بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده،
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
أما بعد
:
فقد نقلتُ لكم في الحلقتين
السابقتين كلام مؤلف الكتاب عن فضل العشر، وفي هذه الحلقة الثالثة أنقل لكم بمشيئة الله تعالى كلامه عن الأضاحي حيث قال:
تعريـــفُ الأضحيـــة:
هي ما يُذبح من النعم يوم النحر
وأيام التشريق، تقرباً إلى الله عز وجل وسُميت بذلك لأنها تذبح ضحى بعد صلاة العيد.
حكمتهــــــا:
شكر الله تبارك وتعالى على جميل إحسانه، ووافر إنعامه ومراعاة الغني للفقير في هذه الأيام المباركة، وفيها إحياء لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وقد شرعت في السنة الثانية من هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان..
حكمهـــــا:
إن الأضاحي واجب وزمانها

العيد والتشريق خير زمــان
بالإبل والأبقار ثم ثنيـــــــة

للمعز ضح كذا وجذع الضان
أجمع
المسلمون على مشروعيتها وهي في كل ملة لقول الله تعالى: [ ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام ](2)
قال ابن القيم: ( ففي كل
ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقرآن بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه، وكذلك الأضحية، والله أعلم.(3)
ومع
إجماعهم على مشروعيتها، اختلفوا أواجبة هي أم سنــة ؟ على قولين:
الأول: أنها
واجبة، وهو قول الأوزاعي وربيعة والليث بن سعد ومذهب أبي حنيفة وبعض المالكية، وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد.
الآخـر: أنها سنة مؤكدة، وهو قول الجمهور، لكن
صرح كثيرٌ من أهل هذا القول بأنه يكره تركها للقادر، منهم أحمد ( في الرواية الأخرى عنه)
وقال محمد بن الحسن الشيباني: هي سنة غير مرخص في تركها.
قال الطحاوي: وبه نأخذ (4) 1هـ
قلتُ: القول بالوجوب أظهر وأقوى، لكن بشرط القدرة عليها، حيث
داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمون بعده، وحث عليها صلوات ربي وسلامه عليه بقوله: { من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا }(5)
وكان يظهرها عليه
الصلاة والسلام على أنها شعيرة من شعائر الإسلام، فيخرج بأضحيته إلى المصلى ويذبحها بعد الصلاة.
وترجيح القول بالوجوب اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: إن
الظاهر وجوبها وأن من قدر عليها فلم يفعل فهو آثم لأن الله سبحانه وتعالى ذكرها مقرونة بالصلاة في قوله: ( فصلي لربك وانحر ) (6)
وفي قوله: [ قل إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ] (7)، وأبدى فيها وأعاد بذكر أحكامها وفوائدها ومنافعها في سورة الحج، وشيء هذا شأنه ينبغي أن يكون واجباً، وأن يُلزم به كل من قدر عليه " (8) ا هـ
شروط الأضحيـــــة :

الشروط في الأضحية أربعة وهي كالتالي:

الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقـــر والغنم ( يشمل المعــز و الضأن ) لقوله عز وجل: [ على ما رزقهم من بهيمة الأنعام...... ](9)
فلو ضحى إنسان بحيوان من غير هذه الأنواع، وان كان أغلى
ثمناً وقيمة منها لم يجزئ عنه.(10)
تنبيه : ذهب بعض أهل العلم إلى جواز
التضحية بالديك والعصفور وما أشبهه ، وهذا قول باطل ومردود ، لأن الأضحية معني شرعي لا يرجع إلى غير الشرع في تفسيرها وتحديدها، ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بغير الإبل والبقر والغنم فوجب الاقتصار عليه .
الشرط الثاني:أن
تكون قد بلغت السن المعتبرة شرعاً، فإن كانت دونــه ( أقل منه ) لا تجزيء، لقوله صلى الله عليه وسلم: { لا تذبحوا إلا مسنة،إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن }
وهذا الحديث ليس على ظاهره، فقد نقل النووي عن الجمهور أنهم حملوه على
الاستحباب والأفضل، وتقديره يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فان عجزتم فجذعة ضأن، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزيء بحال، وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيـره وعدمه، فتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب والله أعلم.(11) اهـ
قلت: ويدل لقول الجمهور عدد من الأحاديث ذكرها الحافظ ابن حجر في
فتح الباري، فليراجعها من شاء ففيها مقنع لكل عاقل منصف.(12)
ونخلصُ من هذا إلى
أنه لا بد من بلوغ السن المعتبرة شرعاً، وأن تكون من بهيمة الأنعام، وهذا يدلنا على أنه ليس المقصود من الأضحية مجرد اللحم، وإلا لأجزأت بالصغير والكبير.
والجذعُ
: هو ما استكمل السنة، أو أجذع قبلها ( أي سقطت أسنانه للبدل ) ويكون ذلك كالبلوغ عند الإنسان، أما بالسن وإما بالاحتلام.
والمسنة: هي الثنية، ويكون في ذات الخف
( الإبل ) في السنة السادسة، وفي ذات الظلف والحافز ( البقر ) في السنة الثالثة، وفي الغنم، يكون في المعز، في السنة الثانية وفي الضأن، نصفها.
فائدة: ذكر بعض
العلماء: إن من علامات إجزاء الضأن أن ينام الشعر على الظهر لأن الخروف الصغير يكون شعره واقفاً، فإذا بدأ ينام فهذا علامة على أنه صار جذعاً.
الشرط الثالث
:
لا تجزي العجفاء ثم مريضة

