الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد ..

إخواني الكرام

هذه قصة شيخ فاضل توفاه الله ولم يتجاوز الخامسة والعشرين مؤثرة جدا قرأتها في ملتقى أهل الحديث وكتبها أناس يعرفونه بعد يومين من وفاة الشيخ رحمه الله وكتبوا أيضا مواقف له وسجايا أحببت أن أنقلها لكم لما فيها من موعظة وذكرى للذاكرين ..

كتب الأخ إحسان العتيبي :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .

قال تعالى : { يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات .. }

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوساً جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " .

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " .

وقال عليه الصلاة والسلام : إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوماً ، ويضع به آخرين "

أمّا بعد :

فلقد فجعنا في هذه البلاد - والله المستعان - برحيل رمزٍ من رموز هذا الدين ، وعلَمٍ من أعلام هذه الأمّة ، ألا وهو : الشيخ : " رامز بن علي بن سالم بني أحمد " ، نسأل الله أن يتغمده برحمة منه وفضل .

هذا الشيخ الشاب لم يتجاوز الخامس والعشرين من عمره ، وكان من المجدِّين المجتهدين على أنفسهم ، وكان ترتيبه الأول على الأردن في " الثانوية العامة / شريعة " ، وقد رزقه الله همَّة عالية ، بذلها في حفظ كتاب الله تعالى وحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وحفظ المتون الفقهية والعقيدية والحديثية وغيرها .

ولم يكن ميسور الحال ، فقد كان شابّاً غير عامل ، وأول ما جاء إلى أحد شيوخه – وهو الشيخ رمضان الجلاَّد – وقد دلَّه على سماع أشرطة الشيخ ابن عثيمين ، اعتذر بأنه لا يملك مسجلاًّ ! .

وقد اتصل بي يريد شفاعة للوصول للشيخ يحيى اليحيى – ولم أكن أعرفه وقتذاك عن قرب – فأعلمته بالطريقة التي يتصل بها بالشيخ .

فسافر إلى مكة المكرمة لحضور دورة حفظ الصحيحين عند الشيخ يحيى اليحيى فأتمهما ، ثم السنن الأربعة ، ثم الموطأ ، ثم مسند الإمام أحمد ، والحاكم ، والبيهقي ، والبزار ، ومعاجم الطبراني – أظنه انتهى منها وسيسمعها في الدورة القادمة - ، وكلها مذكرات الشيخ يحيى اليحيى .

ولم يكن بعيداً عن حفظ المتون ، فحفظ ألفية ابن مالك ، والطحاوية ، والجزرية ، وملحة الإعراب ، والرحبية ، والسفارينية ، ونونية القحطاني ، وغيرها ... .

وسمع كثيراً من أشرطة الشيخ ابن عثيمين ، ولخصها في مذكرات خاصة به .

ولم يكن متفرغاً للطلب تاركاً العمل والدعوة ، بل كان من النشيطين في الدعوة إلى الله تعالى ، فكان يحدِّث الناس في مآتمهم وأفراحهم واجتماعاتهم ، ويزورهم في بيوتهم فيعلِّم الجاهل ، وينصح ، ويعظ ويُرشد بما رزقه الله تعالى من علم .

وبسببه اهتدى شباب كثر ، وخرجت الملهيات من بيت أهله ، وحفظ على يديه أكثر من ( 9 ) شباب كتاب الله تعالى كاملاً ، وفي الطريق إلى حفظه ( 9 ) آخرون .

وقد كان إمام مسجد في أيامه الأخيرة ، ولم يكن متزوجاً ، فقد كان يريد العمل ومساعدة أخيه الأكبر منه مقابل ما ساعده في الدراسة .
وقد استغل سكن المسجد في تجميع الشباب الجامعيين والطلبة الكبار لتحفيظهم كتاب الله تعالى في العطلة الصيفية الماضية ، وقد زرتهم وزاروني فرأيت عجباً من همتهم وجلدهم واحترامهم لشيخهم ، فقد منعهم من سماع الأخبار وقراءة الصحف – فضلاً عن غيرهما من الملهيات – حتى يحفظ كل واحدٍ منهم ما تفرغ لأجله ، وقد التقينا بهم عند نهاية الصيف ، فسألنا مجموعة منهم عن حفظهم في تلك الفترة فكان أن قال واحد منهم أنه حفظ القرآن في ( 29 ) يوماً ، والباقي ضعف تلك المدة ومنهم من زاد على الضعف ، والباقي في أواخر حفظهم .

ولما انتهت العطلة بقي مع مجموعة منهم ممن يستطيع التفرغ ، والباقي يأتيه في نهاية الأسبوع ليراجع حفظه ويثبته ، ويتم من لم يتمه .
وكان من تلامذته المتفرغين اثنان من أبنائي حفظ واحد منهم ( 7 ) أجزاء في ( 5 ) أسابيع تقريباً ، والثاني حفِظ المذكرة الأولى من الصحيحين ، ونصف الثانية – حوالي ( 600 ) حديثاً ، وقد مشى مع الثاني في التجويد والتلاوة .

