مفتي ألبانيا: التنصير ينهش الجسد الألباني المسلم

حوار: عبد الرحمن أبو عوف 14/10/1426
16/11/2005



أكد الدكتور سليم موتشا مفتي ألبانيا ورئيس المشيخة الإسلامية أن الشعب الألباني قد فُرضت عليه عزلة رهيبة جعلته أفقر الشعوب في القارة الأوروبية، ومورست ضده أبشع صور الإرهاب على يد العصابة الشيوعية بقيادة أنور خوجة ورامز عليا لأكثر من خمسين عاماً، مشيراً إلى استمرار تداعيات هذه السنوات على ألبانيا وشعبها الذي يعاني الفقر والبطالة والضغوط الاقتصادية .. وتابع د. موتشا في حوار مع (الإسلام اليوم) أن الأوضاع الاقتصادية المتدنية أوجدت فرصة ذهبية لمنظمات التنصير التي ركّزت اهتمامها، وبذلت جهوداً جبارة لمحو الذاكرة الإسلامية للشعب الألباني، مشدداً على أن هذه المنظمات قد نجحت في اختراق مختلف المؤسسات الألبانية، ووسّعت من نشاطها باستهداف الشباب الراغب في السفر إلى أوروبا، وممارسة ضغوط عليه لتغيير دينه واسمه لكي يستطيع العمل والإقامة في أوروبا. وطالب موتشا العالم الإسلامي بدعم ألبانيا، وعدم تركها نهباً لعصابات التنصير الماسونية التي اقتربت أن تأكل الأخضر واليابس في قلعة الإسلام في منطقة البلقان ...



في البداية نرجو أن توضح لنا كيف وصل الإسلام إلى ألبانيا؟
لقد وصل الإسلام إلى ألبانيا منذ زمن طويل يرجع إلى القرن الأول الهجري، وذلك عندما عبر المسلمون مضيق جبل طارق إلى القارة الأوروبية، وفتحوا بلاد الأندلس ونشروا دعوة الحق وحرصوا على إسعاد الناس في ظل الإسلام، وكان للتجار المسلمين والدعاة فضل كبير ولكن الإسلام في ألبانيا انتشر بصورة مطّردة بعد فتح العثمانيين مدينة القسطنطينية بقيادة السلطان محمد الفاتح، واتخاذها عاصمة لهم، فرأى الألبانيون، كما رأى غيرهم من الأوروبيين في الفاتحين المسلمين أخلاقاً حميدة، ومساواة بين الناس جميعاً، وتحريراً من عبودية العباد، وأدركوا أن الإسلام هو مصدر كل خير، وهو دين ونظام حياة؛ فأحبوه ومالوا إليه، واعتنقوه أفواجاً، وظلت ألبانيا في طاعة الإسلام وولاياته تابعة للدولة العثمانية حتى قام أحد زعمائها ويسمى "اسكندر بك" بالتمرد على سلطان المسلمين، وساعدته في ذلك أطماعه الشخصية ودعم بابا الفاتيكان، وظل اسكندر بك في حروب مستمرة مع الدولة العثمانية لمدة ثلاثة وعشرين عاماً حتى عام 1467، وبعد ذلك تم فتح بقية ألبانيا مرة أخرى على يد السلطان محمد الفاتح عام 885 هـ .

كيف عاش المسلمون في ظل الإسلام في ألبانيا؟
• ظل مسلمو ألبانيا منذ الفتح الإسلامي لبلادهم حتى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 ينعمون بحكم الإسلام وعدل رجاله، ويعيشون عيشة راضية حتى أصاب ألبانيا بلاء كبير في الفترة ما بين الحربين؛ إذ كانت نهباً لقوات البلغار والفرنسيين والطليان وغيرهم؛ لكن بعض الألبان استطاعوا تحرير بلادهم وعرفت ألبانيا الاستقرار؛ غير أن أعداء الإسلام لم يتركوا أهل ألبانيا ينعمون بالأمان في ظل دولتهم بل تدخلوا لمحاربة الإسلام فيها. وفي عام 1928 تولى عرش ألبانيا "أحمد زوعو" وكان شديد الحقد على الإسلام؛ فقام بإلغاء الدروس الدينية التي كانت تُعقد في المساجد، وألغى كذلك تدريس التربية الدينية، ولكن ذلك لم يستطع تذويب هوية الشعب الألباني المسلم بفضل الله، ثم بفضل بعض علماء المسلمين الذين واصلوا جهودهم لنصرة الإسلام، وفي 1939 تعرضت ألبانيا للاحتلال الإيطالي الذي عمل على تنصير المسلمين، وزجّوا بالكثيرين منهم في السجن طوال سنوات الحرب العالمية الثانية، وزال الاحتلال الإيطالي لتتشكل في ألبانيا حكومة شيوعية بقيادة الجنرال أنور خوجة ليبدأ فصل جديد ومدمر في تاريخ مسلمي ألبانيا
ستار حديدي

هل لكم أن تلقوا لنا الضوء على طبيعة هذه المأساة؟
منذ بسط الشيوعيون سيطرتهم على السلطة وهم يشنون حملة تدميرية على الإسلام فبدؤوا بهدم المساجد وتحويلها إلى مكتبات ونوادٍ ومنتديات وإسطبلات خيل ومتاحف، وقيادة مخطط تجفيف منابع التدين عبر حظر تدريس أي شيء عن الإسلام في التعليم العام، ومصادرة آلاف بل وملايين النسخ من المصحف الشريف؛ وعمل "خوجة" على طمس الهوية الإسلامية للشعب تماماً من خلال نظام ستاليني فولاذي قضى على حرية الشعب وتديّنه، وأقام "خوجة" ستاراً حديدياً على ألبانيا مما عزلها عن العالم وحوّلها من الدولة الإسلامية الوحيدة في أوروبا إلى الدولة الوحيدة كاملة الإلحاد في العالم، ناهيك عن قيامه بقتل عشرات الآلاف من المسلمين الذين تمسكوا بدينهم، ونفي ملايين الألبان الذين غادروا البلاد هرباً من ظلمه، وقد وصل ظلم "خوجة" إلى أعلى مدى بسن قانون يعتبر الأنشطة الدينية ضمن الجنايات التي يعاقب عليها القانون بالإعدام، واستمرت الأوضاع السيئة مع خلفه رامز عليا إلا أنها كانت أقل حدة.
ولكن مع سقوط سور برلين وأيضاً الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية لم يعد النظام الشيوعي في ألبانيا قادراً على منع انبعاث الدين؛ إذ برزت إلى الساحة مبادرات جديدة للمسلمين والأرثوذكس والكاثوليك تمثلت في فتح بعض الجوامع والكنائس وإعادة الحياة الدينية من خلال تنظيم المؤسسات والهيئات الدينية، وانبعثت الروح الإسلامية من جديد والتي كانت حية في قلوب المسلمين، وتم استغلال مناخ الحرية لنشر الوعي الديني وإلباس ألبانيا الثوب الإسلامي من جديد.

ما هي أعداد مسلمي ألبانيا وأوضاعهم وأهم التحدّيات التي تواجههم؟
عدد سكان ألبانيا يصل إلى خمسة ملايين 75 % منهم مسلمون، والباقي كاثوليك وأرثوذكس، وتعاني الغالبية العظمى من الألبان من الفقر وتزايد حدة البطالة، خصوصاً بعد أزمة شركات توظيف الأموال في عهد الرئيس الألباني الأسبق صالح بريشا التي تآمرت عليه الدول الأوروبية بسبب عزمه إحياء الصلات بين ألبانيا والعالم الإسلامي، وبعكس أغلب الدول الأوروبية التي خرجت من رحم الشيوعية لم تحظ ألبانيا بقدر -ولو متواضع- من المعونات والمساعدات، وذلك ليظل شعبها فقيراً مما يسمح للمنظمات التنصيرية التي تزيد أعدادها في ألبانيا إلى (125) منظمة لتذويب هوية الألبان الإسلامية.
ولا تقف المؤامرة عند هذا الحد بل إن مؤسسة جورج سورس لعبت دوراً تخريبياً لضرب هوية الشعب الألباني؛ فالقروض التي قدمتها للحكومة استغلتها في السطو على المؤسسات التعليمية وفرض مناهج ماسونية على مراحل التعليم المختلفة، كما أن مؤسسته تلعب دوراً في إغراق المدن الألبانية بالصورة الجنسية والأفلام المنحلة علاوة على قيام مؤسسته بطرد أي فتاة محجبة من الجامعات التي يديرها.

تدمير المساجد

تعرضت المساجد لحرب تدميرية طوال الـ(70) عاماً الماضية .. ما هو واقع هذه المساجد حالياً؟
المساجد في ألبانيا قليلة جداً ويكفي أن "تيرانا" لا توجد بها سوى ستة مساجد قديمة، ويتسم الإقبال عليها بالضعف نظراً لضعف الوازع الديني لدى الكثير من الشباب الألباني والدور التخريبي الذي تقوم به منظمات التنصير في تنفير الشباب من دخول المساجد. وسأحكي لك قصة تبين ما آل إليه وضع الشعب الألباني المسلم؛ ففي إحدى القرى الشمالية "بوك" هُدم المسجد الوحيد في أيام الحقبة الشيوعية المظلمة، وبعد سقوط الشيوعية عاد المسلمون إلى مسجدهم ليروه أثراً بعد عين، وأرادوا أن يشيدوه فلم يستطيعوا لقلة الإمكانيات؛ مما اضطرهم للصلاة تحت شجرة قريبة من المسجد، وذات يوم مر عليهم قسيس نصراني، فسألهم: لماذا تصلون تحت الشجرة؟ أليس لديكم مسجد؟ فنفوا لعدم وجود إمكانيات مالية؛ فتعهد بتمويل المسجد لكن بشرط أن يكتب اسمه عليه، وهنا انتفض المسلمون غضباً ورفضوا الأمر كلياً، وطردوه، وكلهم أمل أن يسمع أحد المسلمين صرخاتهم فيذهب لنجدتهم.. كما أن هناك مشكلة أخرى ألا وهي افتقاد المساجد لوسائل التدفئة في الشتاء القارس، وعدم الصيانة؛ إذ أصبحت الجدران متصدعة والفرش بالية، ولا تزال المدن ذات الأغلبية المسلمة تشكو افتقارها إلى المساجد.

لكن وصلت تقارير عديدة أكّدت تنامي الوعي الإسلامي في ألبانيا؟
نعم تحسنت الأوضاع وانتشرت بسبب إقبال كثير من الشباب على الدراسة في الجامعات العربية الإسلامية ووجود عديد من الجمعيات الخيرية الإسلامية مثل مؤسسة الوقف الإسلامي من السعودية، وجمعية إحياء التراث، واللجنة الكويتية المشتركة، ولجنة العمل الإسلامي من الإمارات العربية المتحدة لكن حركة الوعي ما زالت في بدايتها، وهي بحاجة ماسة إلى ترشيد وتوجيه، والأرض هناك خصبة للدعوة الإسلامية ولدى الناس إقبال جيد لما يطرحه الدعاة القليلون الموجودون في البلاد، وقلة هؤلاء من أهم معوقات ترجمة شغف شعبنا بالإسلام إلى نتائج على ساحة الواقع.

مائة مؤسسة تنصيرية

تحدثت عن التنصير لكنك لم توضح لنا تفاصيل المخطط التنصيري في ألبانيا؟
لقد اشتد النشاط التنصيري بعد التغييرات التي شهدتها ألبانيا فشيّدت الكنائس، وبنيت المدارس التنصيرية في كثير من المدن والقرى، وليس غريباً أن تجد كنائس مشيدة في قرى ليس فيها نصراني واحد، كما في "كوكس"؛ بل إن هناك قرى في أعالي الجبال يعاني الكثيرون الأمرين للوصول إليها، ومع ذلك وصل إليها المنصّرون، وتنتشر في البلاد أكثر من مائة مؤسسة تنصيرية تتبع كثيراً من الأساليب في إغواء الألبان بداية من المنح الدراسية وربط إعطاء التأشيرات للحصول على عمل في إيطاليا الكاثوليكية واليونان الأرثوذوكسية بتغيير الاسم والدين، وللأسف يحرصون أشد الحرص للحصول على هذه التأشيرات، فإذا ظفر أحدهم أقام لها احتفالاً. وهناك تعاون كبير بين المؤسسات التنصيرية من جهة، وبعض المنظمات الماسونية مثل شهود يهوه والروتاري يصل إلى حد بناء مقرات لهذه المؤسسات وتمويل أنشطتها، وقد وضعت هذه المنظمات والهيئات برنامجاً منظماً للتنصير يعمل في كل الاتجاهات سواء أكانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وتستغل هذه المنظمات الوضع الاقتصادي المتدني لتبث سمومها، وتعدّ هذه المنظمات الوضع في ألبانيا فرصة ذهبية لإنجاح المخطط الساعي لتطهير الديار الألبانية من الإسلام والمسلمين.

في ظل هذه الهجمة الشرسة .. ألا يوجد دعم عربي وإسلامي لمواجهة هذا المخطط التآمري؟
على المستوى الرسمي لا يوجد شيء كثير يعوّل عليه، أما شعبنا فهناك جهود لا بأس بها عبر تبرعات قادمة من دول العالمين العربي والإسلامي، عبر المؤسسات الخيرية التي ذكرناها آنفاً، ولكنها تفتقد للإمكانيات التي تتمتع بها المنظمات التنصيرية، وتفتقد كذلك للتخطيط بعيد المدى؛ إضافة إلى وجود خلافات.


--------------------------------------------------------------------------------
جميع الحقوق محفوظة لموقع الإسلام اليوم 2005