والعرج بينها مع العوران
السلامة من العيوب
المانعة من الإجزاء، والتي نص عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: { قام فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أربعٌ لا تجوز – وفي رواية – لا تجزيء في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء – وفي رواية والكسير التي لا تنقي}
الحديث أخرجه مالك و أحمد وأصحاب السنن، وغيرهم بإسناد صحيح.

قلتُ
: وعلى ذلك عامة أهل العلم، ويلحق بهذه الأربع التي ورد بها النص، ما كان بمعناها أو أولى، مثل العاجزة عن السير لعاهة، أو مقطوعة إحدى اليديــــن أو الرجلين.
وللشيخ العلامة ابن عثيمين – رحمة الله تعالى عليه – كلام نفيس جداً فمن شاء
فليرجع إليه في ( رسالة الأضحية )
الشرط الرابع: أن يكون الذبح بعد صلاة
العيـــد
والدليل على ذلك ينقســم الى قسمين هما:

الأول : دليل عام : وهو
يعتبر قاعدة عامة في الشريعة والذي يتمثل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } (13)
الآخر : دليل خاص : وهو ما ثبت في هذه المسألة بخصوصها، ومنها.

أ – قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة رضي الله عنه:
{ شاتك شاة لحم }(14)
وكان أبو بردة رضي الله عنه قد ذبح أضحيته قبل الصلاة، ومن هذه القصة تتضح لنا قاعدة في غاية الأهمية وهي أن الإنسان لا يُعْذَرُ بجهله في جانب الأوامر، ولكن يُعذر به في جانب النواهي فقط.
ب – وقولـه
صلى الله عليه وسلم: { من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه ... } الحديث (15)
ج – وقوله صلى الله عليه وسلم: { من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخري ومن لم يذبح فليذبح }
(16)
وعند مسلم بلفظ: { من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلى– أو نصلى
– فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح فليذبح بسم الله }
وهناك أحاديث أخرى تدل
على ما سلف ولكن فيما ذكرته مقنع وكفاية، والله الموفق.
ويمتد وقت الذبح إلى آخر
أيام التشريق ( وهي ثلاثة بعد العيد ) وهذا القول هو المروي عن علي بن أبى طالب وجبير بن مطعم وابن عباس، رضي الله عنهم أجمعين، وهو مذهب الحسن البصري، إمام أهل البصرة، وعطاء بن أبى رباح إمام أهل مكة، والأوزاعي، إمام أهل الشام، والشافعي، إمام فقهاء أهل الحديث، وهو الوارد عن أحمد، إمام أهل السنة، رحمة الله عليهم أجمعين، وهناك أقوال أخرى ولكنها مرجوحة، وما ذكرته هو أصح الأقوال، والأدلة عليه كثيرة نذكر منها.
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: { أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر الله}
الحديث أخرجه مسلم وأحمد عن نبيشة الخير الهذلي رضي الله
عنه.
وأيام التشريق هذه، هي أيام منى كما هو معلوم لدى الجميع ولقوله صلى الله
عليه وسلم: { أيام منى أيام أكل وشرب}
أخرجه ابن ماجه من حديث أبى هريرة رضي
الله عنه.
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم حكمها واحداً، أنها أيام أكل لما
يذبح فيها، وشرب، وذكر لله عز وجل.
2- إن هذه الأيام الثلاثة كلها أيام لرمي الجمرات، فلا يختص الرمي بيوميــن ( إلا لمن تعجل ) كما أنها تتساوى بتحريم صيامها لقول عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: { لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي}
أخرجه البخاري
.
3- أنها كلها يشرع فيها التكبير( المطلق، المقيد )، كما سبق بيانه، ولم يفرق أحد من العلماء فيما أعلم بين هذه الأيام الثلاثة في التكبير، فهي مشتركة في جميع الأحكام، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن نخرج عن هذا الاشتراك وقت الذبح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- الآية رقم 107 من سورة الصافات 2 – الآية رقم 34 من سورة الحج
3- انظر تحفة المودود ص 47 4 – انظر الفتح 3/10
5- الحديث أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم ، وصححه الألباني – رحمه الله – انظر صحيح الجامع الصغير 2/1106 حديث رقم 6490
6- الآية رقم 2 من سورة الكوثر 7 – الآية رقم 162 من سورة الأنعام
8- انظر مجموع الفتاوى 23 /162
9- الآية رقم 28 من سورة الحج
10، 11 - انظر صحيح مسلم بشرح النووي 13/117
12- راجع فتح الباري 10 / 15 – 16
13- أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها
14- متفق عليه من حديث البراء رضي الله عنه
15- متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه
16- متفق عليه من حديث جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه