قبل أن أبدأ بتحليل هذه الصورة أرد على عماري ورشيد اللذان إدعا بأن قول الهدهد لسليمان : {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } المقصود به أن سليمان لا يعرف سبأ .. فهل هذا نقصاً في سليمان عليه السلام؟ لا، إنما يُعَدُّ تكريماً له؛ لأننا ذكرنا من قبل بأن سليمان نبي وليس ملكاً على الكون ولكن دولته محصورة ببني اسرائيل فقط ، ولأن ربه ـ عز وجل ـ سخَّر له مَنْ يخدمه، وفَرْق بين أن تفعل أنت الشيء وبين أن يُفعل لك، فحين يفعل لك، فهذه زيادة سيادة، وعُلًُو مكانة.

وقال القرطبي : يقال: كيف خفي على سليمان مكانها وكانت المسافة بين محطِّهِ وبين بلدها قريبة ؟ والجواب أن الله تعالى أخفى ذلك عنه لمصلحة، كما أخفى على يعقوب مكان يوسف ... ولكن المحصلة سليمان عرفها ، فقد نعترض إن كشفت الآيات بأنه لم يعرفها ولكن ما حدث هو العكس ... وسليمان ليس ملكاً عليها كما إدعى ديك الغابة ، فكيف سيصل لسليمان الخبر ؟ فإن كان سليمان يعرفها أو لم يعرفها فقد عرفها وأسلمت وتزوجها .... فإخوة يوسف ما عرفوه ولكنه عرفهم .. فالقصة بأكملها جهلها لا يضر والعلم بها لن يُفيد .

فهل هذه القصة هي التي ستثبت بأن المسلمين لا يعبدوا الله خالق السماوات والأرض وأن الله هو يسوع ؟ فكان من باب اولى أن يعترضوا على اليهود الذين يتبعوهم في كتاب واحد وهو العهد القديم ، واليهود يعبدوا إله والمسيحية تعبد إله أخر (فضيحة عقائدية ليس لها مثيل في الكون) .


ثم نكمل تحليل الصورة السابقة فنجد في الترجوم أن ديك الغابة (أجاب) على سؤال سليمان .. ولكن في القرآن نجد أن سليمان ما وجه للهدهد السؤال بل ما إنْ وصل الهدهد إلى سليمان إلا وبادره { فَقَالَ } [النمل: 22] بالفاء الدالة على التعقيب؛ لأنه رأى سليمان غاضباً مُتحفِّزاً لمعاقبته. لذلك بادره قبل أنْ ينطق، وقبل أنْ ينهره ... فالفارق كبير .

في الترجوم يقول ديك الغابة بانه لاحظ مدينة اسمها كيتور ... وفي القرآن قال بأن المدينة اسمها سبأ .

في الترجوم يقول أن غبار الأرض اثمن من الذهب وفضتها مطروحة في الشوارع مثل روث الحيوانات .. ولكن القرآن لم يذكر هذا الكلام نهائياً وما ذكر اكثر من أن الملكة لها عرش عظيم فقط .

في الترجوم يقول أن المراة اسمها ملكة سبأ ، ولكن في سورة النمل لم يذكر اسمها .

في الترجوم يقول بأن ديك الغابة يقول بأنه قادر على أن يذهب لمدينة كيتور ويُقيد ملوكها وحاكمتها بسلاسل من حديد ويأتي بهم لسليمان ، وهذا يعني بأن ديك الغابة هو طائر وحشي له يدان كما له جناحان وقوي لدرجة كبيرة تمكنه من تقييد جيش بأكمله منفرداً وحملهم من سبأ إلى موطن سليمان .. ولكن في القرآن لم يتكلم الهدهد بهذا الكلام التافه ولكن ذكر ما لم يذكره الترجوم حيث قال انهم يسجدون للشمس ولم يقل كما قال الترجوم بأن ديك الغابة كان يبحث عن مدينة ليست خاضعة للملك سليمان ، فالقضية ليست قضية سلطة أو حكم بل القضية هي قضية إيمانية بحتة... فالفارق كبير .

كما أن عماري يقول بأن الترجوم يذكر بأن سليمان تفقد الوحوش والزواحف وكذا الطيور .. ولكن عماري لم يقدم لنا الفقرة التي تقول بأن سليمان تفقد الوحوش والزواحف ولكن القرآن ذكر بأن سليمان تفقد الهدهد فقط وهذا واضح في جميع تفسيرات العلماء ، فقال القرطبي : روى عن ابن سَلاَم. قال أبو مِجْلَز قال ابن عباس لعبد الله بن سَلاَم: أريد أن أسألك عن ثلاث مسائل قال: أتسألني وأنت تقرأ القرآن؟ قال: نعم ثلاث مرات. قال: لم تفقد سليمان الهدهد دون سائر الطير؟

فكانت وظيفة الهدهد على ما ذكره ابن عباس وغيره أنهم كانوا إذا أعوزوا الماء في القفار في حال الأسفار يجيء فينظر له هل بهذه البقاع من ماء، وفيه من القوة التي أودعها الله تعالى فيه أن ينظر إلى الماء تحت تخوم الأرض، فإذا دلهم عليه حفروا عنه واستنبطوه وأخرجوه واستعملوه لحاجتهم، فلما تطلبه سليمان عليه السلام ذات يوم فقده، ولم يجده في موضعه من محل خدمته.

وخواطر الشعراوي ذكرت بأن سليمان تفقد الطير فقط ، وكذا ابن كثير ، وجاء في تفسير الطبري قوله : يقول تعالى ذكره: { وَتَفَقَّدَ } سليمان { الطيْرَ فَقالَ مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ }. وكان سبب تفقده الطير وسؤاله عن الهدهد خاصة من بـين الطير......، إذن لا توجد آية قرآنية أو إجماع للمُفسرين يذكر بأن سليمان تفقد الوحوش والزواحف .


يتبع