إن كل من يراقب سجل نتائج الانتخابات الإسرائيلية منذ اتفاقات أوسلو عام 1993 في عهد حكومة رابين وحزب العمل يجد أن ما يسمى اتجاه «الوسط» الذي يمثله حزب العمل وميريتس لم يستطع الفوز برئاسة الحكومة منذ عام 1999 ولم يبق في الحكومة سوى سنة ونصف السنة برئاسة باراك الذي فاز على نتنياهو ثم هزمه شارون عام 2001. فجميع الحكومات الإسرائيلية التي تعاقبت منذ ذلك الوقت كانت بقادة اليمين واليمين المتشدد سواء أكان الاسم (ليكود) أم (كاديما) الحزب الذي انبثق عن ليكود ولو جمعت مقاعد ليكود برئاسة نتنياهو وهي (12) مقعداً الآن بمقاعد ليكوديين سابقين في حزب كاديما الذي أسسه شارون في نهاية عام 2005. وهم يشكلون 23 مقعداً لأصبح العدد (35) مقعداً هو عدد المقاعد نفسها التي كان ليكود يحصل عليها في عهد مناحيم بيغين تقريباً.

لكن اليمين الإسرائيلي رغم الانشقاقات التي تدب فيه وتخلق منه أحزاباً متعددة ذات أحجام متنوعة بدأت مقاعده البرلمانية تزداد بين انتخابات وأخرى بخلاف «الوسط» الذي بدأ يخسر أكثر فأكثر عدداً متزيداً من مقاعده بين فترة وأخرى رغم قلة الانشقاقات فيه بالمقارنة مع اليمين.

فاستطلاعات الرأي الحالية قبل يوم من موعد الانتخابات غداً تشير إلى احتمال فوز (العمل) و(ميريتس) بـ(20) إلى(22) مقعداً فقط رغم أن عدد مقاعدهما في عهد رابين كان (42) مقعداً.

لكن اللافت في الساحة السياسية الحزبية الإسرائيلية هو تزايد عدد مقاعد اليمين المتشدد العلماني والديني السلفي اليهودي. فمجموع مقاعده بلغت (38) مقعداً تضم حزب ليبيرمان (11) مقعداً عن «إسرائيل بيتنا» والاتحاد القومي (9) مقاعد وحركة شاس الدينية (12) مقعداً ويهدوت التوراة (6) مقاعد وإذا استندنا لاستطلاعات الرأي قبل يوم من الانتخابات فسنجد أن اليمين المتشدد يمكن أن يفوز بـ(40) مقعداً بزيادة ملحوظة لحزب ليبيرمان (17) إلى (18) مقعداً.

وهذا ما يمكن أن يوفر لزعيم اليمين التقليدي نتنياهو حليفاً احتياطياً كبيراً بالمقارنة مع حليف الوسط الذي يمثله حزب العمل وجزء من حزب كاديما في أحسن الأحوال.
فالجمهور الإسرائيلي الذي أبدى 68% منه رفضه للمبادرة العربية للسلام التي أعلنت في قمة بيروت عام 2002 يميل أكثر فأكثر إلى الاتجاهات اليمينية واليمينية المتشددة ولم يعد يفضل الوسط الذي كان العمل يمثله في بداية السبعينيات وأوساط الثمانينيات بل إن ازدياد مقاعد حزب ليبيرمان إلى 18 مقعداً ربما يجعله ثالث أكبر حزب بعد ليكود وكاديما ليتراجع حزب العمل إلى مرتبة الحزب الرابع لأول مرة في تاريخه رغم أنه يمثل القادة الذين أنشؤوا إسرائيل منذ البداية. أما السر المكشوف في توجه نسبة من الناخبين إلى ليبيرمان فهي تعود إلى زيادة نسبة الذين يجاهرون بعنصريتهم تجاه العرب داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 ومنذ عام 1967. فالمعروف أن ليبيرمان منذ انسحابه من حزب ليكود عام 1999 وتشكيله حزباً خاصاً لليهود الروس ولأنصار اليمين الاستيطاني المتشدد كان يدعو علناً إلى إبعاد العرب في الجليل عن قراهم وإنشاء إسرائيل من جديد دولة لا تمنح حق العيش فيها إلا لليهود فقط لكي تصبح دولة يهودية وليس دولة «مزدوجة القومية» الآن بسبب وجود (1.5) مليون من العرب داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 مقابل (5.3) ملايين من اليهود وكانت صحيفة هآريتس الإسرائيلية قد كشفت في أكثر من مقال ونبأ بأن ليبيرمان كان عضواً في حرب (مائير كاهانا) في البداية وبعد سنوات قليلة من هجرته من (مولدافيا) إلى إسرائيل ونشأ سياسياً وعقائدياً على أفكار منظمة (كاهانا) التي كانت تجاهر بعنصريتها منذ بداية السبعينيات وتدعو علناً إلى إبعاد العرب عن جميع الأراضي المحتلة. بل إن منظمة كاهانا مارست عمليات إرهابية بالمتفجرات مع المدنيين الفلسطينيين ومدارس التلاميذ في القدس والخليل وكان من بين أهم رموزها (باروخ غولدشتاين) الذي قتل وجرح مئات الفلسطينيين عام 1997 في مسجد الحرم الإبراهيمي في الخليل قبل قتله على يد الفلسطينيين في المسجد.


فالمستوطنون الذين يقارب عددهم نصف مليون في القدس المحتلة وما ضم إليها من مستوطنات بالإضافة إلى المستوطنات الكبرى داخل الجدار يشكلون أهم أصوات انتخابية لليبيرمان ولأحزاب دينية يهودية متشددة مثل شاس ويهدوت التوراة بشكل خاص.

ولدى المستوطنين مجموعات ومنظمات مسلحة مارست جرائم إرهابية بحق المدنيين والأطفال الفلسطينيين في عمليات كثيرة وحاولت تفجير قبة الصخرة في الحرم القدسي الشريف في أكثر من مناسبة. وإذا ما شكل ليبيرمان زعيماً لهذه المجموعات المسلحة وأنصارها من المستوطنين فسوف يكون من بين أكثر القوى قدرة على شن العمليات المسلحة السرية على الفلسطينيين إلى جانب قوات الاحتلال الموجودة في الضفة الغربية.

وكان ليبيرمان قد تسلم منصب وزير المهام الإستراتيجية في حكومة أولمرت في عام 2007 وهدد بقصف السد العالي وضرب مصر لأنها لا تقوم على حد رأيه بمنع تهريب السلاح إلى المقاومة في قطاع غزة. ولو قورنت تصريحات ليبيرمان العنصرية والنازية بحق العرب داخل فلسطين وخارجها لزادت في حدتها وخطورتها ما نسب إلى الزعيم النمساوي «هايدر» من تصريحات تدعو إلى العنصرية. «فهايدر» كان ثالث الأحزاب حجماً في الانتخابات التي جرت قبل سنوات في النمسا وكان يدعو إلى تخليص النمسا من الغرباء غير النمساويين من المهاجرين إليها ووقف تدفقهم إلى النمسا ومع ذلك قامت إدارة بوش ومعها قادة الاتحاد الأوروبي بمقاطعة النمسا إذا بقي «هايدر» وزيراً في حكومة النمسا. فقد تشكلت في فيينا حكومة ائتلافية شارك فيها حزب «هايدر» ثم تقرر مقاطعتها إلى أن خضع النمساويون وأحزابهم إلى حل الحكومة وإقصاء «هايدر» عنها بحجة أنه يدعو إلى أفكار عنصرية ونازية.

لكن ليبيرمان الذي زاد عدد تصريحاته العنصرية والنازية على الأربعين تصريحاً بموجب ما نشر في الصحف العبرية وحدها خلال سنتين لم تطلب إدارة بوش وقادة أوروبا إقالته من وزارة المهام الإستراتيجية عام 2007 بل استقبلته واشنطن وأوروبا في كل المناسبات. وها هو ليبيرمان وحزبه العنصري النازي يعود إلى ساحة التأثير داخل إسرائيل وربما يصبح وزيراً للخارجية، أو للدفاع إذا ما رغب في ذلك دون أن يسحب أياً من تصريحاته النازية بقتل العرب وإبعادهم عن أرضهم ولا أحد من الدول التي قاطعت فيينا بسبب «هايدر» الذي توفي في العام الماضي يطالب قادة إسرائيل بمنعه استلام أي منصب وزاري.

http://alwatan.sy/newsd.php?idn=51012