غزةُ بدر، غزةُ أُحد، غزةُ الخندق، غزةُ فتح مكة!



د.وسيم فتح الله


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله منزل الكتاب، الحمد لله مجري السحاب، الحمد لله هازم الأحزاب، الحمد لله نصر عباده

المؤمنين، وأعز جنده الموحدين، وهزم أحزاب الكفرة المجرمين، والصلاة والسلام على سيد

المرسلين، قائد المجاهدين، إمام الغر المحجلين، وعلى كل من حمل لواء الجهاد بعده من صحابته

الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد...

فلقد قال رسول الله:"الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"[1]،

فكان قوله صلوات الله وسلامه عليه إيذاناً بمضي هذه الفريضة إلى أن يرث الله تعالى الأرض

ومن عليها، شاء من شاء وأبى من أبى، عزَّ من عز وذَلَّ من ذل. وكان أن أُهريقت الدماء في

سبيل الله تعالى على صبرٍ ومشقةٍ حيناً، ثم دفعاً لمعتدٍ أثيم حيناً، ثم طلباًَ لمعاقل الكفر العالمي

أينما حلَّت وفي أي زمانٍ أطلت، والأيام من بعد ذلك دول، فجهاد الطلب تارة، وجهاد الدفع تارة

أخرى، والجند المجاهدون الموحدون المخلصون يتفيأون ظلال الجنة تحت سيوف الدفع حيناً،

وسيوف الطلب حيناً، وهم في هذا وهذا غير آبهين بناعقٍ ولا مخذل، غير ملتفتين إلا إلى أمنية

قائدهم وعظيمهم صلى الله عليه وسلم:"
والذي نفسي بيده، لوددت أني أُقتل في سبيل الله ثم

أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل
"[2].

وإن غزوة غزة اليوم ما هي إلا امتداد لوعد الصادق المصدوق بمضي هذه الفريضة، وامتداد

لوعد الصادقين المخلصين بإمضائها بإذن الله عز وجل وهو القائل سبحانه: (
من المؤمنين رجالٌ

صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً
)[3]، وإن

المعاني الإيمانية التي تمثلها هذه الغزوة المباركة عظيمةٌ أصيلةٌ عظمةَ هذا الدين وأصالة هذه

الدين، ولئن سماها القائد المجاهد إسماعيل هنية بمعركة الفرقان تيمناً بغزوة بدر الكبرى، فلقد

كشف الله تعالى لنا مع مرور الأيام على هذه الغزوة أن من وراء بدرٍ أُحداً، وأن من وراء أُحدٍ

الخندق، وإنا لنستشرف من وراء الخندق الفتح، وما ذلك على الله بعزيز. فلنعد إلى التاريخ

القرآني الذي سطر لنا المبادئ الإيمانية والقواعد العقدية وروائع التربية المحمدية في هذه

المحطات العظام ولنسقط هذه المعالم على غزوة غزة اليوم، لنعلم أن هذا الدين محشودٌ محفودٌ

مخدومٌ محفوظٌ اليوم كما كان عهد النبوة، فلنتدبر :

أولاً: غزةُ بدر:


وهي التي سمى لأجلها فيما أحسب المجاهد إسماعيل هنية غزوة غزة بمعركة الفرقان، وقد كانت

بدر الكبرى يوم الفرقان كما سماه الله عز وجل: (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)[4]، والجمعان

هما جمع الكفار من قريش الذين عتوا عن أمر الله تعالى، وجمع الصحابة المؤمنين بقيادة خاتم

المرسلين وتأييد جبريل الأمين بأمر رب العالمين؛ جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فقال:"
ما تعدون أهل بدرٍ فيكم؟ قال:من أفضل المسلمين أو كلمةً نحوها، قال: وكذلك من شهد

بدراً من الملائكة
"[5]، ونحن نقول اليوم:
إن أهل غزة من أفضل المسلمين اليوم، وهم تاج

رؤوسنا، دونهم دماؤنا وأعراضنا وأموالنا، ففداكم نفسي أهل غزة.

وليس هذا المعلم الوحيد من معالم بدر في غزة اليوم، بل هناك أمر آخر أهم يتمثل في قوله تعالى:

(
وإذ يَعِدُكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن

يُحقَّ الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين. لِيُحقَّ الحق ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون)[6]
، لقد

هيَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن حضر مِن الصحابة ليعترضوا عير قريش لا سعياً وراء

مال وإبل وإنما انتصاراً لدولة الإسلام الفتية وفرضاً لهيبتها أمام قوى الكفر وفتَّاً في عضد

الكفار، ولقد كان يمكن أن يتحقق ذلك كله بمجرد الظفر بالعير وتلك غير ذات الشوكة، ولكن الله

تعالى أراد أمراً آخر، فكانت كلماته الكونية القاضية بذات الشوكة بما فيها من قتال وقتل وإراقة

دماء لتتم كلماته الشرعية من الفرقان بين الحق والباطل إمعاناً في قطع دابر الكافرين وإرغاماً

لأنوف المجرمين.

ولقد ودت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" غير ذات الشوكة بادئ الأمر فسعت في طريق

الانتخابات والعمل السياسي باجتهاد مأجور إن شاء الله، ووصلت إلى السلطة وحملت راية

الإسلام، وكان من الممكن أن ييسر الله تعالى لها أسباب الاستقرار، ولكن هيهات أن تقوم دولة

الإسلام اليوم عن طريق شائب في أحسن أحواله قد يأتي غداً بحكومة علمانية كما جاء بالأمس

بحكومة إسلامية، فكان لا بد من التمحيص، وكان لا بد من ذات الشوكة التي بدأت بالحصار

الخانق والتشويه الإعلامي المغرض ووصلت إلى هذا العدوان الإجرامي الهمجي الذي أريقت فيه

الدماء وتناثرت فيه الأشلاء وأهل غزة صامدون صابرون همهم همٌّ واحد: أن يُقطع دابر

الكافرين، وأن ترتفع راية الإسلام وحدها ولو كره المجرمون، وهذه هي غزة بدر...