هذه و ثيقة نادرة من محاضر محاكم التفتيش الإسبانية الصليبية عرضها الدكتور الطاهر أحمد مكي بمجلة الدوحة عدد أبريل-نيسان 1981. وقد نقلتها من "الموسوعة العامة لتاريخ المغرب و الأندلس" ج3. ص227-230 للأستاذ نجيب زبيب. لكن للأسف لم يذكر صاحب الموسوعة المصدر الذي اقتبس منه الدكتور مكي الوثيقة.
تبين هذه الوثيقة أنه بعد 114 سنة على سقوط غرناطة أخر معقل للمسلمين بإسبانيا حافظ المسلمون على دينهم سرا رغم جور و ظلم محاكم التفتيش الخبيثة التي طبقت فيهم كل ما ابتكره الإنسان من وسائل التعذيب لثنيهم عن اعتقادهم.
كما تبرز أن المورسكيين (المسلمون المتنصرون ظاهرا و المسلمون باطنا) كانوا يقومون بالدعوة للإسلام و يبشرون به غير المسلمين. فكانت هذه طامة كبرى للكنيسة التي أصبحت تقدم لمحاكم التفتيش المسلمين لا بتهمة أغفاء الإسلام وراء إعتناقهم للكاثوليكية فقط و إنما بتهمة التبشير به سرا بين الأخرين حولهم.
و هذه فرصة لذكر بعض سيرة هؤلاء المسلمين الذين أهملهم التاريخ الإسلامي و شوههم التاريخ الإسباني.
"اعتراف تم أمام محكمة بلنسية من قبل خوان بيبي مسيحي قديم فرنسي المواطنة و فيه يصرح بإفاضة كيف أن سيده (بيثنتي) مورسكي من بلنسية أقنعه باعتناق الإسلام. و دفعه إلى أداء الفرائض الإسلامية في جلسة لمحكمة التفتيش المقدسة في 22 أغسطس من سنة 1605 برئاسة فيديريكي مورنتي أحضر بناء على طلبه رجل من السجن السري و أقسم بأنه يقول الحقيقة عن التهمة الموجهة إليه في هذه الجلسة و كذلك في الجلسات التالية حتى تنتهي المحكمة من الإتهام الموجه إليه. و أن يحتفظ بالأمر سرا.
قال : إن اسمه خوان بيبي راعي غنم و يعيش في "سوت" في بيت (ميلون دي قمرة) مسيحي جديد و أنه أصلا من مدينة روان من مملكة فرنسة و لا يعرف كم من الأعوام و لكنه فيما يظن يجب أن يكون قد بلغ 25 عاما غير أن مظهره يوحي بأنه قد تجاوز الثلاثين و ألقي القبض عليه في منسنيرة في الجبل الأبيض حبث يرعى أغنام سيده ووضعوه أمس في السجن السري لمحكمة التفتيش المقدسة و صرح بنسبه و أنه من طبقة وجيل مسيحي قديم و جنسيته فرنسي من مدينة روان.
و قد صدر الأمر بالقبض على هذا الشاهد كمتهم لأنه كان يأتي بأعمال كالمسلمين. و عندما ذكر الأمر أمامه لأول مرة اعترف بالأتي عن هذا الإتهام: قال أنه سوف يقول الحقيقة لأنه يود أن ينقذ نفسه و أنه عصى الله سيدنا و يطلب الرحمة و أنه شديد الندم و لن يعود إلى العيش مرة أخرى بين المورسكيين. و الحقيقة أنه يقيم في مدينة شقر كما قال مع بيثنتي هذا و هو مسيحي جديد و لأنه ظل وقتا طويلا معه امتد إلى سوت سنوات. و رغم أنه كان يلتقي مع مسيحيين جدد لأخرين كان يعيش دائما و يبيت في دار بيثنتي. و بما أن هذا كان مسلما و يعيش حياة إسلامية فقد أقنعه بأن يصبح مسلما و أن يعيش حياة المسلمين لأنه إن صنع هذا فسوف ينجو و يقول أنه قاوم و لكنه أخيرا كشخص بسيط اعتقد أن من الأفضل له أن يصبح مسلما و أنه يستطيع أن ينجو في دين المسلمين. و هكذا فإنه قبل عيد الميلاد الماضي بثمانية أشهر على التقريب قرر أن يعتنق الإسلام ووعد بثنتي بأن يصبح مسلما. و علٌمه هذا كيف يغتسل و يتوضأ أمامه من إحدى عيون سوت و استجاب له خوان. فغسل قدميه و يديه و رأسه و الأعضاء المخجلة و لكنه لم يقل أية كلمة لأنه لا يعرف و لا يفهم العربية وو بعد ذلك أحضربيثنتي حصيرة إلى العين مخبأة تحت عباءته و جلس في وسطها و قبلها أولا , و بعد ذلك قبلها خوان ثلاث مرات لأن بيثنتي علمه هذا. ثم اتجه إلى حيث تشرق الشمس ثم خفض و رفغ رأسه ثلاث مرات و قال بيثنتي بعض الصلوات باللغة العربية التي يفهمها خوان. و بعد أن انتهت الصلاة ذهب ليرعى الغنم. و في اليوم التالي من طلوع الشمس توضأ و صلى. بنفس الطريقة و كان بيثنتي نفسه المشار إليه حاضرا وقال بالعربية أشياء من التي تخص المسلمين وبدأ يقوم و يقعد و خوان يفعل مثله.
و في اليوم الثالث أيضا في الوقت نفسه من طلوع الشمس توضأ و صلى عند نفس العين و على نفس الصورة و بيثنتي يعلمه ما يجب عليه أن يفعله و هو يصلي بالعربية كما قلنا. و بعد أن قام خوان بالوضوء و الصلاة ثلاث مرات لاحظ أنه ارتكب معصية كبيرة و تألم مما فعل و عرض على بيثنتي ألا يصنع هذا أزيد مما صنع لأنه مسيحي طيب و أن يعمل مع سيده لكي يقبض ما يجب و يذهب إلى روما و يعترف بخطيئته و لكنهم لا يدفعون له. ثم توقف عن الإعتراف.
و سئل عما إذا كان تمة أشياء أخرى أو طقوس إسلامية قام بها و أن عليه أن يعترف كاملا دون أن يخفي أي شيئ أي شيئ لكل يبرئ ضميره و لصالحه من الأوفق له كثيراأن يعترف و أن يقول كل شيئ كاملا و بالتفصيل دون أن يترك شيئا و لا تغضب نفسك و لا شاهدا أخر مزيفا و بهذه الطريقة يمكن أن نستخدم معك الرحمة على نحو أفضل.
قال : إنه يرغب في أن يبرئ ضميره تماما و أنه سوف يفكر و سيقول كل ما يتذكر و لقد قلت له أن يفكر جيدا هذه الليلة لأن من اللأوفق له كثيرا أن يعترف بالحقيقة كاملة.
و سئل: عندما وعد بأن يصير مسلماو توضأ و صلى ثلاث مرات على نحو ما اعترف, هل كان يعرف أنه الدين الإسلامي و أن الوضوء و الصلوات التي قام بها ضد العقيدة الكاثوليكية المقدسة و عما إذا اعتقد أن دين المسلمين هذا يجعل منه رجلا طيبا و كافيا لينقد روحه معه و أن يذهب إلى السماء. فاعترف بأنه كان يعرف جيدا أن دين المسلمين هذا. و أن الوضوء و الصلاة ضد قانون المسيح سيدنا. و لكن بما أن بيثنتي ظل يقنعه لمدة طويلة بأن يصبح مسلما, و أنه الدين الإسلامي سوف ينقذ روحه و يصعد إلى السماء. و بما أن خوان بسيط اعتقد أن دين المسلمين كاف لإنقاذه, وهكذا وعد بيثنتي بأن يعتنق الإسلام و قام كمسلم بالوضوء و الصلاة ثلاث مرات على نحو ما ذكر, وغايته أن ينقذ روحه بهذه الصلوات. وبعد أن أداها عاد إلى نفسه و تألم كثيرا مما فعل و فكر في أن يعود مسيحيا و أن يذهب إلى روما, وأن يعيش و يموت على العقيدة الكاثوليكية المقدسة.
وقد هددته بعظمة الله سيدنا بأن يفكر جيدا في موضوعه و أن يقول الحقيقة كاملة لينقذ روحه, ثم أمرت بأن يعود إلى سجنه السري"
رئيس محكمة التفتيش
فيدريكي كورنت
السكرتير : الأب خوان بيدال (توقيع)
من بيثنتي هذا؟... إنه واحد من ألوف المسلمين الطيبين في إسبانيا توزعتهم السجون و أكلتهم الطرق, أو كانوا طعاما شهيا للنيران, ذهبوا و لم تبكهم عين ولا خط تاريخهم قلم."
فنسأل الله أن يكون أخونا بيثنتي قد ثبت على الإسلام و أن يرحمه رحمة واسعة.
(منقول)
المفضلات