من كتاب معالم الحضارة الإسلامية . د. مصطفى الشكعه.

إذا كانت السيادة يوما ما وقفا علي أرباب السيوف فإنها ما لبثت أن انتقلت إلى أصحاب القلم الذين جعلوا ببلاغتهم سن القلم أحد من السيف , وجملة الرسالة أفعل في النفوس من جحافل الجيوش , وبدأ القلم يختال علي السيف علي ألسنة الشعراء , كما بدأ صاحب القلم يزاحم حامل السيف . فهذا أبو الفتح البستي يقول :-
إذا افتخر الأبطال يوما بسيفهم ... وعدٌوه مما يُكسِب المجد والكرم
كفى القلم الكتاب عزة ورفعة ... مدى الدهر أن الله أقسم بالقلـــــم
وهي أبيات علي جانب من الطرافة والظرف وحسن التعليل , ولكن أبن الرومي يضع القضية في نطاق ربما كان أكثر واقعية , وأدنى إلى التقبل ,وأقرب إلى الواقع حين قال :
إن يخدم القلم السيف الذ خضعت ... له الرقاب ودانت خوفه الأمـــم
فالموت , والموت لا شئ يغالبه ... ما زال يتبع ما يجري به القلــم
كذا قضى الله للأقلام مــذ بريت ... أن السيوف لها مذ أرهفت خدم
ولا يقف الأمر والاهتمام بأثر الأقلام وإنما يجري الاهتمام بالأقلام نفسها مرتبطة بالكتب التي يكتبها , فهذا عبدالله بن المعتز يصف القلم والكتاب وصفا دقيقا يٌعرِف من خلاله بخطرهما ويرفع من قيمتهما مجتمعين فيقول : " الكتاب والج الأبواب , جري علي الحجَاب , مٌفهم لا يفهم , وناطق لا يتكلم , به يشخص المشتاق إذا أقعده الفراق , والقلم مجهز لجيوش الكلام , يخدم الإرادة , ولا يمل الاستزاده , يسكت واقفا وينطق سائرا علي أرض بياضها مظلم , وسوادها مضئ , وكانه يقبل بساط سلطان , أو يفتح نوار بستان .
نأمل أن يكون في هذه الفقرة فائدة وتسلية لأن النفوس تمل كما تمل الأبدان.
ودمتم في خير وسلام .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته