عندما يختلف الوالدان على أساليب التربية..ماالحل؟



الأم تريد طفلها هادئاً عاقلاً يحل مشكلاته بالحوار.. والأب يريده قوياً يأخذ حقه بالقوة، ويخاف منه زملاؤه!

الأم تعتقد أن الخوف على أبنائها وحمايتهم الزائدة ستجنبهم المشكلات.. والأب يؤمن بأن الحماية الزائدة قد تفسد الطفل، ولا تجعله قادراً على تحمل المسؤولية وحل مشكلاته بنفسه!

والاثنان قد يختلفان- أيضاً- عل نوعية الطعام الذي يتناوله صغارهما، وعلى الملبس، وعلى المدرسة التي سوف يسجلان الأبناء فيها!
وقد يتنازل أحدهما ويترك المجال للآخر يفعل ما يشاء، أو قد يستمر الخلاف ليشغل الوالدين عن الهدف الرئيس، وهو التربية الجيدة لصغارهما.. بل قد يصل الأمر إلى الانشغال التام بالخلاف عن رسم خطة واضحة المعالم لشكل الحياة التي يريدونها لأبنائهما!

يعود الخلاف على شكل التربية ووسائلها إلى عدد من الأسباب، منها تاريخ الأسرة التي انحدر منها أحد الوالدين، أو بسبب تجارب مر بها، أو ثقافات معينة تعامل معها، أو درجة من العلم وصل إليها دون الآخر.. ولكن لابد أن يلتقي الاثنان في نقطة يحلان فيها خلافاتهما ويركزان على هدف واحد لمصلحة أبنائهما الذين هم أمانة بين أيديهما.
أنماط أربعة

أنماط الشخصية أربعة، وهي صفات فردية قد تكون لدى الأب أو الأم، وتؤثر بطريقة ما على شخصية الأبناء ومستقبلهم، وتلك الأنماط الأربعة، هي:

* الشخصية الاستبدادية:
التي تتوقع من أبنائها أتباع القواعد والقوانين التي تضعها، ولو فشل الأبناء في أتباع أحدها فالعقاب هو الحل والمصير المحتوم.. ولا تستطيع هذه الشخصية شرح الأسباب التي جعلتها تضع مثل تلك القوانين، وإذا طُلب منها ذلك يكون الرد: "لأني أريد هذا الشيء أن يمضي"، هذه الشخصية لها متطلبات عدة، ولكنها غير متجاوبة بشكل إيجابي مع متطلبات أبنائها، وبالتالي تنتج أبناء مذعنين يطيعون الأوامر، ماهرين في عملهم ولكنهم أقل سعادة وأقل اندماجاً مع المجتمع، كما أن ثقة الأبناء بأنفسهم قليلة.


* الشخصية الحازمة المسؤولة: تضع القوانين والقواعد، وتتوقع أن يتبعها الأبناء، ولكنها أكثر ديمقراطية وأكثر تحملاً لمسؤولية أبنائها، كما أنها أكثر إنصاتاً لهم، ولديها القدرة على الإجابة عن أسئلتهم المختلفة.. وعندما يفشل الأبناء في أتباع إحدى القواعد فهذه الشخصية تكون أكثر تفهماً وتسامحاً، كما أنها حازمة ولكن دون فضول أو شدة زائدة، تقدم الدعم لأبنائها عندما يحتاجونه بالشكل المناسب، تحب أن ترى أبناءها أيضاً حازمين ولكن أيضاً مسؤولين، تحب أن يكون الأبناء مسيطرين على أنفسهم وفي الوقت نفسه متعاونين.
هذه الشخصية تنتج أبناء سعداء، قادرين على أداء المهام الموكلة بهم وأكثر نجاحاً.


* الشخصية المتسامحة المتساهلة: لا تطالب أبناءها بالكثير، سواء من الناحية الشخصية أو الأخلاقية، وهي شخصية غير منضبطة، وعاجزة عن التربية الصحيحة، وعادة ما تكون كثيرة التحدث مع صغارها، ولا توجد حدود بينها وبينهم، فهي تقريباً صديق وليس أباً، تقدم للأبناء أكثر مما يطلبونه منها.
هذه الشخصية تنتج أبناء أقل سعادة، وأكثر عرضة للمشكلات كما أن أداءهم المدرسيّ ضعيف.

* الشخصية المنعزلة المسالمة: تتميز بقلة طلباتها، وعدم تحملها المسؤولية، واتصالها الضعيف مع أبنائها، ورغم أنها توفر لصغارها متطلباتهم الأساسية إلا إنها منفصلة عن حياتهم، وقد تصل الأمور بتلك الشخصية إلى إهمال احتياجات أبنائها ولكن هذا في أسوأ الحالات.
هذه الشخصية تنتج أبناء أقل قدرة في التحكم بأهوائهم، كما أنهم أقل احتراماً لذاتهم، غير مؤهلين للتعامل مع المحيط الخارجي مقارنة باقرانهم.

- نهج متماسك
إن نمط الشخصية نتاج عدة عوامل: ثقافية وشخصية وأسرية وتجارب قديمة وحالات نفسية ومستوى تعليمي وديني.
وقد تندمج شخصية الأب والأم لتعطي مزيجاً خاصاً في كل أسرة، المهم أن يتفق الاثنان مهما كان نوع شخصية كل منهما على الالتقاء في نقطة مشتركة، والاستفادة من تلك الاختلافات في وضع نهج متماسك من أجل أبناء أكثر سعادة وأكثر احتراماً لذواتهم.

ولكن، ماذا إذا لم يستطيع الوالدان الوصول إلى هذا النهج؟

- حلول مقترحة
أولاً:
الاتفاق على ما يرغب كلا الوالدين في تربية أبنائهما عليه، سواء كان هذا الإتفاق شفهياً أو مكتوباً، والنظر إلى هدف واحد، وهو مصلحة الصغار، وهذا شيء لن يختلف عليه اثنان، ومجرد الاتفاق على تلك النقاط يعد بداية الطريق للتعاون.

ثانياً: الاتفاق على وسيلة التربية، وأن يقنع كل طرف الآخر بما يراه مناسباً، ويدعم كل منهما الآخر في مناسبات عدة يتولى فيها أحدهما توصيل الرسالة المهمة للابن بالتبادل، ولكن من المهم أن يشعر الصغير أنكما متفقان على ما يُملى عليه.

ثالثاً: لا تظهرا الخلاف على عقاب معين أمام الأبناء؛ لأنه لن يأخذ الأمر على محل الجد، بل سيكون متأكداً أن العقاب سوف يُخترق بمجرد أن يستفرد بأحد الوالدين.

رابعاً: قد يحدث الخلاف الأكبر عندما يرى احد الوالدين أن وسيلة العقاب غير مجدية لتربية الصغار، ويرى الطرف الآخر عكس ذلك، وهنا يبدأ الطفل- وهو كائن بذاته- في الميل إلى كره الطرف المحب لوسيلة العقاب، وهذا ما يجب تجنبه أثناء تربية الصغار.

- شخصيتان مختلفتان
خامساً: عندما تكون شخصية أحد الوالدين "استبدادية"، وشخصية الآخر "منعزلة" يصبح الأمر أكثر تعقيداً، ولكنه قابل للحل إذا أراد الوالدان أن يتفقا على أمور مشتركة بينهما.. وفي هذه الحالة يقترح المختصون التالي:

1- على الطرف ذي الشخصية الاستبدادية أن يبدأ بالنزوح نحو الشخصية الحازمة، وذلك بزيادة الاهتمام والإنصات لأبنائه وإعطائهم الفرصة في المشاركة في التخطيط للأنشطة الأسرية وفي وضع القرار.. ومحاولة الدخول إلى عالم الصغار ومعرفة وجهات نظرهم في حياتهم الأسرية؛ وذلك بقراءة المواضيع الخاصة بتطور الطفل وشخصية، ومحاولة تفهم متطلباته، وقضاء أوقات أكثر مع الأبناء.


2- على صاحب الشخصية المنعزلة المسالمة أن يبدأ بالتحرك نحو الشخصية الحازمة، وهذا عن طريق وضع قائمة بالأشياء الجيدة التي يتوقعها من صغاره، كتصرف جيد، أو تفوق معين، أو أخلاق معينه، وعليه أيضاً التدرب على قول كلمة "لا" لأبنائه.. ومن المهم أيضاً معرفة طرق تربية الصغار، وكيفية تقييم تصرفاتهم، وأساليب التعامل مع التصرفات غير المقبولة.. بالإضافة إلى تدريب الطفل على التحكم في تصرفاته واحترام ذاته واحترام من هم أكبر منه سناً وتقوية علاقاته مع من هم في مثل عمره.

ولكي تتفق الشخصيتان السابقتان، فإن ذلك يحتاج إلى بذل بعض الجهد والتعاون، ولكنه جهد سيرى الطرفان نتائجه الإيجابية الثمرة في أطفالهما.

سادساً: قد يكون لتاريخ أسرة الفرد دور كبير في صياغة شخصيته التربوية، وينعكس هذا بدوره على طريقة تربيته لأبنائه وتصوره لشكل العلاقة التي يجب أن تكون بين الوالد وأبنائه.. ومن المهم أن ندرك ذلك ونتصرف على أساسه ونعلم أن الطرف الآخر له قناعاته أيضاً وشخصيته المستقلة التي صاغتها أيام حياته مع أسرته.

وعندما ندرك ذلك تصبح المسألة أسهل في الاتفاق على صياغة نهج جديد خاص بنا كأسرة لها أبناء وتعيش في ظروف مختلفة وعصر مختلف.. وهذا الاتفاق يأتي عن طريق مناقشة النقاط المهمة التي نشأ عليها كلا الوالدين وهل هي مناسبة للوقت الحالي.
كما يمكن أن تجعل ذكرياتك الجميلة موضوع نقاش مع صغارك وليس وسيلة لفرض رأيك الذي تعود جذوره لوقت مضى.. ومن المهم أن تحترم ذكريات الطرف الآخر والمبادئ التي تربي عليها، وعدم إفساح المجال لتجارب حزينة أو سلبية مرت عليك في طفولتك للتأثير في اتخاذك قراراً مهماً لأسرتك.. ولكن عليك النظر إلى الموضوع من كل جوانبه ودراسته، واتخاذ القرار السليم دون ترك المجال للعواطف في صياغة أي قرارات مهمة تخص الأسرة.

منقول للفائدة