هل كتبة الأسفار أنبياء؟
وتمتلئ الأناجيل والأسفار بالدلائل التي تكذب القول بإلهامية هؤلاء الذين ينبغي أن تعرض نبوتهم على الميزان الذي اقتبسه تلاميذ المسيح من معلمهم، فقد جاء في رسالة يوحنا الأولى: "فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح، بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم لا ؟ لأن كثيرين من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم " ( يوحنا (1) 4/1 ).
ثم كيف للنصارى أن يعتبروا بولس أو غيره من التلاميذ رسلاً معصومين وأمناء على الوحي والنبوة، ومن هؤلاء الرسل الذين أرسلهم المسيح يهوذا الخائن، يهوذا الذي عُد من الاثني عشر تلميذاً الذين أرسلهم المسيح ؟ فمثل هذه الخيانة لا تصدر عن الرسل، وهي دليل يمنع دعوى نبوة ورسالة التلاميذ.
كما لا يصدر عن الأنبياء والرسل ما فعله بطرس عندما تخلى عن المسيح وأنكره في ليلة من أصعب الليالي ثلاث مرات ( انظر لوقا 22/34 )، ولوقا يقول على لسان المسيح: " من أنكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله " ( لوقا 12/9 )، فكيف ينكره الملهم الرسول الممتلئ من الروح القدس الذي سماه المسيح في نص آخر شيطاناً ؟ " فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس" ( متى 16/23 ).
ونلحظ أن النصوص الإنجيلية تشكك في إيمان أخصّ تلاميذ المسيح مما يجعلهم غير جديرين بحمل أمانة الإنجيل، فضلاً عن الرسالة والنبوة، إذ يقول المسيح عن بطرس : "يا قليل الإيمان لماذا شككت " ( متى 14/31 )، لذا اندفع القديس أكستاين للقول عن بطرس : " إنه كان غير ثابت، لأنه كان يؤمن أحياناً ويشك أحياناً ". ( )
وإذا قيل هذا في بطرس فماذا عساه يقال عن بقية التلاميذ والحواريين ؟ وهل كانوا أفضل حظاً وأحسن شأناً؟
العهد الجديد يخبرنا بأنهم هم أيضاً كانوا قليلي الإيمان، فقد وصفهم المسيح بذلك مراراً، يقول متى: "فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين: يا سيد نجنا فإننا نهلك، فقال لهم: ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟" (متى 8/25-26).
ولما أمرهم بالتحرز من خمير اليهود خاطب التلاميذ "قال: لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الإيمان، إنكم لم تأخذوا خبزاً، أحتى الآن لا تفهمون؟" (متى 16/8).
وفي موطن آخر قال لهم: "فإن كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غداً في التنور يلبسه الله هكذا، فكم بالحري يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان" (لوقا 12/28)، (وانظر مرقس 4/40، ومتى 6/30)، فهل مثل هؤلاء يعتد بروايتهم وتأليفاتهم فضلاً عن اعتبارها من وحي الله ؟
لكن الداهية الدهياء في شهادة المسيح عليهم لما عجزوا عن شفاء المصروع، وجاءوا للمسيح  شاكين مستفسرين: "لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه ؟ فقال لهم يسوع : لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم: لو كان إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم " (متى 17/19 - 20)، فهل هؤلاء الذين لا يملكون من الإيمان حبة خردل أنبياء وأمناء على تسجيل وحي الله؟

ثانياً :معجزات التلاميذ لا تصلح دليلاً على النبوة
وإذا كان اعتبار النصارى لهؤلاء التلاميذ أنبياء لمجرد أن قاموا ببعض المعجزات التي لم تقترن بدعوى النبوة منهم، فهذا لا يكفي في تقرير نبوتهم وعصمتهم، فالأسفار المقدسة تذكر أن المعجزات والآيات قد تعطى للكاذبين الذين يدعون النبوة، فالمسيح قال: " سيقوم مسحاء كذبة، وأنبياء كذبة، ويُعطون آيات عظيمة وعجائب، حتى يُضلوا - لو أمكن - المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم " ( متى 24/24 - 25 )، كما أن لوقا لم يثبت أن له معجزة، وكذلك مرقس.
كما أن الأعاجيب لا تصلح أكثر من دليل على الإيمان فحسب، إذ كل مؤمن - حسب الإنجيل - يستطيع أن يأتي بإحياء الموتى وشفاء المرضى، فقد نقل متى عن المسيح قوله: "فالحق الحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (متى 17/20).
تقول الرهبانية اليسوعية في تعليقها على هذه الفقرة: "بإمكان المؤمن على مثال الله نفسه أن ينقل جبلاً من الجبال".
وقال: "الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها" (يوحنا 14/12)، فكل مؤمن من النصارى يقدر على صنع معجزات المسيح، بما فيها إحياء الموتى وشفاء المرضى! لا بل يقدر على أعظم منها!!
أما التفسير التطبيقي فقد أُحرج مفسروه من هذا النص الذي أخجل تواضعهم، إذ لا يليق بالتلاميذ وبالمؤمنين صنع معجزات أكبر وأعظم من معجزات المسيح، فقالوا: "لم يقل الرب يسوع: إن تلاميذه سيصنعون معجزات أعظم روعة، فإقامة الموتى هي أقصى ما نستطيع" إن غاية ما يقدرون عليه هي إحياء الموتى.
ويقول المسيح  محذراً من الأنبياء الكذبة: "انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح، ويضلون كثيرين…ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين…سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب، يضلون لو أمكن المختارين أيضاً" (متى 24/4-25).
وقد حذر المسيح  من خداع هؤلاء الكذبة للعوام بما يزعمونه من معجزات وإيمان بالمسيح وادعاء أنهم على دينه، وبين المسيح كيفية معرفة هؤلاء الكذبة حين قال: " ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات.
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب، يا رب، أليس باسمك تنبأنا؟ وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم، احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتون بثياب الحملان .. من ثمارهم تعرفونهم" (متى 7/5-23).
وأخيراً، فإن إنسان الخطيئة يصنع الكثير من المعجزات والعجائب، من غير أن يعني ذلك صدقه أو نبوته، يقول عنه بولس: "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة وبآيات وعجائب