حدد خبير في مجال الزلازل 3 سيناريوهات علمية يمكن أن تنتهي إلى إحداها أزمة النشاط البركاني في منطقة العيص، وأجملها في خروج الطاقة المختزنة من باطن الأرض على هيئة صهارة بركانية مصحوبة بمقذوفات أو على هيئة غازات أو استمرار الزلازل على أن تتراجع قوتها تدريجياً.

وقال الدكتور عبد الله العمري خبير الزلازل ورئيس فريق علمي متمركز في حرة «الونير» القريبة من حرة «الشاقة» التي تشهد النشاط البركاني المسؤول عن وقوع الزلازل، إنه وبعد آخر زلزال وأعنف زلزال والذي سجل 5.8 درجات على مقياس ريختر، ووقع على عمق 3.8 كم، والذي يعد الأقوى حتى وقت كتابة هذه السطور، من المتوقع أن يقع زلزال آخر يمكن أن تتراوح قوته بين 5 درجات وحتى 6 درجات، لتتراجع بعدها قوة الزلازل وحدوثها بسبب تفريغ كمية كبيرة من الطاقة المختزنة تحت سطح الأرض، ويشير تراجع قوة الزلازل بحسب الخبير إلى أنها بدأت تجد طريقها للخروج في طريقها للتضاؤل والاضمحلال.

وأضاف العمري أن مصادر الزلازل مختلفة وهي تتنقل لأنها تبحث عن منفذ للخروج، خاصة أن هذه الحرة هي الأصغر والأحدث بين جميع الحرات الموجودة في المنطقة ولا توجد بها فوهة بشكل هندسي واضح كما هو الحاصل في فوهة خيبر التي نشرت صورها أخيرا، وبالتالي فإن عملية تفريغ الطاقة تتم من خلال شقوق ملاحظة في الحرة وهي إشارة إيجابية تدعم نظرية أن تفرغ الزلازل طاقتها عن طريق الحمم البركانية وسيرافقها أصوات عالية ومقذوفات بركانية إلا أن قياسها يعتمد على الكمية وحجم الطاقة والضغط وهو ما لا يمكن تحديده بدقة لعدم وجود أجهزة قياس دقيقة في المنطقة.

وأكد العمري أن التفجيرات من خلال الشقوق والتي تنتج عن عملية تفريغ الطاقة البركانية إذا وقعت ستكون على هيئة أصوات أو صهارة أو غازات، مشيراً إلى أن مدى انتشار الصهارة لن يتجاوز كيلومترا واحدا أو ما يزيد عليه قليلا بسبب لزوجة المادة البركانية العالية، وبالتالي فإنها بعيدة تماما وبما يقارب الـ 25 كم عن العيص والهجر المجاورة والقرى السكنية، كما أشار العمري إلى أن درجة الحرارة المرتفعة ستصل إلى 1400 درجة مئوية في المنطقة وستؤثر بشكل كبير على درجة الحرارة في المناطق السكنية القريبة.

وحذر العمري من أن مشاكل بيئية ستنجم لا محالة عن هذا النشاط البركاني مثل خروج غاز الكبريت، والرادون، وغازات سامة، وثاني أكسيد الكربون، والتي يمكن أن تنتقل إلى مسافات طويلة بفعل الرياح وقد تصل إلى مئات الكيلومترات وهي تسبب أضراراً بيئية، وهي الخطر الأكبر بحسب العمري لأن «الصهارة البركانية أو الأصوات أو المقذوفات لن تنتقل لمسافات بعيدة بعكس الرياح، وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأن هذه المنطقة ستظل ملوثة إلى فترة زمنية».

من جانب آخر باشرت طواقم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة عملها في منطقة العيص وفق خطة لإدارة الأزمة البيئية التي ستنجم عن التطورات البيئية في المنطقة، وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر خاصة داخل الرئاسة ومن فريق علمي عامل بالمنطقة بأن الطواقم باشرت العمل على خطة طويلة الأمد للتعامل مع الأضرار البيئية التي ستنجم بالتنسيق مع المدن والقرى السكنية التي ستتأثر بالنشاط البركاني بسبب نشاط الرياح.

وقال حسين القحطاني مدير إدارة الإعلام التنموي برئاسة الأرصاد وحماية البيئة في حديث خاص لـ «الشرق الأوسط» بأن 7 مختبرات متنقلة موجودة في أماكن متفرقة على مقربة من حرة الشاقة تتركز مهمتها حالياً في تحليل اتجاهات الرياح وتحديد سرعتها لمعرفة الأماكن التي ستتأثر بالانبعاثات البركانية جراء العوالق التي ستنقلها الرياح النشطة، وتوجيه المناطق التي ستكون في مدى الرياح بإرشادات للتعامل مع الوضع وتوجيه قاطني هذه الأماكن بكيفية التعامل مع هذه الانبعاثات التي يمكن أن تؤثر على الجهاز التنفسي».

وأضاف القحطاني «هناك خطة متكاملة واللجان موجودة في موقع الحدث بصحبة أجهزة قياس دقيقة تتولى مراقبة جودة الهواء، وقياس درجة الحرارة، وحجم الانبعاثات الصادرة بدقة عالية، إلى جانب تدعيم المركز الإقليمي للرئاسة في المدينة المنورة ليكون بمستوى الحدث ويقدم الدعم التقني والفني المطلوب بحسب توجيهات الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة».

وكانت قوات من الدفاع المدني والهلال الأحمر في السعودية قد أجلت سكان مركز العيص والقرى المجاورة لها الواقعة في منطقة المدينة المنورة، عقب تزايد وتواصل الهزات الأرضية بوتيرة متواصلة مع ارتفاع في درجات الحرارة، وانبعاث الغازات من حرة «الشاقة».

وسجلت المنطقة أقوى الهزات الأرضية يوم أمس، حيث سجلت 5.39 بمقياس ريختر، الأمر الذي تطلب إخلاء السكان إلى مخيم الإيواء الواقع على بعد 60 كيلومترا من منطقة الزلازل.

وأكد العقيد زهير سيبة لـ«الشرق الأوسط» إخلاء مركز العيص بشكل تام، وشمل ذلك القرى المتمثلة في القراصة والبديع وهجرة هدمة والفرع والرويضات، وقال «ما زلنا موجودين في العيص، ووفرنا فيها فرقتين من الدفاع المدني، إضافة إلى عدد من الضباط».

وأشار إلى أنه قد تم إيواء أكثر من 10 آلاف نسمة في المدينة المنورة، وثلاثة آلاف في ينبع البحر، فيما استضافت العلا نحو 127 نسمة، كما تم نقل العمال بواسطة الباصات وتجميعهم في منطقة الإيواء، وتسكينهم مع توفير الإعاشة لهم.

ولا يزال خطر الزلازل يهدد منطقة حرة (الشاقة) التي تحولت إلى منطقة خطر حمراء، منع الدخول إليها، وقال العقيد سيبة «نصحنا المواطنين بعدم الاقتراب من المنطقة، وهناك بعض المواطنين الذين يصرون على الدخول في المنطقة الخطرة».

وأضاف «سمحنا اليوم لأصحاب المواشي بالدخول إلى مركز العيص لإخراج مواشيهم»، مشيرا إلى وجود دوريات مكثفة لحراسة المنازل والمنشآت العامة وممتلكات المواطنين».

وأكد الأمير عبد العزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة المنورة أن المختصين يواصلون الدراسات لمعرفة مدى استمرار الهزات عبر المعطيات الموجودة، مؤكدا أن الوضع لا يشكل خطرا وهو تحت السيطرة، وقال إن مخيمات الإيواء في الفقعلي ليست للإيواء وإنما لفرز الأهالي قبل توجههم للسكن في ينبع أو المدينة.

وقال الأمير عبد العزيز بن ماجد «أبناؤنا وإخواننا بمحافظة ينبع ومراكزها جزء من شعب المملكة المتوكل دائما على ربه، والدولة جهزت كل الإمكانات وهذا حق طبيعي لكل مواطن وهي حريصة على سلامة وأمن المواطنين والمقيمين بتجهيز مقار إيواء أو شقق سكنية لإيواء المتضررين، وتوجيهات ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ مستمرة في اتخاذ كافة الاحتياطات الاحترازية وتجنيد كافة الجهود لجميع القطاعات الحكومية بالمنطقة لمواجهة أي طارئ لا سمح الله». وعلى ذات الصعيد، وافق الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم على تعطيل الدراسة في محافظة أملج التابعة لمنطقة تبوك اعتباراً من يوم السبت القادم لمدة أسبوعين، نتيجة لتعرض المحافظة للأحداث الطبيعية التي تحول دون استمرار الدراسة.

