كتاب الجهاد

قوله: «كتاب الجهاد» ، الجهاد مصدر جاهد الرباعي، وهو بذل الجهد في قمع أعداء الإسلام بالقتال وغيره؛ لتكون كلمة الله هي العليا.
وينقسم الجهاد إلى ثلاثة أقسام: جهاد النفس، وجهاد المنافقين، وجهاد الكفار المبارِزين المعاندين.
أما النوع الأول:
فهو جهاد النفس: وهو إرغامها على طاعة الله، ومخالفتها في الدعوة إلى معصية الله، وهذا الجهاد يكون شاقًّا على الإنسان مشقة شديدة، لا سيما إذا كان في بيئة فاسقة، فإن البيئة قد تعصف به حتى ينتهك حُرُمات الله، ويدع ما أوجب الله عليه، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حينما رجع من غزوة تبوك أنه قال: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» ، يعني جهاد النفس، لكنه حديث غير صحيح[(1)].
أما النوع الثاني:
فهو جهاد المنافقين، ويكون بالعلم، لا بالسلاح؛ لأن المنافقين لا يقاتَلون، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم استؤذن أن يُقْتَلَ المنافقون الذين علم نفاقهم فقال: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه» [(2)]، والدليل على أنهم يُجاهَدون قول الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}} [التحريم: 9] . ولما كان جهاد المنافقين بالعلم، فالواجب علينا أن نتسلح بالعلم أمام المنافقين الذين يوردون الشبهات على دين الله؛ ليصدوا عن سبيل الله، فإذا لم يكن لدى الإنسان علم فإنه ربما تكثر عليه الشبهات والشهوات والبدع ولا يستطيع أن يردها.
أما النوع الثالث:
فهو جهاد الكفار المبارِزين المعاندين المحاربين، وهذا يكون بالسلاح، وقد يقال: إن قوله تعالى: {{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}} [الأنفال: 60] يشمل النوعين: جهاد المنافقين بالعلم، وجهاد الكفار بالسلاح، ولكنّ قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إن القوة الرمي» [(3)]، يؤيد أن المراد بذلك السلاح، والمقاتلة.

وَهُو فَرْضُ كِفَايَة وَيَجِبُ إِذَا حَضَرَهُ أَوْ حَصَرَ بَلَدَهُ عَدَوٌّ أَوْ اسْتَنْفَرَهُ الإِمَامُ
قوله: «وهو فرض كفاية» وفرض الكفاية هو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وصار في حقهم سنّة، وهذا حكمه.
أما مرتبته في الإسلام فقد سمَّاه النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ذروة سنام الإسلام» [(4)]، والسنام هو الشحم النابت فوق ظهر الجمل، وذروته أعلاه، وإنما جعله النبي صلّى الله عليه وسلّم ذروة سنام الإسلام؛ لأنه يعلو به الإسلام ويرتفع به، كما أن سنام البعير كان فوقه مرتفعاً.
وقوله: «وهو فرض كفاية» . لا بد فيه من شرط، وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، ولهذا لم يوجب الله ـ سبحانه وتعالى ـ على المسلمين القتال وهم في مكة؛ لأنهم عاجزون ضعفاء، فلما هاجروا إلى المدينة وكوّنوا الدولة الإسلامية وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال، وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط، وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات؛ لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة، لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وقوله: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] .
قوله: «ويجب إذا حضره» ، هذا هو الموضع الأول من المواضع التي يتعين فيها الجهاد. فيجب الجهاد ويكون فرض عين إذا حضر الإنسان القتال، لقول الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ *وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يُوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *}} [الأنفال] ، وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم: أن التولي يوم الزحف من الموبقات حيث قال: «اجتنبوا السبع الموبقات ـ وذكر منها ـ التولي يوم الزحف» [(5)]، إلا أن الله تعالى استثنى حالين:
الأولى: أن يكون متحرفاً لقتال بمعنى أن ينصرف؛ ليعمل من أجل القتال، كأن يستطرد لعدوه فإذا لحقه كرّ عليه فقتله.
