"لقد تسبب الإهمال بهلاك الأكثر سواداً وفقراً في نيو أورلينز"، هكذا علق القس جيسي جاكسون عقب إعصار كاترينا الأخير، بعد أن شاهد تعاطي حكومة بوش مع مخلفات المدمرة كاترينا. وبعيداً عن المآزق السياسية التي يحياها بوش وادارته من المحافظين الجدد، تحت وطأة إعصاري كاترينا والعراق، فإنّ ما حصل يكشف حقيقة هشاشة الديمقراطية التي يتباهى بها الغرب، والتي تقف عاجزة متهاوية بلهاء أمام كل عاصفة تهب عليها.

فبعد أنْ تمّ معاملة عامة المسلمين في الغرب كطابورٍ خامسٍ إثر أحداث 11 سبتمبر وما تلاها، وبعد الجرائم الشنيعة التي ارتكبت بحق الإنسانية بحجة القضاء على الإرهاب، يأتي إعصار كاترينا ليطيح بما تبقى من مزاعم عن أن الديمقراطية، أقوى من ممارسات بعض السياسيين الحمقى والمتعجرفين.

ففي أثناء غرق 80% من مدينة أورلينز المكتظة بذوي الأصول الإفريقية، خرجت العصابات من تحت أنقاض الكارثة، ليمارسوا النهب والسلب واغتصاب الأطفال والنساء بشكلٍ مريع. في الوقت الذي قام بعض رجال الشرطة بتسليم شاراتهم طلباً للسلامة، فيما قام آخرون من رجال الشرطة والنجدة بالانتحار، لشدة صدمتهم من هول ما رأوه.

وفي هذا الإطار أعلنت حكومة بوش حالة الطوارئ بسبب تردي الأوضاع الأمنية في الولايات المنكوبة، وأصدر بوش أوامره بضرورة الاستعانة بجنود متمرسين على القتل، من الذين عاثوا فساداً في العراق وأفغانستان، ليضبطوا حالة الانفلات الأمني في الولايات الجنوبية. وبهذا تكون كاترينا قد وضعت الديمقراطية في مهب الريح مجدداً، تلك التي فشلت في صياغة وطنٍ لأمة تتساوى فيها حقوق وواجبات المواطنين بغض النظر عن الجنس و اللون والمعتقد. حيث خرج أعضاء في الكونغرس الأميركي من ذوي البشرة السمراء يصرخون على شاشات التلفاز: نحن نشعر بالعار للانتماء لهذه الأمة وللارتباط بهذه الدولة.

وهكذا تنهار مزاعم الديمقراطية عن الإنسان وحقوقه، لأنه "الأكثر سواداً والأكثر فقراً"، وبشكل بشعٍ وجماعي، لكن، داخل أميركا هذه المرة، وليس في غوانتانامو أو قندز أو أبو غريب، لتظهر بذلك الأكذوبة "الديمقراطية" التي يراد تبشير البشرية وبخاصة المسلمين بها، شوهاء على حقيقتها.

فالقضية ليست متعلقة بأفرادٍ أو عصاباتٍ معينة، استغلت الظروف القاتمة التي خلفها الإعصار، إنما هي ظاهرةٌ ملاحظة في الغرب بعامة، وأميركا بخاصة. ولطالما وجدت وتكررت لدى وقوع أدنى حدث، حيث لا يلبث أن ينتشر الآلاف من المواطنين كالجراد، يعبثون بكل ما هو قائم، ويسطون على كل ما تصل أيديهم إليه. وقد شاهدنا ذلك جلياً سابقاً عندما تعرضت أميركا لانقطاع في التيار الكهربائي لبضع سويعات، في عهد بوش الأب، حيث اضطر الأخير إلى إنزال عشرات الألاف من الجيش الأميركي لضبط الأوضاع آنذاك.

والسؤال الذي يلوح في الأفق الآن هو: ألم يئن الوقت الذي تتطلع فيه الأمة الإسلامية لطرح حضارتها المستقاة من الوحي الإلهي بشكلٍ عملي، كنموذج يُعرض على الشعوب والأمم، حيث يكمن الأمن الحقيقي ويتحقق الاستقرار في البلاد والعدل بين العباد. وذلك من خلال استئناف الحياة الإسلامية على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بوتقة دولة الخلافة، ليتأسى بها هذا العالم الماجن المضطرب، حيث نخرت الديمقراطية المعسولة ونظمها الرأسمالية المنبثقة عنها نخاع العقل البشري فأردته صريع الغريزة والفردية المُوْحِشَة، وبات الإنسان أسير النظرة النفعية المادية المقززة المتجردة عن أية قيم أخلاقية أو روحية أو إنسانية حقيقية.

هذا الواقع المأساوي الذي بدأت عدواه بالانتقال إلى حواضر العالم الإسلامي في ظل وجود أنظمة علمانية عمياء، تابعة بالمطلق للغرب، مهمتها نشر الفساد والرذيلة وإعلاء القيم الدنيئة في المجتمع. ما حدا بنا إلى مشاهدة مأساة السطو على ممتلكات الدولة في بغداد، عقب سقوط نظام صدام حسين -غير المأسوف عليه- في العراق، حيث انتشرت أيضاً مظاهر الخطف والسلب والابتزاز وقتل المدنيين الآمنين بشكل مريع. كل ذلك يأتى مع عولمة الديمقراطية التي يراد من خلالها خلق فوضى هدامة في العالم لصالح الدول الغربية والشركات الصناعية الكبرى التابعة لها.


حسن الحسن – المملكة المتحدة