حجج واضحةعلى صحة دين الإسلام
وصدق محمد عليه الصلاة والسلام




تأليف
سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري الحنبلي
ت716هـ


إعداد
خالد بن عبد العزيز الفاضل
1430هـ
Kaifk1@yahoo.com

بسم الله الرحمن الرحيم
مقــــدمـــــة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد.
فهذه حجج عشر ذكرها سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري الحنبلي المتوفى سنة 716هـ تدل على صحة دين الإسلام وصدق محمد عليه الصلاة والسلام وذلك في كتابه ( الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية) وقد قام الباحث الدكتور سالم بن محمد القرني بدراسته وتحقيقه جزاه الله خير الجزاء وقد اقتبست منه هذه الحجج حيث ذكرها المؤلف في نهاية كتابه نظراً لأهميتها وقد أبقيت الهوامش كما ذكرها الدكتور سالم القرني.
اسأل الله عز وجل أن ينفع بها وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

خالد بن عبد العزيز الفاضل.
1430هـ

الحجة الأولى:
وهي التي يعتمدها غالب المتكلمين في كتبهم وهي: أن محمدا ادعى النبوة وظهر المعجز على يده وكل من كان كذلك فهو رسول الله حقا، فمحمد رسول الله حقا. أما إنه ادعى النبوة فبالتواتر، وأيضا لو لم يدع النبوة لما كان لنزاع الخصم فائدة، وأما أن المعجز ظهر على يده، فلما قررناه قبل، وهو أن المعجز هو الامر الممكن الخارق للعادة المقرون بالتحدي الخالي عن المعارض، والقرآن الذي أتى به كذلك، /وإلا لظهر/ معارضه مع توفر الدواعي عليه والاشكالات التي عليه للفلاسفة والبراهمة وغيرهم من منكري النبوءات مشتركة لا نختص نحن بها، والتي عليه لليهود أو النصارى قد أجبنا عنها قبل.
وأما أن من ظهر المعجز على وفق دعواه يكون رسول الله. فللقطع بأن رجلا لو قال لقوم: أنا رسول فلان الملك إليكم، ودليل صدقي أنه يخرق عادته الفلانية لأجلي. مثل أن يقوم عن سريره، أو ينزل عن مركب فيمشي لأجلي، أو ينزع تاجه فيجعله على رأسي. فوجد ذلك من الملك. دل على صدق مدعي الرسالة.
وهذا إنما يحتج به على منكري النبوات. أما اليهود والنصارى فيسلمون أن ظهور المعجز يدل على صدق المدعي، وإنما ينازعونا في وجود المعجز. وقد أثبتناه.
الحجة الثانية:
أن محمدا – عليه السلام – إما ملك ما حق، أو نبي صادق، لكنه ليس ملكا ما حقا فهو نبي صادق. وإنما قلنا إنه إما ملك أو نبي، لأنه لا قائل بقول ثالث إذ الخصم يدعي أنه كان ملكا ذا سيف ( ) أقام ناموسه بسيفه ، ونحن نقول: كان نبيا صادقاً مؤيدا من الله تعالى، فقام ناموسه بالتأييد الإلهي، وإنما قلنا: إنه ليس ملكا كما زعمتم ، بل نبي صادق. لأنا علمنا بالاستقراء التام، والتواتر القاطع: أن ملكا من ملوك الدنيا لم يبق ناموسه بعده، بل يتغير بموته. وإنما تبقى نواميس الأنبياء بعدهم، ثم رأينا ناموس محمد باقيا بعده قريب ألف سنة ( )، فعلمنا أنه من الأنبياء لا من الملوك.
الحجة الثالثة:
أن نبوة محمد –عليه السلام –لازمة لنبوة من قبله من الأنبياء جميعهم/ ثم قد وجد الملزوم الذي هو نبوة الأنبياء قبله، فيجب أن يوجد اللازم، وهو نبوته.