الثانية: أن يكون منحازاً إلى فئة، بحيث يذكر له أن فئة من المسلمين من الجانب الآخر تكاد تنهزم، فيذهب من أجل أن يتحيز إليها تقوية لها، وهذه الحال يشترط فيها ألاَّ يَخَاف على الفئة التي هو فيها، فإن خاف على الفئة التي هو فيها فإنه لا يجوز أن يذهب إلى الفئة الأخرى، فيكون في هذه الحال فرض عين عليه لا يجوز له الانصراف عنه.
قوله: «أو حصر بلده عدو» ، هذا هو الموضع الثاني، إذا حصر بلدَه العدوُّ فيجب عليه القتال دفاعاً عن البلد، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال؛ لأن العدو إذا حصر البلد فإنه سيمنع الخروج من هذا البلد، والدخول إليه، وما يأتي لهم من الأرزاق، وغير ذلك مما هو معروف، ففي هذه الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعاً عن بلدهم.
قوله: «أو استنفره الإمام» هذا هو الموضع الثالث.
إذا «استنفره» أي: قال: انفروا.
وقوله: «الإمام» هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إماماً عامّاً للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «اسمعوا وأطيعوا ولو تأمَّر عليكم عبد حبشي» [(6)]، فإذا تأمر إنسان على جهةٍ ما، صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً، ومن عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ والأمة الإسلامية بدأت تتفرق، فابن الزبير في الحجاز، وبنو مروان في الشام، والمختار بن عبيد وغيره في العراق، فتفرقت الأمة، وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء والطاعة لمن تأمر على ناحيتهم، وإن لم تكن له الخلافة العامة؛ وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد!! ـ نسأل الله العافية ـ ولا أدري أيريد هؤلاء أن تكون الأمور فوضى ليس للناس قائد يقودهم؟! أم يريدون أن يقال: كل إنسان أمير نفسه؟!
هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة فإنهم يموتون ميتة جاهلية ـ والعياذ بالله ـ؛ لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة على أن من استولى على ناحية من النواحي، وصار له الكلمة العليا فيها، فهو إمام فيها، وقد نص على ذلك العلماء مثل صاحب سبل السلام وقال: إن هذا لا يمكن الآن تحقيقه، وهذا هو الواقع الآن، فالبلاد التي في ناحية واحدة تجدهم يجعلون انتخابات ويحصل صراع على السلطة ورشاوى وبيع للذمم إلى غير ذلك، فإذا كان أهل البلد الواحد لا يستطيعون أن يولوا عليهم واحداً إلا بمثل هذه الانتخابات المزيفة فكيف بالمسلمين عموماً؟!! هذا لا يمكن.
فإذا استنفره الإمام وجب عليه الخروج؛ لقول الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ *}{إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ}} [التوبة: 38، 39] ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وإذا استنفرتم فانفروا» [(7)]، وهذه أدلة سمعية، والدليل العقلي: هو أن الناس لو تمردوا في هذا الحال على الإمام لحصل الخلل الكبير على الإسلام، إذ أن العدو سوف يُقدم إذا لم يجد من يقاومه ويدافعه.
الموضع الرابع: إذا احتيج إليه صار فرض عين عليه.
مثاله: عندنا دبابات وطائرات لا يعرف قيادتها إلا هذا الرجل، فحينئذ يجب عليه أن يقاتل؛ لأن الناس محتاجون إليه، وربما نقول: إن هذه المسألة الرابعة تؤخذ من قولنا: إنه فرض كفاية؛ لأنه إذا لم يقم به أحد واحتيج إلى هذا الرجل ففرض الكفاية يكون فرض عين عليه، والحاصل أن الجهاد يجب وجوب عين في أربع مسائل:
الأولى: إذا حضر القتال.
والثانية: إذا حصر بلدَه العدوُ.
والثالثة: إذا استنفره الإمام.
والرابعة: إذا احتيج إليه.
وما عدا ذلك فهو فرض كفاية.
مسألة : هل يكون الجهاد بالمال أو بالنفس أو بهما؟.
الجواب: أنه تارة يجب بالمال في حال من لا يقدر على الجهاد ببدنه، وتارة يجب بالبدن في حال من لا مال له، وتارة يجب بالمال والبدن في حال القادر ماليّاً وبدنيّاً، وكما في القرآن الكريم فإن الله ـ عزّ وجل ـ يذكر الجهاد بالمال والجهاد بالنفس، ويقدم الجهاد بالمال في أكثر الآيات؛ لأن الجهاد بالمال أهون على النفوس من الجهاد بالنفس، وربما يحتاج الجند إلى المال أكثر مما يحتاجون إلى الرجال.

وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْماً وَإِذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُجَاهِد تَطَوُّعاً إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا..
قوله: «وتمام الرباط أربعون يوماً» الرباط مصدر رابط، وهو لزوم الثغر بين المسلمين والكفار، والثغر هو المكان الذي يخشى دخول العدو منه إلى أرض المسلمين، وأقرب ما يقال فيه ـ بالنسبة لواقعنا ـ: إنه الحدود التي بين الأراضي الإسلامية والأراضي الكفرية، فيسن للإنسان أن يرابط؛ لقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *}} [آل عمران] ، وأول ما يدخل في الآية الرباط على الثغور، فيرابط الإنسان ليحمي بلاد المسلمين من دخول الأعداء، ويجب على المسلمين أن يحفظوا حدودهم من الكفار إما بعهد وأمان، وإما بسلاح ورجال حسب ما تقتضيه الحال.
والرباط أقله ساعة، أي: لو ذهب الإنسان بالتناوب مع زملائه ساعة واحدة حصل له أجر، وتمامه أربعون يوماً، هكذا جاء في الحديث[(8)]، ولكن لو زاد على الأربعين هل له أجر؟
الجواب: نعم له أجر، لا شك.
ثم هل الأولى أن يذهب بأهله إلى هذه الثغور؛ ليسكنوا معه، أو الأولى ألاّ يذهب بهم خوفاً عليهم؟
الجواب: فيه تفصيل، إذا كان الثغر مخوفاً فلا ينبغي أن يذهب بأهله، وإذا كان غير مخوف فالأولى أن يذهب بهم ليزداد طمأنينة؛ لأن الإنسان إذا كان بعيداً عن أهله فإنه سوف يكون منشغل البال على أهله وولده.
قوله: «وإذا كان أبواه مسلمَيْن لم يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما» أبَوا الشخص هما أمه وأبوه، وأُطْلِق عليهما الأبوان من باب التغليب، كما يقال: القمران للشمس والقمر، ويقال: العُمَران لأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ، فإذا كان الإنسان له أبوان مسلمان، وأراد الجهاد تطوعاً فإنه لا بد من إذنهما، فإن أذنا له وإلا حرم عليه الجهاد.
فإن قال قائل: هل يلزم استئذان الأب والأم لكل تطوع قياساً على الجهاد، بمعنى أنه إذا أراد أن يقوم الليل هل يشترط إذن الأبوين؟ وإذا أراد أن يصلي الراتبة أو أراد أن يطلب العلم هل يستأذن الأبوين؟.
نقول: لا يشترط. والفرق أن الجهاد فيه خطر على النفس، وسوف تتعلق أنفس الأبوين بولدهما الذاهب إلى الجهاد، ويحصل لهما قلق، بخلاف ما إذا سافر لطلب العلم في بلد آمن، أو إذا تطوع في بلده بشيء من التطوع، فإن ذلك لا ضرر على الأبوين فيه، وفيه منفعة له.
