الإسلام والمستقبل

بقلم: د. محمد عمارة

عندما ننظر إلي ما صنعته مدرسة النبوة في الذين هداهم الله إلي الإسلام.. وكيف أخرجتهم من الجاهلية إلي المدنية.. ومن البداوة وغلظتها إلي التحفز ورقته.. ومن الظلمات إلي النور.. ومن الجهل إلي فقه السنة والتقدم والتاريخ.. عندما ننظر في هذا الذي صنعته مدرسة النبوة, نجد أنفسنا أمام تجسيد للمنهاج الإسلامي في الإصلاح..

فها هو الصحابي حاطب بن أبي بلتعة (35 ق. هـ - 30هـ, 586 - 650م) الذي حمل رسالة رسول الله -صلي الله عليه وسلم- إلي «المقوقس» عظيم القبط بمصر سنة 7هـ/628م والوارث لمواريث أقدم حضارات الدنيا وأعرقها..

لقد بدأ المقوقس حواره مع حاطب بالتحدي والتساؤل الاستنكاري.. المتسائل عند صدق نبوة محمد وسلطان نبوته -صلي الله عليه وسلم- فقال -لحاطب-:
«ما منعه [أي: الرسول] -إن كان نبيًا- أن يدعو علي فيسلط علي?!
فكان جواب حاطب:
¼ منعه ما منع عيسي ابن مريم أن يدعو من أبي عليه أن يُفعل به ويُفعل!
- (فوجم المقوقس ساعة -أي فترة- ثم استعاد إجابة حاطب.. فأعادها عليه حاطب.. فسكت المقوقس).
وهنا استأنف حاطب محاورة المقوقس, فقال:
- إنه قد كان قبلك رجل -(يشير إلي فرعون موسي)- زعم أنه الرب الأعلي, فانتقم الله به -(أي من الذين استخفهم فأطاعوه)-, ثم انتقم منه, فاعتبر بغيرك, ولا يعُتبر بك!
وإن لك دينًا -(أي النصرانية)- لن تدعه إلا لما هو خير منه, وهو الإسلام, الكافي به الله فقد ما سواه. وما بشارة موسي بعيسي -إلا كبشارة عيسي بمحمد, وما دعاؤنا إياك إلي القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلي الإنجيل. ولسنا ننهاك عن دين المسيح, ولكنا نأمرك به»!
إن الناظر في حوار «البدوي» حاطب بن أبي بلتعة هذا مع المقوقس, إذا سأل نفسه:
- من علّم حاطب هذه الفلسفات -في الدين.. والدنيا.. وفي الحرية.. والتاريخ-?.. ومن الذي أقدره علي أن يكثفها في كلمات, هي عصارات للحكمة العاية??..
إن الناظر في ذلك, والسائل عنه, لابد أن تنفتح أمام بصيرته وبصره معالم المنهاج النبوي في الصلاح والإصلاح, ذلك الذي بدأ بالأصول, وبالنفس والذات, ليسلك هذه الذات في سلك الجماعة والأمة والجموع والاجتماع, ليقيم بها وعليها الدولة والسياسة والنظم والمؤسسات والعلاقات..
وإشارة أخري دالة علي «النوع» و«الكيف» الذي أثمره هذا المنهاج النبوي في الإصلاح علي جبهة صناعة الإنسان -تتجلي في كلمات الراشد الثاني, الفاروق عمر بن الخطاب (40 ق هـ - 23 هـ 584 - 644م) عندما أرسل مع عمرو بن العاص (50 ق هـ - 43 هـ 574 - 664م) 000,4 جندي لنفتح بهم مصر.. فلما وصل عمرو وجيشه إلي «حصن بابليون», وعلم أن بمصر 000,120 جندي من خيرة جنود الرومان, يتدرعون بأوفر العدد والعتاد وأكثرها قوة وفتكًا, ويتحصنون -كما يقول ابن عبد الحكم (257هـ - 870م) في حصون وراءها حصون وراءها حصون!!.. عندئذ, طلب عمرو بن العاص من عمر بن الخطاب مددًا, لهذه المعركة الفاصلة, التي قال عنها «هرقل» (610 - 641م) -قيصر الروم-: «إذا سقطت الإسكندرية ضاع ملك الروم»!.. فكتب عمر بن الخطاب إلي عمرو بن العاص يقول له: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل, علي كل ألف رجل منهم رجل «مقام الألف -الزبير بن العوام (28 ق هـ - 36 هـ 596 - 656م] والمقداد بن عمرو بن الأسود (37 ق هـ - 33هـ 587 - 653م) وعبادة بن الصامت (38ق هـ 34 هـ 586 - 654م) ومسلمة بن مخلد (1-62 هـ ص682م)- «وقيل خارجة بن حذافة (40 هـ 660م).. - ولا يُغلب اثنا عشر ألفًا من قلة»!
هكذا بلغ الوزن والنوع والكيف لخريجي مدرسة النبوة ومنهجها في الإصلاح».. عندما بدأ الإصلاح بالأصول.. وبإعادة صياغة الإنسان.