دعوة الكفار بالحسنى

ودعوة من يظنون انهم اهل الكتاب وما هم باهل الكتاب " المغضوب عليهم والضآآآآلين "


لفضيلة الشيخ محمد صالح المنجد


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد..

إن الله عز وجل قال بكتابه المبين من صفات المؤمنين أنهم "أشداء على الكفار رحماء بينهم" وأمرهم بقتال الكفار فقال: "وليجدوا فيكم غلظة"، وقد عرفنا أن موضع الإغلاظ على الكفار والشدة عليهم هو في حال قتالهم وجهادهم فإنه لا يُرأف بهم، وكذلك إذا عاندوا يشتد ويُغلظ عليهم "وليجدوا فيكم غلظة"، فكيف الأمر إذن في حال دعوتهم، فهل يكون الإغلاظ والشدة في حال الدعوة؟ أم أننا نفرق بين جهاد المعاندين والمحاربين والرد عليهم عندما يهاجمون الإسلام وعندما يُنهرون يغلظ عليهم، عندما يهاجمون دين الله بألسنتهم وأسلحتهم فلا يوجد منا إلا الإغلاظ والشدة فماذا لو كانوا مسالمين وكنا معهم في حال الدعوة، كيف يكون حالنا هل يختلف؟؟ قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، قال أبو هريرة – رضي الله عنه -: كنتم خير الناس للناس تأتون بهم بالسلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، وقال عز وجل: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"،إذن لو أخذ المسلمون كفارا بعد المعركة فصاروا مسلسلين عبيدا ليديهم كيف يعاملونهم؟ ولو صاروا أسرى مرتهنين كيف يكون التعامل معهم؟ يكون دعوة إلى الدين ورفق بهم حتى يدخلوا في الإسلام، قال عز وجل: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" فأمره أن يدعو الخلق إليه بالحكمة . وبعدما انكسرت شوكة الكفار وأغلظنا عليهم في المعركة كما قال الله سبحانه: "وليجدوا فيكم غلظة"، فإذا أردوا أن يستمعوا إلينا فماذا نفعل "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" فإذا احتاج الأمر إلى جدال فإنه يكون باللين والرفق وجميل الخطاب، "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" وكذلك فإن دعوة الخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل الله القويم والعلم النافع والعمل الصالح يكون بالحكمة، أي كل أحد على حسب حاله وفهمه وقبوله وانقياده، فندعو بالعلم لا بالجهل بالأهم والأقرب إلى الأذهان والفهم وبالرفق واللين، فإذا انقاد بالحكمة ننتقل إلى الدعوة بالموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب، وهكذا نستمر في منازل الدعوة مع هؤلاء حتى نقودهم إلى طريق الإسلام، وقد قال الله تعالى لموسى وهارون عندما كانا في مرحلة دعوة مع فرعون: "اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" إذن لمّا كانت المرحلة مرحلة دعوة فإنهما أمرا بالين ولكن لمّا طغى فرعون ورفض الحق ورأى المعجزات والآيات وأصر على استكباره وأنه يدعو الناس لعبادته من دون الله قال له موسى قولا شديد: "وإني لأظنك يا فرعون مثبورا" أي هالكا، فكانت الشدة بعد اللين، عندما لم ينفع اللين وازداد الطغيان جاء محل الشدة في الكلام فقال: "وإني لأظنك يا فرعون مثبورا"، وهكذا أسلوب اللين في البداية ولا يُبدأ بالشدة، وكان المسلمون إذا جاءوا للكفار وعرضوا عليهم الإسلام أو الجزية أو القتال يوضحون لهم بالحكمة واللين أولا ثم إذا لم ينفع ذلك وأبَوا وصارت المناجزة بالسيف " وليجدوا فيكم غلظة"، وكذلك فإن شعار المسلم في دعوة الكافر "هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى" أخرج الكلام مخرج السؤال والعرض لا مخرج الأمر، وكذلك إبراهيم الخليل – عليه السلام – لمّا بدأ بدعوة أبيه كانت البداية باللين وخصوصا أنه أبوه "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا" كان الخطاب في غاية اللين واللطف والتودد وكذلك أظهر شفقته على أبيه "يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا"، وهكذا المؤمن في سورة يس: "يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون * وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون"، وكان الأنبياء يرغبون أقوامهم بما يحبونه "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا".



