‏ وإلي حفظها من كل شيطان رجيم‏.‏
    ‏(5)‏ الإشارة إلي شيء من وظائف الشهب‏.‏
    ‏(6)‏ الإشارة إلي كروية الأرض بذكر مدها لأن المد إلي ما لا نهاية هو قمة التكوير‏.‏
    ‏(7)‏ ذكر إرساء الأرض بالجبال‏.‏
    ‏(8)‏ إثبات كل شيء موزون في الأرض‏.‏
    ‏(9)‏ إعداد المعايش للإنسان والحيوان والنبات علي الأرض بمعني تهيئة الأرض لاستقبال الحياة بمختلف صورها‏.‏
    ‏(10)‏ إثبات أن خزائن كل شيء عند الله وما ينزله إلا بقدر معلوم‏.‏
    ‏(11)‏ إرسال الرياح لواقح للسحب من أجل إنزال ما بها من بخار الماء علي هيئة ماء المطر لسقيا الإنسان والحيوان والنبات وتخزين جزء من ماء المطر في صخور الأرض‏.‏
    ‏(12)‏ إثبات الإحياء من العدم والإماتة والبعث لله الحي الذي لا يموت‏.‏
    ‏(13)‏ خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون‏,‏ وخلق الجان من نار السموم‏.‏
    ‏(14)‏ خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق‏.‏
    ‏(15)‏ نسبة الخلق كله إلي الله الخلاق العليم‏.‏
    ‏(16)‏ الإنباء بطرف من قصص كل من آدم‏,‏ وإبراهيم‏,‏ وأقوام عدد من أنبياء الله منهم لوط‏,‏ وشعيب‏,‏ وصالح‏(‏ علي نبينا وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏).‏

    وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي تفصيل لا يتسع له المقال ولذلك فسوف أقتصر هنا علي قضية إرسال الرياح لواقح للسحب من أجل إنزال ما بها من بخار الماء علي هيئة ماء المطر لسقيا كل من الإنسان والحيوان والنبات‏,‏ وهي قضية لم يتوصل الإنسان إلي فهمها إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين‏,‏ وسبق القرآن الكريم بالإشارة إليها من قبل اثني عشر قرنا هو من آيات الإعجاز العلمي فيه‏,‏ وقبل الدخول إلي ذلك أوجز أقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

    من أقوال المفسرين
    دورة الماء حول الأرض
    في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين‏(‏ الحجر‏:22).‏
    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ أي تلقح السحاب فتدر ماء‏,‏ وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها‏,‏ وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم‏,‏ فإن أفردها وصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج‏,‏ وقال أعمش‏,‏ عن عبدالله بن مسعود في قوله‏(‏ تعالي‏):(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ قال‏:‏ ترسل الريح فتحمل الماء من السماء‏,‏ ثم تمر مر السحاب حتي تدر كما تدر اللقحة‏,‏ وقال الضحاك‏:‏ يبعثها الله علي السحاب فتلقحه فيمتلئ ماء‏,‏ وقال عبيد بن عمير الليثي‏:‏ يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما‏,‏ ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب‏,‏ ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر‏,‏ ثم تلا‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏).‏

    وقوله تعالي‏(‏ فأسقيناكموه‏)‏ أي أنزلناه لكم عذبا يمكنكم أن تشربوا منه‏...‏ وقوله‏:(‏ وما أنتم له بخازنين‏),‏ قال سفيان الثوري‏:‏ بما نعين‏;‏ ويحتمل أن المراد‏:‏ وما أنتم له بحافظين‏,‏ بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معينا وينابيع في الأرض‏,‏ ولو شاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ لأغاره وذهب به‏,‏ ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا وحفظه في العيون والآبار والأنهار‏,‏ ليبقي لهم طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم‏....‏
    وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ رحمهما الله‏)‏ ما نصه‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ تلقح السحاب فيمتلئ ماء‏(‏ فأنزلنا من السماء‏)‏ السحاب‏(‏ ماء‏)‏ مطرا‏(‏ فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين‏)‏ أي‏:‏ ليست خزائنه بأيديكم‏[‏ أو لستم أنتم الخازنين له‏]...‏

    وجاء في الظلال‏(‏ علي كاتبها من الله الرضوان‏)‏ ما نصه‏:...‏ أرسلنا الرياح لواقح بالماء‏,‏ كما تلقح الناقة بالنتاج‏;‏ فأنزلنا من السماء ماء مما حملت الرياح‏,‏ فأسقيناكموه فعشتم به‏:(‏ وما أنتم له بخازنين‏)...‏ فما من خزائنكم جاء‏,‏ إنما جاء من خزائن الله ونزل منها بقدر معلوم‏.‏
    والرياح تنطلق وفق نواميس كونية‏,‏ وتحمل الماء وفقا لهذه النواميس‏;‏ وتسقط الماء كذلك بحسبها ولكن من الذي قدر هذا كله من الأساس؟ لقد قدره الخالق‏,‏ ووضع الناموس الكلي الذي تنشأ عنه كل الظواهر‏....‏

    وجاء في الهامش‏:‏ أراد بعضهم أن يفسر لواقح هنا بالمعني العلمي الذي كشف وهو أن الرياح تحمل اللقاح من شجرة إلي شجرة‏,‏ ولكن السياق هنا يشير إلي أنها لواقح بالماء دون سواه‏....‏
    وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبه رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ حوامل‏,‏ جمع لاقح بمعني حامل‏;‏ لحملها الماء والتراب بمرورها عليهما‏,‏ وحملها السحاب وسوقه واستدراره‏.‏ وهي ملقحة تلقح السحاب بما تمجه فيها من بخار الماء‏....‏

    وذكر كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏ قد أرسلنا الرياح حاملة بالأمطار وحاملة بذور الإنبات‏,‏ وأنزلنا منها الماء وجعلناه سقيا لكم‏,‏ وأن ذلك خاضع لإرادتنا ولا يتمكن أحد من التحكم فيه حتي يصير عنده كالخزائن‏.‏
    وجاء في الهامش هذا التعليق‏:‏ سبقت هذه الآية ما وصل إليه العلم من أن الرياح عامل مهم في نقل حبوب اللقاح إلي الأعضاء المؤنثة في النبات ليتم بذلك عقد الثمار‏,‏ كما أنه لم يعرف إلا في أوائل القرن الماضي‏(‏ القرن العشرين‏)‏ أن الرياح تلقح السحاب بما ينزل بسببه المطر إذ إن نويات التكاثف أو النويات التي تتجمع عليها جزيئات بخار الماء لتكون نقطا من الماء نامية داخل السحب هي المكونات الأولي من المطر تحملها الرياح إلي مناطق إشارة السحاب وقوام هذه النويات أملاح البحار وما تذروه الرياح من سطح الأرض والأكاسيد والأتربة ونحوها كلها لازمة للإمطار‏.‏

    لقد ثبت في العلم حديثا أن للمطر دورة مائية‏,‏ تبدأ بتبخر المياه من سطح الأرضـ والبحر ثم تعود إليه مرة ثانية علي نحو ما سلف ذكره‏,‏ فإذا ما نزل المطر استقي منه كل حي علي الأرض كما تستقي منه الأرض نفسها‏,‏ ولا يمكن التحكم فيه لأنه بعد ذلك يتسرب من الأحياء ومن الأرض إلي التبخر‏,‏ ثم تبدأ الدورة ثانية بالتبخر وهكذا دواليك‏.‏ ومن هذا يستبين معني الآية في قوله تعالي‏(‏ وما أنتم له بخازنين‏)‏ أي‏:‏ ما نعيه من النزول من السماء ولا التسرب إليها علي صورة البخار‏....‏
    وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خيرا‏)‏ ما نصه‏:(‏ وأرسلنا الرياح لواقح‏)‏ أي تلقح السحاب فيدر ماء‏,‏ وتلقح الشجر فيتفتح عن أوراقه وأكمامه‏,‏ فالريح كالفحل للسحاب والشجر‏(‏ فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه‏)‏ أي فأنزلنا من السحاب ماء عذبا‏,‏ جعلناه لسقياكم ولشرب أرضكم ومواشيكم‏(‏ وما أنتم له بخازنين‏)‏ أي لستم بقادرين علي خزنه بل نحن بقدرتنا نحفظه لكم في العيون والآبار والأنهار‏,‏ ولو شئنا لجعلناه غائرا في الأرض فهلكتم عطشا‏....‏

    إرسال الرياح لواقح
    في منظور العلوم المكتسبة
    تعرف الرياح بأنها الهواء المتحرك بالنسبة لبقية الغلاف الغازي المحيط بالأرض‏;‏ وهذا الغلاف الغازي أخرجه الله‏(‏ تعالي‏)‏ أصلا من داخل الأرض ولا يزال يخرجه عبر فوهات البراكين في أثناء ثوراتها‏,‏ وعندما أخرج هذا الغاز اختلط بالدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم‏,‏ وعن التفاعلات النووية داخل النجوم‏,‏ وعن انفجار بعض الأجرام السماوية فتكون الغلاف الغازي للأرض من خليط بعضه من الأرض والبعض الآخر من السماء ولذلك يصفه القرآن الكريم بالبينية التي يقول فيها‏:‏
    وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق‏...‏
    ‏(‏الحجر‏:85).‏

    وقد ذكر هذه البينية الفاصلة بين السماوات والأرض في إحدي وعشرين آية قرآنية‏,‏ وأكد تعريفها قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):...‏ وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون‏(‏ البقرة‏:164).‏
    والغلاف الغازي للأرض يمتد إلي عدة آلاف من الكيلو مترات في السمك وتقدر كتلته بنحو ستة آلاف مليون مليون طن‏,‏ ولكن بما أن‏99%‏ من كتلته تقع دون ارتفاع خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏(‏ أي دون مستوي الركود الطبقي المعروف في اللغة الإنجليزية باسم‏
    Stratopause)‏
    فإن دراسة حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض‏.‏

    وتقسم الرياح علي أساس من ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر إلي ثلاثة مستويات علي النحو التالي‏:‏
    ‏(1)‏ الرياح السطحية‏:‏ تمتد من مستوي سطح البحر إلي بضعة كيلو مترات قليلة فوقه‏,‏ وهي من أهم العوامل في تشكيل سطح الأرض حيث تباشر عملية تآكل صخور ورسوبيات وتربة سطح الأرض‏,‏ وتوزيعها حيثما وجدت تلك المواد غير مغطاة بوقاء من النبات أو غيره فهي من أقوي عوامل التعرية خاصة في الصحاري والقفار‏,‏ وتأتي في المقام الثاني بعد الماء في أشكاله المختلفة كعامل رئيسي من عوامل تعرية الأرض‏.‏

    والرياح السطحية إذ تعصف علي سطح الصحاري تحمل معها كميات كبيرة من فتات الصخور السائبة والمفروطة لآلاف الكيلو مترات في الاتجاه الأفقي‏,‏ وترتفع ببعضها من الدقائق الناعمة ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات‏.‏
    كذلك فإن حركة هذه الرياح السطحية تضبط الظروف المناخية‏,‏ وذلك بتوزيع درجات كل من الحرارة والرطوبة علي سطح الأرض‏,‏ وهذه تلعب دورا مهما في توزيع مناطق الضغط المرتفع والمنخفض علي سطح الأرض‏,‏ ومن ثم حركة الرياح‏.‏

    هذا بالإضافة إلي أن تكثف الرطوبة في الهواء يؤدي إلي تكون السحاب‏,‏ وانتشار نوي التكثف في السحاب يعين علي نمو قطيرات الماء المتكثفة إلي أحجام تفوق قدرة حمل الهواء لها فتسقط بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ مطرا‏,‏ أو بردا‏,‏ أو ثلجا‏.‏ وهذه كلها تلعب دورا مهما في تجوية الصخور وتفتيتها‏.‏ وفي غمار ذلك كله لا يمكن نسيان دور الرياح في إثارة الأمواج البحرية وتياراتها‏,‏ وأثر ذلك في تآكل الصخور علي طول الشواطئ البحرية‏,‏ وفي استقبال ما يصل البحر من رواسب البر‏.‏
    ودور الرياح السطحية في نقل ما تفكك وانفرط من الغطاء الصخري المكون لأديم الأرض كالرمل والغرين والغبار‏,‏ والتحرك به إلي مسافات بعيدة وإلي ارتفاعات شاهقة ثابت علميا‏,‏ ويبلغ ذلك مداه إذا ما تناهت الحبيبات دقة‏,‏ وجفت وتعرت أي لم يكن يحميها غطاء من نبات أو غيره‏,‏ وتتوقف المسافة التي يحمل إليها هذا الفتات أفقيا ورأسيا علي تضاريس موضعه الأصلي‏,‏ وحجم ووزن حبيباته‏,‏ وقوة الريح وعدد ساعات هبوبها‏,‏ واستمرارية ذلك‏.‏

    والمواد المنقولة بواسطة الرياح إما أن تحمل معلقة بين طبقات الهواء إذا كانت خفيفة‏,‏ وإما أن تدفعها الرياح علي سطح الأرض‏,‏ وهي في انتقالها هذا يسبق خفيفها ثقيلها في الانتقال‏,‏ وبذلك تصنف مكوناتها‏,‏ وقد تتراكم في مجموعات علي أساس من كتلها وأحجامها‏,‏ وكثافتها‏,‏ وربما تركيبها المعدني‏.‏
    وفي مقدور الرياح السطحية أن تحمل الغبار مرتفعة به ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات فوق كل من اليابسة والمساحات الشاسعة من الماء‏,‏ خاصة في المناطق الجافة الدافئة حيث يسخن الهواء بملامسته سطح الأرض فيتمدد‏,‏ وتقل كثافته حتي يرتفع إلي أعلي علي هيئة أعاصير‏
    (Whirls),‏
    ودوارات‏
    (Eddies)‏
    حاملا معه دقائق الغبار في أعمدة طويلة تتحرك عبر السهول والوديان‏.‏

    وكثيرا ما تشاهد عواصف الغبار وهي تظلم السماء في وضح النهار‏;‏ وتحيل الهواء إلي هبوب خانق‏,‏ وتحمل كميات هائلة من هذا الغبار إلي مسافات بعيدة‏,‏ ويشاهد ذلك علي وجه الخصوص في المساحات الصحراوية الجافة مثل الصحراء الكبري التي كثيرا ما تحمل عواصفها الغبار الأحمر لتسقطه علي بعد مئات من الكيلو مترات شمالا في كل من جزر الكناري‏,‏ وإيطاليا وألمانيا‏,‏ والمساحات المائية التي مرت بها‏,‏ والبواخر العابرة فيها‏.‏
    وتتسبب عمليات تذرية الرياح للتربة في خفض مستوي سطح الأرض بصفة عامة لعدة عشرات من الملليمترات في كل قرن من الزمان‏,‏ وفي بعض الحالات الاستثنائية يمكن أن يزال إلي عمق متر كامل من التربة الناعمة من مثل التربة الصلصالية والغرينية الجافة في سنوات قليلة‏,‏ وقد يتسبب ذلك في تكوين حفر أرضية يتراوح عمقها بين‏50,30‏ مترا‏,‏ وتصل مساحتها إلي عدة كيلو مترات مربعة‏.‏

    ومن نتائج تعرية الرياح للصخور وتذرية ما تفكك منها تكون السهول الواسعة‏,‏ والأحواض المنخفضة خاصة في المناطق المكونة من صخور رخوة كالصلصال والطفال‏;‏ التي تستمر فيها عمليات التعرية حتي تنتهي عند مستوي الماء تحت سطح الأرض فيتوقف عمل الرياح لأنها لا تقوي علي حمل الفتات الصخري الرطب‏.‏
    وقد هبت عاصفة هوائية لمدة أربع وعشرين ساعة علي أحد الأودية في كاليفورنيا
    ‏(SanJoaguinValley)‏
    وذلك في‏1977/12/12‏ م كانت سرعتها في حدود‏300‏ كيلو متر في الساعة‏,‏ ويقدر ما حملته من غبار التربة العلوية في مساحة قدرها ألفان من الكيلو مترات المربعة بنحو مائة مليون طن‏.‏

    والدقائق الخفيفة من الغريق والصلصال‏(‏ أقل من‏0.15‏ من الملليمتر‏)‏ وهباءات الرماد الناتج عن الحرائق‏,‏ وبعض حبوب اللقاح الدقيقة‏,‏ وفتات دقيق جدا من بعض حطام النباتات‏,‏ وبلورات متناهية الصغر في الحجم من أملاح البحر والمحيطات حملتها الأبخرة المتصاعدة منها‏,‏ ودقائق من الرماد البركاني‏,‏ وبعض الأبخرة والمواد المتطايرة‏,‏ وحتي بعض البكتيريا الدقيقة‏,‏ وبعض المركبات الكيميائية المتعددة‏,‏ كل ذلك إذا انتشر في جسم السحابة شكل نوي للتكثف يعين بخار الماء الموجود في السحابة علي مزيد من التكثف فوق قطيرات الماء أو بللورات الثلج المتكونة داخل السحابة‏,‏ حتي تصل كتلة قطرات الماء إلي الحد الذي لا يقوي الهواء علي حملها فتسقط بإرادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ حيث يشاء مطرا أو بردا أو ثلجا أو خليطا من كل ذلك‏,‏ ومن هنا كان دور الرياح في تلقيح السحاب بنوي التكثف المختلفة‏.‏
    ومن سنن الله‏(‏ تعالي‏)‏ المتحكمة في حركات الرياح السطحية الجاذبية الأرضية‏,‏ وقدر الاحتكاك بتضاريس سطح الأرض‏,‏ وتدرج معدلات الضغط الجوي وهي مرتبطة ارتباطا مباشرا بتوزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض‏.‏

    وتظل هذه العوامل سائدة حتي ارتفاع‏65‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر حيث تبدأ عوامل أخري في التحكم بحركة الرياح‏.‏
    وأعلي سرعة للرياح السطحية تحدث عند حدود نطاق الرجع
    ‏(TheStratopause)‏
    الذي يتراوح سمكه من‏7‏ ـ‏16‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏.‏

    ‏(2)‏ الرياح المتوسطة‏:‏ وتمتد من فوق الرياح السطحية‏(‏ أي من فوق الحدود العليا لنطاق الرجع‏)‏ إلي مستوي‏35‏ كيلو مترا فوق سطح البحر وهنا تستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية‏,‏ وقد تتدخل بعض العوامل الأخري وأهمها خلخلة الهواء‏.‏
    ‏(3)‏ الرياح المرتفعة‏:‏ وتمتد في المستوي من‏35‏ كم إلي‏65‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وتستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية مع تدخل عدد من العوامل الأخري وأهمها قلة الضغط‏,‏ والجفاف الشديد‏.‏

    أما فوق مستوي‏65‏ كيلو مترا من سطح البحر فتبدأ سنن إلهية جديدة في التحكم بحركة الرياح وأهمها الكهربية الجوية‏,‏ والمغناطيسية‏,‏ وعمليات المد والجزر الهوائيين‏.‏
    من هذا الاستعراض يتضح بجلاء أن تصريف الرياح بمشيئة الله تثير السحاب بتزويد الهواء بالرطوبة اللازمة‏,‏ وأن إرسال الرياح بنوي التكثف المختلفة يعين بخار الماء الذي بالسحاب علي التكثف كما يعين قطيرات الماء المتكثفة في السحاب علي مزيد من النمو حتي تصل إلي الكتلة التي تسمح لها بالنزول مطرا أو ثلجا أو بردا بإذن الله‏,‏ كما أن الرياح تدفع بهذه المزن الممطرة بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي حيث يشاء‏,‏ وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في أوائل القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله بهذه الدقة والوضوح والكمال العلمي مما يقطع بأن مصدرها الرئيسي هو الله الخالق‏,‏ ويجزم بأن القرآن الكريم هو كلامه‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ كما يجزم بالنبوة والرسالة لهذا النبي الخاتم الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فلم يكن لأحد من الخلق أدني إلمام بدور الرياح في حمل دقائق المادة إلي السحاب حتي تعين علي تكثف هذا البخار فينزل بإرادة الله مطرا في زمن تنزل الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده فسبحان منزل القرآن الذي أنزل فيه قوله الحق‏:‏
    وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين
    ‏(‏الحجر‏:22).‏

    وذلك لأن خزن الماء في الأرض هو أيضا من آيات الله الكبري التي أعدها إعدادا ينطق بطلاقة القدرة الإلهية وعظيم الحكمة الربانية‏,‏ وقد تعرضنا لذلك في مقال سابق‏,‏ ولا أري ضرورة لإعادة شرحه هنا مرة أخري‏.‏
    كذلك فقد كررنا مرارا أنه لولا دورة الماء حول الأرض لأسن هذا الماء وتعفن لأن بلايين الكائنات الحية تحيا وتموت فيه في كل لحظة‏,‏ ولهذا يمن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقوله‏(‏ فأسقيناكموه‏)‏ فتبارك الذي أنزل القرآن العظيم‏(‏ أنزله بعلمه‏)‏ وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم الذي تلقاه والحمد لله رب العالمين‏.‏

    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي

    47)‏ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه
    ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله‏..*‏




    هذاالنص القرآني المعجز جاء في مطلع الثلث الأخير من سورة النور‏,‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وعدد آياتها أربع وستون‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة في الآية الخامسة والثلاثين منها إلي حقيقة كونية عليا مؤداها أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو نور السماوات والأرض‏..‏
    ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من التشريعات الإلهية التي تحكم سلوك المسلم وأخلاقه ومعاملاته‏,‏ والآداب الاجتماعية التي يجب أن يتمسك بها في حياته الخاصة والعامة‏,‏ وضوابط العلاقات في داخل الأسرة المسلمة‏,‏ والبيت المسلم‏,‏ صيانة للحرمات‏,‏ وحفاظا علي المجتمعات المسلمة من كل أسباب التفكك والانهيار‏....!!‏

    ومن الآداب السلوكية التي فرضتها السورة الكريمة علي أصحاب رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في زمن الوحي‏(‏ والتي تنسحب علي المسلمين في كل زمان ومكان‏)‏ أنهم إذا كانوا في معية رسول الله وهم قائمون علي أمر مهم من أمور المسلمين‏,‏ لايجوز لهم أن يتركوه حتي يستأذنوا فيأذن لهم‏.‏
    وأوردت السورة الكريمة عددا من الحدود الشرعية التي فرضها الله‏(‏ تعالي‏)‏ صونا للمجتمعات الإنسانية من الفساد‏,‏والإباحية‏,‏ والفوضي‏,‏ من مثل حدود الزنا‏,‏ والقذف‏,‏ واللعان‏,‏ وعالجت قضايا الأسرة‏,‏ والآداب التي تحكم سلوك كل فرد من أفرادها‏,‏ والحلول للمشكلات التي يمكن أن تعترض سبيلها‏...!!‏

