شبهة : التكرار فى القصص القرآنى

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

شبهة : التكرار فى القصص القرآنى

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: شبهة : التكرار فى القصص القرآنى

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    3,275
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    04-12-2012
    على الساعة
    10:58 PM

    افتراضي شبهة : التكرار فى القصص القرآنى



    بسم الله الرحمن الرحيم

    يعرف علماء البلاغة (الإيجاز) بأنه التعبير عن المراد بلفظ غير زائد، ويقابله (الإطناب) ؛ وهو التعبير عن المراد بلفظ أزيد من الأول. ويكاد يجمع الجمهور على أن الإيجاز، والاختصار بمعنى واحد؛ ولكنهم يفرقون بين الإطناب، والإسهاب بأن الأول تطويل لفائدة، وأن الثاني تطويل لفائدة، أو غير فائدة.

    ومن بديع الإيجاز قول الله تعالى في وصف خمر الجنة : ﴿لا يصدَّعون عنها ولا ينزفون﴾ [الواقعة:19] . فقد جمع عيوب خمر الدنيا من الصداع، وعدم العقل، وذهاب المال، ونفاد الشراب، ثم نفى ذلك كله بـ(لا).

    ومن بديع الإطناب قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام : ﴿وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء﴾ [ يوسف:53]. ففي قوله: ﴿وما أبرىء نفسي﴾ تحيير للمخاطب، وتردد في أنه كيف لا يبرىء نفسه؛ وهي بريئة، قد ثبت عصمتها ! ثم جاء الجواب عن ذلك بقوله: ﴿إن النفس لأمارة بالسوء﴾.

    ومن الآيات البديعة، التي جمعت بين الإيجاز، والإطناب، في أسلوب رفيع، قول الله تعالى : ﴿ قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾ [النمل:18].

    أما الإطناب فنلحظه في قول هذه النملة : ﴿ يا أيها﴾، وقولها:﴿وهم لا يشعرون﴾. أما قولها:﴿يا أيها﴾ فقال سيبويه : " الألف والهاء لحقت(أيًّا) توكيدًا؛ فكأنك كررت (يا) مرتين، وصار الاسم تنبيهًا ". وقال الزمخشري : " كرر النداء في القرآن بـ(ياأيها) دون غيره؛ لأن فيه أوجهًا من التأكيد، وأسبابًا من المبالغة؛ منها: ما في (يا) من التأكيد، والتنبيه، وما في (ها) من التنبيه، وما في التدرُّج من الإبهام في (أيّ) إلى التوضيح. والمقام يناسبه المبالغة، والتأكيد ".

    وأما قولها : ﴿وهم لا يشعرون﴾ فهو تكميل لما قبله، جيء به، لرفع توهم غيره. ويسمَّى ذلك عند علماء البلاغة، والبيان: احتراسًا، وذلك من نسبة الظلم إلى سليمان- عليه السلام- وكأن هذه النملة عرفت أن الأنبياء معصومون، فلا يقع منهم خطأ إلا على سبيل السهو. وفي ذلك قال الفخر الرازي : " وهذا تنبيه عظيم على وجوب الجزم بعصمة الأنبياء- عليهم السلام ". ومثل ذلك قوله تعالى:﴿ فتصيبكم منهم معرة من غير علم﴾[الفتح:25]. أي: تصيبكم جناية كجناية العَرِّ؛ وهو الجرب.

    وأما الإيجاز فنلحظه فيما جمعت هذه النملة في قولها من أجناس الكلام0 فقد جمعت أحد عشر جنسًا: النداء، والكناية، والتنبيه، والتسمية، والأمر، والقصص، والتحذير، والتخصيص، والتعميم، والإشارة، والعذر. فالنداء: (يا). والكناية: (أيُّ). والتنبيه: (ها). والتسمية: (النمل). والأمر: (ادخلوا). والقصص: (مساكنكم). والتحذير: (لا يحطمنكم). والتخصيص: (سليمان). والتعميم: (جنوده). والإشارة: (هم). والعذر: (لا يشعرون).

    فأدَّت هذه النملة بذلك خمسة حقوق: حق الله تعالى، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق الجنود.
    فأما حق الله تعالى فإنها استُرعيت على النمل، فقامت بحقهم. وأما حق سليمان- عليه السلام- فقد نبَّهته على النمل. وأما حقها فهو إسقاطها حق الله تعالى عن الجنود في نصحهم. وأما حق الرعية فهو نصحها لهم؛ ليدخلوا مساكنهم. وأما حق الجنود فهو إعلامها إياهم، وجميع الخلق، أن من استرعاه الله تعالى رعيَّة، وجب عليه حفظها، والذبِّ عنها، وهو داخل في الخبر المشهور : " كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته ". هذا من جهة المعنى.

    وأما من جهة المبنى(اللفظ) فإن كلمة (نملة) من الكلمات التي يجوز فيها أن تكون مؤنثة، وأن تكون مذكرة؛ وإنما أنث لفظها للفرق بين الواحد، والجمع من هذا الجنس. ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام : " لا تضحي بعوراء، ولا عجفاء، ولا عمياء " كيف أخرج هذه الصفات على اللفظ مؤنثة، ولا يعني الإناث من الأنعام خاصة!

    وأما تنكير(نملة) ففيه دلالة على البعضيَّة، والعموم. أي: قالت نملة من هذا النمل. وهذا يعني أن كل نملة مسئولة عن جماعة النمل.
    وأما قولها : ﴿ادخلوا مساكنكم﴾ ففيه إيجاز بالحذف بليغ ؛ لأن أصله: ادخلوا في مساكنكم، فحذف منه(في) تنبيهًا على السرعة في الدخول.. ومن الفوائد البديعة، التي لا يتنبَّه إليها الكثيرون: أنك إذا قلت: (دخلت) فإنك تعني بذلك انتقالك من بسيط من الأرض، ومنكشفها إلى ما كان منها غير بسيط، منكشف. فإذا كان المنقول إليه مكانًا غير مختصٍّ، وجب إدخال(في) قبله. وإذا كان مكانًا مختصًّا، جاز إدخال (في) قبله، وجاز إسقاطها. وإسقاطها أبلغ من إدخالها للفائدة التي ذكرناها. وعلى هذا تقول: دخلت في البيت، ودخلت البيت.. ومن دخولها قبل المكان غير المختص قوله تعالى : ﴿وأدخلني في عبادك الصالحين﴾[ النمل:19]00 وقد اجتمع ذكرها، وحذفها في قول الله تعالى : ﴿يا أيتها النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي﴾[الفجر:27-30].

    وأما قولها : ﴿لا يحْطمَنَّكم﴾ ، بنون مشددة، أو خفيفة، فظاهره النفيُ؛ ولكن معناه على النهي. والنهيُ إذا جاء على صورة النفي، كان أبلغ من النهي الصريح. وفيه تنبيه على أن من يسير في الطريق، لا يلزمه التحرُّز؛ وإنما يلزم من كان في الطريق.. ثم إن في التعبير بـ(يحطمنكم)، دون غيره من الألفاظ، دلالة دقيقة على المعنى المراد، لا يمكن لأيِّ لفظ أن يعبِّر عنه. ويبيِّن ذلك أن (الحطم)- في اللغة- هو الهشْم، مع اختصاصه بما هو يابس، أو ضعيف.

    وبعد.. فقد أدركت هذه النملة الضعيفة فخامة ملك سليمان، وأحسَّت بصوت جنوده قبل وصولهم إلى وادي النمل، فنادت قومها، وأمرتهم بالدخول في مساكنهم أمر من يعقل، وصدر من النمل الامتثال لأمرها، فأتت بأحسن ما يمكن أن يؤتى به في قولها من الحكم، وأغربه، وأفصحه، وأجمعه للمعاني. وروي عن سليمان- عليه السلام- أنه قال لها بعد أن تبسم ضاحكًا من قولها: لم قلت للنمل:﴿ادخلوا مساكنكم﴾؟ أخفت عليهم من ظلمنا؟! فقالت: لا، ولكن خفت أن يفتتنوا بما يرَوْا من ملكك، فيشغلهم ذلك عن طاعة الله!

    بقي أن تعلم أن النمل- على ضعفه- مخلوق قويُّ الحسِّ، شمَّامٌ جدًّا، يدَّخر القوت، ويشق الحبة من القمح قطعتين؛ لئلا تنبت، ويشق الحبة من الكزبرة أربع قطع؛ لأنها إذا قطعت قطعتين أنبتت، وتأكل في عامها بعض ما تجمع، وتدخر الباقي عدة أعوام.

    فتأمل حكمة الله تعالى في أضعف خلقه، وردِّدْ مع سليمان- عليه السلام- قوله : ﴿رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين﴾.. اللهم آمين، والحمد لله رب العالمين!

    كتب الشيخ محمد قطب عن هذا الموضوع في أحد مقالاته :


    أشرت من قبل فى كتاب ((دراسات قرآنية)) إلى ما يطلق عليه ظاهرة التكرار فى القرآن0 وقلت إن القرآن نادر جدا فى القرآن الكريم لا يتجاوز آيات معدودة جاءت بنصها فى أكثر من سورة0 ولكن الظاهرة الحقيقية ليست هى التكرار إنما هى التشابه الذى يؤدى إلى التنوع، وقلت إنها كثمار الجنة تبدو لأول وهلة أنها هى هى، ولكنها عند المذاق يتبين الفرق بينها وبين ما كان من قبل : (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً) (البقرة) .

    وهذا التشابه الذى يؤدى إلى التنويع هو ذاته لون من الإعجاز0 فالموضوع الواحد يعرض مرارا، ولكنه يعرض فى كل مرة مختلفا عما سبقه نوعا من الاختلاف، فيكون جديدا فى كل مرة، ويكون- مع التلاوة المستمرة للقرآن- متجددا على الدوام0

    - وقد يكون الاختلاف فى حرف واحد، ولكنه يغير الصورة!
    خذ هذا النموذج:
    ( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم)) (البقرة)
    ((وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم)) (ابراهيم)

    هناك نوعان من الاختلاف بين الآيتين – وإن كان موضوعهما واحدا – فالآية الأولى خطاب من الله تبارك وتعالى إلى بنى إسرائيل يذكرهم بنعمه عليهم، ويمن عليهم بأنه نجاهم من آل فرعون الذين يسومونهم سوء العذاب، والثانية خطاب من موسى عليه السلام إلى قومه يذكرهم بنعم الله عليهم، ويذكرهم بالذات بتلك النعمة الكبرى، وهى تنجيتهم من آل فرعون الذين يسومونهم سوء العذاب، بالإضافة إلى التغيير فى صيغة الفعل: نجيناكم وأنجاكم، أحدهما متعد بالتضعييف والآخر متعد بالهمزة، وأحدهما بضمير المتكلم والثانى بضمير الغائب .
    ولكن انظر إلى الجزء الخاص بالعذاب الذى كان يوقعه آل فرعون ببنى إسرائيل. إن فيه اختلافا بين الآيتين يحدث تغييرا فى الصورة :
    ((يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم))
    ((يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم))

    إن الفارق بين العبارتين حرف واحد، هو الواو التى جاءت فى الآية الثانية قبل كلمة ((يذبحون))، ولكن انظر كم أحدث الحرف الواحد من الاختلاف بين الصورتين!

    فى الصورة الأولى ينحصر العذاب فى قتل الأولاد واستحياء النساء، وفى الثانية يصبح هذا الأمر واحدا فقط من ألوان العذاب التى تصب على بنى إسرائيل، وإن كان السياق يوحى بأنه من أبرزها، وأشدها وأخبثها. إذ أجمل ((سوء العذاب)) وفصل ((قتل الأولاد واستحياء النساء))0
    ذلك مجرد نموذج ينفى خاطر ((التكرار)) الذى يتوهمه قارئ القرآن لأول وهلة، ويبرز بدلا منه ظاهرة ((التشابه)) التى تؤدى إلى التنويع، والتى تشبه ثمار الجنة الموصوفة فى القرآن الكريم0


    و للحديث بقية ...

    باسم الله نتابع :

    فإذا تدبرنا مجالين بالذات يوهمان بالتكرار للوهلة الأولى، بينما حقيقتهما التشابه وليس التكرار، فذانك هما قصص الأنبياء مع أقوامهم، وصور النعيم والعذاب فى اليوم الآخر، وهما من أكثر الموضوعات ورودا فى القرآن الكريم، ولكن بشكل مختلف فى كل مرة، وذلك – فى ذاته – كما أشرنا من قبل لون من الإعجاز، لا يرد بهذه الصورة فى كلام البشر المحدودى القدرة فى مجال التعبير .

    خذ هذا النموذج من قصة نوح فى ثلاث سور من سور القرآن .

    - من سورة هود :
    ((ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إنى لكم نذير مبين(25) أن لا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم(26) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين(27) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتانى رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون(28) ويا قوم لا أسألكم عليه ما لا إن أجرى إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكنى أراكم قوما تجهلون(29) ويا قوم من ينصرنى من الله إن طردتهم أفلا تذكرون(30) ولا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إنى ملك ولا أقول للذين تزدرى أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما فى أنفسهم إنى إذا لمن الظالمين(31) قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين(32) قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين(33) ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وغليه ترجعون(34) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلى إجرامى وأنا برئ مما تجرمون(35) وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون(36) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون(37) ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون(38) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم(39) حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل(40) وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربى لغفور رحيم(41) وهى تجرى بهم فى موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان فى معزل يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين(42) قال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين(43) وقيل يا أرض ابلعى ماءك ويا سماء أقلعى وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين))

    - ومن سورة الأعراف:
    ((لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (59) قال الملأ من قومه إنا لنراك فى ضلال مبين(60) قال يا قوم ليس بى ضلالة ولكنى رسول من رب العالمين)(61) أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون(62) أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون(63) فكذبوه فأنجيناه والذين معه فى الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين)) .

    - ومن سورة الشعراء :
    ((كذبت قوم نوح المرسلين(105) إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون(106) إنى لكم رسول أمين(107) فاتقوا الله وأطيعون(108) وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين(109) فاتقوا الله وأطيعون(110) قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون(111) قال وما علمى بما كانوا يعملون(112) أن حسابهم إلا على ربى لو تشعرون(113) وما أنا بطارد المؤمنين(114) إن أنا إلا نذير مبين(115) قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين(116) قال رب إن قومى كذبون(117) فافتح بينى وبينهم فتحاً ونجنى ومن معى من المؤمنين(118) فأنجيناه ومن معه فى الفلك المشحون(119) ثم أغرقنا بعد الباقين(120) إن فى ذلك لآية وما أكثرهم مؤمنين(121) وإن ربك لهو العزيز الرحيم)).


    إنها قصة واحدة 00 قصة نوح مع قومه، وجدالهم معه، وردوده عليهم، وتكذيبهم له، وإغراقهم فى النهاية ونجاة المؤمنين .
    ولكن هل هى واحدة فى السرد القرآنى، أم إنها صور متعددة وإن تشابهت فى عمومياتها، وفى بدئها وفى نهايتك؟

    إن اختلاف الصور فى طرق السرد المختلفة هو فى ذاته جمال، لأنه يعطى فى كل مرة جوا مختلفا للقصة فى نفس القارئ، والسامع، فكأنها قصة جديدة، مع أن الأشخاص هم هم، والوقائع هى هى فى النهاية .
    ولكن القصص فى القرآن لا يرد لمجرد القصص، وإن كان مشتملا من الناحية الفنية الجمالية على عناصر الجمال الفنى التى تجعل له مدخلا لطيفا إلى النفس، فيكون أبلغ تأثيرا فيها، مما لو كان مجرد فكرة أو قضية تخاطب العقل وحده ولا تخاطب الوجدان .

