بسم الله الرحمن الرحيم

نبدا باذن الله سلسلتنا هذه في الرد على دعاوي الملحد خالد بلكين بخصوص طعنه في موثوقية النقل القراني و اسانيد القران التي وضعها في عشر حلقات و ندعو الله عز وجل ان نوفق في الرد و ان يجعلها في ميزان حسناتنا وسيكون ردنا ان شاء الله لكل حلقة على هيئة نقاط حيث نستعرض كل دعوى اطلقها في كل حلقة و نرد عليها .

الرد على الحلقة الاولى :

اولا : الرد على مقارنته بين نقل الكتاب المقدس و نقل القران و ادعائه بطلان النقل الشفهي .

بدا خالد بلكين سلسلته بادعائه ان دعوى النقل الشفهي للقران لا يختلف عن دعوى النصارى بكتبهم و هذا اول الكوراث او كما قيل : بداية القصيدة كفر .

و هذا مردود من وجوه :

الوجه الاول : ان دعوى النصارى هذه مردودة لغياب البرهان فليست عندهم اسانيد توثق النقل الشفهي بينما القران يحتفظ باسانيده
.

الوجه الثاني : ان الية النقل الشفهي التي ادعاها النصاري تختلف عن تلك الموجودة عند المسلمين حيث ان النقل الشفهي الذي وجد في القرن الاول اتسم بالعشوائية المحضة فما هي الا قصص تناقلها البعض عن البعض بدون ضبط و لا توثيق .

قرأ من المدخل إلى العهد الجديد لعزيز سريال الصفحة 106 :
((ولكن هذا لا يعني أن كتابات الرسول بولس كانت أول ما وضع على ورق، بل لابد أن أشياء كثيرة كتبت قبلها لم تصل إلينا في شكلها التي كتبت فيه ويدلنا على ذلك ما قاله البشير لوقا في مقدمة إنجيله : (( إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ)) (لوقا 1: 1 و2) ))


ونستنتج من هذا أن التناقل الشفهي المذكور اتسم بالخصائص التالية :
1. أن آلية هذا النقل لم تكن تعتمد على الحفظ الحرفي للنص بل كان الناقل ينقل القصة وتفاصيلها - التي سمعها- إلى الآخرين بصياغته الخاصة وليس بشكل حرفي.
2. أن هذه القصص لم تصلنا كاملة فهناك قصص قد ضاعت وطوى عليها الزمان!
3. أننا لا نعرف أسماء هؤلاء الذين نقلوا هذه القصص ولا نعرف ما مدى أمانتهم ولا نعرف مدى قوة حفظهم ولا ممن سمعوها إلا أن الأسلوب الذي تتبعه الكنيسة هو : أنه و إن كان هذا هو فإنهم بالتأكيد سمعوها من شهود عيان أو المصدر الأخير للقصص كان شهود العيان !! هكذا بلا دليل !!!!!


ونؤكد هنا على معلومة اضافية تخص النظرة المسيحية المبكرة تجاه كتابة اسفار العهد الجديد و اخص بالذكر الاناجيل بالتحديد - وأقصد هنا كتابة سيرة المسيح - و لماذا كانت الكتابة المبكرة شبه معدومة تقريبا
و نقول ان ذلك يرجع الى عدة اسباب أهمها أن جمهور النصارى في ذلك الوقت كانوا يعتقدون بأن المسيح عليه الصلاة والسلام سينزل قريباً جداً !!


نقرأ من المدخل إلى العهد الجديد لعزيز سريال الصفحة 106 - 107 :
((ويمكن للدارس أن يجد سببين مهمين لعدم إسراع المسيحيين الأوائل في تدوين هذه الشهادة، السبب الأول هو أنهم كانوا يؤمنون أن المسيح آت سريعاً ونهاية العالم قد قربت.... أما السبب الثاني فهو عقيدة الأوائل بأن الكلمة المقولة أعظم كثيراً من الكلمة المكتوبة. وما دام الرسل الذين كانوا معاينين لا زالوا موجودين، ولديهم الخبر اليقين فلا داعي للكتابة فكلمتهم أعظم من أية كلمة تكتب. ولقد ظل هذا الرأي سائداً حتى بعد أن كتبت الأناجيل وانتشرت))
بل لا نبتعد عن الحقيقة كثيرا ان قلنا ان الاهتمام بكتابة سيرة المسيح عليه الصلاة و السلام كانت شبه معدومة و ما تمت كتابته كانت للاستعمال الشخصي لا اقل و لا اكثر !!

