د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران (١)- زمن المحبة

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران (١)- زمن المحبة

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران (١)- زمن المحبة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران (١)- زمن المحبة

    د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران (١)- زمن المحبة


    ٢٩/ ٧/ ٢٠٠٩

    أن تكون د. يوسف زيدان بما تمثله من قيمة وقدر كعالم كبير وباحث استثنائى فى الدراسات التاريخية وتحقيق المخطوطات، فأنت مطمع حقيقى لأى جريدة تسعى للتميز وتجتهد فى تقديم كل ما تستطيع لقرائها بتعدد ثقافاتهم واهتماماتهم وعقائدهم وميولهم الثقافية والسياسية، وأن تكون صاحب «عزازيل»، الرواية الأهم عربياً هذا العام، بكل ما تمثله من قيمة أدبية وجدل كبير لا ينقطع حول تفسيراتها وقراءاتها المتباينة، فقد زاد لدينا اليقين والقناعة بأن وجوده معنا ومعكم سيمثل إضافة مهمة للجريدة وقارئها.

    و«المصرى اليوم» حين ترحب بانضمام د. يوسف زيدان لكتابها الكبار تسعى لإضافة مزيد من التنوع على باقة كتابها الذين يمثلون وجهات نظر مختلفة وقناعات متباينة وانتماءات متنوعة دعماً لـ«ليبرالية» حقيقية تسعى لبنائها ودعمها فى مساحات الرأى، وترسيخاً لقيم الحوار الجاد الذى يمثل أهم القيم التى تغيب كثيرا فى مجتمعاتنا ولا تبدو حاضرة إلا نادرًا.

    اختار د. يوسف زيدان أن يبدأ مع «المصرى اليوم» بسلسلة مقالات يرد فيها على كل ما أثير من جدل على روايته «عزازيل» بعد شهور طويلة من الصمت، ولأن «المصرى اليوم» أفردت قبل أيام للأنبا بيشوى، سكرتير المجمع المقدس، حوارًا عبر فيه عن وجهة نظره فى «الرواية» إلى جانب تغطيات صحفية كثيرة لمواقفه من الرواية وصاحبها، كان طبيعياً أن تمنح زيدان فرصة الرد الهادئ دون أن تكون طرفاً فى هذا الجدل، وإنما ساحة لحوار جاد هادئ بين قيمتين كبيرتين يسمح فى النهاية للقارئ - وهو غايتنا الأولى والأخيرة - أن يفهم ويستمتع ويتعلم قيمة الحوار وجدواه.

    رئيس التحرير


    لم أكن أتوقع من صديقى الأنبا بيشوى- مطران دمياط وكفر الشيخ وبرارى بلقاس، رئيس دير الست دميانة للراهبات القبطيات، سكرتير المجمع المقدس لكنيسة الأقباط الأرثوذكس، مسؤول المحاكمات الكنسية- أن يبالغ فى ثورته غير المبررة، وحملته الشعواء ضد روايتى الأخيرة عزازيل، التى بلغ غضبه منها مداه فوصفها بأنها: «أبشع كتاب عرفته المسيحية!»

    ومع أن المطران عبَّر عن رأيه السلبى فى الرواية بين المحيطين به، ثم أصدر ما يسمى البيان الرسمى الصادر عن الموقع الرسمى للأنبا بيشوى «الأنبا خطأ، وصوابه الأمبا» ثم وزع بيانه الرسمى هذا الحافل بالتوهمات، على جميع الجرائد والمجلات ونشرتْه، ثم توعَّد بإصدار كتاب ضد الرواية وأصدره، ثم تفرغ للإدلاء بالأحاديث الصحفية ليهاجم الرواية بكل ما فيه من قوة، ثم راح مؤخراً يكتب المقالات الصحفية الملتهبة ضدى.. بل بلغ به الأمر أن صار يطلق النداءات لعلماء المسلمين، ولأهل القبلة التى ينكرها حتماً، كى ينتبهوا للمؤامرة «الجهنمية» التى يتوهمها، بسبب قراءته الخاطئة لروايتى.

    ولعام كامل تحاشيت الاشتباك مع المطران، ظناً منى أنه بعد حين سيهدأ ويهدِّئ من ثورته غير المفهومة، فيوقف الحملة الشعواء الشنعاء. غير أننى رأيت أن الأيام تزيد من غضبه اشتعالاً وتأججاً، والتزامى بعدم الرد عليه توقيراً له يزيده حنقاً. فوجدت من الواجب أن أناقشه بهدوء فى هذه المقالات، وسوف أخصص هذه المقالة «الأولى» للكلام عن بداية الحكاية، لأن النهايات لا تصح إلا بتصحيح البدايات، ولأننا لن ننتهى إلى رؤية واضحة ما لم ننظر فى الكيفية التى بدأت بها الحكاية. وهو ما سوف يعيدنى عبر السطور التالية إلى زمن جمعتنى فيه المحبة مع نيافة المطران الأمبا «هذه الكلمة قبطيةُ الأصل تحرفت فصارت الأنبا، ومعناها الأب أو المعلم».

    فى صيف عام ٢٠٠٧ كنتُ كعادتى منهمكاً فى شؤون خاصة وأخرى عامة، أتشاغل بها عن الوقوع فى دوامات البكاء على الأطلال ونعى الواقع المعاصر، أملاً فى تحقيق أمر نافع يبقى من بعدنا للأجيال القادمة. وكان من شؤونى الخاصة الشاغلة الانتهاء من مراجعة البروفات الأخيرة لرواية عزازيل، التى سعيت من خلالها إلى إحياء لون مطمور من الأدب العربى القديم، الذى رأيت آثاره وشواهده فى «حىّ بن يقظان» و«سلامان وأبسال» و«رسالة العشق» لابن سينا، ورسالة «الغربة الغربية» للسهروردى، و«طواسين» الحلاج و«منطق الطير» لفريد الدين العطار.

    ومن الناحية العامة، كانت تشغلنى شؤون وأعمال مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، وهى شؤون وأعمال يعرف كُلُّ مَنْ يعرفنى أنها غامرةٌ هادرةٌ لا يتوقف شغلها الشاغل طيلة النهار.

    وفى يوم من تلك الأيام المزدحمة كالعادة، أخبرونى بأن نيافة الأمبا بيشوى يزور متحف المخطوطات، ويطلب مقابلتى على غير موعد. لم أكن آنذاك أعرفه شخصياً، لكننى توقيراً لرتبة المطرانية، كان لابد من إزاحة شواغلى كلها جانباً، واستقباله بمكتبى لبضع دقائق أو لنصف الساعة، هكذا ظننتُ، لكن اللقاء امتد بنا ثلاث ساعات ممتعة.

    وقد دخل المطران مكتبى يحوطه فريقٌ من صحفيى الجريدة التى يُصدرها نيافته «نداء الوطن» وعلى رأسهم رئيس تحريرها، فالتقط الصحفيون ما لا حصر له من صور لنا، ثم جلس المطران وهو يقول إنه يعرف أننى مشغولٌ بالتراث المسيحى، قلت له: يشغلنى الآن نسطور ومشكلته اللاهوتية..

    وهكذا انهمكنا فى نقاشٍ ممتع، عرف المطران خلاله وجهة نظرى فى نسطور والنسطورية، وعرفتُ منه ما كنتُ أعرفه من موقف الأقباط التقليدى من تلك المشكلات التاريخية التى وقعت قبل ألف وخمسمائة عام، وأدَّت إلى حرب شعواء بين الكنائس المختلفة، فصارت كل كنيسة منها تتهم الأخريات بالكفر والهرطقة والضلال المبين.

    وفى ذاك اللقاء، أخبرت المطران بأننى أحرص على إشراك آباء الكنائس المشتغلين بالعلم والمعرفة فى المؤتمرات الدولية التى نعقدها بالمكتبة كل عام، لبحث قضايا التراث والمخطوطات، ودعوته للمؤتمر فأعرب عن موافقته المبدئية على المشاركة، وافترقنا وقد ربطت بيننا المحبة برباط وثيق. أو هكذا ظننتُ.

    بعد أسابيع دعانى المطران إلى إلقاء محاضرة على الراهبات فى دير الست دميانة ببرارى بلقاس، فاندهشتُ! لم أكن أتصور أن أمراً مثل ذلك ممكن الحدوث، اتصلت ببعض أصدقائى من آباء الرهبان القاطنين بالأديرة، فقالوا إنهم لم يسمعوا بمثل ذلك من قبل.

    شخصٌ مسلمٌ يعطى للراهبات محاضرة، هذا عجيب، لكنه يعكس تقديراً كبيراً لك، هكذا قالوا، فوافقتُ واخترتُ من الموضوعات ما رأيتُ أنه الأنسب للراهبات، وهو «التصوف الإسلامى» على اعتبار أننى أبحث دوماً عن نقاط الالتقاء والتقارب بين الجماعات الإنسانية، انتصاراً للإنسانية التى تجمعنا.

    ومعروف أن التصوف، كاتجاه روحى فى الإسلام، يقترب من الرهبنة التى تُعد أكثر الاتجاهات روحانية فى الديانة المسيحية. وقد قصدت فى المحاضرة، الإشارة بوضوح إلى توقير صوفية المسلمين للرهبنة والديرية، سواءٌ فى عبارات الصوفية الأوائل، أو أشعار أبى الحسن الشُّشْترى، أو كلام محيى الدين بن عربى عن الأولياء الذين يستقون من المشرب العيسوى.

    كان اللقاء والمحاضرة، واليوم كله بديع، وقد قَدَّمنى المطران للراهبات فى ابتداء المحاضرة بشكل جميل، ووصفنى لهم بأننى «معجزة ربانية» لأنه على حدِّ قوله: «لم يقابل من قبل شخصاً مثلى، له هذه القدرة على استدعاء النصوص الكاملة من التراثين الإسلامى والمسيحى».. وقال كلاماً كثيراً طيباً.

    وفى ذاك اليوم المفعم بالمحبة طلب منى المطران فحص المخطوطات المحفوظة بالدير، ففحصتها وصحَّحت لهم كثيراً من المعلومات «المتوهمة» بشأنها. وقد أرسل لى المطران بعد ذلك ألبوم الصور التى تم التقاطها لنا، موقَّعة منه، وقد نشر هو بعضها الأسابيع الماضية فى عديد من الصحف، ثم مرت الأيام متسارعة الخطى، حتى جاء وقت انعقاد المؤتمر «مايو ٢٠٠٨» فحضر المطران وشارك بكلمةٍ فى اليوم الأخير منه.

    ومن المهم هنا أن نشير إلى أن هذا المؤتمر السنوى يشارك فيه كبار الباحثين فى العالم، ونخبة ممتازة من الشخصيات الدينية المسيحية من جميع الكنائس: السريان الأرثوذكس «كنيسة أنطاكية» الأقباط الأرثوذكس «الكنيسة المرقسية» الروم الأرثوذكس، الإنجيليين المصريين «البروتستانت» وكنائس الكاثوليك.. وكان كلام صديقى المطران فى المؤتمر غامضاً بعض الشىء، فأردتُ أن أفسح له المجال لمزيد من الإيضاح كى يستفيد الحاضرون من كلامه، فناقشته فى بعض النقاط وتركت له المجال للإفصاح، فقال كلاماً غريباً منه قوله إن الأقباط هم «الموحدون» وإن نسطور والكنيسة النسطورية مشركون بالله!

    وقد صخبت بعض الصحف عليه فى حينها، فتولَّى الرد عليها وصحَّح للناس ما سمعوه منه. وهذه كلها من الأمور التى تنشأ مع الحوار الحقيقى بين أصحاب الرؤى المختلفة، سعياً للتفاهم والتعايش بين البشر على اختلاف الدين والمذاهب والمعتقدات.

    وامتدت جسور الحوار مع صديقى المطران، مثلما كانت ولاتزال ممتدة مع غيره من المطارنة والأساقفة والكهنة والرهبان، سواء من الكنيسة المرقسية التى ينتمى إليها، أو من الكنائس الأخرى المخالفة لها والمختلفة معها. تماماً، مثلما تمتد جسور الحوار بينى وبين الإسلاميين التقليديين وغير التقليديين ومع اليساريين والعلمانيين ومع العلماء والمتعلمين والجهال والمتعالمين. لأننى أؤمن بأنه ليس من حق أحد مصادرة فكر أحد! وليس من الصواب أن يعتقد شخصٌ أن الجميع مخطئون وهو وحده على صواب.

    عموماً، فلنرجع بالكلام إلى ما كان مع نيافة المطران لم يحدث قطّ أننى كتبتُ فى حياتى مقالة عن شخص من المعاصرين، بل ولا صفحة واحدة! مع أن مجموع صفحاتى المنشورة كتباً ودراسات ومقالات، يزيد على خمسة وعشرين ألف صفحة.

    اللهم إلا فى تلك المقالة الوحيدة من نوعها، المنشورة بجريدة الوفد ضمن سلسلة مقالاتى التى كانت تُنشر هناك ضمن باب أسبوعى عنوانه «كلمات»، وجاء نشر المقالة يوم الثلاثاء ٢٥/٩/٢٠٠٧، بعنوان «بيشوى» ولسوف أُورد فيما يلى نصها، على النحو الذى نُشرت به فى حينه. ليرى الناظر فيما يلى عمق تلك المحبة التى جمعت بينى وبين المطران الذى سأرد على ردوده، وأصحِّح له ما يعتقده من توهمات، فى الأسابيع المقبلة.

    «بيشوى»

    هذه الكلمة غير عربية، وإنما «قبطية» الأصل، أى مصرية. إذ إن «مصر» كانت تُعرف قديماً باسم جبت «قبط» وهو الاسم الذى اشتقت منه أسماؤها الغربية التى أشهرها «إيجبت Egypt» الإنجليزية، ويقترب منها اسمها فى سائر اللغات الأوروبية.. وفى اللغة القبطية، أو المصرية القديمة، تعنى كلمة «بيشوى»: العالى أو السامى، وهى فى الأصل صفة أو لقب، ما لبث أن اختاره كثيرٌ من الرهبان المصريين «الأقباط» اسماً كنسياً لهم، بحسب ما جرت عليه تقاليد الرهبنة من تغيير اسم الشخص عند انتظامه فى سلك الرهبنة والديرية.

    وأشهر من يحمل هذا الاسم الكنسى اليوم، هو الأنبا بيشوى أسقف دمياط وكفر الشيخ، رئيس دير القديسة دميانة للراهبات، وكيل المجمع المقدس للكنيسة المصرية «المرقسية» المعروفة بكنيسة الأقباط. وهذا الأسبوع، يحتفلون بمرور خمسٍ وثلاثين سنة على «رسامة» الأنبا بيشوى، أى اختياره أسقفاً. وهى رتبة كنسية عالية توافق اسمه، اختير لها لما عُرف عنه من سيرة قويمة منذ كان راهباً فى دير السريان بمنطقة وادى النطرون.

    ولأننى أقضى هذا الأسبوع فى مدينة فرايبورج الألمانية، للمشاركة فى المؤتمر الدولى الكبير للاستشراق، حيث أُلقى بحثى أمام «ألف» متخصِّص فى الدراسات الاستشراقية. فقد حال ذلك دون مشاركتى بالاحتفال المقام فى ذكرى رسامة الأسقف بيشوى، الذى تجمعنى به محبةٌ عميقة وتقديرٌ كبير.

    عرفتُ الأنبا بيشوى من قبل أن ألتقى به بسنوات، وكانت صورته عندى مستقاة مما يُقال عنه من أنه أحد أبرز رجال الكنيسة المصرية المعاصرين، وأكثرهم تُقى وتمسكاً بالتقاليد الموروثة لكنيسة الإسكندرية، الكنيسة المصرية، الكنيسة المرقسية «كلها تسميات لمسمى واحد» وهى تقاليد تم إرساؤها منذ القرن الثانى الميلادى عبر جهود هائلة وتضحيات لا محدودة من آباء الكنيسة المبكرين، الذين ارتقوا إلى مرتبة القدِّيسين والشهداء، من زمن الاضطهاد الرومانى للمسيحية.

    ومعروفٌ عن كبار رجال الكنيسة القبطية المعاصرين أنهم لا يحبون «مراجعة» التاريخ الكَنسِى أو الاقتراب من وقائعه القديمة! وقد تأكد ذلك عندى فى أول لقاء جمعنى مع قداسة الأنبا بيشوى، حيث انهمكنا ثلاث ساعات كاملة فى مناقشة الخلاف القديم بين الكنيسة المرقسية التى ينتمى إليها ويُعد أحد أقطابها الكبار والكنيسة الأشورية «الكلدانية» التى تسير على خطى نسطور أسقف القسطنطينية المعزول عن رتبته سنة ٤٣١ ميلادية، بعد خلافه اللاهوتى مع أسقف الإسكندرية آنذاك: كيرلس «عمود الدين».

    غير أننى كنت أُلقى محاضرة للراهبات فى دير القديسة دميانة منذ قرابة شهرين، تلبيةً لدعوة الأنبا بيشوى وبحضوره، فتطرق الكلامُ بنا إلى «العنف» المرتبط بتاريخ الديانات، مع أن المحاضرة كان موضوعها: «الرهبنة والتصوف!»

    فذكرت فى أثناء كلامى للراهبات «الأخوات، الأمهات» أن العنف لا يرتبط بجوهر الديانة، بقدر ما يرتبط بالظروف التاريخية لأهلها وبالتوجيه المغرض للنصوص الدينية، إلا أن المسيحية، «ديانة المحبة»، عرفت وقائع مريعة، منها ما فعله الإسكندرانيون سنة ٣٦١ ميلادية من قتل أسقف المدينة المفروض عليهم من روما «جورجيوس الكبادوكى» وتمزيقه فى الشارع إلى قطع من اللحم والعظم..

    وارتجفت بواطن الراهبات، وعلَّق الأسقف الجليل «الأنبا بيشوى» على ذلك بقوله: «إن كان ذلك قد حدث، فهو خطأ!» وكانت تلك بالنسبة لى، هى المرة الأولى التى أجد عند أسقف مرموق القدرة على النظر إلى تاريخ كنيسته باعتباره تاريخاً إنسانياً يحتمل الصواب والخطأ، وليس تاريخاً مقدساً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

    ولولا الروح اليسوعية «العيسوى» المرفرفة فى قلب الأنبا بيشوى، ما كان بإمكانه أن يعيد النظر فى واقعة مثل تلك، ويرى أنها «إن حدثت فهى خطأ» من دون الدفاع التلقائى، والردود الجاهزة، والتأويلات المفرطة التى تقوم عند الكثيرين منا، ومنهم، ومن غيرنا! على قاعدة: «ليس فى الإمكان أبدع مما كان».. فتأمَّل.


    http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=220597

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران .. «٢» البيان من دون تبيان

    ٥/ ٨/ ٢٠٠٩

    بدأت الهجمة المريعة التى يشنها مطران دمياط، الأمبا بيشوى، على رواية عزازيل وصاحبها، بعد إصدار الرواية بشهور، وصدور الطبعة الثانية منها، خلال أسابيع من ظهور طبعتها الأولى. وقد مرت هجمة المطران بمنحنيات كثيرة فى الأشهر الماضية التى ظل خلالها (يجرِّب) عدداً من الاتهامات وكثيراً من حيثيات الإدانة، سعياً للنيل من مؤلف الرواية وأملاً فى بلوغ مناه الذى ما أظنه سيناله أبداً، لا فى هذه الحياة ولا فى الآخرة؛ لأن الرواية ببساطة شديدة، ليس فيها ما يتوهمه المطران من عداء للمسيحية.

    وقد بدأت هذه الحملة المنظمة ببيان رسمى، نشره الموقع الرسمى للمطران على شبكة الإنترنت، تحت عنوان: بيان حول رواية عزازيل للدكتور يوسف زيدان. وبالطبع فوجئ مؤلف الرواية بالبيان، لأنه كان يظن أن رابطاً من المحبة والصداقة يجمعه مع المطران.. ثم فوجئ بأن المطران يرسل له البيان على الفاكس.. ثم فوجئ فى اليوم التالى بأن البيان - الذى جاء كما سنرى من غير تبيان- منشور فيما لا حصر له من جرائد ومواقع إلكترونية..

