لماذا يخشى النصارى الحكم الإسلامي؟

بقلم: خالد الحربي

ما أن يحقق الإسلاميون نصرًا في ميدان من ميادين الحياة السياسية؛ حتى ترتفع أصوات النصارى، وجوقة العلمانيين تحذر من وصول الإسلاميين للحكم.

وبين من يدعو النصارى إلى الهجرة، ومن يدعوهم للمقاومة؛ تضيع الحقائق، وينسى الكثيرون فضل الإسلام على هذه الأقلية الدينية.

والسؤال الهام هنا: لماذا يخشى النصارى من الشريعة الإسلامية؟


وهل تناسى النصارى أن الإسلام هو من انتشلهم من رق عبودية الرومان، إخوانهم في الدين، وأعدائهم في الطائفة، حيث كانوا يُسامون سوء العذاب.

حتى ليذكر المؤرخ القبطي "لإيسوذورس" في كتابه "الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة" ما حدث "لمينا" أخي "البطريرك بنيامين" ـ بطريرك الإسكندرية وقتها ـ فقد (أرسله المقوقس مقيدًا إلى هرقل، ولاطفه ليتبع المبادئ "الخلقيدونية" فلم يقبل؛ فألقاه في النار حتى كاد أن يحترق، ثم أخرجه وضربه على فكه حتى كسر أسنانه، ثم ملأ كيسًا بالرمل وقيده به، وطرحه في البحر حتى مات).

والبطريك "بنيامين" نفسه، كان هاربًا مختبئًا في الصحراء؛ حتى جاء "عمرو بن العاص" فبعث من ينادي عليه أن يخرج وله الأمان، فخرج وجاء إلى عمرو بن العاص؛ فرده إلى كرسيه، وأمنه على رعيته، فلماذا يخاف النصارى من الإسلام؟

يقول "سيرت.و.أرنولد" في كتاب: "الدعوة الإسلامية"، ص(48): (ويمكننا الحكم من الصلات الودية التي قامت بين المسيحيين والمسلمين من العرب؛ أن القوة لم تكن عاملًا حاسمًا في تحويل الناس إلى الإسلام؛ فمحمد نفسه قد عقد حلفًا مع بعض القبائل المسيحية، وأخذ على عاتقه حمايتهم، ومنحهم الحرية في إقامة شعائرهم الدينية، كما أتاح لرجال الكنيسة أن ينعموا بحقوقهم، ونفوذهم القديم في أمن وطمأنينة)، وهذه شهادة رجل من دينهم، لا يمالئ المسلمين في شيء، فماذا يخشى النصارى من الإسلام؟ هل يخشون التعصب؟

وكيف هذا؟! والقس "منسى يوحنا" يذكر في كتابه: "تاريخ الكنيسة القبطية" قصة ذلك القبطي، الذي (ضربه ابن عمرو بن العاص ـ والي مصر ـ في عهد عمر بن الخطاب؛ فشكى القبطي إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فما كان من أمير المؤمنين إلا أن استدعى عمرو بن العاص وابنه على المدينة، وأمر القبطي أن يقتص منه، وقال قولته المشهورة: (يا عمرو، متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!).

ويقول المؤرخ "درايبر" في كتابه: "النمو الثقافي في أوروبا": (إن العرب لم يحملوا معهم إلى إسبانيا لا الأحقاد الطائفية، ولا الدينية، ولا محاكم التفتيش؛ وإنما حملوا معهم أنفس شيئين في العالم، هما أصل عظمة الأمم: السماحة والملاحة).

ويقول السير "توماس أرنولد": (لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح).

وقد كان الإسلام أرحم بهم من أنفسهم ببعضهم البعض، وكما تذكر الموسوعة الكاثوليكية، عن الصراع بين "الكاثوليك" و"الأرثوذكس"، فتقول: (أما في الإسكندرية في مصر، فإن الصراع كان على أشده؛ فكان الخصوم يقتلون ويعذبون بعضهم البعض، وقام أحد الرهبان من أصحاب عقيدة الطبيعة الواحدة، ويتسمى باسم: "تيموثي القط" بذبح بطريرك الإسكندرية قبل ثلاثة أيام من عيد الفصح، واستحل مكانه، وألقى بجثته إلى النار).

فلماذا يخشى النصارى من الإسلام؟ هل يخشون على أموالهم؟ وهل نسى النصارى ما فعله "بشرى يوحنا" عندما زار الملك فؤاد صعيد مصر؛ فقلع من مزرعته أشجار برتقال زرعها على طريق الملك بطول خمسة وعشرون كيلومترًا؟! من أين له هذا لو لم يكن حرًّا في التملك والتجارة؟!