نقرأ من كتاب المدخل إلى الكتاب المقدس للقس حبيب سعيد الصفحة 215-216:
((ويسوع نفسه لم يكتب شيئاً ولا فكر أتباعه في تدوين قصة مكتوبة عن سيدهم وتسليمها للأجيال اللاحقة. ونظراً لعدم وجود أدلة مباشرة نسترشد بها فإننا مضطرون إلى أن نلجأ إلى الحدس والتخمين. ومن المرجح جداً أن بعض تلاميذ يسوع قد جمعوا لاستعمالهم الخاص مجموعات من أقوال المسيح والحوادث التي رأوها ذات شأن خطير.))


فاين هذا من القران و اين هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يشجع على قراءة القران و تعلمه و تحفيظه كما سنرى في الوجه الثالث

الوجه الثالث: ان البرهان قائم و موجود على ان التناقل الشفهي كانت هي الالية المعتمدة في القرون الهجرية الاولى لحفظ القران و التشجيع على تعلمه .

1. حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته على تعلم القرآن وتعليمه للناس ووصى بذلك أصحابه كما ثبت في أحاديث كثيرة
نقرأ من صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن
​​​​​​باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه
4739 حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال أخبرني علقمة بن مرثد سمعت سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلمقال خيركم من تعلم القرآن وعلمه قال وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج قال وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا .

و نقرأ من صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها
​​​​​​باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة
804 حدثني الحسن بن علي الحلواني حدثنا أبو توبة وهو الربيع بن نافع حدثنا معاوية يعني ابن سلام عن زيد أنه سمع أبا سلام يقول حدثني أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة

وجعل الله عز وجل الثواب الكبير لقارئ القرآن وحافظه
نقرأ من سنن الترمذي كتاب فضائل القرآن
​​​​​​باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر
2910 حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن أيوب بن موسى قال سمعت محمد بن كعب القرظي قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ))
صححه الألباني رحمه الله في صحيح و ضعيف سنن الترمذي

2. الاعتماد الرئيسي في الية نقل القران كان على شكل الحفظ الشفهي منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى العصور اللاحقة حتى قيل ان القراءة سنة متبعة .
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلمون القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما يسمعوه من فمه الشريف فيحفظونها ويرتلونها في صلواتهم حتى تستقر في صدورهم كما سمعوها من أبي القاسم عليه الصلاة والسلام
نقرأ من صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن
4714 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق بن سلمة قال خطبنا عبد الله بن مسعود فقال والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة
والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم قال شقيق فجلست في الحلق أسمع ما يقولون فما سمعت رادا يقول غير ذلك

وقد تلقى الصحابة رضي الله عنهم القرآن كما ذكرنا حفظاً بالسماع والترتيل من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشوا من بعده على ذلك فصار النقل بالصدور عن طريق الإقراء هو الأصل في نقل القرآن وحفظه جيلا بعد جيل حتى تواتر القرآن بين الصحابة ثم بين التابعين و من يلونهم و من يلونهم حتى عصرنا هذا.

نقرأ من المرشد الوجيز لأبي شامة الجزء الأول الباب الأول :
((وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته ويقول في مفرقات الآيات: "ضعوا هذه في سورة كذا" ، وكان يعرضه على جبريل في شهر رمضان في كل عام، وعرضه عليه عام وفاته مرتين، وكذلك كان يعرض جبريل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل عام مرة، وعرض عليه عام وفاته مرتين.وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة، أقلهم بالغون حد التواتر، ورخص لهم قراءته على سبعة أحرف توسعة عليهم))

ولما كان هذا هو الأصل في النقل صارت القراءة سنة متبعة بين حفظة و نقلة القرآن الكريم من جيل الصحابة مرورا بالتابعين و من تبعهم .
في الطبقات الكبرى لابن سعد الجزء السادس
أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، أَنَّ أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : " إِنَّا أَخَذْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَنْ قَوْمٍ ، أَخْبَرُونَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهُنَّ إِلَى الْعَشْرِ الأُخَرِ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِيهِنَّ ، فَكُنَّا نَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ وَالْعَمَلَ بِهِ ، وَإِنَّهُ سَيَرِثُ الْقُرْآنَ بَعْدَنَا قَوْمٌ لَيَشْرَبُونَهُ شُرْبَ الْمَاء ، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، بَلْ لا يُجَاوِزُ هَاهُنَا ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَلْقِ " ))

صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن
​​​​​​باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه
4739 حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال أخبرني علقمة بن مرثد سمعت سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه قال وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج قال وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا .

وفي فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام باب ذكر قراء القرآن ومن كانت القراءة تؤخذ عنه من الصحابة والتابعين ((حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ يُصَلِّي الصُّبْحَ فِي الْمَسْجِدِ، يَقُومُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ فَيَقُولُ: مَنْ أُقْرِئُ؟ فَيَأْتِيهِ نَاسٌ فَيُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ حَتَّى تَطْلُعُ الشَّمْسَ ، وَتُمْكِنُ الصَّلَاةُ، فَيَقُومُ فَيُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّي الظُّهْرَ، ثُمَّ يُصَلِّي حَتَّى تُصَلَّى الْعَصْرُ، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى مَجْلِسِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيَقُولُ: مَنْ أُقْرِئُ؟ فَيَأْتِيهِ نَاسٌ فَيُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ،ثُمَّ يُصَلِّي حَتَّى تُصَلَّى الْعِشَاءُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَأْخُذُ أَحَدَ رَغِيفَيْهِ مِنْ سَلَّتِهِ، فَيَأْكُلُهُ، وَيَشْرَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَضَعُ رَأْسَهُ، فَيَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يَقُومُ لِصَلَاتِهِ، فَإِذَا كَانَ مِنَ السَّحَرِ أَخَذَ رَغِيفَهُ الْآخَرَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ))

وروي في فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام باب فضل القرآن و تعلمه و تعليمه للناس
((حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَبَّارُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: مَرَّ أَعْرَابِيٌّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يُقْرِئُ قَوْمًا الْقُرْآنَ، أَوْ قَالَ: وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ ، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

نقرأ في كتاب فضائل القرآن للقاسم أبي عبيد بن سلام الجزء الأول
(( حدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ الْقَرَأَةَ، فَوَجَدْتُهُمْ مُتَقَارِبَيْنِ، فَاقْرَءُوا كَمَا عَلِمْتُمْ،وَإِيَّاكُمْ وَالِاخْتِلَافَ وَالتَّنَطُّعَ، فَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ: هَلُمَّ وَتَعَالَ))
وأخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده وصححه شعيب الأرنؤوط في تخريجه للمسند وقال : (( إسناده صحيح ))

ونقرأ أيضاً في فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام باب عرض القراء للقرآن وما يستحب لهم من أخذه عن أهل القراءة، واتباع السلف فيها والتمسك بما تعلمه به منها
((حدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الضَّحَّاكِ عِرَاكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَالِحِ بْنِ صُبَيْحٍ الْمُرِّيِّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ الْحَارِثِ الذِّمَارِيَّ، يَقُولُ: كُنْتُ خَتَمْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصِبِيِّ، وَقَرَأَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي شِهَابٍ الْمَخْزُومِيِّ، وَقَرَأَهُ الْمُغِيرَةُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَحَدٌ
...
​​​​​​حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: عَرَضْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))

و لذلك فقد شدد أهل العلم على أن النقل بالصدور هو الأصل في حفظ وتواتر القرآن الكريم وانتقاله عبر الأجيال وليس الكتابة على صحف أو مخطوطات أو رقائق يمكن أن تحرق أو تغسل بالماء أو تضيع

نقرأ في صحيح مسلم كتاب الجنة و صفة نعيمها وأهلها
5109 باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار
2865 حدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار بن عثمان واللفظ لأبي غسان وابن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته .... وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان


قال الإمام ابن الجزري رحمه الله في كتابه النشر في القراءات العشر الجزء الأول المقدمة
((ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب ، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة ، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن ربي قال لي : قم في قريش فأنذرهم فقلت له : رب إذا يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة ، فقال : مبتليك ومبتلي بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء ، تقرؤه نائما ويقظان ، فابعث جندا أبعث مثلهم ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ، وأنفق ينفق عليك . فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء ، بل يقرءوه في كل حال كما جاء في صفة أمته : " أناجيلهم في صدورهم " ، وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه لا في الكتب ولا يقرءونه كله إلا نظرا لا عن ظهر قلب ، ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لتصحيحه وبذلوا أنفسهم في إتقانه وتلقوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - حرفا حرفا ، لم يهملوا منه حركة ولا سكونا ولا إثباتا ولا حذفا ، ولا دخل عليهم في شيء منه شك ولا وهم ، وكان منهم من حفظه كله ، ومنهم من حفظ أكثره ، ومنهم من حفظ بعضه ، كل ذلك في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -))