    ولكن الروعة فى هذا القصص أنه – مع جماله الفنى – يؤدى هدفا دعويا مما يشتمل عليه كتاب الدعوة الأعظم، فى تناسق كامل بين الهدف الدعوى والجمال الفنى.. وإذ كانت الأهداف الدعوية كثيرة ومتعددة ومختلفة، يجئ القصص القرآنى فى صورة مختلفة فى كل مرة، متناسقة مع الهدف المقصود من إيراد القصة، مع توافر الجمال الفنى فى كل مرة .


    ولنراجع قصة نوح فى السور الثلاث التى أثبتناها منذ قليل، لنرى تناسقها فى كل مرة مع الهدف من إيراد القصة .. :

    - الهدف من إيراد القصة فى سورة هود – كما هو مذكور فى سياق السورة – ثلاثة أمور:
    ((ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد(100) وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التى يدعون من دون الله من شىء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب(101) وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد (102) إن فى ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود))

    ((وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين))

    فهى إنذار للناس لكى يحذروا عذاب الآخرة ويتقوه .. وهى تثبيت لقلب الرسول ، وهى موعظة وذكرى للمؤمنين .

    وكان من المناسب لهذه الأهداف الثلاثة تطويل العرض، والإكثار من ذكر التفاصيل فيما وقع بين كل رسول وقومه. وكان ذلك مناسبا بصفة خاصة للهدف المتعلق بتثبيت قلب الرسول وهو يلقى العنت من قومه : من تكذيبهم وجدلهم واللدد فى خصومتهم.. فها هو ذا رسول سابق من رسل الله قد لقى مثل ذلك العنت، وصبر عليه، ثم نجاه الله وقضى على الذين كذبوه ..

    - أما الهدف فى سورة الأعراف – كما جاء فى سياق الصورة – فهو هذا البيان:
    ((وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون(94) ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون))

    فالتركيز هنا هو على الأخذ المباغت، وليس على ما جرى من أحداث بين الرسول وقومه، فلا يركز عليها فى السياق .

    - وأما فى سورة الشعراء فهدف إيراد القصة – كما هو مذكور فى السورة – أن الكفار يطالبون الرسول بآية تجعلهم يصدقون أنه رسول من عند الله. فجاء التركيز فى القصة على الآية، وهى إهلاك المكذبين وتنجية المؤمنين، وليس على تفاصيل الأحداث كما كان الحال فى سورة هود .

    وهكذا يتم للقصة جمالها الفنى مع وفائها – فى كل مرة – بالهدف من إيراد القصة، وتتنوع الصور فى كل مرة بما يناسب سياق العرض .


    وذلك من الإعجاز ...


    و للحديث بقية ..
    يتابع الشيخ محمد قطب فيقول :

    والشأن كذلك فى مشاهد القيامة، وهى كثيرة متنوعة، تعرض أحيانا فى اختصار شديد، فى كلمات معدودات، وأحيانا بالتفصيل فى آيات متواليات، وفى كل مرة تعطى جوا خاصا، يتناسب – من جهة – مع قصر السورة أو طولها، ومن جهة أخرى مع السياق المعروض فى السورة، ولكل سورة من سور القرآن جوها الخاص وسياقها الخاص، وإن اشتركت جميعا فى هدف واحد كبير مشترك، هو هداية للناس إلى ربهم، وتعريفهم به، وبما يجب عليهم تجاهه – سبحانه – من خالص العبادة وخالص الطاعة .