ولهذا نقول: ما فيه منفعة للإنسان ولا ضرر على الأبوين فيه فإنه لا طاعة للوالدين فيه منعاً أو إذناً؛ لأنه ليس فيه ضرر وفيه مصلحة، وأي والد يمنع ولده من شيء فيه مصلحة له، وليس على الوالد فيه ضرر فإنه مخطئ فيه وقاطع للرحم؛ لأن الذي ينبغي للأب أن يشجع أولاده من بنين أو بنات على فعل كل خير، ونظير هذا أن بعض النساء يمنعن بناتهن من صوم أيام البيض، أو من صوم يومي الاثنين والخميس بحجة أن في ذلك مشقة، وكلفة عليهن، مع أن الذي يحس بالكلفة والمشقة هن البنات الصائمات، فلا يحل للوالد أن يمنع ولده من فعل طاعة، سواء أكان ذكراً أم أنثى، إلا إذا كان على أحد الأبوين في ذلك ضرر، كما لو كان الأب أو الأم يحتاج أحدهما إلى تمريض مثلاً، وإذا اشتغل الابن أو البنت بهذه الطاعة ضَرَّ الأب أو الأم فحينئذ لهما أن يمنعاه، ويجب عليه هو أن يمتنع؛ لأن بر الوالدين واجب والتطوع ليس بواجب.
وقوله: «أبواه مسلمين» ظاهر كلامه أنه ولو كانا رقيقين فإنه لا يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما؛ لأنه لم يقل: مسلمين حرين، بل قال: «أبواه مسلمين» وأطلق، فلو كانا رقيقين، ومنعاه من جهاد التطوع فلهما ذلك، ويجب عليه أن يمتنع.
وإذا كان أبواه كافرين فمنعاه من جهاد التطوع هل يلزمه طاعتهما؟.
الجواب: لا؛ لقوله: «وإذا كان أبواه مسلمين» ؛ ولأننا نعلم أن الأبوين الكافرين إنما يمنعان ولدهما من الجهاد وقاية للكفار وحماية لهم، لا رأفة بالولد، أو إشفاقاً عليه.
وإذا كان الأبوان فاسقين يكرهان الجهاد والمستقيمِين، ويكرهان أن تعلو كلمة الحق، لكنهما مسلمان، فهل يشترط إذنهما في جهاد التطوع؟ لأن بعض الناس في أيام الذهاب إلى الجهاد يمنع ولده من الذهاب لا خوفاً عليه، يقول: اذهب لما شئت لكن للجهاد لا تذهب، ونعلم أنه ليس ذلك من أجل الخوف عليه، ولكن من أجل كراهة الجهاد.
ظاهر كلام المؤلف أنه لا يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما، ونيتهما إلى الله، لكن في النفس من هذا شيء، فإذا علمنا أنهما لم يمنعاه شفقة عليه، بل كراهة لما يقوم به من جهاد الكفار ومساعدة المسلمين، ففي طاعتهما نظر.
بدأ المؤلف ـ رحمه الله ـ بذكر ما يلزم الإمام والجيش فقال:

وَيَتَفَقَّدُ الإِمَامُ جَيْشَهُ عِنْدَ المَسِير، وَيَمْنَعُ المُخَذِّلَ والمُرْجِفَ وَلَهُ أَنْ يُنفِّلَ فِي بِدَايتِهِ الرُّبُعَ بَعْدَ الخُمُسِ، وَفِي الرَّجعَةِ الثُّلثَ بَعْدَهُ. وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَتُهُ وَالصَّبْرُ مَعَهُ...
«ويتفقد الإمام جيشه عند المسير» الجيش الآن فيه طائرات ودبابات وصواريخ، فإذا ذهب الجيش المكون من إبل وخيل فما ينوب منابه مثله، نقول للإمام: تفقد إما بنفسك إن كنت ذا خبرة، أو بمن تثق به من ذوي الخبرة، وينظر الصالح فيقره، والفاسد فيمنعه حتى يكون صالحاً؛ لأنه لو ترك وأهمل فربما يكون في السلاح أو في المجاهدين من تكون الهزيمة بسببه لو ذهب به إلى المعركة، فلا بد أن يتفقد الجيش.
قوله: «ويمنع المخذِّل والمرجف» لو قال المؤلف: ويمنع كل من لا يصلح للجهاد لكان أعم، والمخذِّل هو الذي يزهد الناس في القتال يقول مثلاً: لماذا نجاهد؟ فهذا يفت في عضد الجيش بلا شك.