ونقرأ في فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي الجزء الثالث :
(( سبيل السلامة من اللحن ] :
( والأخذ ) للأسماء والألفاظ ( من أفواههم ) ; أي : العلماء بذلك الضابطين له ممن أخذه أيضا عمن تقدم من شيوخه ، وهلم جرا ، ( لا ) من بطون ( الكتب ) أو الصحف من غير تدريب المشايخ . ( أدفع للتصحيف ) وأسلم من التبديل والتحريف ، ( فاسمع ) أيها الطالب ما أقوله لك ، ( وادأب ) أي : جد في تلقيه عن المتقنين المتقين ، وقد روينا عن سليمان بن موسى أنه قال : كان يقال : لا تأخذوا القرآن من مصحفي ، ولا العلم من صحفي . وقال ثور بن يزيد : لا يفتي الناس صحفي ، ولا يقرئهم مصحفي . ولله در القائل :
ومن بطون كراريس روايتهم لو ناظروا باقلا يوما لما غلبوا والعلم إن فاته إسناد مسنده كالبيت ليس له سقف ولا طنب ))

الوجه الثالث : من الطبيعي جدا ان يكون النقل الشفهي هو اداة النقل المعتمدة لدى العرب خاصة اذا ما اخذنا في عين الاعتبار ان معظمهم في القرن السابع كانوا امة امية لا يجيدون القراءة و لا الكتابة و كانت الحجاز و نجد و البحرين خالية من حكومة مركزية تقيم اسباب التمدن و التعليم و لذلك ليس من الغريب انتشار الامية بين العرب في ذلك الوقت خاصة اذا كان طابع الحكم القبلي هو السائد معظم مناطقها .
نقرا في صحيح البخاري كتاب الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نكتب ولا نحسب
1814 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا الأسود بن قيس حدثنا سعيد بن عمرو أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.

قال تعالى في سورة الجمعة (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) ))

نقرا من تفسير الطبري رحمه الله لسورة الجمعة :
((حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوريّ يحدّث لا أعلمه إلا عن مجاهد أنه قال: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ) : العرب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ ) قال كان هذا الحيّ من العرب أمة أمِّيَّة، ليس فيها كتاب يقرءونه، فبعث الله نبيه محمدًا رحمة وهُدى يهديهم به.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر، عن قتادة ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ ) قال: كانت هذه الأمة أمِّيَّة لا يقرءون كتابًا.))

وقد ذكر الاخباريون روايات حاصلها ان تعلم الكتابة في قريش بدا على يد سفيان بن امية و ابو قيس بن عبد مناف بن زهرة و انهما تعلماها من الحيرة و هذا ان صح فانما يدل على ان الكتابة كانت في بضعة افراد من قريش و ان الامية كانت هي الطاغية بل ذكرت رواية تشير الى هذا المعنى و هي ان الكتابة كانت محصورة في سبعة عشر نفرا من قريش لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم .

نقرا من فتوح البلدان باب امر الخط :
((حدثني عَبَّاس بْن هِشَام بْن مُحَمَّد السائب الكلبي عن أبيه عن جده وعن الشرقي بن القطامي، قَالَ: اجتمع ثلاثة نفر من طيء ببقة، وهم مرامر بْن مرة وأسلم بْن سدرة، وعامر بْن جدرة فوضعوا الحظ وقاسوا هجاء العربية عَلَى هجاء السريانية، فتعلمه منهم قوم من أهل الأنبار، ثُمَّ تعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار، وكان بشر بْن عَبْد الملك أخو أكيدر بْن عَبْد الملك بْن عَبْد الجن الكندي ثُمَّ السكوني صاحب دومة الجندل يأتي الحيرة فيقيم بها الحين، وكان نصرانيا فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة، ثُمَّ أتى مكة في بعض شأنه فرآه سُفْيَان بْن أمية بْن عَبْد شمس، وأبو قيس بْن عَبْد مناف بْن زهرة بْن كلاب يكتب فسألاه أن يعلمهما الخط فعلمهما الهجاء، ثُمَّ أراهما الخط، فكتبا،.....
وحدثني الوليد بْن صالح وَمُحَمَّد بْن سَعْد، قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر الواقدي عن خَالِد بْن الياس عن أَبِي بكر بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبى جهم العدوى قال: دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب عُمَر بْن الخطاب وعلي بْن أَبِي طالب، وعُثْمَان بْن عَفَّان، وأبو عُبَيْدة بْن الجراح، وطلحة ويزيد ابن أَبِي سُفْيَان، وأبو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة، وحاطب بْن عَمْرو أخو سهيل بن عمرو العامري عن قريش، وأبو سلمة بْن عَبْد الأسد المخزومي، وأبان بن سعيد بن العاصي بن أمية، وخالد بن سعيد أخوه، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، وحويطب بن عبد العزى العامري وأبو سفيان ابن حرب بن أمية، ومعاوية بن أبي سفيان، وجهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، ومن حلفاء قريش العلاء بن الحضرمي. ))

ثانيا : كلامه في اختلاف القراءات .
احتج بكلامه في اختلاف القراءات بناءا على الاختلاف في الاصول و الفرش و الرسم و نرد على ما قاله في النقاط التالية :
1. ان اختلاف القراءات بين القراء العشر كله عائد الى النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية اللفظ و القراءة فكما قرا عليه الصلاة و السلام ((ملك يوم الدين )) فقد قرا ((مالك يوم الدين)) و كما قرا في سورة الحديد ((فان الله هو الغني الحميد )) فقد قرا ((فان الله الغني الحميد )) و كذلك في سورة مريم قرا ((فنادها من تحتها )) بفتح و كسر الميم في من .

إسناد قراءة عاصم
نقرأ في النشر في القراءات العشر الجزء الأول الصفحة 155
(( وَقَرَأَ حَفْصٌ وَأَبُو بَكْرٍ عَلَى إِمَامِ الْكُوفَةِ وَقَارِئِهَا أَبِي بَكْرٍ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ابْنِ بَهْدَلَةَ الْأَسَدِيِّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيِّ فَذَلِكَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ طَرِيقًا لِعَاصِمٍ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيِّ الضَّرِيرِ وَعَلَى أَبِي مَرْيَمَ زِرِّ بْنِ حُبَيْشِ بْنِ حُبَاشَةَ الْأَسَدِيِّ وَعَلَى أَبِي عَمْرٍو سَعْدِ بْنِ إِلْيَاسَ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَزِرٌّ أَيْضًا عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ أَيْضًا عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأُبَيٌّ وَزَيْدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.))

إسناد قراءة ابن عامر
نقرأ في النشر في القراءات العشر الجزء الأول الصفحة 144
(( وَقَرَأَ الذِّمَارِيُّ عَلَى إِمَامِ أَهْلِ الشَّامِ أَبِي عِمْرَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمِ بْنِ رَبِيعَةَ الْيَحْصُبِيِّ، فَذَلِكَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ طَرِيقًا لِابْنِ عَامِرٍ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ عَلَى أَبِي هَاشِمٍ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي شِهَابٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ بِلَا خِلَافٍ عِنْدِ الْمُحَقِّقِينَ، وَعَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ فِيمَا قَطَعَ بِهِ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو وَالدَّانِيُّ وَصَحَّ عِنْدَنَا عَنْهُ، وَقَرَأَ الْمُغِيرَةُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَرَأَ عُثْمَانُ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.))

إسناد قراءة نافع
نقرأ في النشر في القراءات العشر الجزء الأول
(( وَقَرَأَ نَافِعٌ عَلَى سَبْعِينَ مِنَ التَّابِعِينِ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَصَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ وَشَيْبَةُ بْنُ نِصَاحٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ. ....، وَقَرَأَ سَعِيدٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَيَّاشٍ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَزَيْدٌ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ))

و قد صحت هذه القراءات العشر و استوفت الروط الثلاثة : صحة السند و موافقة الرسم العثماني و موافقة العربية و لو بوجه

قال ابن الجزري رحمه الله في النشر في القراءات العشر الجزء الأول المقدمة :
(( فقام جهابذة علماء الأمة ، وصناديد الأئمة ، فبالغوا في الاجتهاد وبينوا الحق المراد ، وجمعوا الحروف والقراءات ، وعزوا الوجوه والروايات ، وميزوا بين المشهور والشاذ ، والصحيح والفاذ ، بأصول أصلوها ، وأركان فصلوها ، وها نحن نشير إليها ونعول كما عولوا عليها فنقول :كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها ، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها ، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها ، سواء كانت عن الأئمة السبعة ، أم عن العشرة ، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين ، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة ، سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم ، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف ، صرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ، ونص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب ، وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي ، وحققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة ، وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه . ))

2. تكلم خالد بلكين عن الاختلاف في الاصول و الفرش و الرسم و العجيب انه اقتبس من النشر في القراءات العشر ليبين لنا معنى الاختلاف في الاصول الا انه لم ياتنا بتعريف الاختلاف في الرسم و الفرش من كتاب النشر لابن الجزري و لعل ذلك لغاية في نفسه اذ ان ابن الجزري رحمه الله وضح ان الاختلاف في الرسم و الفرش ليس اختلاف تضاد و لكنه اختلاف اثراء بمعنى يعطي الاية معنى مختلفا دون ان تعارض القراءة الاخرى
.
نقرا من النشر في القراءات العشر لابن الجزري رحمه الله المقدمة الجزء الاول :
(( وَأَمَّا حَقِيقَةُ اخْتِلَافِ هَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَائِدَتُهُ، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ تَنَوُّعٍ وَتَغَايُرٍ لَا اخْتِلَافَ تَضَادٍّ وَتَنَاقُضٍ، فَإِنَّ هَذَا مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - تَعَالَى -: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وَقَدْ تَدَبَّرْنَا اخْتِلَافَ الْقِرَاءَاتِ كُلِّهَا فَوَجَدْنَاهَا لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: (أَحَدُهَا) اخْتِلَافُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، (الثَّانِي) اخْتِلَافُهُمَا جَمِيعًا مَعَ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، (الثَّالِثُ) اخْتِلَافُهُمَا جَمِيعًا مَعَ امْتِنَاعِ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي شَيْ ءٍ وَاحِدٍ، بَلْ يَتَّفِقَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَا يَقْتَضِي التَّضَادَّ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَالِاخْتِلَافِ فِي (الصِّرَاطَ وَعَلَيْهِمْ وَيُؤَدِّهِ وَالْقُدُسِ وَيَحْسَبُ) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لُغَاتٌ فَقَطْ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَنَحْوُ (مَالِكِ، وَمَلِكِ) فِي الْفَاتِحَةِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَمَلِكُهُ وَكَذَا (يُكَذِّبُونَ، وَيَكْذِبُونَ) ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا هُمُ الْمُنَافِقُونَ لِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكْذِبُونَ فِي أَخْبَارِهِمْ وَكَذَا (كَيْفَ نُنْشِرُهَا) بِالرَّاءِ وَالزَّايِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا هِيَ الْعِظَامُ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَنْشَرَهَا أَيْ: أَحْيَاهَا، وَأَنْشَزَهَا أَيْ: رَفَعَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ حَتَّى الْتَأَمَتْ فَضَمِنَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَنَحْوَ (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، وَكَذَا (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَرَفْعِ الْأُخْرَى وَبِكَسْرِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَا (لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا، وَفَتَنُوا) بِالتَّسْمِيَةِ وَالتَّجْهِيلِ، وَكَذَا قَالَ: (لَقَدْ عَلِمْتَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا، ........
وَأَمَّا فَائِدَةُ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ وَتَنَوُّعِهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ فَوَائِدَ غَيْرَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ سَبَبِ التَّهْوِينِ وَالتَّسْهِيلِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى الْأُمَّةِ. وَمِنْهَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ نِهَايَةِ الْبَلَاغَةِ، وَكَمَالِ الْإِعْجَازِ وَغَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَجِمَالِ الْإِيجَازِ، إِذْ كُلُّ قِرَاءَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ، إِذْ كَانَ تَنَوُّعُ اللَّفْظِ بِكَلِمَةٍ تَقُومُ مَقَامَ آيَاتٍ، وَلَوْ جُعِلَتْ دَلَالَةُ كُلِّ لَفْظٍ آيَةً عَلَى حِدَتِهَا لَمْ يَخَفْ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّطْوِيلِ. وَمِنْهَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ الْبُرْهَانِ وَوَاضِحِ الدِّلَالَةِ،إِذْ هُوَ مَعَ كَثْرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَتَنَوُّعِهِ لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ تَضَادٌّ وَلَا تَنَاقُضٌ وَلَا تَخَالُفٌ، بَلْ كُلُّهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَيُبَيِّنُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ وَأُسْلُوبٍ وَاحِدٍ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا آيَةٌ بَالِغَةٌ، وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى صِدْقِ مَنْ جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.))

