بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:
أما بعد:
فإن الله عز وجل خلق البشر لوظيفة معينة وهي عبادته سبحانه وتعالى، وجزاء هذه العبادة وأجرها هو الجنة في الحياة الأبدية، وأما من لم يؤد هذه الوظيفة فإنه قد يخسر هذه الحياة الأبدية...
وهناك ثلاثة خطوطا حمراء من تعداها فقد خسر حياته الأبدية كلها.. فإذا قلنا "الحياة الأبدية" فلا بد أن نفهم معناها جيدا ونظل نفكر فيها كثيرا.. وحتى يمكن فهمها جيدا فأطلب منك أن تخلي فكرك وذهنك تماما من كل شيء حتى من خواطر جدالك مع المسلمين إن كنت نصرانيا، أو مع النصارى إن كنت مسلما... ثم الخطوة الثانية أن تذهب إلى مطبخ شقتك ثم تشعل الفرن حتى أعلى درجة حرارة، ثم بعد خمس دقائق وبعد أنه تتأكد أن الفرن الآن قد وصل إلى أعلى درجة حرارة، حاول أن تدخل في هذا الفرن وتعيش فيه لمدة خمس دقائق، فإن استطعت – وبالطبع لن تفعل هذا- فاعلم أن هذه هي حياتك الأبدية التي سوف تعيش فيها -إن تعديت أحد هذه الخطوط الحمراء- لا أقول لك سوف تعيش فيها يوما واحدا ولا عاما واحدا ولا مائة عام ولا ألف عام بل أكثر من مائة ألف عام بل أكثر من مليون عاما بل أكثر من عشرات ملايين السنوات بل أكثر من عشرات مليارات السنوات بل أكثر من آلاف مليارات السنوات وتريليوانات السنوات بل أكثر من ذلك بكثير... فإن لم تكن تحب أن تكون هذه معيشتك ومسكنك الأبدي، فعليك أن تتبع كلماتي هذه: ألا تتعدى الخطوط الثلاثة الحمراء التي سوف أذكرها لك...
وبالعكس تماما إن كنت تريد أن تسكن في حديقة واسعة جميلة مليئة بجميع أنواع الفواكه التي تخطر على بالك أو لا تخطر على بالك، وفي هذه الحديقة الواسعة -التي يمكن أن يكون اتساعها أكبر من قارة كاملة- يجري نهر أو عدة أنهار وعلى بحر أو عدة بحار، ويمكنك أن تتمتع بالسباحة في هذه الأنهار والبحار وتأكل من أسماكها ومن حيوانات هذه الحديقة الواسعة ما تشتهي... أي انسان يريد أن يكون لديه شقة أو فيلا أو شاليه على بحر أو نهر يعيش فيه حياته الدنيا كلها أي حوالي مائة سنة على الأكثر.. فما بالك لو كان البحر أو النهر كله ملكك أنت تعيش فيه آلاف السنوات وملايين السنوات ومليارات السنوات... فإن كنت تريد هذا فعليك ألا تتعدى هذه الخطوط الحمراء التي سوف أذكرها لك...
وقبل أن أذكر هذه الخطوط الحمراء سوف أذكر مسلمات بديهيات يتفق فيها جميع أصحاب الرسالات السماوية المحرفة وغير المحرفة .. وهي أن هذه الأرض لله عز وجل وأن الله عز وجل هو الذي خلق البشر وخلق أباهم آدم عليه السلام، فالله عز وجل هو ملك هذه الأرض وهو مالك هذه الأرض، تسبح له هذه الأرض بل تسبح له السماوات السبع ومن فيهن كما في كتابنا، وتمجده الأرض والبحار والحيوانات وجميع المخلوقات كما عند النصارى واليهود في سفر المزامير... فهذه الأمور يتفق عليها اليهود والنصارى والمسلمون بخلاف العلمانيين الملحدين وليس هذا مجال للرد عليهم....
وأذكر مقدمة أخيرة وهي أنه ليس سب رجل عاديا جارك مثلا أو صديقك أو زميلك في العمل كسب وشتم صاحب العمل وصاحب الشركة ومدير العمل أو مدير الشركة أو كبير العائلة.. فالطبع سوف تكون العقوبة أكبر بكثير من شتم موظفا عاديا في العمل معك... يعني أن الخطوط الحمراء التي يضعها صاحب الشركة كعدم شتمه، تعداها سوف يكون عاقبته وخيمة وأكبر من أي خطوط حمراء يضعها موظف أو زميلك في العمل....
فإذا فهمت المقدمات السابقة فاعلم أن شتم الله عز وجل ليس كشتم وسب بقية المخلوقات، شتم المخلوق يعرضك لعقوبة ما، ولكن شتم الخالق سوف يعرضك إلى عقوبة أكبر بكثير من شتم المخلوق...
ليس من الأدب أن تشتم أخاك، ولكن أسوأ منه أن تشتم أو تذكر أباك أو جدك أو كبير عائلتك بسوء.... فما بالك بشتم وذكر بسوء من خلقك ورزقك ونفخ في أبيك من روحه وصورك في رحم أمك في الصورة التي يختارها هو لا في الصورة التي تختارها أنت.. إنه سوء أدب يجب أن تعاقب عليه...
فالخطوط الحمراء التي تتعرض بتعديها لسخط صاحب هذه الأرض وخالق، والتي تكون بتعديها قليل الأدب وغير محترم ومجرم وظالم وكافر هي الكلام عن :
1- الله عز وجل.
2- أنبياء الله عز وجل.
3- الملائكة الكرام...
فما أقصده هو أن أي خطأ ولو صغيرا في هذه الأمور الثلاثة قد يعرضك لخسارة الحياة الأبدية كلها، وهي التي يطلق على صاحبها كلمة : كافر، مشرك... في جميع الرسالات السماوية...

