بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أمر عباده بالتفقه في الدين، ليكون أداؤهم في عبادتهم وفق شرعه المبين، وصلى الله على نبينا محمد القائل: [ من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ] صلى الله عليه وعلى آل بيته الأطهار الطيبين وأصحابه الغر الميامين، والعلماء العاملين والهداة المهتدين، ومن تبعهم بخير وإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أمــــــا بعــــــد:
فإن الله سبحانه وتعالى شرع لعبادهِ صيامَ شهر رمضان، وجعله أحد أركان الإسلام، فكان لزاماً على كل مسلم أن يتعلم من أحكامه ما يكون به على بصيرة وبينة من الأمر.
تعريف الصيـــــــــــــــــــــــــــام
معنى الصيام في اللغة: الإمساك، ويستعمل في كل إمساك، يقال: صـــام: إذا سكت، قال الخليل: (الصوم) قيام بلا عمل، والصوم أيضا الإٍمساك عن الطعم.
وصام الفرس: قام على غير اعتلا ف.
وصام النهار: قام قائم الظهيرة واعتدل، والصوم أيضاً: ركود الرياح.
وقال أبو عبيدة: كلُ ممسكٍ عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم.
ومعناه في الشرع: الإمساك بنية التعبد لله عز وجل، عن جميع المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
تعريف آخر: الإٍمساك عن الأكل والشرب والجماع وكل مفطرٍ مع النية، في وقت مخصوص، وهو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، من شخص عاقل قادر مقيم.
أحكــام الصـيام
================
هذا الصيامُ وفِقْهُهُ بِنَصــــــــــــاعَةٍ
إذْ إنَّه رُكْنٌ من الأرْكـــــــانِ
يجبُ الصِّيَامُ على الجميع برؤْيــــةٍ
صَحَّتْ بأيَّتِهـــــــا من البُلْدانِ
صوموا إذا رؤيَ الهلالُ وأفْطِـــروا
وثُبوتُـــــــــه أن يَشْهَدَ العَيَانِ
إن غُـمَّ أكمل عِــدَّةً بتمامِهـــــــــــا
واعْرفْ فهذا أفْضَلُ الحُسْـبانِ
من المعلوم من الدين بالضرورة لدى جميع المسلمين، أن الصيام يجب عليهم برؤية هلال شهر رمضان.
1- ما يثبت به دخول الشهر:
يثبت دخوله إما بشهادة أحد المسلمين العدول الثقات برؤية هلال شهر رمضان، أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، إذا كان في السماء غيوم ولم تتم رؤية الهلال.
وأدلة ذلك: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:{ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فاٍن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً }
حديثُ ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين }
وعنه أيضاً رضي الله عنهما قال: [ تراءى الناسُ الهلالَ فأخبرتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أني رأيتُه فصام وأمر الناسَ بصيامه ]
أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم وصححاه.
فهذا ما يثبت به دخول شهر رمضان، ولا يثبت بغير ذلك، ولهذا لا يُعْتَمد- مثلاً- على الرؤيا المنامية، ومن طريف ما يـروى في هذا أن القاضي حسين – رحمة الله عليه - وهو من فقهاء الشافعية جاءه رجلٌ فقال له: أنا رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: إن الليلة من رمضان، فقال القاضي حسين له: إن الذي تزعُم أنك رأيته في المنام رآه الصحابةُ - رضي الله عنهم جميعاً- في اليقظة، وقال لهـــم:{ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته }
ولا يصح تركُ رؤيةِ الهلال والاعتماد على الحسابات الفلكية في تحديد بداية الشهر.

2- النيــة:
يَجِبُ الصِّيامُ بِنيَّـةٍ قَــدْ بُيِّتَتْ
مِنْ قَبْــلِ فَجْــرٍ دونَمــا عُــدْوانِ
يجب على المسلم أن تكون نيته في الصوم خالصةً لله تعالى فيستحضر أنه يصوم امتثالاً لقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
ويطهر نيته من الرياء أو تقليد الناس والأباء، بل ينوي بصومه تطهير وتزكية نفسه واتقاء عذاب النار وتحصيل الرضوان والجنــــــة، قال صلى الله عليه وسلم:
{ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى...}
أخرجه الشيخان من حديث أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فإذا علم المسلم أن غداً يصبح رمضان نوى صيام ذلك الشهر إيماناً واحتساباً، والنية عزم القلب على الإتيان بالطاعة الشرعية، ولا بد من تبييت النية ( في صيام الفريضة )
ودليله ما أخرجه النسائي من حديث أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من لم يبيِّت الصيامَ من الليل فلا صيامَ له }
* هل يُشترط نية لكل يوم أم تكفي نية واحدة لكل الشهر؟؟؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين، والراجح منهما أن نية واحدة في أول الشهر تكفي، لكن لو قطع الصوم لعذر كسفرٍ أو مرض ونحو ذلك وجب أن يأتي بنية أخرى جديدة لما بقي من الشهر.
فائدة مهمة جداً:
وهي أن الليل يشمل جميع المدة التي قبل طلوع الفجر، فلو نام أحدٌ من الليل، بدون أن يعلم إن تلك الليلة من رمضان ثم استيقظ قبل طلوع الفجر الصادق ببضع دقائق، وعلم أن الليلة من رمضان فتناول ما تيسر من طعام أو شراب ثم أمسك، لكان ذلك كافياً. وليس المقصود من الحديث - كما يظن بعض الناس - أنه يلزمه أن ينام وفي نيته أنه سوف يصوم.
ويدل على ذلك حديثان هما:
الأول: حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من لم يبيِّت الصيام قبلَ طلوع الفجر، فلا صيام له }
أخرجه الدار قطني والبيهقي. انظر صحيح الجامع الصغير وزيادته 2/1114 حديث رقم 6534
الآخر: حديث أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من لم يُجْمِع الصيامَ قبلَ الفجر، فلا صيامَ له }
أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجة، انظر صحيح الجامع الصغير وزيادته 2/1114 حديث رقم 6538
أما صيام النفل فيجوز بنية من الليل أو النهار، فلو نوى المرءُ صومَ النافلةِ من النهار فإنه يجزئ ذلك عنه، ودليله ما أخرجه مسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: { يا عائشة هل عندكم من شيءٌ؟
قالت: فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيءٌ، قال: فإني صائم.. .}
وفي لفظ عند النسائي، قالت:
{ جاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: هل عندكم من طعام؟
قلتُ: لا، قال: إذاً أصوم }
3- السحور:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسحور، فقد أخرج الإمامان البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي قال: { تسحروا فاٍن في السحور بركة }
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر }
فاليهود والنصارى - فيما يظهر- لا يتسحرون، ومخالفةً لهم أمر النبيُ صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأن يتسحروا.
فينبغي الحرص على السحور ولو على شربة من ماء إن لم يجد المسلم غيرها.
ومن فوائد تأخير السحور:
المحافظة على أداء صلاة الفجر ( التي أضاعها أكثر المسلمين في زماننا هذا، واٍنا لله وإنا إليه راجعون) في وقتها مع الجماعة بالمسجد.
كما أنه يساعد على تقليل عدد الساعات التي تكون المعدةُ فيها خاليةً من الطعام خصوصاً أيام الصيف حيث تصل عدد ساعات الصيام فيها إلى أكثر من خمسة عشرة ساعة تقريباً.
وهنا تنتهي الحلقة الأولي من أحكام الصيام، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه بالوجه الذي يرضيك عنا، وتقبله منا خالصاً لوجهك يا سميع الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته