رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

صفحة 9 من 9 الأولىالأولى ... 8 9
النتائج 81 إلى 85 من 85

الموضوع: رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي


    فقال حسّان بن ثابت يهجو المغيرة ويذكر هذه القصّة:
    لَو أنَّ اللُّؤمَ يُنْسَبُ كانَ عَبْداً
    قبيح الوجه أعورَ من ثَقيف
    تركت الدين والا سلام لمّا
    بَدَت لك غُدْوَة ذاتُ النَّصيف(ذات النصيف: ذات الخمار.)
    وراجعت الصّبا وذَكَرت لَهواً
    مع القينات في العمر اللطيف
    انتهت رواية الاغاني وابن أبي الحديد.
    وروى البلاذري في ص 343 من فتوح البلدان: أن الخليفة عمر بن الخطّاب لمّا أراد أن يُوَلّيه الكوفة ـ بعد هذه الواقعة ـ قال له: إن وَلَّيْتُكَ الكوفة أتعودُ إلى شي‌ء ممّا قُرِفْتَ به؟ قال: لا.
    وممّن أشار إلى زنا المغيرة؛ الحموي في 1 / 642 من معجم البلدان، والمستدرك 3 / 449، والوفيات 2 / 455 و 5 / 406، وابن كثير 7 / 281.

    مناقشة السند:
    في سند الحديث محمّد وطلحة والمهلَّب. وسبق الحديث عنهم في فصل استلحاق زياد. وورد ذكر عمرو، فمن هو عمرو هذا؟ هل هو عمرو بن زيان أو الرَّيان الذي يروي عنه سيف في الطبري ستة أحاديث، قال بترجمته في ميزان الاعتدال: (شيخ لسيف، لا شي‌ء) أم تخيّله سيف غير هذا؟ لا ندري!

    نتيجة المقارنة:
    زعم سيف أن أبا بكرة وأخويه وشِبلاً كانوا جالسين في مشربة مقابل دار المغيرة وعندما هبّت الريح وانفتح باب الكُوَّتين أبصروا المغيرة ينكح امرأة وهو في داره، وأن اُمّ جميل كانت غاشية تغشى المغيرة، وأنهم رأوا أعجازاً ولم يروا الوجه، وأنهم صمَّموا حين قاموا، وأن المغيرة طلب من عمر أن يسألهم كيف رأوه؟ مستقبلاً أم مستدبراً؟ وكيف استحلّوا النظر إلى داره وهو ينكح زوجته التي كانت تُشبِهُ اُمَّ جميل؟ ثم يذكر اختلاف الشهود في كيفية رؤيتهم لهما وأن عمر قال للمغيرة:
    لو تمَّت الشهادة لرجمتك. بينما صرَّح الرواة بأن المغيرة كان يختلف سرّاً إلى أُمّ جميل ولم تكن هي التي تأتيه إلى داره وأنهم رأوا المغيرة في دار اُم جميل ينكحها ولم يذكر أحد أنها كانت غاشية له، ولا ذكر أحد سؤال المغيرة من الشهود واختلافهم في جوابه، إلى غير ذلك مما أوردنا تفصيله. غير أن (سيفاً) لمّا أراد الدفاع عن المغيرة الامير اختلق كل ذلك، وأخرجه الطبري في تاريخه، ورواه رواته فشاع وذاع!!!.

    موافقات
    1-" بعض ما روي من قصة زنا المغيرة بن شعبة الثقفي " "منهم" الطبري في تاريخه الكبير "ج 4 ص 207" في حوادث سنة "17" قال بعد نقله زنا المغيرة ما هذا نصه: و ارتحل المغيرة و أبو بكرة، و نافع بن كلدة، و زياد، و شبل بن معبد البجلي، حتى قدموا على عمر، فجمع بينهم، و بين المغيرة فقال المغيرة: سل هؤلاء الاعبد كيف رأوني مستقبلهم، أو مستدبرهم، و كيف رأوا المرأة أو عرفوها فان كانوا مستقبلي فكيف لم استتر، أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر الي في منزلي على إمرأتي، و الله ما أتيت الا إمرأتي، و كانت شبهها فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل و هو يدخله و يخرجه كالميل في المكحلة، قال: كيف رأيتها؟ قال مستدبرهما، قال فكيف استثبت رأسها؟ قال: تحاملت، ثم دعا بشبل بن مبعد فشهد بمثل ذلك فقا استدبرتهما أو استقبلتهما؟ قال: استقبلتهما، و شهد نافع بمثل شهادة ابي بكرة، و لم يشهد زياد بمثل شهادتهم، قال: رأيته جالسا بين رجلي إمرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، و أستين مكشوفتين، و سمعت خفزانا شديدا، قال: هل رأيت كالميل في المكحلة قال: لا، قال: فهل تعرف المرأة؟ قال: لا و لكن أشبهها، قال فتنح، و أمر بالثلاثة فجلدوا الحد ثم قرأ الآية المباركة، فقال المغيرة اشفني من الاعبد، فقال أسكت أسكت الله نأمتك الخ.
    2- و إليك ما ذكره في الكامل "ج 2 ص 209" قال "في قضية المغيرة": كان بين المغيرة بن شعبة و بين ابي بكرة مجاورة و كانا في مشربتين في كل واحدة منهما كوة مقابلة للاخرى، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح فتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليسده فبصر بالمغيرة و قد فتحت الريح باب كوة مشربته و هو بين رجلي إمرأة، فقال للنفر: قوموا فانظروا فقاموا فنظروا، و هم أبو بكرة و نافع بن كلدة و زياد ابن أبيه و هو أخو أبي بكرة لامه، و شبل بن معبد البجلي، فقال لهم اشهدوا قالوا: و من هذه؟ قال: أم جميل بن الا فقم، كانت من بني عامر بن صعصعة، و كانت تغشى المغيرة و الامراء، و كان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها، فلما قامت عرفوها، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة منعه أبو بكرة، و كتب إلى عمر "قصته" فبعث عمر أبا موسى أميرا على البصرة.
    3- فعليك بالتأمل في كلام أبي الفداء في تاريخه "ج 1 ص 171" قال: و في سنة سبع عشرة من الهجرة اختطت الكوفة، و تحول سعد إليها و اعتمر عمر و اقام بمكة عشرين ليلة، و وسع المسجد الحرام، و هدم منازل قوم أبوا أن يبيعوها، و جعل أثمانها في بيت المال، و في هذه السنة كانت واقعة المغيرة بن شعبة، و هي أن المغيرة كان عمر قد ولاه البصرة، و كان في قبالة العلية التي فيها المغيرة بن شعبة علية فيها أربعة و هو أبو بكرة مولى الني صلى الله عليه "و آله" و سلم، و أخوه لامه زياد ابن أبيه، و نافع ابن كلدة، و شبل بن معبد، فرفعت الريح الكوة عن العلية فنظروا إلى المغيرة و هو على أم جميل بنت الارقم بن عامر بن صعصعة، و كانت تغشى المغيرة فكتبوا إلى عمر بذلك فعزل المغيرة و استقدمه مع الشهود و ولى البصرة أبا موسى الاشعري فلما قدم إلى عمر شهد أبو بكرة و نافع و شبل على المغيرة بالزنا "و كانت شهاداتهم موافقة" و أما زياد ابن أبيه فلم يفصح شهادة الزنا، و كان عمر قد قال قبل ان يشهد أرى رجلا ارجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله، فقال زياد: رأيته جالسا بين رجلي إمرأة و رأيت رجلين مرفوعتين كاذني حمار و نفسا يعلوا و استا تنبو عن ذكر و لا أعرف ما وراء ذلك، فقال عمر: هل رأيت المبل في المكحلة؟ قال: لا، فقال: هل تعرف المرة؟ قال: لا و لكن أشبهها فامر عمر بالثلاثة الذين شهدوا بالزنا أن يحدوا حد القذف فجلدوا و كان زياد أخا ابي بكرة لامه فلم يكلمه أبو بكرة بعدها.
    4- و قد خرج القضيه ابن كثير في البداية و النهاية "ج 7 ص 81 ص 82" مفصلا و هذا نصه: قال: و في هذه السنة "أي سنة سبع عشرة" ولي عمر أبا موسى الاشعري البصرة و أمر أن يشخص اليه المغيرة بن شعبة في ربيع الاول فشهد عليه فما حدثني معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، أبو بكرة و شبل بن معبد البجلي، و نافع بن عبيد، و زياد، ثم ذكر الواقدي وسيف هذه القصة، و ملخصها: إن إمرأة كان يقال لها ام جميل بنت الا فقم من نساء بني عامر بن صعصعة، و يقال من نساء بني هلال و كان زوجها من ثقيف قد توفي عنها، و كانت تغشى نساء الامراء و الاشراف، و كانت تدخل على بيت المغيرة بن شعبة و هو أمير البصرة، و كانت دار المغيرة تجاه دار أبي بكرة و كان بينهما الطريق، و في دار ابي بكرة كوة تشرف على كوة دار المغيرة، فبينما أبو بكرة في داره و عنده جماعة يتحدثون في العلية إذ فتحت الريح باب الكوة فقام أبو بكرة لغلقها، فإذا كوة المغيرة مفتوحة و إذا هو على صدر إمرأة و بين رجليها و هو يجامعها، فقال أبو بكرة لاصحابه: تعالوا فانظروا إلى أميركم يزني بام جميل، فقاموا فنظروا اليه و هو يجامع تلك المرأة، فقالوا لابي بكرة و من أين فلت إنها ام جميل و كان رأسها من الجانب الآخر؟ فقال: انتظروا فلما فرغا قامت المرأة فقال أبو بكرة: هذه أم جميل فعرفوها فيما يظنون، فلما خرج المغيرة و قد اغتسل ليصلي بالناس منعه أبو بكرة أن يتقدم، و كتبوا إلى عمر في ذلك، فولى عمر أبا موسى الاشعري أميرا على البصرة و عزل المغيرة فسار إلى البصرة فنزل البرد، فقال المغيرة: و الله ما جاء أبو موسى تاجرا و لا زائرا و لا جاء إلا اميرا.
    5- أسد الغبة "ج 5 ص 151" قال: و كان أبو بكرة من فضلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه "و آله" و سلم و هو الذي شهد على المغيرة بن شعبة و جلده عمر حد القذف و أبطل شهادته، و كذلك شبل بن معبد البجلي، و كان من الصحابة و هو اخو ابي بكرة لامه و هم أربعة اخوة لام واحدة اسمها سمية و هم الذبن شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا.
    قال ابن الاثير في أسد الغابة "ج 2 ص 385" روى أبو عثمان النهدي قال: شهد أبو بكرة و نافع يعني ابن علقمة و شبل بن معبد على المغبرة أنهم نظروا إليه كما ينظر إلى المرود في المكحلة فجاء زياد فقال عمر: جاء رجل لا يشهد إلا بحق فقال: رأيت مجلسا قبيحا و نهزا فجلدهم عمر.

