أعرف عدوك! (صورة من ارشيف الجيش الاميركي)

منْ يتعلم العربية في اميركا؟

الباحثون عن فرصة عمل في الاستخبارات والمباحث الفيدرالية والبنتاغون يقبلون على تعلم اللغة العربية.

ميدل ايست اونلاين
واشنطن - من يحيى عبد المبدي محمد

بلهجة عامية بليغة قال لي طالب الدراسات العليا في جامعة جورج واشنطن والذي بدأ دراسته للغة العربية منذ عام 1998 "يا خسارة على طلبة زمان" وأستطرد قائلا معظم دارسي اللغة العربية بعد 11 سبتمبر يمكن اعتبارهم من الباحثين عن فرصة عمل في الاستخبارات أو المباحث الفيدرالية أو وزارة الدفاع وحسب. وهو ما يمكن أن يعتبر استثمارا شخصيا لنتائج هجمات الحادي عشر من سبتمبر. هذا هو تقريبا نفس المعنى الذي أشار إليه عماد رشدي منسق البرنامج العربي في جامعة بنسلفانيا والذي عاصر طلاب المرحلتين ، حيث يقول إن الإقبال الشديد والزيادة المطردة في أعداد طلاب اللغة العربية يدل ببساطة على إدراك طبيعي منهم بأن هذا هو زمن اللغة العربية وأن باب العمل والوظائف مفتوح على مصراعيه لهم.


من يتعلم العربية في الولايات المتحدة


يبلغ عدد طلاب اللغة العربية في الجامعات الأميركية الآن 12 ألف طالب طبقا لإحصاء الرابطة الأميركية للغات الحديثة Modern Language Association of America بزيادة 7 آلاف طالب عن العام الدراسي السابق لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. محمود البطل أستاذ اللغة العربية بجامعة إموري Emory بولاية أتلانتا يقول في مقابلة مع إذاعة صوت أميركا في الـ17 من فبراير السابق إن أعداد طلاب الأقسام التي تدرس اللغة العربية قد زادت بنسبة 100% بعد أحداث سبتمبر، وارتفع عدد الجامعات والمعاهد التي تقدم لطلابها فرصة تعلم اللغة العربية. وفي ظل تلك الزيادة غير المسبوقة في تاريخ تعليم اللغة العربية في أميركا توجه تقرير واشنطن إلى المتخصصين والدارسين لاستطلاع آرائهم حول أسباب هذه الزيادة ودوافع وأهداف الدارسين من وراء تعلم العربية وكيف أثرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر على نوعية وطبيعة الدارسين. شكري عابد مدير برنامج اللغات في معهد الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية واشنطن (بلغ عدد طلاب المعهد لهذا العام 950 طالبا) يقول في مقابلة مع تقرير واشنطن إنه يمكن تقسيم دارسي اللغة العربية في الولايات المتحدة إلى الشرائح والفئات التالية:

أ?- مهنيون ومتخصصون سواء كانوا دبلوماسيين أو عسكريين أو خبراء يعملون في إدارات حكومية أو خاصة تتعامل مع الشرق الأوسط.

ب- طلاب جامعيون هدفهم البحث والعمل الأكاديمي.

ج- دارسون من أصول عربية لديهم دوافع ثقافية بهدف التعرف والعودة إلى الجذور.

د. شريحة هدفها اجتماعي نتيجة الزواج المختلط وغيره.

هـ - طلاب مسلمون من أصول غير عربية يريدون قراءة وفهم المصادر والعلوم الإسلامية باللغة العربية.

ويؤكد محسن السيسي الأستاذ بجامعة جورج واشنطن ومدير برنامج اللغة العربية فيها هذا المعنى عندما يقول إن دارسي العربية في الجامعات والمؤسسات الأميركية يأتون من كل حدب وصوب، ففضلا عن الطلاب ذوي الأصول العربية أو المسلمين الذين يعيدون تشكيل هويتهم الثقافية والدينية، هناك أعداد متزايدة من الأميركيين يدرسون اللغة العربية لأسباب أكاديمية أو مهنية من دبلوماسيين وعسكريين ورجال أعمال ترتبط مصالحهم بمنطقة الشرق الأوسط مثل نموذج شركة آرامكو العاملة في مجال النفط في العربية السعودية. وأضاف السيسى الذي تزايد عدد طلاب العربية في برنامجه إلى 260 طالبا هذا العام، أن زيادة الإقبال على تعلم العربية من مختلف فئات وشرائح المجتمع الأميركي قد تزامن مع رغبة الحكومة والمؤسسات الأميركية في توفير الدعم والموارد المالية لجذب المزيد من طلاب ودارسي اللغة العربية خصوصا في ظل الأجواء السياسية والأمنية المحيط

علاء الجبالي أستاذ اللغويات في جامعة ميرلاند ومدير برنامج منحة فلاغشب Flagship لتعليم اللغة العربية والمدعومة من الحكومة الأميركية وتشترط عمل الطالب أو الطالبة في مؤسسة حكومية لمدة عام على الأقل نظير حصوله على المنحة، يرى أن التنوع في دوافع دارسي العربية في الولايات المتحدة يكمن في الحاجة الإستراتيجية الملحة التي تمر بها المؤسسات الحكومية، لكن هذا التنوع في فئات الوافدين الجدد من الدارسين لأهداف مهنية لم يغير من واقع وجود الفئات التقليدية من الباحثين عن المعرفة والتواصل الإنساني مع ثقافات وبيئات متباينة.


ماذا يقول الطلاب؟


رغم أن الكثير من الدارسين والطلاب لا يمتلكون قدرة التنظير التي يمتلكها الأساتذة في تناول وتحليل الموضوع، إلا أنهم أكثر تعبيرا عن دوافعهم وأهدافهم من تعلم اللغة العربية. توجه تقرير واشنطن لاستطلاع آراء شريحة متنوعة من دارسي العربية بعضهم جامعيون وبعضهم مهنيون، منهم من ذكر اسمه وتخصصه ومنهم من فضل عدم ذكر أي معلومات شخصية.

وأظهرت نتائج استطلاع أراء هذه الشريحة من دارسي اللغة العربية أن ثلث عدد الطلاب الجامعيين ينحدرون من أصول عربية أو إسلامية. بول غبرايل Paul Gabriel يقول "ببساطة أتعلم اللغة العربية لأنني الوحيد بين أفراد أسرتي الذي لا يستطيع الحديث والتواصل معهم ومع أصدقائهم بالعربية." أما نوشين ألو Nushin Alloo طالبة الدراسات العليا التي ولدت لأسرة مسلمة، فترى أن دافعها الشخصي وراء تعلم العربية يكمن في رغبتها زيادة عدد العرب والمسلمين العاملين في الحكومة الأميركية بهدف مد جسور التفاهم بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي . وتضيف أن وجود كوادر في الحكومة تحمل كلا الثقافتين الشرقية والغربية سيؤدي بلا أدنى شك إلى تغيير وتحسين العلاقات بين الجانبيين. أما نميكا زمان التي تدرس علم البيولوجيا فتقول أن هدفها من تعلم العربية هو القدرة على فهم دينها الإسلامي على نحو أوضح.

وأظهرت أجوبة 30% من الشريحة المستطلعة آراؤهم أن الدافع من تعلم اللغة العربية دافع مهني بحت سواء بهدف البحث عن فرصة عمل جيدة أو بهدف تطوير قدراتهم الوظيفية والمهنية. الطالب الجامعي كيث منتل Keith Mantel يقول إن هدفه من دراسة اللغة العربية هو الحصول على فرصة عمل أمنية في الخارج. بينما يصرح طالب آخر أنه يسعى من خلال دراسة العربية للعمل في وكالة الاستخبارات الأميركية CIA . أما إيلان رافيل Elan Raffel المولود لأم إسرائيلية فيقول إن حلمه أن يعمل في وزارة الخارجية الأميركية. كما أنه بوصفه يهودي يزور إسرائيل يرغب في التواصل والتفاهم مع العرب في منطقة الشرق الأوسط. بينما تقول طالبة أخرى أكدت على عدم ذكر اسمها أنها كانت تعمل في الجيش منذ العام 1993 . وأن قيادتها قد رشحتها للتخصص في اللغة العربية. وكانت تلك بداية معرفتها ودراستها للغة العربية.

وأظهرت أجوبة بعض الدارسين وإن بدوا قلة بالمقارنة بالفئات الأخرى أن هدفهم من دراسة اللغة العربية أكاديمي معرفي أو رغبة في التواصل الإنساني والتقارب بين الثقافات. بل أن الصدفة البحتة في بعض الحالات قد لعبت دورا في دفع أصحابها لتعلم ودراسة اللغة العربية. أحد هواة دارسي العربية يقول إن قصته مع اللغة العربية قد بدأت عندما قرر القيام برحلة استكشافية في العالم عام1999 وكانت البداية في تونس ثم الإسكندرية وهو منذ تلك اللحظة أصبح عاشقا لدراسة اللغة والثقافة العربية. أما أنجو كابيليل Aanju Kaippallil، فتقول إنها ولدت في المملكة السعودية لأسرة ذات أصول هندية وكانت تلك الصدفة الدافع وراء اهتمامها بدراسة العربية في الولايات المتحدة كما يمكن أن تؤثر هذه الظروف على قرار مجال عملها في العلاقات الدولية بعد إتمام دراستها. أما جيسون برونلي الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برنستون فيرى أن اهتمامه بدراسة اللغة العربية نابع من رغبته في التحول الديمقراطي وتحسين أوضاع حقوق الإنسان والتنمية في بلدان الشرق الأوسط فضلا عن حبه للثقافة والحياة في العالم العربي.


ما الفارق بين طلاب ما قبل وما بعد 11 سبتمبر؟


الجبالي يرفض وصف طلاب ما بعد 11 سبتمبر بالانتهازية. ويرى أنه لا يوجد تعارض بين حرصهم على تأمين مستقبلهم الوظيفي ورغبتهم الأكاديمية والمعرفية في دراسة العالم والثقافة العربية. ويتفق السيسي مع هذا الرأي قائل إن عبارة "الباحثون عن الفرص" في إشارة إلى دارسي اللغة العربية بعد 11 سبتمبر تنطوي على الكثير من المعاني السلبية في حق هؤلاء الطلاب ، مع الأخذ في الاعتبار أن دارسي العربية ليسوا فئة أو شريحة واحدة". المسألة هنا - والحديث للسيسي- مسألة كم ليس أكثر، كما أن الأمر لا يتعدى زيادة اهتمام بالعرب والإسلام في ظل ما تعرضت له الولايات المتحدة من اعتداء. وحتى مع الافتراض الجدلي لنية وهدف الشريحة الجديدة من دارسي العربية انطلاقا من مبدأ " اعرف عدوك" ، يرى عابد أن هذا المبدأ إن وجد ربما يشتمل على نتائج إيجابية ففي البداية يكون "أعرف عدوك" ثم يصبح "اعرف الآخر" ثم "أعرف جارك".

ويذهب أحد الدارسين إلا أبعد من ذلك عندما يقول "أخيرا أصبح هناك هدف عملي تطبيقي من دراسة اللغة العربية بالعمل للمؤسسات الحكومية بدلا من التنظير العلمي للأكاديميين وإضاعة الوقت في حوارات المثقفين". بينما ترى طالبة أخرى أن زيادة وجود فرص عمل لدارسي اللغة والثقافة العربية والإسلامية بغض النظر عن دوافع ونوعية الدارس سيصب في النهاية في صالح الطرفين أمن الولايات المتحدة وتحسين صورة العرب والمسلمين. (تقرير واشنطن)

المصدر
http://www.middle-east-online.com/?id=33559