كتبه: حاتم محمد

نود في عجلة، أن ننبه على مجموعة من المغالطات التاريخية التي ترد في كلام كثير من المتحدثين المسيحيين المصريين، وذلك من خلال عرض الحقائق الثابتة والتي غفلنا عنها نحن، المصريين، مسلمين ومسحيين، على السواء، حتى لا يزيف تاريخنا ونحن شهود.

وبداية، فإن مصر لم تكن تعرف إلا بهذا الاسم، فمصر نسبة إلى الجد الأكبر للمصريين "مصرايم" بن حام بن نوح عليه السلام، وكذا ذكرت في التوراة والإنجيل والقرآن.
وأما اسم إيجبتوس فهو اسم دخيل مشتق من اسم بحر "إيجة" اليوناني الذي شكل سكانه أساسًا رئيسًا للهجرات اليونانية لمصر، ومن هنا بدأ يطلق على مصر ذلك الاسم، وانجرف فريق من أبناء مصر ينتحل لنفسه أسماءً يونانية غير مصرية كـ (توماس) وما شاكله، ولما عجز أولئك الغرباء عن تعلم اللغة المصرية القديمة اخترعوا لغة وسيطة بين اليونانية والمصرية فكانت "البرتوقبطية" وهي عبارة عن نسخ مختزل بالأحرف اليونانية لبعض اللهجات المصرية مع إدخال لكثير من المصطلحات والكلمات اليونانية إلى تلك اللغة التي فرضت على الشعب المصري في نهاية القرن الرابع الميلادي، ما أدى إلى نشر الأمية في أوساط المصريين وقضى على لغتهم الأصلية، ولذا تراهم يقفون أمام آثار أجدادهم وما نحت عليها من كلمات ولا يعرفون منها شيئًا؛ والسبب في ذلك حملة الاضطهاد العنيف التي قام بها المهاجرون (الإيجيبتوس) الذين دانوا بالمسيحية التي تعتقد في ألوهية المسيح وبالتثليث وقاموا بإجبار جميع طوائف الشعب المصري الأصيل على ترك معتقداته الوثنية وكذلك المسيحية التي تعتقد بنبوة المسيح، وتنكر الألوهية والتثليث، وكان الخيار ما بين المسيحية على المذهب اليوناني (الإيجبتوسي) والموت حرقًا مع مصادرة جميع أملاكه.

ومن تلك الصور، ما حدث من قِبَل أولئك المنتمين للمسيحية من هؤلاء الإيجبتوس حين قاموا باختطاف رمز من رموز الشعب المصري والحضارة، وهي مديرة مكتبة الإسكندرية ونزعوا عنها ملابسها وطافوا بها شوارع الإسكندرية وهي عارية ثم قاموا بحرقها، وتلك بالتأكيد ليست أخلاقيات المصريين ولا أخلاقيات المجتمعات الشرقية، ولكن أولئك المهاجرين (الإيجبتوس) لم تكن عندهم آداب المصريين ولا أخلاقياتهم؛ ففعلوا ما فعلوا.

كما قاموا بحرق مكتبة الإسكندرية وهدموا المعابد أيضًا، وما لم يهدم قاموا بتحويله لكنائس. ومع قتل آخر كاهن مصري تم دفن اللغة المصرية ولم يعد أحد يعرف كيف تقرأ كلماتها.

يقول المسعودي، الذي زار مصر في حدود سنه (330هـ950م) في كتابه مروج الذهب (1/162): سألت جماعة من أقباط مصر بالصعيد، وغيره من أهل الخبرة عن تفسير اسم (فرعون) فلم يخبروني عن معنى ذلك، ولا تحصل لي في لغتهم.

فها هم أولاء المنتسبون للأقباط لا يعرفون معاني اللغة المصرية، وأنى لهم أن يعرفوا وهم الذين كانوا ينهون عنها وعن تعلمها؟ وهم الذين قاموا بتغيير أسماء المدن المصرية؛ لتصير يونانية، وكذا اتخذوا لأنفسهم مسميات يونانية؟!!

وأما الجزية.. فكانت مفروضة مقررة على المصريين في جميع الأحوال قبل المسيحية وبعدها؛ بل كان يتم الحجز على جثث الموتى ويمنع دفنهم حتى يتم دفع الجزية، وقد كانت لها صور وأشكال متعددة، كما كان المصريون محرومون من الوظائف جميعها، عليا ودنيا، ومن الانخراط في الجيش، أي أنهم باختصار كانوا يعاملون معاملة العبيد من قبل هؤلاء الوفدين (الإيجبتوس). فهل يحق لمصري فضلاً عن باحث عن الحرية والعدل أن يبكي على ذلك الماضي المظلم؟!!

وهكذا كان المصريون ينتظرون الفتح، الذي حررهم من أولئك الغرباء وترك لهم حرية الاختيار الديني. ولا أقول تحول المصريين للإسلام وإنما اختاروا ما كان عليه آباؤهم من دين كانوا قد أكرهوا على تركه وعلى دفن كتبه، كما تشير إلى ذلك المخطوطات المكتشفة حديثًا (مخطوطات نجع حمادي، ومن جملة ما تحويه ما عرف بإنجيل المصريين وغيره).

ولما كان المصريون معروفون بالسماحة فقد تقبلوا أولئك المهجرين واعتبروهم منهم، ولِمَا في الإسلام من السماحة أيضًا لم يجبر أحد من المسيحيين على ترك معتقدة، وأما الجزية التي فرضها فلم تكن بجديدة إلا على السادة الذين كانوا يستعبدون الشعب المصري والذين كانوا يتربحون من آلامه، فكانت تطرح جزية مصر في مزايدة ومن يتعهد بدفع أكثر يقوم بجباية الأموال من الشعب ويدفع ما اتفق عليه ويأخذ الزيادة لنفسه.

ولو كانت العقائد يدان بها من أجل القوميات لكان الإسلام هو أول الأديان التي يعتنقها شعب مصر، فقد أكرم الإسلام مصر والمصريين في حين أهانت المسيحية المصريين.

ففي غلاطية (4: 31).. أيها الإخوة، لسنا أبناء الجارية نحن أبناء الحرة. ويعني بالجارية هاجر المصرية وبالحرة سارة رضي الله عنهما جميعًا. تلك الجارية المصرية التي تبرأ منها بولس رسول المسيحية التثليثية؛ هي زوجة نبي الله إبراهيم وأم نبي الله إسماعيل وجدة نبي الله محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن نسلها جاء العرب، فمصر هي رحم العرب، ولهذا مع ما سبق كان دخول العرب لمصر فتحًا وليس غزوًا وكان العرب أهل وأبناء أخت وليسوا بغرباء كالذين جاؤوا عبر البحر.

تلك الجارية المصرية التي رفعها الإسلام وأعزها حين صارت مثلاً يحتذى به جميع المسلمين، مصريين وغير مصريين، في قوة إيمانها. وأعزها ثانية حين جعل أفعالها من سعي بين الصفا والمروة، ووقوفًا على الصفا، ودعاء الرب جل وعلا، ورمي للجمرة منسكًا من مناسك الحج خامس أركان الإسلام، تلك الجارية المصرية التي فجر الله لها ولوليدها بئر زمزم في صحراء مكة.

تلك المصرية التي دعا لها نبي الإسلام محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلاً: يرحم الله أم إسماعيل. والذِكر بالكنية فيه تشريف أيضًا كما هي عادة العرب.

فلو كان الأمر اعتزازًا بالقومية المصرية كما زعموا، فأيهما أولى للمصريين: دين إبراهيم ودين الأنبياء جميعًا، الذي رضيه الله لهم وأعزهم به؛ أم غيره؟

المصدر
http://www.shareah.com/index.php?/records/view/id/1393/