والمرجف هو الذي يهوّل قوة العدو، أو يضعف قوة المسلمين، فيقول مثلاً: السرية التي ذهبت قبلنا هُزِمَت، أو يقول: العدو جيشهم كثير، عندهم قوة وعندهم صواريخ وقنابل، وعندهم كيماويات، فمثل هؤلاء يجب على الإمام أن يمنعهم ولا يأذن لهم بالجهاد؛ لأن ضرر هؤلاء أكثر من نفعهم إن كان فيهم نفع.
مسألتان:
الأولى: إذا كان الجيش الذي أعد للقتال تربيته الجهادية ضعيفة، وغالبه مخذل ومرجف، فهل يقاتلون؟.
الجواب: لا، إذا كان الجيش على ما ذكر، والمخذل كثير والمرجف كثير، فإنه لا يجاهد؛ لأن الجهاد لا بد أن يغلب على الظن أننا ننتصر، أما إذا غلب على الظن الهزيمة فلا يجوز أن يُغرر بالمسلمين، المسألة ليست هينة، وليست مسألة أشخاص يفقدون، بل هذا يعتبر ذلًّا حتى على الإسلام، إلا إذا اضطر الإمام لذلك، لأن الجهاد نوعان: جهاد هجوم، وجهاد دفاع، أما الدفاع فيجب بكل حال، وأما الهجوم فهو الذي ذكرنا.
الثانية: يجب على الإمام أن ينظم الجيش، ويرتبه، ويقسمه بحسب ما تقتضيه الحاجة، وفق خطط علمية مدروسة يضعها أهل الاختصاص، فبالضرورة نعلم أن الجيوش في عصرنا الحاضر تختلف عن الجيوش في الماضي، ففي الماضي كان يسمى الجيش خميساً؛ لأنه كان يقسم إلى خمسة أقسام: مقدمة، وميمنة، وميسرة، ومؤخرة، وقلب، ويوضع لكل قسم قائد، إلى غير ذلك، أما في الحاضر فقد تعددت الأسلحة وكثرت التخصصات، فينبغي للإمام مراعاة كل ذلك، حتى لا يبدو الجيش في حالة فوضى عند التحام الجيشين.
وهل له أن يبعث العيون يعني الجواسيس الذين يتطلعون إلى العدو ويعرفون أخباره؟.
الجواب: نعم، بل يجب عليه إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن هذا من جملة ما يستعين به على القتال.
قوله: «وله أن ينفِّل في بدايته الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده» ، «وله» أي: للإمام، ومعنى هذا أن الإمام إذا دخل أرض العدو، وبعث سرية يعني دون أربعمائة نفر يبدؤون القتال فله أن يقول لهم: لكم بعد الخمس الربع؛ لأن هذه السرية إذا ذهبت فإنها تذهب وهي أقل خوفاً من السرية التي تبعث بعد رجوع الإمام؛ لأنهم يقولون: الجيش خلفنا فيقول: اذهبوا وقاتلوا وما تغنمون نأخذ الخمس منه، ولكم بعد ذلك الربع خاصة لكم، ثم يقسم الباقي على الجيش.
وكذلك ـ أيضاً ـ له أن ينفل الثلث بعده، أي: بعد الرجوع، وانتهاء القتال فيبعث سرية ربما تتفقد من بقي من العدو ويجعل لها الثلث، وزادت عن السرية الأولى؛ لأنها أشد خوفاً، ولأن العدو في البداية ربما يكون على غفلة وعلى غرة، وهنا العدو قد انتبه، وربما يكون في قلبه حنق، يريد أن ينتقم؛ ولأن الجيش لما فرغ من القتال صار متشوفاً ومتشوقاً لأهله ففي ذلك مشقة شديدة، ولذلك كان التنفيل في الرجعة أكثر من التنفيل في البدأة، فلذلك تعطى مقابل هذا أربعة من اثني عشر، أي: تزاد على الأخرى واحداً من اثني عشر؛ لأن الأولى لها ثلاثة من اثني عشر وهذه لها أربعة من اثني عشر.