و هذه الاختلافات لم يذكرها بن الجزري رحمه الله وحده بل كان معروفا لعلماء الامة قبله وبعده :
نقرا من المرشد الوجيز لابي شامة رحمه الله الجزء الاول الباب الثالث :
(( قال: وروي عن أبي طاهر بن أبي هاشم (7) أنه قال: شافٍ أي يشفي من الريب، لا يقصر بعضه عن بعض في الفضل، وقوله كاف أي كاف في نفسه، غير محوج إلى غيره.
قال أبو العلاء الحافظ:واعلم أن الاختلاف على ضربين: تغاير تضاد، فاختلاف التغاير جائز في القراءات، واختلاف التضاد لا يوجد إلا في الناسخ والمنسوخ.))

و نقرا من كتاب جامع البيان في القراءات السبع لابي عمرو الداني رحمه الله :
(( 84 - وأمّا على كم معنى يشتمل اختلاف هذه السبعة أحرف،
فإنه يشتمل على ثلاثة معان يحيط بها كلها: أحدها: اختلاف اللفظ والمعنى واحد، والثاني: اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لعدم تضادّ اجتماعهما فيه. والثالث:
اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه، ونحن نبيّن ذلك إن شاء الله.
85 - فأما اختلاف اللفظ والمعنى واحد فنحو قوله: السّراط [الفاتحة: 6] بالسين، والصّراط بالصاد، والزراط بالزاي وعليهم «2» [الفاتحة: 7] وإليهم [آل عمران: 77] ولديهم [آل عمران: 44] بضم الهاء مع إسكان الميم، وبكسر الهاء مع ضمّ الميم وإسكانها، وفيه هدى [البقرة: 2] ..... وكذلك ما أشبهه ونحو ذلك البيان والإدغام والمدّ والقصر والفتح والإمالة وتحقيق الهمز وتخفيفه وشبهه «9» مما يطلق عليه أنه لغات فقط.
86 -وأما اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز اجتماع القراءتين في شيء واحد من أجل عدم تضادّ اجتماعهما فيه
، فنحو قوله تعالى: ملك يوم الدين [الفاتحة: 4] بألف، وملك بغير ألف؛ لأن المراد بهاتين القراءتين جميعا هو الله سبحانه وتعالى، وذلك أنه تعالى مالك يوم الدين. وملكه، فقد اجتمع له الوصفان جميعا، فأخبر الله تعالى بذلك في القراءتين «1».
87 - وكذا: بما كانوا يكذبون «2» [البقرة: 10] بتخفيف الذال وبتشديدها؛ لأن المراد بهاتين القراءتين جميعا هم المنافقون، وذلك أنهم كانوا يكذبون في أخبارهم ويكذّبون النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله تعالى، فالأمران جميعا مجتمعان لهم، فأخبر الله تعالى بذلك عنهم، وأعلمنا أنه معذّبهم بهما «3».....
91- وأما اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه،
فكقراءة من قرأ: وظنّوا أنّهم قد كذبوا «4» [يوسف: 110] بالتشديد؛ لأن المعنى: وتيقن الرسل أن قومهم قد كذّبوهم، وقراءة من قرأ قد كذبوا بالتخفيف؛ لأن المعنى: وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذّبوهم فيما أخبروهم به من أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل العذاب بهم، فالظن في القراءة الأولى يقين والضمير الأول [للرسل، والثاني] «5» للمرسل إليهم، والظن في القراءة الثانية شك، والضمير الأول للمرسل إليهم والثاني للرسل «6».
....
93 - وكذلك ما ورد من هذا النوع من اختلاف القراءتين التي لا يصحّ أن يجتمعا في شيء واحد هذا سبيله؛ لأن كل قراءة منهما بمنزلة آية قائمة بنفسها لا يصحّ أن يجتمع مع آية أخرى تخالفها في شيء واحد لتضادهما وتنافيهما.))

