وقفة مع تزكية النفوس .
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
في خضم شؤون الحياة المعاصرة ، وكثرة مشاغلها ، وتعدد متطلباتها ، قد ننسى أن أنفسنا بالتربية ، ومن ثم تقسو القلوب ، ونتثاقل عن الباقيات الصالحات ن ونركن إلى متاع الدنيا وزخرفها .
ولأجل ذلك نتحدث عن تزكية النفوس من خلال ما يلي :
1.أهمية الموضوع :
مما يوضح أهمية الموضوع أن الله تعالى أقسم أقساما كثيرة ومتوالية على أن صلاح العبد وفلاحه منوط بتزكية نفسه ،
فقال سبحانه : ( ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) .
وكان الأنبياء عليهم السلام يدعون إلى تزكية النفوس ، فهذا موسى عليه السلام يقول لفرعون: ( هل لك إلى أن تزكى . وأهديك إلى ربك فتخشى ) .
وتزكية النفوس سبب الفوز بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، كما قال عزوجل : (ومن يأتيه مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى . جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ) أي طهر نفسه من الدنس والخبث والشرك ،وعبد الله وحده لا شريك له ، واتبع المرسلين فيما جاءوا به من خبر وطلب .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : (( اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها . أنت وليها ومولاها )).
2.معنى التزكية :
التزكية لغة : الطهارة والنماء والزيادة .
والمراد بها ها هنا : إصلاح النفوس وتطهيرها ، عن طريق العلم النافع . والعمل الصالح ، وفعل المأمورات وترك المحظورات .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معنى تزكية النفس قوله : (( ثلاث من فعلنهن ذاق طعم الإيمان . من عبد الله عز وجل وحده بأنه لا إله إلا هو ، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام ، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة والمريضة ، ولكن من أوسط أموالكم ، فإن الله عز وجل لم يسألكم خيرها ، ولم يأمركم بشرها وزكى نفسه ، فقال رجل : وما تزكية النفس ؟ فقال : أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان )).
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم تزكية النفس إحدى الخصال الموجبة لذوق طعم الإيمان ، وفسر التزكية بإحدى مراتب الإحسان ـ وهو أعلى مقامات الدين ـ وهو أن يعبد الله تعالى على أن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته ويعلم باطنه وظاهره ، ولا يخفى عليه شيء من أمره .
3.وسائل تزكية النفس :
نذكر ـ ابتداء ـ أن تزكية النفوس عن طريق الشرع ، فلا سبيلا إلى تزكية النفوس إلا من طريق الرسل عليهم السلام .
يقول ابن القيم رحمه الله : ( وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد ، فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة ، التي لم يجيء بها الرسل ، فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه ، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب ؟ فالرسل أطباء القلوب ، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم ، وعلى أيديهم ، وبمحض الانقياد والتسليم لهم) .
وتزكية النفوس تتحقق بأمور كثيرة نذكر منها جملة منها بإيجاز :
·التوحيد : إن أعظم وآكد طريق إلى تزكية النفوس : تحقيق التوحيد :
قال تعالى { وويل للمشركين . الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون }،
قال أكثر المفسرين من السلف ومن بعدهم : الزكاة ـ ها هنا ـ هي التوحيد ، شهادة أن لا إله إلا الله ، والإيمان الذي به يزكو القلب ، فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب ،وذلك طهارته و إثبات إلهيته سبحانه وهو أصل كل زكاة ونماء.
·الصلاة : فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا . ما تقول ذلك يبقي من درنه ؟ قالوا : لا يبقي من درنه شيئا . قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ) .
قال ابن العربي : ( وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار الذنوب حتى لا يبقى له ذنبا إلا أسقطته ) .
·الصدقة : قال ابن تيميه رحمه الله : ( إن الزكاة تستلزم الطهارة، قال تعالى : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } من الشر {وتزكيهم } بالخير....
فقوله { خذ من أموالهم } دليل على أن عمل الحسنات يطهر النفس ويزكيها من الذنوب السالفة ، فإنه قاله بعد قوله { وآخرون اعترفوا ...} فالتوبة والعمل الصالح يحصل بهما التطهير والتزكية } .
·محاسبة النفس : زكاة النفس وطهارتها موقوفة على محاسبتها ، فلا تزكو ولا تطهر ولا تصلح ألبته إلا بمحاسبتها .
قال الحسن رحمه الله : إن المؤمن ـ والله ـ لا تراه إلا قائما على نفسه ما أردت بكلمة كذا ؟ ما أردت بأكلة كذا ؟ ما أردت بمدخل كذا ومخرج كذا ؟ ما أردت بهذا ؟ ما لي ولهذا ؟؟ والله لا أعود إلى هذا . ونحو هذا من كلام
فبمحاسبة النفس يطلع على عيوبها ونقائصها فيمكنه السعي في إصلاحها )
و أضر ما على المكلف : الإهمال وترك المحاسبة والاسترسال وتسهيل الأمور وتمشيتها فإن هذا يؤول به إلى الهلاك وهذا حال أهل الغرور يغمض عينه عن العواقب ويمشي الحال ويتكل على العفو فيهمل محاسبة نفسه و النظر في العاقبة و إذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب و أنس بها وعسر عليه فطامها .
ومحاسبة النفس نوعان : نوع قبل العمل ، ونوع بعد ه : فأما النوع الأول : فهو أن يقف عند أول همته وإرادته ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه .
النوع الثاني : محاسبة النفس بعد العمل ، وهو ثلاثة أنواع :
أحدها : محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي .
الثاني : أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرا له من فعله .
الثالث : أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد : لم فعله ؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة أو أراد به الدنيا؟ .
إن الناظر إلى حال الكثير منا يرى إهمالا و تقصيرا في محاسبة النفس واشتغالا بعيوب الآخرين مما أورث عجبا وتأليا وكبرا وغرورا .
أسأل الله تعالى أن يزكي نفوسنا فهو سبحانه خير من زكاها هو وليها ومولاها .
مقتطف من كتاب : معالم في السلوك وتزكية النفوس .
المفضلات