ولما كان هذا الأمر بهذه الخطورة، أي سوف يؤدي إلى ضياع مستقبلك كله وضياعك ومعيشتك في سجن مليارات السنوات، حذر الله عز وجل من الخوض في الكلام عنه سبحانه وتعالى أشد التحذير وعن أنبيائه الكرام وعن الملائكة الكرام، وجعل هذه هي الخطوط الحمراء التي من تعداها فسوف يخسر كل شيء...
وفي القرآن آيات كثيرة في هذا الأمر لخطورة هذا الأمر...
كقوله تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين... إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأنت تقولوا على الله ما لا تعلمون.. سورة البقرة..
وفي سورة الأعراف: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون..
وفي كثير من السور تقرأ هذا اللفظ: {ومن أظلم ممن افترى على كذبا} أو {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب} أو {فمن أظلم ممن افترى على الكذب} أو {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين}

فهذه الآيات فيها التحذير من الكلام عن الله عز وجل وفي ذات الله عز وجل بغير علم وبغير بحث وتمحيص وتأكد ويقين من نسبة هذا الكلام لله عز وجل أو لأحد أنبيائه.. ليس كلاما مترجما أو منقول من مجهول الحال أو مخطوطة منذ ألاف السنوات غير معلوم كاتبها أو ناسخها أو مترجمها، إنما كلام منقول بالتواتر: يعني جمع عن جمع معروف ثقتهم ودقتهم يحيل العقل اتفاقهم على كذب أو خطأ.. ولكذلك فإنه عندنا نحن المسلمين لا نأخذ في العقيدة وفي الكلام عن الله عز وجل إلا بالقرآن المنقول بالتواتر، أو بالحديث المنقول بالتواتر أو الذي تأكد صحته.... ولا أريد أن أخوض في هذه المسألة الآن فإن لها صفحات مناسبة لها...
ونرجع إلى أشد الظلم والإجرام والبغي الذي هو أشد وأكبر من الزنى والسرقة والقتل، وهو الخطأ في الكلام عن الله عز وجل...

