بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

د. جابر قميحة : بتاريخ 28 - 7 - 2008

يرحمه الله ... فقد لاقى ربه يوم 16 من يوليو سنة 2008 , فترك فراغا أعتقد أنه لن يُـشغل قبل عشرات من السنين القادمات .

و ما أكتبه في السطور الآتية , ليس تعريفا بهذا الرجل العظيم ,

فقد تكفل بذلك عشرات من الكتاب الذين تناولوه حياة ... وإنتاجا ... وجهدا ... وجهادا... و تأثرا ... وتأثيرا .

ولكنها خواطر أسجلها تلقائيا , وعفويا عن الرجل الذى عشته في الكويت ــ في مطلع السبعينيات ــ عدة سنوات .

وأعتقد أن مفتاح شخصيته مبلور في وصفه " بالعالم الموسوعي العملاق " , فقد كان بحق عملاقا شكلا و موضوعا :

عملاقا فائقا فى علمه , و فكره , وعقيدته , وأدائه . كنت أحضر له ... بل احضره في دروسه بمسجد العثمان في الكويت ,

و كنت اسمع كلاما جديدا , يؤدى بحنجرة قوية تأخذ بمجامع القلوب , وتشد الأنظار ,

و كان حريصا على أن يكون لكلامه و توجيهاته تأثيرها العملى والسلوكي في نفوس السامعين , و خصوصا الشباب .

وقف مرة في المسجد و قال : إن تحقيق المحبة و التعاون بين المسلمين واجب ملزم ,

لذلك آمل أن يأخذ كل خمسة منكم بأيدي بعضهم , و يتعارفوا , ليكونوا جماعة صغيرة ,

يجتمعون كل أسبوع على كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم , و سيرة السلف الصالح , بحفظ جزء من كل أولئك أسبوعيا , و مذاكرته .

و بذلك نجح الشيخ دعويا في تكوين مجموعات تتعاون على البر والتقوى ويقوى افرادها بعضهم بعضا على الالتزام على طريق الطاعة

وكان واسع الأفق ,يطرح فكره بأسلوب سهل واضح , جلسنا معه ذات يوم و تحدثنا عن الظلم والظالمين و الدكتاتورية التى تحكم بلادنا ,

فابتسم و قال : لا تبحثوا عن الظالم , و لكن ابحثوا عن شخصية المظلوم , فقد حسم القرآن هذه القضية في كلمات قلائل ,

إذ جعل جريمة المظلوم الراضخ كجريمة الظالم الديكتاتوروذلك في قوله تعالى

"إن ألذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض

قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا " النساء 97

و نحن نعلم أن الشيخ فى حيانه قد أخذ نفسه بهذه الآية , فهاجر إلى الكويت , وإلى السعودية ,

وجعل الدعوة إلى الله هى همه الأول و الأخير .

وتحدثنا ذات يوم عما يتهمنا به العلمانيون من أننا رجعيون ... سلفيون ...وهابيون ,

قال الشيخ : نعم , هذه حقيقة , فهم ــ في الظاهرــ لم يكذبوا :

فنحن رجعيون سلفيون...مرجعيتنا أزهى العصور , وأرقى المبادئ والقيم .

وهم كذلك رجعيون سلفيون مرجعيتهم ماركس ولينين وفلاسفة الإلحاد .

ونحن وهابيون أي ربانيون ... ندعو ونعمل لله الواحد القادر الوهاب .

و كان مهيبا , يعتز بدينه , و بنفسه : بعد خطبة نارية في مسجد العثمان , استدعاه وزير الأوقاف ــ كما أخبرني الشيخ الجليل ــ ,

و طلب منه أن يعرض عليه خطبة الجمعة مكتوبة قبل إلقائها " وهو دائما كان يلقي خطبه ارتجالا "

, فرفض في إباء وشمم , و قال له : و الله ما فعلتها طالبا , أفأفعلها بعد تخرجي من الأزهر ؟ !!

و قد بارك الله له في إنتاجه فألف عشرات من الكتب , و له آلاف من أشرطة الكاسيت , يتسابق الناس على اقتنائها .فكان مكثرا من الكتب والأحاديث ,

و يرجع ذلك إلي أنه كان يحترم وقته ,

وقد أخبرني بعض الإخوة أنه كان يعلق على باب مسكنه لافتة كتب عليها :

تشريف الإخوة لي بالزيارة محدد بيومي الخميس و الجمعة بعد صلاة العشاء ,

أى أنه كان يقسم وقته بين الدعوة إلي الله , و القراءة و الكتابة , و زيارات الإخوة والأصدقاء .

و صدق الأستاذ الباحث وصفي عاشور أبو زيد إذ كتب فى بحثه القيم عن الشيخ :

" مكث في الكويت عددا من السنين , فأسس فيها العمل الخيري و الدعوي أيضا ,

ويكفيه أن نعرف أن لجنة زكاة العثمان بالكويت ــ و هى من أشهر لجان الزكاة فى العالم العربي ــ من عمل يده .

و أن الشيخ أحمد القطان الداعية الكويتي المعروف من بركات هذا الشيخ ,

و كذلك خالد مشعل و محمد نزال , وغيرهما من قادة حماس احتضنهم في الكويت بعلمه و خلقه...

مع ملاحظة أنه كان معجبا بالشهيد سيد قطب و تعليقاته علي الآيات القرآنية , و كان يلح علي الله تعالى باكيا ضارعا أن يكون مثله ,وعلى دربه .

رحمك الله أيها العالم الداعية العملاق .
Komeha@menanet.net