    خذ مثالا من أمثلة الإيجاز البليغ ، سورة القارعة :
    ((القارعة(1) ما القارعة (2) وما أدراك ما القارعة(3) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث(4) وتكون الجبال كالعهن المنفوش(5) فأما من ثقلت موازينه(6) فهو فى عيشة راضية(7) وأما من خفت موازينه(8) فأمه هاوية (9) وما أدراك ما هية (10) نار حامية))

    وخذ صورة أخرى أكثر تفصيلا، ولكن فى غير طول، فى سورة الغاشية :
    ((هل أتاك حديث الغاشية (1) وجوه يومئذ خاشعة(2) عاملة ناصبة(3) تصلى ناراً حامية(4) تسقى من عين آنية(5) ليس لهم طعام إلا من ضريع(6) لا يسمن ولا يغنى من جوع(7) وجوه يومئذ ناعمة(8) لسعيها راضية(9) فى جنة عالية(10) لا تسمع فيها لاغية(11) فيها عين جارية(12) فيها سرر مرفوع (13) وأكواب موضوعة(14) ونمارق مصفوفة(15) وزرابى مبثوثة)) .

    وخذ وصفا أكثر تفصيلا للعذاب، فى سورة الحج:
    ((هذان خصمان اختصموا فى ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم(19) يصهر به ما فى بطونهم والجلود(20) ولهم مقامع من حديد(21) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق)) .

    أو هذا المشهد من سورة الواقعة:
    ((وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال(41) فى سموم وحميم(42) وظل من يحموم(43) لا بارد ولا كريم(44) إنهم كانوا قبل ذلك مترفين(45) وكانوا يصرون على الحنث العظيم(46) وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعثون(47) أو آباؤنا الأولون(48) قل أن الأولين والآخرين(49) لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم(50) ثم إنكم أيها الضالون المكذبون(51) لآكلون من شجر من زقوم(52) فمالئون منها البطون(53) فشاربون عليه من الحميم(54) فشاربون شرب الهيم(55) هذا نزلهم يوم الدين)) .

    ثم خذ هذا المشهد المفصل للنعيم، من سورة الإنسان:
    ((فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً(11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا(13) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا(14) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا(15) قوارير من فضة قدروها تقديرا(16) ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا(17) عينا فيها تسمى سلسبيلا(18) ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثوراً(19) وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكاً كبيرا(20) عاليهم ثياب من سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهوراً(21) عن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً)) .

    ماذا تجد فى نفسك حين تتبع هذه المشاهد فى القرآن الكريم؟

    إنك أولاً فى عرض متنوع على الدوام، سواء من حيث الإيجاز والتطويل، أو من حيث مفردات الوصف للنعيم والعذاب، التى تختلف فى كل معرض عنها فى المعرض الآخر، والتى تشكل فى كل مرة صورة مختلفة عن الصورة الأخرى، حتى إن اتحدث فى عموميتها0

    وأنت ثانياً فى عرض حى متدفق الحيوية، لا تملك ألا تنفعل به نفسك، ويتأثر به وجدانك. بل لا تملك إلا أن تعيش فيه كأنه حاضر أمامك اللحظة، يحيط بك من كل جانب، ويأخذ عليك أقطار نفسك، بل يصل التأثر به أن يعيش الإنسان فيه كأنه حاضر، وكأن الحياة الدنيا- التى هى الحاضر فى الحقيقة- كانت واقعا قديما، حدث ذات يوم ثم مضى وانقضى، وليست هى التى يعيشها الإنسان فى هذه اللحظة، فيظل خاطر الآخرة حيا فى النفس لا يفارقها، يما تشتمل عليه من صور النعيم والعذاب، الأولى تدفع الشوق إلى الجنة، والثانية تحذر من الوقوع فى العذاب. وذلك من الإعجاز ..

    و للحديث بقية ..


    و يسرد الشيخ محمد قطب فيقول :

    وثمة مجال ثالث يبدو فيه التنويع- لا التكرار- أوضح ما يكون، ذلك مجال الآيات الدالة على قدرة الله .

    إن القرآن- كما قلنا- كتاب هداية، مهمته الأولى هداية الناس إلى ربهم، وإلى الصراط المستقيم:
    ((قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين(15) يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)) .
    وأوسع الأبواب التى ترد فى القرآن لتعريف الناس بربهم هو الآيات الدالة على قدرة الله، والتى تؤدى بالقلب البشرى- حين يتدبرها على حقيقتها- أن ينبذ الآلهة الزائفة كلها، ويتعلق بالإله الحق، الذى لا إله غيره، ويعبده وحده بلا شريك .