الانسان في هذه الدنيا ليس هو مالكها، وإنما هو ضيف كريم له مدة محدودة ثم يتركها، فلم نسمع أن أحدا يعيش الآن منذ ألف سنة –إلا أن يكون نبيا- أو أن أحدا قد كتب الله عز وجل له الخلود في الدنيا.... وبالمثال يتضح المقال:
تخيل نفسك قد توظفت مهندسا في مصنع أو في شركة كبيرة، ولك وظيفة محددة ومدة محددة للعمل، فتركت وظيفتك في تلك المدة ظللت تسب وتشتم في مدير المصنع وصاحب الشركة ومدير الشركة، فماذا تنتظر جزاءك أخر الشهر؟ فهل تتوقع أن يعطيك المدير أجرك على فعلتك التي فعلت؟.. أم يوقع عليك الجزاء والعقوبة؟...
ومثال أوضح من هذا: تخيل نفسك أنت صاحب الشركة ومدير المصنع، ثم أعلنت إعلانا أن تريد مهندسا للإنتاج، فأتاك مهندس، فقلت له إن عملك هو أن تفعل كذا وكذا في ماكينات المصنع... وفي آخر الشهر أعطيك مرتبا كذا وكذا... وفي طوال الشهر أن تراقب هذا المهندس، فوجدته يأخذ إنتاج الماكينات ويعطيها للشركة المنافسة لتبيعها لصالحها، أو يأخذ إنتاج المكينات فيحرقه كلما خرج من الماكينة، ثم في كل يوم في الصباح عندما يأتي يجلس أمام مكتبك ومكتب صاحب الشركة ثم ينهال السباب والشتائم عليك وعلى أمك وعلى صاحب الشركة وعلى أمه وأبيه.... فهل من الصواب أن تعطيه أجره آخر الشهر أم تعاقبه؟ وربما أودعته السجن على الإنتاج الذي أعطاه للشركة الأخرى أو أحرقه.. فأنت تعطي الأجر كاملا للمهندس الذي أدى وظيفته، ولا تعطي للمهندس الذي أفسد في وظيفته، ولا يمكن أن يكون جزاؤهما واحدا وأجرهما مماثلا..
يقول الله عز وجل: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون}
{قل هل يستوي الأعمى والبصير، أم هل تستوي الظلمات والنور، أم هل يستوي الظل والحرور}
{أفحسب الذين اجترحوا السيئات أن نجلعهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم، ساء ما يحكمون}
يعني أن الله عز وجل سوف يعطي الأجر كاملا لمن أدى وظيفته في الأرض. أما من ترك وظيفته أخذ يتكلم عن الله عز وجل بغير علم، يقول اتخذ الله ولدا، ويقول إن الله صارع نبيا ويقول إن الله قد وضعوه على الصليب وصلبوه وكان عطشانا ولم يستطع أن يشرب قبل أن يموت...

يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: شتمني عبدي وما ينبغي أن يشتمني قال اتخذ الله ولدا...

وأما من أدى وظيفته في هذه الأرض كما أمره الله عز وجل فإن الله وعد أن يعطيه أجره كاملا..

ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، تساءل الناس عن الأمم السابقة هل سوف يدخلون الجنة أو النار؟ وهل كانوا على الحق أم الباطل؟ فأخبر الله عز وجل أن القاعدة التي وضعها لعباده في الأرض قاعدة واحدة وقانون واحد، فأخبر أن الأمم السابقة التي سبقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم سوف يعطيهم أجرهم كاملا ولكن بشروط وهي أنهم لا يتعدون الخطوط الحمراء، وهي ما يسمى الإيمان وعكسه ما يسمى بالكفر، يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة:{إن الذين آمنوا والذين هادون والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}... فهذه شروط إعطاء الأجر كاملا لجميع الأمم، وهي "الإيمان والعمل الصالح" وهذا الإيمان هو الإيمان بالله، ويلزم معه الإيمان بأنبياء الله وملائكة الله وكتب الله عز وجل.... وأما من تخطى الخطوط الحمراء في هذا الإيمان فتكلم عن الله عز وجل أو على أنبيائه أو الملائكة أو كتبه فطعن في شيء منها أو انتقص أو شتم أو سب ولم يعظمها أو سوى بين الله عز وجل وبين خلقه في العبادة فيعبد الأوثان أو نبيا كالمسيح عليه السلام أو نبينا صلى الله عليه وسلم أو أحدا من أهل بيته كالإمام علي رضي الله عنه، فأي أحد يفعل هذا فقد خرق وأفسد قانون الإيمان، فقد كفر...
والأنبياء سفراء الله، والتعدي على سفير دولة ولو بالسب يتعرض لعقوبة تلك الدولة لأنها كأنما تعدى على هذه الدولة... فمن كفر بنبي واحد من الأنبياء فقد كفر ويخلد في نار جهنم خالدا مخلدا أبد الآبدين. فمن كفر بموسى عليه السلام فقد كفر، ومن كفر بالمسيح عليه السلام ولم يعترف بنبوته فقد كفر وإن آمن بموسى عليه السلام وبقية الأنبياء. فاليهود الذين كفروا بنبوة المسيح عليه السلام في عصره وعزموا على صلبه وقتله، فإنهم كفار، كأنهم كفروا بجميع الأنبياء، ويدخلون نار جهنم خالدين مخلدين أبد الآبدين على الرغم من أنهم آمنوا بجميع الأنبياء ما عدا نبيا واحدا وهو المسيح عليه السلام... فمن آمن بجميع الأنبياء ولكن لم يؤمن بني واحد فكأنما كفر بجميع الأنبياء، فمن آمن بموسى والمسيح وجميع الأنبياء ولكن كفر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر ويخلد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبد الأبدين..

وهو قول الله عز وجل في اليهود الذين آمنوا بجميع الأنبياء ما عدا المسيح عليه السلام ونبينا صلى الله عليه وسلم في سورة النساء:{إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. أولائك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}.. فالله عز وجل اعتبر أن من كفر بني واحد وفرق بين الأنبياء في الإيمان أي يؤمن ببعض ويكفر ببعض، اعتبره الله عز وجل كافرا حقا، وله عذاب مهين ويخلد في نار جهنم أبد الآبدين...
وكذلك من انتقص من نبي بأن يقول أن هناك نبي قد زنى بابنتيه كما كتب اليهود في أحد أسفارهم ونقلها عنهم النصارى دون تميحص وتدقيق... وكذلك من سب نبيا من الأنبياء فقد كفر، فمن قال مثلا أن "يسوع حمار" كما فعل بعض المسلمين في أحد المنتديات، فقد كفر إلا أن يتوب توبة نصوحا.. وليس كل من انتسب إلى مدرسة أو كلية يعتبر نفسه أنه قد تخرج منها فربما يرسب في جميع امتحاناتها وخالف جميع مبادئها، وكذلك ليس من من نسب نفسه إلى أهل الدين الحق يكون منهم إلا أن يلتزم بعقائدهم وأعمالهم وشروط الانتساب إليهم وهو ما قاله عز وجل في سورة البقرة:"من آمن بالله واليوم الآخر وعمل ...
أو من حرف كتاب نشيد الأنشاد للنبي سليمان عليه السلام، من اليهود وجعل لسليمان عليه السلام عشيقة كذبا وزورا، فقد كفر ويخلد في نار جهنم خالدا مخدا أبد الآبدين.. واليهود معروفون بعداوتهم القديمة للأنبياء ولذلك فإنهم ألصقوا بالأنبياء ما ليس فيهم. وليس هناك أوضح من قتلهم للنبي يحيى عليه السلام :يوحنا... ومحاولة صلب الميسح عليه السلام وتأليب الرومان الوثنيين عليه.. فكان يلزم من النصارى عندما أخذوا أسفار العهد القديم من كتب اليهود والأسفار التي كتبها اليهود، كان يلزمهم التمحيص والتدقيق والتصفية وخاصة أن النصارى في عقيدتهم أن اليهود قد صلبوا نبيهم -وعند بعضهم ربهم وإلههم- المسيح عليه السلام وقتلوه أبشع قتلة... ولكن من أخذوا أسفار العهد القديم التي كتبها اليهود القدماء، كانوا كحاطب بليل أي من يجمع الحطب ليلا، لا يدري إن كان قد وضع في جبتعه وصندوقه حطبا أم ثعابين....
ثم خلطوا كلام الله عز وجل بكلام الأنبياء، فربما قال نبي:يولد لنا غلام أي نحن معشر الأنبياء لأن الأنبياء أمتهم أمة واحدة، فينسبوه إلى الله عز وجل فيظن القراء أن الله عز وجل له ولد...
وكذلك خلطوا مع كلام الله عز وجل كلام بعض أتباع الأنبياء، وهذا لم يمكن أخذ العقيدة منه.. وكذلك خلطوا مع ما سبق كلام البشر العاديين، بل وكلام أعداء الأنبياء من اليهود الذين كان بعضهم يحرص على تشويه صورة الأنبياء، ولعنهم في العهد القديم والعهد الجديد مشهور... كما قال تعالى:{لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}
فكان المسيح عليه السلام يقول لهم :يا أولاد الأفاعي، وغير ذلك من نصوص العهد الجديد، بل إن أكبر مشكلة واجهت المسيح عليه السلام هي الصراع مع كهنة اليهود لأنهم كانوا يحرفون التوراة ولا يعملون بها – كما في نص غسيل الأيدي بعد الطعام في متى- فلما صارحهم المسيح عليه السلام بذلك حاربوه ثم عزموا على صلبه...



