لم أُرسل المسيح ؟
يحصر النصارى مهمة المسيح المتجسد بالصلب ليتحقق الحب الإلهي للبشر، والمتمثل بالفداء والخلاص ، كما قال يوحنا: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية " (يوحنا 3/16 ).
وهو " الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين " ( رومية 8/32 ).
ونص يوحنا قول مهم في بيان مهمة المسيح، لكن أحداً لم يذكره غير كاتب يوحنا المجهول، فإما أن يكون القول من عنده كذباً وزوراً، وإما أن نقول بأن الإنجيليين الثلاثة فرطوا أيما تفريط في ذكر أهم مقتضيات إرسال المسيح.
ويكذب هذا النص المهمات التي أطبقت على ذكرها الأناجيل، فمن لدن بعثة عيسى عليه السلام ذكر أن مهمته تذكير الناس بالقيامة والحساب وبعثة النبي الخاتم " قد تم الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" ( مرقس 1/14 ).
واستمر في دعوته قائلاً: "إنه ينبغي لي أن أُبشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله، لأني لهذا قد أُرسلت" ( لوقا 4/43 ).
ومن مهماته إتمام الناموس، لذا تجده يقول: " لا تظنوا أني أتيت لأنقض الناموس، أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمل " ( متى 5/17 ).
وأعظم مهماته عليه السلام الدعوة لتوحيد الله " وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته، أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل، قد أكملته " ( يوحنا 17/3 - 4 ).
ونص يوحنا السالف في (يوحنا 3/16) معارض أيضاً بسؤال المسيح الله أن يجيز عنه كأس الصلب، فلو كانت تلك مهمته لما جاز سؤاله بإجازة الكأس عنه.
وأما قول بولس في ( رومية 8/32 ) فهو لا يشعر برضا المسيح، بل ناطق بظلم وقسوة لا يصح أن ينسبا إلى الله، ويرِد عليه ما يرِد على نص يوحنا.
وقد زعم يوحنا أن محبة الله للبشرية هي سبب صلب المسيح فداء عن العالمين. فماذا عن محبة الله للمسيح الذي لم يشفق عليه، وأسلمه لأشنع قتلة وإهانة. فكان كما وصفه بولس: " لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين" (رومية 8/32).
أفما كان له نصيب في هذا الحب؟ ولم يصر النصارى على الحب الممزوج بالدماء؟ هل أرسل الله خالق الكون العظيم ابنه الوحيد إلى هذه البشرية التي لا تساوي في مجموعها كوكباً من الكواكب المتناهية في الصغر، لكي يعاني موتاً وحشياً قاسياً على أعواد الصليب، لترضية النقمة الإلهية - المزعومة - على البشر، ولكي يستطيع أن يغفر للبشرية ذنبها، على شرط أن تعلن البشرية اعترافها بهذا العمل الهمجي؟ هل هذا ما يريد منا النصارى تصوره!
يقول رتشارد هوكنز (1585م) وهو يلاحظ ما يكتنف صلب البريء من القسوة والظلم، فيقول: " فليحسبه البعض جهالة أو جنوناً أو ثورة غضب ... أو مهما كان فإنا نحسبه حكمة وتعزية ".( )
ثم إن كان خطأ آدم قد احتاج لتجسد إله وصلبه من أجل أن يُغفر، فكم تحتاج معاصي بنيه من آلهة تصلب؟ إن جريمة قتل المسيح التي يدعيها النصارى أعظم وأكبر من معصية آدم، وأعظم منها ما نسبه القوم إلى أنبيائهم من القبائح التي لا تصدر إلا عن حثالة البشر.
يقول فولتير: " إذا كانت المسيحية تعتبرنا خطاة حتى قبل أن نولد، وتجعل من خطيئة آدم سجناً للبريء والمذنب. فما ذنب المسيح كي يصلب أو يقتل؟ وكيف يتم الخلاص من خطيئة بارتكاب خطيئة أكبر؟ ".( )
ولنا أن نتساءل: لم كان طريق الخلاص عبر إهلاك اليهود وتسليط الشيطان عليهم وإغراء العداوة بين اليهود والنصارى قروناً طويلة. إن الحكمة تفرض أن يكون الفداء بأن يطلب المسيح من تلاميذه أن يقتلوه، ويجنب اليهود معثرة الشيطان، ويقع الفداء.
وهكذا أسئلة كثيرة تلح تبحث عن الإجابة، وما من مجيب!