    غير أن تلك المفاجآت لم تروِّع مؤلف الرواية، لأنه عرف منذ اللحظة الأولى أن سهم المطران طاش، وأنه لن يبلغ يوماً مرماه ولن يصل إلى مبتغاه. حتى (عنوان) البيان ذاته، خانه التوفيق ودقة التعبير، لأنه بحسب ما يقول المطران: حول رواية عزازيل! هو إذن ليس (عن) الرواية، وليس (فى) الرواية، وليس (بصدد) الرواية أو بشأنها. وإنما هو بيان (حولها) أى أنه فى حقيقة الأمر، يدور ويلف (حول) الرواية، ولا يقترب منها. فلا حول ولا قوة إلا بالله!

    يبدأ البيان بقول المطران: "لم نكن نتوقع من صديقنا سابقاً، الدكتور يوسف زيدان رئيس قسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية أن يهاجم القديس كيرلس" .. هذا كلامه، وهو دال بوضوح على أننا لم نعد أصدقاء، وهو ما نبَّهنى بطريقة غير مباشرة، إلى حقيقة أننا لم نكن يوماً أصدقاء.

    والبيان يتكلم فيه المطران بصيغة الجمع (لم نكن نتوقع.. صديقنا سابقاً.. وسوف نرد.. إلخ) فهل تراه يقصد أن يتكلم عن مفرد بصيغة الجمع، لتعظيم نفسه؟ لا أظن، فقد دعاه السيد المسيح إلى التواضع، مثلما يدعونا الإسلام إلى التواضع أيضاً. أو لعله يشير بذلك إلى أن مؤلف الرواية سوف يقف فى (المعركة القادمة) وحده، بينما المطران يستند إلى مؤسسة كاملة يتحدث باسمها، وبذلك يقع الرعب فى قلب مؤلف الرواية. لكن المطران لا يعرف أن المؤلف يستند إلى خلفية صوفية تجعله لا يفزع من التهاويل، ولا يرتجف من رجفة المرجفين، لأن أهل الأرض جميعاً لو اجتمعوا، فلن يؤذوه بشىء ولن ينفعوه بشىء، إلا بما كتبه الله عليه.

    والمطران يلمِّح فى بيانه إلى عمل المؤلف فى المكتبة، ويشير إلى أنه لم يكن حسبما يريد البعض! وكأنها محاولة للاستعداء عليه بالتلويح إلى وظيفته، ظناً من المطران أنه سوف ينال من المؤلف من هذا الطريق، وهو ما سيظهر جلياً بعد سطور قليلة من بيانه، وفى كثير من (حواراته) الصحفية المنشورة (حول) عزازيل، حيث يتجلى نزوع المطران إلى تهييج مكتبة الإسكندرية على مؤلف عزازيل، ثم نراه يستعدى الحكومة المصرية ملوحاً إليها بخطر عظيم، هو أن رواية عزازيل سوف تُحدث فتنة بين المسلمين والمسيحيين!

    ولو (حسبما يقول المطران) على المدى البعيد! ثم يستعدى لجنة التحكيم فى جائزة البوكر، ويدعوها لمراعاة شعور الأقباط! ثم نراه يستعدى النقاد والكتاب، مثلما فعل الشهر الماضى مع الأستاذ بهاء جاهين الذى كتب مقالة بديعة عن الرواية فى الأهرام، فأرسل له المطران رداً فيه تهويلا وتخويفا وإفزاعا، فتراجع بهاء جاهين عن مقاله واعتذر عنه! ثم يستعدى المطران فى (حواراته) علماء الإسلام ويهيجهم ضد مؤلف الرواية، لأنها حسبما يزعم المطران تريد أن تهدم كل الأديان!

    وأخيراً، يستعدى المطران دار النشر (الشروق) التى أصدرت الرواية! ففى حواره المنشور فى جريدة "المصرى اليوم" ١٨/٧/٢٠٠٩ يرد على السؤال: هل حزنتم لحصول الدكتور زيدان على جائزة البوكر العربية عن الرواية ذاتها؟ بقوله: بالتأكيد، ولكننا حزنَّا أكثر على مَنْ رشحه لهذه الجائزة، لأنهم أثبتوا عدم غيرتهم على الكنيسة المصرية الوطنية.

    لكن هذه محاولات المطران كلها لم تفلح، ولم يجد خلال الشهور الماضية معيناً له فى الحرب الوهمية التى يتخيل أنه بطلها، وذلك ببساطة وإيجاز، لأن مكتبة الإسكندرية منارة لكل الاتجاهات الفكرية، ولن تقمع أحد مؤسسيها لإرضاء المطران. والحكومة المصرية تعرف أن الفتن الطائفية لا تأتى من الروايات، وإنما من ظالمى القلوب ومظلمى العقول. ناهيك عن أن (عزازيل) أضافت للرصيد الأدبى لهذا البلد جائزة دولية جديدة، فى زمن يقول فيه الذين لا يعرفون، إن مكانة مصر الثقافية تتراجع.

    ولجنة تحكيم البوكر لم يكن يهمها إلا المستوى الأدبى للأعمال المرشحة، وبالتالى لم تلتفت إلى كلام المطران ومنحت الجائزة لعزازيل بإجماع لجنة التحكيم. والنقاد والكتاب لم يلتفتوا إلى ما فعله المطران مع بهاء جاهين، ومازالت أقلامهم تفيض بالكتابات النقدية عن الرواية، حتى بلغ مجموع ما كُتب عن (عزازيل) حتى الآن، قرابة ألفى صفحة. والعلماء المسلمون يعرفون أن المطران ليس غيوراً على الإسلام، بل هو لا يعترف به أصلاً، ولذلك لم يصدقوا تنبيهاته إلى (خطر) الرواية على الإسلام وعلى كل الديانات.

    والناشر لن ترعبه تخويفات المطران، لأن الرواية ليس فيها ما يعادى المسيحية فى واقع الأمر، بينما حققت فى مدة صدورها القصيرة نسبياً، أعلى توزيع فى تاريخ الأدب العربى، فصدر منها فى أربعة عشر شهراً أربع عشرة طبعة (الطبعة خمسة آلاف نسخة) وتم تحميل ما يقرب من مائة ألف نسخة إلكترونية منها عبر الإنترنت ناهيك عن إضافة (عزازيل) لرصيد الناشر، جائزة دولية هى البوكر العربية.

    وعلى هذا النحو، خاب مسعى المطران فى إيجاد شريك له فى الحرب الوهمية التى يشنها ضد الرواية، ولم يستطع تكوين (فريق الأعداء) الذى كان يحلم بأنهم سوف يحققون له مراده نيابة عنه. وعلى كل حال، فإننى أميل لمسامحة المطران، وأرجو أن يأتى يوم، يسامح فيه المطران نفسه على المضى قدماً فى هذا الطريق الذى لا أرضاه له، نظراً لمكانته الروحية المتميزة التى كانت تقتضى، أن ينأى بنفسه عن سلوك مثل تلك الطرق غير الخليقة بأمثاله.

    ثم يقول البيان، وياللعجب، إن المؤلف "يهاجم القديس كيرلس عمود الدين، بطريرك الإسكندرية الرابع والعشرين، بمثل هذا العنف، فى روايته العجيبة عزازيل، التى حاول أن يأخذ فيها منحى دان براون فى روايته شفرة دافنشى" .. هذا كلامه، وهو دال على أنه يربط بين روايتين لا أظن أنه قرأهما قطُّ، أو هو على الأقل لم يقرأهما قراءة صحيحة. صحيح أن الروايتين تمسان التاريخ المسيحى، وتتماسان معه.

    لكن رواية دان براون فى النهاية عملٌ بوليسى مشوق، وعزازيل عمل فلسفى مُشقٍ! الأولى مغامرات والأخرى قلقٌ وحيرة، الأولى فيلم سينمائى ينتهى بفوز البطل بالبطلة، والأخرى حنين وجودى للحقيقة، ومسار لا ينتهى إلا بالانتصار للإنسانية ضد العنف المتوسل بسلطة الدين. شفرة دافنشى تنطلق من فكرة لم تثبت تاريخياً عن زواج عيسى عليه السلام بمريم المجدلية وإنجابه ذرية منها، بينما عزازيل تستند إلى وقائع تاريخية فعلية وحقائق لا يمكن إنكارها، وليس فيها خطأ تاريخى واحد.. مهما حاول المطران التشكيك فى ذلك.

    ثـم يقول المطران فى بيانه: "وسوف نرد بمشيئة الرب على كل ما نـوى بـه د. يـوسف زيدان تدمير العقيدة المسيحية الأصيلة".. وهذا بالطبع من عجيب الكلام. فمن أين أتى المطران بأن أحداً يريد تدمير العقيدة المسيحية الأصيلة؟ ناهيك عن عدم توفيقه فى صياغة العبارة (مانوى به تدمير!) ومن أين أتى المطران بأن رواية ما، من شأنها تدمير عقيدة؟ وما الذى يقصده المطران بالعقيدة المسيحية الأصيلة.

    هل هى عقيدة أهل خلقيدونية وكنيسة الروم الأرثوذكس، أم عقيدة اليعاقبة الذين ينتمى المطران إليهم، أم عقيدة النساطرة الذين قدموا خلال قرون طوال خدمات جليلة للإنسانية بسبب اشتغالهم بالعلوم، وبسبب ترجمتهم للنصوص العلمية من اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية، أيام الحركة النشطة فى الزمن العباسى حين قام النساطرة وعلى رأسهم أشهر مترجم فى تاريخ العلم الإنسانى (حنين بن إسحاق العبادى النسطورى) بنقل ما لا حصر له من كتب علمية إلى اللغة العربية.

    أم تراه يقصد عقيدة الفاتيكان وهؤلاء الكاثوليك، الذين يرى المطران أنهم كفار؟ أم يقصد عقيدة الإنجيليين الذين قال المطران عنهم إن عليهم هجر كنيستهم والمعمودية من جديد فى كنيسته هو، وإلا صاروا جميعا أولاد زنى، لأن زواجهم الحالى غير شرعى من وجهة النظر المسيحية. وهكذا صار ما يقرب من سبعمائة ألف مسيحى مصرى، عند المطران، أولاد حرام.. حرام عليك يا نيافة المطران! وإذا كانت هذه هى نظرتك لزواج مسيحيين، هم أخوة لك فى الدين، لأنهم اختلفوا معك فى العقيدة. فكيف ترى قياساً على ذلك، زواج المسلمين المختلفين معك فى الدين والعقيدة معاً؟

    أما لماذا ربط المطران بين عزازيل وشفرة دافنشى، فذلك لأنه سبق له أن كتب كتاباً بالإنجليزية للرد على دان براون، وينوى أن يرد بكتاب آخر على رواية عزازيل.. إذن، هو متخصِّص فى الرد على الروايات التى تشتهر! ومع ذلك، فإنه لم يدرس النقد الأدبى، وهو لا يقرأ أى رواية بشكل كامل، كما سوف يصرح لاحقاً ومبرراً ذلك بأن هناك عشرات الصفحات لا يستطيع أن يقرأها، لأنها تشتمل على مشاهد عشق لا يقدر على قراءتها، ولا يجوز له ذلك. ولكنه من ناحية أخرى، يرى من الواجب عليه أن يرد على الروايات التى تروج، بكتب ليس فيها صفحة (نقد) واحدة.

    ثم يقول المطران فى بيانه (الرسمى) ما نصه: "ونتعجب من تدخله (يقصد مؤلف رواية عزازيل) السافر، بهذه الصورة، فى أمور داخلية تخص العقيدة المسيحية.. إلخ." فكيف يظن المطران أن ما عرضت له الرواية، هو شأنٌ داخلى؟ هل تاريخ مصر فى القرن الخامس الميلادى شأنٌ داخلى؟ وهل مقتل هيباتيا التى أظلم من بعدها تاريخ العلم الإنسانى لخمسة قرون كاملة، شأنٌ داخلى؟ وهل صراع الكنائس الذى زلزل العالم وأشقى الناس فى أنحاء الأرض، وأدى إلى مقتل عشرين ألف قبطى فى ميدان محطة الرمل بالإسكندرية (بوكاليا) على يد الحاكم المسيحى المسمى المقوقس، هو شأنٌ داخلى؟ وهل البحث عن الحقيقة شأن داخلى؟ وهل الشأن الداخلى، هو حقاً شأنٌ داخلى؟

    ثم يقع البيانُ الرسمى للمطران فى خطأ فادح حين يظن أن الرواية، حسبما يقول: «تتخذ من أحد المخطوطات السريانية سنداً .. ولدينا من المخطوطات أيضاً ما يُسقط الدعاوى الواردة فى هذه الرواية». هذا كلامه الأعجب، ولو سأل أو استفسر أو استشار، لعرف أنه لا توجد مخطوطات كى يرد عليها بمخطوطات.

    ثم يزيد البيان من طين الخطأ بلةً، حين يقول ما نصه: "من المعروف أن هيبا أسقف الرها فى المشرق الأنطاكى، لم يكن راهباً من صعيد مصر كما تصوره الرواية".. هذا كلامه الدال على أنه لم يقرأ الرواية أصلاً، وإلا لعرف أن البطل اختار لنفسه اسم (هيبا) فى لحظة درامية، لأنه النصف الأول من شهيدة العلم والمعرفة (هيباتيا) ولا توجد أى صلة بينه وبين أسقف الرها الذى جاء بعد أحداث الرواية بنصف قرن، واسمه: إيباس، هيباس، إيبا .. والبعض يكتبه هيبا! وهو لا توجد أى علاقة يا نيافة المطران، بينه وبين بطل الرواية.. فلا تتسرع بالحكم فتقع فى الخطأ، وتتوهَّم أن هناك أخطاء، وتتوهم أنك سوف "تُسقط الدعاوى الواردة فى رواية عزازيل" لأن الرواية لا يوجد فيها أى دعاوى.

    وينتهى البيان بقول المطران: «ولدينا ما يثبت براءة البابا كيرلس أيضاً فى مسألة الفيلسوفة الوثنية هيباتيا. وإن غداً لناظره قريب».. هذا كلامه المتوعد النارى الذى مضت الشهور طوالاً ولم يقدم المطران شيئاً، حتى فى كتابه الذى سوف نرد عليه فى المقال القادم. ونوضح أن الكتاب المزعوم، فى حقيقة أمره، ليس كتابه! لكن العجيب،

    بل الأعجب، هو صيغة التهديد هذه التى استعملها بقوله (وإن غداً لناظره قريب) فهل صار المطران يستعمل القاموس الإسلامى، أم أنه لا يعرف أصلاً أن هذه العبارة من التعبيرات الإسلامية؟.. لا بأس.. سوف نتقبل كل ذلك من المطران، بنفس سمحة راضية، تغفر له كل ما يقصده ومالا يقصده من أخطاء وتوهمات. ولننظر الأسبوع القادم، فى فحوى ومضمون ذلك الكتاب الطريف الذى نشره المطران تحت عنوان: عزازيل الرد على البهتان فى رواية يوسف زيدان!.


    http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=221477

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران .. «٣» بؤس العنوان


    ١٢/ ٨/ ٢٠٠٩

    بعدما نشر الأمبا بيشوى «مطران دمياط وعدة أماكن أخرى» بيانه المسمى "الرسمى" ضد رواية عزازيل. وهو البيان الذى جاء حافلاً بالتوهمات وسوء الفهم، ومليئاً بالأخطاء التى اجتهدت فى مقالتى السابقة أن أصحِّحها له، وأرجو أن أكون قد أفلحت. المهم، أن المطران بعد البيان الذى صدر عنه من دون تبيان، راح يتوعدنى ويكرر وعيده فى الصحف المصرية والعربية، منذراً بأنه بصدد تأليف كتاب للرد على عزازيل ومؤلفها!

    لأن عزازيل حسبما يظن المطران، هى "أبشع كتاب عرفته المسيحية" ومؤلفها حسبما يتوهَّم المطران ويُوهم الناس "ينشر الأضاليل ليس عن جهل ولكن عن معرفة، وذلك لتشبثه بالرغبة فى الطعن فى العقيدة المسيحية".. هذا كلامه الذى يجب أن نصحِّحه له، قبل الكلام عن كتابه الذى صدر مؤخراً، بعد قرابة عشرة شهور من التهديد الدائم والوعيد المستمر، وهو الكتاب الذى- كما سنرى بعد قليل- تجلى بؤسه مع عنوانه.

    وبدايةً، ولتصحيح أوهام المطران عن الرواية، نسأله أولاً: كيف تكون عزازيل هى الكتاب الأبشع فى تاريخ المسيحية! كيف يا نيافة الأمبا؟ ألا تعرف أن تاريخ المسيحية حافلٌ بما لا حصر له من كتب ضخمة، ومؤلفات كبار، كانت تهاجم هذه الديانة منذ ابتدأ ظهورها، خاصة فى زمنها الأول الذى لم تكن قد اتخذت فيه شكلها الحالى.. وهى على كل حال، كتب مشهورة يمكن لأى شخص معرفة قائمتها الطويلة بسؤال أحد المتخصصين، أو حتى بالبحث فى شبكة الإنترنت. وعلى هذه الكتب، يا نيافة الأمبا، ردودٌ كثيرةٌ كتبها الآباء الأوائل للكنيسة، والآباء المتأخرون أيضاً.

    ولذلك، كثيراً ما نجد فى التراث المسيحى واعترافات الآباء «أى كتب العقيدة» مؤلفات عنوانها: الرد على الوثنيين.. الرد على الهراطقة.. الرد على الفلاسفة.. إلخ، وقد اندهش دارسو التراث المسيحى من قولك يا نيافة المطران، إن عزازيل هى الأبشع! اندهشوا لأنهم يعرفون تاريخ الجدل الكنسى، ومتأكدون من امتلائه بنصوص الهجوم على الديانة، وذلك لأنهم يدرسون فيعلمون.. ولكن لا يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

    وأما ما يتوهمه المطران من عدائى للمسيحية، فسوف أورد له فيما يلى بعضاً من الوقائع التى لا سبيل أمامه لإنكارها، وهى تدل بوضوح على أننى بعيد تماماً عن تلك الدواهى التى يتوهمها المطران، ويكررها كل يوم فى الصحف. علماً بأننى لم أكن أُحب أن أذكر ذلك، لولا حرصى على تصحيح أوهام المطران المؤرِّقة له.

    حين هجَمت الفتن الطائفية على المجتمع المصرى وهدَّدت وحدته، كنت واحداً من المجموعة الصغيرة التى شكلت «اللجنة المصرية للوحدة الوطنية» وهى اللجنة التى تكونت فى بداية التسعينيات فى الإسكندرية، كجهة غير حكومية تسعى لإرساء سبل التعايش بين المسلمين والمسيحين. وكان معى آنذاك مجموعة مختارة من مثقفى الإسكندرية، منهم: محمد رفيق خليل، أبوالعز الحريرى، كميل صديق، هشام صادق، أسامة أنور عكاشة، وليم فلتاؤس.. وغيرهم.

    وكان بعض اجتماعات هذه اللجنة «الوطنية» يتم فى منـزلى، وكانت نفقات أنشطتها تغطى من تبرعات أعضائها. وقد لعبت هذه اللجنة دوراً ملموساً فى طرد شبح الفتنة، عبر فعاليات كثيرة على أرض الواقع، ولم نكن نعلن عنها فى وسائل الإعلام، إيماناً منا بأننا نقوم بواجبنا تجاه هذا البلد ولا يجوز لنا أن نطنطن بما نفعل. وقد قلَّدت القاهرة الإسكندرية، وتكونت بها بعد قرابة عامين «لجنة وحدة وطنية» للأهداف ذاتها التى كانت لجنة الإسكندرية ترنو إليها، وظلت اللجنتان تعملان معاً، لعدة سنوات.

    وأنت تعرف يا نيافة الأمبا «جيداً» أننى منذ عدة سنوات، أحرص على جمع التراث المسيحى المخطوط، وأزوِّد به مكتبة الإسكندرية التى اجتمعت فيها اليوم أكبر مجموعة من المخطوطات المسيحية. وهذا جهد، لو تعلم، جهيد. وأنت تعرف «جيداً» أننى فتشتُ طويلاً عن أقدم إنجيل عربى، حتى وجدته منسياً فى دير سانت كاترين، وهو بالمناسبة «دير غير قبطى!» فنشرته إلكترونياً عن مكتبة الإسكندرية، ليتاح للناس، بسعر التكلفة.

    وفى المكتبة استضفت البابا شنودة مرتين، مثلما استضفت غيره من رموز الكنائس الأخرى. وأنت تعرف «جيداً» أننى شاركت البابا شنودة فى ندوة حاشدة تحدثتُ فيها يومها عن "الإسهام المسيحى فى التراث العربى"، وتحدث البابا عن "تاريخ الكنيسة القبطية فى مصر"، وكان عدد الحاضرين للندوة يقترب من ألفى شخص.