روى "أبو عبيد" في كتابه: "الأموال" لما سأل رجل ابن عباس، فقال: (إنا نمر بأهل الذمة، فنصيب من الشعير أو الشيء؟)، فقال الحبر ترجمان القرآن: (لا يحل لكم من ذمتكم إلا ما صالحتموهم عليه) [الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، (1/394)].

يقول الإمام القرطبي: (الذمي محقون الدم على التأبيد، والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقِق ذلك: أن المسلم يُقطع بسرقة مال الذمي؛ وهذا يدل على أن مال الذمي قد ساوى مال المسلم، فدل على مساواته لدمه، إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه) [تفسير القرطبي، (2/246)].

ويروي البخاري في "الأدب المفرد"، عن مجاهد أنه: (سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول لغلام له يسلخ شاة: يا غلام، إذا فرغت؛ فابدأ بجارنا اليهودي، فقال رجل من القوم: آليهودي أصلحك الله؟! فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار؛ حتى خشينا أو رؤينا أنه سيورثه) [رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني، (128)].

ويقول "جوستاف لوبون": (وسار عمرو بن العاص في مصر على غرار عمر بن الخطاب في القدس؛ فشمل الديانة النصرانية بحمايته، وسمح للأقباط بأن يستمروا على اختيار بطْركٍ لهم كما في الماضي، ومن تسامحه أن أذن للنصارى في إنشاء الكنائس في المدينة الإسلامية التي أسسها).

ويذكر القس "منسى يوحنا" في كتابه: "تاريخ الكنيسة القبطية": (أن عدد الأبريشيات النصرانية في مصر ارتفع من بعض أبريشيات قبل دخول الإسلام إلى خمس وسبعون بعد دخول الإسلام)، فلماذا يخشى النصارى من الإسلام؟ هل يخافون على المستوى المادي للحياة؟

فحتى على المستوى المادي للحياة، لم يرَ النصارى النعيم الدنيوي إلا في ظل المسلمين، الذين كانوا يمثلون المجتمع العلمي المتقدم لأكثر من ألف عام، وما كانوا يحتكرون تقدمهم العلمي أو يستخدمونه في إذلال الشعوب واستعبادهم، كما يفعل الغرب النصراني الآن.

ونصارى الشرق هم أكثر المدينين للإسلام؛ لأنهم في ظل ضعفهم الدائم كانوا غارقين في ظلمة الكنيسة الرومانية، التي كانت تحارب العلم، وتحاصر العقل، وتعتبر الجهل سياسة عامة لها، تقول "زيغريد هونكه":

(والسبب في تأخر هذا النمو؛ يعود في حقيقة الأمر إلى الروح المسيطرة آنذاك، وإلى النظرة السائدة للكون والبشر، فكل تفكير خَلاَّق كان يقف عاجزًا أمام طريقة التفكير القاسية التي كانت الكنيسة تدعو لها، وُتَعلِّم الجيل الانصياع التام لتعاليمها، والخضوع لأقوالها، بلا قيد أو شرط.

لقد كان كل رجال العلم الأوروبيين، ومعلميه، وأساطينه يتبعون بصورة اسمية أو عملية رجال الكهنوت، ويتقيدون بأوامر الكنيسة، ما عدا جماعة "سالرنو" وجماعة "نابولي"، وذلك بعكس الأطباء والعلماء العرب، الذين كانوا يقفون أحرارًا في الحياة، غير مقيدين إلا بقيود الحقيقة والعلم، فالانصياع التام للعقيدة، والإيمان الأعمى المطلق بالسلطة القائمة دون جدل أو نقاش، كانا من واجبات مَنْ آمن بالكنيسة، وأصبحا طبيعة ثانية لديهم؛ لذلك لجأ الجميع إلى الاكتفاء بما تقوله لهم الكنيسة، فلا هم يبحثون عن حقيقة ما يسمعون، ولا هم يحققون صحة المعطيات بوسائطهم الخاصة).

بينما هي نفسها تقول: (لقد أوصى "محمد" كل مؤمن، رجلًا كان أو امرأة، بطلب العلم، وجعل مِن ذلك واجبًا دينيًّا، وكان "محمد" يرى في تعمق أتباعه في دراسة المخلوقات وعجائبها وسيلة التعرف على قدرة الخالق، وكان يرى أن المعرفة تنير طريق الإيمان...)، إلى أن قالت: (وعلى النقيض تمامًا، يتساءل "بولس" الرسول مقررًا: أَلَم يصف الرب المعرفةَ الدنيوية بالغباوة؟ مفهومان مختلفان، بل عالَمان منفصلان تمامًا، حَدَّدا بهذا طريقين متناقضين للعلم والفكر في الشرق والغرب؛ وبهذا اتسعت الهوة بين الحضارة العربية الشامخة، والمعرفة السطحية المعاصرة في أوروبا، حيث لا قيمة لمعرفة الدنيا كلها)؛ فلماذا إذًا يخشى النصارى من الإسلام؟