آية يونان(يونس) هي شجرة اليقطينة
الدارس للكتاب المقدس يلحظ الخطأ الواضح الذي وقع فيه كاتب إنجيل متى في تحديده مدة مكوث المسيح المزعومة في القبر بثلاثة أيام وثلاث ليال؛ ذلك لأن الأناجيل صرحت بأن المسيح عيسى قد أدخل القبر ليلة السبت (مرقس 15: 42)، ووجد القبر فارغا عنه فجر الأحد، والظلام باق (يوحنا 20: 1) . فبالحساب، سوف نجد أن أقصى مدة يمكن أن يكون المسيح فيها في القبر هي ليلتان ويوما واحدا(ليلتا السبت والأحد ويوم السبت).
ولقد حدد كاتب إنجيل متى هذه المدة لأنه ربطها بآية يونان، (38 حِينَئِذٍ أَجَابَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ:«يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». 39 فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ:«جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. 40 لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال) متى 12.
أما كاتب إنجيل لوقا، فقد حذف مسألة الثلاثة أيام والليالي تلك عند إشارته لآية يونان، ربما اكتشف الخطأ، (29 وَفِيمَا كَانَ الْجُمُوعُ مُزْدَحِمِينَ، ابْتَدَأَ يَقُولُ:«هذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ. 30 لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوَى، كَذلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا لِهذَا الْجِيلِ. 31 مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ رِجَالِ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُمْ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا! 32 رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ ههُنَا!)لوقا 11
أما كاتب إنجيل مرقس فقد أمسك عن ذكر يونان تماما عند ذكره تلك الحادثة، (11 فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ. 12 فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ:«لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هذَا الْجِيلُ آيَةً!») مرقس 8.
ولم يوح ليوحنا بهذا الموقف. ومما يجدر ذكره أن لوقا ويوحنا يؤكدان في إنجيليهما بأن التلاميذ لم يكونوا يعرفون أي شيء عن موت المسيح وقيامته، حتى بعد قيامته المزعومة، إذ عند لوقا أن المسيح عندما أخبرهم بموته وقيامته لم يفهموا كلامه، وكان مُخْفَىً عنهم لكيلا يفهموه(18: 34)؛ وفي يوحنا، أنهم بعد أن ذهبوا للقبر لم يكونوا يعرفون أنه ينبغي أن يقوم من الأموات (يوحنا 20: 9).
وعليه، وبناء على الخطأ الوارد في متى حول مدة مكوث المسيح في القبر، ولأن هذه المدة لا تشير إلى معجزة، حتى لو تحققت، ذلك لأن يونان مكث في بطن الحوت حيا، وهذه معجزة، أما المسيح فقد مكث فيه، بزعمهم، ميتا، فلا وجه شبه صحيح تشير إليه تلك المدة، وبناء على توضيح لوقا بأن المسيح نفسه هو الذي سيكون آية لجيله الفاسق الشرير، الذي لم يتب بمجيئه لهم، فعلينا أن نبحث عن آية يونان!.
بالاطلاع على سفر يونان نجد ما يلي: (4 فَقَالَ الرَّبُّ: «هَلِ اغْتَظْتَ بِالصَّوَابِ؟».5 وَخَرَجَ يُونَانُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَجَلَسَ شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ، وَصَنَعَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ مَظَلَّةً وَجَلَسَ تَحْتَهَا فِي الظِّلِّ، حَتَّى يَرَى مَاذَا يَحْدُثُ فِي الْمَدِينَةِ. 6 فَأَعَدَّ الرَّبُّ الإِلهُ يَقْطِينَةً فَارْتَفَعَتْ فَوْقَ يُونَانَ لِتَكُونَ ظِلاُ عَلَى رَأْسِهِ، لِكَيْ يُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. فَفَرِحَ يُونَانُ مِنْ أَجْلِ الْيَقْطِينَةِ فَرَحًا عَظِيمًا.7 ثُمَّ أَعَدَّ اللهُ دُودَةً عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ في الْغَدِ، فَضَرَبَتِ الْيَقْطِينَةَ فَيَبِسَتْ. 8 وَحَدَثَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَنَّ اللهَ أَعَدَّ رِيحًا شَرْقِيَّةً حَارَّةً، فَضَرَبَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِ يُونَانَ فَذَبُلَ. فَطَلَبَ لِنَفْسِهِ الْمَوْتَ، وَقَالَ: «مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي») يونان 4.
إذن، لأن يونان اغتاظ من الصواب، أنبت الله له يقطينة ففرح بها، ثم جعلها تيبس لتصبح مبعث حزن له. لاحظ: جيل المسيح فرح به أولا، لأنه ظن أنه سيكون ملكا، ثم اغتاظ منه وحاول قتله؛ فكان وجود المسيح بينهم عابرا وغير مفيد، تماما كشجرة اليقطينة، وصارت الآيات التي عملها لهم فخا وشركا وحجر عثرة لهم، كما تنبأت الكتب من قبل (اشعياء 8: 14).
ولقد جاء في إنجيل برنابا على لسان المسيح: (من العدل أن من لا يؤمن بالحق لخلاصه، أن يصدق الكذب لدينونته)، أو كما أشار بولس لذلك: (سيرسل الله لهم عمل الضلال، فيصدقوا الكذب، لكي يُدان الذين لم يصدقوا الحق، بل سُرُّوا بالإثم) 2 تسالونيكي 2: 11.
تأمل هذه الآية القرآنية القصيرة البليغة: (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) الصافات 146