    وأنت تعرف «جيداً» أن عدداً من المسيحيين، أقباطاً وغير أقباط، يعملون معى منذ سنين طوال، ولم يحدث يوماً أنهم شعروا بأننى أفرِّق بين مسلم ومسيحى، بل الأكثر من ذلك، حرصت على إلحاق عدد منهم بالكلية الإكليريكية، ليدرسوا التراث المسيحى دراسة نظامية، وطلبت منك أيامها أن تساعدنى فى إلحاقهم بهذه الكلية..

    وأنت تعرف «جيداً» أننى لأعوام طوال، ربطتنى المحبة بالآباء القاطنين فى الأديرة، ولاتزال هناك صداقات عميقة تجمعنى بهم. وقد قدمت لهم كثيراً من الخدمات والاستشارات المجانية، من أجل الحفاظ على التراث المخطوط المحفوظ فى تلك الأديرة.. وأنت تعرف «جيداً» أننى سعيت جهدى لإنقاذ المخطوطات المسيحية المحفوظة بالمتحف القبطى بالقاهرة التابع لهيئة الآثار، واجتهدت للقيام بعملية ترميم كامل لها فى مكتبة الإسكندرية، دون أى تكلفة مالية على المتحف.

    مع أن الترميم باهظ التكلفة، حسبما تعلم أو لا تعلم. وقد وافق د. زاهى حواس على ذلك، وهناك مكاتبات رسمية فى هذا الصدد. ثم اجتهدتُ حتى دبَّرتُ الميزانية اللازمة لإتمام هذه الخطوة، دون أن أكلِّف المتحف القبطى أو مكتبة الإسكندرية أى متطلبات مالية. لكنك تعلم كيف قامت العراقيل المصطنعة، لتحول دون إتمام هذه الخطوة. ويعلم كثيرون من المتصلين بالأمر، أننى صبرت طويلاً على سخافات القائمين على هذه المخطوطات بالمتحف القبطى، حتى يأست من إصلاح الحال بعد طول محاولة. وها هى المخطوطات المسماة «القبطية» تأكلها العتة والأَرَضة، وتعصف بها ظروف الحفظ السيئة، حتى اليوم.

    وكان الواجب عليك، فيما أرى، أن تساعدنى لإتمام هذه الخطوة النافعة للمخطوطات القبطية والمسيحية «المصرية» المحفوظة حالياً بشكل ردىء فى المتحف القبطى، الذى أنت واحدٌ من أعضاء مجلس إدارته، بدلاً من ذلك الضجيج والصخب الذى لا داعى له، ظناً منك بأنك فى «مواجهة» مع رواية عزازيل، وهى الرواية التى اعترفت فى كتابك بأنك لم تقرأها كاملة! ويا ليتك أيها المطران المبجل، استطعت مواجهة الرواية. بل بالعكس، أسهمت فى رواجها وانتشارها، وأظهرت بكتابك الذى أصدرته مؤخراً، أنك أبعد ما يكون عن التصدى «الوهمى» للرواية.. ولماذا تقول للناس علانيةً، وبثقة كاملة منك، إننى أكره المسيحية وأسعى لتدميرها ولدى أغراض ضدها؟!

    أم تراك تفرح بصورك التى صارت كل يوم تنشر فى الصحف المصرية، وكأنك صرت فجأة نجماً وشهاباً لامعاً، لأنك «المتصدى» لعزازيل. يا نيافة المطران، لابد أن تعلم أن هؤلاء الذين يفسحون لك المساحات فى الصحف، من خلف ستار، هم أدباء غاظهم نجاح الرواية فاستخدموك لمهاجمتها، ليبقوا هم فى الظل والأمان، وتبلِّغهم أنت مرادهم. وعلى كل حال، فإننى تقديراً لك، لن أنشغل هنا بالرد على كلامك «الصحفى» وسوف أقوم فيما يلى بتصحيح أوهامك وتصويب أخطائك، فى كتابك العجيب الذى أصدرته مؤخراً. وسأختم هذه المقالة، بالكلام عن صفحة الغلاف فقط، وسوف أناقشك بهدوء فى محتويات الكتاب، فى مقالتى القادمة.

    من المضحكات المبكيات، أن الكتاب الذى «يرد» به الأمبا بيشوى، هو ثالث كتاب «قبطى» يصدر للرد على عزازيل. كان أول هذه الكتب، روايةٌ بائسة كتبها مخبول يسمى نفسه باسم مستعار هو الأب يوتا، ويسمى روايته باسم أكثر بؤساً من صاحبها، هو: تيس عزازيل فى مكة! وقد أراد، وهو المسكين، أن يهدم الدين الحنيف كله بهذه الرواية الهزلية، التى لا يمكن أن توصف إلا بالعبط. وقد رفضها الأقباط، من قبل أن يتقزَّز منها المسلمون. ثم جاء الكتاب الثانى للقمص عبدالمسيح بسيط، بعنوان «عزازيل هل هى جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ» ثم عدَّل القمص العنوان، بأن حذف منه «هل هى».. ولما قرأت الكتاب، وجدته نصاً كوميدياً لا يستوجب إلا الضحك. وقد رد عليه بعض الأقباط، قبل أن يهمله الجميع، ويصير بعد ثلاثة أشهر من صدوره، وكأنه لم يصدر.

    ومن بعد هذين الكتابين، أتانا كتاب المطران الأمبا بيشوى يختال ضاحكاً، فوجدتُ فيه العجب العجاب ابتداءً من صفحة الغلاف. إذ قلَّد الكتاب فى شكل الغلاف، الرواية التى يرد عليها، بأن وضع مخطوطة فى المكان الذى فيه على غلاف الرواية مخطوطة! ولكننا سنعرف بعد قليل، أن البون شاسع بين المخطوطتين. ولكن أولاً، دعونا ننظر فى العنوان البائس الذى اختاره الأمبا، وهو: "عزازيل الرد على البهتان فى رواية يوسف زيدان!" وكأن المطران يسعى لاقتحام اللغة التراثية التى انتمى إليها، رداً على ما يعتقده من أننى اقتحمت العالم اللاهوتى الذى ينتمى إليه. وهذا وَهْمٌ مركَّب، قاد المطران إلى استخدام هذا العنوان المسجوع، الركيك، الذى لم ينتبه فيه إلى أن «البهتان» لا يصح الرد عليه.

    وكان الأصوب إذا أراد هذا المعنى، أن يقول: كشف البهتان.. إظهار البهتان.. بيان البهتان .. إلخ، لأن الرد على البهتان بهتان «أى كذب كبير» وكان يجب على المطران أن يستعمل عنوان الرواية، فى صلب عنوان كتابه الذى يرد عليها، فيقول مثلاً: بيان البهتان فى رواية عزازيل ليوسف زيدان .. هتك أسرار البهتان، المتوارية فى عزازيل يوسف زيدان .. فضح خفايا البهتان المخبوءة فى عزازيل زيدان. تلك هى اللغة التى أردت يا نيافة الأمبا استعمالها، وسعيت إلى استخدام سجعها، دون أن تعرف أسرارها وقواعدها ودلالات ألفاظها. ولكن، ما علينا من ذلك كله، وما مرادى فى النهاية، إلا لفت الأنظار إلى سعى المحتار فى ليل الأسرار.

    والأطرف مما سبق، أن المطران يضع اسمه على غلاف الكتاب، بجوار العنوان غير الموفَّق، كالتالى: لنيافة الحبر الجليل الأمبا بيشوى. وهى المرة الأولى فى تاريخ الكتابة العربية، التى يمدح فيها المؤلف نفسه على غِلاف كتابه. ولو تابعه كاتب آخر، أو أديب، لجاءت أغلفة الكتب والروايات، وهى تسبق اسم مؤلفها بصفات مثل: للمبدع العبقرى.. للفيلسوف الألمعى.. للكاتب الأروعِ.. للمفكر الأفظعِ..

    وهكذا! لكننا سوف نرى فى المقالة القادمة، أن هذا الكتاب ليس من مؤلفات «نيافة الحبر الجليل الأمبا بيشوى» إنما هو من تأليف مجموعة من الشباب المبتدئين الذين يختلف أسلوبهم فى الكتاب، ما بين فصل وآخر. فبعضهم يكتب بشكل متسرع كئيب، وبعضهم يكتب بأسلوب شخصى يظن فى نفسه أنه خفيف الظل، وبعضهم يكتب بأسلوب تقريرى ساذج، وبعضهم يكتب من دون أن يعرف قواعد الكتابة.. وسوف أورد فيما بعد، بعضاً من الأمثلة الدالة على كل أسلوب من تلك الأساليب المذكورة.

    وعلى غلاف «عزازيل» فى طبعاتها الثلاث عشرة، صورة بردية أصلها محفوظ اليوم بمتحف فيينا الذى يحتوى على أكبر عدد من البرديات المصرية فى العالم، إذ يضم أكثر من خمسين ألف بردية. وقد اخترتها بالذات، لأنها تصور البطرك القبطى ثيؤفيلوس، وهو يدعو سنة ٣٩١ ميلادية، لهدم السيرابيون «معقل الأدب والفن والعلوم فى الإسكندرية القديمة» على رؤوس الشعراء والأدباء والفلاسفة الذين كانوا يعتصمون فيه، ليمنعوه من هدمه. وقد انهدم السرابيون على رؤوس المعتصمين فيه، فى واحدة من أفظع الحوادث فى تاريخ الإنسانية، وأفجعها لأهل الزمان القديم، ولكل الأزمنة التالية..

    وبدلاً من أن يفكر المطران فى الاعتذار عن هذا الإجرام «الكنسى» فى حق الإنسانية جمعاء. نجده فى الكتاب المنسوب إليه، يرد على هذه «البردية» التى تَوَّهم أنها مجرد مخطوطة، بأن يضع مكانها مخطوطة أخرى هى فى واقع الأمر «رَق» مكتوب فيه أسماء الأساقفة الذين حضروا الاجتماع الكنسى المسكونى «العالمى» فى بلدة نيقية سنة ٣٢٥ ميلادية! ما الصلة بين هذه وتلك؟ أم أن المطران يظن أن كلها مخطوطات.. وكل المخطوطات مثل كل المخطوطات.. وكل شىء مثل كل شىء.. وكتابه مثل روايتى! فسبحان الله الذى مجده فى السماء، وعلى الأرض السلام، وللناس المسرة.


    http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=222236

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهَّمه المطران (٤-٧) .. قلقُ المقدمات


    ٢١/ ٨/ ٢٠٠٩

    بمقدماتٍ كثيرةٍ تعكس قلقه مما هو مقبلٌ عليه، بدأ الأنبا المطران (بيشوى) كتابه الذى يزعم على صفحة غلافه أنه «بحث وثائقى تاريخى وعقائدى للرد على رواية عزازيل»، ففى بدء الكتاب تتتالى ثلاثُ صور، ثم تتوالى من بعدها ثلاث مقدمات (تصدير، مقدمة، تمهيد) وكلها ممهورة بتوقيع المطران (بخط يده) كما لو كان ذلك إثباتاً قوياً بأنه صاحب الكتاب.. الرد! وعلى ظهر الغلاف كتب المطران وظائفه فى أربعة أسطر.

    ومع ذلك فإننى أظن – والله أعلم – أن المطران ابتدأ بدايةً مباركة، مُوفَّقة، حين وضع صورة المسيح فى أول صفحة، وكتب تحتها ما نصه: السيد المسيح كلمة الله! وهى عبارة طيبة اعتبرتها بداية (موفقة) لأنها تشير إلى اتفاق المسلمين والمسيحيين، معًا، على أن المسيح هو روح من الله، وكلمة منه تعالى. ولبيان أهمية هذا (الاتفاق) الذى عبَّرت عنه أولى عبارات الكتاب.. الرد، لابد من الرجوع قليلاً بالزمن إلى الوراء :

    كانت الفلسفة اليونانية القديمة، بمثابة ثورة (العقل) ضد الخرافة، ومحاولة دؤوب لمواجهة الأساطير التى شاعت عند اليونان، وذاعت بينهم بفضل أشعار هوميروس الملحمية الشهيرة، وهى الأشعار المتفرقة التى جُمعت بعد ذلك فى الإسكندرية، بفضل جهود أمناء المكتبة القديمة (زينودوتس، أريستوفانيس البيزنطى، أريستارخوس) الذين جمعوا هذه الأشعار معاً، تحت عنوانىْ الإلياذة، الأوديسَّة.

    وقد أراد الفلاسفة، انتصاراً للعقل الإنسانى، أن يقدِّموا تفسيرات عقلية لأصل الوجود، وتعليلات منطقية لطبيعة العلاقة بين الله والعالم. وبالطبع ، فالمقام يضيق هنا عن استعراض الآراء والنظريات الفلسفية التى قَدَّمها حكماءُ اليونان منذ (طاليس) الذى قرَّر أن الماء هو أصل العالم، إلى أرسطو الذى قرَّر أن الوجود ينجذب إلى الإله بنوعٍ من العشق، بينما الله (المحرِّك الأول) ساكنٌ لا يتحرك.

    كما يضيق المقام هنا عن عرض المفاهيم والمصطلحات الفلسفية الكثيرة، التى صاغها فلاسفة اليونان، ومن بينها مفهومان شهيران هما (النوس، اللوجوس) باعتبارهما من المبادئ التى تفسِّر الوجود. والمفهوم الأول (النوس) هو الذى يقال له فى اللغة العربية: العقل.

    والمفهوم الآخر (اللوجوس) يعبر عنه فى العربية بكلمة: الكلمة، وقد ذهب عديدٌ من الفلاسفة إلى القول بأن العقل (النوس) والكلمة (اللوجوس) هما المفتاحان الأصليان لوجود الكائنات كلها، والقاعدة التى يمكن من خلالها تفسير نشأة الكون كله، وارتباطه بالإله (الرياضى الأعظم عند أفلاطون، المحرِّك الأول عند أرسطو.. إلخ).

    وفى العصر الهيللنيستى (اليونانى المتأخر) تم إهمال مفهوم النوس أو العقل، بسبب طغيان النـزعات الروحية والاتجاهات الهرمسية. وهى اتجاهات غنوصية (عرفانية) يُنسب أصلها إلى الحكيم هرمس، وهو شخصية خيالية، تقابل عند المصريين القدماء أخنوخ، وعند المسلمين النبى إدريس.

    وهكذا قلَّت العناية بالمنطق فى الإسكندرية القديمة، وأُهمل مفهوم النوس، بسبب الانتشار الواسع للاتجاهات الغنوصية الهرمسية، والنـزعات الصوفية الروحية، التى تسعى للوصول للحقائق العلوية، عن طريق التجرد من المتطلبات الحسية بقدر الطاقة. أما مفهوم اللوجوس (الكلمة) فقد تطور على يد فلاسفة الإسكندرية فى الزمن الهيللنيستى، وصار مرادفاً لأصل الكون وابتداء الوجود.

    وفى أولى آيات سفر التكوين، الذى هو أول أسفار التوراة، التى هى أول نصوص العهد القديم، يقول مؤلف التوراة، أو مؤلِّفوها الذين كتبوها قبل الميلاد بخمسمائة عام، ما نصه: «فى البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة (خاوية) وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة.. إلخ». وفى مبتدأ إنجيل يوحنا، الذى هو أحد الأناجيل الأربعة المعتمدة، تقول الآية الأولى: «فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله.. إلخ».

    وقد عَدَّ عديدٌ من آباء الكنائس المختلفة، المتخالفة فيما بينها، أن بداية إنجيل يوحنا ليست من عمل يوحنا، وإنما هى من إملاء الروح القدس. وهو ما يؤكِّده بوضوح، العلاَّمة مَتَّى المسكين فى شرحه الضخم لإنجيل يوحنا (فى مجلدين) وهو الشرح الذى يؤكد فيه أيضاً، ما يعتقده المسيحيون من أن يسوع (عيسى) هو كلمة الله.. ومن ناحية أخرى، وبعد عدة قرون، وصف القرآن الكريم المسيح بأنه (كلمة من الله) وورد ذكر ذلك مرتين، فى سورة آل عمران.

    إذن، هناك اتفاق (عام) على اقتران المسيح بالكلمة، ولذلك رأيتُ أن الأنبا المطران، كان موفقاً فى أولى العبارات التى وردت بأول الكتاب المنسوب إليه، لأنه بقصدٍ أو من غير قصد، أشار إلى الاتفاق، قبل الانهماك فى الجدل وخوض غمار الاختلاف. ومع ذلك، فإن الصورة ذاتها التى جاءت فوق العبارة (الموفقة) جَانَبَها التوفيق.

    فقد جاء نيافة الأنبا بصورة للمسيح مرسومة منذ عامين (محفوظة فى دير القديس دميانوس) تخالف ما عرفناه من سيرة المسيح وأخباره، وتصوِّره على هيئة أباطرة بيزنطة! مع أن المسيح أكد قاعدة (أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله) وحقيقة أن المؤمنين يطلبون ملكوت السماء، لا الأرض.

    وقد عاش حياته خاوىَ اليد من حطام الدنيا، ضارباً أروع الأمثلة فى الزهد والتقشف، ومع ذلك فهو فى الصورة ذو ملامح أوروبية صريحة (وليست يهودية بالمرة، مثلما يجب أن يكون) ويرتدى ثلاثة أثواب فخمة مؤطرة بالقَصَب وخيوط الذهب (مع أن يسوع معروف عنه هجرانه لزخرف الدنيا الفانية) وألوان الأثواب الثلاثة فى الصورة المفبركة، هى الأُرجوان والذهب والأحمر الملكى، وهى ألوان الزخرف الدنيوى الذى دعا السيد المسيح للابتعاد عنه!

    وفى اليد اليسرى للشخص المصوَّر على أنه المسيح، إنجيل، وفى يده اليمنى عصا ذات رأس أفعوانى، وعلى رأسه تاجٌ من طابقين مملوءين بالجواهر.. فهل هذا هو المسيح الذى حكت سيرته الأناجيل، أم هو الصورة المضادة لما كان المسيح يدعو إليه، أعنى هجران ملكوت الدنيا واللحاق بملكوت السماء؟

    وفى الصفحة التالية مباشرة، صورة البابا شنودة الموصوف تحت الصورة بالبابا المعظم، وعلى الصفحة الثالثة صورة الأنبا بيشوى وهو يضحك. ولا يجوز لنا هنا أن نسأل عن سر ابتداء الكتاب بهذه الصور، فقد تكون للتبرُّك، وهذا حقٌّ للمتبركين. وقد تكون لإخافة المخالفين، وهذا حق للمخوِّفين. المهم، ما علينا الآن من تلك التصاوير، ولندخل إلى الكلام المذكور بالكتاب.

    فى أول الكتاب فقرة من رسائل الأسقف كيرلس عمود الدين، وهى فقرة عنيفة مخيفة! منها قوله: «الله يزعزع بشدة قوة أعدائه ويلاشيها(!) ويبطل خططهم.. من جهة انتقاد عديمى التقوى، ومن جهة شتيمتهم وكراهيتهم السابقة.. لأنهم قد دعوا ربنا ببعلزبول (سيد الزبالة = الشيطان) فليس جديداً (يقصد: غريباً عليهم) إن دعونى هكذا، وإن كانوا قد اضطهدوه هو (يقصد: الله!) فكيف لا يضطهدوننى أيضاً».

    وهكذا يبدأ الكتاب المنسوب للأمبا، بإشارة خفية إلى المماثلة بين الماضى والحاضر، على اعتبار أن نيافته يمثل كيرلس عمود الدين (المتوفى سنة ٤٤٤ ميلادية) ومؤلف عزازيل يماثل نسطور! وقد أكد الأنبا المطران هذه الإشارة بقوله عقب الاقتباس، ما نصه: «لم أجد أعذب من كلمات القديس كيرلس الكبير هذه، لكى أستهلَّ بها كتابى هذا... لأنه عاش أحداثاً مماثلة لما يجرى فى زماننا هذا من الافتراء عليه».

    والغريب أن المطران الأنبا يقول إن الكتاب كتابه.. مع أننا سنرى بعد حين، أنه مجموعة تهاويل واجتهادات مشوَّشة لمجموعة شباب يعملون تحت إدارة المطران، لا يعرفون كثيراً عما يكتبون. المهم أن المطران الأنبا بعد (التصدير) الذى كتبه فى صفحة واحدة فقط، ووقَّع عليه بيده!