و نقرا من نفس المصدر السابق الجزء الاول :
(( [[ما ينبغي اعتقاده في تاريخ المصحف]]
107 - قال أبو عمرو: وجملة ما نعتقده من هذا الباب وغيره من إنزال القرآن وكتابته وجمعه وتأويله وقراءته ووجوهه ونذهب إليه ونختاره: أن القرآن منزّل على سبعة أحرف «1» كلها شاف كاف وحق وصواب وأن الله تعالى قد خيّر القرّاء في جميعها وصوّبهم إذا قرءوا بشيء منها، وأن هذه الأحرف السبعة المختلف معانيها تارة وألفاظها تارة مع اتفاق المعنى ليس فيها تضادّ ولا تناف للمعنى ولا إحالة ولا فساد، ))

ثم ان نفس المؤلف الذي استشهد به و هو الدكتور محمد حبش صرح في كتابه القراءات المتواترة و اثرها في الرسم القراني و الاحكام الشرعية ذهب الى ما قلنا به و هو ان الاختلاف ليس اختلاف تضاد و انما اختلاف معني و انما يؤخذ مجموعا حيث يقول في الباب الثالث من كتابه :
((
لا بدّ هنا من التّذكير بالقاعدة التي بسطنا القول فيها حول وجوب إعمال القراءات المتواترة جميعا، وأن تعدد القراءات ينزّل منزلة تعدّد الآيات، وكلاهما قاعدة اتّفاقية لا يوجد لها مخالف من أهل التوحيد. وإذا نقل عن بعض الأقدمين تشكّكهم في بعض وجوه القراءة المتواترة؛ فإن مردّ ذلك بكل تأكيد هو عدم ثبوت تواتر هذه القراءة عندهم في ذلك الزمان. أما وقد اتّفقت الأمة على التّواتر في هذه الوجوه، فلا مندوحة من القول بأن سائر هذه الوجوه قرآن منزل، بالاتفاق بين سائر أهل الملّة.كذلك ينبغي القول بأن هذه الاختلافات ليست متناقضة بمعنى أن المفسّر يلجأ إلى هدر أحد الوجهين إذا اعتمد الآخر؛ بل هي ذات معان متضامنة يكمل بعضها بعضا، وقد يدلّ الوجه على ما لا يدلّ عليه أخوه، ولكنه لا ينافره ولا يضادّه، بل يمنحك معنى جديدا يضيء لك سبيل التفسير. ثم إن هذه الوجوه كما سنرى يسيرة قليلة، وهي لا تشبه في شيء اختلاف الأمم الأولى في كتبها، لا شكلا ولا مضمونا.))

و مع هذا فان الشاهد الذي نقله خالد بلكين عن كلام الدكتور محمد حبش عن اختلاف القراءة في قوله تعالى ((اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا)) حيث قرئت يقاتلون بكسر التاء و يقاتلون بفتح التاء لم يفهمه اذ ظن منه انه يصرح باختلاف الحكم بين المذاهب بسبب اختلاف القراءة بينما الاختلاف وقع في بيان علة القتال اي العلة من قتال المشركين او ضابطها .

نقرا من كتاب الدكتور محمد حبش الباب الثالث :
((
وينشأ عن اختلاف القراءات المتواترة في هذه الآية مسألة من أكثر المسائل التي تكلم فيها الفقهاء وهي: تحرير علّة المقاتلة في الإسلام.وقد انقسم الفقهاء في هذه المسألة إلى فريقين؛ قال الأولون: إن علّة المقاتلة هي ردّ العدوان، وقال الآخرون: إن علّة المقاتلة هي الكفر، ولو لم يظهر من الكفار اعتداء.
وقد أخذ فقهاء الحنفية والمالكية بالقول الأول، فيما أخذ الشافعية وغالب الحنابلة بالقول الثاني.
....وقد قرر جمهور الفقهاء من مالكية، وحنفية، وبعض الحنابلة ؛ أن مناط القتال هو الحرابة والمقاتلة والاعتداء، وليس محض الكفر فلا يقتل شخص لمخالفته للإسلام أو لكفره، وإنما يقتل لاعتدائه على الإسلام، فغير المقاتل لا يجوز قتاله، وإنما يلتزم معه جانب السّلم، يدلّ لذلك نصوص الكتاب والسّنة والاعتبار .))
))

هذا ما كان في حلقته الاولى و قد ختم كلامه بانه لا يوجد ما يفسر هذه الاختلافات في القران نفسه لذلك وجب الرجوع الى الاحاديث و التاريخ و سنشاهد باذن الله كيف خرق هو بنفسه بعد ذلك هذه القاعدة و طرح الاحاديث و التاريخ لمجرد انها تخالف خاتمته التي يريد الوصول اليها .

هذا وصلى الله على سيدنا محمد و على اله وصحبه وسلم