الســـــلام عليكـمــــ ورحمــــــ الله ـــــة وبركـــــاتـــــة
وفي المصيبة خيـر!
"كان في سالـف الزمـان ملك يحكم دولة وفي إحـدى معاركه مع أعدائه قطعت أُذنـه,
فقال له وزيـره: لعل في قطعها خـيراً. فأمر بسجنه.
فقال الوزيـر: وفي سجني أيضاً خيـر!
ومـرت السنون وفي يـوم ما خرج الملك في رحلة صيد فذهب بعـيداً عن مملكته
حتى قَبض عليه جمـاعة من الناس كانوا يعبـدون الأصنام.
فقالوا لقد وجـدنا شيئاً نقربه لإلهنا, فلما هـموا بذبحه وجدوه مقطوع الأذن فقالوا لا
نقرب لمعبدونا شئياً ناقصاً فأطلقوه.
وعند رجوعـه أمر بإخراج الوزير من السجن فقال له الوزير: ألم أقل لك إن فيها خـيراً,
وفي سجني أيضاً خير فلو كنت معك لذبحـت بدلاً عنك". [ذكرها أبو حامد الغزالي]
إنّ تصديق العبد بالقضاء والقدر أحـد أركان الإيمان التي لا يقبل الإيمـان إلا بها.
وهذا التصديق يستلزم التسليم لله عز وجل في كل ما يقـدّره كما
{ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم}
[التغابن 11].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"هذا عـام لجميع المصائب في الأنفس والمـال والولد...
إلى أن قال: فـإذا آمن العبد أنها من عند الله فرضي بذلك, وسلم لأمره, هـدى الله قلبه,
فاطمأن ولم ينزعـج عند المصائب, كما يجري ممن لم يهـد الله قلبه, بل يرزقه الثبـات
عند ورودها
والقيام بموجب الصـبر فيحصل له بذك ثواب عاجـل مع ما يُـدخر له يوم الجزاء من
الأجر العظيم
كما
{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }" [تفسير السعدي ص
1208].
إنّ الأمـراض والآلام والهموم والفقر والشدة كلها خـير للعبد علم أو لم يعلـم ..
كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "تأملت المـرض فوجدت فيه أكثر من مائة فائدة ..
فهو كفـارة للخطايا ورفع للدرجات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((مايصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غـم حتى الشوكة
يشاكها إلاّ كفر الله بها من خطاياه)).
[متفق عليه]
فالنصب: التعب، والوصب: المـرض.
فإنّ الأمـراض ونحوها من المؤذيات التي تصيب المؤمن، مطهرة من الذنـوب,
وأنه ينبغي للإنسان أن لا يجمع بين المـرض أو الأذى مثلاً وبين تفويت الثواب.
قال النووي رحمه الله تعالى ـ بعد أن أورد عدة روايات ـ "وفي هذه الأحاديث بشارة
عظيمة للمسلمين
فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور,
وفيه تكفـير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها
وفيه رفع الدرجات بهذه الأمـور وزيادة الحسنات" [شرح النووي على مسلم 128/
16].
ومن فوائـد المصائب أنّ العبد يكون في تلك الحال منكسراً, مضطراً فيتوجه إلى الله عز
وجل
أن يزيل همه ويكشف غمه وينفس كربته فيجتمع بكليته فيدعو دعـاء
من قال الله فيه { أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } [النمل],
ومن فوائدها أنّ العبـد يقف مع نفسه وقفة محاسبة ويتساءل أنى هذا فيتفقد مواطن
الزلـل
كما
: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
[الشورى 30]
فيرجع إلى رحاب الـتواب الرحيم مجدداً التوبة والإنابة.
ومن فوائدها ـ وما أكثر فوائدها ـ أن يـتذكر العبد أنّ مشئية الله عز وجل في العبـد
نافذة,
وأن قـدره واقع لا محالة لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمـره.
ولو اجتمعت الأمة على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له,
ولو أجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه.
وأنّ ما أخطأ العبد لم يكن ليصبه وما أصابه لم يكن ليخطئه فيسلم بذلك فتزيد عليه
الفوائد أجـراً و إيماناً.
إذا مسّ بالسـراء عم سرورها وإن مسّ بالضراء أعقبها الأجـر
وما منهما إلا له فيه حكـمة ضاقت لها الأوهام والـبر والبحـر
وإذا أصيب العبـد بفقد حبيب أو مـوت قريب فتحمل عند ذلك وتذكر مصابه بالنبي صلى
الله عليه وسلم,
وأن (كل نفس ذائقة الموت) واسترجـع واحتسب ..
عوضه الله إيماناً يجده في قلبه فلما رضي عن الله عز وجل رضي الله عنه.
وإنّ مما يخفف المصائب ـ بعد علم العبد أنها بإذن الله ـ أن يتصبر ويتذكر أن الـفرج مع
الشدة
وأن مع العسـر اليسر كما
: { فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسرا } .
وأخيـراً: بشارة نبوية من تمسك بها وتذكرها ـ لا سيما عند الصدمة الأولى ـ فاز
وسعـد سعادة
لا يعلم بها إلا من قام بها وهي قول المصاب (إنا لله وإنا إليه راجعون),
يقول القرطبي في المصيبة: هي كل ما يؤذي المؤمـن، ويصيبه، وقد جعل الله عز
وجل، كلمات الاسترجاع،
وهي قول المصاب: إنا لله وإنـا إليه راجعون ملجـأ وملاذاً لذوي المصائب،
وعصمة للممتحنين من الشيطان، لئلا يتسلط على المصاب فيوسوس له بالأفكار
الرديـئة،
فيهيّج ما سكن، ويظهر ما كمـن، لأنه إذا لجأ لهذه الكلمات الجامعات لمعاني الخير
والبركة،
فإن قوله: إنا لله اقـرار بالعبودية والملك، واعتراف العبد لله بما أصابه منه،
فالملك يتصرف في ملكه كيف يشاء،
وقوله: وإنا إليه راجعـون إقرار بأن الله يهلكنا ثم يبعثنا، فله الحكم في الأولى، وله
المرجع في الأخرى,
وفيه كذلك رجاء من عند الله بالثواب.
ومن بركة هذا الاسترجاع ، بالإضافة إلى ما ذكر، ما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها
قالت:
" سمعت
يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول
ما أمره الله به:
إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله
خيراً منها)
فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر، إلى
ثم أني قلتها فأخلف الله علي برسول الله صلى الله عليه وسلم".
ولا عجـب فإنه إخبار من لا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى) وما على العبد إلا
التصديق والعمل بهذه البشارة.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:
"ونؤمن باللـوح والقلم وجميع ما فيه قد رقـم, فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء
كتبه فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه،
ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه أنه غير كائن ليجعلوه كائناً
لم يقدروا عليه جـف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة,
وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه"
ربنا لاتجعل مصيبتا في ديننا..........
تقبل الله منا صالح الاعمال _ فيما يحبه ويرضاه
المفضلات