بسم الله الرحمن الرحيم
خرج علينا خالد بلكين بمقطع جديد يتكلم فيه عن قصة اصحاب الأخدود و تكلم فيه عن اختلاف متقدمي المفسرين من اهل العلم في تحديد من هم اصحاب الأخدود و ذكر معه عدم امكانية تطابق قصة اصحاب الأخدود مع نصارى نجران و المجزرة التي فعلت بهم من قبل الملك الحميري اليمني ذو نواس في بداية القرن السادس الميلادي ثم تساءل لماذا القصة في سورة البروج خالية من التفاصيل كنظيرتها من السور المكية ؟
و قبل الاجابة على سؤاله اقول و بكل أمانة انه له كامل الحق في عدم صحة اسقاط الايات في سورة البروج على نصارى نجران اما عن تساؤله عن عدم سرد القرآن لتفاصيل القصة فهذا جهل او تجاهل منه للروايات الإسلامية الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي سردت لنا قصة اصحاب الأخدود بشكل مفصل
فالثابت من حديث النبي صلى الله عليه وسلم المرفوع قصة الساحر و الغلام والملك دون ذكر نصارى نجران و لا ذو نواس و لا عبد الله بن الثامر و لا فيميون فالحديث المرفوع لا يبدو انه له علاقة بنصارى نجران مع ذي نواس الحميري بل ان الملك في القصة المرفوعة انما قتل وحرق الناس لرفضهم ان يعبدوه و ليس لانهم تركوا اليهودية فلا يصح القول اذا ان المراد من اصحاب الاخدود في القران هم نصارى نجران .
نقرا من صحيح مسلم كتاب الزهد و الرقاق
(( [17 - باب قصة أصحاب الإخدود والساحر والراهب والغلام]73 - (3005) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة. حدثنا ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عن صهيب؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر. فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت. فابعث إلي غلاما أعلمه السحر. فبعث إليه غلاما يعلمه. فكان في طريقه، إذا سلك، راهب. فقعد إليه وسمع كلامه. فأعجبه. فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه. فإذا أتى الساحر ضربه. فشكا ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس. فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم! إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. حتى يمضي الناس. فرماها فقتلها. ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بني! أنت، اليوم، أفضل مني. قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنك ستبتلى. فإن ابتليت فلا تدل علي. وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي. فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله. فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله. فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس. فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام. فجئ بالغلام. فقال له الملك: أي بني! قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب. فجئ بالراهب. فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار. فوضع المئشار على مفرق رأسه. فشقه حتى وقع شقاه. ثم جئ بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فوضع المئشار في مفرق رأسه. فشقه به حتى وقع شقاه. ثم جئ بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا. فاصعدوا به الجبل. فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل. فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر. فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به. فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد. وتصلبني على جذع. ثم خذ سهما من كنانتي. ثم ضع السهم في كبد القوس. ثم قل: باسم الله، رب الغلام. ثم ارمني. فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد. وصلبه على جذع. ثم أخذ سهما من كنانته. ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله، رب الغلام. ثم رماه فوقع السهم في صدغه. فوضع يده في صدغه في موضع السهم. فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام. آمنا برب الغلام. آمنا برب الغلام. فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد، والله! نزل بك حذرك. قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت. وأضرم النيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمه! اصبري. فإنك على الحق".))
وقد شكك بن كثير و المروزي رحمهما الله في رفع القصة حيث اوقفاها على صهيب رضي الله عنه و الحق ان الرواية انما ذكرت موقوفة بطريق معمر عن ثابت فقط بينما جاءت مرفوعة من طريق حماد بن سلمة و لذا صرح بن حجر رحمه الله برفعها .
نقرا من تحفة الاحوذي في شرح سنن الترمذي الجزء التاسع ابواب تفسير القران باب سورة البروج
(( (قال وكان إذا حدث بها الْحَدِيثِ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ كَانَ ملك من الملوك الخ) قال الحافظ بن كَثِيرٍ وَهَذَا السِّيَاقُ لَيْسَ فِيهِ صَرَاحَةٌ أَنَّ سِيَاقَ هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ أَخْبَارِ النَّصَارَى انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ صَرَّحَ بِرَفْعِ الْقِصَّةِ بِطُولِهَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَوَقَفَهَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى ))
نقرا من فتح الباري في شرح صحيح البخاري رحمه الله كتاب التفسير سورة البروج
(( قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿الأُخْدُودِ﴾؛ شَقٌّ فِي الْأَرْضِ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِ: شَقٌّ بِنَجْرَانَ كَانُوا يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِيهِ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ مُطَوَّلَةً، وَفِيهِ قِصَّةُ الْغُلَامِ الَّذِي كَانَ يَتَعَلَّمُ مِنَ السَّاحِرِ، فَمَرَّ بِالرَّاهِبِ فَتَابَعَهُ عَلَى دِينِهِ، فَأَرَادَ الْمَلِكُ قَتْلَ الْغُلَامِ لِمُخَالَفَتِهِ دِينَهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى قَتْلِي حَتَّى تَقُولَ إِذَا رَمَيْتَنِي: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ. فَفَعَلَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَخَدَّ لَهُمُ الْمَلِكُ الْأَخَادِيدَ فِي السِّكَكِ وَأَضْرَمَ فِيهَا النِّيرَانَ لِيَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِ. وَفِيهِ قِصَّةُ الصَّبِيِّ الَّذِي قَالَ لِأُمِّهِ: اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ. صَرَّحَ بِرَفْعِ الْقِصَّةِ بِطُولِهَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ. وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَوَقَفَهَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ، وَعِنْدَهُ فِي آخِرِهِ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ﴾ - إِلَى - ﴿الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ ))
اما عن كلامه وملاحظته الجانبية التي قرر فيها ان كلمة أمي في جميع مواضع ذكرها في القرآن لا تعني إلا الغير يهودي فهو مردود بسياق القرآن حيث نجد بعض المواضع التي يحتم علينا السياق القرآني تفسير كلمة أمي بالذي يفتقر القدرة على القراءة و الكتابة
مثال ذلك : تصريح القران بان كثيرا من يهود المدينة تغلب عليهم الامية و لا يعلمون من كتابهم الا اماني .
قال تعالى :(( أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79))
نقرا من تفسير ابن كثير رحمه الله :
(( يقول تعالى : ( ومنهم أميون ) أي : ومن أهل الكتاب ، قاله مجاهد : والأميون جمع أمي ، وهو : الرجل الذي لا يحسن الكتابة ، قاله أبو العالية ، والربيع ، وقتادة ، وإبراهيم النخعي ، وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى : ( لا يعلمون الكتاب ) [ إلا أماني ] ) أي : لا يدرون ما فيه .))
وصلى الله على سيدنا محمد و على اله وصحبه وسلم
المفضلات