" لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا " (رواه مسلم)

روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا " رواه الإمام مسلم في صحيحه حديث رقم 1681 .

وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا

رواه الإمام أحمد في مسنده حديث رقم 8477 ، 9026 :حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ زَكَرِيَّا عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا وَحَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَمَكَّةَ لا يَخَافُ إِلَّا ضَلالَ الطَّرِيقِ وَحَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْقَتْلُ

وهذا الحديث الشريف من المعجزات العلمية التي تصف حقيقة كونية لم يدركها العلماء إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين حين ثبت لهم بأدلة قاطعة أن جزيرة العرب كانت في القديم مروجًا وأنهارًا، كما تشير الدراسات المناخية إلى أن تلك الصحراء القاحلة في طريقها الآن للعودة مروجًا وأنهارًا مرة أخرى، وذلك لأن كوكب الأرض يمر – في تاريخه الطويل – بدورات مناخية متقلبة تتم على مراحل زمنية طويلة ومتدرجة – كما قد تكون فجائية ، ومتسارعة ، فعلى سبيل المثال أدرك علماء الأرض منذ قرن ونصف تقريبًا أن أرضنا قد مرت بعدد من دورات زحف الجليد على اليابسة تعرف باسم "الدورات الجليدية" يتحرك خلالها الجليد من أحد قطبي الأرض (أو منهما معًا) في اتجاه خط الاستواء، وينحسر في عدد من المرات في الدورة الواحدة، وقد وضعت نظريات عديدة لتفسير كيفية دخول الأرض في هذه الدورات الجليدية تتلخص في نقص كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى ذلك الكوكب نتيجة للتغيرات الدورية في شكل مداره حول الشمس، وقبل محوره على هذا المدار، واختلاف معدل ترنحه حول محوره، يضاف إلى ذلك زحف القارات عبر المناطق المناخية المختلفة كنتيجة حتمية لتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض.

وفي أثناء الزحف الجليدي على اليابسة تتحول البلاد في مناطق خطوط العرض العليا إلى صحارى جليدية قاحلة تموت فيها النباتات، وتهرب الحيوانات ، بينما يتحول الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربًا إلى أوساط آسيا شرقًا إلى منطقة مطر غزير، وفي أثناء هذه الدورات المطيرة شقت كل الأودية الجافة التي تنتشر في صحارى تلك المنطقة اليوم، وكانت أنهارًا متدفقة في القديم، ثم جفت مع تناقص كمية الأمطار فهذه الأودية الجافة لا يمكن أن يكون سبب شقها عامل غير المياه الجارية.

وبدراسات متأنية ثبت لنا أن جزيرة العرب قد مرت في خلال الثلاثين ألف سنة الماضية بسبع فترات مطيرة تخللت ثماني فترات جافة، تمر حاليًا بالفترة الثامنة منه.

وتشير الدراسات المناخية إلى أننا مقدمون على فترة مطيرة جديدة شواهدها بدايات زحف للجليد في نصف الكرة الشمالي باتجاه الجنوب، وانخفاض ملحوظ في درجات حرارة فصل الشتاء، ولولا التزايد المطرد في معدلات التلوث البيئي التي تزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري لشاهدنا زحف الجليد على كل من أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا في زماننا الراهن .

وفي فترات المطر كسيت الجزيرة العربية بالمروج الخضراء، وتدفقت الأنهار بالمياه الجارية، وتحولت المنخفضات إلى بحيرات زاخرة بالحياة، وعمرت اليابسة بمختلف صور الحياة الأرضية، كما وصفها حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي نحن بصدده وحتى صحراء الربع الخالي – والتي تعتبر اليوم واحدة من أكثر أجزاء الأرض قحولة وجفافًا – ثبت أن بها أعدادًا من البحيرات الجافة، والمجاري المائية القديمة المدفونة تحت رمالها السافية، وأن تلك البحريات والمجاري المائية كانت زاخرة بالحياة، ومتدفقة بالمياه إلى زمن قوم عاد الذين أقاموا في جنوب الجزيرة العربية حضارة مادية لم يكن يدانيها في ازدهارها المادي حضارة أخرى في زمانها، وكانت تلك الحضارة تصدر إلى أوروبا (البدائية في ذلك الوقت) الفواكه المجففة، والبذور، والبخور، والعطور، والأخشاب، والذهب والفضة، فلما جاء إلى قوم عاد نبيهم ورسولهم سيدنا هود عليه السلام بالهداية الربانية، بدعوة التوحيد الخالص لله تعالى، وعبادته بما أمر، والقيام بواجبات الاستخلاف في الأرض وعمرانها، وإقامة عدل الله فيها، كفروا بربهم، وجحدوا بآياته، وعصوا رسله وكذبوهم واستكبروا في الأرض بغير الحق، فأرسل الله تعالى عليهم المطر، وأرسل الريح العقيم فطمرتهم، وطمرت حضارتهم برمالها، وقطعت دابرهم، وجعلتهم كالرميم، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى :{ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } (فصلت: 15، 16)

وقد وصف الحضارة المادية لقوم عاد أثناء ازدهارها اثنان من المؤرخين القدامى كان أولهما بطليموس الإسكندري، الذي كان أمينًا لمكتبة الإسكندرية وقام برسم الأنهار المتدفقة في منطقة الربع الخالي الحالية بتفرعاتها، والبحيرات التي كانت تفيض إليها ، وكان ثانيهما هو يليني الكبير ، أحد مؤرخي الحضارة الرومانية والذي وصف حضارة عاد بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخرى .

وتمثل فترة الأمطار الغزيرة الأخيرة في شبه الجزيرة العربية في خلال الثلاثين ألف سنة الماضية نهايات العصر الجليدي الأخير الذي عم الأرض خلال المليوني سنة الأخيرة في دورات متتالية من زحف الجليد وانحساره تركت بصماتها واضحة على أشكال سطح الأرض الحالية بصفة عامة، وفي نصفها الشمالي بصفة خاصة، وقد أحصى العلماء من تلك الدورات عشرين دورة استغرقت كل منها حوالي المائة ألف سنة، كان نصفها دورات زحف جليدي تخللتها عشرة دورات من دورات انحسار هذا الزحف الجليدي، ونعيش اليوم في نهاية آخر دورة من دورات هذا الانحسار الجليدي، ويبشر العلماء ببداية دورة من دورات هذا الانحسار الجليدي، ويبشر العلماء ببداية دورة جليدية جديدة قريبًا إن شاء الله، وقد بدأت شواهد هذا بالفعل .

وليس دخول الأرض في دورة من دورات زحف الجليد على اليابسة بالأمر المستغرب ؛ فقد حدث في تاريخ الأرض الطويل عدة مرات، آثاره مدونة بدقة فائقة في صخور الأرض منها اثنتان في أحقاب ما قبل الكمبري إحداهما في حدود بليوني سنة مضت، والأخرى منذ ستمائة مليون سنة، واثنتان في صخور حقب الحياة القديمة أولاهما في حدود 400 إلى 440 مليون سنة مضت (العصر الأودوفيشي – السيليوري) والأخرى في حدود 250 – 300 مليون سنة مضت (العصرين الكربوني واليربي) وقد تركت الأولى آثارها على الثلث الشمالي من الجزيرة العربية. وتركت الثانية آثارها على ثلثها الجنوبي ، وكان الزحف الجليدي فيها قادمًا من شبه القارة الهندية التي كانت في ذلك الوقت موجودة في جنوب الجزيرة العربية وملتحمة معها ، ومع كل من القارات الإفريقية، والأسترالية، والأمريكية الجنوبية مكونة قارة عظمى واحدة أطلق عليها العلماء اسم "جُندُوَانا" هذه الحقائق لم يتوصل الإنسان إلى معرفتها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين، وإشارة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) إليها في حديثه الكريم "تعود جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا" مما يشهد له بالنبوة وبالرسالة، وبأنه عليه الصلاة وأزكى التسليم كان دومًا موصولاً بالوحي، ومُعَلَّمًا من قِبَل خالق السماوات والأرض .
د. زغلول النجار