وقوله: «له» عبَّر باللام الدالة على الإباحة في مقابلة المنع، فلا ينفي أن تكون سنة أو واجبة أحياناً، فإذا رأى أن السرية لن ترجع إلا بإعطاء شيء زائد أو لن تتقدم إلا بإعطاء شيء زائد ورأى من المصلحة إرسال السرية فإنه يكون واجباً.
قوله: «ويلزم الجيش طاعته» أي: طاعة أميره الذي هو نائب عن الإمام، وهو ما يسمى في عرفنا الآن القائد أو حسب ما يعرف، فيلزم الجيش طاعته فيما أمر، ودليل ذلك قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}} [النساء: 59] ، ولكن يشترط لوجوب طاعته فيها ألاَّ يخالف أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإن خالف أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويدل لهذا:
أولاً: الآية الكريمة: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}}، أطيعوا الله هذا فعل، وأطيعوا الرسول فعل أيضاً، فأعاد الفعل بالنسبة لطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن طاعته مستقلة يجب أن يطاع بكل حال. أما الثالث فلم يُعد الفعل، فقال: {{وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}} ولم يقل: أطيعوا؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا لو أمر ولي الأمر بمخالفة أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، قلنا: لا سمع ولا طاعة.
وظاهر كلام المؤلف أنه تجب طاعته ولو كان فاسقاً، وهو كذلك، فتجب طاعة ولي الأمر ولو كان من أفسق عباد الله؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب طاعة ولاة الأمور، والصبر عليهم وإن رأينا منهم ما نكره في أديانهم وعدلهم واستئثارهم، فإننا نسمع ونطيع فنؤدي الحق الذي أوجب الله علينا، ونسأل الله الحق الذي لنا، هكذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم[(9)]، وهكذا جرى عليه سلف هذه الأمة.
فإن أمر بمعصية فإنه لا طاعة له؛ لأنه هو نفسه عبد لله مأمور لله، فكيف يأمر بما يخالف أمر الله، نقول: ربنا وربك الله، ولا طاعة لك في معصية الله أبداً، ويدل لهذا قصة السرية الذين بعثهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأَمَّرَ عليهم رجلاً وأمرهم أن يطيعوا أميرهم، وفي يوم من الأيام أغضبوه فأمرهم أن يجمعوا حطباً، فقالوا: سمعاً وطاعة فجمعوا الحطب، وأمرهم أن يوقدوا فيه النار، قالوا: سمعاً وطاعة وأوقدوا النار، قال: ألقوا أنفسكم فيها، فتردد القوم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم أن يطيعوه، ولكن لماذا آمنوا؟ آمنوا خوفاً من النار، فقال بعضهم لبعض: كيف نلقي أنفسنا في النار، ونحن إنما آمنا فراراً منها، وهذا قياس صحيح، فأبوا أن يلقوا أنفسهم في النار، فلما رجعوا إلى المدينة، وأخبروا النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا، قال: «لو دخلوا فيها ما خرجوا منها» [(10)]؛ لأنهم قتلوا أنفسهم، ومن قتل نفسه بالنار عُذِّب بها في نار جهنم؛ لأن كل من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم[(11)]، فلو قتل نفسه بخنجر فإنه يوم القيامة يعذب بهذا الخنجر في نار جهنم، ولو قتل نفسه بالتردي من شاهق فإنه يخلق له في النار شاهق فيتردى منه يعذب به في نار جهنم، ومن قتل نفسه بسُمٍّ بأن تحسَّى هذا السم عُذب به في نار جهنم، ولو دخلوا النار عذبوا بها في نار جهنم ثم قال: «إنما الطاعة في المعروف» [(12)] أي: الذي ليس بمنكر، أما هذا فإنه منكر، إذاً إذا أمر بالمعصية فإنه لا سمع له ولا طاعة.
مسألة: في بعض البلاد الإسلامية لا يمكن أن يدخل الإنسان الجيش حتى يحلق لحيته فيأمرونه بحلق اللحية، فهل يلزمه طاعتهم؟.
