(كانت فاطمة من الطالبات اللاتي تركز عليهن المعلمات للحصول على إجابات خيالية، فلقد اشتهرت بكونها مرحة واجتماعية، وحظيت بنعمة الذكاء وقوة الشخصية والثقة بالنفس، قد نالت درجات عالية وكانت متميزة بين نظيراتها، لقد كان العالَم بمثابة مكان مثير بالنسبة لفاطمة، لقد كانت متفائلة ومتحمسة لحياتها ومستقبلها، وفجأة تغيرت حياتها كلية.
فلقد تحول تفوقها الدراسي إلى فشل تام وتغيرت من الابتهاج والسعادة إلى الانسحاب والتقهقر، ومن كونها قائدة إلى ضائعة، لقد فقدت ثقتها بنفسها وأصبحت غير منتبهة وكثيرة النسيان، ومحبطة فلم تعد المدرسة ببساطة ذات أهمية بعد بالنسبة لها) [كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك، سال سيفير، ص(287)، بتصرف].
لعلك تتساءل عزيزي المربي عن السر في هذا التحول وهذا التغير في حياة فاطمة.
ولكن الإجابة تأتيك كالصاعقة على لسانها فتقول: "أبي طلق أمي".





حوار مع فاطمة:

ما هو شعورك تجاه انفصال والديك؟
لا أحب ذلك.
ماذا تعني بذلك؟
أمي تبكي كثيرًا.
كيف تشعرين عندئذ؟
أشعر بالحزن، فأتمنى لو تتوقف عن البكاء.
هل تعلمين سبب انفصال والديك؟
لأنهما اعتادا على الشجار كثيرًا.
هل حدث وتشاجرا بسببك؟
نعم.
هل شعرت أنها كانت غلطتك أن انفصل والديك؟
نعم لقد كنت أنا السبب في ذلك.
وفي هذه اللحظة امتلأت عينا فاطمة بالدموع عندما أفاضت بهذه الكلمات، فقام الأخصائي الاجتماعي بتهدئتها ولكنها انفجرت باكية لدقائق عديدة، وكانت تهمهم ببعض كلمات تعبر بها عن عاطفتها المكبوتة، التي كانت تحملها لعدة شهور، وعندما التقطت أنفاسها استطردت قائلة:
"ذات يوم كنت واقفة أمام التلفزيون فصاح بي والدي كي أتحرك، فصاحت به أمي كي لا ينهرني ثم تعاركا بشدة وترك والدي البيت، وبعد مرور أسبوعين أخبراني أنهما انفصلا، لذا اعتقدت أنهما انفصلا بسببي".
هكذا يفكر الأطفال إذا انفصل الآباء.





الحقائق تتحدث:


تشير الدراسات إلى أن 50% من الأطفال الذين انفصل آباؤهم يعتقدون أنهم هم السبب في هذا الانفصال، ولذلك فأمر الطلاق أمر خطير بالنسبة للأطفال، ويؤذي مشاعرهم بعنف، ويسبب تأخرهم دراسيًّا، كيف وهم يفكرون أنهم هم سبب الانفصال وبكاء الأمهات [نقلًا عن جريدة الرياض، مقال بعنوان الطلاق وأثره الاجتماعي، د.مزنة الجريد].
عزيزي المربي إن الأب والأم بالنسبة للطفل، كالجناحين للطائر فهل يستطيع الطائر أن يطير بجناح واحد، بالتأكيد محال.





فالأب بالنسبة للطفل: قائد البيت وقدوته في كل شيء وهو النموذج الذي يبني عليه الطفل أحلامه، نظراته لأبيه دائمًا نظرات إعجاب وفخر، بل وكثير من الأطفال يبادلون الكلمات عن آبائهم في المدارس، بنوع من الفخروالإعجاب فتجد الطفل يقول أبي مدير كذا، أو أبي طبيب، أبي اشترى لي كذا، أبي خرج معي في نزهة، وهكذا بل إن الطفل الرضيع نفسه تجد في نظراته لأبيه وكأنه يقول بلسان حاله "أبي كم أنت عظيم عندي"، بل عندما يكبر قليلًا ويفهم ويجد أباه ذاهبًا إلى العمل، أو إلى المنزل تجده يصرخ ويبكي ويتعلق في ثيابه يريد أن يذهب معه.





والأم ذاك الجناح الآخر: الذي لاغنى للطفل عنه، هي محضنه وحنانه بل هي وهو شيء واحد لا ينفصلان عن بعضهما البعض هكذا كان وهو في بطنها، انظر إلى الطفل الرضيع وكيف تعلقه بأمه وانظر إذا بعدت عنهلحظة كيف يكون حاله، وانظر إذا كبر من يرفع من معنوياته من يكسبه ثقته بنفسه، من يذاكر له دروسه، من يعد له طعامه، من يمسح عنه دموعه، من يسهر إلى جواره حال مرضه، إنها الأم ذلك الصدر الحاني الذي لن يجد الطفل من دونه بديلًا.





والطفل يشعر بالأمان: ما كان أباه وأمه في علاقة حسنة والحياة الزوجية مستقرة بينهم، بل ويشعر بكل دقيقة وصغيرة تحدث بينهم، الصراخ، الشجار، اختلاف الآراء، الهجر في المضجع، كل هذا يشعر بهالطفل ويكون سببًا في زعزعة الأمان لديه، وجعله أقرب إلى اليتم منه إلى الحياة في ظل الوالدين، وبسبب هذا كله رفع الله تعالى من شأن الوالدينوأمر ببرهما وودهما {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، وذلك جزاءً لإحسانهم إلينا في الصغر.




آثار الطلاق على الطفل:


(إن مشاكل الأسر المفككة باتت تمثل نسبة إحصائية ذات دلالة, وفي كل المجتمعات بدءًا من الولايات المتحدة الأمريكية حتى بنجلاديش، والأمر له أبعاد اجتماعية اقتصادية خطيرة، ومحل البحث هنا الآثار النفسية المنعكسة على الأطفال، فالتنشئة الاجتماعية في هذا الجو تجعل الأطفال:
1. في مصدر دائم للقلق والاضطراب.
2. بذور الحزن والاكتئاب تنغرس في أعماقهم (أنا بلا بابا، بلا ماما).
3. عدم التفاعل مع المجتمع بطريقة سوية، فالبيئة الأساسية لم تقم بتوفير الأمان والحماية الأساسيين للطفل) [الصحة النفسية للطفل، حاتم محمد آدم، ص(272)].





كيف يكون رد فعل الطفل تجاه الطلاق؟


(حتمًا سيتأثر الطفل بالطلاق ولكن رد فعله وقوته، تعتمدان على عمره ومدى استيعابه والظروف التي صاحبت الانفصال.
في عمر 2-5 سنوات: عادة ما يظهر الطفل علامات سلوك تراجعية، أو العودة الى مرحلة نمو سابقة، مثل تبليل الفراش أثناء الليل، أو المعاناة من الكوابيس وقلق النوم، فقد يشعر الطفل بالتشتت، أو يكون سريع الانفعال.
وفي عمر 6-9 سنوات: يكون الطفل أكثر عرضة، لأنه لا يزال غير ناضج لفهم ما يجري، ولكنه في الوقت نفسه قادر على أن يدرك أن شيئًا سيئًا يحدث، إنه ما زال يعتمد على والديه، وقد لا يجد من السهل التعبير عن مشاعره، لذلك من المحتمل أن يعبر الطفل عن أحاسيسه بالغضب، أو بالتأثير في أداء دروسه المدرسية أو عدم التركيز.
عوفي عمر 9-13 سنة: قد يكون للطفل أصدقاؤه أو قد يكون أكثر استقلالًا عن والديه، إلا أنه ما زال بحاجة الى التعبير عن مشاعره، فقد يعاني من الاكتئاب وضعف الأداء في دراسته، كما أنها فترة حرجة بالنسبةله لأنه مقبل على فترة المراهقة مما تجعله أكثر عرضة للأذى، أما رد فعل المراهقين فيكون قويًّا عادة من خلال السعي إلى التصرف بطريقة خاطئةلجذب الاهتمام أو الإعراب عن غضبهم عن طريق تصرفات وسلوكيات غير مرغوب فيها)[نقلًا عن جريدة الشرق الأوسط، مقال بعنوان الطلاق وتأثيره على الأطفال، د.إيمان حسين شريف، بتصرف يسير].





الخطر الأعظم!!


إن الخطر الأعظم الذي قد ينتج عن الطلاق والتفكك الأسري، هو أن يصبح الطفل مجرمًا ومنحرفًا، (وهذا ما أكدته الدراسات النفسية أن نسبة 70% من المجرمين والمنحرفين، يقعون تحت قائمة التفكك الأسري سواء بالطلاق أو كثرة النزاع والخلافات بين الوالدين)[نقلًا عن جريدة الرياض، مقال بعنوان الطلاق وآثره الاجتماعي، د.مزنة الجريد].






النبي صلى الله عليه وسلم يحذر منه:


قال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) [رواه أبو داود، (2228)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (1947)].
فهاهي السنة النبوية قد حثت على استمرار الزواج، وبغضت من الطلاق إلا للضرورة، بل وعدت أن المرأة التي تطلبه من غير بأس لا تجد رائحة الجنة، وذلك لأن المفاسد المترتبة على الطلاق في أغلب الأحوال أكبر بكثير من المصالح، وأكبر مفسدة هذه الذرية التي سنسأل أمام الله عنها يوم القيامة يوم يسأل كل راع عن رعيتة، كيف سيكون حالها إذا انفصلنا، إلى أي مأوى ستأوي ومن الذي سيرعى حالها؟!





الأمر بحاجة إلى كثير من التضحية:


قد تكون الحياة في بدايتها غاية في السهولة، زوجين سعيدين، النفقة يسيرة، البيت هادئ، الزوجة متفرغة للزوج تمامًا، كلمات الحب متبادلة بين الزوجين، ولكن مع مرور الوقت ومجيء الأولاد يصبح الأمر مختلف.
فهذا الطفل يأخذ من جهد الأب والأم معًا ويشغل بالهم وتزداد النفقات، ويصرخ الطفل ليلًا، ولا يستطيع الأب أن ينام، والأم تدلل والأب يحارب هذا التدليل، وربما يتدخل الشيطان في لحظة اختلاف في وجهات النظر، فيحدث الطلاق والعياذ بالله.
إن الطلاق إن لم يكن هناك سببًا حقيقيًّا يؤدي إليه، هو نوع من الأنانية، فالأب أو الأم كل واحد منهما لم يفكر إلا في نفسه وفي مصلحته الشخصية، ولم يضحِ واحد منهم لأجل الطفل، ولذلك نقول أن الأمر يحتاج إلى كثير من التضحية.





كيف الحال في أسوأ الأحوال؟


وأما إن كان الطلاق في صورته المباحة أو المستحبة، إذا استحالت الحياة بين الزوجين وكان هناك سببًا حقيقيًّا ضروريًّا للانفصال، فلا يقول الأب للأم لن ترى ابنك.
أو تقول الأم للأب لن ترى ابنك، فهذا أيضًا معلم من معالم الأنانية، ولكن لابد أن نحاول بقدر الاستطاعة أن لا نُشعر الطفل بالانفصال، فيسمح للطفل بالذهاب هنا وهناك ونخرج من الصور التي نشرتها وسائل الإعلام للزوجين المنفصلين أنهما لا يلتقيان إلا في المحاكم ولا يشاهد الطفل أباه إلا في حضرة الحرس والضباط، فهذه صورة مؤذية جدًّا للطفل تُزيد جرح الانفصال ألمًا بعد ألم.
لابد أن يكون الآباء عقلانيين تمامًا في التعامل مع هذه المشكلة، والحرص على إشباع حاجات الطفل النفسية لأبيه وأمه قدر الاستطاعة.
والحقيقة أننا مهما بذلنا من جهد فلن نستطيع أبدًا أن نصنع ما يصنعه البيت المستقر في نفسية الطفل وشخصيته وثقته بنفسه.
حفظ الله أولاد المسلمين من خطر الطلاق.
منقول