لا يوجد قانون في الإحكام والتنظيم مثل التشريع الذي جاء به النبي ( ، فإن شريعته جاءت لتسد حاجة الإنسان في كل نواحي الحياة ، وتبين الحكم في كل ما يحتاج الإنسان، وتنظم حياة المسلم من ولادته إلى موته ؛ تسير معه جنبا إلى جنب ترعاه وتحضنه وتقومه وتسدده وتبصره وتهديه ( فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ( [البقرة:97]، شريعة كاملة ، فيها من اللين واليسر والموافقة للعقل ما يجعل كل من يلتزم بها سعيدا فخورا، وفيها من المرونة ما يجعلها تصلح لكل زمان ومكان وأمة ،لا تميز بين الناس في الأحكام ، فالعدل أساسها والحكمة نبراسها .
على حين لا تجد هذا في كل شريعة وقانون وضعي ،ولا يعرف هذا حق معرفته إلا القانونيون والمطلعون على القانون الوضعي، فهو يعدل في كل سنة عدة مرات، والقانون لو نجح في بلد فإنه قد لا ينجح في بلد آخر ، ولو صلح في وقت فقد يكون وبالا في وقت آخر، وانظر ماذا فعلت الشيوعية الحمراء(367) بأهلها التي لم يلتزم بها من التزم إلا بعد جريان أنهار الدم، واستخدام أبشع أنواع التعذيب ، ثم سقطت إلى الهاوية وألقيت في زبالة التاريخ غير مأسوف عليها .
ولم يستطع أحد أن يأتي بشريعة تخدم الإنسان في جميع شؤون حياته، فقصارى جهد من وضعها أن تكون فكرة في مجال معين ؛ ففي الاقتصاد برزت الاشتراكية والرأسمالية، فالأولى قتلت الإبداع وساوت بين النشيط والخامل ، وبين المضحي واللامبالي،والذكي والغبي(368). والأخرى جعلت شعوبها شعوبا طبقية ما بين كل طبقة وطبقة مفاوز ، فبعض الطبقات طبقة مسحوقة لا تجد قوت يومها ، وبعضهم يتمتعون بكل متاع الدنيا ، وليس على هؤلاء حق لأولئك(369) .
وفي السياسة برزت الديمقراطية والدكتاتورية ،فالأولى(370) فتحت الباب على مصراعيه وأطلقت الحريات بلا عنان ، وجعلت الحكم للشعب طارحة أي حكم شرعي غير مبالية فيه ،فحكم الناس يقدم على حكم رب الناس، والأخرى(371) جعلت الحكم محصور بشخص واحد ولا يحق لأحد التدخل مهما بلغ من الثقافة والعلم، وغيرها من الأفكار والمذاهب التي لا يسع المجال لذكرها.
وهذه القوانين مع كثرة الواضعين لها والمنقحين والمراجعين والمصححين إلا أنه لا زالت تغير يوما بعد يوم ،فمن وضعها غير راض عنها فضلا عن غيره .
وكل هذه الأفكار والمذاهب والتشريعات والقوانين على اختلاف مجالاتها كان منتهى قدراتها مجتمعة أن تخدم بدن الإنسان وجسمه ، ولم تستطع أن تقدم للروح شيئا ، فكان غاية ما عندها أن تقول للناس: ليتخذ كل منكم الدين الذي يريد، فإننا لا نعرف كيف تسعد الروح.
فكل هذه العقول لم تستطع أن تأتي بشريعة خالدة شاملة لجميع نواحي الحياة كما أتى به النبي ( في شريعته، وهذا من أدلة صدقة ، فالبشر لا يقدرون على هذا ، ولا حتى النبي ( يقدر على ذلك ، إنما هذه الشريعة تنزيل من عزيز حميد ،شريعة لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها ،يقول برناردشو (372): ( لو كان محمد – نبي الإسلام – حيًّا يرزق لاستطاع أن يحل مشاكل العالم وهو جالس على حصيرته يحتسي القهوة )(373) .