وقد أعطى وقته كله لإخوانه ، حتى إنه لم يفطر يوماً عند أهله – كما أخبر أخوه في المقبرة – وكان يشرف على طعامهم وشرابهم وذهابهم وإيابهم .

ومن ذلك : أنني دعوتهم مرة للإفطار صباحاً قبل رمضان فجاء حوالي ( 20 ) من خيرة من تحب أن ترى من الشباب .

وفي المرة الأخرى قلت له : أحب أن تأتوا عندي مرة أخرى فتوقف ثم قال : طلب أم رغبة ؟ فقلت : طبعاً رغبة ، فقال : إن كان طلباً لبَّينا وإن كانت رغبة فأعتذر لأن الوقت يضيع بالذهاب والإياب والصيف على وشك الانتهاء وأحب أن ينتهي الشباب من برنامجهم ، فأكبرت فيه أدبه وحرصه – رحمه الله - .

وكان كان أديباً حسن الخلُق حسن المعاشرة لإخوانه ، وإذا رأيته في مجلس قلت لا يحفظ جزء " عم " ولا الأربعين النووية ! وبخاصة إذا كان مجلساً فيه دعاة وطلبة علم وعلماء .

وفي يومه الأخير : دعاني للإفطار عنده في المسجد ، فلبيت الدعوة ، وأفطرنا وصلينا التراويح في مسجده ، وقدم اثنين من تلامذته للصلاة ، وقال : أنا مرتاح ، الشباب يصلون وأنا أصلي خلفهم .

ورجعنا إلى بيته ، فجلسنا قليلاً ثم ودعناه للرجوع إلى منزلنا ، فقال له بعض تلامذته : إنه يريدني في موضوع خاص ، وإنه سيكلمني فيه أثناء رجوعنا إلى المنزل ، فرغب الشيخ أن يرافقنا إلى منزلنا ليرجه مع تلميذه حتى لا يرجع وحده .

وكان ذلك ولم يجلسوا إلا قليلاً ثم غادروا راجعين إلى بيت المسجد ، وكان معهم واحد من تلامذته ليوصلوه إلى بيته ، وزار في الطريق تلميذاً له في منطقتنا .

وفي الساعة الثانية ليلاً جاء الخبر الصاعقة ، والخبر المفجع المؤلم ، خبر وفاة الشيخ رامز نفسه ، فقمت فزعاً غير مصدِّق الخبر ، ولما ذهبت إلى المستشفى رأيت مجموعة من تلامذته تبكي بكاء مرّاً على فقدان شيخهم فخففت عنهم وكنت أنا أحوجهم إلى من يخفف عني ، وكذا كان معي أبنائي من تلامذته فاشترك الجميع في البكاء ، وذهبت إلى والده لأخفف عنه ، وهو يبكي بكاء مرّاً – أيضاً – فحاولت التخفيف عنه قدر المستطاع .

وكانت وفاته في حادث مروع في الساعة الواحدة والنصف تقريبا ليلاً ، توفي على إثرها نتيجة كسر في الرقبة ونزيف في الدماغ .

وكانت وفاته في شهر عظيم – وهو رمضان – وفي ليلة الجمعة – 12 رمضان 1424 - ، وكان في طاعة الله ، وفي حادث سيارة ، وقد ذكر علماء اللجنة الدائمة أنه يرجى أن يكون من مات في حادث سيارة أن يكون من الشهداء ، وأنه يصدق عليه – إن شاء الله – أنه " صاحب هدم " ، فهنيئا له هذه الموتة

وكانت جنازته مشهودة حضرها حواي الألف من الناس ، وكان على رأسهم الشيخ محمد شقرة ، وخطب في الناس خطبة بليغة ذرف وأذرف الدموع ، وبكى وأبكى الناس ، ومما قال الشيخ – حفظه الله – " أن الملوك لا يملكون ما يملك رامز ، وأن الوزراء والأغنياء ليس عندهم ما عند رامز " .
ومن رأى تلامذته وبكاءَهم ، والناسَ وحزنَهم ، وأهلَه وتأثرَهم علِم أي رجل كان ، وقد فقدت الأمة حافظاً من حفاظها ، وعزاؤنا أن يعوض الله الأمة مثله أو خيراً منه .

وقد دعا له كثيرون ممن لا يعرفونه ، وتأثر بوفاته كثير ممن رأى تأثر الناس ، وقال بعض الإخوة : لم نكرمه وهو حي فأقل ما نكرمه بعد وفاته الصلاة عليه والدعاء له ، وقد بكى الشيخ يحيى اليحيى كثيراً عندما بلغه وفاة الشيخ رامز رحمه الله ، ولم يستطع إكمال المكالمة فاعتذر للشيخ محمد الرويلي – وهو من زملاء الشيخ رامز في الحفظ - عن إكمالها ، وكان يحبه ويوده كثيراً ، وبينهما اتصالات ومحادثات كثيرة ، وتزكية الشيخ رامز عنده مقبولة .

واللهَ نسأل أن يرحم الشيخ رامزاً وأن يعفوَ عنه وأن يرفع درجته في المهديين .

وكتبه :

أبو طارق

إحسان محمد عايش العتيـبي

14 رمضان / 1424 هـ


ولمزيد من مواقفه وسجاياه :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=14109