[ الصيام والرضاعة الطبيعية ] ..





الحمل والولادة هما الهدف والحلم المشترك لأي زوجين يرتبطان من أجل بناء أسرة نموذجية تختلف معاييرها حسب الظروف والإمكانيات لأي منهم، وأجزم أن مجرد حصول الحمل كحدث بحد ذاته يبعث في نفس الزوجين نهرا من السعادة يغذي في وقعه كل مفاصل الحياة الزوجية، ويلزم بوضع الخطط المستقبلية لاستقبال الوافد الجديد بعد تسعة شهور، والحمل بالتأكيد هو جواب مريح لسؤال مهم عن المستقبل ويغني عن السير بطريق طويل صعب بحثا عن حلول التأخير، وقد يمر خلاله الزوجان في منعطفات كثيرة، ويقذفان بعبارات التشفي المسموعة والمهموزة بذكاء خبيث من قبل أفراد المجتمع المحيط ولو كان من ذوي القربى إشباعا لمرض دكين، وتتكلل بعد رحلة الحمل الطويلة هذه بكل مفاصلها وصعوباتها بحدث سعيد ويتمثل بولادة فرد جديد للعائلة، يكون ركنا مهما في إحداث الكثير من التغييرات الايجابية وتقليص الحريات الشخصية، فالنتيجة الطبيعية المتوقعة لرحلة الحمل لا بد أن تنتهي بحدث أجمل يسمى الولادة. وبعد الولادة تبدأ الرحلة الأجمل في حياة الأنثى وهي الرضاعة والتي تعني أن حياة الوافد الجديد إلى هذا العالم تعتمد بكل أركانها على السيدة الوالدة، فإن هي تناولت طعامها بشكل منتظم وجيد، فله نصيب في ذلك، وإن هي تقاعست لأي سبب عن ذلك، سينال عقابا لجريمة لم يرتكبها، ولن استرسل هنا بالحديث عن الفوائد الصحية للرضاعة الطبيعية لطرفي المعادلة، ولكنني سأختصر القول أن في ذلك فائدة صحية ونفسية وفسيولوجية كبيرة لا تقدر بثمن، وهو الأمر الذي يقوي العلاقة بين الطفل وأمه على حساب آخر.


والسؤال المتكرر الذي يطرح نفسه في هذا المقام عن إمكانية السيدة المرضعة من الصيام في شهر رمضان المبارك وتأثير ذلك على حياة الطفل ونموه. وبالمناسبة فقد كتبت هذه المقالة بالتحديد لرسم وتوضيح فكرة عامة عن الرضاعة والصيام، وأطرحها من وجهة نظري الطبية على قدر اجتهادي دون أن أتحمل ذنب بغير قصد، حيث لا بد من تعامل كل حالة مرضية على انفراد وليس التعميم، ويكون الرجوع لأهل الفتوى أمرا مرحبا به وضروريا ليتواءم مع الرأي الطبي حيث أن كليهما يكمل الآخر وفي كل حالة حمل بظروفها، متمنيا أن لا يفسر الرأي الذي أطرحه بغير القصد الطبي من زوايا الصيد الضيقة المتخصصة لفئة معينة من القناصين الضعفاء إرضاء لنقص أو اعتقادا بزيادة الطموح.


أجزم كطبيب أن الصيام بحد ذاته يفيد الجسم عموما، لأنه ينظم عملية حرق الدهون وخسارة الوحدات الحرارية الزائدة لو تم باعتدال، وصيام شهر رمضان يثري صاحبه بتوفيق رباني يطمح إليه كل مؤمن، وإذا كانت الأم تتمتع بصحة جيدة ولا تعاني من أي مضاعفات صحية، فبإمكانها الصيام ومتابعة روتين حياتها اليومية من دون تعديل باستثناء الحرص على أخذ قسط كاف من الراحة والابتعاد عن التوتر والقلق قدر الإمكان أو الإجهاد غير المبرر والذي يستوجب صرف سعرات حرارية هي في حاجة إليها لأمر مقدس آخر. مع ضرورة الحصول على المواد الغذائية الضرورية وعلى كمية كافية من الوحدات الحرارية خلال ساعات الغذاء، إضافة لكمية كافية من السوائل. كان ذلك مقدمة للسؤال المطروح بشكله العمومي، وحقيقة لا يوجد جواب مختصر يمكنه الإجابة بشكل شاف على هذا التساؤل والطرح، فقد يكون التعميم بالجواب نفيا أو موافقة نوعا من الخطأ الذي لا يمكن إصلاحه، وعليه فلا بد من طرح الحقائق العلمية لأمر كهذا وعلى السيدة المرضعة إتخاذ القرار المناسب وهي تعلم أن الصيام في شهر رمضان المبارك عبادة عظيمة ولكن رخص الله سبحانه وتعالى للمرأة بشكل خاص وهي الحامل أو المرضعة بالإفطار إذا كان هناك أحد الأمرين:
إما خوفها على نفسها و/أو على جنينها وطفلها. فخوف الأم الحامل على نفسها قد يكون بسبب مرض جسدي لا تستطيع أن توفق بسببه بين تناولها لدوائها وصيامها في آن واحد أو شعورها ببعض الأعراض المرضية والذي يستدعي تناولها لبعض المقويات والأغذية الغنية بالفيتامينات، وهو أمر وقدر ويجب أن يحترم وينفذ بمبادرة منها ومنطقيا ومكملا للسبب الثاني، فخوفها على جنينها/طفلها قد يكون بسبب نصيحة طبية للمرأة الحامل أو المرضعة بالغذاء المتوازن لتأثر حجم الجنين مثلا أو أن يكون بسبب إصابة المرأة الحامل أو المرضعة بمرض حساس متقلب أثناء الحمل أو الرضاعة مثل السكري وارتفاع الضغط وغيرها وفي هذه الحالة نهتم نحن كأطباء بالتأكد من تناول السيدة الحامل/المرضعة للعلاج المناسب في الأوقات المحددة حتى لا يؤثر الوضع المرضي العارض أو المزمن على نمو الجنين/الطفل وحدوث التشوهات الخلقية له لا سمح الله، أو أن يؤثر ذلك على نمو الطفل وتطوره وتأثر مناعته الطبيعية التي تحتل المركز الأول في مبررات فوائد الرضاعة الطبيعية. ولكن هذا لا يعني أنه في كل الحالات المرضية أثناء الحمل أو الرضاعة لا تستطيع المرأة التوفيق بين الصيام وتناولها العلاج اللازم، فعندها يتم الشرح الوافي للحامل أو المرضعة بطريقة أخذ العلاج ولكن بعد شرح جميع المضاعفات والإيجابيات لأمر كهذا ومن ثم تختار السيدة ما يناسبها.


ومن باب التذكير فإن الرضاعة أو كمية إنتاج الحليب اللازمة تعتمد على كمية السوائل والغذاء السليم الذي تتناوله الأم المرضعة والذي ينقص عادة أثناء الصيام عند معظم النساء، ولكن كثيرا من النساء المرضعات يتساوين في إمكانية الصيام والتعويض في الوقت والاختيار المناسب، وفي هذه الحالة تعتمد قدرة المرأة على الرضاعة على عدة عوامل أهمها الرضاعة المستمرة، والإكثار من شرب السوائل، وتناول الغذاء السليم المتكامل وأخيرا الراحة الجسدية، وإذا ما تحققت هذه العوامل بتوافق تصبح الرضاعة أثناء الصيام ناجحة ودون ثأثير سلبي أو خوف عليها أو على طفلها، أما إذا ما نقص أحد هذه المتطلبات فقد يؤدي ذلك إلى تأثير سلبي ويجب تقدير ضرره قبل وقوعه. نعم! إذا ما تحققت هذه العوامل كانت الرضاعة ناجحة دون ثأثير سلبي عليها أو على الجنين، أما إذا ما نقص أحد هذه المتطلبات وهي إلزامية للاستمرار بالصيام فقد يؤدي ذلك إلى تأثير سلبي. ولهذا فعلى المرأة المرضع إذا ما أرادت الصيام أن تكثر من السوائل بعد الإفطار، وخلال ساعات الليل، وأن تكثر من تناول الفواكه والخضروات الطازجة بين فترتي الإفطار والسحور ، وإن تستمر في إرضاع الطفل حتى وهي صائمة إلا إذا تأثرت هي شخصيا بالإرهاق الشديد وأصبحت تعاني من ناحية مرضية وعندئذ يستلزم عليها أن تفكر مليا في قدرتها على استمرارية الصيام أم لا. وعلى المرأة المرضعة استشارة طبيبها الخاص بإمكانية الحمل والرضاعة مع صيامها في شهر رمضان والأخذ بالنصيحة مهما كانت لأن الله سبحانه وتعالى يسر الأمور لمنع الضرر. وعليها التأكد من عدم إصابتها بأي أمراض تحضر عليها الصيام كأمراض السكري أو الضغط أو أمراض القلب أو قصور الكلى أو أية عوارض صحية والتي تستدعي أخذ السوائل والغذاء والعلاجات باستمرار، أو هناك عارض الالتهابات والتي تستدعي أخذ المضادات الحيوية بانتظام، أو الإصابة بفقر الدم المصاحب للحمل وهناك الكثير من الأمراض التي يصعب حصرها. ولكن كنصيحة أخيرة على أي سيدة سواء أكانت حاملا أم مرضعة استشارة طبيبها الخاص بإمكانية الحمل والرضاعة مع الصيام والأخذ بالنصيحة المناسبة لذلك ويفضل الاسترشاد برأي القادر على الفتوى في هذا الأمر حتى لا يفسر القرار على غير هدفه وواقعه.


وعموما إذا كانت السيدة تقوم بالرضاعة الطبيعية، عليها أن لا تتوقع إمكانية الصيام بسهولة في جميع الأحوال، حيث يقول معظم رجال الدين الإسلامي أن الأم المرضعة ؟ مثل حال المريض أو الشخص الذي على سفر ؟ لديها عذر خاص لعدم الصيام. حتى أن البعض يقول أنه من الخطأ إغفال النظر عن هذه اللفتة الطيبة والصوم حين يحق لهم ألا يفعلوا. وبشكل عام فإنني أؤيد هذا الرأي في حالات خاصة ومقدرة، ولا أستطيع التعميم به على الإطلاق، حيث يرتبط قرار تلازم الرضاعة والصيام بمجموعة من العوامل والأمور التوافقية والخلافية منها وكل حسب اجتهاده، لكن الأمر غير الخلافي أبدا قد يكون عمر الطفل ووضعه الصحي وهو العنصر الأساسي والحاسم، فيختلف الوضع إذا كان الطفل ضعيفا ويعتمد فقط على الرضاعة الطبيعية مقارنة مع طفل يتمتع بصحة جيدة ويبلغ من العمر عاما واحدا ويتناول أطعمة أخرى ضمن نظامه الغذائي ويرضع من الثدي فقط خلال ساعات الليل على سبيل المثال. وعموما من غير المحتمل أن يؤذي الصيام كحدث مجرد الطفل أثناء الرضاعة. ولكن على الأم المرضعة أن تعلم أنها سوف تشعر بتأثيرات الصيام ؟ وربما تحتاج إلى التوقف عنه ؟ قبل أن يؤثر على إنتاج الحليب لديها. وقد أظهرت إحدى الدراسات الطبية المهمة أن الصيام لمدة عشرين ساعة لم يترك أي انعكاسات على مستوى إنتاج الأم للحليب ولم يؤثر على قدرتهن على الرضاعة بشكل طبيعي أبدا، لكن الأمهات اللاتي شاركن فيها كن يشربن الماء بشكل شبه كامل وأساسي، فيبدو أن الجسم يعوض النقص في الغذاء والسوائل وينشط أكثر في إفراز الطاقة. لكن لو كانت الأم قد بدأت الرضاعة منذ فترة، فإنها ستعرف أنه قد تشعر بالعطش. والعطش الدائم مع النقص الحاد في التعويض بالسوائل المناسبة قد يؤدي للإصابة بالجفاف خصوصا عند الشعور بالعطش الشديد، أو عندما يصبح لون البول داكنا أو شديد الرائحة، أو الإحساس بالدوخة، أو الإغماء، أو الضعف، أو التعب، أو الشعور بالصداع أو أي أوجاع أخرى.

وأحذر هنا بأنه لو بدأت السيدة المرضعة بالشعور أو ملاحظة أي من هذه الإشارات أو العلامات، فعليها واجب كسر الصيام وشرب بعض الماء والسوائل دونما تأخير مهما كان الزمن المتبقي على الصيام وأخذ قسط وفير من الراحة وهي معذورة في ذلك. بل وبعد مرور نصف ساعة من الزمن، فإن لم يتحسن الأمر فلا بد من الاتصال بالطبيب المتخصص فورا لأخذ النصيحة المناسبة.هل يجب أن أصوم وأنا أم مرضعة عموما يحسم الأمر عند الإفطار، فيجب شرب الكثير من الماء والسوائل التعويضية، وخاصة في فترة الصباح الباكر عند السحور وقبل معاودة الصيام. وعلى الأم المرضعة أن تشرب ما لا يقل عن 8 إلى 12 كوبا من الماء والحليب أو العصير يوميا على أن يؤخذ بعين الاعتبار التوازن بين المواد الغذائية المهمة، لأن في ذلك واجب وأولوية على الأم المرضعة بتناول المواد الغذائية المتوازنة، والسعرات الحرارية الضرورية من الطعام، فيجب أن تتناول حوالي 400 إلى 500 وحدة حرارية إضافية في اليوم حين تقوم بالرضاعة الطبيعية، وإذا وجدت السيدة الحامل أنه من الصعب أن تأكل ما تحتاجه في ليلة واحدة، وقد تخسر من وزنها، فلا بد من تقييم الوضع الصحي مع الطبيب وإعادة ترتيب الأمور بشكلها الصحيح. وللعلم تحتفظ النساء المرضعات بالقدرة على إنتاج الحليب الكافي خلال فترة الصيام، لكن قد تنخفض نسبة الدهون في هذا الحليب، ولا يعد هذا مشكلة في حد ذاتها، لكن قد يعني ذلك أن الطفل الرضيع سيشعر بالجوع ويزداد طلبه على الرضاعة ويكثر من زياراته إلى الثدي وهو أمر لا يعني أن هناك مشكلة طارئة تستوجب قطع الصيام، فحليب الأم المرضعة يتغير من حيث التركيب قليلا على مدار الساعة، ويعتمد التغير هذا على عدة عناصر مثل نوعية الطعام الذي تتناوله واحتياجات الطفل في الفترة العمرية، مع الوضع بعين الاعتبار أنه قد تقل مكونات الدهون في هذا الحليب إذا كانت الأم صائمة. وعموما يحتاج الطفل الصغير إلى الأكل أكثر لو كان حليب الثدي منخفض الدهون لأنه لن يشعر بالشبع بعد الإرضاع.

ربما لا ينتبه الأطفال الأكبر سنا لهذا التغيير لأنهم يحصلون على بعض الأطعمة الصلبة. وهناك مؤشرات وعلامات التي تقول أن الطفل لم يحصل على كفايته من الحليب ويجب أن يتوقع في أمور متعددة، فمثلا إذا أصبح عدد الحفاضات المبللة أقل من المتوسط المعروف (يجب أن يبلل الطفل حديث الولادة ما بين 8 إلى 10 حفاضات يوميا)، أو اصبح لون البراز يميل للون الأخضر، أو هناك استمرارية للصراخ والأنين والبكاء، أو خسارة في الوزن أو/و عدم اكتساب وزن إضافي يتناسب مع النمو والعمر والغذاء حسب جدول التطور، فكل ذلك مؤشرات مرضية تلزم السيدة المرضعة على إعادة أولويات حياتها بتوافق.


ولكي تتجنب الأم المرضعة حدوث أي مشكلة أثناء فترة الصيام فعليها التحضير للرضاعة الطبيعية بشكل مناسب وذلك من شأنه أن يجنبها مواجهة أي مشاكل محتملة فمثلا ممارسة مهمات التسوق والتنظيف أو أي واجبات أخرى تتطلب المزيد من الجهد والطاقة قبل أن تباشر الصيام بحيث يبقى لديها الوقت الكافي للراحة لاحقا، كما أن المحافظة على برودة الجسم يمنع خسارة متوقعة من سوائل الجسم عن طريق الجلد، وأخذ قسط وقدر المستطاع من الراحة خلال اليوم أمر هام آخر بالاضافة إلى الاحتفاظ بمفكرة يومية للطعام تعلق على باب ثلاجة المطبخ كي تتأكد السيدة المرضعة من أنها تتناول الكمية الكافية واللازمة من الطعام والشراب أثناء الليل. وفي حال بدأت الأم المرضعة بالشعور أنها ليست على ما يرام أو أنها قلقة من أن الطفل لا يأخذ كفايته من الحليب، فعليها الاتصال بالطبيب وإتباع الإرشادات والتعليمات الطبية والفتاوي الدينية الضرورية للمحافظة على المستوى المثالي من الحالة الصحية لارتباط ذلك بمصير طفل يعتمد في غذائه ونموه على والدته وخصوصا في أشهر الحمل الأولى، والاتصال بالطبيب ضرورة حياتية لا تحتمل الاجتهاد والتحمل والتأجيل إذا شعرت الأم المرضعة بإشارات و/أو علامات والتي تدل على إصابتها بالجفاف أو خلل غذائي أو تشعر بأن طفلها قد يكون جائعا. وأريد التأكيد والتوضيح على ما بدأت أن الصيام يفيد الجسم عموما، لأنه ينظم عملية حرق الدهون وخسارة الوحدات الحرارية، لو تم باعتدال، فإذا كانت الأم تتمتع بصحة جيدة ولا تعاني من أي مضاعفات صحية، بإمكانها الصيام بأمان ومتابعة روتين حياتها اليومية من دون تعديل باستثناء الحرص على أخذ قسط كاف من الراحة والابتعاد عن التوتر والقلق قدر الإمكان. مع ضرورة الحصول على المواد الغذائية الضرورية وعلى كمية كافية من الوحدات الحرارية خلال ساعات الغذاء.



,,منقول,,

[نوسة) ..