لمّا أوصدت الأبواب في وجه إبراهيم في دعوة أبيه، ماذا كانت النتيجة في النهاية "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه" ، فهذا الفرق بين البداية والنهاية، وحتى لما كانت الدعوة سلمية باللسان أولها لين وعند الإعراض في النهاية فالشدة والدعاء عليهم بحسب القدرة والاستطاعة وهكذا نأخذ الدرس من تمرد إبليس في عدم صدوده لآدم وقال الله تعالى: "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا"، فالله سبحانه يخاطب الناس " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني" ويقول عز وجل: " يا أيها الناس اعبدوا ربكم" فيرغبهم وهو ربهم ويكون اللين في الخطاب معهم، " أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين": أي نترككم فلا ننصحكم ولا ندعوكم ونعرض عنكم؟ وحتى مؤمني الجن لمّا بدأوا بالدعوة: " يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم"، كيف كان بدء الدعوة مع الروم قبل المعارك التي أطاحت رؤوسهم، كانت البداية باللين: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين)، قال تعالى : " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القول لانفضوا من حولك"، كان صلى الله عليه وسلم مأمورا باللين وخصوصا مع أصحابه " فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر"، وكذلك فإن الله قد أباح لنا معاملة الكفار المسالمين بالحسنى في قوله تعالى: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"، إذن "لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم" لأنهم لو فعلوا ذلك فليس لهم إلا السيف، وليس لهم إلا الإغلاظ والشدة بل يتقرب إلى الله بإغاظتهم وتكون إغاظتهم عبادة عظيمة، وقوله تعالى في الكفار المسالمين : "أن تبروهم وتقسطوا إليهم" لا يعني بأي حال من الأحوال محبتهم أو مودتهم أو التشبه بهم ومشاركتهم في أعيادهم إطلاقا، لا تلازم بين المودة والحبة القلبية وبين أن نحسن إليهم بالكلام أو نساعدهم إذا احتاجوا ونحو ذلك من وجوه الإحسان والصلة، بل إن الإنسان ربما يحسن إلى قريب مسلم قد يكون بينهما عداوة وحقد وبغضاء وهو ربما يكرهه ولكن يتلطف معه ليدفع شره.

ما هو موقفنا من الكافر المسالم؟

نكرهه بقلوبنا ولا نجامل بهذا إطلاقا؛ لأنه كافر يقول إن الله له ولد، له زوجة، إنه ثالث ثلاثة، نكرهه قطعا لأجل الله بقلوبنا لكن في الظاهر لأجل مصلحة الشريعة نلين معه لأجل دعوته لعل الله أن يهديه ولا نسمي هذا نفاقا أو ازدواجية؛ لأن كرهه واجب لأجل الله، أليس قد كفر بالله، ولكن دعوته باللين هي الطريقة والسنة التي أُمرنا بها مادام أنه يصغي إلينا ومادمنا نريد له الخير والهداية، ولذلك أجاز العلماء للمسلم أن يتصدق على الكافر صدقة تطوع من غير الزكاة كما مرّ عمر – رضي الله عنه – وهو في طريقه إلى الشام بقول النصارى فأعطوا من الصدقات، والكفار لهم سهم في الزكاة منهم المؤلفة قلوبهم، يجوز إعطاؤهم لتأليف قلوبهم، فيعطى زعيم القبيلة الكافر من الزكاة لكي يؤلف قلبه على الإسلام وكذلك فإنه يجوز إعطاء بعضهم لكف شرهم؛ لأن في ذلك مصلحو الإسلام، والجار إذا كان كافرا فإن له حق، ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)، والنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يعامل جاره اليهودي معاملة حسنة، وعبد الله بن عمرو لمّا ذبحت له شاه في أهله قال لهم: أهديتم لجارنا اليهودي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، ودخل النبي – صلى الله عليه وسلم – على غلام يهودي مريض يعوده فجلس عند رأسه وقال: أسلم. نظر الغلام إلى أبيه فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فخرج النبي – صلى الله عليه وسلم – قائلا: الحمد لله الذي أنقذه من النار بي.

فحسن العهد وعيادة المشرك إذا مرض لأجل مصلحة الإسلام ورجاء الدخول في الإسلام وكذلك العزاء، فإذا قال قائل: ما حكم عيادة الكافر إذا مرض؟ وما حكم تعزيته إذا مات له ميت؟ فالجواب: اختلف العلماء في ذلك فمنعه بعضهم بل قد وردت الرواية عن أحمد بإباحة ذلك مرة ومنعها أخرى، ولذلك فرق العلماء بين زيارة مريضهم وتعزيتهم بموتاهم بين الحال التي يوجد فيها مصلحة شرعية كدعوتهم إلى الله فيزار مريضهم ويعزون بأمواتهم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وشرط جواز ذلك كما قال ابن القيّم في أحكام أهل الذمة: أن لا تكون التهنئة بشعائر كفرهم كأعيادهم أو صيامهم أو عباداتهم لو قال هل نهنؤه إذا ولد له ولد، بترقية مثلا أو ربح صفقة تجارية، قال ابن القيم: وشرط جواز ذلك أن لا تكون التهنئة بشعائرهم كأعيادهم أو عباداتهم فإن فاعل ذلك إن سلم من الكفر فهو واقع في كبيرة من الكبائر، والشرط الثاني: أن لا تكون التهنئة بلفظ محرم كما لو قال: أعزك الله، فلا يجوز أن يقال لكافر أعزك الله لأن الله أذلهم بالكفر والشرك فكيف يعزهم، وكما لو قال متعك بدينك وما أشبه ذلك.

كما لا يجوز أن نقول لكافر مات له قريب كافر: غفر الله لميتك أو رحمه، لأن الله لا يغفر للمشركين "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".

أيها الإخوة: الخلاصة كما قال علماؤنا لا بأس بتعزيتهم إذا كان هناك مصلحة شرعية وبهذه الشروط المتقدمة وبناء عليه فإن تعزيتهم وعيادتهم لأجل مصالح دنيوية ليست من هذا الباب؛ لأننا نظرنا في النصوص التي زار النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها مرضى الكفار فوجدناها لمصلحة الدين وهي دعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى، ولابد أن يكون الإنسان المسلم رفيقا فيما يدعو إليه وعالما به، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لما جاءه ملك الجبال يقول: يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس وقعيقعان. فهو حريص صلى الله عليه وسلم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وكذلك لمّا فتح مكة عليه الصلاة والسلام وانكسرت شوكة الكفار وأهينوا بتكسير أصنامهم وعلا بلال الكعبة يؤذن وقال أبو سفيان: أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – أمّنهم: من دخل دار أبو سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن. رواه مسلم

إذن الإغلاظ والشدة في حربهم، ما دامت الحرب انقضت وعلا الإسلام فبقي أن يتألف هؤلاء والخطوة الثانية دخولهم في الدين؛ لأن القصد ليس إراقة الدماء وإلا كان قتلهم كلهم ولكن القصد كسر شوكة الكفار والقضاء على قوتهم وان تُحكم بلادهم بالإسلام، ثم بعد ذلك نتألفهم حتى يدخلوا في ديننا، القصد ه إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وليس المقصود بالجهاد إراقة الدماء.

أيها الإخوة ، من هنا نعلم الرد على أعداء الله الذين يثيرون الشبهات على المسلمين وخصوصا في هذه الأيام ويتهمون أمة الإسلام بالدموية، فنقول نحن في الجهاد وعلى أهل العناد أشداء كما أمر الله نغلظ عليهم كما أمر الله " وليجدوا فيكم غلظة" لأجل الله، فهم كفروا بالله وعاندوا ورفعوا السلاح وامتنعوا وهاجموا المسلمين، فلابد إذن من كسر شوكتهم. نريد أن ندخل بلادهم لنحكمها بالإسلام فرفضوا فنكسر شوكتهم ونشتد عليهم ونغلظ بل ونغيظ في المعركة الإغاظة المعروفة التي نتقرب بها إلى الله كإغاظة اليهود اليوم فإنها واجبة في ظل هذه الظروف التي نراها.

القضية مع القدرة يا عباد الله "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وكان المسلمون إذا كسروا الكفار واشتدوا عليهم وأغاضوهم وأغلظوا عليهم ودخلوا البلاد، ماذا كانوا يفعلون بعد ذلك؟ هل كانوا يظلمون الناس لو أن أهل البلد رضوا بأن يحكمهم المسلمون ويعطوا الأمان ويصبحوا أهل ذمة كيف يُعَاملون؟ لا يُظلَمون ولا يعتدى على أموالهم، لا يُسرَق ولا يُنْهَب منهم شيء ولا يُرَاق دم ذمي أبدا إذا لم يجرم ( ومن قتل ذميا لم يرح رائحة الجنة)، وهكذا كان أهل الذمة يعيشون بين المسلمين آمنين مطمئنين بل إن علي – رضي الله عنه – لمّا اختصم مع رجل نصراني على درع له وجاء إلى شريح القاضي وقال علي: هذي الدرع درعي لم أبع ولم أهب، وقال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين: هل من بيّنة؟ فضحك علي وقال: أصاب شريح مالي بيّنة، الدرع بيد النصراني وليس عندي بيّنة، فقضى بها شريح للنصراني، فأخذه النصراني ومشى خطوات ثم رجع فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يدفعني إلى قاضيه فيقضي عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين إذ تبعتُك وأنت منطلق إلى صفين فخرجت من بعيرك، فقال علي: أما إذا أسلمت فهي وحمله على فرس... وهكذا كانت دور عبادة النصارى القديمة لا تُهجَم وكانوا يمنعون من بناء دور عبادة جديدة، ويمنعون من إعلان دينهم ودق نواقيسهم وإظهار صلبانهم ويميزون عن المسلمين لأن هناك أحكام في السلام والطرقات، ولأن الشارع يريد من ورائها ومن وراء دفعهم للجزية أن يحسوا بالفرق فينتقلوا إلى معسكر أهل الإسلام ويسلمون، فهذا التمييز لأجل دفع الكافر إلى الإسلام لأجل أن يحس بالفرق فيريد التخلص من هذا الذل الذي يحس به ليصبح مسلما، وهكذا أسلم أهل مصر والشام والعراق واليمن والمغرب، هكذا أسلموا ودخلوا في دين الله أفواجا.

اللهم إنا نسألك أن تعز دينك يا رب العالمين

وأن تهدي ضال المسلمين وان تنصر المجاهدين إنك على كل شيء قدير

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.



الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله والصلاة والسلام على محمد أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلى خلفائه وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين.

عباد الله هذا نبينا صلى الله عليه وسلم يأتيه أعرابي يشد البُرد حتى يؤثر في صفحة عنقه فيعفو عنه ويأمر له بعطاء، انشق البرد وبقيت حاشيته في عنق النبي – صلى الله عليه وسلم - وهكذا لمّا جاءه كافر وهو نائم فأخذ السيف ورفعه فوق رأسه وقال: من يمنعك مني؟ فقال: الله، فشام السيف ولم يستطع الكافر أن يفعل فيه شيئا، كأن يده قد شُلّت ولأغمد السيف وأعاده كما كان، فعفا عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – ولمّا جيء بثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة - وكان مشركا – أسيرا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وربط إلى سارية من سوارِ المسجد، فخرج إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – يعرض عليه الإسلام، ما عندك يا ثمامة، قال: عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فتركه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى كان الغد ثم قال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى كان بعد الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي ما قلت لك، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إلى، والله ما كان دين أبغض إلى من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إليّ، والله ما كان بلد أبغض إلى من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأمره أن يعتمر، فلمّا قدم مكة قالوا له قائل: أصبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد – صلى الله عليه وسلم -، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي – صلى الله عليه وسلم.