    يكتب (مقدمة) فى صفحة واحدة، أيضاً، جعلها البُنط الكبير المستخدم فى الكتابة، صفحتين. فنراه، وياللعجب، يشير فيها إلى أنه كان ضيفاً ببرنامج تليفزيونى! فيقول ما نصه: «قمتُ بالرد على دان براون فى برنامج البيت بيتك، مع المذيع الصديق العزيز تامر بسيونى فى التليفزيون المصرى، وقدَّمنا فى تلك الحلقة التليفزيونية الوثائق التى تدحض ادعاءات دان براون فى روايته شفرة دافنشى...». وطبعاً حدث ذلك منذ سنوات، وفى غياب دان براون الذى لا أظنه سمع أصلاً عن هذا البرنامج التليفزيونى، ولا سمع يوماً اسم المطران.

    وبعد هذا المفتتح (التليفزيونى) يقول نيافة الأنبا المطران ما نصه: «وها نحن اليوم نواجه الحجة بالحجة فى الردِّ على الأهداف الهدَّامة فى رواية الدكتور يوسف زيدان.. ولن يجديه نفعاً الاحتجاج المستمر بأن هذا نوع من الأدب الروائى.. إلخ».

    إذن، الأنبا يرى أن فى عزازيل «أهدافاً هدَّامة» وكأنه يدعو الناس إلى الدعاء الشهير الذى ردده المصريون حين ضربهم نابليون بونابرت بالمدافع: يا خفىَّ الألطاف نجِّنا مما نخاف. والمطران يرى أننى «لن يجدينى نفعاً» وكأننا فى يوم القيامة، وكأنه هو قاضى الآخرة (الدينونة) الذى يحاسب الناس. يانيافة الأنبا: حنانيك، اهدأ قليلاً ، فالأمرُ أبسط بكثير مما تعتقد.

    ومع أننى أرسلت رسائل كثيرة للمطران عبر (الأصدقاء المشتركين) كى يتريَّث، لكن الأنبا المطـران لـم يهدأ، ولم يعرف أن الأمر أبسط من ذلك، فراح يكمل كلامه قائلاً: «نحن ننتظر قليل (يقصد: قليلاً) من الخجل عند الدكتور يوسف زيدان أو عند مَنْ منحوه جائزةً فى الأدب العربى، أو على الأقل عند القارئ العربى.. إلخ». وبالطبع، فلا مانع عندى إطلاقاً فى أن يخجل كلُّ هؤلاء، وأنا معهم، ولكن ما الذى سوف نخجل منه بالضبط.. لا أعرف.. ولا أحد يعرف غير المطران؟!

    وبعد (التصدير) ثم (المقدمة) يأتى (التمهيد) الذى لم يقتصر على صفحة واحدة، كسابقيْه، بل جاء فى عشر صفحات كاملة، ابتدأت من الصفحة الثالثة عشرة. فلماذا أفاض المطران هذه المرة ؟.. ليته ما أفاض ! فقد ارتبك قلمه تماماً بسبب قلقه مما هو مقبلٌ عليه، وراح يشير بشكل عشوائى إلى لقاءات تليفزيونية ومقالات صحفية، وخلال ذلك ينعى علىَّ أننى قلتُ ذات يوم إن الأخلاق فى مجتمعنا قد تدهورت (وهو أمر لا يختلف عليه أحد)، ثم يقول بعد ذلك مباشرةً، بالحرف الواحد: «إننى أنشر الفسق والفساد على عشرات الصفحات»..

    فما هذا يا نيافة المطران؟ كيف ارتضيت لنفسك مثل هذا الزعم، وكيف قادك إليه عقلك؟ ولماذا تنفعل على هذا النحو من دون مبرر مقبول، فتتهم الناس تُهماً خطيرة من دون دليل، وهى تُهم تعاقب عليها جميعُ الشرائع والقوانين؟ أم تراك ترى فى نفسك كائناً فوق جميع الشرائع والقوانين. وكأن من حقك أن تقول ما تريد على مَنْ تريد.. نَشْرُ الفسق والفساد! لن أرد على كلامك هذا، فهو مما لا يجوز الرد عليه.

    ثم يفيض صديقى (القديم) نيافة الحبر الجليل، فى ذلك التمهيد. لكنه لا يتحدث عن رواية عزازيل، وإنما يورد مزيداً من الاتهامات.

    يقول: «ينشر د. زيدان الأضاليل ليس عن جهل، ولكن عن معرفة، وذلك لتشبثه بالرغبة فى الطعن فى العقيدة المسيحية». لماذا تشنّ هذه الحروب المُتخَيَّلة أيها الحبر الجليل، وأنت تعلم أننى قدمت خدمات كثيرة للتراث المسيحى، ولماذا تزعم ذلك وتنفرد به من دون الذين يعرفوننى، وتشذُّ عن الأساقفة والقساوسة والآباء الأجلاء، الذين امتدحوا الرواية؟..

    هل أذكر لك بعض الأسماء، لأن الذكرى تنفع المؤمنين، حسناً: اقرأ ما كتبه القسُّ نصر الله زكريا عن الرواية فى مجلة الهدى، التى تصدرها الكنيسة الإنجيلية، وراجع ما قاله القس جورج مسوح، مادحاً الرواية فى قناة الحرة (موجود على الإنترنت) وانظر بروية فى كلام العالم الجليل، المطران يوحنا جريجوريوس، الذى ظلمتَه زوراً وتجنَّيت عليه بهتاناً، حسبما سأوضح لك فى مقالة قادمة..

    فهؤلاء وغيرهم كثيرون من الذين كتبوا عن عزازيل هم رجال دين لا يقلون عنك مكانةً، ولا تمسكاً بالديانة. ومع ذلك، فقد امتدحوا الرواية التى تعتقد أنت أنك تواجهها، لأنهم قرأوها. بينما تشنُّ أنت حرباً ضارية على نص روائى، تعترف فى كتابك بأنك لم تقرأ منه قرابة المائة صفحة. فكيف سمحت لنفسك بالرد على نص روائى لم تقرأه كاملاً؟

    والأعجب مما سبق، أن نيافة الحبر الجليل (الأنبا بيشوى) لا يتحدث فى التمهيد عن عزازيل، وإنما عن بحث ألقيته فى المؤتمر الدولى التاسع للدراسات القبطية، وهو المؤتمر الذى انعقد بالبطريركية القبطية (البطرخانة) بالقاهرة منذ قرابة عام من الزمان، فى منتصف سبتمبر ٢٠٠٨، وكان المطران حاضراً فيه، ورفض آنذاك ما قبلته أنا من اقتراح بعض الآباء الأجلاء، أن نجلس سوياً فى ندوة محدودة، كى نصفِّى ما يتوهم الأنبا بيشوى أنها خلافات بيننا. ولكن الأنبا المطران يومها رفض الاقتراح بحسمٍ، وعلَّل رفضه بأنه (يؤلف) كتاباً للردِّ على الرواية، وسوف يجلس معى بعد صدور الكتاب !

    وبعد صدور الكتاب جلس نيافة الحبر الجليل مع الصحفيين ليدلى بالحوارات الكثيرة، ومع المذيعين ليصبَّ جام غضبه علىَّ من جديد، وكأنه لا شاغل له فى الحياة إلا رواية عزازيل ومؤلفها.. بل بلغ من كرم أخلاق المطران أن قال كلاماً لم أكن أحب أن يصدر منه، ولا أريده حتى أن يعتذر عنه.

    فمع أنه يعلم أن هذا المؤتمر الدولى للقبطيات كان سينعقد فى فندق سونستا، وقبل يومين فقط من انعقاده تقرر أن تكون جلساته بالبطريركية المرقسية بالعباسية (البطرخانة)، وهو يعلم أننى لم أكن متحمساً للمشاركة فى هذا المؤتمر، لولا إلحاح عددٍ من آباء الكنيسة (القبطية) الكبار، الذين أصروا على مشاركتى بالمؤتمر.

    لكن المطران، على الرغم من ذلك كله، يقول للصحفيين بعدها، الكلام التالى الذى نُشر بعدة جرائد ومواقع إنترنت، وسوف أورده فيما يلى بنصه، ولن أعلق عليه لأنه كلام لا يستحق التعليق: يقول الحبر الجليل الأنبا المطران ما نصه: «فى المؤتمر كان يمكن أن أقول لهم طلَّعوا الرجل ده بره، كنت مندوب البابا وكان يمكننى أن أقول لهم طلَّعوا الرجل ده بره ، أنا لم أُشرف على المؤتمر، صحيح، لكنى لو صمّمت على ذلك، كانوا طلَّعوه بره. وكان يجلس على يمينه ويساره أساقفة، ولم أقل لهم قوموا من مكانكم وسيبوا الراجل ده يقعد لوحده..».

    هكذا تكلم المطران !

    ولابد أن نختتم هذه المقالة عن قلق المطران بالإشارة إلى أن مبادرته إلى الكلام عن بحثى فى المؤتمر قبل الكلام عن عزازيل التى ألَّف كتابه للرد عليها هى دليل على قلقه! فقد كان بحثى بعنوان (اللاهوت العربى) وهو عنوان كتابى الذى سيصدر قريباً، أو بالأحرى بعد أيام، وهو كتاب يثير قلق المطران من قبل أن يصدر.


    http://www.almasry-alyoum.com/articl...5&IssueID=1504

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهَّمه المطران (٥-٧) مستويات الخلل المنهجى


    ٢٦/ ٨/ ٢٠٠٩

    هناك عدة مستويات من الخلَل المنهجى فى الكتاب المنسوب للأمبا بيشوى (الرد على البهتان فى رواية يوسف زيدان) وهو ما يظهر أيضاً فى حواراته الصحفية الكثيرة، التى يندِّد فيها بلا طائل، برواية عزازيل.. وأول مستويات هذا الخلل، هو أن نيافة الأنبا المطران يظن أن (عزازيل) هى وثيقة تاريخية، أو محضر رسمى لواقعة، أو سيرة فعلية لأحد الرهبان.

    مع أنها ببساطة شديدة، وحسبما هو وارد على غلافها (رواية.. رواية) ولكن لأنه غير معتاد على قراءة الأدب، فقد انخدع بالإيهام الفنى الذى ورد بمقدمة عزازيل، فظنها كتاباً يمكنه الرد عليه بكتاب! ولو كان الأنبا قد استفسر أو سأل، لكان عرف أن عديداً من الروايات الأدبية والقصائد الشعرية، المشهورة وغير المشهورة، لجأت إلى هذا الإيهام باعتباره تقنية من تقنيات السرد الروائى الحديث.

    فعلى سبيل المثال، بدأت أشهر رواية فى الأدب الإسبانى (دون كيشوت) أو (دون كيخوته) بإيهام القارئ بأنها أوراق تركها أحد الموريسكيين، فقام ثربانتس بنشرها. وبدأت رواية أُمبرتو إكو المعروفة (اسم الوردة) بأنها: مخطوطة بالطبع!
    وفى الأدب المصرى المعاصر، كثير من الأمثلة على هذه الحيلة الفنية والتقنية السردية التى تسعى لاجتذاب القارئ وإشراكه فى النص، فمن ذلك: الزينى بركات لجمال الغيطانى (رواية) من يوميات المتنبى فى مصر، لمحمد جبريل (رواية)، ديوان النباحى، للدكتور حامد طاهر (شعر) مقتل هيباشيا الجميلة لمهدى بندق (مسرحية).. ناهيك عن الديوان الشهير للشاعر أمل دنقل: أقوال جديدة عن حرب البسوس! وهناك كثيرٌ من الأمثلة على هذا النوع من النصوص الأدبية.

    وفى الأدب الروائى تحديداً، لابد من وجود شخصيات تتصارع وتتحابّ، وتجتمع وتفترق، وتتنوع رؤاها وتتعدَّد مصائرها عبر الأحداث الروائية، التى تتصاعد تدريجياً بالوقائع الروائية من المبتدأ إلى المنتهى، عبر لغة أدبية خاصة وصور فنية يرسمها الخيال الروائى، كى يستشف القارئ من ذلك كله، ما يسمى (الخطاب الروائى) أو رؤية المؤلف المبثوثة بين حنايا النص الروائى..

    ولأن الأنبا المطران غاب عنه ذلك كله، أو بعضه، فقد ظهر مستوى آخر من مستويات الخلل المنهجى فى (قراءة) المطران للرواية، وهو ما تجلَّى بوضوح فى كتابه الذى يظن هو أنه (رد) على الرواية.. إذ يتوهم المطران أن الروايات عبارة عن (بيانات) يمكن له أن يتعقَّب عبارةً منها أو فقرة مجتزأة، ويسارع إلى التنديد بها والرد عليها.

    ولذلك نراه فى طول (كتابه) وعرضه، يلتقط جملة حوارية ما، مردوداً عليها بعد حين أو غير مردود، ويثور ضدها باعتبارها تقريراً يخالف التاريخ الذى يراه نيافة المطران صحيحاً، ولا يرى غيره. ثم يخرج من بعد ذلك كله بنتيجة عجيبة، هى أن الرواية بها أخطاء تاريخية، وبالتالى فهى تزييف للتاريخ، وبالتالى فهى تهدم العقيدة.

    ولا أعتقد من جانبى أن (عزازيل) بحاجة إلى تأكيد روائيتها! لأنها ببساطة شديدة، واحدة من الأعمال الأدبية. وقد شهد لها بذلك عشراتٌ من كبار النقاد والكُتَّاب الأقباط والمسيحيين والمسلمين والعلمانيين، وعشرات الآلاف من القراء فى مختلف المشارب والاتجاهات، رجالاً ونساءً.
    ثم جاء قرار لجنة التحكيم الدولية لجائزة (البوكر) مؤكِّداً قيمة (عزازيل) الأدبية فارتفعت بعد ثلاث تصفيات، إلى المستوى الأول للرواية العربية العالمية. وقد جاء قرار اللجنة بمنح الجائزة لعزازيل، بإجماع الأعضاء، وهؤلاء الأعضاء (الدوليون) فيهم مسلمون ومسيحيون، عرب وأجانب. وليس فيهم ناقدٌ واحد، يعيش بمصر المحروسة! فكيف يتوهم المطران أن اللجنة الدولية منحت الجائزة لعزازيل، لأنها تهاجم أحد آباء الكنيسة القبطية القدماء.

    ويقع المطران فى خطأ منهجى جديد، حين يتصور أن الشخصيات الروائية يجب أن تكون مثل (جوقة) تردِّد الكلام نفسه، فلا تقول أى شخصية أى كلمة مخالفة، أو معبرة عن وجهة نظر أخرى، غير التى يعتقدها المطران. وهذا عجيب منه، جداً.

    ومن هذه الزاوية، غاب عن المطران طبيعة الخطاب الروائى فى عزازيل، وكيف أنها فى النهاية تنتصر للإنسان ضد العنف المقيت الذى يتوَسَّل بالدين. ثم غاب عنه أن الشخصيات لابد أن تتنوَّع وتتصارع أفكارها ومواقفها، وأننا حين نضع على لسان شخصية روائية قولاً ما، فهذا لا يعنى بالضرورة أن ذلك هو رأى المؤلف.

    وإلا صارت المسألة مهزلة! فقد استعرض الأستاذ نجيب محفوظ شخصية القوَّاد فى (القاهرة ٣٠) واستعمل جوته شخصية إبليس فى (فاوست) واستعمل نيكوس كانتزاكس شخصية المسيح فى غير واحدةٍ من رواياته.. فهل هؤلاء المؤلفون، بالضرورة، هم هذه الشخصيات على اختلافها؟ إننى حزين لاضطرارى إلى شرح هذه البديهيات التى انكفأتْ فى وعى المطران. فقديماً، قال الإمبراطور الفيلسوف، ماركوس أوريليوس: إن أخطر الأشياء على العقل الإنسانى، انكفاء البديهيات.

    وهناك مستوى آخر من مستويات الخلل المنهجى فى تناول الأمبا لرواية عزازيل، وهو توتره الشديد تجاه شخصيتين بالرواية: الأولى هى الراهب الشهير (آريوس) الذى ورد ذكره بشكل عارض مرة واحدة، والثانية هى الأسقف الكبير (نسطور) الذى جاء ذكره عدة مرات، لأنه كان من الشخصيات الأساسية فى النصف الثانى من الرواية.

    ووجه الخلل المنهجى هنا، أن نيافة المطران لم يستطع التفرقة بين رأيه الشخصى فى آريوس ونسطور من جهة، ومن الجهة المقابلة (السياق الروائى) الذى ورد ذكرهما خلاله، مما أدى بالمطران إلى ارتباك (شديد) فى رد الفعل (الشديد) الذى أبداه المطران ضد الرواية، بعد شهور طوال من صدورها فى عدة طبعات إلا أن المطران لا يطيق أن يسمع أو يقرأ اسم آريوس واسم نسطور، لأنهما يختلفان فى الاجتهاد اللاهوتى عما يعتقده المطران، أو بالأحرى: كانا قبل أكثر من ألف وخمسمائة سنة، يقولان آراء تخالف ما يعتقده المطران اليوم.. فتأمل!

    وعلى كل حال، فسوف أعود فى مقالة قادمة للكلام عن آريوس ونسطور، التاريخيين، حتى أوضح لنيافة الأنبا أن هناك وجهة نظر أخرى فيهما، غير وجهة النظر التى يعتقدها هو. علماً بأننى تناولت هذا الأمر تفصيلاً، فى كتابى الذى سيصدر بعد أيام، تحت عنوان: اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى.

    وكان من الطبيعى أن يؤدى هذا الخللُ المنهجى، بمستوياته المختلفة، إلى لجوء المطران المتكرر، إلى الحيلة الشهيرة (لا تقربوا الصلاة...) من دون استكمال النص (وأنتم سكارى) ولذا راح يلتقط من حوارات الشخصيات بالرواية، فقرات بعينها، أو عبارات مجتزأة، كى يثبت بذلك دعواه التى لم تثبت أبداً، وسوف تظل دوماً مثيرة للاستغراب. أعنى دعواه العجيبة الزاعمة أن: «عزازيل أبشع كتاب عرفته المسيحية».

    أبشع كتاب.. لماذا يا نيافة الأنبا؟ ألم تر فى عزازيل رقة الترانيم الإيمانية، ولحظات الصفو الدينى للراهب هيبا؟ وكيف غاب عنك قلقه من علاقته بأوكتافيا ومرتا، وهو قلق نابع من صراع الدافع الإنسانى مع الوازع الدينى، أم أنك تظن أن الرهبان ليسوا بشراً، وأنهم لا يخطئون؟ وكيف غابت عنك، مادُمْتَ قد قرأت الرواية، مشاهد مثل احتضان الراهب هيبا لصورة العذراء وبكائه على صدرها، ولقائه بالقديس خريطون الذى كان (بالفعل) يختلى فى مغارات البحر الميت، وهيمان الراهب هيبا روحياً عندما حضر القداس ببطريركية أنطاكية؟


    .. وكيف تقول يا نيافة المطران إن الرواية ضد كنيسة الإسكندرية! وضد العقيدة المرقسية! وضد القبطية.. سوف أعود لاحقاً لمسألة (القبطية) هذه، لكننى الآن سأوضح لك ما يلى، حتى يهدأ بالك قليلاً: هناك عديد من الشخصيات (القبطية) التى ظهرت بشكل إيجابى فى الرواية، فمن ذلك عم الراهب هيبا الذى تولَّى تربيته، والقس الأخميمى، والقس يؤانس الليـبى، والثرى الدمياطى..

    وغير هؤلاء كثيرون بالرواية، لكنك يا نيافة المطران تظن أن الأسقف كيرلس هو وحده المرقسى، وهو وحده السكندرى، وهو وحده القبطى، وهو وحده الإلهى المقدس الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهذا مستوى آخر من مستويات الخلل المنهجى، لأن الرواية (عزازيل) لم تقدِّم الأسقف كيرلس بغير ما اشتهر به، ولأن كل إنسان من شأنه أن يخطئ ويصيب. أم تراك تظن أن الأسقف كيرلس لم يكن إنساناً!

    وقد قاد الخللُ المنهجى، نيافة المطران، إلى تقرير عبارات عجيبة منها قولـه: «بدأ د. يوسف زيدان روايته بخدعة أطلقوا عليها حيلة فنية وإبداع، كان من الممكن اعتبار الأمر كذلك، لو كانت مجرد رواية أدبية لم تتعرض لكنيسة مجيدة ولدين سمـاوى شـوَّه د. يوسف صورته وجرَّده من كل ما هو إلهى، وزيف حقائق تاريخية راسخة على مدى ستة عشر قرناً من الزمان، وقد تجاهل تماماً مشاعر الأقباط المسيحيين الذين نشأ وعاش بينهم». وبعد ذلك بصفحتين فقط، يتغير الأسلوب فجأة حين يخاطب المطران قارئه، خاطباً وُدَّه، بقوله: عزيزى القارئ.. نَهَجَ زيدان نَهْجَ دان (براون) فهل اسمه مجرد صدفة، زيدان: «زى» «دان»!

    وهكذا يقتحم السياق كاتبٌ خفيف الظل، حتى إننى ضحكت حين قرأت هذه (القفشة) واعتبرتها واحدة من نكات المطران، أراد أن يخفِّف بها من كآبة كتابه. لكننى للأسف، وجدت الفقرة التالية عليها مباشرة، تعود بالسياق إلى حالة الكآبة. ومن الواضح أن هذه الفقرة التالية كتبها شخصٌ آخر من ذلك الفريق الذى صرَّح الأنبا المطران أنهم كانوا (المساعدين) له فى الكتاب، لكنه لم يذكر أسماءهم! وهو بالقطع، شخص مختلف تماماً فى لغته وأسلوبه، عن الشخص الذى (قفش القفشة) السابقة. ويظهر لنا ذلك بوضوح حين نقرأ الفقرة كاملة (صفحة ٣٠٤) حيث يقولون: «فهل اسمه مجرد صدفة، زى دان، ياللعجب، فابهتى أيتها السموات واقشعرى أيتها الأرض».

    لماذا يا نيافة المطران تريد للسماء أن تبهت؟ وتعبيرك لا يصحُّ على كل حال من حيث اللغة العربية السليمة، فالبُهت من (البهتان) الذى لا تعرفه السماء! لكنك استعملت هنا المعنى العامى فى سياق فصيح، من دون الانتباه إلى أن السماء لا تبهت.. ولماذا يا نيافة المطران تريد من الأرض أن تقشعر، فتقوم الزلازل، هل من أجل (قفشة) خفيفة الظل، تشير للتشابه بين لقبى والاسم الأول لمؤلف شفرة دافنشى؟.. ما هذا يا نيافة المطران.

    وحسبما يظهر من (أساليب) الكتاب المنسوب للمطران، فإن هناك خمسة أشخاص على الأقل، قد كتبوه. ولذلك تخلخل سياق الكتاب، واضطرب الأسلوب كثيراً، بسبب تقلب الكاتبين واختلافهم. ففى بعض الصفحات يستمر السياق الوعظى المدرسى متصلاً، حتى يقطعه فجأة أسلوبٌ هجومىٌّ عنيف، لا يكف عن التنديد. وفجأة يتغير السياق، معتمداً على حشد وإيراد نصوص كاملة من تراث الآباء السابقين، ثم لا يلبث أن ينقلب إلى أسلوب معاصر يتعرض بلطف إلى مجريات الأحوال فى مجتمعنا المعاصر..

    ولو استخلصنا من جملة ذلك كله، كل ما يخص الرد على رواية عزازيل فى كتاب المطران، فلن نجده يزيد على صفحات معدودة، لعلها خمس عشرة، فى كتاب كبير (٣٨٠ صفحة) ظل نيافة المطران يوسِّع بين سطوره ويكبِّر أبناط حروفه، حتى يملأ من الصفحات العدد ذاته الذى جاءت فيه رواية عزازيل فى طبعاتها الأربع عشرة. وكان يمكن للمطران، ببساطة، أن يرد على الرواية (إن كان لابد له من ذلك) بمقالة واحدة، ويستغنى عن كل هذا الحشو الذى لا داعى له.

    ومن أعجب وجوه الخلل أن المطران، فى خاتمة (الرد) يستشهد ضدى بنصٍّ من المزامير، يشير إلى خيانة يهوذا الإسخريوطى للسيد المسيح. فيضع فى صفحة ٣٧٥ تحت عنوان (صديق سابق) ما ملخصه أننا بعدما كنا أصدقاء، خنته وكتبتُ عزازيل! وأقول هنا لنيافة المطران، إن عزازيل كُتبت سنة ٢٠٠٦، وتم التعاقد على نشرها فى صيف ٢٠٠٧، وصدرت فى بداية سنة ٢٠٠٨.

    وقد عرفتك يا نيافة المطران بعد انتهائى من كتابة الرواية، وكان أول لقاء بيننا فى صيف العام ٢٠٠٧، وقد التقينا بعد صدور الرواية بشهور فى مؤتمر المخطوطات (مطلع صيف ٢٠٠٨).. فلا داعى، ولا مجال، لما تكرِّره من الدعوى بأننى أخذت منك مصادر الرواية. ولا داعى، ولا مجال، لتشبيهى بيهوذا الإسخريوطى، لأنك لست المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام!

    ثم يقع نيافة المطران فى خلل منهجى جديد، فادح، حين يتهمنى صراحة بأننى أُمجِّد هيباتيا، العالمة الرياضية الشهيرة التى قتلها المسيحيون بالإسكندرية سنة ٤١٥ ميلادية، ثم أظلم العالم كله من بعدها، لقرابة خمسة قرون. والغريب أن الأمبا المطران، بحسب ما ذكره على ظهر غلاف كتابه، هو (خريج كلية الهندسة، جامعة الإسكندرية عام ١٩٦٣) فكيف يمكن لخريج كلية الهندسة، أن يجحد فضل العالمة الرياضية الفيثاغورية الشهيرة، هيباتيا ابنة ثيون الرياضى السكندرى العظيم.. كيف؟.. وهيباتيا هى التى قدمت صنوفاً من البحوث الرياضية (وقيل إنها شرحت كتاب الجبر لديوفنطس السكندرى) وأحيتْ مجد الإسكندرية العلمى الذى انطفأ بموتها.

    وكيف طاوعك لسانك وقلمك يانيافة المطران، وأنت خريج كلية الهندسة، إلى اتهام هيباتيا بممارسة السحر.. السحر.. كيف؟ هل عرفت يانيافة المطران، أو عرف غيرك، أن هناك شخصاً واحداً فى التاريخ الإنسانى، كان رياضياً وفى الوقت ذاته ساحراً! إن الاشتغال بالرياضيات يا نيافة المطران، أو بالفلك، يضاد الاشتغال بالسحر والخرافات. بل إن الاشتغال بالرياضيات، هو مقدمة لأى تفكير إنسانى قويم. ولذلك كتب أفلاطون على باب مدرسته (الأكاديمية) عبارة: لا يدخل علينا إلا من درس الهندسة.

    فما الذى تحاوله يا نيافة المطران.. أتريد تشويه صورة هيباتيا؟ لن تستطيع تشويه رمز باهر من رموز الإنسانية. ولن يجديك نفعاً، أن تستعير حجة ضعيفة كتبها رجال دين قدماء من أمثال: سوزومين وسقراط المسيحى (بزعم أنهما مؤرِّخان!) ضد شهيدة العلم وربة الرقة وأستاذة الزمان: هيباتيا، وقد كتب هؤلاء تبريراتهم البائسة، غير المقنعة بعد مقتلها بسنوات، لأنها على زعمهم كانت تشتغل بالسحر!!..

    لا يصحّ أن يقال هذا، عن هيباتيا: أبهى امرأة فى الزمن القديم كله، وأذكى نساء الإسكندرية فى كل العصور.. وكيف ترى يا نيافة المطران، إذن، شهادة سينيسيوس فى حق هيباتيا، الذى قال إنها جعلت الإسكندرية منارة العلم فى العالم؟ وهو، كما يعرف الجميع، كان رجلاً مسيحيًّا، بل رجل دينٍ، بل أسقفً للمدن الخمس الغربية (ليبيا).

    فيا نيافة المطران، دعنا من الجدال وتعال إلى كلمة سواء: لقد كان مقتل هيباتيا على هذا النحو الفاجع، كارثةً إنسانية، ينبغى علينا أن نتذكرها بأسى ونعتذر عنها، ونطلب لمن اقترفوها وتجرأوا عليها، الغفران والصفح، فلعل الله يستجيب. ولعله تعالى يرحمنا جميعاً، فلا نشهد ثانيةً مثل هذه الفعلة الشنعاء، التى مهما حاول مقترفوها والمعجبون بهم تبريرها، فسوف تظل سُبَّة فى جبين الإنسانية، ولحظة عار فى تاريخ الإسكندرية.. مدينتى.. ومدينتك.. ومدينة الله العظمى (فى الزمن القديم).

    http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=223831

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهَّمه المطران (٦-٧) .. ظُلم المطران لأخيه المطران


    ٢/ ٩/ ٢٠٠٩

    فى الكتاب المنسوب غلافه لنيافة الأنبا بيشوى (مطران دمياط وكفر الشيخ وبرارى بلقاس، إلخ) عجائبُ كثيرة، من أغربها وأكثرها مدعاة للدهشة، تلك الإشارة التى وردت فى بداية الكتاب، حيث يقول المطران أو أحد (المعاونين) الذين تعاقبوا جميعاً على تجميع هذا الكتاب الأعجوبة، ما نصه بالحرف الواحد: «ما هو الهدف من رواية د. يوسف زيدان؟!
    (علامة الاستفهام من عندهم، وعلامة التعجب من عندى) هل معرفة جزء من تاريخ مصر كما أراده ورآه د. يوسف زيدان، وصديقه فى حلب نيافة المطران، الذى نكاد نرى بصماته فى كل فصل من فصول الرواية، وربما فى أغلب صفحاتها. أم أن الهدف هو تحطيم إيمان النفوس الضعيفة.. إلخ» ص ١٣.


    وللوهلة الأولى، بدت لى الفقرة السابقة كواحدة من السقطات غير المقصودة، أو كواحد من سهام المطران الطائشة التى يمتلئ بها الكتاب المنسوب إليه، خاصةً أنها تأتى دون مناسبة، ودون معنى، فى حق عالم جليل يعترف بفضله الجميع، هو الأب الجليل يوحنا إبراهيم (غريغوريوس) مطران السريان الأرثوذكس بسوريا، ورئيس الطائفة فى حلب. وهو مطران أَبرشية حلب العريقة، الضاربة بجذورها فى التاريخ المسيحى، وأحد كبار اللاهوتيين، وأكثرهم احتراماً على مستوى العالم أجمع.


    ولم أفهم، للوهلة الأولى، ما يقصده المطران (بيشوى) من إشارته للمطران (يوحنا) ولماذا يتوهَّم أن «بصماته فى أغلب صفحات رواية عزازيل».. فظننتُ أن الأمر فيه خطأ مطبعى، أو فقرة ساقطة، أو اضطراب فى ترتيب الكتاب الطافح بالاضطرابات أصلاً.
    ومن هنا، غضضتُ النظر عن تلك الإشارة غير اللائقة، بل المسيئة لى وللمطران الجليل يوحنا إبراهيم، الذى عرفته أواخر سنة ٢٠٠٧ فى الوقت ذاته الذى تعرفت فيه إلى الأنبا بيشوى (أى بعد الانتهاء من كتابتى للرواية) ثم كان لقائى الثانى به، فى حضور الأنبا بيشوى، حيث دعوتهما معاً إلى مائدة غداء واحدة (شهر مايو ٢٠٠٨) أى بعد صدور رواية عزازيل بفترة، وكان اللقاء بيننا يومها ودياً للغاية، حسبما ظننتُ آنذاك.
    بل جرى الكلام أثناء الغداء، عن الرواية (عزازيل) فامتدحها المطران (يوحنا) أمام المطران (بيشوى).. ومرَّ اليوم مفعماً بالمسرة والمحبة.


    ولما سبق، لم أتوقَّف عند الإشارة السابقة، واعتبرتها كأنها سهو أو خطأ غير مقصود. ولكن كانت الفاجعة غير المتوقعة من الأنبا بيشوى، بعد ثلاثمائة صفحة من كتابه (الأعجوبة) وتحديداً فى الفصل الثالث من الباب الثالث من الكتاب، وهو الفصل الذى جاء بعنوان غامض، كأنه عنوان فيلم سينمائى (سر المطران) وقد اعتقدتُ أولاً أن الأنبا يقصد نفسه، أو أن لديه أسراراً سوف يُفصح عنها فى هذا الفصل..

    لكن الأمر اتضح جلياً مع ابتداء هذا الفصل الأغرب، الذى يشغل تسع صفحات تبدأ من صفحة (٣١٣).. وهى بالمصادفة، سنة إصدار مرسوم ميلان للتسامح الدينى مع الديانة المسيحية، والاعتراف بها كواحدة من (الديانات) المسموح بها فى الإمبراطورية البيزنطية، إلى جانب الديانات الوثنية المعترف بها آنذاك .

    فى هذه الصفحة البائسة (٣١٣) وضع الأنبا بيشوى عنوان الفصل كاملاً، كالتالى: سر المطران المسيحى الأرثوذكسى المعجب بشغف بالرواية الهدَّامة للمسيحية الأرثوذكسية! (علامة التعجب من عندى) ثم راح يقول ما نصه: «هذا المطران يُبدى إعجابه الشديد بهذه الرواية.. وهو فى هذا لا يمثل إلا نفسه فقط.. ونحن نتعجب، كيف وهو راهب، يقرأ الأجزاء اللاأخلاقية فى الرواية.. ثم بعد ذلك يصفها فى الندوة التى أُقيمت فى حلب فى ٢٩/٤/٢٠٠٨ بقوله:
    قرأت الرواية بشغف رغم كثرة مشاغلى وأسفارى، لكنى لم أستطع الكفَّ عن قراءة هذا النص الروائى الممتع، والذى لا يعرف تاريخ المسيحية لن يعرف مراد د. يوسف زيدان من الرواية، فهى رواية لاهوتية بحتة ترتبط بحقائق التاريخ وتخترق الخطوط الحمراء وتخترق أسوار الأديرة، وتقدم لغة على قدر من الإعجاز البيانى،
    خاصة أنها تربط بين اللغتين السريانية والعربية، لتوجه الأفكار بقوة إلى أهمية التراث والمخطوطات، وإلى التاريخ الذى يسبق الإسلام، لأن يوسف زيدان يرى أن انتماءه العميق لهذه الأمة، يعطيه الحق فى النظر فى تراثها الإسلامى والمسيحى، فالتاريخ المسيحى ليس ملكاً للمسيحيين وحدهم».

    وبعدما قدم المطران (بيشوى) هذا الاقتباس من كلام المطران يوحنا راح يتخبط، كمن يبحث عن قطة سوداء فى غرفة ظلماء فى ليلة غير قمراء. حتى إنه لم يتورع، مع أنه أهل للورع، عن القول «ماذا يعنى نيافة المطران (يوحنا) بهذا الكلام؟ هل هو على غير قصد منه، قد كشف أن صديقه (يوسف زيدان) وضع ما يدور فى فكره من تيه، وتشوُّش، وحقد على الديانة المسيحية..».


    وبطبيعة الحال، فلن ننظر فى تناقضات المطران هذه، على أساس منطقى عقلانى. لأن كلام المطران (بيشوى) لا يخضع للعقل ولا المنطق، وإلا فكيف يقول أولاً إن المطران (يوحنا) تظهر بصماته فى أغلب صفحات الرواية، موحياً بأنه كتبها معى، ثم يقول بعدها إننى وضعت فى الرواية ما يدور فى فكر المطران يوحنا! وكيف يقال على الأب الجليل، العلامة (يوحنا إبراهيم) إنه حاقد على الديانة المسيحية؟
    وهو الذى قضى عمره كله، ولا يزال يقضيه، فى خدمة كنيسته الأنطاكية الوقور التى قدمت للمسيحية تراثاً هائلاً فى الفهم والتفهم والتسامح، منذ قديسها البديع يوحنا ذهبى الفم.. بل من قبله أيضاً ومن بعده.

    وليت المطران (بيشوى) قد اكتفى بهذا القدر من الهجوم على المطران (يوحنا) وإنما نراه يقول، غير عابئ بكل ما أوصى به يسوع المسيح، عيسى عليه السلام، من المحبة حتى مع الأعداء، ومن التواضع حتى مع الأقل شأناً، ومن التسامح حتى مع الذين يلطمون خدودنا.. رحماتك يا أم النور.. يقول المطران بيشوى ما نصه:
    «أكد نيافة المطران (يوحنا) أنه قرأ الرواية قبل صدورها» وهذا حقٌ، لأننى أرسلت له نسخة إلكترونية فى شهر ديسمبر ٢٠٠٧ قبل صدورها بشهر، لأنه كان خارج سوريا. «وأبدى إعجابه الشديد بها كعمل فنى من طراز رفيع، وأن يوسف زيدان كتب بريشة راهب يرسم أحداثاً كنسية حدثت بالفعل..» ثم يقول المطران (بيشوى) بعد ذلك:
    «السر وراء الموقف الغريب الذى يتخذه نيافة المطران (يوحنا) أنه قدم بحثاً عام ١٩٩٧ بواشنطن، دافع فيه عن نسطور، ولكن منعته الرئاسات الكنسية من نشره، وقدَّمه لى شخصياً لكى أعدِّله وأحذف منه.. لذلك استتر وراء الكاتب المسلم، وشجعه أن ينشر ما عجز هو عن نشره.. فعلى ما يظهر أنه (أى المطران يوحنا) أمدَّ المؤلف بالمادة المطلوبة، ثم قام بمراجعة الرواية فى النهاية».


    ويضيف المطران (بيشوى) وليته ما أضاف، قائلاً: «وفى إطار التحالف المذكور بين د. زيدان ونيافة المطران.. فإننى أشفق على شعب كنيستينا الشقيقتين (الإسكندرية، أنطاكية) من هذا التضليل الذى يحاول أن يعيد الصراع المفتعل بين مدرستيهما..».
    ما الذى يقوله الأنبا بيشوى؟ وعلى أى أساس يطلق هذه الاتهامات العشوائية عن (التحالف.. البصمات.. الحقد على الديانة المسيحية.. الصراع بين الكنائس.. إلخ) وكيف جاز له أن يظلم المطران الجليل، يوحنا إبراهيم، ويتهمه بأنه قدم لى (مادة) الرواية؟
    مع أنه قال قبل شهور، إنه هو نفسه الذى قدم لى (المادة) التى اعتمدت عليها فى الرواية.. وهذا كله فى حقيقة الأمر، باطل من تحته باطل ومن فوقه باطل! لسبب بسيط،هو أن هذه (المادة) تطفح بها المصادر والمراجع التى يعرفها المطران (بيشوى) والتى لا يعرفها. ولو كان قد قرأ أعمال الباحث المصرى د. رأفت عبدالحميد، لكان قد عرف أن الأمر لا يستحق كل هذه التحالفات والاتهامات المتناقضة التى يجربها واحدة بعد أخرى.
    فقد ذكر هذا الباحث المصرى فى كتبه الكثيرة المتداولة، حقائق أشد وأعتى مما ورد فى روايتى، بكثير.

    وعلى كل حال، وتطبيقاً لما دعا إليه السيد المسيح، فسوف أشرح للمطران (بيشوى) موقف المطران (يوحنا) كى يهدأ قليلاً ويرتاح باله، ثم أشرح له «السر» فى حملته الشعواء النكراء على المطران الجليل يوحنا، ثم أبين له أخيراً أن المطران الجليل لم يتدخل من قريب أو بعيد، أثناء الرواية، لأننى لم أكن أصلاً قد عرفته آنذاك.. فأقول أولاً:
    أما الذى دعا المطران يوحنا للإعجاب برواية (عزازيل) فهو أنه بالفعل متخصص فى اللاهوت، وليس فى أشياء أخرى، فقد درس هذه الموضوعات المعقدة منذ صغره، فحاز دبلوم العلوم اللاهوتية والفلسفية من كلية مار أفرام اللاهوتية بلبنان، ثم التحق بالمعهد الحبرى الشرقى فى روما وحصل منه على الليسانس، ثم التحق بجامعة برمنجهام البريطانية..
    وبعد حين من الزمان، صار يوحنا إبراهيم (المطران الجليل) مديراً لكلية مار أفرام اللاهوتية بلبنان، وفى العام ١٩٧٩ تمت سيامته مطراناً لأبرشية حلب! إذن، فهذا الأب الجليل يعرف اللاهوت حقاً، وقضى عمره فى دراسته، ولم يقض أيامه فى اللعب السياسى. وهو لم يُعرف عنه الهجوم على أعلام الكنائس الكبار، مثل الأب متى المسكين، والأنبا غريغوريوس (القبطى) الذى كان بالفعل واحداً من أجلاء الآباء..
    ولهذه الأسباب، أدرك المطران الجليل (يوحنا إبراهيم) قيمة الجهد البحثى الجهيد، الذى بُذل قبل كتابة الرواية، وقد ظهر هذا الجهد الذى لا يعلمه إلا الله، بشكلٍ هامس فى النص الروائى حسبما يقتضى السياق الروائى.