    6- خرج علي المتقي الحنفي رواية أبي عثمان في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش "ج 2 ص 413" من مسند احمد بن حنبل و خرج قبله القصة من البيهقي بسنده عن بسامة بن زهير، قال: لما كان من شأن أبي بكزة و المغيرة الذي كان و دعا الشهود فشهد أبو بكرة و شهد "شبل" بن معبد، و نافع بن عبد الحرث، فشق على عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة، فلما قام زياد "للشهادة" قال عمر: إني أرى غلاما كيسا لن يشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما الزنا قلا أشهد به، و لكن قد رأيت أمرا قبيحا، قال عمر: الله اكبر حد و هم فجلدوهم، فقال أبو بكرة "ثانيا": أشهد أنه زان، فهم عمر أن يعيد عليه الحد، فنهاه علي "عليه السلام" و قال: إن جلدته فارجم صاحبك فتركه و لم يجلده "هق".
    "قال المؤلف": تأمل دقيقا حتى تعرف الحقيقة و تعرف سبب ترك زياد الشهادة و هو كان يعرف ذلك كما يعلم ذلك من حديث ابن كثير و أبي الفداء المتقدمين و غيرهما، فسبب زياد ان الصحابة الفضلاء على قول ابن الاثير حدوا حد القذف، و هذه القضيه من الموارد التي راجع فيها عمر بن الخطاب في حكمه إلى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام.
    7- " بعض علماء أهل السنة الذين ذكروا زنا المغيرة ابن شعبة بالترديد و التحقيق و اعتراض السيد المرتضى و جواب قاضي القضاة " "قال المؤلف" ذكر القصة جمع كثير من علماء أهل السنة و الامامية عليهم الرحمة و قد ذكرنا القصة برواية علي المتقي الحنفي، و ابن الاثير الشافعي و ابن كثير الشافعي، و أبي الفداء، و ابن الاثير الجزري الشافعي في تاريخ الكامل، و ابن جرير الطبري في تأريخه الكبير، و الفاظ الجميع فيها اختلاف و فيها ما ليس في غيرها و الكل لم يذكروا القصة بكاملها بل زادوا و تقصوا و حرفوا و غيروا، و لكل منهم نظرة خاصة، و نظرة مشتركة، و باعمال ذلك سبب غموض القصة، و عدم معرفة القصة بوضوح و لم يذكر القصة بالتفصيل ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة و غير السيد الحجة "في الحجة على الذاهب" فعليه نكتفي بما ذكرناه من المختصرين للقصة، و نذكر إن شاء الله بعض ما ذكره ابن ابي الحديد ثم نذكر بعض ما ذكره السيد في "الحجة على الذاهب".
    أغلب المؤرخين و المحدثين ذكروا القصة بعنوان الوقايع في سنة "17" و قد خرج ابن ابي الحديد الشافعي المتوفى سنة 655 القصة في "ج 12 ص 237 ط 2" تحت عنوان خاص و هو "مطاعن الخليفة الثاني"، و قال: "الطعن السادس" أنه "أي عمر بن الخطاب" عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهد "شهدوا" عليه بالزنا.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    ولعلي أنقل لك عددا من كلام العلماء للفائدة.
    إرواء الغليل - محمد ناصر الألباني ج 8 ص 28:
    . 2361 - (أثر " أن عمر رضى الله عنه لما شهد عنده أبو بكرة، ونافع وشبل بن معبد، على المغيرة بن شعبة بالزنى حدهم حد القذف، لما تخلف الرابع زياد فلم يشهد ".
    صحيح.
    أخرجه الطحاوي (2/ 286 - 287) من طريق السري بن يحيى قال: ثنا عبد الكريم بن رشيد عن أبى عثمان النهدي قال: " جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه فشهد على المغيرة بن شعبة فتغير لون عمر، ثم جاء آخر. فشهد فتغير لون عمر، ثم جاء آخر فشهد، فتغير لون عمر، حتى عرفنا ذلك فيه، وأنكر لذلك، وجاء آخر يحرك بيديه، فقال: ما عندك يا سلخ العقاب، وصاح أبو عثمان صيحة تشبهها صيحة عمر، حتى كربت أن يغشى على، قال: رأيت أمرا قبيحا، قال الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، فأمر بأولئك النفر فجلدوا ".
    قلت: وإسناده صحيح، ورجاله ثقات غير ابن رشيد وهو صدوق. وقد توبع، فقال ابن أبى شيبة (11/ 85 / 1): نا ابن علية عن التيمى عن أبى عثمان قال: " لما شهد أبو بكرة وصاحباه على المغيرة جاء زياد، فقال له عمر: رجل لن يشهد إن شاء الله إلا بحق، قال: رأيت انبهارا، ومجلسا سيئا، فقال عمر: هل رأيت المرود دخل المكحلة؟ قال: لا، قال: فأمر بهم فجلدوا ".
    قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
    وله طرق أخرى، منها عن قسامة بن زهير قال: " لما كان من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان - وذكر الحديث - قال: فدعا الشهود، فشهد أبو بكرة، وشبل بن معبد، وأبو عبد الله نافع، فقال عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة: شق على عمر شأنه، فلما قدم زياد قال: إن تشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما الزنا فلا أشهد به، ولكن قد رأيت أمرا قبيحا، قال عمر: الله أكبر، حدوهم، فجلدوهم، قال: فقال أبو بكرة بعدما ضربه: أشهد أنه زان، فهم عمر رضى الله عنه أن يعيد عليه الجلد، فنهاه على رضى الله عنه وقال: إن جلدته فارجم صاحبك، فتركه ولم يجلده ".
    أخرجه ابن أبي شيبة وعنه البيهقى (8/ 334 - 335).
    قلت: وإسناده صحيح. ثم أخرج من طريق عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى بكرة، فذكر قصة المغيرة قال: " فقدمنا على عمر رضى الله عنه، فشهد أبو بكرة ونافع، وشبل بن معبد، فلما دعا زيادا قال: رأيت منكرا، فكبر عمر رضى الله عنه ودعا بأبي بكرة، وصاحبيه، فضربهم، قال: فقال أبو بكرة يعنى بعدما حده: والله إني لصادق، وهو فعل ما شهد به، فهم بضربه، فقال على: لئن ضربت هذا فارجم هذا ". وإسناده صحيح أيضا.
    وعيينة بن عبد الرحمن هو ابن جوشن الغطفاني وهو ثقة كأبيه. ثم ذكره معلقا عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبى بكرة أن أبا بكرة و. . . فذكره نحوه وفي آخره: " فقال على: إن كانت شهادة أبى بكرة شهادة رجلين فارجم صاحبك وإلا فقد جلدتموه. يعني لا يجلد ثانيا بإعادته القذف ".
    وله طريق أخرى عن عبد العزيز بن أبي بكرة فذكر القصة نحو ما تقدم وفيها زيادات غريبة. أخرجه الحاكم (3/ 448 - 449) وسكت عليه هو والذهبي. قلت: وفي إسناده محمد بن نافع الكرابيسى البصري قال ابن أبي حاتم:. " ضعيف ".
    فالرجم ثابت في القرآن، وما ثبت في صحيح البخاري (6812) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رجم شراحة بنت مالك الهمدانية في خلافته وقال: رجمتها بسنة رسول الله صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، لا ينافي ذلك ; لأن السنة هي التي بينت أن حكم آية الرجم باق بعد نسخ تلاوتها فصار حكمها من هذه الجهة، فإنه ثابت بالسنة.


    الصحابي الجليل " المغيرة بن شعبة " هو أحد أصحاب " بيعة الرضوان " الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، والذين أثنى الله عليهم بالخير ، وأخبر أنه رضي عنهم ، قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً . وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا . وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) الفتح/18 ، 19 .
    قال ابن كثير – رحمه الله - :
    " يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وقد تقدم ذكر عدتهم ، وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، وأن الشجرة كانت سمرة بأرض " الحديبية " .
    وقوله : ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) أي : من الصدق ، والوفاء ، والسمع ، والطاعة .
    ( فَأَنزلَ السَّكِينَةَ ) : وهي الطمأنينة ، ( عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) : وهو ما أجرى الله على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم ، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر ، وفتح مكة ، ثم فتح سائر البلاد ، والأقاليم عليهم ، وما حصل لهم من العز ، والنصر ، والرفعة في الدنيا ، والآخرة ، ولهذا قال : ( وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) " انتهى .
    " تفسير ابن كثير " (7/339 ، 340 ) .
    وقد أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهد لهم بالخيرية ، وأخبر أنهم من أهل الجنة :
    أ. عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ : ( أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ ) رواه البخاري ( 2923 ) ومسلم ( 1856 ) .
    قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " هذا صريح في فضل " أصحاب الشجرة " ، فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعةٌ بمكة ، وبالمدينة ، وبغيرهما " انتهى .
    " فتح الباري " ( 7 / 443 ) .
    ب. عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو حَاطِبًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَذَبْتَ ، لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ ) رواه مسلم ( 2495 ) .
    ج. عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال : أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ : ( لَا يَدْخُلُ النَّارَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا . قَالَتْ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَانْتَهَرَهَا ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) رواه مسلم ( 2496 ) .
    قال النووي – رحمه الله - : " قال العلماء : معناه : لا يدخلها أحدٌ منهم قطعاً ، كما صرح به في الحديث الذي قبله - حديث حاطب - وإنما قال : ( إن شاء الله ) للتبرك لا للشك ، وأما قول حفصة بلى ، وانتهار النبي صلى الله عليه و سلم لها ... فيه دليل للمناظرة ، والاعتراض والجواب ، على وجه الاسترشاد ، وهو مقصود حفصة ؛ لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه و سلم .
    والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط ، وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون " انتهى .
    " شرح مسلم " ( 16 / 58 ) .
    وقد أسلم " المغيرة بن شعبة " رضي الله عنه عام الخندق ، وأول مشاهده : الحديبية ، ثم شهد اليمامة ، وفتوح الشام ، والقادسية ، ونهاوند ، وهمدان ، وغيرها .
    قال عنه الحافظ الذهبي – رحمه الله - : " من كبار الصحابة ، أولي الشجاعة والمكيدة ، شهد بيعة الرضوان ، كان رجلا طِوالاً ، مهيبا ، ذهبت عينه يوم اليرموك ، وقيل : يوم القادسية " انتهى .
    "سير أعلام النبلاء" (3/21) .
    وما جاء في روايات عدة من شهادةٍ عليه رضي الله عنه بالزنا : لم يثبت نصاب الشهادة فيها ، ولا يمكن لأحدٍ أن يتهمه رضي الله عنه بتلك الفاحشة البغيضة من غير اعتراف ، أو شهادة أربعة رجال ، وكلا الأمرين معدوم ، وقد جلد عمر رضي الله عنه الثلاثة الذين اتهموه بالزنا ؛ لعدم اكتمال نصاب الشهادة ، بعد تردد الرابع ، وعدم شهادته ، ولم يصنع شيئاً مع المغيرة لعدم ثبوت أصل الواقعة شرعاً .
    وأما بخصوص المروي في وصف فعله رضي الله مع تلك المرأة : فالجواب عنه من وجوه :
    1. سقوط ذلك كله شرعاً ، وعدم ثبوت شيء منه ؛ لتخلف نصاب الشهادة .
    2. أن كثيراً من تلك الروايات لم تصح أصلاً من حيث إسنادها .
    3. أن ذلك الأمر الذي حصل – إن جزمنا بحصوله واقعاً ، وهو ما سبب إشكالاً عند كثيرين – لم يكن مع امرأة أجنبية ، بل كان مع زوجةٍ من نسائه تشبه تلك التي ادُّعي عليها فعل الفاحشة مع ذلك الصحابي الجليل.
    قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - : " يظهر لنا في هذه القصة أن المرأة التي رأوا المغيرة رضي الله عنه مخالطاً لها عندما فتحت الريح الباب عنهما : هي زوجته ، ولا يعرفونها ، وهي تشبه امرأة أخرى أجنبية كانوا يعرفونها تدخل على المغيرة وغيره من الأمراء ، فظنوا أنها هي ، فهم لم يقصدوا باطلاً ، ولكن ظنهم أخطأ ، وهو لم يقترف - إن شاء الله - فاحشة ؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم فيهم الوازع الديني الزاجر عما لا ينبغي في أغلب الأحوال ، والعلم عند الله تعالى " انتهى .
    "مذكرة في أصول الفقه" (ص 152) .
    4. وأمر آخر يخص الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة ، وهو أنه كثير الزواج ، فأي حاجة ليفعل الحرام ، وهو يجد من الحلال الكثير ؟! .
    قال الذهبي – رحمه الله - : " عن المغيرة بن شعبة قال : لقد تزوجت سبعين امرأة ، أو أكثر .
    أبو إسحاق الطالقاني : حدثنا ابن المبارك قال : كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة ، قال : فصفهن بين يديه ، وقال : أنتن حسَنات الأخلاق ، طويلات الأعناق ، ولكني رجل مطلاق ، فأنتن الطلاق .
    ابن وهب : حدثنا مالك قال : كان المغيرة نكَّاحا للنساء ، ويقول : صاحب الواحدة إن مرضت مرض ، وإن حاضت حاض ، وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان ، وكان ينكح أربعا جميعاً ، ويطلقهن جميعاً " انتهى.
    " سير أعلام النبلاء " ( 3 / 31 ) .
    5. ومعروف غيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على حرمات الله ، وقوته في دينه ، ومعروف ـ أيضا ـ تشدده مع ولاته ، وقد ولَّى المغيرةَ بعد تلك الحادثة إمرة " الكوفة " ! ولو أنه ثبت عنده شبهة تلك المعصية فلعله لا يوليه ولاية قط ، وهذا يعني اقتناع عمر بعدم حصول تلك الواقعة أصلاً ، أو اقتناعه بأنها كانت زوجته ، ولعل الثاني هذا هو الأقرب .
    فإجماله أن عمر بن الخطاب كان قد ولّى المغيرة بن شعبة البصرة، وكان المغيرة في إحدى بيوت زوجاته وكان مقابلا لبيت أبي بكرة الصحابي، وكان للبيتين مشربتان متقابلتان وفي كل واحدة منهما كوة تواجه الأخرى، فاجتمع ذات يوم نفر إلى أبي بكرة يتحدثون في مشربته، فهبّت ريح ففتحت باب الكوة، فقام أبو بكرة ليغلقه وإذا به يرى المغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربة ذلك البيت أيضا وهو بين رجلي امرأة حال الجماع! فقال للنفر الذين عنده: ”قوموا فانظروا“ فقاموا فنظروا وتأكدوا من فعل المغيرة. ثم قال لهم: ”اشهدوا“ فسألوه: من هذه؟ فقال لهم وقد ظنها: أم جميل ابنة الأفقم، وكانت أم جميل هذه زانية معروفة تغشى الأمراء والولاة ويغشونها، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال: ”لا تصل بنا“ وكتب إلى عمر يبلغه بالحادثة.
    فأرسل عمر أبا موسى الأشعري محل المغيرة واستدعى المغيرة والشهود الذين كانوا حاضرين عند أبي بكرة، وهم بالإضافة إليه شبل بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد بن أبيه، فلما وصلوا المدينة استدعاهم عمر إلى مجلس الحكم وسأل أبا بكرة: ”كيف رأيته“؟ فقال: ”إني رأيته بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة“ فتغيّر وجه عمر واضطرب لأنه لا يريد إقامة الحد على صاحبه المغيرة ورجمه، ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك وشهد نافع بمثل ذلك, ولمّا جاءت النوبة إلى زياد ليشهد علم بأن عمر يكره رجم المغيرة، خاصة أن عمر عندما استدعاه قال له: ”أرى رجلاً أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله“! وهي عبارة تُظهر الانزعاج الواضح من عمر لشهادة الشهود الثلاثة على المغيرة بالزنا، ولم تبقَ أية فرصة لإنقاذ المغيرة من الموت المحقق سوى شهادة الشاهد الرابع وهو زياد، فتفطّن زياد إلى ذلك فقال في شهادته: ”رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا“! فقال عمر: ”هل رأيت الميل في المكحلة“؟ قال: ”لا“! فقال عمر: ”الله أكبر“! وأنقذ المغيرة من الرجم ثم إنه أمر بالشهود الثلاثة فجُلدوا! فلما جلدوا أبا بكرة قال: ”أشهد أنّ المغيرة زان“! فقال عمر: ”حدّوه“ أي أقيموا عليه الحد ثانية. وعندها تدخّل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وقال لعمر: ”إن جعلتها شهادة فارجم صاحبك“ فامتنعوا عن ذلك! (راجع تاريخ الطبري ج3 ص170 والبداية والنهاية لابن كثير ج7 ص94 والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ج14 ص328 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص455 ومصادر عديدة أخرى).
    وهذه الحكاية والتي تطعن في سيرة أحد صحابة رسول الله، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والتي ندافع عن صحتها نحن أهل السنة ونرويها في كل كتبنا، لا نريد منها الا أن نثبت أن حد زنا المحصن في الإسلام هو الرجم.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  3. #83
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    الفصل الأخير
    جريمة الزنا هي من أقذر الجرائم، وقد أنكرها كل دين، بل وأنكرها العقلاء من الناس؛ وذلك لما فيها من عدوان على حقوق الأزواج، ومن اختلاط للأنساب، وحل لروابط الأسرة، وقتل لما في قلوب الآباء من عطف وحنان على الأولاد إذا شكوا في كون هؤلاء الأولاد منهم.
    فالإسلام حارب هذه الجريمة البشعة بهذه العقوبة الرادعة: الرجم للمحصن، والجلد مع التغريب لمدة سنة لغير المحصن، قال الله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور:2].
    وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) رواه مسلم في صحيحه (1690) وأحمد بن حنبل في مسنده (22666) وأبو داود (4416)، والترمذي (1434)، وابن ماجه (2550)، وابن حبان (4425)، وغيرهم بالأسانيد المشهورة التي حفظها العلماء جيلا بعد جيل.
    ومعنى الحديث أنه إذا زنى رجل بامرأة وهما بكران أي: لم يتزوجا من قبل فعقوبتهما جلد مائة، وتغريب عام من ذلك البلد الذي زنيا فيه، وإذا كانا ثيبين أي: سبق أن تزوجا فعقوبتهما جلد مائة ثم الرجم.
    هذا وليعلم أن النظام الإسلامي كل متكامل لا تفهم جزئياته إلا في نسق واحد، فالإسلام قد حرم النظر إلى النساء الأجنبيات، ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور:30-31].
    وأمر الله النساء ألا يُظهرن الزينة إلا للأزواج أو الأقارب الذين لا يخُشى منهم فتنة، ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور:31].
    ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يختلي رجل بامرأة، ففي الصحيحين عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)).

    وحرَّم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمس الرجل امرأة لا تحل له، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لأن يُطعن في رأس رجل بِمخْيَط [إبرة] من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)). رواه الطبراني في الكبير (486)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045).
    والإسلام حض الرجال على إخراج هذه الشهوة بالزواج، قال الله تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور:32-33].
    ورخّص الله للرجل أن يتزوج بامرأة واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع بشرط أن يملك النفقة عليهن، ويستطيع العدل بينهن، قال الله: ﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء:3].
    وحث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على عدم المغالاة في المهور، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((خير النكاح أيسره)). رواه أبوداود (2117)، وصححه الألباني.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) رواه الترمذي (1084)، وصححه الألباني.
    وهذه الجريمة لا تحصل في المجتمع المسلم الذي تسوده الفضيلة إلا بعد تدبير عظيم من كلا الطرفين يدل على إجرامهما وفسادهما.
    وقد وضعت الشريعة شروطاً من الصعب جداً توافرها قبل إيقاع العقوبة، فإن لم تتوافر هذه الشروط مجتمعة لا يقام الحد على صاحب الجريمة جلداً كان أو رجماً، فهذه الجريمة لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود عدول يشهدون عند القاضي أنهم رأوا الرجل والمرأة يزنيان، قال الله تعالى: ﴿ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور:13].
    وقد فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف رجلاً عفيفاً أو امرأة عفيفة بالزنا ثم لم يأت بأربعة شهداء، قال الله: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور:4].
    حتى لو شهد ثلاثة على رجل أو امرأة بالزنا، وذكروا أنهم رأوا منهما الزنا بلا خفاء، فإن هؤلاء الشهود الثلاثة يجلدون، ويَسلم الرجل والمرأة من حد الزنا؛ لكون الشهود لم يكونوا أربعة!
    وقد قرر الفقهاء أنَّ الزاني إذا تاب قبل القدرة عليه، فإن التوبة تُسْقِط عنه الحد، وإذا رجع عن إقراره وكذَّب نفسه لم يُقم عليه الحد، وإذا اختلف الشهود في وصف الحادثة يسقط الحد عن المتهمين بالزنا ويجلد الشهود حد القذف!! بل لو أقر رجل بأنه زنى بامرأة وسمّاها، فإنه يُقام الحد عليه وحده، ولا يقام على تلك المرأة إلا إذا أقرت!
    ومن القواعد الشرعية المعروفة: «ادرءوا الحدود بالشبهات»، فأي شبهة فإنها تكون في صالح المتهم، ويجب على القاضي أن يسقط الحد عن الرجل أو المرأة بأدنى شبهة.
    وقد رغَّبت الشريعة الإسلامية في الستر على عورات المسلمين، وإمساك الألسنة عن ذكر الفاحشة إن وقعت، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور:19].
    وحين أقر ماعز الأسلمي رضي الله عنه بالزنا لم يستعجل النبي صلى الله عليه وسلم في رجمه، بل حرص على أن يجد أي مسوغ لمنع إقامة الحد عليه، وعاتب الرجل الذي حثه على الإقرار وتمنى أنه ستره، فعن نعيم بن هزال رضي الله عنهما عن أبيه ((أنَّ ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه، وقال لهزال: لو سترته بثوبك كان خيراً لك)). رواه أبوداود (4377)، وهو في السلسلة الصحيحة (3460).
    فهل بعد هذا كله يُقال: إنَّ جلد الزاني غير المحصن، ورجم الزاني المحصن يُنافي رحمة الشريعة وحكمتها؟!
    ماذا يبقى للإنسان من آدميته وكرامته إذا تُركت هذه الفاحشة يُعلن بها أمراض القلوب من غير استحياء، ثم لا يمنعهم أحد من هذه الفاحشة؟! إن من يتجرأ على هذه الفعلة الشنيعة، ثم افتضح حاله حتى يراه هذا العدد في ذلك الوضع؛ لهو إنسان مفسد ضال مضل، ولو لم يتم بتره أو تربيته فإنه يشكل خطراً عظيماً على المجتمع كله.
    ووضعت الشريعة عقوبة الرجم للزاني المحصن على نفس الأساس الذي وضعت عليه عقوبة الجلد للزاني غير المحصن، ولكن شددت عقوبة المحصن للإحصان؛ لأن الإحصان يصرف الشخص عادة عن التفكير في الزنا، فإن فكر فيه بعد ذلك فإنما يدل ذلك على قوة اشتهائه للَّذة المحرمة، وشدة اندفاعه لهذه الجريمة البشعة، فناسب أن توضع له عقوبة غليظة جداً بحيث إذا فكر في هذه اللذة المحرمة، وذكر معها العقوبة التي يستحقها شرعاً؛ تغلب التفكير في الألم الذي يصيبه من العقوبة على التفكير في اللذة التي يصيبها من الجريمة.
    إن الزاني المحصن مثَلٌ سيء لغيره من المحصنين، وليس للمثل السيء في الشريعة حق البقاء، فإن بقاءه في المجتمع ضرر محض، وقتله رحمة بالمجتمع كما يقطع العضو المصاب بالسرطان رحمة بالبدن.

    فالشريعة الإسلامية تقوم على الفضيلة المطلقة، وتحرص على الأخلاق والأعراض والأنساب من التلوث والاختلاط، وهي توجب على الإنسان أن يجاهد شهوته ولا يستجيب لها إلا من طريق الحلال، وأوجبت عليه إذا استطاع الزواج أن يتزوج حتى لا يُعرِّض نفسه للفتنة أو يُحَمِّلها ما لا تطيق، فإذا لم يتزوج وغلبته الشهوات على عقله ودينه وعزيمته فعقابه أن يجلد مائة جلدة، وشفيعه في عدم رجمه تأخيره في الزواج الذي أدى به إلى الجريمة.
    أما إذا تزوج فأحصن فقد حرصت الشريعة ألا تجعل له بعد الإحصان سبيلاً إلى الجريمة، فلم تجعل الزواج أبدياً حتى لا يقع في الجريمة أحد الزوجين إذا فسد ما بينهما، فأباحت للزوج الطلاق، وأباحت للزوجة الخلع، وهو طلب الطلاق مقابل مال تعطيه زوجها، وأباحت كذلك للزوجة أن تطلب الفسخ لغيبة الزوج الطويلة أو مرضه أو إعساره أو لأي ضرر يلحقها في بقائها معه، وهكذا أباحت للزوج أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة على أن يعدل بينهن.
    وبهذا فتحت الشريعة للمحصن كل أبواب الحلال، وأغلقت دونه باب الحرام، فإذا زنى مع هذا فلا وجه لتخفيف العقوبة عنه، وموته خير له حتى لا يزداد إثماً إلى إثمه، وخير للمجتمع ليسلم من شره.
    وأخيراً: كم عدد المرات التي أُقيم فيها حد الرجم؟!
    أعداء الشريعة المنفرون من تطبيق الحدود يوهمون الناس أن الشريعة ما هي إلا مجرد تطبيق حد الجلد والرجم، مع أن المتتبع للتاريخ الإسلامي القديم والمعاصر لا يجد هذه العقوبة قد نفذت حال تنفيذ العقوبات إلا في أعداد محدودة جداً، فإن الشريعة ضيقت جداً في إثبات الزنا، فلم تجعله يثبت إلا بالإقرار أو بشهادة أربعة عدول يشهدون أنهم رأوا الرجل والمرأة يزنيان، حتى لو رأوهما مضطجعين على فراش واحد فإن هذا لا يثبت جريمة الزنا، فيعزران على فعلهما هذا، ولا يطبق عليهما حد الزنا إلا إذا اعترفا أو شهد الأربعة الشهود بالزنا الواضح الذي لا لبس فيه، وهذا من أصعب الأشياء، ولهذا لم يثبت حد الزنا على أحد بشهادة أربعة شهود من أول الإسلام إلى زماننا هذا إلا نادراً جداً، ويحصل بتشريع هذا الحد وتنفيذه الأمن والاستقرار للمجتمع، وإن لم تتوافر شروط إقامة الحد على أحد من الزناة.
    قال المطيعي رحمه الله: "الجريمة إذا ارتُكِبت في غير إعلان يجب الاستمرار في سترها، ومنع كشفها، وهذا تضييق للعقاب، وجعله رمزاً مانعاً، بدل أن يكون عاماً جامعاً ". تتمة المجموع (22/ 193).
    وبهذا يتبين أن حد رجم الزاني المحصن أو جلد الزاني غير المحصن لا ينافي النقل ولا العقل، فالله الحكيم الرحيم هو الذي شرع هذا الحد رحمة بعباده ومصلحة لهم.
    وللاستزادة في هذا الموضوع ينظر كتاب: التشريع الجنائي الإسلامي للعلامة عبد القادر عودة رحمه الله (1/ 636)، وما بعدها، و(2/ 346) وما بعدها.
    (ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين* وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم).
    إن الحدود الشرعية كلها رحمة من الله عز وجل بالعباد، وحياة لهم، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:179] وصيانة لأعراضهم وأنسابهم، وحقنا لدمائهم، وحفظا لأموالهم، وتمكينا لأمنهم.
    فهي من أعظم مصالح العباد، في المعاش والمعاد، وبها يرتدع أهل الشر والفساد، ويأمن ويطمئن أهل الصلاح والسداد.
    فمنافع ذلك على العباد في دينهم ودنياهم عظيمة، وقد جاء من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدٌّ يُعْمَلُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِهِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلَاثِينَ صَبَاحًا»
    أخرجه النسائي (4904) ابن ماجة (2538) وأحمد (2/402) وابن الجارود في المنقى (801) وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (231) وحسنه قبله المنذري والعراقي، والسيوطي، والمناوي وغيرهم.
    قال السندي رحمه الله في حاشيته على النسائي: قوله: (خير لأهل الأَرْض) أَي أَكثر بركَة فِي الرزق وَغَيره من الثِّمَار والأنهار من أَن يمطروا.
    قلت: وهذا الحديث يندرج تحت قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف 96].
    وقوله عن أهل الكتاب: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: 66].
    ومن أبرك شيء على الأمة إقامتها لحدود الله في أرضه؛ فإن الناس إذا تجرأوا على حدود الله أصابهم الله بعقاب من عنده، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى: 30]
    وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].
    وثبت عند ابن ماجة (4019) والحاكم في المستدرك (4/540) وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يَعْمَلُوا بِهَا إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا الزَّكَاةَ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ مَنْ غَيْرِهِمْ وَأَخَذُوا بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَلْقَى اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ». وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع وانظر الصحيحة (106).
    وقد تضمن هذا الحديث ذكر أعداد من المصائب يصاب بها الأمة جراء إفتئاتهم على بعض أحكام الله وحدوده.
    وكما أن إقامة الحدود نافعة للأحياء فهي أيضا نافعة نفعا عظيما للأموات المحدودين بتكفير ذنوبهم؛ لحديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى ، فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَصَبْتُ حَدًّا ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا ، فَقَالَ : أَحْسِنْ إِلَيْهَا ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا ، فَفَعَلَ ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللهِ وَقَدْ زَنَتْ ؟ فَقَالَ : لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى أخرجه مسلم (1696).
    وبوب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باب الحدود كفارة وساق برقم: (6784) ومسلم في صحيحه (1709) حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ.
    وثبت بهذا اللفظ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخرجه الترمذي (2625) وهو حديث صحيح.
    قال الحافظ في الفتح (6784): وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَفَعَهُ مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ نَحْوُ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَفِيهِ فَمَنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ نَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ.
    قال القرطبي في المفهم: هذا حجة واضحة لجمهور العلماء على أن الحدود كفارات، فمن قتل فاقتص منه لم يبق عليه طلبة في الآخرة؛ لأن الكفارات ماحية للذنوب ومصيرة لصاحبها كأن ذنبه لم يكن. اهـ
    وقد ورد حديث من حديث أبي هريرة مرفوعا «لَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا»، وهو حديث ضعيف؛ قال البخاري في تاريخه الكبير (1/152) ونقله عنه البيهقي في الكبرى (8/239) رَوَاهُ هِشَامٌ الصَّنْعَانِىُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً. قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ وَلاَ يَثْبُتُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :« الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ». اهـ
    وقال ابن رجب في الفتح (1/73): وعلى تقدير صحته، فيحتمل أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك قبل أن يعلمه -أي أن الحدود كفارة- ثم علمه فأخبر به جزما.
    وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (5/286) لَكِنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ أَصَحُّ إِسْنَادًا. اهـ
    وقد نبه أهل العلم رحمهم الله على أهمية العقوبات الشرعية، وأنها نعمة ورحمة من الله تعالى لعباده:
    قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى الكبرى (4/593) العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده ، فهي صادرة عن رحمة الخلق ، وإرادة الإحسان إليهم ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم ، والرحمة لهم ، كما يقصد الوالد تأديب ولده ، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض ،
    وقال ابن القيم في اعلام الموقعين (2/139): الحكمة في شرع الحدود:
    فكان من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان الأعراض والأموال كالقتل والجراح والقذف والسرقة فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل ولا في الزنا الخصاء ولا في السرقة إعدام النفس وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وعدله لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان ويقتنع كل إنسان بما أتاه مالكه وخالقه فلا يطمع في استلاب غير حقه.
    وسأل سائل الإمام ابن باز رحمه الله كما في مجموع فتاواه (22/399) فقال: حكمت إحدى المحاكم الشرعية في مدينة تعز بالجمهورية العربية اليمنية برجم امرأة بسبب الزنا، فكان بعض الناس يتردد بالرجم، وحجتهم أنهم يقولون: إنه يتوجب على الراجم شروط: أن يكون الراجم بدون خطيئة، وكلام كثير قيل في هذا، أفيدونا عن ذلك؟ جزاكم الله خيرا.
    فأجاب: لقد سرني كثيرا حكم المحكمة بتعز برجم الزانية المحصنة، لما في ذلك من إقامة حد الله الذي أهملته غالب الدول الإسلامية، فجزى الله المحكمة خيرا، ووفق حكومة اليمن وسائر الحكومات الإسلامية للحكم بشريعة الله بين عباده في الحدود وغيرها، ولا شك أن في حكمهم بشريعة الله صلاح أمرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وينبغي للمسلمين التعاون في هذا، ومن شارك في رجم الزاني المحصن فهو مأجور، ولا ينبغي لأحد التحرج في ذلك إذا صدر الحكم الشرعي بالرجم، وقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحابة برجم ماعز الأسلمي واليهوديين والغامدية، وغيرهم، فبادر الصحابة إلى ذلك رضي الله عنهم، ووفق المسلمين السير على منهاجهم في الحدود وغيرها.
    ولا يشترط في المشارك في الرجم أن يكون معصوما أو سليما من السيئات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشترط ذلك، ولا يجوز لأحد من الناس أن يشترط شرطا لا دليل عليه من كتاب الله سبحانه ولا من سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  4. #84
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    فتأمل أيها المسلم في محاسن هذه الشريعة العظيمة، وما في أحكامها وحدودها من الحكم والمنافع العميمة، لأنها أحكام رب العالمين، العالم بعباده وبمصالحهم ومضارهم في الدنيا والدين، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك:14].
    فهو سبحانه الذي شرع هذه الأحكام زجرا عن اقتراف تلك الفواحش والآثام.
    وتأمل عمق فهم أئمة هذا الدين، وحرصهم على مرضاة رب العالمين، وحبهم الخير والنفع والصيانة للمسلمين، محذرين عقوبة الله على سلوك تلك المسالك والتعرض لتلك المهالك، التي دل عليها قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
    وقد صح عن ابن عُمر رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: مَن حَالت شفَاعَتُهُ دون حَدٍّ من حُدودِ الله، فقد ضادَّ الله. أخرجه أبو داود (3597) وغيره.
    فإذا كانت الشفاعة المفوتة للحد مضادة لله في حكمه؛ فإن إنكار هذا الحد من أعلى مراتب المضادة والمشاقة لله عز وجل في حكمه والعياذ بالله.
    وإذا كان بنوا إسرائيل هلكوا بذلك فلماذا نحن نستجلب ما هلكوا به ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337).
    وفي الصحيحين: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» أخرجه البخاري (3475) ومسلم (1688).
    فإذا كان ذلك في تعطيل حد من الحدود جزئيا على صنف من الناس مع الاعتراف بأصل شرعيته كان سبب هلاك تلك الأمم قبلنا.
    فكيف بما يجره هؤلاء العقلانيون من الويل على الأمة بتعطيل بعض الحدود كليا، مع جحود شرعية ذلك الثابتة بالكتاب والسنة، فهذه لا شك أنها دعوة أشأم على المسلمين وأشنع مما جلبه يهود على أنفسهم وغيرهم بسبب العطف المزعوم على أشرافهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
    وليست الأمة المحمدية مقلدون لليهود في ذلك كما يزعم هؤلاء، بل هذه من شريعة المسلمين، وعليها أدلتهم، وإجماعهم، وكون ذلك نزل على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام في التوراة، فاليهود كتموه وأعرضوا عنه ولم يعملوا به وأماتوه؛ كما دل عليه ما أخرجه البخاري (7543): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى المَرْأَةِ، يَقِيهَا الحِجَارَةَ. وأخرجه مسلم (1699).
    وأخرج بعده (1700) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ» قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ، وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ»، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: 41] إِلَى قَوْلِهِ {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41]، يَقُولُ: ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا.
    ففي هذا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم على اليهوديين بما أنزل الله، كما أمره ربه عز وجل بقوله: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49].
    وكما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قررهم بما في التوراة، وحكم عليهم به أنزل الله فيها، فهو كذلك حكم عليهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أنزل عليه في القرآن الكريم، وهذا يدل على أن هذا الحد كما أنه مأمور به في هذه الملة، فهو مأمور به أيضا في الملل الماضية، ويؤيد ذلك أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم عليهم بما أنزل الله عليه: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَقَالُوا لِي عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا» فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا رواه البخاري (2695) ومسلم (1698).
    فتأمل طلبهم للقضاء بينهم بكتاب الله وتأكيده ذلك بقوله: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ» وفيه رجم الزانية المحصنة.
    ومما يدل على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بينهم بكتاب الله القرآن قول عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه في خطبة الجمعة على رؤوس المهاجرين والأنصار: إِنَّ اللَّهَ قد بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عليه الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عليه آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا فَرَجَمَ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إن طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ ما نَجِدُ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا الله وَإِنَّ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ على من زَنَى إذا أَحْصَنَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أو كان الْحَبَلُ أو الِاعْتِرَافُ اتفق عليه أخرجه البخاري (6830) ومسلم (1691).قال ابن الجوزي في كشف المشكل: فمعنى قول عمر: فيضلوا ـ أن الإجماع انعقد على بقاء حكم ذلك
    وفي رواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَذَكَرَ الرَّجْمَ فَقَالَ لا تُخْدَعُنَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ وَلَوْلا أَنْ يَقُولَ قَائِلُونَ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لَكَتَبْتُهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْمُصْحَفِ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَفُلانٌ وَفُلانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ أَلا وَإِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ وَبِالدَّجَّالِ وَبِالشَّفَاعَةِ وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَمَا امْتَحَشُوا رواه أحمد.
    قال النووي: قوله ( فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة ) هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج ومن وافقهم وهذا من كرامات عمر رضي الله عنه وَيَحْتَمِل أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ
    قلت: ونحن مؤمنون بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبين لكتاب الله قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44].
    وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء: 113] والحكمة هنا السنة عند جمهور المفسرين.
    ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4].
    ورب العزة سبحانه يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر:7].
    ويقول: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب36].
    ويقول: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
    فهذه الأدلة وغيرها كثير قاضية بوجوب قبول كل ما ثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون التفات إلى تقسيم السنة تقسيما حادثا إلى متواتر يقبل، وآحاد يرد عياذا بالله من ذلك.
    قال الحافظ في نزهة النظر: أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ عَلى وُجوبِ العَمَلِ بِكُلِّ مَا صَحَّ، ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ.
    وقال ابن القيم في اعلام الموقعين (3/491): وَاَلَّذِي نَدِينُ الله بِهِ وَلَا يَسَعُنَا غَيْرُهُ وهو الْقَصْدُ في هذا الْبَابِ أَنَّ الحديث إذَا صَحَّ عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يَصِحَّ عنه حَدِيثٌ آخَرَ يَنْسَخُهُ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْأُمَّةِ الْأَخْذُ بِحَدِيثِهِ.
    والله عزوجل هو الذي شرع أحكامه لخلقه، وليس العبد مشرعا لنفسه ولا لغيره قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * نَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية: 18-20].
    وقال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الشورى:13].
    وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى:21].
    وقال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [يوسف: 40].
    والقول بإلغاء هذا الحد البالغ الأهمية أو غيره من حدود الله لا قائل به من المؤمنين، ولا سلف لقائله هذا إلا من أنحس الناس على أهل القبلة، وأشد الناس فتنة ونكاية بالإسلام وأهله ممن يدعونه؛ وهم الخوارج، وبعض أفراخهم المعتزلة العقلانين الذين طال اعتداؤهم شريعة الله وكتابه وأسمائه وصفاته، وإجماع المسلمين.
    قال القرطبي في المفهم (7/216): إذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع المسلمين ، ولا التفات لانكار الخوارجِ والنّظَّامِ، الرَّجْمَ ؛ إمَّا لأنهم ليسوا بمسلمين عند من يكفِّرهم ، وإما لأنَّهم لا يعتد بخلافهم ؛ لظهور بدعتهم وفسقهم على ما قرَّرنا في الأصول.
    وقال النووي عند حديث (3199) وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب جَلْد الزَّانِي الْبِكْر مِائَة , وَرَجْم الْمُحْصَن وَهُوَ الثَّيِّب , وَلَمْ يُخَالِف فِي هَذَا أَحَد مِنْ أَهْل الْقِبْلَة , إِلا مَا حَكَى الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره عَنْ الْخَوَارِج وَبَعْض الْمُعْتَزِلَة , كَالنَّظَّامِ وَأَصْحَابه , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالرَّجْمِ. ا.هـ
    ونقل ابن عبد البر في الاستذكار (7/478): الإجماع على ذلك ثم قال:
    وأما اهل البدع والخوارج منهم ومن جرى مجراهم من المعتزلة فانهم لا يرون الرجم على زان محصن ولا غير محصن ولا يرون على الزناة الا الجلد وليس عند احد من اهل العلم ممن يعرج على قولهم ولا يعدون خلافا.
    وساق عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ايها الناس ان الرجم حق فلا تخدعن عنه فان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد رجم وكذلك ابو بكر ورجمنا بعدهما وسيكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم وبالدجال وبطلوع الشمس من مغربها وبعذاب القبر وبالشفاعة وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا
    قال ابو عمر: الخوارج والمعتزلة يكذبون بهذا كله عصمنا الله من الضلال برحمته. اهـ
    وقال ابن المنذر في كتابه الإجماع (112): وأجمعوا على أن الحر إذا تزوج تزويجاً صحيحاً، ووطئها في الفرج، أنه محصن يجب عليهما الرجم إذا زنيا.
    وقال ابن بطال في شرح البخاري (8/431): فالرجم ثابت بسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وبفعل الخلفاء الراشدين، وباتفاق أئمة أهل العلم؛ منهم مالك بن أنس في أهل المدينة، والأوزاعي في أهل الشام، والثورى وجماعة أهل العراق، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. ودفع الخوارج الرجم والمعتزلة واعتلوا بأن الرجم ليس فى كتاب الله تعالى وما يلزمهم من اتباع كتاب الله مثله يلزمهم من اتباع سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله تعالى : ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ [ الحشر: 7 ] فلا معنى لقول من خالف السنة وإجماع الصحابة واتفاق أئمة الفتوى ولا يعدون خلافًا.
    وقال ابن حزم في المحلى (11/231): اتَّفَقُوا كلهم حَاشَ من لاَ يُعْتَدُّ بِهِ بِلاَ خِلاَفٍ وَلَيْسَ هُمْ عِنْدَنَا من الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا إنَّ على الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ إذَا زَنَيَا وَهُمَا مُحْصَنَانِ الرَّجْمَ حتى يَمُوتَا.
    وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2/434) فَأَمَّا الثُّيَّبُ الْأَحْرَارُ الْمُحْصَنُونَ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ حَدَّهُمُ الرَّجْمُ إِلَّا فِرْقَةً مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ حَدَّ كُلِّ زَانٍ الْجَلْدُ.
    وقال ابن قدامة في المغني (9/35): وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا إلَّا الْخَوَارِجَ.
    وقال العيني في عمدة القاري (24/41): اسْتِحْقَاق الزَّانِي الْمُحصن للْقَتْل وَهُوَ الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ، وَأجْمع الْمُسلمُونَ على ذَلِك.
    قال الجصاص في أحكام القرآن (5/105) وقد أنكرت طائفة شاذة لا تعد خلافا الرجم وهم الخوارج وقد ثبت الرجم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبنقل الكافة والخبر الشائع المستفيض الذي لا مساغ للشك فيه وأجمعت الأمة عليه فروى الرجم أبو بكر وعمر وعلي وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وزيد بن خالد في آخرين من الصحابة..
    والحاصل: أن منكري ذلك على خطر عظيم:
    قال القاضي عياض رحمه الله في الشفا (2/238): وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب، أو خص حديثاً مجمعاً على نقله مقطوعاً به، مجمعاً على حمله على ظاهره ، كتكفير الخوارج بإبطال الرجم. اهـ
    وقال ابن حزم في طوق الحمامة (287) وقد أجمع المسلمون إجماعاً لا ينقضه إلا ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت.
    وقال الزجاج في معاني القرآن (2/178): وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ أي من زعم أن حكماً من أحكام اللَّه التي أتَتْ بها الأنبياءُ عليهم السلام باطل فهو كافر، أجمعت الفقهاءَ أن من قال إِن المحصَنَين لا يجب أن يرجما إذا زنيا وكانا حُرَّين كافِرٌ، وإنما كفر من رد حكماً من أَحكام النبي ﷺ لأنه مكذِبٌ له، ومن كذب النبي فهو كافر. اهـ
    وكذا قال الأزهري في تهذيب اللغة (10/112).
    وكذا قال النحاس في معاني القرآن (2/315): وقد أجمعت الفقهاء على أنه من قال لا يجب الرجم على من زنى وهو محصن أنه كافر. اهـ وكذا قال ابن منظور في لسان العرب (5/145).
    هذا ما قصدناه من الرد على منكري عقوبة الرجم في الإسلام بدافع الرحمة.
    وصدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فما تَعَارَفَ منها ائْتَلَفَ وما تَنَاكَرَ منها اخْتَلَفَ».
    وجاء عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: ما أسر عبد بسريرة إلا رداه الله رداء مثلها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر أخرجه أبو داود في الزهد (100).
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة (355): ولهذا جاء عن عثمان أو غيره أنه قال: ما أسر أحد بسريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه. اهـ.
    وقد وضعت الشريعة شروطاً من الصعب جداً توافرها قبل إيقاع العقوبة، فإن لم تتوافر هذه الشروط مجتمعة لا يقام الحد على صاحب الجريمة جلداً كان أو رجماً، فهذه الجريمة لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود عدول يشهدون عند القاضي أنهم رأوا الرجل والمرأة يزنيان، قال الله تعالى: ﴿ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور:13].

