عرف أعداء الله أهمية كتاب الله تعالى في نفوس المسلمين ، ومدى تعلقهم به ، وعلموا أنه هو باعث نهضتهم ، ومحيي همتهم ، وموحد كلمتهم ، وسبب نجاتهم وقوتهم .
يقول الحاخام الأكبر لإسرائيل سابقا مردخاي الياهو ، مخاطبا مجموعة على وشك الالتحاق بالجيش الإسرائيلي : (هذا الكتاب الذي يسمونه القرآن هو عدونا الأكبر والأوحد ، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته ، كيف يمكن تحقيق السلام في وقت يقدس العرب والمسلمون فيه كتابا يتحدث عنا بكل هذه السلبية ؟! على حكام العرب أن يختاروا ؛ إما القرآن أو السلام معنا)(79) .
وفي بدايات هذا القرن كان الجنود الإيطاليون يتغنون بأنشودتهم : (أنا ذاهب إلى ليبيا فرحا مسرورا ، لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة ومحو القرآن ، وإذا مت يا أماه فلا تبكيني ، وإذا سألك أحد عن عدم حدادك فقولي : لقد مات وهو يحارب الإسلام )(80) .
ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر : (إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ، ويتكلمون *********(81) .
ويقول وليم جيفورد : (متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب ، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدا عن محمد وكتابه)(82) .
ويقول اللورد كرومر في مصر : (جئت لأمحو ثلاثا : القرآن والكعبة والأزهر)(83) .
يقول جون تاكلي : (يجب أن نستخدم القرآن –وهو أمضى سلاح-ضد الإسلام نفسه ، بأن نعلم هؤلاء الناس-يعني المسلمين- أن الصحيح في القرآن ليس جديدا ، وأن الجديد ليس صحيحا)(84) .
ويقول غلادستون –وزير المستعمرات البريطاني سنة 1895 ، ثم رئيس الوزراء - : ( لن تحقق بريطانيا شيئا من غاياتها في العرب ، إلا إذا سلبتهم سلطان هذا الكتاب ، أخرجوا سر هذا الكتاب –القرآن- مما بينهم تتحطم أمامكم جميع السدود)(85) .
وقال أيضا : ( ما دام هذا القران موجودا في أيدي المسلمين ، فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ، ولا تكون هي نفسها في أمان )(86) .
إذن هم يعرفون أن القرآن مصدر قوة المسلمين ؛ لذلك أعلنوا الحرب على كتاب الله، وهذه الحرب قديمة قدم نزول القرآن ، كما قال تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ( [فصلت : 26] ؛ يعني أن الغلبة لهم على المسلمين إنما تكون باللغو والطعن في القرآن .
ومن أهداف الطعن في كتاب الله :
1- حرب المسلمين ؛ لأن الكفار رأوا أن أهل الإسلام لا يمكن قهرهم بالسنان والحروب العسكرية ؛ لأنهم قوم يحبون الموت كما هم يحبون الحياة ، وإنما كان هذا الحب للشهادة في نفوس المسلمين ، لما في كتاب الله من الثناء والحث على الشهادة في سبيله ، لذلك توجهوا بالحرب إلى القرآن حتى ينتزعوا القدسية عن القرآن ، ويثبتوا أنه ليس من عند الله تعالى، بل من عند محمد ( ، ومن ثَم يتم إبعاد المسلمين عن مصدر توحيدهم وسر قوتهم.
2- فتح باب النـزاع والشقاق بين المسلمين على مصراعيه ، يقول تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ( [البقرة : 176] .
3- زرع الفتن بين المسلمين كما قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ…( [آل عمران : 7] .
4- هدم الإسلام : فقد روي عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْر ، قَالَ : قَالَ لِي عُمَرُ : هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟ قَالَ : قُلْتُ لَا . قَالَ : يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ ، وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ)(87) .
وبهذا يتحقق لهم ما يريدون ، ويصبح المسلمون صيدا سهلا ، بل قد يصبح المسلمون في صف الكفار وأتباع ملتهم (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ…( [البقرة : 120] .
وللأسف فقد تحقق لهم الكثير من هذا ، فقد عُزل الكتاب عن التحكيم بين الناس ، واستبدل بقانون الغرب ، وصدق رسول الله ( كما جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ( يقول : « خذوا العطاء ما دام العطاء لله ، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه ، يمنعكم الفقر والحاجة ، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم ، فإذا عصيتموهم قتلوكم ، وإن أطعتموهم أضلوكم ، قالوا : يا رسول الله كيف نصنع؟ قال : كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير ، وحملوا على الخشب ، موتُُ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله » (88) .