    وتبدأ سورة النور بالتأكيد علي أنها من جوامع سور القرآن الكريم‏,‏ أنزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ كما أنزل بقية سور هذا الكتاب العزيز علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وفرض فيها علي عباده فرائض ألزمهم باتباعها‏,‏ كما أنزل عددا من آياته البينات كي تكون تذكرة للناس إلي قيام الساعة‏...!!‏
    وتحذر سورة النور من اتباع خطوات الشيطان‏,‏ وتأمر بالإنفاق في سبيل الله‏,‏ وتنهي عن الخوض في أعراض الناس‏,‏ وعن قذف المحصنات الغافلات الممؤمنات‏,‏ وتؤكد أن الخبيثات من الزوجات للخبيثين من الأزواج والخبيثين من الأزواج للخبيثات منهن‏,‏ وأن الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات‏,‏ وتنهي عن دخول البيوت دون الاستئذان والسلام علي أهلها‏,‏ وتأمر بغض البصر‏,‏ وحفظ الفرج‏,‏ وبالاحتشام وستر العورات‏,‏ وعدم التبرج بزينة‏,‏ وتضع ضوابط للزواج‏,‏ وتحرم البغاء‏,‏ وتؤكد أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو نور السماوات والأرض‏,‏ وتضرب مثلا لهذا النور‏(‏ولله المثل الأعلي‏),‏ وتدعو إلي بناء المساجد بيوتا لله‏(‏ تعالي‏)‏ في الأرض‏,‏ وتأمر بالقيام علي تطهيرها‏,‏ وتعظيمها‏,‏ وعمارتها‏,‏ ورفع شأنها كي تكون دوما منارات للهدي‏,‏ ومراكز للدعوة إلي دين الله‏,‏ ومساجد يعبد فيها الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولاشبيه ولامنازع‏),‏ ويسبح المؤمنون بحمده صباح مساء‏,‏ لايشغلهم عن ذلك شاغل من شواغل الدنيا بزخارفها وزينتها‏,‏ فلايجوز للمؤمن بالله أن ينشغل عن إقام الصلاة في المساجد علي أوقاتها‏,‏ وإيتاء الزكاة عند استحقاقها‏,‏ بأقدارها‏,‏ وحدودها‏,‏ وفي مصارفها الشرعية‏,‏ وذلك كله طمعا في مرضاة الله‏(‏ تعالي‏),‏ وفي كرمه‏,‏ وفضله‏,‏ ورحمته‏,‏ وتجنبا لغضبه وسخطه‏,‏ وخوفا من أهوال يوم القيامة التي تضطرب لها القلوب‏,‏ وتزيغ الأبصار‏..‏ فالله‏(‏ تعالي‏)‏ يعطي مايشاء لمن يشاء من عباده‏,‏ ولاحدود لعطائه‏,‏ وذلك انطلاقا من تمام ربوبيته‏,‏ وكمال قدرته‏,‏ وطلاقة مشيئته‏,‏ وفيض جوده‏,‏ وعظيم إحسانه‏.....!!‏

    وفي مقابل هذا الموقف من المؤمنين فإن الكفار سوف يفاجأون في الآخرة برؤية أعمالهم التي اقترفوها في الدنيا‏(‏وهم يظنون أنها أعمال نافعة‏)‏ وكأنها سراب خادع‏,‏ يخدع الظمآن في هجير الصحراء فيراه ماء يجري في القيعان علي سطح الأرض حتي إذا جاءه لم يجده شيئا‏,‏ ووجد الله عنده فوفاه حسابه‏,‏ والله سريع الحساب‏*.‏
    وتشبه السورة الكريمة تخبط الكفار في ظلمات الضلال بالواقف في قاع البحر العميق‏,‏ وسط ظلمات متراكمة‏,‏ متكاثفة‏,‏ بعضها فوق بعض‏,‏ تحجبه عن رؤية يده إذا أخرجها ورفعها أمامه‏,‏ وأضافت السورة أن من لم يهده الله للإيمان فلن يهتدي أبدا‏.‏ وتؤكد أن جميع من في السماوات والأرض يسبح لله الذي له ملك كل شيء وإليه المصير‏....!!‏

    وتحدثت الآيات عن تكون السحب الركامية‏,‏ وعما ينزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ منها من ماء وبرد‏,‏ وعما يصاحب ذلك من ظواهر كالبرق‏,‏ كما تحدثت عن تقلب الليل والنهار‏,‏ وعن خلق كل دابة من ماء‏,‏ وعن إنزال الآيات المبينات للحق‏,‏ وعن هداية الله‏(‏ تعالي‏)‏ لمن يشاء من خلقه إلي دينه الحق الذي هو الإسلام كما أنزله علي فترة من الرسل وأتمه وحفظه في بعثة الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
    وتحذر الآيات في هذه السورة المباركة من النفاق والمنافقين‏,‏ وتصفهم بأحط الصفات‏,‏ وتقارن بين مواقفهم ومواقف المؤمنين‏,‏ وتفضح دخائل نفوس المنافقين وما جبلوا عليه من الكذب‏,‏ والمكر‏,‏ والاحتيال‏,‏ والحنث في الأيمان‏,‏ ونقض العهود والمواثيق‏,‏ وتؤكد الآيات أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خبير بما يعملون‏...,‏ وعلي الرغم من ذلك كله فإن الآيات توصي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن يأمر هؤلاء المنافقين ــ في زمرة من يأمر من عباد الله ــ بطاعة الله ورسوله‏,‏ فإن جوبه ذلك بالإعراض فإن ما علي الرسول إلا البلاغ‏,‏ وما عليهم إلا السمع والطاعة‏...!!‏

    وتؤكد الآيات في سورة النور أن وعد الله‏(‏ تعالي‏)‏ قائم للذين آمنوا وعملوا الصالحات من عباده في كل زمان ومكان أن يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم‏,‏ وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم‏,‏ وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا ماداموا يعبدون الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي التوحيد الخالص لايشركون به شيئا‏,‏ وأن‏..‏ ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون‏.‏
    وتأمر الآيات مجددا بإقام الصلاة‏,‏ وإيتاء الزكاة‏,‏ وطاعة الرسول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في كل أوامره خاصة في الأمر بالجهاد في سبيل الله‏,‏ وذلك طلبا لرحمة الله‏(‏ تعالي‏),‏ وتؤكد أن الذين كفروا ليسوا بمعجزين في الأرض‏,‏ وأن مأواهم النار وبئس المصير‏,‏ كما تؤكد أنه ليس علي أهل الأعذار من حرج أو إثم في القعود عن الجهاد في سبيل الله‏...!!‏

    وتختتم سورة النور بوصف الذين آمنوا والتزموا بأوامر الله ورسوله‏,‏ وتأمر بتوقير هذا الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ ودعائه بأفضل مايمكن أن يدعي به‏..‏ وتحذر من مخالفة أمره أو الخروج عن منهجه وسنته‏,‏ لأن ذلك قد يكون سببا في تعرضهم لفتنة في الدنيا ولعذاب أليم في الآخرة‏,‏
    وتؤكد الآيات في ختام السورة مرة أخري أن لله مافي السماوات والأرض‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ عليم بما في قلوب خلقه من الإيمان والكفر‏,‏ وأنهم جميعا سوف يرجعون إليه فينبئهم بما فعلوا في الدنيا ويحاسبهم عليه‏,‏ ويجازي كلا بعمله‏,‏ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء‏.‏

    والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة النور علي صدق ما جاء بها من حقائق وأحكام آيات عديدة منها مايلي‏:‏
    ‏(1)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو نور السماوات والأرض‏.‏

    ‏(2)‏ ضرب المثل لهذا النور الإلهي بمشكاة‏..‏ فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولاغربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور‏...‏

    ‏(3)‏ تشبيه أعمال الكافرين بالتشبيه العلمي الرائع‏..‏ كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئا‏...‏

    ‏(4)‏ التشبيه بالظلمة المركبة فوق قيعان البحار العميقة التي تغشاها الأمواج الداخلية ومن فوقها الأمواج السطحية ومن فوقها السحب‏,‏ وكل منها يحجب جزءا من أشعة الشمس فيؤدي إلي تلك الظلمة المتراكبة الحالكة‏,‏ والأمواج الداخلية في كل من البحار العميقة والمحيطات لم تعرف إلا في القرن العشرين‏.‏

    ‏(5)‏ التأكيد علي حقيقة أن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏,‏ وفي ذلك إشارة ضمنية إلي حقيقة لم يكتشفها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين مؤداها أن صور الحياة فوق قيعان البحار العميقة والمحيطات قد زودها الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بوسائل إنارة ذاتية‏,‏ ولولا ذلك ماكان لها من نور‏.‏

    ‏(6)‏ التأكيد علي حقيقة أن كل ما في السماوات والأرض يسبح بحمد الله‏(‏ تعالي‏)‏ ويقدسه ويمجده في عبادة تسخيرية لايدركها كثير من الناس‏.‏

    ‏(7)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يسوق السحاب بقدرته وإرادته إلي حيث يشاء‏(‏ أي يزجيه‏),‏ وتتم هذه العملية ببطء يسمح لقطع السحاب المختلفة من الاقتراب والالتحام مع بعضها البعض‏(‏ ثم يؤلف بينه‏),‏ والتراكم وتكاثف بعضها فوق بعض‏(‏ ثم يجعله ركاما‏)‏ حتي يزداد سمكها وترتفع الي أعلي فيزداد تكثف بخار الماء فيها‏,‏ ونمو قطيرات الماء الناتجة من هذا التكثف بالتدريج حتي تنزل مطرا من خلال تراكمات السحاب بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ والي حيث يشاء
    ‏(‏فتري الودق يخرج من خلاله‏),‏ كما قد تتجمد بعض قطيرات الماء نظرا للارتفاع الهائل الذي تصل إليه فينزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بردا من هذه السحب المتراكمة كالجبال وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء‏,‏ وأن نور برق البرد في هذه السحب الركامية يكاد يذهب بأبصار الناظرين إليه من شدته‏.‏

    ‏(8)‏ التأكيد علي قدرة الله البالغة في تقليب الليل والنهار‏.‏

    ‏(9)‏ خلق كل دابة من ماء‏.‏

    ‏(10)‏ الإشارة إلي إمكانية تصنيف الدواب علي أساس من طريقة مشيها‏(‏ والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي علي بطنه ومنهم من يمشي علي رجلين ومنهم من يمشي علي أربع يخلق الله مايشاء إن الله علي كل شيءقدير‏*.‏
    وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة مستقلة ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة السابعة والتي تشير فيها الآية الثالثة والأربعون من سورة النور إلي تكون المزن الركامية‏,‏ وإلي إنزال كل من المطر والبرد منها بإرادة الله‏(‏ تعالي‏),‏ وإلي ماقد يصاحب ذلك من برق ورعد‏,‏ وقبل التعرض لذلك لابد من استعراض لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة‏.‏

    من أقوال المفسرين
    في تفسير قوله تعالي‏:‏
    ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار‏*(‏ النور‏:43)‏
    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:‏ يذكر تعالي أنه يسوق السحاب بقدرته أول ماينشئها وهي ضعيفة وهو الإزجاء‏,(‏ ثم يؤلف بينه‏)‏ أي يجمعه بعد تفرقه‏,(‏ ثم يجعله ركاما‏)‏ أي متراكما أي يركب بعضه بعضا‏,(‏ فتري الودق‏)‏ أي المطر‏,(‏ يخرج من خلاله‏)‏ أي من خلله‏,‏ وقوله‏:(‏ وينزل من السماء من جبال فيها من برد‏)‏ قال بعض النحاة‏:(‏ من‏)‏ الأولي لابتداء الغاية‏,‏ والثانية للتبعيض‏,‏ والثالثة لبيان الجنس‏,‏ ومعناه‏:‏ أن في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد‏,‏ وأما من جعل الجبال ههنا كناية عن السحاب فإن‏(‏ من‏)‏ الثانية عنده لابتداء الغاية لكنها بدل من الأولي والله أعلم‏,‏ وقوله تعالي‏:(‏فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء‏)‏ يحتمل أن يكون المراد بقوله‏:(‏فيصيب به‏):‏ أي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد‏,‏ فيكون قوله‏:(‏ فيصيب به من يشاء‏)‏ رحمة لهم‏(‏ ويصرفه عن من يشاء‏)‏ أي يؤخر عنهم الغيث‏,‏ ويحتمل أن يكون المراد بقوله‏:‏

    ‏(‏فيصيب به‏)‏ أي بالبرد نقمة علي من يشاء لما فيه من إتلاف زروعهم وأشجارهم‏,(‏ويصرفه عن من يشاء‏)‏ رحمة بهم‏,‏ وقوله‏:(‏يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار‏)‏ أي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته‏....‏
    وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه برحمته الواسعة‏)‏ مانصه‏:(‏ألم تر أن الله يزجي سحابا‏)‏ يسوقه برفق‏(‏ ثم يؤلف بينه‏)‏ بضم بعضه إلي بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة‏(‏ ثم يجعله ركاما‏)‏ بعضه فوق بعض‏(‏ فتري الودق‏)‏ المطر‏(‏يخرج من خلاله‏)‏ مخارجه‏,(‏ وينزل من السماء‏)(‏ من‏)‏ زائدة‏(‏ جبال فيها‏)‏ في السماء بدل بإعادة الجار‏(‏ من برد‏)‏ أي بعضه‏(‏ فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء‏)(‏ يكاد‏)‏ يقرب‏(‏ سنا برقه‏)‏ لمعانه‏(‏ يذهب بالأبصار‏)‏ الناظرة له‏:‏أي يخطفها‏.‏

    وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة‏)‏ مانصه‏:‏
    ومشهد آخر من مشاهد هذا الكون التي يمر عليها الناس غافلين‏,‏ وفيها متعة للنظر‏,‏ وعبرة للقلب‏,‏ ومجال للتأمل في صنع الله وآياته‏,‏ وفي دلائل النور والهدي والإيمان‏.....,‏ والمشهد يعرض علي مهل وفي إطالة‏,‏ وتترك أجزاؤه للتأمل قبل أن تلتقي وتتجمع‏.‏ كل أولئك لتؤدي الغرض من عرضها في لمس القلب وإيقاظه‏,‏ وبعثه إلي التأمل والعبرة‏,‏ وتدبر ما وراءها من صنع الله‏.‏ إذ يد الله تزجي السحاب وتدفعه من مكان إلي مكان‏,‏ ثم تؤلف بينه وتجمعه‏,‏ فإذا هو ركام بعضه فوق بعض‏,‏ فإذا ثقل خرج منه الماء‏,‏ والوبل الهاطل‏,‏ وهو في هيئة الجبال الضخمة الكثيفة‏,‏ فيها قطع البرد الثلجية الصغيرة‏..‏ ومشهد السحب كالجبال ليبدو كما يبدو لراكب الطائرة وهي تعلو فوق السحب أو تسير بينها‏,‏ فإذا المشهد مشهد الجبال حقا‏,‏ بضخامتها‏,‏ ومساقطها‏,‏ وارتفاعاتها وانخفاضاتها‏,‏ وإنه لتعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس‏,‏ إلا بعد ماركبوا الطائرات‏.‏

    وهذه الجبال مسخرة بأمر الله‏,‏ وفق ناموسه الذي يحكم الكون‏,‏ ووفق هذا الناموس يصيب الله بالمطر من يشاء‏,‏ ويصرفه عمن يشاء‏..‏ وتكملة المشهد الضخم‏:(‏ يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار‏)‏ ذلك ليتم التناسق مع جو النور الكبير في الكون العريض‏,‏ علي طريق التناسق في التصوير‏.‏
    وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبها رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:(‏ ألم تر أن الله‏):‏ دليل من الآثار العلوية علي كمال قدرته تعالي وانفراده بالخلق والتدبير‏.(‏ يزجي سحابا‏)‏ يسوقه سوقا رفيقا إلي حيث يريد‏.‏ يقال‏:‏ زجي الشيء يزجيه تزجية‏,‏ دفعه برفق‏,‏ كزجاه وأزجاه‏.(‏ ثم يجعله ركاما‏)‏ متراكما بعضه فوق بعض‏.‏ يقال‏:‏ ركم الشيء يركمه ركما‏,‏ إذا جمعه وألقي بعضه علي بعض‏.‏ وتراكم وارتكم الشيء‏:‏ اجتمع‏,‏ والركام‏:‏ الرمل المتراكم‏.(‏ الودق‏)‏ أي المطر‏.‏ وهو في الأصل مصدر ودق السحاب يدق ودقا‏,‏ إذا نزل منه المطر‏.(‏ خلاله‏)‏ أي فتوقه ومخارجه‏.‏ جمع خلل‏,‏ كجبال وجبل‏..(‏ سنا برقه‏)‏ أي شدة ضوء برق السحاب ولمعانه‏.‏ يقال‏:‏ سنا يسنو سنا‏,‏ أي أضاء‏.‏

    وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزي الله كاتبيه خير الجزاء‏)‏ ما نصه‏:‏ ألم تر أيها النبي أن الله يسوق بالريح سحابا‏,‏ ثم يضم بعضه إلي بعض ويجعله متراكما‏,‏ فتري المطر يخرج من خلال السحاب‏,‏ والله ينزل من مجموعات السحب المتكاثفة التي تشبه الجبال في عظمتها بردا‏,‏ كالحصي ينزل علي قوم فينفعهم أو يضرهم تبعا لقوانينه وإرادته ولا ينزل علي آخرين كما يريد الله فهو سبحانه الفاعل المختار‏.‏
    ويكاد ضوء البرق الحادث من اصطكاك السحب يذهب بالأبصار لشدته‏,‏ وهذه الظواهر دلائل قدرة الله الموجبة للإيمان‏.‏

    وجاء في الهامش الملاحظتان التاليتان‏:‏
    ‏1‏ ـ لا يعرف التشابه بين السحب والجبال إلا من يركب طائرة تعلو به فوق السحاب فيراها من فوق كأنها الجبال والآكام‏,‏ وإذا لم تكن تلك الطائرات في عصر النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فإنه يكون ذلك دليلا علي أن هذا الكلام من عند الله الذي يعلم ما علا‏,‏ وما انخفض‏.‏

    ‏2‏ ـ تسبق هذه الآية الكريمة ركب العلم‏.‏ فإنها تتناول مراحل تكون السحب الركامية وخصائصها‏.‏ وما عرف علميا في العهد الأخير من أن السحب الممطرة تبدأ علي هيئة وحدات يتآلف عدد منها في مجموعات هي السحب الركامية‏:‏ أي السحب التي تنمو في الاتجاه الرأسي‏,‏ وترتفع قممها إلي علو‏15‏ أو‏20‏ كيلو مترا فتبدو كالجبال الشامخة‏.‏
    كما أن هذه السحب هي ـ وحدها ـ التي تجود بالبرد وتشحن بالكهرباء‏,‏ وقد يتلاحق حدوث البرق في سلسلة تكاد تكون متصلة‏(40‏ تفريغا في الدقيقة الواحدة‏)‏ فيذهب ببصر الراصد من شدة الضياء‏.‏ وهذا هو عين ما يحدث للملاحين والطيارين الذين يخترقون عواصف الرعد في المناطق الحارة‏.‏ وينجم عن فقد البصر هذا أضرار بليغة تشكل خطرا حقيقيا علي أعمال الطيران وسط العواصف الرعدية‏.‏

    السحب الركامية في منظور العلوم المكتسبة
    اولا‏:‏ تكون السحب‏:‏
    تتكون السحب نتيجة لتكثف بخار الماء في الهواء الرطب علي هيئة قطيرات دقيقة من الماء‏,‏ ويتم مثل هذا التكثف بتبريد الهواء الدافئ الرطب إما بالتقائه مع جبهة باردة‏,‏ أو بارتفاعه إلي أعلي بطفوه فوق الجبهة الباردة أو بارتطامه بالسلاسل الجبلية‏,‏ وفي كل الأحوال يكون تصريف الرياح وإرسالها بمشيئة الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الوسيلة الفاعلة في حركة الهواء الرطب أفقيا ورأسيا‏.‏
    وتساعد حركة الرياح حرارة الشمس التي تصل الأرض بكميات متفاوتة نظرا لميل محور دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس علي دائرة البروج بزاوية قدرها ست وستون درجة ونصف‏.‏ والأرض تجري كذلك في مدارها حول الشمس وهي مائلة بهذا القدر‏,‏ وعلي ذلك فإن أشعة الشمس تتعامد علي خط الاستواء‏,‏ وتميل ميلا كبيرا فوق القطبين‏,‏ وميلا متوسطا بينهما‏,‏ مما يؤدي إلي تباين كبير في توزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض‏,‏ وعند هذا التباين تنتج حركة صاعدة للهواء الساخن‏,‏ وحركة هابطة للهواء البارد‏,‏ كذلك فإن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق يعين علي دفع الهواء المحيط بالمنطقة الاستوائية في اتجاه الغرب‏,‏ وإلي تكون عدد من الخلايا بين خط الاستواء وكل من قطبي الأرض علي هيئة دورة عامة للرياح شديدة الانتظام حول الأرض‏,‏ منها الدوائر الحارة‏,‏ والمعتدلة والباردة والجبهات الهوائية الفاصلة بينها‏.‏ وبالاضافة إلي ذلك فإن الظروف الجغرافية المحلية تزيد من تعقيد الصورة العامة لحركات الرياح التي تكون دافئة ورطبة فوق المحيطات المدارية‏,‏ وحارة‏/‏ جافة فوق الصحاري‏,‏ وباردة‏/‏ جافة فوق المناطق المكسوة بالجليد‏.‏

    وتتدخل تضاريس سطح الأرض مثل السلاسل الجبلية‏,‏ والتلال‏,‏ والهضاب‏,‏ والسهول والمنخفضات و الكتل المائية المختلفة في زيادة تعقيد الصورة‏,‏ ففي الصيف تسخن اليابسة أكثر من الكتل المائية‏,‏ وفي الشتاء تحتفظ الكتل المائية بالحرارة لمدة أطول فتكون أدفأ من اليابسة‏,‏ فينشأ عن تلك الفروق في درجة الحرارة حركة للرياح تعرف باسم نسيم البر والبحر‏,‏ كما تنشأ دورة للرياح بين الجبال والأودية والمنخفضات المحيطة بها‏.‏
    وهذه الحركات الأفقية للكتل الهوائية من مناطق الضغط المرتفع إلي مناطق الضغط المنخفض تصاحبها حركات رأسية إلي أعلي‏,‏ فإذا سخنت كتلة من الهواء إلي درجة تمايزها عن الكتل الهوائية المجاورة لها فإنها ترتفع إلي أعلي حيث يتناقص ضغطها‏,‏ وتنخفض درجة حرارتها‏,‏ ويبدأ ما فيها من رطوبة في التكثف إذا وصلت درجة الحرارة فيها إلي نقطة التشبع‏(‏ نقطة تكون الندي‏),‏ فتتحول الكتلة الهوائية الرطبة إلي سحابة من أنواع السحب المتعددة‏.‏