الجواب: لا، بل يقول وبكل صراحة: لا سمع ولا طاعة، ولا أوافقك على معصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعفوا اللحى» [(13)]، وأنت تقول: احلقوا اللحى! فهذا مصادمة فلا قبول.
وليت أن الجيوش في البلاد الإسلامية تتفق على هذا وتمانع، لكن مشكلتنا أن أكثرهم لا يهتم بمثل هذه الأمور فيبقى الإنسان منفرداً إذا أراد أن يمتنع عن المعصية، وحينئذ تبقى المسألة مشكلة، ولكن لو أن الجيش كله قال: نحن لا نطيعك في معصية الله وصمموا على هذا، لم يستطع الضابط ولا من فوق الضابط أن يجبرهم على ذلك، لكن مشكلتنا التخاذل، وعدم الاهتمام بمثل هذه الأمور، والناس يتهاونون في هذه المعصية، ولا يهتمون بعظمة من عصوه، ولا يرون أن الإصرار على الصغيرة يكون كبيرة، ولا يرون أن المعاصي سبب للفشل والهزيمة؛ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولم يقل: وللمسلمين، لأن الإيمان أخص من الإسلام، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، قال تعالى: {{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}} [الحجرات: 14] .
فالمعصية سبب الهزيمة، ولا أدل على ذلك من جيش هُزم بمعصية، مع أنه أفضل جيش مشى على الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، وهم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وقائدهم محمد صلّى الله عليه وسلّم في غزوة أحد، قال الله تعالى فيهم: {{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}} [آل عمران: 152] ، أي: حصلت الهزيمة بسبب هذه المعصية، وهي معصية واحدة، مع أنها معصية كان فيها نوع من التأويل؛ لأنهم لما رأوا انهزام المشركين، وأن المسلمين بدأوا يجمعون الغنائم ظنوا أن الأمر انتهى، فنزلوا من المكان الذي جعلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه حتى جاء المشركون من الخلف وحصل ما حصل.
إذاً يلزم الجيش طاعته بشرط ألا يأمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله فلا سمع له ولا طاعة، وإذا قلنا: لا سمع له ولا طاعة، فهل المعنى لا سمع له ولا طاعة مطلقاً، أو في هذه المعصية التي أمر بها؟.
الجواب: الثاني هو المراد.
قوله: «والصبر معه» أي: يلزم الصبر معه، وألاّ نتخاذل وننصرف؛ لأن في هذا كسراً لقلوب المسلمين، وإعزازاً لقلوب الكافرين، فالواجب أن نصبر، وهذا في غير ما إذا تقابل الصفَّان، فإن تقابل الصفان؛ فالتولي من كبائر الذنوب.

وَلاَ يَجُوزُ الغَزوُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِلاَّ أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلَبَهُ
قوله: «ولا يجوز الغزو إلا بإذنه إلا أن يفجأهم عدو يخافون كَلَبَه» أي: لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلاّ على سبيل الدفاع، وإذا فاجأهم عدو يخافون كلَبه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال إذاً.
وإنما لم يجز ذلك؛ لأن الأمر منوط بالإمام، فالغزو بلا إذنه افتيات وتعدٍّ على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس، كما قال الله تعالى: {{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}} [الحجرات: 9] ، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها ـ أيضاً ـ لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام.
وقوله: «إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلَبه» أي: شره وأذاه.
قال في الروض[(14)]: «ويجوز تبييت الكفار» أي: مباغتتهم بالليل، ولكن هذا مشروط بأن يقدم الدعوة لهم، فإذا دعاهم ولم يستجيبوا فإنه لا بأس أن يباغتهم، ويدعوهم إلى أمور ثلاثة:
الأول: الإسلام.
الثاني: الجزية.
الثالث: فإن أبوا فالقتال.
هكذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يبعث البعوث على هذا الأساس[(15)].