وهكذا كان العفو عن المسيء، انقلب في قلبه البغض إلى الحب بسبب ذلك، وملاطفة الأسارى الذين يرجى إسلامهم ولا سيما الذي يتبعه عدد كبير من قومه، وقال ابن إسحاق في عدي بن حاتم، قال: فيما بلغني ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله حين سمع به مني، أما أنا فكنت امرؤا شريفا وكنت نصرانيا وكنت أسير في قومي بالمرباع – أي آخذ ربع الغنيمة – وكنت في نفسي على دين وكنت ملكا في قومي لما كان يُصنع بي، فلما سمعت برسول الله كرهته، فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي: لا أبا لك، أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فأحتبسها قريبا مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل ثم إنه أتاني ذات غداة فقال: يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا: هذه جيوش محمد. قفرب إلي أجمالي فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت: ألحق بأهل بديني من النصارى بالشام، وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر، فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل رسول الله فتصيب ابنه حاتم فيمن أصابت، فقُدِم بها على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سبايا من طيء وقد بلغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هربي إلى الشام، فجُعِلت لبنة حاتم بباب المسجد في مكان كانت السبايا تحبس بها، فقامت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ولمّا مر بها وكانت امرأة جزلة فقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ منّ الله عليك، فقال: ومن وافدك؟ قالت، عدي بن حاتم، قال: الفار من الله ورسوله؟! ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغد مرّ بي فقلت له مثل ذلك، وقال لي مثل ما قال بالأمس حتى إذا كان بعد الغد مرّ بي وقد يئست فأشار إلي رجل خلفه – علي بن أبي طالب – قومي فكلميه، قال: فقمت إليه فقلت : يا رسول الله، هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ منّ الله عليك، فقال: قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني، فقمت حتى قدم رهط من قومي، فقلت: يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ، قالت: فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت حتى قدمت الشام، قال عدي: فو الله إني لقاعد في أهلي فنظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا فقلت: أبنة حاتم؟ فإذا هي هي، فلما وقفت علي انسحلت تقول: القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك وعورتك؟ قلت: أي أخيّة لا تقولي إلا خيرا فو الله مالي عذر، لقد صنعت ما ذكرت ثم نزلت فأقامت عندي، فقلت لها وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيّا فللسابق إليه فضله وإن يكن الرجل ملكا فلن تزال في عز وأنت أنت، قلت: والله إن هذا الرأي. فخرجت حتى أقدم على رسول الله المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال: من الرجل؟ قلت: عدي بن حاتم، فقام رسول الله وانطلق بي إلى بيته فو الله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها، فقلت في نفسي: والله ما هذا بملك ثم مضى بي رسول الله حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أُدم محشوة ليفا فقذفها إليّ فقال: اجلس على هذه، قال: قلت بل أنت فاجلس عليها، قال: بل أنت، فجلست وجلس رسول الله بالأرض فقلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم ألم تكن ركوسيّا؟ قلت بلى، قال: أولم تكن تسير في قومك بالمرباع؟ قلت بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك. قلت أجل والله وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يُجهَل ثم قال: يا عدي، أما غني أعلم ما يمنعك من الإسلام تقول إنما اتبعه ضعاف الناس ومن لاقوه لهم وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة، قلت لم أرها وقد سمعت بها، قال: فو الذي نفسي بيده ليتمنّ الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز، قلت كسرى بن هرمز؟ قال نعم كسرى بن هرمز وليبذلنّ المال حتى لا يقبله أحد، قال عدي بعد ذلك: فهذه الظعينة تأتي من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى والذي نفسي بيده لتكوننّ الثالثة لأن رسول الله قد قالها. وهذا الحديث من بلاغات ابن إسحاق الذي ليس له سند وحكمها في الحديث معروف، ولكن لحديث عدي بن حاتم مع النبي – صلى الله عليه وسلم – مواقف صحيحة كما ورد في تفسير قوله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " ، ولكن القصة في لين النبي – صلى الله عليه وسلم – وحكمته في الدعوة وهذه المسألة ثابتة لا تحتاج إلى هذا الطريق.

عباد الله، إننا إذا أردنا أن ندعو إلى الإسلام بالحكمة، بالعلم والموعظة الحسنة نرد على الشبه وبالأخلاق الطيبة والمعاملة الحسنة يستجيب لنا الناس، المسلم والكافر، فلابد من تنزيل الأمور في منازلها الصحيحة فالشدة في مواضعها واللين في موضعه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من جنده المصلحين وان يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم.

اللهم إنا نسألك المن في البلاد والصلاح للعباد والنجاة يوم المعاد

اللهم أهلك المنافقين واجعل بأسهم بينهم ورد كيدهم في نحرهم يا رب العالمين

اللهم إن في المسلمين من المنافقين من يريدون دينك بسوء فاكشف أستارهم

اللهم اكشف أستارهم ورد كيدهم في نحورهم.. اللهم اخذلهم واجعل بأسهم بينهم

اللهم امكر بهم كما يمكرون بدينك .. اللهم امكر بهم وخذهم وأنت العزيز يا رب العالمين

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

وللأستماع اضغط هنا

http://islamicaudiovideo.com/index.p...39af124d3acb25