وفي الإطار ذاته، قال فيصل بن عبد الرحمن بن معمر نائب وزير التربية والتعليم إن القرار يأتي بناءً على توجيهات الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز أمير منطقة تبوك، المستند إلى مقترح إدارتي التربية والتعليم للبنين والبنات بالمنطقة حرصاً على سلامة الطلاب والطالبات، على أن ينظر في أداء الطلاب والطالبات للاختبارات يوم 20 يونيو (حزيران) القادم، وفق ما يستجد من أحداث، أما المرحلة الابتدائية فتتوقف الدراسة بها لكونهم يخضعون لنظام التقويم المستمر.

من جانبهم استجاب مواطنو منطقة العيص لنداء السلطات بإخلاء المنطقة على أمل العودة إلى ديارهم في أقرب وقت. غربان مرزوق الجهني الذي تجاوز عمره العقد السادس ويقيم في مخيمات الإيواء في الفقعلي، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه استجاب لدعوة الدفاع المدني بالإخلاء بعدما بلغت الهزة 5.39 درجة وقال «تركنا حياتنا كلها خلفنا استجابة للنداء وسنعود متى ما استتب الأمر، رغم أن المسؤولين لم يقصروا ووفروا لنا حتى أجهزة التكييف في المخيمات».

وكان عدد من أعضاء فريق المملكة للدراجات النارية بدأ من المدينة المنورة بزيارة إلى مخيم الإيواء في العيص في حملة للدعم المعنوي والنفسي. وقال حاتم محمد سفرجي المدرب المعتمد في العلاقات الإنسانية إن الفريق الذي يتبع للاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية تحت إشراف رعاية الشباب، جاء لمساندة المتضررين من آثار الزلازل، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الأطفال أصابتهم الفرحة بعد وصول الفريق وقال «حتى الكبار نسوا الرعب والخوف عقب وصول الدراجين وقيامهم بمحاولات قيادة الدراجات».

إلى ذلك، قالت هيئة الرقابة والتحقيق أمس إنها تجنّد كافة طاقاتها لكي تمر أزمة الهزات الأرضية في المدينة وتبوك والشمال الغربي من المملكة بسلام، وإنها كلفت عدداً من مراقبيها بالشخوص إلى مناطق الهزات الأرضية للتأكد من قيام الجهات المختصة بمهامها الموكولة إليها بما يضمن المحافظة على سلامة المواطنين والمقيمين.

وأكّد عبد العزيز القعيب مدير العلاقات العامة بالهيئة على أنّ الهيئة على درجة كبيرة من التأهّب والاستعداد بحسب اختصاصاتها وبتوجيهات من مقام خادم الحرمين الشريفين، وأضاف أن هناك تواصلا مستمرا وتقارير وقتية بين غرف العمليات في مواقع البراكين مع رئيس هيئة الرقابة والتحقيق الدكتور صالح بن سعود آل علي، وقال إن هذه التقارير تحظى بمتابعة مستمرة من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وشدد القعيب على أهمية أن تؤدي الأجهزة المكوّن منها غرف العمليات في مناطق الزلازل الأدوار المنوطة بها في الوقت المناسب دون أي تأخير، مؤكداً على ضرورة التحفز الاحترازي لوقوع أي أضرار متوقعة نظراً لوجود مؤشرات تدعو للحذر كانبعاث الغازات السامة واقتراب المواد الصخرية البركانية إلى أقل من سبعة كيلو مترات من سطح الأرض.

وأضاف أن غرف العمليات مكونة من فروع وزارة المالية بهدف التمويل السريع للمتضررين كما تتضمن فرق الدفاع المدني والجهات الأمنية والفرق الإسعافية بالتنسيق مع إمارات المناطق. وقال إن الهيئة تهتم بألا يكون هناك تراخ واتكالية من جهة على أخرى وتحرص على التأكد من توفير الآليات والخيام، كما تحرص على صرف التعويضات على مستحقيها.

ونوّه القعيب على أن هذه الخطوة تأتي للتأكد من حسن الأداء بما يحقق التوجيهات السامية من القيادة السعودية من وجوب الاهتمام بهذا الحدث بما يجنب السكان ما يتوقع من حوادث.

المصدر
http://www.aawsat.com/details.asp?se...نية&state=true