الكنيسة والعنف! ـ محمود سلطان


محمود سلطان (المصريون) : بتاريخ 1 - 5 - 2009
الغرب الحالي، هو نتاج انتصاره "النهائي" على "المسيحية السياسية"، والتي تركت في الذاكرة الجماعية الغربية، خبرة "مؤلمة" لدمويتها غير المسبوقة في التاريخ الإنساني، ولعل ذلك ما حمل الغرب على أن يصر بأن تظل "الكنيسة" بمنأى عن "السياسة" خشية، العودة إلى عصر "الحروب الدينية" الدموية مجددا.
هذه التجرية تخص الغرب وحدة، وإن كان البعض في العالم الإسلامي، يريد من المسلمين أن يسددوا فاتورة هذه التجربة، بتحويلهم إلى صورة "مستنسخة" من خبرة الغرب مع "المسيحية السياسية".. ومع ذلك فإن الغرب اليوم ، مسئول عن ظاهرة العودة التدريجية للمسيحية السياسية، وإن اتخذت خطواتها "البكر" في صورتها "الروحية" المحضة.. إذ يعطي الغرب في نسخته العلمانية الأكثر تطرفا وشذوذا، مبررا وشرعية لـ"البديل الروحي" المسيحي.
وعلى الرغم من أن الكنيسة الغربية، منقسمة في مواقفها ما يبن الخضوع لـ"الشذوذ العلماني" ـ اعترافها بالزواج المثلي ـ وما بين تصديها له في بعض الملفات ـ مثل حق الإجهاض ـ إلا أن "الفراغ الروحي" الذي لم تكترث به العلمانية الغربية طوال القرون الماضية، بدأت الكنائس ـ رغم اضطراباتها وفضائحها الأخلاقية ـ تتمدد فيه، على النحو الذي يمهد لعودة النفوذ السياسي للكنيسة ،بكل حمولتها المكتظة بتراث العنف التاريخي الذي مارسته في صورة حروب دينية كانت الأكثر دموية في التاريخ.
هذه الظاهرة سجلها مسح تحليلي أجرته مؤسسة "بيو فورم" لبحوث الأديان، منذ أيام، مبنيا على آراء 742 أمريكيا بالغا، بين الفترة من 14 إلى 21 أبريل2009 ، وشمل طوائف البروتستانتيين الإنجيليين البيض، والكاثوليكيين البيض غير اللاتينيين
النتيجة اعلنتها المؤسسة يوم الأربعاء الماضي 29/4/2009 ، وقالت بالنص ـ وبحسب ما نقلته الـ سي إن إن يوم أمس الجمعة 1/5/2009 ـ : "إن قابلية الأمريكيين لدعم استخدام التعذيب مع المشتبه بهم في الإرهاب، تزيد مع زيادة ذهابهم إلى الكنائس لحضور القداسات الأسبوعية".
الدراسة التي أجرتها "بيو فورم"، أكدت العلاقة بين الميل إلى العنف وبين التردد على الكنائس".. ولعل الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش"، كانت انفعالاته العنيفة والمتطرفة والدموية، نتاج حضور "المسيحية السياسية" في تصوراته الخاصة عن "المخالف الديني" وتصنيفاته الحادة للعالم : محور الشر ومحور الخير.. من ليس معنا فهو ضدنا.. ثم ذروة هذه النزعة في إعلانه "الحروب الصليبية" على العالم الإسلامي.
من الواضح ـ إذن ـ أن حركة الإصلاح الديني التاريخية، لم تثمر تغييرا جوهريا، في المزاج الكنسي العام، والذي مارس العنف الدموي مع المخالفين، وظل يتوارث عبر الأجيال داخل الكنائس بعيدا عن رقابة الدولة، فيما لم يُكشف عنه إلا عن طريق محاولات خجولة لبعض المؤسسات المختصة بعمل استطلاعات ودراسات تحليلة، وهي قليلة جدا، أو عن طريق بعض المحكات والمواقف التي تستفز في الإنسان المسيحي، احساسه بـ"التهديد" من الآخر المخالف له في الدين.
وفي هذا السياق تظل العلاقة بين الميل إلى العنف والكنيسة.. ظاهرة تستحق المراقبة والمسح التحليلي الدائم، لأن تجاهله ستسدد الإنسانية كلها فاتورته، عنفا وإرهابا واضطرابات.. إذ يظل "بوش" هو "النموذج" لهدية الكنيسة الوحيدة للعالم حتى الآن.
<font color="red"> ( تم حذف البريد ل...نتدى ) </font>