    ولأن الأب الجليل، المطران يوحنا، متخصصٌ فى الموسيقى السريانية والترانيم الكنسية، فقد أدرك ما لم يدركه المطران (بيشوى) من الرهافة الروحية والفنية فى الرواية.

    وقد عبر صراحةً عن اندهاشه وإعجابه بها، من دون تلك (الحسابات) السياسية، بالمعنى السيئ للكلمة، ومن دون التوغل فى متاهة المؤلف المسلم والنص المسيحى.. فالمؤلف فى النهاية إنسانٌ، يكتب عن الإنسان!

    وأما الحملة الشعواء للمطران (بيشوى) على المطران (يوحنا) فالسر فيها هو الآتى: يعتقد الأنبا بيشوى فى ذاته، أنه امتداد للأسقف (البابا) كيرلس الملقب لاحقاً بعمود الدين، مثلما يلقب الأنبا بيشوى حالياً بأسد الكنيسة !

    لا بأس إن كان ذاك عموداً أو كان هذا أسداً! فإن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان.

    ولكن هذا الاعتقاد بالمماثلة، قاد الأنبا بيشوى إلى سلسلة من المماثلات المرتبطة بهذا الوهم. وقد أشرتُ فى مقالة سابقة إلى أن الأنبا بيشوى يعتقد أننى أمثل شخص نسطور!
    وهو لا يكف عن إظهار دهشته مما يعتقده من إعجابى بالأسقف الجليل نسطور (وسوف أشرح له هذا الأمر فى مقالتى التالية، الأخيرة).. وقد كان من أنصار نسطور، قديماً، مطران حلب ورئيس أبرشيتها، الذى كان اسمه أيضاً (يوحنا) وكان أيضاً تابعاً لكنيسة (أنطاكية) التى يتبعها اليوم المطران يوحنا إبراهيم.. ولأن المطران يوحنا الحلبى الأنطاكى القديم، انتصر لنسطور وحكم بحرم الأسقف كيرلس السكندرى (أى إخراجه من نطاق الديانة المسيحية تماماً) ولأن المطران يوحنا الحلبى الأنطاكى المعاصر، انتصر لرواية عزازيل..

    فقد تخيل الأنبا بيشوى أننا عدنا إلى سنة ٤٣١ ميلادية، وأننا فى أجواء مجمع أفسوس المسكونى، وأن عليه أن يصب اللعنات (الأناثيما) على رؤوس المخالفين له فى الرأى. ولذلك، لم يتورَّع عن اتهام المطران (يوحنا) تهمة لو صحت، لكانت كفيلة أن تخرجه عن نطاق الديانة: الحقد على الديانة المسيحية.. معاذ الله!

    فيا نيافة الأنبا (بيشوى) حنانيك.. اهدأ قليلاً.. ولا يغرنك من حولك من أهل التهليل والتهويل.. ولا تظنن أنك تشوى المخالفين فنيرانك موهومة.. وهذه النيران التى يلتهب بها كتابك، وتصريحاتك الصحفية، غير محرقة! واتهاماتك التى تجرِّب منها واحدا بعد آخر، غير مقنعة!

    وثورتك العارمة على رواية عزازيل، غير مجدية.. فأنا لست نسطور، وهو ليس يوحنا الأنطاكى، وأنت لست الأسقف كيرلس. أنت الآن مطران، أى رئيس أساقفة! وكذلك المطران يوحنا إبراهيم! ولا يجوز أن يعرِّض المطران بالمطران على هذا النحو، ولا يجوز لك أن تظلمه هذا الظلم الفادح .

    ولسوف نجتمع معاً فى ميقات يومٍ معلوم، ويعلم آنذاك الذين ظلموا، أىَّ منقلبٍ ينقلبون.
    وأما النقطة الأخيرة هنا، وهى أن المطران يوحنا إبراهيم لم يكن له دخل من قريب أو بعيد فى نص (عزازيل) الذى يتوهَّم المطران (بيشوى) أن بصماته تظهر فى معظم صفحاتها.
    فبيان ذلك لن أصرح به إلا رمزاً وتلميحاً، واستعارةً لواقعة سابقة، مع اختلاف الحال والمقام. وأرجو من الأنبا بيشوى أن يستفهم مرادى التالى، من أحد العلماء.. قال تعالى (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلِّمه بشر، لسانُ الذى يلحدون إليه أعجمىٌّ وهذا لسانٌ عربىٌّ مبين).



  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهَّمه المطران (٧-٧) سَوَابِقُ الطَّرَائق ولَوَاحقُ الحقَائِق


    ٩/ ٩/ ٢٠٠٩

    مع انتهاء هذه المقالة السابعة (الأخيرة) أكون قد اختتمتُ كلامى مع المطران الأمبا بيشوى، ونفضتُ يدى منه بلا رغبة فى المعاودة ولا نية فى الاستئناف، خاصة أنه خدعنى خدعةً كبرى تنم عن ذكاء ودهاءٍ سياسى خطير.



    فقد ظل يزعم أنه «يواجه» رواية عزازيل، رأياً برأى وحجةً بحجة، وأكَّد ذلك مراراً فى بيانه الأول (الذى جاء من غير تبيان) وفى كتابه الأعجوبة المسمى: الرد على البهتان (وهو الكتاب الذى رأينا فيما سبق أنه يسيلُ، بل ينـزُّ، بهتاناً) وفى أحاديثه التليفزيونية المسلية وحواراته الصحفية اللذيذة.
    لكنه فور استجابتى لرغبته فى المناقشة، ومع أول مقالة من هذه المقالات السبعة، توارى فجأةً عن الأنظار! واستتر خلف قسيس يسمِّى نفسه ديسقورس، راح يرد عنه ردوداً لا تعرف الفرق بين الرد والترديد والتردُّد، ويكتب مقالات مهذبة غاية التهذيب، تليق برجل دين مرموق.. وقور.. بنفسه فخور.. يتقنُ إطلاق البخور.. ويكره - مثل سيده - نسطور.


    والظاهر أن هذا التوارى والاستتار والاختفاء، هو خدعةٌ معتادة ومنهج مألوف. فمن قبل المطران الأمبا بقليل، صَخِبَ علىَّ القمصُ (عبدالمسيح بسيط) الذى صال وجال ودعا للنـزال، حتى أخذه الشطط إلى طريق الأهوال، فاتهمنى علانية بالإلحاد واللادينية!



    فاضطرنى إلى اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، فاختفى فجأةً عن صفحات الجرائد وقنوات الفضائيات، وهو الذى كان من قبلُ يملأ الأسماع بأعجب الأقاويل وأبدع التهاويل، حتى إنه قال فى اليوم الذى اتهمنى فيه بما سبق ذكره، أقوالاً أعجب، منها أن المسلمات محجبات لأنهن فقيرات! وأن د. محمد سليم العوَّا إرهابى! وأن د. محمد عمارة إرهابى! وأن الفاتح العظيم عمرو بن العاص كان «يلعب بالبيضة والحجر» على حدِّ قول القمص المتحمس: بسيط!


    ومع ذلك، فلأننى أعرف أن هذا القمُّص فى الأصل عبدٌ للمسيح وبسيط وطيب، ولأننى كنتُ أحبُّ فيه خفَّة ظلِّه، ودعاباته التى لا يكف عن إطلاقها وراء الكاميرات، ولأننى أعتقد أنه لم يكن يقصد ما يقول، أو هو لم يضبط ما كان بعقله اللطيف يجول، أو هو فقط أراد أن يصول ويطرح نفسه على أنه المهول.. فلذلك كله، أرانى أكثر ميلاً لمسامحة القمص على تطاوله، وأقرب موقفاً لتعذيره. ولذا، فإذا اعتذر عن إساءاته اعتذاراً رسمياً، فسوف أُسقط فوراً الدعوى القضائية التى رفعتُها ضده، وأتنازل عنها فى أول جلسة.


    وكذلك الأمر مع الأمبا بيشوى، الذى صرتُ مؤخراً أتفهم أسباب هيجانه وصخبه على عزازيل (الرواية) وأتقبَّل طبيعة الدور المنوط به فى الدفاع عما يسميه العقيدة القويمة والأمانة المستقيمة والتقاليد المستديمة (الصواب لغة: المستدامة!) ولذلك، فسوف أسامحه على ما كان منه، وأغضُّ النظر عن خدعته الأخيرة، بل وسأشرح له عنوان هذه المقالة، بإيجاز:


    تعلم يا نيافة المطران أننا، أنت وأنا، لسنا بالطبع أول الناس الذين اختلفوا فى أمر نظروا إليه من زاويتين، وتعلم بالتأكيد أن ما اختلفنا فيه مؤخراً هو بطبيعته أمرٌ خلافى غير محسوم، وقد يختلف حوله من بعدنا آخرون، فهذه (طرائق) مختلفة للنظر، لها فى تاريخنا (سوابق) أدت إلى إقرار (حقائق) معينة، ويجب أن تكون (لواحق) ملزمة لمن أراد أن يناقش أمراً من الأمور، على نحو رشيد.. ولذلك، فسوف أختتم كلامى معك، فى هذه المقالة، بإشارات إلى سوابق الطرائق وما نتج عنها من لواحق الحقائق، وأجعل لك ذلك فى نقاط محددة، بيانها كالتالى:


    أولاً: لا يجب يا نيافة المطران الأمبا أن نترك عقولنا نهباً للتوهمات، ولا يجب أن ننهمك فى الخلاف بلا منهج أو قواعد أو آداب فى الاختلاف، انظُرْ مثلاً ما فعله القسيس المسمى ديسقورس، الذى ناب عنك عند اختفائك، حين راح يطنطن ويمخرق ويموِّه (ويزعبب) دون ضابط ولا رابط.



    قل له يا نيافة المطران إنه لم يكن موفقاً، ولا متوافقاً مع تعاليم المحبة التى جاء بها السيد المسيح، سواءٌ كان المسيح إنساناً نبياً كما أعتقد، أو كما تعتقد رباً كاملاً وإلهاً لم يفارق لاهوته ناسوته طرفة عين، لا يهم ما نعتقده فيه،



    ولا ضرر من تنوع الاعتقادات، فمن طبيعة البشر التنوع، ولكن تعاليم المسيح معروفة، بصرف النظر عن طبيعته التى طالما اختلف الناس حولها، وكان الواجب على القسيس (القَسّ) النائب عنك، أن يراعيها!



    ولسوف أعطى لك مثالاً على عدم كماله، من واقع كلامه الذى ظل يغنى به من دون أن يُطرب، ويهوِّل فيه ويهلِّل من دون أن يضرب، وهذا المثال ورد فى المقالة الأخيرة - أو قبل الأخيرة إن كتب بعدها - حين نعى علىَّ أننى سهوتُ عند قراءة المكتوب على صورة المسيح (الآخر) التى وضعتها أنت فى صدر الكتاب المنسوب إليك، سهوتُ يا نيافة المطران فقرأتُ (دميانا) (دميانوس) لأن الخط المكتوبة به العبارة دقيق، لم يكن واضحاً لى بالقدر الكافى، وهذا كل ما فى الأمر، فكيف عالج نائبك هذه المسألة الفرعية التافهة؟



    بدأ مقالته بقوله: «سوف أفاجئ القراء بإعلان فضحية كبرى، مؤسسة على براعة (يوسف زيدان ) فى فن صياغة الكذب..» ثم تلا ذلك بقوله المؤدَّب المهذَّب: «سقط (يوسف زيدان) غير مأسوف عليه، وانتظروا مفاجآتى فى السطور المقبلة» وبعدما قدم هذه التقديمات الدالة على أخلاقه القويمة وأمانته المستقيمة، صرَّح بالمفاجأة المنتظرة والفضيحة الكبرى -حسب تعبيره- وذكر أننى قرأت دميانا، دميانوس!



    ثم قال موجِّهاً لى كلامه المحترم الذى تحاشى فيه الفحش فى القول، وتجنَّبَ به الفجور فى الخصام، ما نصه: «وكان ينبغى قبل السقوط فى هذه الهوة العظيمة، أن تسترشد بدارس للغة الإنجليزية، أو يكفيك فى هذا الشأن أحد أطفال المدارس الإنجليزية.. فالترجمة الصحيحة للعبارة هى: دير القديسة دميانة» ثم يبلغ القسيس (القس، رقيق الحس) غاية أخلاقه السمحة، حين يقول عقب ما سبق: «ولذا فإننى أدعو (يوسف زيدان) لتخصيص جزء من قيمة الجائزة المادية التى حصل عليها (البوكر) لتعلُّم اللغة الإنجليزية، ربما يفيده هذا مستقبلاً..».


    فيا نيافة الأمبا قل لمن ناب عنك إن أسلوبكم غير لائق بكم بالمرة، وإن المسألة لا تستحق كل ما تفضل به من الكلام (الطيب) (المهذب) (الفاضل) خاصةً أنه، وهو المسكين، لم يعرف أن المسألة التافهة هذه، لا علاقة لها أصلاً باللغة الإنجليزية، لأن اللواحق المميزة لأسماء المؤنث والمذكر، بإضافة الألف الأخيرة للاسم المؤنث، وإضافة الواو والسين للمذكر، هى مسألة تخص اللغة اليونانية لا الإنجليزية، ففى لغة اليونان القديمة، كانوا يفرقون بهذه (اللواحق) بين المؤنث والمذكر، فيقولون: دميانا، دميانوس - أوكتافيا، أوكتافيوس.. بُلخاريا، بُلخاريوس.. وهكذا!



    فاهدأوا - رحمكم الله- وقولوا للناس قولاً سديداً، وتذكروا أنه من سوابق الطرائق ولواحق الحقائق، قول الشاعر: وتعظم فى عين الصغير صغارها، وتصغر فى عين العظيم العظائم!.. هكذا تحدث المتنبى.


    ثانياً: اعلمْ يا نيافة المطران الأمبا الحبر الأسد.. إلخ، أنك لم تردّ قطُّ على رواية عزازيل، ولم تعطِ نفسك الفرصة أصلاً لقراءتها، لأنهم (قالوا لك) أو (نقلوا إليك) أو (أوهموك) بأن الرواية فيها ما يخالف اليقين المتين والحق الأبدى الذى تعتقده أنت، وما هو باليقين ولا بالحق، إلا من زاوية واحدة فقط، هى زاويتك وحدك، أنت ومَنْ حولك.
    ومن سوابق الطرائق ولواحق الحقائق، التى سأهديها إليك فيما يلى، قولٌ مضى عليه ثمانية قرون من الزمان، وأرجو منك أن تقرأه معى بتمهلٍ حتى تُدرك مبناه وتمسّ معناه: «وربما أوجبَ استقصاؤنا النظرَ، عُدولاً عن المشهورِ والمتعارف. فمن قَرَعَ سَمْعَهُ خِلاَفُ ما عَهِدَهُ، فلا يُبادرنا بالإنكار. فذلك طَيْشٌ. فَرُبَّ شَنعٍ حَقٌّ، ومألوفٍ محمودٍ كاذبٌ. والحقُّ حَقٌّ فى نفسه، لا لقول الناس له. ولنذكُرْ دوماً قَوْلَهم: إذا تساوتِ الأذهانُ والهِمَمُ، فمتأخِّرُ كُلِّ صناعةٍ، خيرٌ بالضرورة من متقدِّمها..» هكذا تحدَّث ابن النفيس.


    ثالثاً: يا نيافة المطران اعلمْ أن ما هلَّلتَ به وهوَّلتَ، من صخبٍ كثير حول مشاهد العشق فى عزازيل (التى لم تقرأها أصلًا) كان أمراً لا أرتضيه لك، وأترفَّع بك عنه، وما كان يجب أن يصدر منك! فقد جاء حديثك فى هذا الموضوع مشوشاً، مؤسفاً، دالاً على أنك معزول عمن حولك، وعمن سبقك. فقد أثير مثل هذا الأمر من قبل، حول كتاب (ألف ليلة وليلة) الذى احتوى على مشاهد أفظع كثيراً مما فى رواية (عزازيل) وتضمن ألفاظاً صريحةً هى أشد على الأسماع مما فى الرواية.



    ولذلك ثار البعض ضد (ألف ليلة وليلة) حتى قال لهم عالمٌ قدير، وشيخٌ جليل، هو بالاتفاق واحدٌ من أهم الذين اشتغلوا بالتراث العربى فى القرن العشرين، وقد يكون أهمهم على الإطلاق. قال: «الحديث هذه الأيام عن كتاب ألف ليلة وليلة، مؤسفٌ ومحزنٌ.. ويكشف عن جوانب سيئةٍ، رهيبةٍ، مخيفةٍ، تضاف إلى غيرها من الجوانب التى تندرج تحت عنوان: فَسَادُ حياتنا الثقافية.. إنَّ ما يُثار من أن هذا الكتاب فيه من الألفاظ المكشوفة، ما يمكن أن يُفسد عقول شباب وشابات هذه الأمة، يقدم دليلاً جديداً لهذا السُّخْفِ الذى اخترناه..



    فالقضية تتطلب معالجةً أخرى، وبحثاً هادئاً يبدأ بقراءة أجزاء هذا الكتاب، والوقوف طويلاً عند صفحاته، وتأمل عباراته وسطوره ومن حق بعضنا أن يقرأه أو لا يقرأه، لكن ليس من حقنا جميعاً أن نحكم بإلغائه أو بحرقه! إن اتهامكم لهذا الكتاب بأن به ألفاظاً مكشوفة.. هذه الألفاظ فى رأيى لا خوف منها، فهى ألفاظ العلم نفسه، وإذا كان لها تأثيرٌ ضارٌ، فكيف يستخدمها علماء اللغة وأصحابها. أقولُ إنها ليست ألفاظاً ضارةً، وإنها ألفاظ طبيعية وعادية، يستخدمها البشر فى كل مكان، وليس من مصلحة البشر أن يجهلوا مثل هذه الألفاظ، فهى ضرورةٌ من ضرورات الحياة». هكذا تحدَّث محمود شاكر.


    رابعاً: إن ما يحيِّرك يا نيافة المطران الأمبا، من انحيازى لآريوس ونسطور. وهى الحيرة التى عبَّرتَ عنها فى عدة مواضع بحواراتك الصحفية ولقاءاتك التليفزيونية، ناهيك عن ورودها أكثر من مرة فى الكتاب المنسوب إليك، هى حيرةٌ فى غير موضوع، وفى غير موضعها. وسوف أشير إليها حالاً، مُوَضِّحاً لك بإيجاز الأمر الذى تعتقد أنه (سر) فتقول دوماً: ما سر إعجابه بآريوس ونسطور؟



    وليس فى الأمر سر، بل رؤية موضوعية لمفكرين كنسيين كبار، تتهمهم أنت بالهرطقة، ويتهمك أتباعهم أيضاً بالهرطقة.. غير أننى أنظر إلى المسألة بعيداً عن تلك الاتهامات المتبادلة، فأجد أن الآريوسية قدمت حلولاً عبقرية للمشكلة اللاهوتية المتعلقة بالطبيعتين (الإلهية، الإنسانية) للسيد المسيح، من خلال مفهوم «التبنِّى» الذى قام عليه هذا المذهب الذى قدَّمه الراهب الجليل، مصرى الهوية، ليبـى الأصل، شامى الإقامة، إسبانى المنفى، إسطنبولى الاغتيال: آريوس (المتوفى مسموماً سنة ٣٣٦ ميلادية).



    وأما الأسقف الجليل نسطور، فقد قدم تصوراً لاهوتياً من وحى أستاذه الأسقف تيودور المصِّيصى، ومتوافقاً مع طبيعة العقلية العربية العملية التى كانت تسود منطقة الهلال الخصيب، حسبما أوضحت ذلك تفصيلاً فى كتابى الآخير: اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى.. بالمناسبة، أرجو منك يا نيافة الأمبا ألا تقرأ هذا الكتاب، وألا تكلف نفسك عناء الانشغال به، لأنه لا يناسب أفاضل الرهبان من أمثالك، فهو كما ذكرتُ بالنص فى مستهلِّه: «لم يُوضع هذا الكتاب للقارئ الكسول، ولا لأولئك الذين أدمنوا تلقِّى الإجابات الجاهزة عن الأسئلة المعتادة، وهو فى نهاية الأمر كتابٌ، قد لا يقدِّم ولا يؤخِّر».


    والنسطورية التى تكرهها يا نيافة الأمبا، لا أكرهها، بل أرى فيها كنيسةً عظيمة لا تقلُّ عن غيرها من كبريات الكنائس، وهى التى أدخلت الديانة المسيحية إلى أنحاء قارة آسيا، واشتغل أتباعها بالعلوم والمعرفة والترجمة من اليونانية والسريانية إلى العربية، فكان ذلك مقدمة للنهضة العلمية للعرب المسلمين الذين حملوا مشعل العلم والحضارة خلال القرون الطوال التى ظل العالم فيها مظلماً.. كئيباً.. ممقوتاً! ومن سوابق طريقة نسطور فى فهم الديانة، ولواحق حقائقه التى لاحت فى سماء اللاهوت العربى، قوله: «لا يجوز تسمية العذراء مريم بأم الله، فهى امرأة قديسة ولدت بمعجزة، لكنها ليست أُماً للإله.



    ولا يجوز لنا الاعتقاد بأن الله كان طفلاً يخرج من بطن أمه بالمخاض، ويبول فى فراشه فيحتاج للقماط، ويجوع فيصرخ طالباً ثدى أمه. الربُّ كاملٌ، كما هو مكتوب، فكيف له أن يتخذ ولداً، سبحانه، ومريم العذراء إنسانةٌ أنجبتْ من رحمها الطاهر بمعجزة إلهية، وصار ابنها من بعد ذلك مجلى للإله، ومخلِّصاً للإنسان. صار كمثل كوةٍ ظهرت لنا من خلال أنوار الله، أو هو مثل خاتمٍ ظهر عليه النقش الإلهى. وظهور الشمس من كوةٍ لا يجعل الكوة شمساً، كما أن ظهور النقش على خاتم لا يجعل الخاتم نقشاً».. هكذا روى الراهب هيبا فى عزازيل!


    وبعد، فيا نيافة المطران، مازالت لك فى نفسى مودة قديمة، ولك من وراء ذلك الوظائف الكنسية الكثيرة والمهام الدينية التى لا تنتهى. وعندى أيضاً عملٌ كثير وانشغالات! فدعنا نكف عن هذا الجدل، عملاً بقوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).


    ولعموم القراء أقول، إننى سوف أبدأ من الأربعاء القادم، ولسبعة أسابيع تالية، فى سلسلة مقالات أرجو أن تكون أكثر نفعاً للناس، آملاً أن نُعيد من خلالها النظر والاعتبار فيما ورثناه نحن المصريين، من اعتقادات وأفكار.. سواءٌ كنا مسلمين أو مسيحيين.. فإلى لقاء.


    http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=225289

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    مقاربة لرواية د. يوسف زيدان: "عزازيل"

    كمال غبريال


    الاحد 24 آب (أغسطس) 2008

    من قبيل لزوم ما لا يلزم أن نحتاج إلى التذكير بأن مقاربة الأعمال الأدبية لها قواعدها، ولها أيضاً أهلها، لكن لأننا نعيش في حالة من اختلاط الأوراق والأفكار، فإننا مضطرون لإهدار الوقت لمناقشة البديهيات، وربما الجدال حولها، فالنص الأدبي يحتاج منا إلى العديد من المقاربات النقدية، لكن كما أن لقراءة النصوص الأدبية قواعدها، التي تختلف بالتأكيد عن قواعد قراءة مقال سياسي أو اجتماعي أو محاضرة علمية، فإن للنقد الأدبي أيضاً قواعده وأنواعه، فقد يأتي النقد من ناقد محترف ومتخصص في نوعية النص، وقد يأتي من قارئ يحدثنا عن انطباعاته وما خرج به من رحلته مع النص، وقد يتناول النقد النص الأدبي من ناحية بنيانه ولغته ومدى توفيق آليات سرده، كما قد ينحصر النقد في الجانب الفكري أو التاريخي المبثوث بين ثنايا السرد، يتناوله بالنقد والتحليل والمراجعة. . المفترض أن يتم كل هذا بمنأى عن الصرخات والتشنجات والتهديدات، وإلا كنا نحكم على أنفسنا بالتخلف، ولسنا نحكم على كاتب النص بأي مما قد ننسبه له.

    عزازيل دعوة للتساؤل

    ما أحوج مجتمعاتنا إلى العديد من الأعمال الأدبية على نمط رواية عزازيل، فهي تحمل دعوة للتساؤل، حول كثير مما تسلمناه كبديهات أو مقدسات، رغم أنها جميعاً أفكار بشرية، حتى وإن كانت تتحدث عن مقدسات، وإذا من الصحيح أنه "إن بطلنا نحلم نموت"، فمن الأولى أن نقول "إن بطلنا نتساءل نموت"، فالموت الثقافي والأدبي هو حالة الخمود والعقم التي تصيب الفرد أو المجتمع، فيستنيم في ظلال اليقين، ويكف عنه القلق والشك والتساؤل، فبدون هذه الثلاثية، التي تبدو بغيضة للكثيرين، تموت المجتمعات وتتحجر، وتصبح كماً مهملاً، أو عبئاً على الإنسانية، وهذه هي بالتحديد الحالة التي ترزح فيها مجتمعاتنا الآن.

    نحتاج إلى العديد من مثل هذه الأعمال الإبداعية، لنعيد الحياة إلى شراييننا العقلية والثقافية المتيبسة، سواء فيما يتعلق بمقدساتنا الدينية، التي توسعت لتشمل كل مناحي حياتنا، أو مقدساتنا السياسية والاجتماعية، بل وحتى المجال الاقتصادي، لم ينج من غزو التابوهات المقدسة.
    لا أعتقد أن ما يزعج المنزعجين من الرواية هو ما قد تكون تضمنته من مقولات يرونها غير صحيحة، فما يزعجهم بالحقيقة هو تحريضها لنا على التساؤل، وعلى التشكك فيما قدموه لنا على أنه الحقيقة المطلقة، ما يزعجهم أن يراجع أحد ما يقولون وما يكتبون، وأن ينزلهم بهذا عن عروشهم أو تكاياهم المقدسة، ليقفوا على الأرض كما نقف نحن، ويخلعوا عنهم ثياب الآلهة، ليرتدوا ثياباً بشرية.

    نحن وعزازيل:

    تقول لنا الرواية أن الشيطان (عزازيل) ليس كياناً ميتافيزيقاً خارجاً عنا، يدبر لنا المكائد ليل نهار، لكنه في داخلنا، هو هواجس نفوسنا، هو طبيعتنا البشرية، التي من الواجب ألا نخجل منها، بل نواجهها بشجاعة، ونفسح لها المجال لتعبر عن نفسها بصدق، لا أن نغلقها على ما تحوي من شكوك وشهوات، كمن يغلق جرحاً على ما فيه من صديد.
    كنت أتمنى أن تقول لنا الرواية بوضوح أن الشك والضعف الإنساني ليس تشوهاً في طبيعتنا البشرية، بما يستدعي أن نجد من ننسبه إليه، وليكن عزازيل، فالشك والضعف هما وجه لعملة، وجهها الآخر هو الإيمان والقوة، وما لم يقم جدل داخلي صحي بين الشك والإيمان، وبين الضعف والقوة، لن يكون هناك إنسان، وإنما ببغاء يردد، أو قرد يحاكي، إلا إن كنا جادين وقادرين على مغادرة بشريتنا، لنتحول إلى ملائكة.

    الراهب هيبا والجدل:

    تحدثنا الرواية عن قصة الإنسان، ممثلاً في الراهب المصري هيبا، في بحثه الوجودي عن الله وعن المعرفة. . ذلك البحث الذي قاده من بلدته في صعيد مصر، حيث تلقى من مقولات الإيمان ما شعر أنه بحاجة لتدعيمه باليقين، ومن علوم الطب ما استشعر بدائيته، وأراد تحصيل المزيد الذي يمكنه من امتلاك ناصيته. . وشأن الكثيرين من المنشغلين بالعلوم والميتافيزيقا، أراد هيبا أن يستحيل إلى عقل وروح محض، أن يفارق جسده الذي اعتبره معوقاً له في مسيرته نحو الحقيقة المطلقة، هكذا نذر نفسه للرهبنة، كأنما ليقتل هذا الجسد أو يخرسه إلى الأبد. . لكن كل خطواته ومراحل حياته، كانت تثبت له أن الحقيقة المطلقة التي يبحث عنها سراب، وأن سدنتها ما هم إلا تجار يتسترون خلفها لتعظيم ذواتهم وسلطانهم، كما أثبتت له الأيام والتجارب أن جسده لا يمكن أن يموت، وبأن الإنسان لابد وأن يبقى إنساناً، وأن الشهوات ومنها الشهوة الجنسية جزء جوهري من تكوينه، وليس ملحقاً خارجياً، يمكن انتزاعه أو تجميده بمجرد قرار أو وصايا بشرية أو إلهية.

    الكنيسة والصراع اللاهوتي:

    تناولت الرواية قضايا الصراع اللاهوتي الذي استغرق العالم المسيحي في القرنين الرابع والخامس، بحرفية أدبية عالية، بحيث لم تأت مقحمة على السياق، بل كجزء عضوي منه، وإذا رأى البعض أن الرواية تقول لنا أن هذا الصراع الذي بدا عقائدياً لاهوتياً، إنما هو في الحقيقة صراع سياسي على السلطة والثروة، فإن الرواية هكذا لا تكون قد أتت بجديد، فهذا ما سبق وأن قال به العديد من الباحثين والدارسين، بل أن القارئ العادي يستطيع بقليل من الفطنة أن يخلص إلى ذات النتيجة.

    واسمحوا لي أن أضيف أن سدنة المقدس في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مازالوا حتى اليوم يلجأون لذات النهج في صراعاتهم، فلقد شهدنا جميعاً الاتهامات بالهرطقة التي وجهتها الكنيسة للأب متى المسكين وتلاميذه، إلى أن وصلت إلى إحراق كتبه، وإصدار قرار بحرمان د. جورج بباوي أستاذ اللاهوت، ليس بالتأكيد لآرائه اللاهوتية التي يعتنقها من سنوات طويلة، بل وربما هي ذات ما تم تلقينه لنا جميعاً داخل جدران الكنيسة، ولكن ما يشهد به الواقع أن محاكمته لم تتم إلا بعد ما عد تجاوز منه في خطابه لرأس الكنيسة، وكأننا عدنا إلى العصر الوسيط ومحاكم التفتيش، ولاشك أن التاريخ الرسمي للكنيسة يدون الآن ما يحدث على أنه دفاع عن الإيمان القويم، في حين أن وراء الأمر كله الغيرة من النفوذ المتعاظم للأب متى المسكين، ومن حجم الحب والاحترام الذي يكنه له الأقباط، والذي انتقل أيضاً إلى كل أبناء مصر، بما فيهم القيادة السياسية، لتأتي ملاحقة الفكر ومعتنقيه بعد رحيل الرجل من عالمنا الغارق في الزيف والنفاق.

    توظيف الدين

    تكشف لنا الرواية، وعلى الأخص في قصة هدم معبد السيرابيوم، ومصرع هيباثيا الفيلسوفة والعالمة باهرة الجمال، كيف يستخدم الدين ونوازع التقوى لدى الجماهير، لارتكاب أفظع الجرائم، ليبدو الأمس أقرب مما نظن إلى اليوم، وإن اختلفت المقولات والرايات، فعلى ذات النهج تم اغتيال فرج فودة، وتحولت محاكمة قاتليه إلى محاكمة للشهيد الأكثر من بين رجال عصره استنارة وإخلاصاً لوطنه وللإنسانية.

    ذكرت الرواية في موضعين استناد مرتكبي عمليات القتل والاستئصال للآخر، إلى جملة وردت في خطاب السيد المسيح، يقول فيها إني ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، وهنا إشارة إلى آفة أظنها وراء كل ما نعاني ويعاني معنا العالم منه الآن، اقتطاع الجمل من سياقها، ثم إساءة قراءتها أو فهمها.

    فبالتأكيد يعرف من استخدموا هذه الجملة لتبرير جرائمهم أن مفهوم "سيف" فيها مفهوم مجازي كأغلب تعبيرات السيد المسيح في عظاته، فقد كان يسرف في استخدام التشبيهات والتعبيرات المجازية، مثل قوله: إذا أعثرتك يدك فاقطعها، وإذا أعثرتك عينك فاقلعها، فالسيف في الجملة المذكورة مقصود به الحد الحاسم بين الحق والباطل، هذا عن إساءة القراءة، أما عن الاقتطاع من السياق، فمن المعروف حتى لمحدودي الاطلاع على كلام السيد المسيح، أن خطابه جميعه سلمي إلى حدود تكاد تكون غير مسبوقة، بل وحدود يعدها البعض غير قابلة للتطبيق لفرط مثاليتها، وأن يُترك كل الخطاب المسالم، وتنتقى منه جملة واحدة يساء فهمها وتوظيفها، فهذا ليس من قبيل السير على هدى المقولات الدينية، لكنه غصب وقصر للمقولات الدينية لتصير مبررة لتوجهاتنا الإجرامية.

    رغم وضوح سعة اطلاع مؤلف الرواية على الفكر المسيحي، إلا أنه قد تجاوز توضيح أو إبراز هذه النقطة، وهو بالطبع ليس مطالباً بأن يقول كل ما كنا نتمنى أن يقول، كما أننا لسنا مضطرين لقبول كل ما قال.

    بنية الرواية"

    يلزم أن نشيد بسلاسة وجمال بناء الجملة، وبالتمكن في تطويع اللغة، للتعبير عن الأفكار والأحداث.

    فرضت فكرة الرواية كمذكرات أو سيرة ذاتية، أن يقتصر الفضاء السردي على تكنيك المونولوج، من بداية الرواية إلى آخرها، بما أفقد الرواية الثراء الذي يوفره السرد الشبكي والمتوازي، ما كان كفيلاً على سبيل المثال بإطلاعنا على دخائل ووجهات نظر الكثير من الشخصيات التي ورد ذكرها بالرواية، ومنها مثلاً بطرس قارئ الإنجيل، الذي قاد الجماهير لاغتيال أوكتافيا، فمنهج المونولوج يتيح لنا الدخول إلى أعماق الراوي، لكنه في ذات الوقت يجعل من باقي الشخصيات مسطحة أو هيكلية بقدر أو بآخر، كما يؤدي إلى تغلب الرؤية الأحادية على ما يقدمه لنا السرد.

    ورغم أن الرواية بالأساس مخطوطة تنطق بلسان محدد، هو الشخصية المحورية والسارد معاً، إلا أننا نرى أنه كان من الممكن التغلب على هذه العقبة، بوجود راو خارجي، بخلاف من تتحدث المخطوطة بلسانه.

    الجزءان اللذان يحكيان مشاهد عاطفية وجنسية موظفان عضوياً في الحكي، وهما جزء أصيل من العمود الفقري للرواية، وهو ضعفات وشهوات الإنسان، التي تعترضه في رحلة بحثه عن المطلق، وإن كان الجزء الأول المتعلق بالعلاقة الجنسية بين الراهب وأوكتافيا في الإسكندرية، ربما قد طال أو تمت استطالته أكثر مما ينبغي، بحيث بدا وكأنه مقصود لذاته، وقد ساهم أسلوب السرد الخطي المستمر في ازدياد وطأة تلك الاستطالة، فيما اتسم الجزء الثاني، والذي يعرض غرام هيبا بالمغنية مرتا، بالتقصير في توضيح طبيعة غرامها به ومبرراته، بعكس ما جاء في سرد غرام أوكتافيا، لتبدو قصة الغرام من جانب مرتا مسطحة بعض الشيء.

    مع القمص عبد المسيح بسيط:

    لا بأس كما نقدنا الرواية أن نمارس نقد النقد الذي تفضل به القمص عبد المسيح بسيط، فقد أعجبت برد الرجل في حديث تليفزيوني حول الرواية، قال فيه ما معناه أن الرواية عمل أدبي، ولا رد عليه إلا بالنقد المضاد، لكنني عندما قرأت ما كتبه جناب القمص نقداً للرواية على موقعه الإلكتروني، خطر لي أنه لم يقل ما قال مما بدا استنارة إلا مضطراً، فقد انهال في رده بالاتهامات على الكاتب والرواية، وقد بدأ بالغمز في نوايا الكاتب، نظراً لديانته المخالفة للعقيدة التي تتناولها الرواية، وهذا في حد ذلك خروج عن قضبان العقلانية والموضوعية، فنحن كقراء ونقاد لا شأن لنا بالكاتب، لأننا معنيين بالنص وليس بكاتبه، كما أن الأعمال الأدبية ليست بالنيات، بل بما يحتويه النص فعلاً بين دفتيه.

    يقول جناب القمص أيضاً أن الرواية تشكك في وجود الله وفي طبيعة الشيطان، وهو معذور في قوله هذا، ربما لأنه لم يسبق له أن قرأ عملاً أدبياً، وربما لم يعرف في حياته غير العظات التي يلقيها على المؤمنين، ليرشدهم إلى الطريق القويم، بما يعني أن كل ما يجيء بالعظة من جمل ومعان لابد وأن تقود الإنسان إلى الهدف المحدد للعظة، ولا يعرف أن الأعمال الأدبية تختلف عن هذا تماماً، فهي تجتهد في استكشاف داخل الإنسان، لتصوره لنا في لحظات شكه وإيمانه، في فجوره وتقواه، تصوره إنساناً من لحم ودم، وليس كائناً خشبياً أو ذهبياً، وقد ألصق هذه الاتهامات بالرواية، رغم أنه يفتخر في نفس سطور نقده، بأن الكتاب المقدس يصور شخصيات حقيقية بكل ضعفاتها وقوتها، وليست شخصيات وهمية، وهذا صحيح بالطبع، فإذا كان الكتاب المقدس قد ذكر ضعفات الأنبياء، ولم يصورهم كملائكة، فلماذا يستنكر هذا في عمل أدبي؟!

    يقول جناب القمص أيضاً أن الرواية تسيء للمسيحية، ولست أدري على أي أساس بنى اتهامه هذا، فالرواية حين أشارت إلى جرائم الغوغاء الذين هدموا السيرابيوم والذين قتلوا هيباثيا، لم تكن تتحدث عن المسيحية، وإنما عن الغوغاء من المسيحيين، وشتان الفرق بين الحديث عن الدين وبين الحديث عن المتدينين أو بالأحرى عن البعض منهم، ثم أن الرواية لم تخترع أحداثاً تاريخية لتنسبها للمسيحيين، وإنما كل ما ورد بها حصراً هو أحداث تاريخية موثقة، قد يختلف حول بعض تفصيلاتها الرواة، دون أن ينفي هذا عنها أصولها العلمية التاريخية.

    بالطبع من حق القمص عبد المسيح بسيط أن يعتبر تاريخ الكنيسة ورجالها تاريخاً مقدساً لملائكة وليس لبشر، وسوف يجد في عصرنا هذا من يصدقه، لكن من حق آخرين ألا يقتنعوا بهذا الكلام، وأن يصروا على أن أجدادنا كانوا بشراً، وأن تاريخهم تاريخ بشري، وأننا نستفيد من تدارس أخطائهم حتى لا نكررها. . من حقنا أن نرفض الاستمرار في العيش في مستنقع من الأكاذيب، حتى لو كانت أكاذيب وردية، فمن يحجم أو يجبن عن مواجهة ماضيه بشجاعة، فلن يستطيع أبداً مواجهة حاضره.

    انخرط جناب القمص في رده في استعراض لقضايا لاهوتية، مشهراً سيفاً خشبياً للدفاع عن العقيدة المسيحية، وكأن الرواية قد هددتها وهزت أركانها، وأنا أقول له هون على نفسك يا رجل، فالرواية لم تحمل على أحسن الفروض أو أسوأها (حسب وجهة نظرك) إلا دعوة للتساؤل، وحين يتساءل المرء عن عقيدته، خاصة في مسائل لاهوتية متخصصة، فإنه لن يستمد عقيدته من عمل أدبي، بل سيعمد إلى المراجع المتخصصة، ليدرس ما شاء الدرس. . هو انغلاق الفكر إذن، الذي يؤدي إلى حالة هلع، من مجرد التساؤل.