أيها القارئ الكريم، أيها الزميل العزيز.. اعلم أن معيشتك في الدنيا ليست هي الحياة، إنما هي مرحلة من مراحلك، والحياة الأبدية هي الحياة الحقيقية... فعليك بتمحيص كل لفظ وكل جملة عن الله عز وجل أو الأنبياء الكرام أو الملائكة الكرام.. ولا تأخذ من الكتب المترجمة والأسفار والمخطوطات المترجمة التي لم يعلم مترجمها أو ناسخها أو كاتبها...
ولا تهتم بعلم الجدال لأنك ربما كنت على خطأ، ولكن بالجدال تستطيع أن تقنع من أمامك أنك على الصواب وعلى الحق الذي لا حق غيره، وأنت على غير الحق.. فكثير من اللصوص والقتلة يبرئهم المحامون بقوة حجتهم وهم أسوأ البشر وينجون من العقوبة بسبب الجدال، ورب قضية خاسرة تنجح لأن المحامي له خبرة في المحاماه والجدال، ورب مظلوم لا يستطيع أن يأخذ حقه لأن محاميه من صغار المحامين الذين ليس لهم خبرة في الجدال...
وما أقصده أنك بجدالك القوي وحجتك القوية يمكن أن تقنع غيرك أنك على الحق المبين، بينما تكون على الحقيقة في الضلال المبين.. فما تفعله هذا سوف تسعد به في الحياة الدنيا أي مدة قصيرة جدا بالنسبة للحياة الأبدية، ولكن هذا لن ينجيك في حياتك الأبدية الحقيقية التي سوف تعيش فيها مئات وآلاف ومليارات السنوات ولن ينفعك حينئذ قسيس أو بابا ولن ينقذك من نار جهنم أحد... فتخيل نفسك وأنت تقف بين يدي الله عز وجل وحدك والنار أمامك، ثم يأتي لك بشريط حياتك التي ظللت تسب فيها نبيا مثل نبينا أو كلام الله عز وجل مثل القرآن أو تشتم الله عز وجل فتقول اتخذ ولدا....

ولقد حضرت محاورة بين أحد من المسلمين وواحد من النصارى: قال المسلم للنصراني إن السيدة مريم تزوجت من يوسف النجار وأنجبت، فغضب النصراني غضبا شديدا لأنه اعتبر هذا انتقاصا للسيدة مريم العذراء أن تتزوج وتنجب أحدا غير المسيح عليه السلام الذي يعتبرونه إلها وربا لهم... فاعتبر هذا انتقاص للمسيح وللعذراء... وأنا لن أناقش هذا الكلام لأنه ربما على الحقيقة لم تكن قد أنجبت أو تزوجت الزواج المعروف فليس هناك نص في القرآن أو الحديث ينص على هذا، ويمكن أن يكون هذا الكلام له موضع آخر غير هذه المقالة.. ولكن ما لفت انتباهي هو غضبه الشديد لأنه اعتبر الزواج والإنجاب انتاقصا للعذراء والمسيح عليه السلام...

ثم قال المسلم للنصراني الكاثوليك يكفرون الأرثوذكس والأرثوذكس يكفرون الكاثوليك لأن الكاثوليك يقولون بأن المسيح ابن الله ومن قال إنه هو الله فقد كفر... وإن الأرثوذكس يكفرون الكاثوليك لأن الأرثوذكس يقولون بأن المسيح هو الله ومن لم يقل بأنه هو الله فقد كفر... فرد النصراني قائلا: ما الفرق بين أن يكون هو الله أو ابن الله، كله واحد..

وأنا لن أناقش هذه القضية الآن أي الخلاف بين الكاثوليك والأرثوذكس لأن لها مواضع خاصة لا يحتملها الكلام في مقالتي هذه.. ولكن ما لفت انتباهي هو أن هذا الأمر عنده أمر هين أن المسيح هو الله أمر قريب من أن يكون المسيح ابن الله، أي إن الفرق في نظره فرق بسيط...

فقلت سبحان الله، هو لا يسمح بأي انتقاص للعذراء والمسيح في النقاش الأول أما إذا الكلام عن الله عز فالأمر هين وبسيط... يعني أنه يعظم العذراء والمسيح عليه السلام ويتكلم عنهما بتعظيم شديد وإجلال، أما الكلام عن الله عز وجل فكله قريب وكله واحد في نظره.

يعني أنه يعظم المخلوق أكثر من تعظيمه للخالق سبحانه وتعالى الذي تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن.. بل إن هذه السموات السبع والجبال والأرضين تعظم الكلام عن الله عز وجل أكثر من تعظيم الانسان له على الرغم من الفرق الشاسع بين حجم هذا الانسان وحجم هذه السماوات والجبال والأرضين.. يقول سبحانه وتعالى في سورة مريم:{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا، لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمن ولدا، وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا، إن كل من في السماوات والأرض إلا أتي الرحمن عبدا، لقد أحصاهم وعدهم.. عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا}

والوثنيون من قريش والعرب الله عز وجل توعدهم بنار جهنم والعذاب الأبدي لأنهم لم يعظموه سبحانه وتعالى، لأنهم قد سووا بينه وبين المخلوق فعبدوا الأوثان كما عبدوه... على الرغم من أنهم كانوا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى ولكن أخطأوا في هذا الأمر وهو عدم تعظيم الخالق أكثر من تعظيم المخلوق، فبذلك قد تعدوا خطا أحمر يهوي كل من تعداه في نار جهنم خالدا مخلدا أبد الآبدين.. يقول سبحانه وتعالى في وصف عذاب واحد من أهل النار:{خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه، إنه كان لا يؤمن بالله العظيم}
فهو هنا لم يكن يؤمن بعظمة الله عز وجل وإن كان يعترف بوجود الله عز وجل كوثني العرب وغيرهم..
فهذه الآية نزلت في وثنيي العرب وغيرهم وكل من لم يعظم الله سبحانه وتعالى أو سوى بينه وبين المخلوق.. فكل من اعترف بوجود الله عز وجل ولكن لم يعظمه سبحانه وتعالى أو سوى بينه وبين مخلوق في العبادة والتعظيم: صنم أو وثن أو نبي مثل المسيح عليه السلام أو ولي مثل الإمام علي كرم الله وجهه فإنه قد تعدى خطا أحمرا يقع بعده في نار جهنم..
فهذا النصراني الذي كان يجادل المسلم رفض الاعتراف في المسيح والعذراء بما اعترف به لله عز وجل وهو أن له ولد... وكذلك يعظم القول عند أي نصراني أن يكون البابا قد تزوج وأنجب، ولا يعظم عنده القول بأن الله عز وجل اتخذ ولدا، لأنه قد عظم المخلوق ولم يعظم الخالق، بل كان تعظيمه للمخلوق أكبر من تعظيمه للخالق، فتعدى الخط الأحمر...

