ترهيب وترغيب



فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)سورة الفجر



يصور مصيره بعد الحسرة الفاجعة والتمنيات الضائعة "فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)".. إنه القهار الجبار ، يعذب يومئذ عذابه الفذ الذي لا يملك مثله أحد والذي يوثق وثاقه الفذ الذي لا يوثق وثاقه مثله أحد وعذاب الله سبحانه وتعالى ووثاقه يفصلهما القرآن في مواضع أخرى في مشاهد يوم القيامة الكثيرة المنوعة في ثنايا القرآن كله ويجملهما هنا حيث يصفهما بالتفرد بلا شبيه من عذاب البشر ووثاقهم أو عذاب الخلق جميعاً ووثاقهم ، فها هو ربك أيها النبي وأيها المؤمن يعذب ويوثق من كانوا يعذبون الناس ويوثقونهم ولكن شتان ما بين عذاب وعذاب ووثاق ووثاق ... وهان ما يملكه الخلق من هذا الأمر وجل ما يفعله صاحب الخلق والأمر فليكن عذاب الطغاة للناس ووثاقهم ما يكون فسيعذبون هم ويوثقون عذاباً ووثاقاً وراء التصورات والظنون.

وفي وسط هذا الهول المروع ، وهذا العذاب والوثاق الذي يتجاوز كل تصور تنادى النفس المؤمنة من الملأ الأعلى "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)"

هكذا في عطف وقرب ""يَا أَيَّتُهَا " .. وفي روحانية وتكريم" يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ " .. وفي ثناء وتطمين " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ "

ثم في وسط الشد والوثاق ، الانطلاق والرخاء " ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ " .. ارجعي الى مصدرك بعد غربة الأرض ، وفرقة المهد ... ارجعي الى ربك بما بينك وبينه من صلة ومعرفة ونسبة " رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً " بهذه النداوة التي تفيض على الجو كله بالتعاطف وبالرضى

" ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي " .. المقربين المختارين لينالوا هذه القربى " وَادْخُلِي جَنَّتِي"في كنفي ورحمتي

إنها عطفة تنسم فيها أرواح الجنة منذ النداء الأول " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " المطمئنة الى ربها .. المطمئنة الى طريقها ... المطمئنة الى قدر الله .... المطمئنة في السراء والضراء ، وفي البسط والقبض وفي المنع والعطاء .. المطمئنة فلا ترتاب.. والمطمئنة فلا تنحرف ... والمطمئنة فلا تتلجلج في الطريق .. والمطمئنة فلا ترتاع في يوم الهول الرعيب

ألا إنها الجنة بأنفاسها الرضية الندية ، تطل من خلايا هذه الآيات وتتجلى عليها طلعة الرحمن الجليلة البهية .



المصدر : خواطر الشيخ الشعراوي