الأمثال في القرآن تجسيد للمعاني

'وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون'
'وتلك الأمثال نضربها للناس، وما يعقلها إلا العالمون'
' ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون'


أمثال كثيرة يزخر بها القرآن الكريم، كما نبهنا الرسول الكريم إلي أهمية الأمثال فقال 'إن القرآن نزل علي خسمة أوجه، حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، وفاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام وابتغوا المحكم وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال'.

وضرب الأمثال هو أحد أساليب الإقناع، وكان موجودا بين العرب منذ القدم، فعرفت الأمثال العربية والأمثال الشعبية علي حد قول الدكتور عبدالبديع أبو هاشم أستاذ التفسير بكلية أصول الدين..

وفي رأيه أن الغاية من ضرب الأمثال هو تقريب الأمر المعقول إلي حكم المحسوس، فتظهر التصورات العقلانية في صورة أمور محسوسة، وجماله وإبهاره يكمن في عرضه للمعني الرائع الضخم في عبارة موجزة.

الأمثال أيضا تسعي لتحديد وتشخيص المعني ليكون أقرب للسامع، فالتجسيد أقرب للذهن من التجريد الذي يحتاج إلي عقلية قادرة علي استخلاص المعني، بعكس التجسيد الأقرب للاستيعاب، وهو ما يؤكده الدكتور عبدالمعطي بيومي عميد كلية أصول الدين الأسبق.


ما وراء الأمثال


** ولم تترك الأمثال موضوعا إلا طرقته، وجسدته ليكون أقرب للفهم وأسرع في بث العظة. وتختلف المقاصد من وراء ضرب الأمثال باختلاف الهدف منه..

فهناك أمثلة تضرب للحث علي التأمل والتدبر، وأخري للتذكير، وثالثة لتقريب المعني، ورابعة لإقامة الحجج، وخامسة للتحذير، وسادسة للترغيب وهكذا.. كما يفندها الدكتور منيع عبدالحليم محمود عميد كلية أصول الدين وأستاذ التفسير وعلوم القرآن..

'فضرب الله مثل المنفق رئاء الناس' 'كمثل صفوان عليه تراب، فأصابه وابل فتركه صلدا'
هكذا صور الله المنفق تباهيا وتفاخرا كمثل الحجر المترب الذي يصيبه مطر غزير فيذهب ما عليه من تراب ومثله تذهب أعمال المرائي سدي وهباء ولا يعود عليه بالثواب.

وعلي العكس تماما ضرب الله مثل الذين ينفقون في سبيله 'كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم'.

وهناك أمثلة ضربها الله للمدح، فعندما وصف الله صحابة الرسول الكريم رضي الله عنه وعنهم قال 'ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار'.
ويزخر القرآن أيضا بالعديد من الأمثلة التي تدفعنا لاجتناب المعاصي بما تصوره لنا من مدي قبحها ووحشيتها ففي دعوته لنا لتجنب الغيبة قال: 'ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه'.

وتظهر السخرية والتهكم واضحة في أمثال أخري يضمها الكتاب الكريم منها وصفه 'تعالي' لمن يتبع هواه وكذب بآيات الله فشبهه بحال الكلب 'فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث'

وسخر أيضا من الكفار وشبههم بالحيوان الذي لا يفقه شيئا 'ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم فهم لا يعقلون' وفي قول آخر 'أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون'.

أما المعرضون عن القرآن فوصفهم بقوله 'فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة'. وفي قول آخر 'إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط'.

وما يعقلها إلا العالمون


بساطة الأمثال رغم عمقها وسخريتها وتهكمها في أحيان كثيرة دفعت بعض الجهلة للتطاول متساءلين باستهزاء كيف يكون كتاب الله وفيه ذكر لمخلوقات يحتقرها الناس كالذباب، والحمار والكلب والعنكبوت.. معتبرين أن ذلك يقلل من قدسية ومهابة الكتاب.

وتأتي الإجابة للرد عليهم بقول الحق تبارك وتعالي 'إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم، وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين'.

وكان الجهلة والسفهاء من قريش كما يروي لنا أحمد بن محمد طاحون في كتابه 'أمثال ونماذج من القرآن العظيم' يتعجبون ويسخرون من الأمثال التي جاءت بالقرآن بقصد التشكيك وزرع بذور الشرك، فجاء الرد الإلهي 'وما يعقلها إلا العالمون' وهو قول قصد به الثناء علي أهل العلم والفطنة والتدبر والتعقل وذم وتقبيح للسفهاء والجهلة لعدم تقديرهم لقيمة الأمثال.

فالأمثال أيضا ضربت لبيان مدي ضلال المنافقين وإقامة الحجج علي وجود الله، وتقديم البراهين علي البعث والحساب والجزاء، وتقريب المعاني، إلا أن هذه الأمور جميعا لا يدركها إلا المؤمنون، أما الكافرون فهم 'صم بكم عمي' وكذلك المنافقون 'مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون'، أما من كذب بآيات الله فمثلهم 'مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين'.

عظمة الأمثال القرآنية

** الإبهار الذي يغرقنا بينما نتوقف عند قراءة الأمثال ومحاولة فهمها وتدبرها يرجعه الدكتور عبدالبديع إلي خصائص المثل القرآني الذي يتسم بالإيجاز والدقة والعمق في المعني والواقعية وشدة تأثيره في النفس وشموليته وعمومه.
'ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل، وكان الإنسان أكثر جدلا'..

ومع شرح أستاذ التفسير اكتشف سر إبهاري وتوقفي الدائم عند قول الحق 'ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ، وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون.

هكذا صور الله القلوب القاسية التي فاقت في قسوتها الحجر، والذي وإن بدا في نظرنا جامدا إلا أن بعضه يتهاوي من خشية الله، علي عكس هذه القلوب الجامدة المستقوية.

ورغم بساطتها إلا أن وراء هذه السهولة الظاهرة تكمن دلالة أعمق، وأن هذه الأمثال لا تبدو علي شكل واحد بل لها عدة أنواع كما يعرضها لنا الدكتور منيع، الأول مصرح به كقوله تعالي 'مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون'.

وهناك أمثلة غير مصرح بها وتظهر بشكل كامن مطو 'والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما'.
'ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط'

منقول من مجله اخر ساعه المصريه