وإنما قلنا: إن نبوته لازمة لنبوة من قبله، لأنا أجمعنا على أن المقتضي لنبوتهم إرادة الله، والدليل عليها: ظهور المعجز. لكن إرادة الله( )خفية عن البشر. لا سبيل إلى معرفتها، فبقي الطريق إلى ثبوت النبوة منحصراً في ظهور المعجز ( )، والمعجز مشترك بينه وبينهم بما قد حققناه غير مرة.
وإنما قلنا : إن وجود الملزوم يوجب وجود اللازم للقطع بأن ملزوما لا لازم له محال الوجود.
الحجة الرابعة:
أن محمدا-صلى الله عليه وسلم – أقر اليهود والنصارى ( ) في شريعته بالجزية، مع علمه بأنهم يكذبونه ويقدحون في صدقه، وما ( ) كان ذلك منه إلا مراعاة لحرمة كتابهم/ وأنبيائهم لأنه علم أنهم وإن تصرفوا فيها بالتبديل والتحريف لكنهم ( ) لم يحرفوا لجميع، إنما حرفوا ما كان تحريفه مهما عندهم، فهم على بقايا من شرائعهم، فراعاهم لذلك وجعل عقوبة كفرهم به: دفع ( ) الجزية والصغار عليهم.
ومن المعلوم أنه لو كان ملكا محضا لا نبوة له لأخلى ( ) الأرض منهم على تكذيبهم له، وعدم طاعته لأن هذا شأن الملوك. لا يستبقون من خشوا عاقبته/خصوصا( )، ولم يكن يخفى عليه أن جنس الملتين يبقى بعده، ويتطرق منها تشكيك أمته بالشبهات والترهات، وذلك مما يضعف الناموس فلما تركهم بالجزية دل على أنه مأمور فيهم من الله بما لا تصبر عليه نفوس البشر.
ولا يتجه على هذه الحجة إلا أن يقال: لعله تركهم ليستنبط له من تركهم هذه الشبهة ويوهم الناس العدل وأخلاق النبوة.
لكن الجواب عنها أنه لو كان قصده ذلك لكان ذلك يحصل له بأن يعف عنهم في حياته فقط، ولا كان يوصي بهم كما أوصى بأمته حتى قال: ( أنا بريء ممن وافاني يوم القيامة ولذمي عليه مظلمة) ( ). وقال ( لهم ما لكم وعليهم ما عليكم) ( ).
وهذا أبو حنيفة – رحمه الله – أول أئمة الإسلام وشيخ السلف يقتل المسلم بالذمي لهذا الحديث، وروى في مسنده بإسناد متصل أن النبي - صلى الله عليه وسلم –أقاد مسلماً بكافر ( )، فلولا أنه مأمور فيهم من الله تعالى بالاستبقاء، ولو( ) كان ملكا محضا يحب الرياسة وإقامة الناموس لكان استبقاهم حال حياته وسكت عن الوصية فيهم بعد موته. حتى كان المسلمون قد أخلوا منهم الأرض ولم يبق منهم من يورد هذه الشبه على دينه.
الحجة الخامسة:
أنه –عليه السلام –قال : " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم {.. وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون (46)( ) }( ).
وإنما قال ذلك: لأنه علم أنهم حرفوا بعض كتبهم لا كلها فمنع من تصديقهم خشية أن يكون ما قالوه مما حرفوه ومن تكذيبهم خشية أن يكون مما لم يحرفوه. فالأول في غاية الحزم والثاني: في غاية العدل، ولو لم يكن نبيا مأمورا فيهم بذلك كما في القرآن الكريم( ) { وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)}( ) لأغرى الناس بتكذيب كل ما عندهم وكان ذلك أتم لناموسه وأغض من رؤوس أعدائه، لأنا علمنا بالاستقراء من ملوك الدنيا أجمعين أن أحدا منهم لم يترك من آثار من قبله من الملوك ولا الأنبياء ما يحذر منه على ملكه إلا عجزا.

الحجة السادسة:
تختص بالنصارى( ): وتقريرها: أنكم زعمتم : أن المسيح هو الله أو ابن الله، وأنه ظهر إلى العالم لينقذ أهل الإثم من إثمهم وخطاياهم وفداهم بنفسه ثم بعد ذلك صعد إلى أبيه، فهو جالس عن يمينه. فإن كان هذا حقا فقد كان يجب عليه وينبغي له أن يقول لأبيه حين ظهر محمد بدعوته: أهلك هذا ولا تدعه يفتن الناس ويضلهم، ثم احتاج: أن أنزل إليهم فاستنقذهم من فتنته. فاقتل ( ) واصلب من يأتيه( )، لأن عندكم أن المسيح كامل العلم والقدرة لا يخفى عنه شيء في ملكه أو ملك( ) أبيه فبالضرورة أنه علم بظهور محمد –عليه السلام – فسكوته عن الإنكار والتغيير بحضرة أبيه يوجب إما التقصير والرضا بالضلال، والراضي بالضلال ضال، أو أن محمدا على طريق الرشد والكمال، وقد خيرناكم بين الأمرين ولا واسطة بين القسمين.
الحجة السابعة:
جرت عادة الله في خلقه أنه يتداركهم على كل فترة برسول يرشدهم إلى الهدى ويصدهم عن الردى، ولا خلاف ( ) أن العرب في جاهليتها لا سيما في أواخرها عند أوان ظهور محمد – عليه السلام-، كانت أحوج الخلق إلى ذلك لما كانت عليه من الظلم والبغي والغارات والقتل( ) بغير حق وسبي الحريم وظلم الغريم، فالعناية الإلهية يستحيل منها عادة إهمالهم على ذلك من غير معلم يرشدهم ويسددهم كما تقرر هذا أول الكتاب في ضرورة الخلق إلى النبوات، وما رأينا أحدا ظهر بناموس قمع تلك الجاهلية وما كانت عليه من المنكرات إلا محمدا –عليه السلام –فدل على أنه هو النبي المبعوث فيها، وإذا ثبتت نبوته بهذا الطريق إلى العرب فالنبي لا يكذب وقد صح عنه بالتواتر أنه قال: " بعثت إلى الناس كافة"( ) " وبعثت إلى الأحمر والأسود ( ) " وبهذا يظهر تغفيل من سلم من اليهود أنه أرسل إلى العرب خاصة ( )، لا إلى غيرهم.
الحجة الثامنة:
لا خلاف عند كل عاقل أن محمدا – صلى الله عليه وسلم – كان من أعلى الناس همة وأوفرهم حكمة، ولو لا ذلك لما انتظم له أمر هذا الناموس، هكذا بعده مدة طويلة مع أنه دعوى عند الخصم لا حجة معه.
ولا خلاف أن من كان بهذه المثابة من علو الهمة ووفور الحكمة وهمته تعلو إلى تقرير منصب دائم ورياسة باقية، أنه يحتاط/ لأمره ويعمل نتائج فكره حتى لا يتوجه عليه ما يفسد حاله. ويبخس مآله، ومن المعلوم عند كل حكيم/ فطن لبيب أن الكذب ينكشف ويستحيل رونقه وينكشف، ويعود سروره شرورا وتدبيره تدميرا ( )خصوصا والمسيح إله النصارى يقول: " ما من مكتوب إلا سيعلن ولا خفي إلا سيظهر"( ) فلو لم يكن محمد على يقين من صدق نفسه لما أقدم على دعواه خشية أن ينكشف أمره في تضاعيف الأزمان فيعود عليه سوء الذكر مدى الدهر. وكلامنا في عالي الهمة وافر الحكمة نخشى معرة المآل كما نخشى معرة الحال، فلا يرد علينا من يؤسس( ) رياسة في حياته بما أمكنه من كذبه وترهاته ثم لا يبالي ما كان بعد مماته فإن ذلك في غاية /الخساسة ويحصل مقصوده برئاسة الملك دون دعوى هذه الرئاسة.
لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح كاذبا، لكن المسيح ليس بكاذب فمحمد صادق.