ويقول سبحانه في الرد على الوثنيين الذين زعموا أن لله عز وجل بنات وأبناء، وعلى غيرهم ممن يعتقد بأن لله عز وجل ولدا من بني آدم: {لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء، سبحانه هو الله الواحد القهار}... أي إن الانسان لو نظر إلى هذا الكون العظيم لوجد فيه مليارات الكواكب والنجوم، وبعضها أكبر من الكرة الأرضية ملايين المرات، وعددا لم يستطع العلم الحديث ولا القديم الوصول إليه، فقالوا إنها تزيد عن تريليون نجم... وكذلك الجبال العظيمة والبحار والمحيطات.. مخلوقات عظيمة جدا بالنسبة للانسان، والانسان بالنسبة لهذه المخلوقات مخلوق صغير جدا وضعيف جدا.. فإنك إذا ركبت طائرة ترى البشر كالنمل ثم بعد ذلك يغيبون عن نظرك ولا تراهم. .. فهل من المعقول أن يتخذ الله عز وجل من هذا المخلوق الضعيف الصغير أبناء أو بنات، وهذا المخلوق الذي في حجمه أقل من النملة بالنسبة لبقية المخلوقات العظيمة، ولذلك فإن الله عز وجل يرد على الوثنيين الذين زعموا أن له أبناء وبنات، بأنه لو أراد أن يتخذ ولدا فلن يختار من هذا الانسان المخلوق الضعيف العاجز الصغير، ويترك المخلوقات العظيمة، سخرية من الله عز وجل بهؤلاء وبقولهم وبغبائهم وضعف عقولهم، فإن الله عز وجل لم ولن يتخذ ولدا ولكن يسخر بعقولهم التافهة وأقوالهم التي لا يمكن أن يصدقها عقل عاقل أبدا....

وهذه الخطوط الحمراء لن يجامل الله عز وجل فيها أحدا وإن كان ينتسب إلى أهل دين حق. يقول الله سبحانه وتعالى بعد ذكر الجنة في سورة النساء:{ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأؤلائك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} فعندما تفاخر اليهود والنصارى والمسلمون، قالت اليهود نحن لنا أنبياء أكثر من أنبيائكم فنحن أهل الجنة، وقالت النصارى نحن أولى بالله منكم ونحن أهل الجنة، وقال المسلمون نحن على دين الحق ونحن أهل الجنة... قال الله عز وجل للجميع: ليس بأمانيكم يعني أقوالكم هذه ولا أمنياتكم، ولكن هناك قانونا لدخول الجنة، من لم يطبقه فلن يدخل الجنة وإن انتسب لدين حق أو إلى نبي مرسل.. وهذا هو الإيمان الكامل بالله عز وجل والعمل الصالح، فرب مسلم يقول إنني من المسلمين ثم يقول لا أؤمن بني من الأنبياء أو يسب نبيا من الأنبياء أو يسب الدين أو يقول بأن الإمام علي هو الله أو يعبد الإمام علي كرم الله وجهه، ولا يعمل صالحا طوال حياته، فليس بمجرد انتسابه يدخل الجنة... وكذلك من يخرق قوانين هذا الإيمان بتعدي الخطوط الحمراء المذكورة من قبل مثل إنكار رسالة نبي واحد فقط أو عبادة نبي أو ولي فإنه لن يدخل الجنة... لقول الله عز وجل:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فهذا الشرك وإن كان مع الاعتراف بوجود الله أكبر من الزني والسرقة والقتل والنهب..