    الآيات فى مجملها واحد: خلق السموات والأرض، وخلق الناس، وتدبير الكون، والهيمنة التامة على كل ما فى الوجود ومن فى الوجود، سواء فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل، والحاكمية المطلقة على كل شئ فى الكون المادى أوفى حياة البشر.
    ولكن هذه الأمور لا تأتى فى صورة واحدة.. بل فى مئات الصور فى القرآن من أوله إلى آخره .
    وتختلف الصور.. مرة من حيث الطول والقصر، ومرة من حيث المفردات المذكورة فى كل منها، ومرة من حيث الحجم الذى تأخذه كل مفردة من المفردات فى سياق السورة .

    فخلق السموات والأرض ربما كان أكثر الآيات ورودا فى معرض إثبات قدرة الله التى لا تحدها حدود. ولكن هذه القضية الواحدة ترد فى صور شتى تجعلها جديدة وقائمة بذاتها فى كل مرة:

    ((هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شىء عليم)) (البقرة)

    ((إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)) (البقرة)

    ((هو الذى أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون(10) ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن ذلك لآية لقوم يتفكرون(11) وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون(12) وما ذرأ لكم فى الأرض مختلفا ألوانه إن فى ذلك لآية لقوم يذكرون(13) وهو الذى سخر البحر لتأكلون منه لحما طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون(14) وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون(15) وعلامات وبالنجم هم يهتدون(16) أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون)) (النحل)

    فكيف ترى فى هذه الآيات ؟!

    أهى ذات المشاهد المألوفة التى يتبلد عليها الحس لأنها مكررة أمامه؟ أم إنها أمر آخر جديد يهز الوجدان ويحرك المشاعر؟!
    وما الجديد فيها؟!

    إن الجديد فيها شيئان يبرزهما السياق. الأول أن السياق يعرضها لا على أنها ((مرئيات)) أمام الإنسان يطلب منه أن يشاهدها، أو حتى أن يلتفت إليها التفاتا خاصا.. إنما يصلها مباشرة بالقدرة القادرة التى أوجدتها، والتى تحركها وتدبر أمرها.. تصلها بالله؛ فيشاهدها الإنسان – مع السياق القرآنى- فى ثوب جديد غير ذلك الذى تبلد عليه الحس. فتنتفض حية فى الوجدان، لأن الوجدان يتابع فيها يد الصانع القادر الجليل، فى كل شىء بمفرده، وفى المجموع الذى تكونه المفردات.. فينبض القلب بالتأثر العميق .

    أما الشىء الآخر فهو التنوع المستمر فى العرض.. إن له خاصية ذات تأثير، هى إحياء المشهد المعروض كأنه فى كل مرة جديد .

    وذلك من الإعجاز .


    عن طالب علم بمنتدى اهل الحديث

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    1
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    18-04-2011
    على الساعة
    03:19 PM

    افتراضي

    جزاك الله خيرا على مجهودك العظيم
    ولكن اسمح لى ان اصصح الاية الموجودة [U]فى سورة الانسان رقم 20 إن هذا
    وليس كما تمت كتابتها كالاتى
    (21) عن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً)) .

شبهة : التكرار فى القصص القرآنى

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. نفي التكرار عن سورة الرحمن
    بواسطة المهتدي بالله في المنتدى شبهات حول القران الكريم
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 16-06-2006, 10:03 AM
  2. التكرار والإختلاف في قصص القرآن
    بواسطة mahmoud000000 في المنتدى شبهات حول القران الكريم
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 13-06-2006, 04:46 AM
  3. رد شبهة سورة القصص آية 9
    بواسطة السيف البتار في المنتدى شبهات حول القران الكريم
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-03-2006, 03:56 PM
  4. رد شبهة سورة القصص آية 27
    بواسطة السيف البتار في المنتدى شبهات حول القران الكريم
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 28-03-2006, 03:04 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

شبهة : التكرار فى القصص القرآنى

شبهة : التكرار فى القصص القرآنى