وقال: «ورميهم بالمنجنيق» والمنجيق بمنزلة المدفع عندنا، وكانوا في الأول يضعون المنجنيق بين خشبتين وعليهما خشبة معترضة، وفيها حبال قوية، ثم يُجعل الحجر بحجم الرأس أو نحوه في شيء مقبب، ثم يأتي رجال أقوياء يشدونه ثم يطلقونه، وإذا انطلق الحجر انطلق بعيداً، فكانوا يستعملونه في الحروب، فيجوز أن يُرمى الكفار بالمنجنيق، وفي الوقت الحاضر لا يوجد منجنيق، لكن يوجد ما يقوم مقامه كالطائرات والمدافع والصواريخ وغيرها.
وقال: «ولو قُتِلَ بلا قصد صبي ونحوه» من المعلوم أننا إذا رميناهم بالمنجنيق فإنه سوفَ يُتلف من مرّ عليه من مقاتل وشيخ كبير لا يقاتل، وامرأة وصبي، لكن هذا لم يكن قصداً، وإذا لم يكن قصداً فلا بأس، أما تعمد قصف الصبيان والنساء ومن لا يقاتل فإن هذا حرام ولا يحل، لكن يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وقد رمى الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أهل الطائف بالمنجنيق[(16)]، فالسنة جاءت به، والقتال قد يحتاج إليه.
وقال: «لا يجوز قتل صبي ولا امرأة وخنثى وراهب وشيخ فانٍ وزمن وأعمى لا رأي لهم ولم يقاتلوا أو يُحرضوا» هؤلاء سبعة أجناسٍ لا يجوز قتلهم إلا بواحد من أمور ثلاثة:
الأول: أن يكون لهم رأي وتدبير، فإن بعض كبار الشيوخ ولو كان شيخاً فانياً لا يستطيع أن يتحرك، فإن عنده من الرأي والتدبير ما ليس عند الشاب المقاتل.
الثاني: إذا قاتلوا كما لو اشترك النساء في القتال فإنهم يقتلن.
الثالث: إذا حرَّضوا المقاتلين على القتال وصاروا يغرونهم بأن افعلوا كذا، اضربوا كذا إلى آخره، فإنهم يقتلون؛ لأن لهم تأثيراً في القتال.
وقال: «ويكونون أرقاء بسبي» أي هؤلاء السبعة يكونون أرقاء بسبي، والباء للسببية، أي: بمجرد أخذهم يكونون أرقاء في الحال، ولا يخير فيهم الإمام، وإذا كانوا أرقاء صاروا تبع الغنيمة؛ لأنهم صاروا مماليك، فإذا كانوا مماليك صاروا كجملة المال الآخر يضافون إلى الغنيمة.
وأما إذا سبي البالغ المقاتل، فإن الإمام يخير فيه بين أمور أربعة:
إما القتل، وإما أخذ الفداء، وإما الاسترقاق، وإما المنُّ بدون شيء.
والفداء قد يكون بمال أو منفعة أو أسير مسلم، فمثلاً: لو أننا أسرنا أحد المقاتلين نأتي به للإمام، والإمام إن شاء قتله، وإن شاء مَنَّ عليه مجاناً، وقال له: اذهب إلى أهلك، وإن شاء استرقه، أي جعله رقيقاً، وإن شاء طلب الفدية منه إما مالاً وإما منفعة وإما بأسير مسلم.
وهذه التخييرات الأربعة هل هي حسب اختيار الإمام أو حسب المصلحة؟.
الجواب: حسب المصلحة؛ لأن القاعدة الشرعية أن كل من يتصرف لغيره إذا خيِّر بين شيئين فإن تخييره للمصلحة وليس للتشهي، أما من لا يتصرف لغيره فإذا خير بين شيئين فهو للتشهي، إن شاء كذا وإن شاء كذا، ولهذا نقول في كفارة اليمين: يخير بين إطعام، وكسوة، وعتق رقبة، فهل ينظر للمصلحة أو يفعل ما شاء؟.
الجواب: يفعل ما شاء؛ لأن هذا التخيير للإرفاق بالمكلف فيختار ما يشاء.