الحجة التاسعة: بيان الملازمة أن المسيح – صلى الله عليه وسلم – قال ( ) في ا لإنجيل: " ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلن" وهذه نكرة في سياق النفي فتقتضي العموم، وأن كل خفي لا بد أن سيظهر، فعدم صدق محمد في دعواه، إما أن كان ظاهرا أو خفيا فإن كان ظاهرا كان يجب أن لا يتابعه أحد، وإن تابعه لرهبته أو رغبته فبالظاهر دون الباطن، حتى إذا زالت رهبته أو رغبته بزواله رجع عنه، لأن عاقلا لا يختار الباطل على الحق، ولا الكذب على الصدق فكيف بهذا الجمع الكبير، والجم ( ) الغفير في أقطار الأرض يختارون ذلك. هذا محال، وإن كان خفيا وجب أن يظهر لا سيما مع دهاء العرب وذكائهم وفطنتهم وصحة طبعهم وفطرتهم، فقد كان فيهم الكهنة والمنجمون والزجار( ) والمتطيرون وأكثرهم يصيبون ولا يخطئون.
منهم من الأذكياء أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وكثيرون لا يحصرهم عدد، وقد كانوا يستخرجون بأذهانهم ما هو أخفى من ذلك( )ويكفيهم أن ابن المقفع( ) فيلسوف العجم شهد لهم بالفضيلة على الروم والفرس وسائر الأمم فيما ذكره أبو حيان التوحيدي( ) في كتاب له. فمن المحال عادة أن يخفى عليهم أمر محمد –صلى الله عليه وسلم -( ) لو كان باطلا، فدل على أنهم ما انهرعوا إليه، مع كونه أول الإسلام في نفر قليل ضعيف مستضعف إلا وقد علموا صدقه، فصح/ قولنا: لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح /كاذبا في قوله: " ما من خفي إلا سيظهر" وأما أن المسيح ليس بكاذب فبالاتفاق / منا ومنكم، ولو نازعتمونا في صدقه أنتم أو غيركم، لما وافقناكم على ذلك، لأنا نحن أحق به منكم.
الحجة العاشرة:
أن من نظر في دين الإسلام فوجده معظما لجميع( ) الرسل عيسى وموسى وغيرهما بحيث أن من سب أحدا منهم أو تنقصه قتل ورأى اليهود يغضون من المسيح ويفوقون( ) إليه السهام ( ) وهم والنصارى ينتقصون محمدا –عليه السلام – علم أن المسلمين أهل حق لا يشوبه تحامل وأن اليهود والنصارى أهل عناد وتجاهل.
فإن قالت اليهود: إنما غضضنا من المسيح ومحمد لأنهما كاذبان.
قلنا: فالذي ثبت به صدق موسى قد أتى المسيح بما هو أعظم منه فمقتضى التصديق مشترك، فإما أن تصدقوا الإثنين أو تكذبوهما، أما الفرق فهوى وتحامل. وإن قالت النصارى: إنما تنقصنا محمدا لأنه ليس بصادق.
قلنا( ): تلزمكم مقالة اليهود في أنهم إنما تنقصوا المسيح لأنه ليس بصادق.
فإن قالوا: اليهود كفار عاندوا الله.
قلنا: كذلك نقول عنكم بالنسبة إلى تنقص محمد – عليه السلام -.
فإن قيل: اليهود عاندوا بعد قيام الحجة بإظهار المعجز ونحن لم يأتنا محمد بمعجز.
قلنا( ): بل جاءكم بمعجزات قد سبق تقريرها ولكن عاندتم أو جهلتهم، ولهذا سمى الله تعالى اليهود مغضوباً عليهم والنصارى ضالين لأن تكذيب اليهود عناد وتكذيبكم يغلب عليه الجهل. ولو أعطيتم النظر حقه لوفقتم ورشدتم.
هذا آخر ما تيسر إيراده في هذا الكتاب وأنا/ أسأل الله الكريم الوهاب أن يجعله لي إلى رحمته وشفاعة نبيه أنجح الوسائل وأقوى الأسباب ويوفقني وسائر المسلمين ( ) لما يحبه ويرضاه، ويوقفنا عما يبغضه ويقلاه( ) فإنه لا إله إلا هو ( ) ، ولا فاعل في الوجود سواه( ).