    إذا كان جناب القمص يستنكر ما جاء بالرواية (نقلاً عن الوثائق التاريخية) من تحريض الأنبا كيرلس عمود الدين للغوغاء على قتل هيباثيا، فليسمح لي أن أطلب منه إعادة قراءة ما كتب عن الرواية وكاتبها د. يوسف زيدان، ولنتخيل معاً لو أن المسيحيين بالكثرة العددية التي كانوا عليها في القرن الرابع والخامس، ألا يوجد احتمال أن يقرأ كلماته تلك بعض الجهلة من المسيحيين، ليعيدوا قصة هيباثيا مع دكتورنا المعاصر، أم أنه يمكن أن ينفي أن يكون بين المسيحيين جاهل أو موتور، باعتبار المسيحيين ملائكة، وكهنتهم الذين يحرضونهم ويعادون العلماء أيضاً ملائكة؟!
    لكي لا أكون قاسياً على الرجل أكثر مما ينبغي، على أن أستدرك فأنوه أن الإنسان ابن بيئته، ونحن نعيش في مصر الآن حالة احتقان ديني، والأقباط يسمعون طوال ساعات اليوم الازدراء بهم وبدينهم، عبر مكبرات الصوت، وعبر الجرائد المسماة بالقومية، وعبر الفضائيات القومية والخاصة، ومن غير المنصف في هذه الأجواء أن نتوقع منهم التحلي بما نتمناه للمصريين جميعاً من استنارة وسعة صدر، ولا يعني هذا أن نخرس، ونترك مواطنينا ضحية لموجات الكذب والتزييف التي لا نهاية لها. . الحل هو ممارسة النقد والمراجعة لكل تراثنا، بإخلاص وموضوعية وشجاعة، فنهر النقد المستنير متى تدفق، إلى كل الأركان والزوايا، وفي جميع الاتجاهات، وليس في اتجاه واحد هو نقد المستضعفين، وتحاشي نقد من يخشى بأسهم وبطشهم، عندها سوف نتعلم سوياً ألا ننزعج من النقد، وسوف يلذ لنا مذاق الحقيقة مهما كانت مرارتها، وسوف نتأفف من شرب حليب الكذب والزيف حتى لو كان له طعم العسل.

    من حق د. يوسف زيدان علينا أن نشكره على تقديم تلك الرواية، التي تقتحم المسكوت عنه بقوة وجرأة نفتقدها في زماننا هذا، وقد فعل هذا بأسلوب أدبي جميل، جعل من قراءة العمل متعة يستحق شكراً خاصاً عليها.

    http://www.metransparent.com/spip.ph...e=4349&lang=ar

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي



    (هيباتيا) ... الفيلسوفة الإغريقية التي أثارت شجون الأدب والفن في العصر الحديث

    الاحد27-9-2009

    بيانكا ماضيّة

    إن رواية "عزازيل" للكاتب د. يوسف زيدان، هذه الرواية التاريخية الفلسفية التي تعد حقاً من روائع الأدب العربي، الرواية الممتعة التي تذوب فيها الخيوط الواهية بين الحقيقة والخيال، تعد عملاً روائياً ضخماً،



    تنطلق من التأريخ والتوثيق لتخلق فضاء من الحكايات والأوهام والأخيلة، في سعي صاحبها إلى سرد التاريخ ومحاكمته وقراءته عبر رؤية نقدية معاصرة، وقد استغرق زيدان في العمل عليها أكثر من ثلاثين عاماً، حتى نال جائزة البوكر العربية للعام 2009 بعد أن أثارت من الجدل والحوار ما أثارته في مصر، وبعد أن دخلت مناطق شائكة في السياسة والدين والأخلاق، فالجدل الذي حازت عليه لم تحصل عليه أي رواية في العصر الحديث، وقد نفدت منها ست طبعات كاملة في إقبال غير مسبوق على فن الرواية في العالم العربي.‏

    رواية "عزازيل" قسمها د. زيدان إلى ثلاثين رقّاً بحسب عدد اللفائف (الرقوق) التي اكتشفت في الخرائب الأثرية الواقعة إلى جهة الشمال الشمال الغربي من مدينة حلب (كما تقول مقدمة المترجم في الرواية).‏

    بعد أن قرأت هذه الرواية، توقفت عند الرِّق التاسع وهو الذي عنونه زيدان بـ (شقيقة يسوع) لأتمعّن في قصة مقتل "هيباتيا" hypatia التي وردت في هذا الرِّق، وقد صوّر زيدان هذا المشهد على لسان الراهب هيبا بمنتهى التأثير، حيث القسوة والوحشية من الذين قتلوها وسحلوها على أرض شوارع الإسكندرية، ويقصد بطرس القارئ الذي خرج من كنيسة الإسكندرية بعد أن سمع عظة البابا كيرلس وهو يدعو إلى تطهير أرض الإسكندرية من أعداء الرب، مشيراً في ثنايا حديثه _ أي البابا كيرلس- إلى أن " أذيال الوثنيين الأنجاس، مازالت تثير غبار الفتن في ديارنا، إنهم يعيثون حولنا فساداً وهرطقة، يخوضون في أسرار كنيستنا مستهزئين، ويسخرون مما لايعرفون، ويلعبون في مواطن الجد ليشوهوا إيمانكم القويم" .‏

    ذلك أن الرواية ترتكز على أحداث تاريخية حقيقية وموثقة عن فترة الصراعات المذهبية بين كنيسة الإسكندرية ككنيسة حافظت على الدوام على أسس العقيدة المسيحية وبين المنتمين إلى عقائد مسيحية أخرى كالنسطورية والآريوسية والذين تعدهم كنيسة الإسكندرية من المهرطقين المحرفين لأصول العقيدة المسيحية، فقد كان الخلاف بينها آنذاك قائماً على طبيعة السيد المسيح وطبيعة أمه السيدة العذراء.‏

    وبغض النظر عن الخلافات التي سبقت وتوالت بعد فوز الرواية، من قبل الكنيسة القبطية في الإسكندرية، فإن مشهد مقتل هيباتيا الذي احتوى أيضاً مقتل "أوكتافيا" المرأة الوثنية التي أغوت الراهب "هيبا" وأحبّته، كان من أشد مشاهد الرواية تأثيراً في النفس، لما فيه من قسوة وبطش وتنكيل بجسد هذه الفيلسوفة، وقد استغرق هذا الوصف في الرواية ست صفحات منها.‏

    يقول الراهب هيبا في "عزازيل" واصفاً هذا المشهد بالقول: "تجمعوا فوق هيباتيا، حين وقف بطرس ليلتقط أنفاسه. امتدت إلى يدها يد مازعة، ثم امتدت أياد أخرى إلى صدر ردائها الحريري الذي تهرّأ، واتسخ بالدماء والتراب.. أمسكوا بإطار الثوب المطرز وشدوا فلم ينخلع، وكاد بطرس يقع فوق هيباتيا من شدة الشدّة المباغتة، لكنه سرعان ماعاد واستعاد توازنه، ومضى يجر ذبيحته، ومن ورائه انحنى أتباعه محاولين اقتناص رداء هيباتيا .. هيباتيا .. أستاذة الزمان .. النقية .. المقدسة .. الربة التي عانت آلام الشهيد، وفاقت بعذابها كل عذاب" إلى أن يقول وهو يصور سماعه صرخة امرأة عجوز شمطاء بأن يسحلوها: "انهالت الأيدي على ثوب هيباتيا فمزّعته.. الرداء الحريري تنازعوه حتى انتزعوه عن جسمها، ومن بعده انتزعوا ماتحته من ملابس كانت تحيط بجسمها بإحكام. كانوا يلتذّون بنهش القطع الداخلية ويصرخون، وكانت العجوز تصرخ فيهم كالمهووس:اسحلوها!" ثم يصف لنا سحلها فوق شوارع الإسكندرية وتقشير جلدها بالأصداف، ومن ثم حرقها قائلاً: " كانت هناك كومة من أصداف البحر. لم أر أول من التقط منها واحدة، وجاء بها نحو هيباتيا، فالذين رأيتهم كانوا كثيرين. كلهم أمسكوا الصدف، وانهالوا على فريستهم.. قشروا بالأصداف جلدها عن لحمها.. علا صراخها حتى ترددت أصداؤه في سماء العاصمة التعيسة، عاصمة الله العظمى، عاصمة الملح والقسوة". إلى أن يقول "وجروا هيباتيا بعدما صارت قطعة، بل قطعاً من اللحم الأحمر المتهرئ. عند بوابة المعبد المهجور الذي بطرف الحي الملكي البرخيون ألقوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب، وبعدما صارت جثة هامدة .. ثم .. أشعلوا النار.. علا اللهب، وتطاير الشرر .. وسكتت صرخات هيباتيا بعدما بلغ نحيبها من فرط الألم عنان السماء".‏

    إن هذا المشهد المؤثر الذي احتوته صفحات "عزازيل" وهذه الشخصية المرموقة لعالمة فيلسوفة انتهت نهاية مأساوية، كغيرها من العلماء والفلاسفة الذين كانت نظرياتهم وأفكارهم وتعاليمهم تخالف ماكان معتقداً في أزمانهم، جعلاني أبحث عما ورد عنها، فهي تلك الفيلسوفة الإسكندرانية الإغريقية التي كانت أول عالمة في التاريخ الإنساني، فـ "هيباتيا" نشأت وتثقفت في مصر، هي أستاذة الزمان (كما جاء في "عزازيل") وبعد مقتلها لم يظهر اسم عالم فرد في تاريخ العلم الإنساني طيلة خمسة قرون.‏

    وُلدت في عام 370 بعد الميلاد، وعاشت إبان العهد الروماني مع بداية انتشار الدين المسيحي في العالم، وهي ابنة الفيلسوف الفيثاغوري ثيون الذي نشأ بدوره فى مصر وتعلم بها، وكان آخر زملاء متحف الإسكندرية "السيزاريوم" الذي كان إما ملاصقاً لمكتبة الإسكندرية أو بداخلها.‏
    ازدادت شهرة "هيباتيا" في مجالات العلم والفلسفة، فقد كانت عالمة رياضيات ومنطق وفلك، عرفت بدفاعها عن "مبدأ العلم ضد الدين".‏
    يقول عنها معاصرها المؤرخ المسيحي سقراط: "هي من الصفوة نشأة وثقافة وقد استثمرت مواهبها الخارقة في الاستزادة من العلم، فأحرزت في العلوم سبقاً فاقت به كل فلاسفة عصرها، وقد توج هذا السبق بشرف آخر، أنها كانت رئيسة جامعة الإسكندرية، وقد شغلت هذا المنصب عن جدارة، حتى اجتذبت شهرتها إليها عدداً لا يحصى من طلاب الحياة العقلية من مصر وخارج مصر، وبحكم منصبها كانت على صلة بكثير من الرجال، ولكن ذلك لم ينل في شيء من طهرها وعفتها، فظلت فوق الريبة والشك من أعدائها وأصدقائها على السواء، ولكنها كانت وثنية، فكان المتعصبون من المسيحيين يحنقون عليها ويرونها العقبة الكأداء فى سبيل انتشار المسيحية".‏

    ويقول كارل ساجان صاحب كتاب الكون عن هيباتيا "إنها آخر بريق لشعاع علم بزخ من الإسكندرية".‏
    بينما يقول عنها إدوارد جيبون.. أعظم المؤرخين الإنجليز : "هذه العذراء.. صاحبة الجمال الأسطوري كانت في منتهى التواضع على الرغم من جمالها، وعلمها، وشهرتها!".‏

    فهي إذن صاحبة رصانة وجمال، وقد وصفها الراهب هيبا بطل رواية "عزازيل" وصفاً جميلاً بقوله : "هيباتيا .. أكاد إذ أكتب اسمها الآن، أراها أمامي وقد وقفت على منصة الصالة الفسيحة، وكأنها كائن سماوي هبط إلى الأرض من الخيال الإلهي، ليبشر بخبر رباني رحيم. كانت لهيباتيا تلك الهيئة التي تخيلتها دوماً ليسوع المسيح، جامعة بين الرقة والجلال.. في عينيها زرقة خفيفة ورمادية، وفيها شفافية. في جبهتها اتساع ونور سماوي، وفي ثوبها الهفهاف ووقفتها، وقار يماثل مايحف بالآلهة من بهاء".‏

    وحول هذه الفيلسوفة العالمة قدم رائد الدراسات المقارنة الدكتور محمد غنيمي هلال رسالة بالفرنسية إلى جامعة السوربون سنة 1952 بعنوان (موضوع هيباتيا فى الأدبين الفرنسي والإنجليزي من القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين) – حسبما أشار الدكتور أحمد درويش في موقع الشروق المصري - وفي هذه الرسالة إشارات إلى آراء قس مسيحي يدعى سيزنيوس، وكان تلميذاً لهيباتيا، ويعمل في ليبيا، واحتفظ التاريخ ببعض رسائله المليئة بالتقدير لهيباتيا، ومن الكتابات التاريخية القديمة التي كانت مصدراً لما أثاره كتاب عصر النهضة حول شخصية (هيباتيا) كتابات المؤرخ جاك باسناج (1623 - 1725) التي كانت مصدراً من مصادر كتابات فولتير عنها، إلا أن الكتابات الأوروبية الأدبية الخالصة عن هيباتيا بدأت في القرن الثامن عشر، إذ طبع الكاتب الإنجليزي جون تولاند (1620 - 1722) عام 1720 كتاباً عن تاريخ هيباتيا، ويقول فيه عنها: "حسب النساء اعتداداً بقيمتهن، أن تكون من بينهن امرأة مثلها في تلك الدرجة من الكمال.. ولديهن من بواعث الفخر والاعتداء بقيمتهن أكثر مما لدى الرجال من بواعث الخجل والعار أن يكون من بينهم متوحش لا يرق لمثل هذا الجمال وذلك الطهر، وذلك العلم الرحيب الآفاق".‏

    وكذلك كتب موريس باور روايته (البطولة الفائقة) عن هيباتيا سنة 1852، ولم يهمل الإشارة إليها أي كاتب كتب عن الإسكندرية القديمة.‏
    كما كتب القس البروتستانتي الإنجليزي "كنجسلي" رواية (هيباتيا) التي حاول فيها تبرئة البابا كيرلس من تهمة قتل هيباتيا لكنه في نفس الوقت يرسم صورة رائعة لهيباتيا، تعد من أجمل ما كتب عنها في أدبيات عصر النهضة – كما يقول الدكتور درويش – إذ يقول "كنجسلي" فيها:‏
    " على كرسي صغير أمام منضدة فوقها مخطوطة، كانت تقرأ امرأة في حوالي الخامسة والعشرين من عمرها، كأنها الإلهة الوصية على هذا المعبد الصغير، ملابسها في انسجام تام من بساطة الحجرة، ومع أثاثها الكلاسيكي في ثوب قديم يوناني الطراز، أبيض كالثلج يتدلى حتى قدميها، ويصل حتى أعلى عنقها، ملابسها خالية من كل حلية سوى عصابتين أرجوانيتين دون الجبهة، وحذاء ذهبي مزركش في قدميها، وشبكة ذهبية تمسك بشعرها من الأمام والخلف.. وذلك الشعر الذي يشبه آلهة أثينا نفسها في لونه وغزارته وتموجه، ويبدو في عينيها الرماديتين حزن عميق، وعلى شفتيها الحادتين المقوستين، فيض من الوعي المقهور.. تدرس وتقرأ وتدون ملحوظاتها حتى ليحسها الرائي، إحدى صور الآثار القديمة البارزة".‏

    وقد قرأت مؤخراً خبراً عن صدور رواية جديدة عن دار حرية الفكر العربي بمصر، بطلتها (هيباتيا) بعد النجاح الكبير لرواية يوسف زيدان "عزازيل" .‏
    وكذلك احتفت السينما العالمية بقصة هذه الفيلسوفة، ففي مهرجان كان 2009 تم عرض فيلم (أغورا) للمخرج الإسباني اليخاندرو امينابار، معيدًا الالتفات إلى مصر في القرن الخامس بعد الميلاد بهذا الفيلم الذي تناول التطرف الديني ودعا إلى التسامح. حيث ركّز الفيلم الذي تجري أحداثه في الإسكندرية في أواخر أيام الإمبراطورية الرومانية على الصراع الدامي الذي دارت رحاه بين الوثنيين واليهود من جهة؛ والمسيحيين الذين تمكنوا من تولي السلطة تدريجيًّا في منطقة البحر المتوسط. وينطلق الفيلم مع مشهد تدمير المسيحيين واليهود لمكتبة الإسكندرية الثانية. أما مكتبة الإسكندرية الأولى فقد دمرها يوليوس قيصر.‏

    ويتطرق امينابار إلى تلك الحقبة المتوترة حيث انتفى توازن القوى بين الطوائف الدينية من خلال سرد سيرة الفيلسوفة هيباتيا.‏

    والمعروف أن هيباتيا عالمة فلك أيضا، وضعتها أبحاثها حول النظام الشمسي في مواجهة مع الكنيسة، قبل ألف سنة على اكتشافات غاليليوس. وتؤدي الممثلة البريطانية "ريتشل فايس" دور هيباتيا المرأة الوحيدة وسط عالم ذكوري، التي تتعرض للاضطهاد لأن أبحاثها العلمية تشكك في الإيمان المسيحي، حيث في تلك الفترة كانت المدينة غارقة في مواجهات دموية بين الطوائف الدينية وتشهد عمليات رجم ومذابح. وانتهى الأمر بانتصار المسيحيين الذين وضعوا حدًّا لإرث العصور القديمة الذي تدافع عنه هيباتيا.‏

    كانت "هيباتيا" أولى شهيدات الحكمة والفلسفة، كما أنها ساهمت في تأليف شرح كتاب SYNTAXIS لبطليموس إلى جانب أبيها ثيون الذي أقر ذلك في كتابه هذا، إلا أنه لمن المؤسف أن لم يبق من مؤلفاتها شيء.‏

    كانت عالمة رياضيات وفلك في الأصل، ثم انتقلت من الرياضيات إلى الفلسفة، وتعتبر أفلاطون أستاذها ومعلمها، وقد عينت أستاذة ومدرسة الفلسفة وهي لم تتعد الخامسة والعشرين من العمر، وبلغ من حبها للفلسفة أنها كانت تقف في الشوارع وتشرح لكل من يسألها النقاط الصعبة في كتب أفلاطون وأرسطو.‏
    هذه الشخصية الفريدة في عصرها، شهيدة الحكمة والفلسفة، وهذا الحدث التاريخي في مصر، جعلا الكثيرين يفكرون في توظيفهما فنياً (روائياً وسينمائياً) على الرغم مما أثارته في القرن الخامس الميلادي أو في القرن الحادي والعشرين. ولكن ماهي دلالاته ولماذا تم توظيفه الآن؟ لاشك في أن للموضوع دلالة أعمق مما كتبه زيدان، فلم يكن يقصد زيدان بطرس القارئ بعينه أو البابا كيرلس بذاته في هذه الرواية، أو كل شخصية عنيفة في الرواية، وإنما هو قدم نماذج من طائفة ليشير إلى مفهوم التعصب والعنف الذي يتحول إلى إرهاب، ذلك أن المبدأ في خطاب العنف واحد في كل العصور والأزمنة، ونتائجه متشابهة في كل الديانات والعقائد، وما أصاب الكثيرين من قتل وحشي وتنكيل وتعذيب وقتل وذبح، إن في ذاك الزمان أو غيره، لا يختلف في جوهره، فآليات الخطاب واحدة، ومفرداته متشابهة متقاربة.‏

    http://jamahir.alwehda.gov.sy/_View_...20090926200418

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    1,942
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    09-02-2014
    على الساعة
    12:13 AM

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران (١)- زمن المحبة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 18-11-2018, 02:03 PM
  2. إسلام ١١ امرأة في أول ليالي رمضان في دعوي شمال الرياض
    بواسطة نعيم الزايدي في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-08-2011, 06:04 AM
  3. يوسف زيدان: اليوم السابع أثبتت أن الأقباط ليسوا مضطهدين
    بواسطة Ahmed_Negm في المنتدى من ثمارهم تعرفونهم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-05-2010, 05:27 PM
  4. يوسف زيدان يكتب سلسلة مقالات عن اليهودية الأرثوذكسيةُ
    بواسطة Ahmed_Negm في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-03-2010, 01:42 AM
  5. يوسف زيدان لـ «الراي»: «عزازيل» تقتحم التاريخ السري للكنيسة
    بواسطة Ahmed_Negm في المنتدى من ثمارهم تعرفونهم
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 28-02-2009, 07:25 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران (١)- زمن المحبة

د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران (١)- زمن المحبة