أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة (1)

إسلام صفوان بن أمية رضي الله عنه

أخرج الواقِدِي وابنُ عَسَاكِرْ عن عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، قال: لما كان يوم الفتح أسلمت امرأة صفوان بن أمية البَغُوم، وأما صفوان فهرب حتى أتى الشِّعْب، وجعل يقول لغلامه يَسَار -وليس معه غيره-: ويحك، أنظر من ترى؟ قال: هذا عُمَيْر بن وَهْب، قال صفوان: ما أصنع بعمير؟! والله ما جاء إلا يريد قتلي، وقد ظاهر محمداً عليّ... قال أبا وهب: جُعلت فداك جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس، وقد كان عمير قال لرسول الله : يا رسول الله، سيد قومي خرج هارباً ليقذف نفسه في البحر، وخاف أن لا تؤمِّنه، فآمِنْه فداك أبي وأمي، فقال رسول الله : «قد آمنته» فخرج في أثره. فقال: إن رسول الله قد آمنك. فقال صفوان: لا واللهِ، لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها. فقال رسول الله : «خذ عمامتي» فرجع عمير إليه بها... فخرج عمير في طلبه الثانية... فقال: أبا وهب، جئتك من عند خير الناس، وأوصل الناس، وأبرّ الناس، وأحلم الناس، مجده مجدك، وعزه عزك، وملكه ملكك، ابن أمك وأبيك، وأذكرك الله في نفسك. قال له: أخاف أن أقتل. قال: قد دعاك إلى أن تدخل في الإسلام، فإن يسرُّك، وإلا سيّرك شهرين، فهو أوفى الناس وأبرهم، وقد بعث إليك ببرده... فعرفه... فرجع صفوان حتى انتهى إلى رسول الله ورسول الله يصلي بالناس العصر في المسجد... فلما سمع صاح صفوان: يا محمد، إن عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيتُ أمراً وإلا سيّرتني شهرين؟ قال: «إنزل أبا وهب». قال: لا والله حتى تبين لي، قال: «بل لك تسيّر أربعة أشهر» فنزل صفوان.

وخرج رسول الله قِبَل هَوَازِنْ، وخرج معه صفوان وهو كافر، وأرسل إليه يستعيره سلاحه، فأعاره سلاحه مائة درع بأداتها. فقال صفوان: طَوْعاً أو كَرْهاً؟ فقال رسول الله : «عارية رادّة» أي مردودة، فأعاره، فأمره رسول الله فحملها إلى حنين، فشهد حنيناً والطائف، ثم جمع رسول الله إلى الجِعْرانة، فبينا رسول الله يسير في الغنائم ينظر إليها، ومعه صفوان، فجعل صفوان ينظر إلى شِعْب ملاء نَعَماً وشاءً ورعاءً، فأدام النظر إليه ورسول الله يرمقه، فقال: «أبا وهب، يعجبك هذه الشعب؟» قال: نعم. قال: «هو لك وما فيه» فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحدٍ بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأسلم مكانه