الجزء العاشر :

ولما آل الأمر إلى «محمد الثاني» (855 ـ 688 هـ) الملقب بالفاتح، استهل ولايته بالتهيؤ لفتح القسطنطينية، فتم ذلك فعلاً سنة سبعٍ وخمسين وثمانمائة (758 هـ/ 3541م)، وكان حدثاً مهماً اهتز له العالم الإسلامي فرحاً وسروراً، وهز أوروبا وسائر النصارى في العالم حزناً وثبوراً. وسقطت الدولة البيزنطية العريقة، وعُدّ ذلك التاريخ مبدءاً للتاريخ الحديث؛ لجلالة المناسبة، وعميق آثارها. وتحولت مدينة قسطنطين «القسطنطينية» إلى مدينة الإسلام «إسلامبول»، وصارت كنيستها العظمى «أياصوفيا» جامعاً للمسلمين(1).
وقد تابع السلطان محمد فتوحاته حتى أخضع بلاد المورة، والصرب، والبوسنة، والأرناؤوط، وألبانيا، إلى سنة إحدى وسبعين وثمانيمائة (178 هـ/ 7641م). ثم ولَّى وجهه نحو بلاد القرم، فأخضعهــا ســـنة تســع وسبعين وثمانمائة (978 هـ/ 5741م). أما أهم دولتين في أوروبا ذلك العهد؛ وهما جمهوريتا البندقية، وجنوة، فقد اضُطرتا للصلح مع السلطان محمد الفاتح، والتنازل عن كثيرٍ من المواقع .
لقد كان النصف الثاني من القرن التاسع الهجري يمثل قمة تألق الدولة العثمانية، وقوتها، ونفوذها؛ بحيث لا تساميها دولة من دول العالم آنذاك. وكان فاتح القسطنطينية يطمح إلى فتح «روما» معقل البابوية؛ لولا أن عاجله الأجل سنة ست وثمانين وثمانمائة (688 هـ/ 1841م)، بعد حكم دام أكثر من ثلاثين سنة، أبلاها في الحروب، والفتوح، وتسطير الأمجاد الخالدة، رحمه الله رحمة واسعة.
وفي نهاية القرن التاسع سجل التاريخ ثلاثة أحداث كبار:
1 ـ سنة ستٍ وثمانمائة (688 هـ/ 1481م) وصل الرحالة البرتغالي «فاسكو دي جاما» إلى الهند؛ عن طريق رأس الرجاء الصالح.
2 ـ سنة سبعٍ وتسعين وثمانمائة (798 هـ/ 2941م) وصل الرحالة الإسباني «كريستوفر كولومبس» إلى إحدى جزر الهند الغربية، كما كان يظن، وتم اكتشاف قارة أمريكا.
3 ـ في العام نفسه كان سقوط «غرناطة»، آخر ممالك المسلمين في الأندلس، على يد النصارى الإسبان، وجرى طرد المسلمين من إسبانيا إلى الشمال الإفريقي.
لقد كان للحدثين الأولين آثار استراتيجية واقتصادية بالغة الأثر في تغيير ميزان القوى لصالح الغرب النصراني، كما كان للحدث الثالث أثر نفسي في رد الاعتبار، والثأر الديني لنصارى أوروبا لقاء الهزائم المتكررة التي مُنوا بها في الجانب الشرقي من قارتهم، ولا سيما سقوط القسطنطينية.
وتجددت الأمجاد الإسلامية في عهد أشهر سلاطين «آل عثمان»، وهو السلطان «سليمان القانوني» (926 ـ 479 هـ)، الذي هز أركان أوروبا بفتوحاته العظام، وجهاده الدؤوب، في كل صوب. ومن أشهر مآثره:
\ فتح «بلغراد» سنة سبع وعشرين وتسعمائة (729 هـ/ 1251م).
\ هزيمة الجيش المجري، وحلفائه الألمان، والنمساويين في معركة «موكر».
\ حصار «فيينا» عاصمة النمسا سنة خمسٍ وثلاثين وتسعمائة (539 هـ/ 9251م).
\ تجريد حملة عثمانية بقيادة السلطان، عُرفت باسم الحملة العثمانية على ألمانيا، لتأديب أسرة «هابسبرج» العريقة، اخترقت البلقان، والمجر، والنمسا، وصولاً إلى ألمانيا، فاضطر فرديناند ملك النمسا؛ إلى التوقيع على معاهدة صلح مذلة، ودفع جزية سنوية قدرها ثلاثون ألف دوق ذهباً للخزينة العثمانية.
\ استعادة مدينة «بودين» المجرية سنة ثمانٍ وأربعين وتسعمائة (849 هـ/ 1451م)، وتحويل أضخم كنائسها إلى جامعٍ للمسلمين، وتعيين ملكٍ للمجر من قِبَل السلطان.
\ القضاء على حملة صليبية بإشراف البابا بول الثالث، ومشاركة ملكي النمسا والمجر سنة إحدى وخمسين وتسعمائة (159 هـ ـ 3451م)، وإلزامهما بدفع الجزية.

يتبع الجزء الحادي عشر بإذنه تعالى
::::::::::::::::::::::::::