    وقد فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف رجلاً عفيفاً أو امرأة عفيفة بالزنا ثم لم يأت بأربعة شهداء، قال الله: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور:4].

    حتى لو شهد ثلاثة على رجل أو امرأة بالزنا، وذكروا أنهم رأوا منهما الزنا بلا خفاء، فإن هؤلاء الشهود الثلاثة يجلدون، ويَسلم الرجل والمرأة من حد الزنا؛ لكون الشهود لم يكونوا أربعة!
    قد قرر الفقهاء أنَّ الزاني إذا تاب قبل القدرة عليه، فإن التوبة تُسْقِط عنه الحد، وإذا رجع عن إقراره وكذَّب نفسه لم يُقم عليه الحد، وإذا اختلف الشهود في وصف الحادثة يسقط الحد عن المتهمين بالزنا ويجلد الشهود حد القذف!! بل لو أقر رجل بأنه زنى بامرأة وسمّاها، فإنه يُقام الحد عليه وحده، ولا يقام على تلك المرأة إلا إذا أقرت!

    ومن القواعد الشرعية المعروفة: «ادرءوا الحدود بالشبهات»، فأي شبهة فإنها تكون في صالح المتهم، ويجب على القاضي أن يسقط الحد عن الرجل أو المرأة بأدنى شبهة.

    وقد رغَّبت الشريعة الإسلامية في الستر على عورات المسلمين، وإمساك الألسنة عن ذكر الفاحشة إن وقعت، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور:19].

    وحين أقر ماعز الأسلمي رضي الله عنه بالزنا لم يستعجل النبي صلى الله عليه وسلم في رجمه، بل حرص على أن يجد أي مسوغ لمنع إقامة الحد عليه، وعاتب الرجل الذي حثه على الإقرار وتمنى أنه ستره، فعن نعيم بن هزال رضي الله عنهما عن أبيه ((أنَّ ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه، وقال لهزال: لو سترته بثوبك كان خيراً لك)). رواه أبوداود (4377)، وهو في السلسلة الصحيحة (3460).

    فهل بعد هذا كله يُقال: إنَّ جلد الزاني غير المحصن، ورجم الزاني المحصن يُنافي رحمة الشريعة وحكمتها؟!.
    ماذا يبقى للإنسان من آدميته وكرامته إذا تُركت هذه الفاحشة يُعلن بها أمراض القلوب من غير استحياء، ثم لا يمنعهم أحد من هذه الفاحشة؟! إن من يتجرأ على هذه الفعلة الشنيعة، ثم افتضح حاله حتى يراه هذا العدد في ذلك الوضع؛ لهو إنسان مفسد ضال مضل، ولو لم يتم بتره أو تربيته فإنه يشكل خطراً عظيماً على المجتمع كله.

    ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
    ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8]

    ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
    هذا والله ولي التوفيق وحق النقل والاقتباس والطبع مكفول لكل مسلم وسلمة حتى ولو لم يشر إلى المصدر المنقول عنه.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



    وكان الفراغ منه في الأول من يونيو 2021م.
    زهدي جمال الدين محمد
    الإسكندرية. جمهورية مصر العربية.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  5. #85
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



صفحة 9 من 9 الأولىالأولى ... 8 9

رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الصلاة بين اليهودية والمسيحية والإسلام
    بواسطة ابوغسان في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-11-2014, 04:02 PM
  2. حمل كتاب ( الخلاص فى اليهودية والمسيحية والاسلام )
    بواسطة limo2004 في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-11-2009, 09:45 PM
  3. مصطلح أبن الله فى اليهودية والمسيحية
    بواسطة حامد النمير في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-11-2008, 10:45 PM
  4. الله فى اليهودية والمسيحية
    بواسطة البريق في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 18-11-2007, 09:26 PM
  5. اليهودية والمسيحية تمهيد للأسلام
    بواسطة ali9 في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14-02-2006, 04:26 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام