الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ،،،،
إن أساس العلاقة بين الله وعباده هي علاقة حب وهو سبحانه الغني عنهم. قال تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)
كما أن العبادة لله جل وعلا هي كمال الحب مع كمال الذل له. فمحبة الله عز وجل هي أصل الايمان والتوحيد. قال تعالى (والذين آمنوا أشد حباً لله).
وهذا الحب من الله ليس حب نظري كما يفعل معظم المسلمين ، فانك اذا سألت أى مسلم هل تحب الله ؟ سيرد قائلا : طبعا. واذا رأيت أفعاله تعجبت العجب الشديد ، فتجده لايصلي واذا صلي يدخل صلاته وقلبه وعقله مشغول بالدنيا لحبه لها وافتتانه بها.
ولذلك قال ابن المبارك: تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه... هذا لعمري في الفعال بديعُ - لوكان حبُّك صادقًا لأطعته... إن المحب لمن يحب مطيعُ
أما حب الله لعباده فهو حب عملي يراه الانسان ويلاحظه في كل شئ حوله.

الحب الإلهي :
قال (إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانًا فأحبه قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه. قال: فيبغضونه. ثم يوضع له البغضاء في الأرض)
أنظر ايها العبد ماذا يفعل الله عز وجل عندما يحب عبده ، فاذا أحببت الله فلا تستحي أن تعلن حبك له واعمل بهذا الحب بقلبك وعقلك ولسانك وجوارحك فالحب ليس كلام ولكنه أفعال.



دلائل حب الله لعباده

تكريم الانسان بأن خلقه بيده سبحانه : قال تعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} فذلك أكبر تكريم وتشريف للانسان حيث خلقه الله بيده.
أسجد الملائكة للانسان : قال تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}"سجود تكريم وتشريف لآدم.
خلق الانسان في أحسن صورة : قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) فكان من الممكن أن يخلقنا الله على صورة كلب أو ثعبان ولن نستطيع أن نعترض لضعفنا وفقرنا إلى الله ولكنه سبحانه خلقنا في أكمل هيئة وأحسن تقويم فالحمد لله رب العالمين وتبارك الله أحسن الخالقين.
يرزق عباده رغم معاصيهم : قال (لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم)
إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها : قال تعالى (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ{32} وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ{33} وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)
فكان من الممكن أن يخلق الله أجسامنا بحيث نحيا على نوع واحد أو نوعين من الطعام والشراب مثل الكائنات الحية الأخرى ولكن من فضل الله علينا أن خلق لنا الكثير والكثير من الطيبات ولذيذ الطعام والشراب.
يهدي للحق ولما فيه سعادة البشرية : قال تعالى {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} يونس35
قال تعالى {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} النساء26
يريد الله تعالى أن يبين لكم معالم دينه القويم وشرعه الحكيم ويدلكم على طرق الأنبياء والصالحين من قبلكم في الحلال والحرام, ويتوب عليكم بطاعته وهو سبحانه عليم بما يصلح شأن عباده, حكيم فيما شرعه لكم.
عدم تعجيل العقوبة للعصاة : قال تعالى {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} فالله هو الغفور لذنوب عباده إذا تابوا، ذو الرحمة بهم، لو يعاقبهم بما كسبوا من الذنوب والآثام لعجَّل لهم العذاب ولكنه تعالى حليم لا يعجل بالعقوبة، بل لهم موعد يجازون فيه بأعمالهم ولا مفر من ذلك.
يغفر الذنوب مهما بلغت : قال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر53
قال الله تعالى في الحديث القدسي (يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ،يابن آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا للقيتك بقرابها مغفرة ولو عملت من الخطايا حتى تبلغ عنان السماء ما لم تشرك بي شيئا ثم استغفرتني لغفرت لك ولا أبالي)
فيا من تمادَيت في المعاصي, وأسرفت على نفسك لا تيأس من رحمة الله لكثرة ذنبك, إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور الرحيم بعباده.
رحيم بعباده : قال تعالى {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} الأنعام12
وقال (جعل الله الرحمة في مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه)
لقد وعى سيدنا علي رضى الله عنه ذلك فقال : لو قِيل لي يوم القيامة سنجعل حسابك لأبيك وأمك لرفضت ، لأن الله ارحم بي من أمي وأبي.
يتقرب الى عباده : يقول الله تعالى في الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) فمن أنت ليذكرك الله ؟ وما هو حجمك ؟ فانظر حب الله لك.
فمن تقرب إلي الله بطاعته تقرب الله إليه برحمته وتوفيقه وإعانته , وإن زاد العبد زاد الرب , فإن أتى الله يمشي وأسرع في طاعة الله أتاه الله هرولة , أي صب الله عليه الرحمة وسبقها بها , ولم يحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود , والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه. ‏
طلب سؤاله والوعد بالاجابة : قال رسول الله (من لا يسأل الله يغضب) فسبحان الله ، فالانسان تراه يتضايق اذا سألته بينما الله الكريم يطلب مننا أن نسأله فسبحانه ليس كمثله شئ.
قال تعالى {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} النمل62
قال (يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) فانتهز الفرصة أخي/اختي الفاضل والجأ الى الله قبل فوات الأوان فاليوم عمل ولاحساب وغدأ حساب ولا عمل.
مضاعفة الثواب : يقول الله عز وجل في الحديث القدسي (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطايا لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة)
وقال (ان ربكم رحيم من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت عشرا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت واحدة أو يمحوها ولا يهلك على الله الا هالك)
ثوابه عظيم : ومثال على ذلك قال :
(صيام عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصوم يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)
(الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر)
(ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)
وقال "صلى الله عليه وسلم "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال "أشهد أن لاإله إلا الله وحدة لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبدة وسوله ، اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين " فتحت له أبواب الجنه الثمانيه يدخل من أيها شاء "أرأيت كيف يسهل الله طريق الجنه لعبادة.
(من صلى علي صلاة واحدة صلى الله بها عليه عشرا)
(سيد الاستغفار ان يقول العبد اللهم أنت ربي لا إله الا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بالنعمة وأبوء لك بذنبي فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب الا أنت قال ان قالها بعد ما يصبح موقنا بها ثم مات كان من أهل الجنة وان قالها بعدما يمسي موقنا بها ثم مات كان من أهل الجنة)
يريد بعباده اليسر : قال تعالى (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة185 وقال تعالى ({لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)
وقال تعالى (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً ) النساء28
فالله عز وجل يريد بكم اليسر والسهولة في شرائعه, ولا يريد بكم العسر والمشقة
يدعو الى الجنة : قال تعالى {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يونس25 ، وقال تعالى (َاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) البقرة221
إعداد الجنة لعباده الصالحين : قال الله تعالى في الحديث القدسي (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)
يبتلي العبد رحمة به : قال (ان الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع) فان الله عز وجل يبتلي عبده حتى ينتبه من غفلته ولكى لا يطمئن الى الدنيا ويركن إليها، أو ليكفر خطاياه في الدنيا فيقابل الله وليس عليه خطيئة، أو ليرفع درجته في الجنة، أو ليذكره بنعمه، أو ليعرفه بحقيقة الدنيا وأنها للفناء فيتذكر لقاء الله والاخرة ولا ينشغل بالدنيا.
فهنيئا لك ايها الأخ ،الأخت الصابرين على الإبتلاء. قال تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
يتودد الى أولياءه وهو الغني عنهم : قال تعالى (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ{13} وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ"14"ذو العرش المجيد) فسبحانه هو الغفور لمن تاب , كثير المودة والمحبة لأوليائه.
يقول العلماء : ليس العجيب في عبد يتودد الى سيده ولكن كل العجب في ملك يتودد الى عبيده
فسبحان الله العلى العظيم.
توعد بهلاك من عادى أولياءه : قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} الحج38
وقال تعالى في الحديث القدسي (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)
فأولياء الله هم الذين صدَّقوا الله واتبعوا رسوله وما جاء به من عند الله, وكانوا يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب معاصيه. والله عز وأجل لم يأمرنا الا بكل ماهو طيب ولم ينهانا الا عن كل ما هو خبيث.