والذين يرفعون شعار "الله محبة" فهذا شعار جميع الأنبياء وشعار نبينا صلى الله عليه وسلم، والأمر به مذكور في القرآن والحديث الشريف.. " انظر صفحة: ما اتفق عليه في التوراة والإنجيل والقرآن".. ولكن لن ينجيهم إن عبدوا مع الله أحدا وتعدوا الخطوط الحمراء في الكلام عن الله عز وجل، بأن يقولوا اتخذ الله ولدا، أو أن روح الله حلت في نبي أو ولي، أو كفروا بني واحد كنبينا صلى الله عليه وسلم...
وأذكر مثالا في ذلك: مثل من يرفع شعار "الله محبة" ثم يعبد المسيح أو العذراء ويعظمهما مثل تعظيم الله عز وجل، فمثله كمثل الموظف الذي يدخل على رئيس الشركة فيقول له: إني أحبك أيها المدير الحبيب أنت حبيبي أحبك تماما مثلما أحب جامع القمامة في الحي وأحبك مثلما أحب بواب المصنع ومثل ما أحب قطتي وكلبي وحماري.. فهذا أخطأ في أنه سوى قدر المحبة لصاحب الشركة بمن هو دون صاحب الشركة، وهو لم يخطئ في أصل المحبة، فماذا تتوقع أن يفعل معه رئيس الشركة؟ فتخيل نفسك أنت صاحب المصنع ثم يقول لك موظف هذا الكلام، ماذا يكون ردك عليه..؟

والإيمان بالله عز وجل له ركنان، إن فقد أحدهما انهدم الإيمان كله كما ينهدم البيت على أصحابه.. الركن الأول المحبة، والركن الثاني التعظيم... فمن أحب الله عز وجل ولم يعظمه فقد ترك أحد الركنين، ولا يكفي ركن واحد. ومن عظم الله عز وجل ولم يحبه كذلك لا يكون من أهل الجنة... وتعظيم الله عز وجل بعدم مساواته مع بشر أو مع أي مخلوق من مخلوقاته وإن كان نبيا كالمسيح أو وليا كالإمام علي أو عذراء....
وكذلك من تعظيم ومحبة الله عز وجل محبة أنبيائه والإيمان بهم وعدم انتقاصهم أو تصديق من ينتقصهم كمن يقول إن هناك نبيا زنى أو كان له عشيقة أو غير ذلك من كلام اليهود الأقدمين.. وكذلك اتباع الأنبياء والإيمان بهم من تعظيم الله عز وجل ومحبته...

فمن قال إني أحب الله عز وجل ولكني لا أحب نبيا واحدا فقط من أنبيائه ولن أؤمن بني واحد فقط فقد كفر وهو كاذب لا يحب الله عز وجل لأن تعظيم أومحبة أي دولة باحترام سفيرها، بل إن تلك الدولة سوف تأمر الشعوب الأخرى بطاعة سفرائها في جميع أوامرهم ونواهيهم والاعتراف بهم كسفراء لتلك الدولة...

ولذلك فإن الله عز وجل رد على نصارى نجران الذين رفعوا شعارات مثل"الله محبة" في جدالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم... قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}
ولكن هذا التعظيم لا يكون بنفس مقدار تعظيم الله عز وجل، لأنه لا يمكن أن يكون تعظيم الخالق مساو لتعظيم المخلوق... فلو كان هذا التعظيم بنفس مقدار تعظيم الخالق أدى ذلك إلى مساواة المخلوق بالخالق وهو كفر.

واعلم أنك سوف تحاسب يوم القيامة وحدك، وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا، فلا تقل: هناك من المسلمين من يشركون بالله لأنهم يعبدون الإمام علي أو بعض الأولياء أو آل البيت، فإذا كان الأمر كذلك فأنا أيضا سوف أشرك بالله وأعبد غير الله: المسيح والعذراء والبابوات و غيرهم..
ويوم واحد في نار جهنم سوف ينسيك كل خواطرك وأفكارك هذه التي وضعها الشيطان في رأسك، وسوف تندم على كل هذه الأفكار والخواطر والأفعال والأعمال... والعكس صحيح يوم واحد في الجنة سوف ينسيك آلام الدنيا وأحزانها وصبرك على التوحيد وعلى من يجاهدك من شياطين الإنس والجن ويحاول أن يمنعك من توحيد الله عز وجل...