    وبتصريف الرياح أفقيا ورأسيا ينقسم الغلاف الغازي المحيط بالأرض إلي أعداد من الكتل الهوائية المتجاورة والمتمايزة في صفاتها الطبيعية وتركيبها الكيميائي‏,‏ وكل كتلة من هذه الكتل الهوائية تمثل بكمية هائلة من الهواء المتجانس فيما بينه خاصة في درجتي الحرارة والرطوبة النسبية‏,‏ وتمتد كل كتلة منها لعدة كيلو مترات أفقيا ولمئات حتي آلاف الأمتار رأسيا‏,‏ ويفصل بينها حدود واضحة تعرف باسم الجبهات الهوائية‏.‏
    والغلاف الغازي للأرض يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات‏,‏ وتقدر كتلته بأكثر قليلا من ستة تريليونات من الأطنان‏(6.120*1510‏ طن‏),‏ والغالبية العظمي من هذه الكتلة‏(99%)‏ يقع دون ارتفاع‏50‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وعلي ذلك فإن حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض‏.‏

    ويتناقص ضغط الهواء بالارتفاع في الغلاف الغازي للأرض من حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع‏(1.0336‏ كيلو جرام‏/‏ سم‏2)‏ عند مستوي سطح البحر إلي حوالي الجرام علي السنتيمتر المربع‏(1.0336‏ جرام‏/‏ سم‏2)‏ عند ارتفاع‏48‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وإلي قرابة الصفر عند ارتفاع ستين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏.‏
    والغلاف المائي للأرض تقدر كميته بحوالي‏1.36‏ مليار كيلو متر مكعب‏,‏ ويغمر ماء الأرض أكثر قليلا من‏71%‏ من مساحة سطحها‏,‏ وأغلب هذا الماء‏(97.2%)‏ مخزون في البحار والمحيطات‏,‏ وأغلب الباقي‏(‏ حوالي‏2.15%‏ من مجموع ماء الأرض‏)‏ موجود علي هيئة جليد فوق قطبي الأرض‏,‏ وفي قمم الجبال العالية‏,‏ والباقي‏(0.65%)‏ موجود في البحيرات العذبة‏,‏ وفي خزانات الماء تحت سطح الأرض‏,‏ وفي المجاري المائية المختلفة من الأنهار والجداول وغيرها‏.‏

    وتقوم حرارة الشمس بتبخير‏380.000‏ كيلو متر مكعب من ماء الأرض سنويا‏,‏ أغلبها‏(320.000‏ كيلو متر مكعب‏)‏ من أسطح البحار والمحيطات‏,‏ والباقي‏(60.000‏ كيلو متر مكعب‏)‏ يصعد من اليابسه بالبخر ومن تنفس الانسان والحيوان ونتج النبات‏,‏ وهذا البخار تدفعه حركة الرياح جانبيا ورأسيا علي هيئة هواء رطب إلي مناطق أبرد أو أقل ضغطا فتبدأ فيه عمليات التكثف علي هيئة قطيرات متناهية الدقة من الماء فتتكون السحب‏,‏ ثم تدفع تيارات الرياح بهباءات الغبار وغيرها من نوي التكثف إلي داخل السحب فتعين علي المزيد من تكثف بخار الماء ونمو قطيراته إلي الحجم الذي يسمح بنزولها مطرا أو بردا أو ثلجا‏,‏ وتحرك الرياح تلك السحب المثقلة بالماء‏(‏ المزن‏)‏ إلي حيث يشاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ لها أن تنزل فينزلها‏(‏ سبحانه‏)‏ بقدر معلوم‏.‏
    وحينما يصل ماء المطر إلي المنطقة المقسوم لها أن ينزل عليها هذا القدر من الماء بتقدير من الله‏(‏ تعالي‏)‏ فإنه يجري علي سطح اليابسة يشرب منه كل حي بالقدر المقسوم‏,‏ كما يقوم بدور مهم في تفتيت صخور الأرض وتكوين التربة‏,‏ وشق الفجاج والسبل‏,‏ ويخزن جزء معلوم منه في صخور الأرض المنفذة وينتهي المطاف بالباقي إلي البحار والمحيطات ليعاود الكرة من جديد‏.‏

    والماء المختزن تحت سطح الأرض قد يشارك في تغذية بعض الأنهار والبحيرات والمستنقعات‏,‏ وقد تتفجر عنه الصخور فيخرج علي هيئة عدد من الينابيع الفوارة أو العيون‏,‏ كما قد يحفر عليه عدد من الآبار‏.‏
    وتسقط الأمطار علي البحاروالمحيطات بمعدل‏284.000‏ كيلو مترا مكعبا في السنة‏,‏ وعلي اليابسة بمعدل‏96.000‏ كيلو مترا مكعبا‏,‏ وذلك في دورة معجزة تعرف باسم دورة الماء حول الأرض وفي ذلك يقول المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه‏.‏

    ثانيا‏:‏ تكون السحب الركامية‏:‏
    بتصريف الرياح ـ حسب علم الله ومشيئتة ينقل بخارالماء من مناطق البخر علي هيئة الكتل الهوائية الدافئة الرطبة إلي مناطق التكثيف الباردة مكونا السحب التي تلقح بنوي التكثف بفعل الرياح التي يصرفها الله‏(‏ تعالي‏)‏ أيضا بعلمه وحكمته وإرادته فتتحول هذه السحب إلي سحب قادرة علي إنزال الماء تعرف باسم السحب الممطرة‏(‏ أو المزن‏)‏ يسوقها الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي حيث يشاء‏.‏
    وعلي ذلك فإن من العوامل الفاعلة في تكثف بخار الماء في داخل الكتل الهوائية الرطبة وتكون السحب هو تبردها بدرجة كافية حتي تصل إلي نقطة الندي فيبدأ البخار المتجمع في تلك الكتل الهوائية الرطبة في التكثف علي هيئة قطيرات مائية‏,‏ وتتبرد الكتل الهوائية الرطبة إما بالتقائها مع كتل هوائية باردة‏,‏ وإما برفعها إلي مستويات أعلي من مستوي سطح البحر بعدة مئات بل آلاف من الأمتار‏,‏ مما يتسبب في فقدانها الكثير من حرارتها بوجودها في وسط أقل حرارة‏,‏ وبتمددها لوجدوها في وسط أقل ضغطا فتتبرد إشعاعيا‏,‏ ومع التبرد ترتفع درجة الرطوبة النسبية فيها‏,‏ ويبدأ ما تحمله كتلة الهواء الرطب من بخار الماء في التكثف علي هيئة قطيرات الماء فتتكون السحب‏,‏ وتتحدد قاعدة السحابة الواحدة بناء علي كل من درجة الحرارة والرطوبة في كتلة الهواء الصاعدة وشدة الرياح التي تدفعها‏,‏ بينما تتحدد قمة السحابة وحجمها علي هذه العوامل ذاتها بالاضافة إلي قوة حركة الدفع إلي أعلي وطبيعته‏.‏

    ومن العناصر الفاعلة والمؤدية إلي مزيد من تكثف بخار الماء في داخل السحب المثقلة به هي نوي التكثف التي يسوقها الله‏(‏ تعالي‏)‏ مع الرياح المصرفة‏,‏ وهي عبارة عن هباءات دقيقة من الغبار والهباب‏,‏ والمركبات الكيميائية التي لها جاذبية خاصة لبخار الماء‏(‏ مثل كبريتات النوشادر‏)‏ وبعض الأملاح الناتجة عن تبخر ماء البحار والمحطيات‏,‏ وغير ذلك مما يمكن أن يعلق بالهواء‏.‏
    فعندما يرسل الله‏(‏ تعالي‏)‏ الرياح فتدفع بكتلة من الهواء الرطب الدافئ فوق كتلة من الهواء البارد فإنها تتبرد‏,‏ ويبدأ ما بها من بخار الماء في التكثف علي هيئة قطيرات مائية فتتكون سحب منخفضة نسببا لها هيئة طباقية ولذا تعرف بالسحب الطباقية‏
    (Stratiformor Layered Clouds)‏
    وهي تتكون من طبقات أفقية تقريبا تمتد لمئات من الكيلو مترات المربعة‏,‏ بسمك عدة مئات من الأمتار‏,‏ وتدفعها رياح عمودية علي اتجاه جبهتها تزودها ببخار الماء‏,‏ ولذلك فهي عادة ما تكون من أغزر أنواع السحب إمطارا وأوسعها انتشارا بإذن الله‏(‏ تعالي‏).‏

    وعلي العكس من ذلك فإنه عندما يرسل الله‏(‏ تعالي‏)‏ الرياح فتدفع بكتلة من الهواء البارد في أتجاه كتلة من الهواء الدافيء الرطب‏,‏ فإن كتلة الهواء البارد تقطع كتلة الهواء الدافيء بمقدمتها‏(‏ الجبهة الهوائية الباردة‏)‏ وبتكرار عملية سوق السحب في اتجاه بعضها بعضا‏(‏ الإزجاء‏),‏ والتأليف بينها فإنها تداوم إلي نصفين ترفع احدهما إلي أعلي‏,‏ وتحتوي النصف الآخر في الأرتفاع إلي أعلي علي هيئة متراكمة مكدسة متراكبة فوق بعضها بعضا‏,‏ ومع مداومة الارتفاع يبدأ بخار الماء في كتلة الهواء المرتفعة في التكثف علي هيئة قطيرات مائية دقيقة مكونة تجمعات من السحب العالية المتراكبة تعرف باسم السحب الركامية‏(
    Cumuliformor Heap Clouds)‏
    وهي عبارة عن أكوام من السحب المكدسة فوق بعضها بعضا بما يشبه سلاسل الجبال المفصولة بعدد من الأخاديد والأودية العميقة التي قد يصل ارتفاعها إلي أكثر من‏15‏ كيلو مترا‏,‏ مما يعكس الأرتفاع المتكرر والمتعدد للهواء المشبع ببخار الماء علي مدي طويل من الزمن‏,‏ ومع الارتفاع إلي مستويات تتعدي مستوي الركود المناخي يحدث الانخفاض الشديد في درجة الحرارة مما يسمح بتكون بللورات من الثلج في قمة جبال السحب الركامية يليه إلي أسفل حبيبات البرد وقطرات من الماء الشديد البرودة‏,‏ ثم قطرات الماء البارد‏,‏ والسحب الركامية‏,‏ هي النوع الوحيد من السحب المعروفة لنا والمصاحبة بظواهر الرعد والبرق و بنزول كل من البرد والثلج‏.‏

    وعلي ذلك فإن تكون السحب الركامية يتطلب أن تسوق الرياح بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قطعا من السحاب المتناثر بطريقة مستمرة ولفترة محددة حتي تتلاقي وتتحد وتتآلف في مناطق تعرف باسم مناطق التجمع‏(
    ConvergenceZones
    وهو ما سماه القرآن الكريم بتعبير الإزجاء‏,‏ وهذا الإزجاء أو السوق البطيء لقطع السحاب يزيد من تركيز بخار الماء في مثل هذا التجمع من السحب‏,‏ وذلك لأن سرعة تحرك هذه السحب تكون أبطأ من سرعة الرياح المثيرة لها‏,‏ خاصة إذا كان حجم السحابة كبيرا‏,‏ وذلك بسبب تأثير قوة الإعاقة‏(DragForce)‏ وهذا ما يسبب التحام وتآلف تلك السحب‏.‏
    كذلك فإن سرعة الرياح تتباطأ بصفة عامة كلما اتجهنا إلي مناطق التجمع حتي تتلاحم السحب مع بعضها البعض بإرادة الله‏(‏ تعالي‏),‏ ولعل هذا هو المقصود من قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه‏..‏ وعندما تلتحم سحابتان أو أكثر‏(Cloud-merging)‏ فإن تيار الهواء الصاعد داخل تجمعهما يزداد شدة‏,‏ وعنفا‏,‏ وسرعة مما يعين علي جلب المزيد من بخار الماء إلي قمة هذا التجمع التراكمي للسحب‏,‏ ويزيد من معدلات التكثف فيه‏,‏ وبازدياد سرعة تيار الهواء الصاعد فإنه يدفع بالتجمع المتراكم إلي مزيد من الارتفاع إلي أعلي‏,‏ وتكون سرعة التيارات الهوائية الصاعدة أعلي ما تكون في وسط هذا التجمع للسحب الركامية‏,‏ مما يؤدي إلي المزيد من ركم مكوناتها والدفع بها إلي أعلي بهيئة النافورة المتدفقة أو البركان الثائر الذي تتراكم طفوحه علي جانبيه‏.‏

    وكلما زاد إزجاء السحب إلي بعضها البعض أي تجميعها‏,‏ زاد ركمها أي تراكمها وتكدسها‏,‏ وزاد سمك تجمعها وبالتالي زادت قدرة هذا السحاب المركوم علي إنزال المطر والبرد بإذن الله وزادت ظواهر الرعد والبرق فيه‏,‏ وسمي بالمزن الركامية‏(‏ أو السحاب الركامي الممطر‏),‏ والأنواع الشاهقة الارتفاع من المزن الركامية تتكون من بلورات الثلج في قمتها‏,‏ ومن خليط من حبات البرد وقطرات ماء شديد البرودة في وسطها‏,‏ وقطرات ماء بارد فقط في قاعدتها‏.‏
    وتتحرك السحب الركامية إلي حيث شاء الله تعالي لها أن تصل‏,‏ وتظل عملية الركم مستمرة فيها مادامت تيارات الهواء الصاعدة قادرة علي رفع مزيد من بخار الماء‏,‏ وعندما تثقل حمولة هذا السحاب المركوم ينزله ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ حيث يشاء بقدر معلوم علي هيئة مطر‏,‏ أو برد‏,‏ أو ثلج‏,‏ أو علي هيئة خليط منها جميعا وذلك حسب مكونات التجمعات المزنية المركومة وتوزيع درجات الحرارة والرطوبة فيها وأسفل منها‏,‏ ويتكون البرد بين درجات تتراوح بين ما دون الصفر المئوي وأربعين درجة تحت الصفر‏,‏ وقد تنمو حبات البرد إلي حجم البرتقالة‏,‏ وهي مدمرة للزراعة‏,‏ وينزل المطر من قاعدة المزن الركامية علي هيئة زخات متفرقة في باديء الأمر‏,‏ ثم لا تلبث أن تشمل معظم قاعدتها حيث تسود التيارات الهابطة في نهاية عمر المزن الركامية‏.‏

    إن معرفة السحب الركامية لم يدركها الانسان إلا بعد ريادة السماء بواسطة الطائرات‏,‏ وهذا الفهم لطبيعة وتكون السحب الركامية لم تصل إليه العلوم المكتسبة إلا في أواخر القرن العشرين‏,‏ ومن هنا يأتي وصف القرآن الكريم لها بهذه الدقة والإحاطة والشمول شهادة صدق علي أن القرآن العظيم هو كلام الله الخالق‏,‏ وأن الرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم‏,‏ أنزله بعلمه‏,‏ وأنزل فيه قوله الحق‏:‏
    ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله‏,‏ وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار‏.(‏ النور‏:43)‏

    وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا القرآن العظيم وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏.‏


    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى ... 2 3 4 الأخيرةالأخيرة

من اسرار القران

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اسرار القران (138)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:11 PM
  2. اسرار القران(137)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:10 PM
  3. اسرار القران (136)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:08 PM
  4. اسرار القران (135)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:07 PM
  5. اسرار القران (119)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-12-2009, 10:48 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

من اسرار القران

من اسرار القران